فصل: باب: فيما يفسد النكاح من الشروط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: إتيان الحائض:

8204- مضمون هذا الباب قد سبق مستقصىً في كتاب الحيض، ولكنا نعيد ما يليق بهذا الباب إقامةً لرسم الترتيب، فالحائض يحرم وقاعها، والأصل فيه قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].
ثم الاستمتاعات على ثلاثة أقسام: أحدها: الاستمتاع بالفرج، وهو الوطء، فهو حرام بنص التنزيل والسنة وإجماع الأمة، ومن أقدم على وقاع حائض؛ فالمنصوص عليه في الجديد: أنه لا يغرَم شيئاًً، ويبوء بالمأثم إن تعمد، ونص في القديم على أنه يغرَم شيئاًً، ثم فيما يغرمه تردُّد للعلماء وأئمة الدين: فروي عن عمر أنه كان يأمر بإعتاق رقبة، وفي بعض الأحاديث: إن كان الدم عبيطاً، تصدق بدينار، وإن كان في أواخر الدم تصدق بنصف دينار، والحديث مروي عن ابن عباس. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى إجراء مذهب عمر وابن عباس وجهين مفرعين على القول القديم، فهذا هو الاستمتاع بالفرج.
وعن الأستاذ أبي إسحاق أنه حمل الدينار على مواقعتها في زمان الدم، وحمل نصف الدينار على مواقعتها بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال. وهذا رديء لا تعويل عليه.
والنوع الثاني من الاستمتاع- التمتع بما فوق الإزار من جهة السرة وتحته من جهة الركبة وهو مسوغ.
والثالث: الاستمتاع بما تحت السرة وفوق الركبة مع تجنب الوقاع، وفيه قولان أو وجهان، سبق ذكرهما في كتاب الحيض.
ومما يجب التفطن له أنه لا يسوغ للفقيه أن يجبن عن إطلاق تحريم وطء الحائض؛ مصيراً إلى أنَّ المحرم ملابسة أذاها؛ فإن التضمخ بذلك الأذى بعد الانفصال غير محرم، ويحرم وقاع الحائض وإن طهرت عن الأذى وغسلت المنفذ، فدل أن وطأها محرم.
فصل:
قال: "وإن كان له إماء، فلا بأس أن يأتيهن معاً... إلى آخره".
8205- إذا كان تحت الرجل حرائر، فلا يتأتى منه الجمع بينهن في الوطء إلا أن يرضين، فإن حق القَسْم يوجب عليه ألا يطأ واحدة في نوبة الأخرى، ثم لو وطئهن، فلا ينبغي أن نقضي بتحريم الوطء، ولكنه من جهة الانتساب إلى الانقضاض على حق الغير يعصي. وسيأتي تحقيق القول فيه في كتاب القَسْم، إن شاء الله تعالى، فلو رضين، فلا بأس أن يدور عليهن بغسل واحد، ولكن الأولى أن يخلل بين الوطء والوطء غُسلاً، فإن لم يفعل، فوضوء، فإن لم يفعل، فيغسل فرجه، ولعل المرعي فيه ألا تتصوّن المأتيّة الثانية عيافة وتقذّراً، ومن ذكر الوضوء، فهو مع غسل الفرج، ولولا ورود أثر في الوضوء، وإلا فلا معنى له مع قيام الجنابة وحصول تنظيف الفرج بالغَسل.

.باب: إتيان النساء في أدبارهن:

8206- هذا محرم عند الشافعي وأكثر العلماء، وحكي عن مالك إنه كان يبيح ذلك ثم رجع عنه، وقد راجعت في ذلك مشايخ من مذهب مالك يوثق بهم، فلم يرَوْا هذا مذهباً لمالك، وقال صاحب التقريب: من الناس من يضيف إلى الشافعي قولاً في القديم إنه لم يقطع بتحريم إتيان النساء في أدبارهن وتوقف فيه، وقال: ليس عندي دلالة في تحريمه. وقال محمد بن عبد الحكم: قال الشافعي: في تحريم ذلك حديث غير صحيح، والقياس عندي أنه حلال، وحكَى ذلك عن الربيع، فقال: كذب والله الذي لا إله إلا هو. ولقد نص على تحريمه في ستة مواضع من كتبه. وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأبهم السائل السؤال، فقال صلى الله عليه وسلم: «في أي الخُرْبتين أو الخَصَفَتين أو الخُرزتين؟ أمن دبرها في قبلها فنعم، أمّا من دبرها في دبرها فلا. إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن». وقيل: سبب نزول قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} [البقرة: 223] أن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها خلق الولد أحول. فنزلت الآية {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} والتلذذ بالدبر من غير إيلاج جائز؛ فإن جملة أجزاء جسد المرأة محل استمتاع الرجل إلا ما حرم الله تعالى من الإيلاج.
8207- ثم ذكر الأئمة ما يتعلق بالإيلاج في هذا المأتى من الأحكام، فقالوا: ما فيه تغليظ، فهو متعلق به، فيجب الحد إذا لم يصادف ملكاً أو شبهة، وسيأتي القول فيه في اللواط، إن شاء الله عز وجل، ويتعلق به فساد العبادات، ووجوب الغسل، والكفارة. وإن جرى على وجه الشبهة، تعلق به المهر، وإذا أتى الزوج زوجته في هذا المأتى، تقرر المهر، هذا ما اتفق عليه المراوزة.
وقال العراقيون: يتعلق بإتيان المرأة في دبرها مهر المثل، إذا جرى على وجه الشبهة على ما ذكره المراوزة، وهل يتعلق به تقرر المسمى من المهر في النكاح، فعلى.
وجهين، وما ذكروه من الوجهين في التقرير حسن، ولكن ينقضه القطع بوجوب مهر المثل في النكاح الفاسد.
وقد اضطرب الأئمة في أنه هل يتعلق به ثبوت النسب إذا جرى من السيد في أمته؟ فإن الوطء إنما يعتبر في ملك اليمين، ونفس إمكان الوطء في فراش النكاح يثبت النسب، فمنهم من قال: يتعلق به ثبوت النسب، فقد يسبق الماء منه إلى الرحم، ومنهم من قال: لا يتعلق به ثبوت النسب، أورده بعض المصنفين، وهو غير بعيد؛ فإن من أئمتنا من قال: إذا وطىء وعزل، لم يثبت النسب في ملك اليمين، والإتيان في هذا المأتى أبعد عن إمكان العلوق عن الوطء مع العزل؛ إذ قد يسبق بادرة من الماء لا يشعر العازل بها، والمأتى المحرم لا يفضي إلى الرحم.
وقال الأصحاب: يتعلق بالإتيان في هذا المأتى وجوب العدة والمصاهرة.
فهذا يندرج تحت ما يقتضي التغليظ.
ولا يتعلق به التحليل للزوج الأول، ولا الإحصان، وقطع أئمة المذهب بأنه لا يثبت للمأتية حكم الثيب مع بقاء العُذْرة، وأبعد بعض الأصحاب.
فزعم أنه يتعلق به حكم الثيابة، وهذا كان يحكيه شيخي، فلم أحكه-لبعده- في موضعه، ثم وجدته لطائفة من الأصحاب.
فهذا بيان ما يتعلق بذلك، وما لا يتعلق به.
8207/م- ووراء ما نقلناه نظر على المتأمل في بعض الأحكام: كنت أود لو لم يتعلق تقرير المهر بما ذكرناه، حتى نقرر أن هذا النوع ليس مما يُستحل، وحتى يلتحق إتيان النساء في هذا المأتى بإتيان الرجال، ولكن الأصحاب اتفقوا على ما ذكرته من إيجاب المهر وتقريره، ولعل السبب فيه أنه على الجملة وطء في محل الاستمتاع، ولذلك لا يجوز أن يتعلق به الحد، ومن يأتي غلامه المملوك أُلزم الحد بإتيانه، وكأنّ إتيان المرأة في غير المأتى يشابه إتيانها في المأتي إذا كانت حائضاً، ولهذا قال الشافعي: إذا كان يحرم إتيان الحائض لما بها من الأذى، فيجب أن يحرم الإتيان في غير المأتى، لأن الأذى دائم، وما قال الشافعي هذا قياساً، وإنما قاله تلقياً من قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] ففهم منه الشافعي التعرض لما ذكرناه، فجرى كلامه استنباطاً من القرآن لا قياساً.
8208- فإن قيل: إذا جريتم على القول القديم في إيجاب الحد على من يطأ مملوكته المحرمة عليه بالرضاع، فهل يتجه إجراء هذا القول في إيجاب الحد على الذي يأتي زوجته في غير المأتى؟ قلنا: لم يشر إلى هذا أحد من الأصحاب، لا تعريضاً ولا تصريحاً، بل صرحوا بنفي الحد، ولمَّا فرعوا على القول القديم، قطعوا بأن وطء الزوجة في حالة الحيض لا يوجب الحد، والإتيان في غير المأتى بين وطء الحائض وبين وطء المملوكة المزوجة، وتشبيهه بوطء الحائض أقرب، والعلم عند الله تعالى.
وهذا التردد في الاحتمال من طريق المعنى، والذي نقلناه قطعاً من قول الأصحاب نفيُ الحد، وإيجاب المهر.
ولم يختلف علماؤنا في أنه تتعلق به العدة؛ فإنَّا نعلق وجوب العدة بالتغييب من غير إنزال، وبإتيان الصبية التي لا تحبل.
ومما يدور في الخلد قَطْع الأصحاب بأنه لا يتعلق به التحليل والإحصان.
وسيأتي قول غريب-إن شاء الله تعالى- في أن التحليل يتعلق بالوطء في النكاح الفاسد، وكان لا يبعد أن يلحق الإتيان في هذا المأتى في النكاح الصحيح بالإتيان في المأتى المستقيم في النكاح الفاسد، ومن عادة الأئمة ترك التفريع- على الأقوال البعيدة في غير محالها.
وقد انتجز المراد من مضمون الباب.

.باب: مختصر الشغار:

8209- نكاح الشغار باطل، وهو أن يزوج الرجل ابنته من رجل على أن يزوجه ذلك الرجل ابنته، وبُضع كل واحدة منهما صداقُ الأخرى. هذه صيغة نكاح الشغار.
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار، وراوي الحديث ابن عمر: روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار، وهو أن يقول الرجل: "زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ويكون بضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى". فيجوز أن يكون هذا تفسيراً عن ابن عمر، ويجوز أن يكون هذا منقولاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والشغار من قولهم: شغر الإقليم عن الوالي، إذا خلا عنه، وقيل: هو من قولهم شغر الكلب، إذا رفع إحدى رجليه ليبول، فمن أخذه من المأخذ الأول سمى النكاح شغاراً لخلوه عن المهر، ومن أخذه من المأخذ الثاني، فمعنى الشغار عنده أن المزوج يقول: لا ترفع رجل ابنتي مستمتعاً بها إلا وأرفع رجل ابنتك.
وهذا الضرب باب من أبواب أنكحة العرب، وهو من الأنحاء التي ذكرتها عائشة، وقالت: كان النكاح في الجاهلية على أربع أنحاء، والعرب لها أنفة وغيرة وحمية جاهلية، وهي التي حملتها على الوأد، وكانوا إذا زوّجوا لم يرضوا أن يزوجوا ما لم يتزوجوا.
فإذا تبين الخبر، ومعناه التصوير على الجملة، فإنا نذكر بعد ذلك الترتيبَ المشهورَ في المذهب و غيرَه، بذكر طريقة مأثورة عن القفال.
8210- فأما الطريقة المعروفة، فقد قال الأصحاب: إذا قال: زوّجتك ابنتي هذه على أن تزوّجني أختك-ولا اختصاص بصنف- والغرض مقابلة تزويج بتزويج، فإذا اجتمع شرطُ التزويج في التزويج، وتخليةُ العقد عن الصداق؛ والتصريح بجعل البضع صداقاً، فهذه صورة القطع بالفساد عند جماهير الأصحاب، ولا معتمد عندنا من طريق المعنى، والتعويل على الخبر مع الاتفاق على أن النواهي في هذه الأبواب محمولة على الفساد.
ولو رددنا إلى المعنى، لما أدركنا فساد النكاح الذي صورناه. فإنا إن نظرنا إلى الخلو عن المهر، لم نجد ذلك مفسداً للنكاح، وإن نظرنا إلى شرط عقد في عقد، لم نجد ذلك مفسداً للنكاح أيضاًً؛ فإنه لو قال: زوجتك ابنتي هذه على أن تبيعني دارك؛ صح النكاح، وسنوضح أن أمثال هذه الشرائط لا تؤثر في إفساد النكاح، إن شاء الله تعالى.
وأما قول المزوج: على أن يكون بضع كل واحدة صداقاً للأخرى، مع تمسك الأصحاب بأن هذا تشريك في البضع، فليس فيه ما يوجب إفساد النكاح؛ فإن التشريك على حكم الزوجية في البضع هو المستند، وليس المذكور في هذا النكاح تشريكاً في الزوجية، وإنما هو إضافة البضع من طريق العوضية والتمليك إلى شخص، فقد بطل هذا من طريق المعنى.
وقد قال الأصحاب: إذا تزوجت الحرة عبداً، وشُرط في النكاح أن تكون رقبة الزوج صداقاً لها، فالنكاح يفسد لفساد الصداق في هذه الصورة؛ فإن مقتضى التسمية أن يكون الزوج مملوكاً لزوجته، وهذا محال. وإذا اشترت الحرةُ زوجَها أو ملكته بجهة أخرى، اقتضى ذلك انفساخ النكاح؛ فإذا شُرط جعل الزوج صداقاً، فسد النكاح، وهذه مسألة لم أسمع فيها خلافاً، وكان يمكن من طريق الاحتمال أن يقال:
النكاح يصح والتسمية تفسد، ولكن لم يسمح بهذا أحد من الأصحاب في مبلغ بحثي، ولعلي أعود إلى هذه المسألة في بقية النكاح، أو كتاب الصداق.
8211- فإذا تبين أن فساد نكاح الشغار ليس مأخوذاً من جهة المعنى، وإنما التعويل فيه على الخبر، فنعود بعد ذلك إلى ترتيب المذهب. فإذا قال: "زوجتك ابنتي هذه على أن تزوجني ابنتك"، فقد اختلف أصحابنا في هذه الصورة، فذهب الأكثرون إلى الصحة؛ من جهة أنه لم يقل: وبضع كل واحدة صداق الأخرى.
ومن أصحابنا من حكم بالإفساد، غير معوِّل على المعنى، ولكن في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار، وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه صاحبُه ابنته، فَرُوي هذا القدر من غير مزيد.
ولو قال: زوجتك ابنتي هذه بألف على أن تزوجني ابنتك، فالنكاح يصح في هذه الصورة، لا لجريان ذكر المهر، ولكن لم يرد تفسير الشغار بهذه الصورة على هذا النحو، واشتمال النكاح على المهر يخرجه عن معنى الشغار إذا أخذ من الخلوّ، فليكن التردد على اللفظ ومعناه، وما جاء في تفسيره، ولن يفلح من يتلقى تفاصيل هذه المسائل من طرق المعنى.
ولو قال: زوجتك ابنتي هذه بألف على أن تزوجني ابنتك وبضع كل واحدة صداقُ الأخرى، ففي صحة النكاح على هذه الصيغة وجهان:
أحدهما: الصحة لاشتمال النكاح على المهر وخروجه من معنى الشغار.
والوجه الثاني- إنه لا يصح لما في اللفظ من الاشتراك في البضع، وهذا من هذا القائل مشعر بالتحويم على معنى الاشتراك، وهو باطل لا يصلح للتعويل، كما قدمت ذكره.
فالخارج إذن من هذه المسائل أن النكاح إذا خلا عن ذكر المهر، واشتمل على مقابلة النكاح بالنكاح، وجعل البضع صداقاً، فالقطع بالفساد، وإن شُرط نكاح في نكاح وعَرِي عن المهر، فوجهان، وإن ذُكر مهرٌ وجعل البضع صداقاً، فوجهان.
هذا هو الترتيب المعروف بين الأصحاب.
8212- وحكى أصحاب القفال عنه مسلكاً آخر في الباب، وهو أن نكاح الشغار إنما يبطل من جهة تعليق انعقاد النكاح الأول بعقد الثاني، فيقول المزوّج: زوجتك ابنتي هذه إن زوجتني ابنتك، فتعلق انعقاد النكاح الذي ينشئه بالعقد الذي يشترطه، وكانت العرب تفعل ذلك لما نبهنا عليه من أنفتها وغيرتها، وكانت لا تعقد على الجزم عقداً، بل كانت تعلّق، فجاء فساد النكاح من جهة التعليق؛ فإن جرى التعليق، فسد النكاح، وإن لم يجر، لم يفسد النكاح بالتخلية عن المهر، ولا بجعل البضع صداقاً.
وهذه الطريقة منقاسة حسنة، وليست بعيدة عما نقله الأثبات من عاداتِ الجاهلية. ثم إن كانوا وضعوا لمعنى التعليق لفظاً يقيمون منه هذا الغرض، فاللغة لغتهم، ومن استعمل ذلك اللفظ ولم يفهم المراد منه، فالقول في إطلاق اللفظ من غير فهم معناه يأتي في مسائل الطلاق، إن شاء الله عز وجل. وقد نجز غرض الباب.
وأحسن الطرق في المعنى طريقة القفال، ولكن لم أرها لغيره من أئمة الأصحاب، ولم ينقلها عن القفال شيخنا.

.باب: نكاح المتعة والمحلِّل:

8213- ترجم المزني البابَ بالمتعة والمحلل، ثم لم يجر ذكر المحلل.
فنقول أولاً: نكاح المتعة فاسد، وذلك أن ينكح الرجل نكاحاً مؤقتاً إلى أمد معلوم، وإذا انتهت المدة، ارتفع النكاح. هذا معنى المتعة. واشتقاقها أن الغرض من النكاح المؤقت تمتع في أيام معدودة من غير طلب تواصل وأمدٍ يعتاد إدامته، فهذا فاسد، وقيل: كان مباحاً في ابتداء الإسلام، وكان لا يتعلق به طلاق، ولا ظهار، ولا إيلاء، ولا توارث، ثم نُسخ، وذهب إلى نسخه معظم العلماء.
وعن ابن عباس وجماعة من أهل مكة-حرسها الله- أن نكاح المتعة ثابت بعدُ، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر عن نكاح المتعة وأكل لحوم الحمر الأهلية، وقال: هما حرام إلى يوم القيامة".
فهذا بيان ما كان في نكاح المتعة، وذكر ما استقر عليه الشرع، فمن نكح الآن نكاحاً مؤقتاً ووطىء مع العلم بالتحريم، فظاهر المذهب أنه لا حد عليه، ولا تعويل على قول ابن عباس فيه، وسيأتي تأمل في ذلك في كتاب الحدود، إن شاء الله عز وجل.

.فصل: في المحلِّل:

8214- إذا طُلقت المرأة ثلاثاً، حرمت على المطلق حتى تنكح زوجاً غيره، ويطؤها الزوج، ثم تبين وتخلو عن العدة؛ فإذ ذاك يحل للأول نكاحُها.
والوطء في ملك اليمين لا يحلل إجماعاً.
ولو جرى الوطء في نكاح شبهة، فظاهر المذهب أنه لا يفيد التحليل، وذكر بعض أصحابنا قولاً غريباً أنه يفيد التحليل. ثم قال أئمة العراق: هذا القول إنما يخرج إذا جرى نكاح وكان فاسداً، فيحسب صحيحاً على الشبهة، فأما إذا وطئها الرجل على ظن أنها زوجته، فلا يحصل التحليل بذلك. هكذا قالوه. ولا ذكر له فيما بلغني من طريق المراوزة، ولكن ما نقلته عنهم في ذلك صحيح عندي على مأخذ المراوزة؛ فإنه عز من قائل قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَه} [البقرة: 230] فلابد من جريان نكاح، ثم قد يحمل لفظ النكاح على الفاسد على بعد.
فأما المصير إلى التحليل من غير نكاح، فبعيد.

.باب: فيما يفسد النكاح من الشروط:

8215- ثم تكلم الأئمة في الشرائط التي لا تُفسد النكاح والتي تفسده.
فنقول: إذا نكح الرجل امرأة، وشرط ألا يتزوج عليها ولا يتسرّى، وشرط ألا يسافر بها، أو ما جرى هذا المجرى، فشيء من هذه الشرائط لا يؤثر في صحة النكاح؛ والسبب فيه أن ما ذكرناه ليس مما يتعلق به مقصود النكاح، والشرط إنما يؤثر في العقد إذا كان قادحاً في مقصوده، وقول القائل: زوجتك على أن تهب من فلان شيئاًً، فلا تعلق للهبة بالتزويج، وهو بمثابة ما لو قال: بعتك هذا العبد على ألا تكسوَه إلا الخز، فالشرط فاسد والبيع صحيح. وشرْطُ عدم التزوج في النكاح بمثابة اشتراط ترك المسافرة فيما نحن فيه.
والتأقيت في النكاح يفسده، لأنه في عين مقصوده؛ ففسد النكاح.
ولو شرط في النكاح أن يطلّقها، فظاهر المذهب أن النكاح لا ينعقد، وذكر بعض أصحابنا قولاً غريباً، إن النكاح ينعقد والشرط يفسد.
التوجيه: من قال بالقول الأول احتج بأن شرط الطلاق بمثابة التأقيت، وكأن الشارط يقول: زوجتك إلى أبد، ثم الطلاق حتم عليك، فهذا في التحقيق تأقيت، ووجه قول من قال: إن الشرط يفسد ويبقى النكاح أن النكاح عُقد على الأبد، ثم شرط شرط فاسد لابد فيه من طريق التقدير من إنشاء الطلاق، وليس كذلك نكاح المتعة؛ فإن نكاح المتعة معقود إلى أمد، ثم لا عقد بعد انقضائه.
ولو زوج الرجل ابنته أو أمته وشرط ألا يطأها، أو لا يطأها إلا مرة واحدة، فقد ظهر اختلاف أصحابنا في أن النكاح هل يفسد بهذا الشرط؟ فمنهم من قال:
لا يفسد، ويفسد الشرط ويلغو، كما لا يفسد بالاقتراحات التي ذكرناها من نحو المنع عن التزوج والتسري والمسافرة وغيرها.
ومن أصحابنا من قال: يفسد النكاح؛ لأن شرط المنع عن الوطء تعرّضٌ لمقصود العقد، وعقد النكاح قابل للفساد كعقد البيع وغيره، وإنما تنفصل العقود بالتفاوت في القصود، فالمرعي في البيع ما يؤثر في المالية أو يجر لبساً وجهالة في العوض، والنكاح لا يفسد بجهالة العوض وفساده؛ فإن العوض ليس من أركانه، فأما ما يتعرض للمقصود وهو الحل؛ فيجب أن يؤثر.
ويجب أن يلتحق بهذا الخلاف ما لو قال: زوّجتك ابنتي على ألا تحل لك، فهذا في معنى شرط الامتناع عن الوطء.
ثم كل شرط لم نره مؤثراً، فلا كلام فيه، وكل شرط رأيناه مؤثراً، فلو ذكر بين الإيجاب والقبول، فسد النكاح به، ولو ذكر متقدماً على إنشاء العقد، فالمذهب أنه لا يؤثر.
وذكر بعض الأصحاب فيما نقله القاضي وجهاً بعيداً، أن التواطؤ قبل العقد بمثابة المذكور مع العقد بين الإيجاب والقبول، وهذا الوجه الضعيف مأخوذ من مسألة مهر السر والعلانية في الصداق، وسنذكر هذه الطرق على الاستقصاء ثَمَّ، إن شاء الله عز وجل.
8216- ثم مما يتعلق بذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله المحلِّل والمحلَّل له». فأراد بالمحلِّل الزوج الثاني، وأراد بالمحلَّل له الزوج الأول. واللعن محمول على فساد النكاح بشرط الطلاق، أو على تأقيته إلى أول وطأة؛ فإنه لو أقت كذلك، فسد النكاح من أصله وجهاً واحداً؛ فإنه نكاح متعة.
وفي شرط الطلاق الخلاف المقدم، ولم يقع التعرض للمرأة الموطوءة؛ لأنه يغلب عليها الجهل بحكم الواقعة، وقال بعض أصحابنا: النكاح وإن صح، فإذا جرى عن استدعاء من المحلَّل له، فإنهما يتعرضان للعن، ولا يسوغ في مروءة الدين ذكر ذلك في معرض الالتماس والاستدعاء، وإن لم يتعلق باستدعاء من الزوج الأول، فلا يحصل التعرض للعن. وفي بعض الألفاظ في المحلِّل أنه التيس المستعار، وهذا يشير إلى ما ذكرناه من استدعاء الزوج الأول، وهذا القائل يستدل بظاهر الحديث، فإن فيه اللعن مع التحليل، فدل أن واقعة اللعن في صورة صحة النكاح.
وكان شيخي أبو محمد يحمل اللعن على صورة فساد النكاح، ويقول: المحلِّل والمحلَّل له محمولان على الاعتقاد لا على التحقيق، وكان لا يُلحق استدعاء ذلك على وجه الصحة بالمحظورات، فإنه استدعاء أمر جائز في الدين. والأصح تحريم الاستدعاء كما ذكره الأولون، ولو لم يكن فيه إلاَّ خرق حجاب الهيبة والخروج عن سمت المروءة مع التماس الطلاق، لكان ذلك كافياً، وفيه أيضاًً صرف النكاح عن موضوعه؛ فإن النكاح ليس موضوعاً في الشرع للتحليل، بل هو موضوع لاستباحة المناكح على التأبد.
ثم إذا فسد النكاح، فظاهر المذهب أن الوطء الجاري فيه لا يفيد التحليل. وفيه القول البعيد الذي ذكرناه.
ثم لم يختلف المذهب في أن التحصين لا يحصل، والفرق أن التحصين إكمال واستجماع خصال في الفضائل، والتحليل في حكم الإرغام للزوج الأول، والإتيان بما تأنف منه النفوس ليكون ذلك كالمانع من استيفاء الطلقات.
فرع:
8217- لابد فيه من حقيقة الوطء، وهو إيلاج الحشفة، فلو استدخلت المرأة العضوَ منتشراً، حصل الغرض، ولو استدخلت ولا انتشار، فقد قال العراقيون: إن كان الانتشار في ذلك العضو، ولكن لم يكن منتشراً في ذلك الوقت الذي حصل فيه الاستدخال، ثبت حكم الوطء، ومن أحكامه فيما نحن فيه حصول التحليل. وإن كان العضو بحيث لا يتوقع انتشاره، فلا يحصل المقصود باستدخاله.
وكان شيخي يقطع بحصول الوطء بالاستدخال كيف فرض الأمر؛ فإنَّ العضو ليس خارجاً عن كونه فرجاً، فليقع الحكم عند حصوله في باطن فرج المرأة.
فرع:
8218- قد ذكرنا أن الاعتبار بتغييب الحشفة، فلو كانت الحشفة مقطوعة، فظاهر المذهب أن الجماع يحصل بتغييب قدر الحشفة من الباقي. وذكر العراقيون وجهاً آخر أنه لابد من الإيعاب، فإن الباقي من العضو في مقابلة الحشفة لو كانت.
التفريع:
إن اكتفينا بمقدار الحشفة، اعتبرنا التي كانت لهذا العضو المخصوص، وإن اشترطنا الإيعاب، وكان الباقي من العضو قدر الحشفة، فلا ينبغي أن تكون به مبالاة. واتفق الأئمة في الطرق على أن وطء الصبي في إفادة التحليل كوطء البالغ، كما أن الصبية إذا طلقت، فوطؤها في صباها كوطئها بعد بلوغها في إفادة التحليل.