فصل: باب: كتابة بعض عبد، والشريكين في العبد يكاتبانه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: كتابة بعض عبد، والشريكين في العبد يكاتبانه:

قال: "ولا يجوز أن يكاتب بعض عبد إلا أن يكون باقيه حراً... إلى آخر الباب".
12557- الكلام في مضمون الباب يتعلق بفصول: أولها-
الفصل الأول
القول في ذكر مواضع الوفاق والخلاف في مكاتبة بعضٍ من شخص، فنقول:
من نصفه حر، ونصفه عبد، إذا كاتبه مالك رقه في نصفه الرقيق، صحت الكتابة، بلا خلاف، فإن غرض الكتابة استقلالُ المكاتب، وهذا المعنى يحصل فيمن ذكرناه؛ فإنه يستفيد الاستقلال في نصفه الرقيق، وله حقيقة الاستقلال في نصفه الحر.
وإذا كان بين رجلين عبد مشترك، فكاتباه جميعاً على نجوم، ولم يختلفا في مقدار النجوم، والآجال، بل أثبتاها على استواء في النصيبين، فهذا صحيح وفاقاً، ولم نعن بالاستواء أن يكونا مستويين في الحصتين، بل إذا كان أحدهما مالكَ ثلثه والثاني مالكَ ثلثيه لم يؤثر ذلك. ولكن ينبغي أن يكون لصاحب الثلث ثلث النجوم المذكورة والآجال لا تختلف، فهذا ما أردنا بالاستواء.
ولو أراد أحد الشريكين أن يكاتب نصيبه، ولم يكاتب الثاني، فإن جرى ذلك بإذن الشريك، ففي صحة المكاتبة قولان منصوصان: أحد القولين- أنها صحيحة، اعتباراً بالعتق، والتعليق، والتدبير؛ فإن هذه التصرفات مقصودُها العَتاقة، ثم جرت في بعضها جريانَها في الكل، فلتكن الكتابة كذلك، وأيضاً؛ فإنه يستقل في نصفه استقلالَ من عَتَق نصفُه، فإذا كان لا يمتنع عتقُ البعض، وجب ألا يمتنعَ عقدُ العَتاقة في البعض.
والقول الثاني- أن الكتابة فاسدة. فإنه لا يملك المسافرة، وهي إحدى جهات الاستقلال، وتتعلق بها جهة ظاهرة في المكاسب، وأيضاً فإن صرف الصدقة إليه لا يجوز، فإن ما يأخذه إذا لم تكن مهايأة ينبسط على نصفيه، وذلك مستحيل في النصف الرقيق.
فقد ذكرنا صورتين في صحة الكتابة قولاً واحداً، ونصصنا على الصورة التي أجرى الشافعي قولين فيها.
12558- ونحن نذكر بعد ذلك صوراً تردد فيها طرق الأصحاب: منها- أن من ملك عبداً خالصاً، فكاتب بعضه؛ فالذي ذهب إليه الأكثرون وهو ظاهر النص أن الكتابة فاسدة، لما أشرنا إليه من نقصان الاستقلال، والسيد مقتدر هاهنا على الإكمال؛ فإن العبد خالص.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً مخرجاً في تصحيح الكتابة قياساً على التدبير والتعليق، ثم هذا يعتضد بحصول الاستقلال في ذلك المقدار، ونحن لا نشترط فيه دَرْكَ الكمال.
ومن الصور- أن أحد الشريكين إذا كاتب نصيبه من غير إذن صاحبه، فالذي ذهب إليه الأكثرون فسادُ الكتابة في هذه الصورة، وتخصيصُ القولين بما إذا فرض من أحد الشريكين عقد الكتابة بإذن صاحبه، وذهب طائفة من المحققين إلى تخريج القولين في هذه الصورة؛ وهذا منقدح؛ من جهة أن إذن الشريك لا يغيّر قضيةَ الكتابة في النصف، ولا يتضمن تكميل الاستقلال؛ حتى يقال: إذن الشريك تسليط له على المسافرة، أو يتضمن تجويزَ صرف الصدقة إليه؛ فإذا كان إذنه لا يؤثر في مقتضى الكتابة، فلا يبقى إلا تخيل تضرر الشريك إذا فرض نفوذ العتق، وهذا لا حاصل له مع نفوذ عتق الشريك.
وإن قيل: العتق المجرد له سلطان، والكتابة تتعرض للفساد والصحة، ثم للاستمرار والنقض، فلا يكاد يتضح بهذا فرق؛ فالتخريج في الكتابة بغير إذن الشريك أوضح من التخريج في كتابة بعض العبد الخالص للمكاتب.
ومن الصور التي نذكرها- أن الشريكين إذا كاتبا معاً على الصحة والاستواء، فلو عجز المكاتب، فارقّه أحد الشريكين، وأراد الثاني أن يُنظره إلى ميسرةٍ ومقدرة، فقد اختلف أصحابنا على ثلاث طرق: فقال بعضهم: تنفسخ الكتابة في نصيب المُنْظِر قولاً واحداً.
وقد أورد المزني هذه المسألة واستشهد بها في نصرة منع الكتابة في صورة القولين، ووجه هذه الطريقة أن الإرقاق يرد الشريك الذي رام التعجيز إلى حقيقة الملك، ونقض ما جرى الإذن به، أو التوافق عليه، فكان صاحبه في الإنظار كمن يكاتب نصيبه من غير إذن الشريك.
وقد قطع الشافعي جوابه بهذا ونص على القولين فيه إذا كاتب أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه.
ومن أصحابنا من قال: نصيب من يريد الإنظار يبقى على القولين، فإن التوافق على الكتابة رضاً من كل واحد بما يصنعه صاحبه، وإذا وقع الرضا به، فهو رضاً بتمام أحكامه، ومن أحكامه جواز الإنظار عند العجز.
ومن أصحابنا من ذكر طريقة ثالثة- وهي أن الكتابة تبقى في حق المنظر قولاً واحداً، وهذا التبعض محتمل في الانتهاء، وإن كنا لا نحتمله في الابتداء؛ لأن دوام العقود أقوى من ابتدائها، وهذا وإن أمكن توجيهه؛ من جهة أن الشرائط لا تُرعى في الدوام، وإنما تعتبر في ابتداء العقود، والطريقة غريبة مخالفة للنص.
ومما نذكره متصلاً بهذا: أن من مات، وخلف مكاتباً ووارثَيْن، فعجَز المكاتبُ، فارق أحدُهما نصيبه، وأراد الثاني إنظاره، فما ذكرناه من الطرق يجري في حق الوارث المُنظِر، ولعل الانفساخ أظهر في الوارثَيْن؛ لأن الكتابة جرت على جميع العبد ابتداء، فيبعد بقاؤها على البعض انتهاء.
ووجه تخريج الطرق أن الكتابة بعد الموت بين الوارثَيْن بمثابة كتابةٍ تصدر من شريكين، ولذلك يعتق نصيب أحد الابنين بإبرائه عن حصت من العموم، وهذا حكم حدث بعد موت المولى لتعدد الورثة، ولو أعتق أحد الوارثَيْن نصيبَه، وقلنا: لا يسري عتقه، فلو رق نصيبُ الثاني، ولم يُنظره، فهذا لا يعطف الفسخَ على ما عتق على حكم الكتابة؛ فإن العتق لا يُستدرك، وإذا نفذ على جهةٍ لم نغيّر الجهة.
ومما يتعلق بالكلام في هذا الفصل: أن العبد إذا كان مشتركاً بين الشريكين مناصفةً، فلو كاتبه أحدهما في نصيبه على ألف، وكاتبه الثاني على ألفين، أو غايرا بين نجوم الكتابة، أو لم تنشأ الكتابة معاً، فكل ذلك يخرّج على القولين، وإنما يتفق على صحة الكتابة، إذا حصل الاستواء في النجم مقداراً، وتأجيلاً، وحصل الإنشاء معاً، ولو أنشآ على الاختلاف معاً، فقبل المكاتب، فهذا بمثابة ما لو انفرد أحدهما بمكاتبة نصيبه بإذن شريكه؛ فإن الشريك وطّن النفس على الكتابة، فلم يبق له حق مُتخَيَّل يُرعى فيه إذنه.
هذا نجاز الكلام في الفصل الأول، وقد وضح فيه ما يصح ويفسد، وما يختلف فيه في إيراد الكتابة على البعض من العبد.
الفصل الثاني
12559- فيه إذا كاتب الشريكان العبد على الصحة حيث يمطع بها، والمقصود بيان كيفية الأداء إلى الشريكين، فنقول:
ينبغي أن لا يسلّم إلى واحد حصته من نجمٍ، حتى يسلّم حصة الثاني إليه، فإذا وفّر الحصتين من النجوم على الجمع والاقتران، حصل العتق، ولو أراد أن يقدم أحدهما بحصته لم يكن له ذلك من غير إذن من يؤخِّرُه، وليس هذا كالديون المجتمعة على معسرٍ لم يُحْجَر عليه؛ فإنه قبل الحجر يقدم من يشاء، والمريض في مرض موته يقدم من غرمائه من يشاء.
أما الشريكان في المكاتب، فحقهما يتعلق بكسبه، ولكل واحد منهما حقُّ الملك في الكسب، والمكاتب بينهما كعبد مشترك بين شريكين، ولو سلم المكاتب إلى أحدهما تمام حصته من غير إذن صاحبه، لم يعتق منه شيء؛ لأن أداءه لا يصح، ونزيد، فنقول: لو سلّم إلى أحدهما تمام النجوم، فالمذهب أنه لا يعتق منه شيء، ولو سلّم الكل إلى أحدهما وقال له: وكلتك بتسليم حصة شريكك مما قبضت، فلا يَعْتِق منه شيء، والسبب فيه أن الشريك لم يملك ما لم يسلم إليه، ويستحيل أن يملك القابض شيئاً ما لم يملك شريكُه مثلَه.
هذا هو المذهب المعتمد.
وحكى العراقيون وجهاً بعيداً أنه إذا سلّم إليه التمامَ عَتَق منه نصيب القابض، ووجّهوا هذا بأن قالوا: لا يجب عليه أن يرفع يده إلا عن نصف ما قبض، فليقع الحكم باستقرار ملكه في حصته.
وهذا ليس بشيء؛ فإن الأصحاب مجمعون على أنه لا يحصل للقابض ملك في شيء مما قبض، حتى يحصل لصاحبه الملك، ولا ينفع مع هذا تلبيسٌ برفع اليد-إذا كان الملك يحصل عند رفع اليد- فليقع النظر إلى حالة حصول الملك.
ولو وكل أحد الشريكين صاحبه بأن يقبض حصته من النجوم، ثم جاء المكاتب بالنجوم وسلمها إلى الشريك الوكيل، فيحصل العتق، ويجري ملك الشريكين في المقبوض.
ولو أذن أحد الشريكين للمكاتب في تقديم شريكه، فجرى على إذنه، ووفّر على الشريك حصته، ففي صحة الأداء قولان. واختلف أصحابنا في أصلهما: فمنهم من قال: هما مبنيان على القولين في مكاتبة أحد الشريكين بإذن صاحبه، فالإذن في التبعيض آخراً كالإذن في التبعيض أولاً. ومن أصحابنا من قال: أصل القولين تبرع المكاتب إذا جرى بإذن السيد، وهذا البناء أوضح وأفقه. فإذا لم يصح التبرع بالإذن، فلا يحصل الملك، وإذا لم يحصل الملك، لم يترتب العتق.
وكل ما ذكرناه في الكتابة الصحيحة.
12560- فأما إذا فسدت الكتابة بوجه من الوجوه التي ذكرناها، فالعتق يحصل على الجملة، ويثبت التراجع بين المقبوض والقيمة، على ما تمهد ذكره في أحكام الكتابة الفاسدة.
وإن كاتب الشريكان على الفساد وجاء المكاتب إلى أحدهما ووفر عليه نصيبه، فالذي جاء به لا يتأتى التمليك في كله، فهو كما لو جاء المكاتب بمغصوب وقبضه السيد، وفي حصول العتق قولان، قدمنا ذكرهما، وسبب جريان القولين اعتمادُ الكتابة الفاسدة الصفةَ، وقد ذكرنا أصل هذا وتفصيله مستقصى فيما سبق.
وإذا كاتب أحد الشريكين نصيبه حيث يُقطع في بعض الطرق بالفساد لو كاتب مالك العبد بعضه وحكمنا بالفساد، فإذا وجدت الصفة، حصل العتق. واستتباع الكسب بحسبه، وجرى فيه التراجع. وهذا لا يضر ذكره على وضوحه.
الفصل الثالث
12561- مقصوده السراية، فنقول: إذا كاتب الشريكان العبد وصحت الكتابة، فلو أبرأ أحدهما عن حصته، أو أعتق حصته، سرى العتق إلى نصيب صاحبه على مذهب الأصحاب.
وقال صاحب التقريب: ذهب بعض أصحابنا إلى أن العتق لا يسري؛ فإن الباقي منه مكاتب، والمكاتب لا يقبل نقلَ الملك، وإن أجزنا السراية يبطل نظمُ المذهب في السراية.
وقد قدمنا هذا وزيّفناه، وبنينا المذهب على القطع بتسرية عتق أحد الشريكين، وإجراءِ القولين في تسرية عتق أحد الوارثَيْن؛ من حيث إن ذلك تصرف من الوارث في مُكَاتَب الميت، وقد شببنا فيه بأن الملك لا ينتقل إلى الورثة في رقبة المكاتب على قول، فالبناء إذاً على سريان عتق الشريك، إذا حصل عتق حصته بالإبراء أو الإعتاق.
فإن قيل: لو قبض أحدُهما حصتَه، وعتق نصيبُه، فهل يسري العتق الحاصل بجهة الأداء، قلنا: هذا مُرتَّبٌ على صحة الأداء، وقد ذكرنا تفصيلاً طويلاً في قبض أحد الشريكين، وأوضحنا أن ذلك لو لم يكن بإذن الشريك، لم يصح أصلاً، فإن فرضنا تقديمه بإذن الشريك، ونفذنا ذلك، فيعتق حينئذ نصيبه، وإذا عتق سرى.
فإن قيل: هلا قلتم: لا يسري العتق؛ فإنه مجبر على قبول ما يسلّمه المكاتب إليه، وإذا حصل العتق بسبب لا اختيار فيه، فالوجه ألا يسري، كما إذا ورث الرجل النصف من أبيه، وعتق عليه؛ فإن العتق لا يسري إلى الباقي. قلنا: الأداء وإن كان يقترن به الإجبار على القبض، فالسيد بالمكاتبة جر هذا إلى نفسه، فكان كالمختار فيه وهو كما لو قال أحد الشريكين للعبد المشترك: إذا طلعت الشمس، فنصيبي منك حُر، فإذا طلعت عَتَق نصيبه، وسرى كذلك. نعم، لو مات المولى وخلّف وارثَيْن، وصححنا على حسب ما ذكرنا تخصيص أحدهما بحصته، فإذا قبض حصته بإذن صاحبه وعتق، لم يسرِ قولاً واحداً؛ فإنه مجبر على القبض، والكتابة لم تصدر منه، فلا جَرَمَ لم يسر عليه.
ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أن أحدهما إذا قبض حيث يصح القبض، وعتق نصيبه، فإن سرّينا، فلا كلام، وإن لم نُسرِّ، لم تنفسخ الكتابة في الباقي، ولا يخرج هذا على القياس الذي ذكرناه فيه إذا أرَقَّه أحدُهما وأَنْظر الثاني؛ فإن صاحب الإرقاق متمسك بملكه، وضرر التبعيض ينجرُّ عليه، وهذا لا يتحقق فيه إذا عتق نصيب أحدهما، فإنه لا يبقى لمن عَتق نصيبه تعلُّق. وأيضاً؛ فإنا نصحح عتق من نصفه حر ابتداءً، فجرى التبعيض على هذا الوجه اتتهاء، وهذا واضح لا خفاء به.
الفصل الرابع
في الإقرار والإنكار
12562- فلو ادعى العبد المشترك على الشريكين أنهما كاتباه، فإن أقام البينة، فلا كلام، والبينةُ شاهدان عدلان؛ فإن مقصود الكتابة العتقُ، وصفةُ البينة تُتلقَّى من المقصود، وفصل هذه الخصومة بيّن.
ولو كاتباه جميعاً، واعترفا بالكتابة، فقال المكاتب وَفَّرت عليكما حصتكما، فصدقه أحدهما دون الآخر، فنصيب الجاحد رقيق إذا حلف أنه ما قبض، ونصيب المُقِر عتيق بحكم إقراره، ثم الجاحد بالخيار: إن شاء، رجع على صاحبه بنصف ما اعترف بقبضه؛ فإنه يقول: قد اعترفتَ بقبض هذا المقدار، فو بيننا، وإن أراد أن يطالب المكاتب بتمام نصيبه، فله ذلك؛ فإنه يقول: وضعتَ الحق في غير موضعه، وأنا على طلب حقي منك بكماله.
فإن ناصف صاحبَه، وأخذ منه نصف ما قبضه، فيأخذ من المكاتب باقي حقه ليتم له نصف النجوم ثم المقرّ لا يرجع على المكاتب بشيء؛ لأن المكاتب يقول له: ظلمك الشريك، بأن أخذ نصف ما في يدك، فلا ترجع على غير من ظلمك، وإن رجع بجميع حقه على المكاتب، لم يرجع المكاتب على المقر بشيء أيضاً للعلة التي ذكرناها؛ فإن الشريك المقِر يقول للمكاتب: أنت مظلوم من جهة شريكي، فلا ترجع عليّ بما ظلمك به غيري. وهذا بيّن.
ولكن يتصل به كلام في السراية، وهو أن الذي اعترف بقبض حصته ينفذ العتق في حصته، فهل يسري هذا العتق إلى نصيب صاحبه؟ اختلف نص الشافعي. وذكر الأصحاب مسألتين، ونصين مختلفين، والذي تحصّل لنا قولان في السراية:
أحدهما: أن العتق يسري لحصوله في حصة المقر، فصار كما لو أنشأ أو أبرأ.
والثاني: لا يحصل السريان؛ فإنا إنما حكمنا بالعتق في حصة المقر تمسكاً بإقراره، وهو أقر بعتق النصيبين، ولو نفذ العتق في نصيب الشريك، لما كان للسريان معنى، فليس في إقراره ما يوجب السراية عليه، ولا ينبغي أن يزيد على موجب إقراره، فعلى هذا يقف العتق على حصته، ويبقى الحكم ببقاء الرق في حصة الشريك.
فرع:
12563- إذا أذن أحد الشريكين للمكاتب في تقديم صاحبه بحصته، وجوّزنا ذلك، فإذا وفّر عليه نصيبه، وكان بيده وفاءٌ بحصة الآخر، فكيف الحكم فيه؟ ولو عجز عن أداء حصة الآخر، فكيف الوجه؟
فنبدأ بما إذا عجز، فقد قال الأصحاب: للشريك الآذن أن يناصف صاحبه فيما قبض، لأن ما قبضه كسبُ عبدهما، وما تبرع الآذنُ بتمليكٍ، وإنما تبرع بتقديمٍ، فلا يخلص المقبوض للقابض بالإذن في التقديم، وسنبين نتيجة هذا في التفريع.
وقال ابن سريج: لا يستردّ الآن مما في يد القابض شيئاً؛ فإن القابض يقول: لما قدمتني، فقد رضيتَ بوقوع حقك من النجم في ذمته، فجرى ملكي جرياناً لا يُنْقَض، فهذا فيه فقه.
التفريع:
إن فرّعنا على مذهب ابن سريج، عتق نصيب القابض، وفي السراية من التفصيل ما قدمنا.
وإن قلنا: للشريك الآذن أن يأخذ نصف ما في يد القابض، فنتبيّن أنه لم يعتق منه شيء، فإن واحداً منهما لم يقبض حصته، فيخرج منه أن العتق موقوف.
وبهذا الفرع يتهذب ما قدمناه مجملاً في الأصول. هذا إذا عجز، وقد أدى حصته بالإذن.
فأما إذا كان في يده وفاء بحصة الآن، فالذي رأيت للأصحاب القطعُ بأنه لا يسري العتق، بل يؤدي حصةَ الآخر، وذلك لأن الإذن إنما جرى بالتقديم، ومن ضرورة التقديم توفير نصيب الآخر مع الإمكان، واتساع الوفاء. وهذا حسن فقيه.
فخرج منه أن قبض أحد الشريكين نصيبَه على وجه يُسَرِّي إلى نصيب صاحبه عسِر التصور، وإنما يجري على مذهب ابن سريج في صورة العجز، وقد يجري فيه إذا عجز المكاتب، وأرقه أحدهما، وأنظره الثاني، وصححنا ذلك، فيكون نصفه مكاتباً ونصفه رقيقاًً، وأكسابه منقسمة، فإذا وفّر على المنُظِر حصته، وأدى بحق الرق مثله إلى الشريك، فيعتق نصيبُ المنظِر، ويسري كما قدمناه.
ولو كاتب أحد الشريكين نصيبه بإذن الثاني، وصححنا ذلك، فيتصور أن يتوفر عليه النجم، مع توفير مثله على الشريك، ثم يحصل العتق، كما قدمناه ويسري.
فرع:
12564- قد ذكرنا أن المكاتَب بعضُه لا يأخذ الصدقة، هذا ما نقله الجمهور. ورأيت في بعض كلام الأصحاب ما يدل على جواز أخذ الصدقة، وما قيل من وجوب انقسام المقبوض على المكاتب والرقيق لا يتجه، بل يجوز أن يقال: يختص ذاك بالقدر المكاتب منه، فإن ذاك لا يجوز أن يكون كسبَ رقيق.
وقد تفصل الباب بما فيه تأصيلاً وتفصيلاً.

.باب: ولد المكاتبة:

قال الشافعي: "ولد المكاتبة موقوت... إلى آخره".
12565- نجمع في هذا الفصل تفصيلَ القول في ولد المكاتبة، وولد المكاتب.
فأما ولد المكاتبة، فنبدأ به، ونقول: إذا أتت المكاتبة بولد من زناً أو نكاح، ففي المسألة قولان:
أحدهما: أنه قِنٌّ للسيد لا تسري إليه الكتابة. والقول الثاني- إن الكتابة تسري إليه، على ما سنفصله في التفريع.
والقولان في ولد المكاتبة، كالقولين في ولد المدبَرَّة، غيرَ أن حكم ولد المكاتبة يخالف حكم ولد المدبرة وولدَ أم الولد، فإن موت الأم في الكتابة يوجب رقَّ الولد؛ لأنه كان لحقها في حق عقد، وإذا ماتت، ارتفع العقد وماتت قناً، وموت المدبَّرةِ وأمِّ الولد لا يوجب بطلانَ الحق في الولد.
وولدُ المكاتبة يخالف ولدَ المدبرةِ وولدَ أم الولد في شيء آخر، وهو أن عتق المكاتبة يوجب عتقَ الولد، وإذا أعتق السيد المدبرة، أو أم الولد، لم يعتِق الولدُ، بل لا يعتقان إلا بإعتاق السيد إياهما أو بموته، والسبب في ذلك أن إعتاق المكاتبة يُحَصِّل عتقَها على حكم الكتابة، وهذا قد يتجه مثله في المستولدة، ولكن الأمر على ما وصفناه.
فنعود إلى التفريع على القولين:
فإن قلنا: الكتابة لا تسري إلى ولد المكاتبة، فهو رقيق قِنٌّ للسيد، كسائر مماليكه، لا يتبع الأم في العتق. وإن قلنا: الكتابة تسري إلى الولد، فلسنا نعني به أنه مكاتب في نفسه مطالَبٌ بالنجوم، ولكن المَعْنِيّ به أن الأم إذا عَتَقَتْ على حكم الكتابة، عَتَق ولدها.
ثم على هذا القول حق الملك في الولد قبل اتفاق العَتاقة لمن؟ فعلى قولين آخرين:
أحدهما: أن حق الملك فيه للسيد، وإن كان قد يعتق بعتق الأم، والقول الثاني- إن حق الملك فيه للأم.
12566- وأهم ما نذكر في التفريع على هذين القولين الأخيرين ثلاثة أشياء: أحدها: حكم كسب الولد.
والثاني: حكم النفقة. والثالث: حكم إعتاقه إنشاءً.
فأما الكسب، فنقول: إن قلنا: حق الملك فيه للسيد، فالصحيح على هذا أن الكسب لا يصرف إلى السيد، ولا يصرف إلى المكاتبة، ولكن يوقف كسب الولد؛ فإن عتقت الأم وعتق الولد تبعاً، تبعه كسبُه، فيصرف الكسب إذ ذاك إلى الولد. وإن رق الولد، لمّا رقت الأم، فيصرف الكسب إلى السيد حينئذ.
ووجه هذا، أنا وإن جعلنا حق الملك في الولد للسيد، فليس للسيد أن يتصرف في الولد بالبيع وغيره، بل يتوقف فيه إلى أن يتبين أنه يعتِق أو يرِق، فليكن كسبه بمثابة نفسه.
وذكر العراقيون قولاً آخر بعيداً أن كسبه يصرف إلى السيد عاجلاً من غير توقف، وهذا ضعيف جداً حكَوْه وزيّفوه، والقياس تنزيل كسبه منزلَة رقبته، فإذا لم ينفذ تصرف المولى في رقبته، لم ينفذ تصرفه في كسبه، هذا كله إذا فرعنا على أن حق الملك في الولد للمولى.
وإن قلنا: إن حق الملك فيه للأم المكاتبة، فعلى هذا القول يصرف كسبه إلى المكاتبة يوماً يوماً من غير توقف؛ لتستعين به في الكتابة، وتتصرف فيه بما تتصرف في سائر مالها، وهذا اتفاق على هذا القول.
ولو عتقت وعتق الولد وفي يده بعض كسبه، فهو للأم، وليس للولد أصلاً، وكسب ولدها بمثابة كسب عبيدها.
12567- ومما فرّعه الأئمة أن قالوا: إذا قلنا كسب الولد موقوف-تفريعاً على أن حق الملك للمولى- فإن عتق، صرف إلى الولد، كما مضى. فعلى هذا لو فرض الرق في الأم، فلا يخلو: إما أن تُعجِّز نفسها، وتُبطلَ الكتابةَ من غير عجز، وإما أن تَعْجِز، ويضيقَ كسبها. فإن أرقت نفسها، وفسخت الكتابة من غير عجز، فتعود رقيقةً، ويعود ولدها رقيقاً للسيد، والكسبُ الموقوف للسيد.
ولو قال الولد عند ذلك: قد أبطلت أمي حقَّها، ولستُ أبطل أنا حقي فأؤدي نجومَ أمي من كسبي لتعتِق، حتى إذا عَتَقتْ عَتَقتُ، فليس للولد ذلك؛ إذ لا اختيار له في العتق، وتأديةِ النجوم، وإنما هو تابع لعتق الأم ورقها، والاختيار في الإرقاق لها؛ فلا يُلتفت إلى قول الابن: "أؤدي عنها"؛ فإن النجوم ليست مضروبة عليه، وما وظفت النجوم عليه، فكيف يتصور أن يؤدي إذا أَرَقَّت الأم نفسَها اختياراً مع القدرة.
فأما إذا عَجَزَتْ عن أداء النجوم، وللولد كسبٌ موقوف، فهل لها على هذا القول أن تأخذ من كسب ولدها الموقوف وتستعينَ به على أداء النجوم؟ فعلى قولين: ذكرهما العراقيون:
أحدهما: ليس لها ذلك؛ إذ لا حق لها في الكسب على هذا القول، وإنما هو للسيد، أو حق الولد لو عتق.
والقول الثاني- لها أن تأخذه قهراً إذا عجزت؛ فإن الأولى للولد ذلك، إذ لو عجزت لرَقّت ورَقّ الولد، وصار كسبه للسيد، ولو استعانت بالكسب، لعتقت وعتق، وربما يبقى له فضل كسب.
والأصح أنه ليس لها أن تستعين بكسب الولد؛ فإن ما نذكره تفريع على أن حق الملك للمولى، فإذا كان الكسب موقوفاً عن المولى، وجب أن يكون موقوفاً عن الأم. هذا كله كلام في الكسب.
12568- فأما النفقة: فالترتيب المستحسن فيه للعراقيين. قالوا: إن قلنا: إن كسب الولد للأم، فهو مصروف إليها من غير توقف، فالنفقة على الأم وإن لم يكن كسب، ولو كان كسبٌ فالخِيَرةُ إليها: إن شاءت، أنفقت من كسبه، وإن شاءت، أنفقت من سائر مالها.
وإن قلنا: إن الكسب مصروف إلى السيد في الحال من غير توقف فيه-وهو القول الضعيف الذي حكيناه- فالنفقة على السيد على كل حال، سواء كان للولد كسب أو لم يكن.
وإن قلنا: إن كسبه يوقف، فإن كان له كسب، فهو مصروف إلى نفقته على قدر الحاجة قولاً واحداً، فما فضل عن نفقته، فيوقف حينئذ، وهذا متفق عليه، على هذا القول، لا يسوغ فرض خلاف فيه، ولو لم يكن له كسب أصلاً، أو كان كسبه لا يفي بنفقته، فنفقته في هذه الصورة إذا لم يكن كسب، أو الزائد على الكسب على من؟ فعلى وجهين ذكرهما العراقيون:
أحدهما: أنها على السيد؛ فإنا إنما نقف كسبه على قولنا: إن حق الملك فيه للسيد، فعليه النفقة؛ إذ حق الملك له.
والوجه الثاني- أن النفقة لا تكون على السيد؛ إذ من الإجحاف به ألا يُصرفَ إليه الكسبُ عاجلاً لو كان كسبٌ، وتلزمه النفقة، فعلى هذا تكون النفقة في بيت المال، وهذا ضعيف جداً، وقد نجز القول في النفقة متعلقاً بالكسب مفرعاً عليه.
فأما الفصل الثالث وهو إعتاق الولد
12569- فهذا رتّبه العراقيون على ما قدمناه في الكسب. فقالوا: إن قلنا: الكسب يصرف إلى السيد من الوقت من غير توقف، فإذا أعتقه، نفذ عتقه فيه؛ فإن حق الملك له في رقبته وكسبه جميعاً. وإن قلنا: إن كسبه مصروف إلى الأم، فلا ينفذ عتق السيد فيه؛ فإنا إنما نصرف الكسب إلى الأم إذا جعلنا حق الملك للأم، فالولد بمثابة سائر أكسابها.
وإن قلنا: كسب الولد موقوف، وقلنا لو عجزت الأم، لم تستعن به أصلاً، فينفذ عتق السيد في الولد؛ فإنا على وقف الكسب نجعل حق الملك في الولد للسيد، ولا حقّ للأم في رقبته، ولا في كسبه.
وإن قلنا: إن الكسب يوقف، ولكن لو عجزت الأم، فلها الاستعانة به، ففي المسألة وجهان: أظهرهما- وهو ما قطع به العراقيون أنه لا ينفذ عتق السيد في الولد؛ فإن للأم حقاً في كسبه على الجملة؛ وفي تنفيذ عتقه قطعُ حقها من كسبه، عند تقدير العجز.
والوجه الثاني- أن عتق المولى ينفذ؛ فإنا نفرعّ على أن حق الملك في الولد للمولى.
12570- فإذا تمهدت هذه الفصول الثلاثة- الكسب والنفقة والإعتاق، فمما نفرعه بعدها على القولين، الكلام في أروش الجناية على الولد، فإذا جنى جانٍ عليه، لم يخل: إما أن يجني على طرفه، أو يقتله، فإن كانت الجناية على الطرف، لم تنته إلى القتل، فتفصيل المذهب في أرش الجناية كتفصيل المذهب في كسبه حرفاً حرفاً، وقد سبق.
وإن قتله الجاني، فلا يتأتى في هذه الصورة وقفُ قيمته؛ فإنا إنما نقف كسبه، وأروش أطرافه لتوقع عتقه في ثاني حاله، فإذا قُتل لم يتحقق هذا، ولكن في قيمته قولان:
أحدهما: إنها للسيد. فيصرف إليه من غير وقف.
والثاني: أنها للمكاتبة، فيصرف إليها، لتتصرف فيها بما تتصرف به في سائر مالها.
وذكر الصيدلاني وجهاً أنه إذا قُتل ولدها، فالقيمة مصروفة إلى السيد قولاً واحداً؛ لأن القتل والهلاك قطع أثر الكتابة في الولد، فعاد التفريع إلى قولنا: إن ولدها رقيق قن للسيد.
وهذا غير سديد، والصحيح إجراء القولين؛ فإن ولدها في قولٍ بمثابة عبد اشترته، غير أنها لا تبيعه. فلا وجه لقطع القول بصرف القيمة إلى السيد.
وقد نجز منتهى غرضنا في ولد المكاتبة.
12571- فأما المكاتب إذا استولد جارية، فأتت منه بولد، فلا خلاف أن الولد يتبعه، يعتِق بعتقه، ويرِق برقه، ولا يُخَرَّج فيه قولٌ أنه رقيق للسيد، وليس كولد المكاتبة، والفرق أن هذا الولد ولدته أمتُه المحكوم بأنها ملكُ المكاتب، فيقدَّر كأنها أتت به من نكاح أو سفاح، فيكون حقُّ الملك للمكاتب، وولد المكاتبة من نفسها، وهي ما ملكت نفسها، ولو ملكت نفسها، لعَتَقَت.
ثم إنا نقول في ولد المكاتب من أمته: حق الملك فيه للمكاتب قطعاً، ولو اكتسب، فلا يوقف كسبه، بل يصرف إلى المكاتَب؛ ليعمل به ما يعمل بسائر أكساب نفسه وعبيده، تعجيلاً من غير وقف، وهذا واضح بعد ما وقعت الإحاطة بما ذكرناه من أن ولد المكاتب من جاريته في حق الملك كولد جاريته من نكاح أو زناً، غير أنه لا يبيع ولدَ نفسه، فيعتق بعتقه ويرِق برقه، ولو عَتَقَ المكاتب وتبعه ولده في العتق، فصادف في يد ولده فضلَ كسب، كان قد اكتسبه في الكتابة، فهو مصروف إلى الوالد، لا حظ فيه للولد، ولو كان يُصرف إلى الولد إذا عتق، لوُقف له، وهذا لا شك فيه.
ويترتب على ما ذكرنا أن نفقة الولد على المكاتب على كل حال، والجملة أنه بمثابة سائر عبيده، غير أنه يبيع عبيدَه، ولا يبيع ولده، ولا ينفذ فيه عتقُ السيد، كما لا ينفذ عتقه في عبيد المكاتب، وهذا لا خفاء به.
12572- وقد ذكر العراقيون مسألة في الجناية، واضطربوا فيها، ونحن ننقل كلامهم على وجهه، قالوا: لو جنى الولد جناية، فتعلقت برقبته، إن كان له كسب، كان له أن يفديه من كسبه، وإن لم يكن له كسب، باعه في الجناية.
وهذا عندنا غلط ظاهر، وزلة تُفضي إلى هدم أصل المذهب.
والذي قطع به المراوزة أنه لا يملك فداء ولده، وإن كان في كسب ولده ما يفي بالفداء؛ فإن الفداء في معنى الشراء، ولم يختلف الأصحاب في أنه لو صادف ولده رقيقاً، لم يكن له أن يشتريه؛ فإنه يبذل في شرائه مالاً يملك التصرف فيه ولا يملك التصرف في رقبة ولده، فهذا يلتحق بتبرعه، وما ذكروه من جواز الفداء في كسب الولد لا خير فيه، فإن كسب الولد التحق بسائر أموال المكاتب، من جهة أنه يتصرف فيه تصرفه في سائر ماله.
ثم قال العراقيون: إذا جنى ولد المكاتب، ولا كسب، وأراد بيعه في الجناية، فله أن يبيع كله، وإن كانت قيمته تزيد على الأرش، ثم قالوا: يبيعه ويصرف قدر الأرش إلى المجني عليه ويأخذ الباقي، وهذا خطأ أيضاً.
والذي قطع به أئمتنا المراوزة أنه لا يباع منه إلا بقدر الجناية؛ إذ لولا الجناية، لما جاز بيع شيء منه، فليقع البيع على قدر الجناية، وهذا كما أن المرهون إذا جنى، فإنه يباع منه بقدر الجناية، فقد اختلف أجوبة العراقيين في الجناية من ولد المكاتب. واستدوا في كل ما قدمناه من القواعد.
وهذا نجاز الكلام في ولد المكاتبة والمكاتب.
12573- ونحن نختتم ما قدمناه بذكر تحقيقٍ. فنقول: أما ولد المكاتبة، فمأخذ اختلاف القول فيه في الأصول من اختلاف القول في ولد المدبرة؛ من جهة أن الكتابة عرضة للرفع كالتدبير، وليست هي مالكةً لنفسها، حتى يكون ولدها مستفاداً من ملكها. وولد المكاتب من جاريته في حكم أكساب المكاتب، وإلا فلا وجه لإتباعه إياه في العتق والرق؛ فإن صفة الولد في الرق والحرية تُتَلَقَّى من صفة الأم، والأم رقيقة، فكان ولدها في معناها، غير أن المكاتَب لا يقدر على بيعه.
وقد خرج مما ذكرناه أن الولد لا يكون مكاتباً على التحقيق؛ إذ لا يتعلق به طَلِبةٌ في النجم، وخرج مما مهدناه أن المكاتب لا يشتري ولده، وكذلك المكاتبة لا تشتري ولدَها، لِما أشرنا إليه من أن هذا بذل مال، هو عرضة التصرف في مقابلة ما لا يتأتى التصرف فيه. نعم، لو قبلا الوصيةَ بالولد، أو هبةَ الولد، صح ذلك، ثم يمتنع بيعُه، ولكنهما ينتفعان بكسبه وبأروش الجناية عليه، وسيأتي في هذا فضل بيان عند خوضنا في تبرعات المكاتب.
وخرج مما ذكرناه أن قول العلماء ولد المكاتَب مكاتبٌ عليه محمولٌ على أنه يعتق بعتقه ويرِق برقه، فأما أن تثبت له حقيقة الكتابة فلا.
12574- ومما نختتم به الفصل- القولُ في أمية الولد، فنقول: المكاتب إذا أحبل جارية من جواريه بإذن السيد، أو من غير إذنه، فحكم الولد ما قدمناه، فأما الأم، فهل تصير أمّ ولدٍ له؟ فعلى قولين:
أحدهما: أنها لا تصير أم ولد؛ لأن الاستيلاد إنما يثبت إذا علقت الأمةُ بولد حر، وهذه علقت بولد رقيق، فهي كسائر الجواري، يتصرف فيها بالبيع، وغيره من الجهات المُنَفَّذة، ئم إذا لم يثبت الاستيلاد في الحال، فلو عَتَق المكاتب، وتلك الجارية في يده، فلا تصير الآن أم ولد أيضاً؛ فإنها علقت برقيق، فصار كما لو نكح الحر أمة، فولدت منه ولداً رقيقاًً، ثم اشتراه الزوج، فلا تصير أم ولد له.
والقول الثاني- أنها تصير أم ولد، فيثبت لها في الحال من الحرمة ما يثبت للولد، فلا يبيعها، ولو عَتَق المكاتب، استقر الاستيلاد فيها، ولو رق وعجز، رقَّت أم الولد، وحرمتها لا تزيد على حرمة الولد.
فرع:
12575- إذا استولد المكاتب جارية من جواريه، وقلنا: لا تصير الجارية أم ولد، فلو عتق المكاتب، وولدت الجارية ولداً آخر بعد العتق بزمانٍ يحتمل أن يكون العلوق به بعد العتق، ويحتمل أن يكون في حال الكتابة؛ فإن أقر بوطءٍ بعد العتق يمكن ترتيبُ العلوق عليه، تثبت أميةُ الولد على الاستقرار، وإن لم يوجد من المكاتب إقرار بوطء بعد العتق، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنها لا تصير أمَّ ولد؛ فإن الولادة التي سبقت في الكتابة، لم يثبت لها حكم أصلاً، وقد ارتفعت الكتابة بالعتق، ولم يثبت إقرار جديد بالوطء بعد تغير الحكم بالعتق.
والثاني: تصيرُ أمَّ ولدٍ له؛ فإن الولد يَلحق المكاتَب، وهذه وإن لم تصر أمَّ الولد بما جرى في الكتابة، فقد صارت فراشاً له، فإذا أتت بولد بعد العتق، وقد صارت مفترشة حقيقة وحسّاً بما مضى، فيلحقه الولد، وتصير أم ولد بعد العتق.
وقد ذكرنا نظائر لذلك في كتاب العِدد، إذا اشترى الحر زوجته الأمة، وأتت بولد بعد ارتفاع النكاح لزمان يحتمل أن يكون العلوق به في ملك اليمين، ولم يوجد منه إقرار بالوطء في ملك اليمين.