فصل: باب: زكاة المعدن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: زكاة المعدن:

قال: "ولا زكاة في شيء يخرج من المعادن... إلى آخره".
2171- في نَيْل المعادن حقٌّ ثابت، والكلام في تمهيد الباب يتعلق بفصول: منها حق المعدن يختص بالتبرين، الذهب، والفضة، دون ما عداهما، وعلقه أبو حنيفة بكل جوهر منطبع مُنْطرق: كالرصاص، والنحاس، والحديد. وفي الأخبار ما يدل على تخصيص التبرين.
والفصل الثاني، والثالث، والرابع
في المقدار الواجب، وفي النصاب، وفي الحول.
الكلام في المقدار الواجب.
2171/م- وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الواجب ربع العشر؛ اعتباراً بزكاة الدراهم والدنانير.
والثاني: أن الواجب في نَيْل المعدن الخمس، وتوجيههما مذكور في الخلاف.
والقول الثالث: أنا نَفْصل بين ما يؤخذ عفواً من غير كثير تعب، وبين ما يستفاد مع نَصَب، فنوجب ربعَ العشر فيما يؤخذ مع التعب، ونوجب الخمس فيما يؤخذ نَدْرة.
فأما من أوجب ربع العشر، اعتبر واجب المعدن بما يجب في جنسه عند انقضاء السنة.
ومن أوجب الخمس اعتبر واجبه بواجب الرّكاز؛ فإن كل واحد منهما مركوز في الأرض.
ووجه قول الفَصْل: أن فيما سقت السماء العشر، وفيما سُقي بنضح ودالية نصفُ العشر، فإذا كان يختلف واجب ما تُخرجه الأرض بقلّة التعب وكثرته، فلا يمتنع مثلُ ذلك فيما يستفاد من النَّيْل.
الكلام في النصاب
2172- فإن قلنا: الواجب ربع العشر، فالنّصاب معتبر، وإن قلنا: الواجب الخمس، ففي اعتبار النصاب قولان:
أحدهما: يعتبر كما يعتبر النصاب في المعشَّرات عندنا، والثاني: لا يعتبر النصاب، كما لا يعتبر في الغنيمة، وإخراج الخمس منها- النصابُ.
الكلام في الحول
2173- ثم إن لم يُعتبر النصاب، فلا يعتبر الحول، وإن اعتبرنا النصاب، فهل يعتبر الحول؟ فعلى قولين: النصاب أولى بالاعتبار من الحول، ولذلك اعتبر النصاب في المعشرات، ولم يعتبر فيها الحول، والسبب فيه أنا لم نوجب الحقَّ ما لم يبلغ النصاب مبلغاً يحتمل المواساة في نفسه بمقداره، فأما الحول فمدة الارتفاق، فيبعد إثباتها في مال جملته رَفَق، وفائدة، ونَيْل؛ ولهذا نعتبر حساب النصاب في السخال، ولا نعتبر فيها حولاً مستجداً.
هذه قاعدة الباب. والأقوال معلومة.
2174- وفي القول الثالث وهو الفصل بين نيلٍ ونيلٍ نظر، فلابد من بيانه.
فما يحصل نادراً جملةً من غير حاجة إلى طحنٍ، ومعالجة بالنار، فهو الذي فيه الخمس؛ لأنه يحصل مع خِفّة العمل، فكان شبيهاً بما سقي بالأنهار، وما يحتاج فيه إلى الطحن والمعالجة، ففيه ربع العشر، كما يسقى بالنضح والدالية.
فإن اجتمع كثرةُ النَّيل، وسقوطُ العمل بالطحن والعلاج، فالخُمس.
وإن قلّ النَّيْل، ومست الحاجة إلى الطحن والعلاج، فربع العشر.
فإن كان يوجد شيئاً فشيئاً، على قلةٍ، ولكن كان لا يحتاج إلى الطحن والنار، أو كان يوجد الشيء الكثير، ولكن مع الطحن والعلاج، ففي هذا تردد للأئمة في الطرق، فمنهم من يعتمد العملَ في إيجاب ربع العشر، وسقوطَه في إيجاب الخمس، ولا ينظر إلى القلة والكثرة، ويجعل الكثرة كاتفاق كثرة الرَّيْع فيما يسقيه النضح، وكاتفاق قلة الرَّيْع فيما يسقيه السماء. وهذا قريب من الضبط.
ومنهم من قال: الاحتفار من المعدن إذا كان يكثر، عُدّ ذلك من العمل المعتبر، كالطحن والعلاج، فالنظر في ذلك عند هذا القائل إلى نسبة النَّيْل إلى العمل، أيّ عملٍ كان، ولأهل البصائر في ذلك جهاتٌ في الكلام، فربما يعدّون العمل كثيراً، والنيلَ بالإضافة إليه قليلاً، وربما يعدّون النيلَ كثيراً، والعملَ بالإضافة إليه قليلاً، وربما يعدّون ذلك مقتصداً. فمن يعد نيله بالإضافة إلى عمله قليلاً، أو مقتصداً، فواجبه ربع العشر، ومن عدّ نيله كثيراً بالإضافة إلى عمله، فواجبه الخمس. فهذا بيان هذا القول في هذه الطريقة.
2175- ولا يبين تحقيق القول فيه إلا بمزيد كشف، فيه تمام الإيضاح، فنقول: إذا كان استفادةُ دينار في اليوم مقتصداً، فلو استفاد ديناراً إلى قريب من آخر النهار، ثم استفاد بعملٍ قليل ديناراً، في بقية النهار، فلا نقول في الدينارين الخمس، ولكن في الدينار الأول ربع العشر، وفي الثاني الخمس، وتمام القول في ذلك أن الدينار إذا كان مقتصداً في اليوم، فَعَمِل العاملُ طول يوم، فلم يجد شيئاً، ثم إنه وجد في آخر النهار دينارين، فلا ينبغي أن نوجب في جميعه الخمس، ولكن نحط من جملته القدرَ المقتصد، وهو دينار، فنوجب فيه ربع العشر، ونوجب في الزائد الخمس، وهذا فيه احتمال على بعد؛ فقد يقال: الزمان الذي لم يصب فيه فقد حَبط، وخاب العاملُ فيه، وهذا الموجود الآن نادر فيجب الخمس فيَ كله، والأوجه ما قدّمتُه؛ فإنه لو عمل نهاره، ولم يصب شيئاً، ثم أصاب مقداراً لو يفرق على عمله، لكان مقتصداً كالدينار يصيبه من آخر النهار، فينبغي ألا يجب فيه إلا ربعُ العشر، وإذا كان كذلك، فالوجه في المسألة الأولى حطّ مقدار الاقتصاد، ونخصص الباقي بالخمس فهذا منتهى الكلام في ذلك.
2176- وإذا ثبتت الأصول فنبتدىء التفريع بعد ذلك، فإن لم نعتبر فيما يستفيده النصابَ، فلا شك أنا لا نعتبر الحول أيضاًً، ففي كل ما يستفيده واجبه في الحال، قلّ أم كثر، وقد مضى التفصيل في أن الواجب ربع العشر أو الخمس.
2177- وإن قلنا: يعتبر النصاب، ولا يعتبر الحول، فلا يخلو إما أن لا يكون له ذهب وفضة إلا ما يستفيده، وإما أن يكون له سوى ما يستفيده من النَّيْل، فالنيل المتواصل بعضُه مضموم إلى بعض، وذلك بأن يدوم العمل على العادة في مثله، ويدوم النَّيْل، فإذا اجتمع من دفعاتٍ نصاب، وجب الحق في الجميع، ما تقدم وما تأخر، وكانت الدَّفَعات مع الاستمرار والتواصل، بمثابة ما يتقدم وما يتأخر في ثمار النخيل، فالبعض مضموم إلى البعض، على التفصيل المذكور في الثمار، وذلك لأنها وإن ترتبت؛ فإنها تُعد دخلَ سنةٍ واحدة، فيعتبر هذا المسلك في النَّيْل، ثم الثمار يضبطها السنة، ونيل المعدن لا يضبطه السنة، والرجوع في التواصل إلى العرف الواضح بين أهله في الباب، فإن كان العمل متواصلاً، ولكن انقطع النَّيل، ثم بعد تخلل فصل عاد، ففي ضم الأول إلى الثاني اختلاف بين الأئمة: منهم من نظر إلى انقطاع النَّيْل، ولم يضم الأول إلى الثاني. ومنهم من نظر إلى تواصل العمل، ولم ينظر إلى النَّيل تواصَلَ، أو انقطع، ورأى الضَّم.
ولو انقطع العمل، وتخلل فصل يُعدّ مثله قطعاً، نُظر: فإن أعرض العامل عن العمل، فهذا باتفاق الطرق يتضمن قطع الأول عن الثاني، وهذا فيه إذا أعرض مِن غير عذر، فأما إذا انقطع العمل بعذر، نُظر: فإن كان ذلك الانقطاع بسبب الاشتغال بإصلاح آلات العمل كالمعاول وغيرها، فهذا يعد من تواصل العمل، فلا انقطاع، وإن كان بسبب مرض أو عارض شغل، ففيه وجهان:
أحدهما: أن ذلك قطع، والثاني: ليس قطعاً.
ورأى الأئمة قطعَ العمل بعذرٍ، بمثابة انقطاع النَّيل في المعدن.
2178- وانتظم من ذلك أن العمل والنَّيل إذا تواصلا، فالضم، وإن تواصل العمل وانقطع النيل، فوجهان. وإن أعرض من غير عذر، وظهر قطعه للعمل، انقطع وفاقاً. وإن كان معذوراً: فإصلاح الآلات بمثابة العمل على المعدن، وفي القطع بعذر المطر وغيره وجهان، ثم نفس قصد الإعراض لا يقطع، ما لم يحقق قصده بالترك زماناً، وليس كقصد القِنية؛ فإن نفسه يقطع الحول في التجارة، ثم إذا لم يقطع ضممنا جميع الدُّفَع، فإذا تم النصاب، فإذ ذاك، نوجب الحق.
ومن ذلك الوقت ينعقد حول الزكاة في المستقبل.
وإن حُكم بالانقطاع في بعض الصور، وكان قد استفاد مثلاً على التواصل تسعةَ عشرَ دينار، ثم انقطع، واستفاد بعد الحكم بالانقطاع ديناراً، أما التسعةَ عشرَ السابقة، فلا واجب فيها، وأما الدينار الذي استفاده آخراً بدَفعة أو على التواصل، فقد ضمّه الأئمة إلى التسعةَ عشرَ؛ فإنه مع الذي تقدم نصابٌ، وقد تحقق كمال النصاب، والحول ليس معتبراً، فيجب إخراج حق المعدن من الدينار الأخير.
هذا ما صار إليه جماهير الأئمة، وعلى ذلك بنى ابن الحداد.
2179- وذكر الشيخ أبو علي في الشرح وجهاً بعيداً عن الأصحاب: أنه كما لا يضم الأول إلى الثاني، لا يضم الثاني إلى الأول، فلا يجب في الدينار شيء من حق المعدن، كما لا يجب في التسعةَ عشرَ، وقال في توجيهه: التسعةَ عشرَ لو بقيت سنين، لم يتعلق بها واجب، فهي كالمنعدمة في هذا المعنى، فكأنها عَرْضُ قِنية، وهذا بعيدٌ، والمذهب كما تقدم.
ثم إذا تم النصابُ، فلا خلاف أنا من وقت تمام النصاب نحكم بانعقاد حول الزكاة في المستقبل.
وهذا الذي ذكرناه تفريع على أن النصاب شرطٌ، والحول غير معتبر. وما كان له مالٌ سوى ما يستفيد من النيل.
2180- فأما إذا شرطنا الحولَ مع النصاب، فنشترط في النيل المتواصل وقتَ كمال النصاب حولاً كاملاً، وابتداء الحول من تمام النصاب، واشتراط الحول بعيدٌ عن قاعدة المذهب.
فأما إذا كان له مالٌ سوى ما يستفيده من النيل، والتفريع على أن النصاب شرطٌ في واجب المعادن، والحول ليس بشرط، فذلك المال لا يخلو إما أن يكون نقداً، وإما أن يكون مال تجارة، فإن كان نقداً؛ مثل إن كان معه مائة درهم، فوجد مائة درهم من المعدن، فالذي ذكره ابن الحداد وتابعه المحققون عليه أنا نوجب في المستفادة من المعدن حقَّها؛ فإنها قد كملت بالمائة العتيدة الموجودة عند العامل على المعدن؛ فإن الشيء في النصاب مضمومٌ إلى جنسه، والحول غير معتبر في النيل على القول الذي نفرع عليه، فقد كمل النصاب لاتحاد الجنس، ولا حول.
وذكر الشيخ وجهاً بعيداً: أن حق المعدن لا يجب في هذه الصورة، وهذا وإن أمكن توجيهه على بُعد، فالمذهب ما قدمناه.
2181- فأما إذا كان عنده مال تجارة، مثل إن كان قد اشترى عرضاً للتجارة بمائة، وبقيت قيمته مائة، واستفاد من نيل المعدن مائة، فنذكر في ذلك ثلاث صور: إحداها- أن يجد المائة مع آخر جزء من الحول، بحيث يتم حول المائة مع هذا النيل، من غير فرض تقدم ولا تأخر، فإن كان كذلك، فحق المعدن واجب في المائة جرياً على ما مهدناه، وتجب زكاة التجارة في العرض المشترى للتجارة، والتفريع على أن الاعتبار في النصاب بآخر الحول، وقد تم النصاب بالنيل، في آخر الحول، فوجب زكاة التجارة في المائة، لكمالها بالنيل في آخر الحول، ويجب حق المعدن في المائة المستفادة لكمالها بمال التجارة، وهذا حسن.
ولكن نَيْل المعادن غيرُ مستفاد من جهة التجارة، وقد ذكرنا في زكاة التجارة فرعاً عن ابن سريج أن الجارية المشتراة للتجارة، إذا ولدت، لم يُضم الولد إليها في القيمة، على تفصيلٍ تقدّم، وإن صح أن ولدها لا يضم إليها، فالنَّيل أولى بأن لا يضم، وقد ذكرنا في شراء الأشجار للتجارة أن الثمار في حساب التجارة مضمومة، وهذا أيضاًً يخالف ما ذكره ابن سريج في الولد، ولسنا نحكم بقول ابن سريج على هذه الأصول، بل نستدل بما أجراه على تزييف ما حكيناه عن ابن سريج.
ثم هذا فيه إذا وجد المائة مع آخر حول للتجارة.
2182- فأما إذا كانت عروض التجارة في أثناء حَوْلها وقيمتها مائة، فوجد مائة من النيل، فقياس قول ابن الحداد إيجاب حق المعدن في المائة التي وجدها، فإنا نكمل النصابَ بالمائة في مالية التجارة، ونوجب حق المعدن، وإن كنا لا نوجب إلا زكاة التجارة في مال التجارة، فإن الحول إن كان معتبراً في مال التجارة، فهو غير معتبر في نيل المعادن، على القول الذي نفرع عليه.
وفي المسألة وجه آخر، حكاه الشيخ، وذكره العراقيون: أنه لا يجب في النيل حقُّه، وقد تقدم هذا الوجه.
2183- ولو اشترى عرضاً بمائةٍ للتجارة، وقيمتها مائة، وانقضى حول، ولم تزد قيمة السلعة، ومضى مثلاً شهر من الحول، ثم وجد مائة من نيل المعادن، فهذا ينبني على أنا إذا قومنا سلعةَ التجارة، فلم تبلغ قيمتُها نصاباً، ثم مضى شهر، فارتفعت القيمة، فبلغت نصاباً، فهل نوجب الزكاة الآن؟ فيه خلافٌ شرحته فيما تقدم.
فنقول: إذا وجد النيلَ بعد شهر من انقضاء الحول الأول، فهذا على الأصل الذي مهدناه، بمثابة ارتفاع السعر، بعد انقضاء الحول ثم في ارتفاع السعر خلاف، فإن أوجبنا فيه زكاةَ التجارة، فنقول: إذا وجد مائة من نيل المعدن في الحول الثاني، فإن قلنا: تجب زكاة التجارة بارتفاع السعر، فتجب زكاة التجارة بسبب وجود النيل، ثم إذا وجبت زكاة التجارة بسبب وجود النيل، فلا شك في وجوب حق المعدن في النيل، وإن قلنا: لا تجب زكاة التجارة بارتفاع السعر، فلا تجب أيضاًً زكاة التجارة بسبب وجدان النَّيْل، وهل يجب حق المعدن، وإن لم تجب زكاة التجارة؟ الظاهر أنه يجب، وفيه وجه آخر، وهو بعينه في هذا المنتهى بمثابة ما لو وجد النيلَ قبل انقضاء الحول الأول على مال التجارة، فهذا تمام البيان في ذلك.
2184- وذكر الشيخ أبو علي في الشرح هذه الأحوالَ الثلاثة، ولم يصوّر المال الأول في عرض التجارة، بل صور مائة درهم عتيدة، ووجد مائة من النيل، ثم حكى ثلاثة أحوال: أحدها: أن يجد النَّيْل قبل انقضاء حول المائة العتيدة، وذكر فيه المذهبَ الظاهر، والوجهَ البعيد، وهو بعينه صورة مسألة ابن الحداد، وهذا مستقيم، ثم فرض فيه إذا وُجد النَّيلُ مع آخر جزءٍ من حول المائة، فتجب الزكاة في المائة العتيدة، وفي النَّيل حقُّه، وهذا سهو عظيم، فإن المائةَ لا ينعقد عليها حول، حتى يفرضَ له وسط وآخِر، ولا شك أن المائةَ لا زكاة فيها، في الصورة التي ذكرها، وإنما انتظم ما ذكرناه في عَرْض التجارة، والحَوْلُ على ظاهر المذهب ينعقد عليه، والاعتبار فيه بآخر الحول بالنصاب.
فأما إذا كانت المائة نقداً، ولم يكن متَّجِراً فيها، فمهما وجد المائة من النيل، ففي حق النيل ما قدمناه، والمائة العتيدة تجري في الحول من وقت الكمال، هذا مما لا يتمارى فيه الفقيه.
وقد نجر الآن تفصيل القول في النصاب، والحول، والتكميل، والضم.
وما ذكره الأئمة في اختتام الكلام أنا إذا أوجبنا الخمسَ في نيل المعدن، فإنا نكمل المستفاد من النيل، بمال التجارة، وإن كان واجبهما يختلف، فالنظر في التكميل إلى اجتماعهما في اشتراط النصاب.
فصل:
2185- إنما يخرج حق المعدن عند التنقية، ولا يُجزىء إخراج تراب المعدن مختلطاً بالنَّيْل؛ فإن المقصود مجهول، وعلى العامل على المعدن القيام بمؤنة التنقية، كما على صاحب الزرع تنقية الحب، وعلى صاحب الثمار القطافُ والتجفيفُ على الجرين.
ثم قال الأئمة: بيع تراب المعدن وفيه نيله باطل؛ لأن المقصود مجهول، والجهالة مؤثرة في البيع، واشتهر خلاف الأئمة في التعامل بالدراهم المغشوشة، التي لا ينضبط مبلغ التبر فيها، فمن منع وجّه المنع بما ذكرناه من الجهالة، ومن جوّز يستدل بأن المقصود من النقود نفاذُها وجريانُها، وهذا متحقق مع الجهالة بمقدار التبر.
قال الشيخ أبو بكر: بيع المعجون جائز، فإن آحاد الأخلاط غيرُ مقصودة، وإنما المقصود المعجون في نفسه، فكأنه في حكم جنس متحدٍ وهذا الذي ذكره من تصحيح البيع صحيح، ولكن التعليل بما ذكره مختلّ؛ فإن الغرض يختلف بأقدار الأخلاط، اختلافاً ظاهراً؛ إذ لو رددنا إلى ما ذكرناه من جهالة المقصود، لَمَا صححنا البيع، ولكن السبب الظاهر في تصحيح البيع مسيسُ الحاجة؛ فإن المعاجين لو لم تكن عتيدة مهيّأة عند الاحتياج إلى استعمالها، لجر ذلك ضرراً عظيماً، فلا يستقل تعليل صحة البيع، ما لم يعضد بما ذكرناه، من معنى الضرورة، فليفهم الناظر ما يمر به.
وحكى الصيدلاني عن القفال أنه سئل عن بيع الثمار الجافة المختلطة على ما قد يعتاد في نيسابور، فقال: إنه جائز، كما يجوز بيع المعجون؛ فإنه يُقصد كذلك، وهذا لا أراه متفقاً عليه؛ إذ لا ضرورة، والأجناسُ المختلفة مشاهدة معاينة.
والأطعمة التي تطبخ من أجناس وتباع، كالحلاوات، وما يشبهها، يجوز بيعها، وقد يقال: لا يتحقق فيها من الضرورة ما يتحقق في الأدوية، ولكن لا ينظر إلى تفاصيل الأحوال، والحاجة ماسة إلى الأطعمة، والأدوية، والضرورة الحاقّة المرهقة ليست شرطاً؛ وإذا اشتهر الخلاف في النقود مع نفوذها، فلأن يجري الاختلاف في الفواكه أولى، والأجناس مشاهدة، والناس يتشاحون في أقدار تلك الأجناس.
فصل:
2186- مضمون هذا الفصل الكلام في الركاز والغرض يتعلق بفصولٍ، منها: القول في تصوير الركاز، وصفته، ومكانه.
ومنها: التفصيل في التداعي فيه.
ومنها: بيان حق الله تعالى فيه.
والذي أراه تقديمَ حكم الركاز، وبيان حق الله تعالى فيه، فنقول: الكلام في هذا يتعلق بشيئين:
أحدهما: الجنس الذي يتعلق به حق الله تعالى.
والثاني: مقدار الواجب.
فأما الجنس، فقد قال الشافعي في بعض كتبه في الركاز: لو كنت أنا الواجد، لخمّستُ القليل والكثير، ولو وجدت فخارة لخمّستها، والظاهر من المذهب أن الركاز الذي يتعلق به الحق هو التِّبران، كما ذكرناه.
وذكر أصحابنا قولاً آخر من تردد الشافعي: إن كل ما يصادف موضوعاً على أوصاف الكنوز، فيتعلق به حق الله تعالى. وذكر الشيخ أبو علي في شرح التلخيص وجهاً عن بعض الأصحاب أن حق المعدن لا يختص بالتبرين، بل يعمّ كلَّ مستفادٍ كما ذكرناه في القول البعيد في الكنز، ثم على هذا لا يختص بما ينطبع ويتطرق كما قال أبو حنيفة، بل يعم كل مستفاد، وهذا بعيد.
2187- فأما الكلام في المقدار الواجب، والحول، والنصاب، فلا خلاف أن الحول غير مرعي فيه، وواجبه الخمس، وفي اشتراط النصاب قولان:
أحدهما: ليس بشرط فيه، والثاني: إن النصاب مرعي فيه، والأصح أن النصاب لا يراعى فيه.
ونحن نذكر مراتب في النصاب في أصولٍ متفاوتة، حتى يبين مأخذُ الكلام فيها، فنقول: الزروع والثمار يعتبر النصاب فيها؛ فإنها مطلوبة بالأفعال الاختيارية وإن كان المستفاد منها موكولاً إلى أمور غيبية، فالحاصل منها متعلق بالتعب الذي يكاد أن ينضبط، فاعتبر أن يكون المستفاد بحيث لا يستوعبه مؤن التحصيل، وأقدار التعب، والنَّصَب.
وأما نيلُ المعادن، فإنه متعلِّق بالعمل بعضَ التعلق، ولكن الاختيار أبعدُ عن هذا الباب منه عن الزروع والثمار.
وأما الركاز، فإنه ليس مما يُجرَّدُ الطلب إليه، بل هو مما يقع وفاقاً غير متعلق بقصد مضبوط؛ فيبعد اعتبارُ النصاب فيه، فهذا بيان القول في هذه المراتب.
2188- ثم إذا وضح أن واجب الركاز الخمس، فالمذهب الظاهر أنه يصرف إلى مصرف الصدقات، وذكر بعض الأئمة قولاً بعيداً: أنه يصرف مصرف الفيء وهذا يوجه بأن الركاز مال جاهلي، كما سنصفه إن شاء الله تعالى، فلا يبعد أن يكون واجبه مصروفاً إلى مصارف الفيء؛ فإنه في الحقيقة مال جاهلي، اتفق الظفر به من غير إيجاف خيل وركاب، وهو صورة الفيء، وهذا بعيد.
والوجه أن يُصرف إلى مصارف الصدقات؛ إذ لو كان كالفيء، لما اختص واجده به، ولصرفت أربعة أخماسه إلى المرتزقة.
فإن قلنا: إنه يصرف إلى الصدقات، فواجب المعادن بذلك أولى، وإن قلنا: إنه يصرف إلى مصارف خمس الفيء، فنقول في نيل المعادن: إن قلنا: واجبه ربع العشر، فهو صدقة، وإن قلنا: واجبه الخمس، فالأصح أنه صدقة، بخلاف واجب الركاز، فإن من صرف واجب الركاز إلى الفيء فمتعلقه أن الركاز مال جاهلي، وهذا لا يتحقق في نيل المعادن.
وأبعد بعضُ أصحابنا، فذكر في واجب المعادن على قولنا إنه الخمس قولاً آخر: إنه يصرف إلى جهة الفيء، وهذا ساقط، غير معدود من المذهب.
ثم من قال: مصرفه مصرف الصدقات، فلابد من النية، كالزكوات، ومن قال مصرفه مصرف خمس الفيء، فلا يشترط النية أصلاً، ولا ينحو به نحو القُرَب والعبادات.
فهذا منتهى قولنا في هذا الفصل.
2189- فأما الكلام في الركاز: قال العلماء: هو مال جاهلي، في مكان جاهلي، ونحن نوضح المقصود في ذلك، فنقول: نتكلم أولاً في الركاز المأخوذ في بلاد الإسلام، ثم نذكر ما يوجد في بلاد الكفر.
قلنا: ما يوجد في بلاد الإسلام، فالكلام أولاً في صفته، ثم في مكانه.
2190- فأما في صفته فينبغي أن يكون مالاً من ضرب الجاهلية. فإن كان الموجود دراهمَ من ضرب الإسلام، فليس له حكم الركاز أصلاً. قال الأصحاب: ما يوجد منه لقطة، ثم ظاهر كلام المعظم أن واجده ينحو به نحو اللقطة، فيعرفه سنة، ثم يتخير بعدها في تملكه.
وذكر الشيخ أبو علي في شرح التلخيص: أن ما يوجد على هذه الصفة، فهو محفوظ لمالكه أبداً، وإن أخذه السلطانُ، فهو مال لا يدرى مالكه، فإن رأى حفظَه، حفظه، وإن رأى الاستقراضَ منه لمصلحةٍ، فعلى ما سنذكر-في المعاملات- تفصيلَ القول في الأموال الضائعة.
قال الشيخ: اللقطة هي التي تنسلُّ من مالكها، فتقع في مضيعة، فأثبت الشارع لآخذها سلطانَ التملك، ليكون ذلك ذريعة في استحثاث الأمناء على الأخذ، فأما ما وضعه مالكه كنزاً، فاتفق العثور عليه، بسبب احتفار الأرض، فليس يثبت فيه حق التملك. قال: وكذلك إذا طيرت الريحُ ثوباً في دار إنسان، فليس ذلك لُقَطة تُملّك بعد التعريف.
وذكر غيره أن حكم اللقطة يثبت في هذه المواضع كلها. وهذا قياسٌ متجه.
وفيما ذكره الشيخ أبو علي فقهٌ.
ولو انكشفت الأرض عن كنز بسبب رجفة، أو سيلٍ جارفٍ، فصادفه إنسان، فلست أدري ما يقول الشيخ أبو علي في ذلك، والمال البادي ضائع الآن، والذي يليق بقياسه أنا لا نثبت حق التملك، اعتباراً بأصل الوضع، قياساً على ما حكيناه عنه، في الثوب تلقيه الريح في دار إنسان. هذا إذا كان على المال آثار الإسلام.
فإن كان الموجود تبراً، أو أواني، وكان يجوز تقديرها جاهلية، ويجوز تقديرها إسلامية، فقد ذكر العراقيون وجهين فيها:
أحدهما: أنها كنز، إذ لم يظهر عليها أثر الإسلام.
والثاني: أنها لقطة، كما تقدم، إذ لم يظهر عليها آثار الكفر.
فهذا قولنا في صفة المال.
وذكر الشيخ أبو علي وجهين فيما يتردد بين الجاهلية والإسلام، كما ذكرناه. ثم قال: إن لم نجعله ركازاً، فهل نجعله لقطة؛ حتى تُملَّك بعد سنة التعريف؟ فعلى وجهين، وسبب ذلك ضعفُ أثر الإسلام فيه، فخص الخلاف في التملك بهذه الصورة.
2191- فأما الكلام في مكانه، فإن وجدها واجدها في مكان جاهلي، عليه آثار الكفر القديمة، فهذا كنز، في حقه، وكذلك إن صادفها واجدها في مواتٍ، ليس عليه أثر الإحياء.
فأما إذا كان في موضع، عليه أثر عمارة الإسلام، فنقدم على ذلك أصلاً، ونقول: من أحيا أرضاً ميتة، وملكها بالإحياء، فإذا فيها كنز جاهلي، صار محيي الأرض أولى به.
كذا ذكره الأئمة. ثم هذا يخرج على أصلٍ سيأتي في موضعه وهو أن ظبيةً لو دخلت دار إنسان، فأغلق صاحبُ الدارِ البابَ، فإن قصد بذلك ضبطَ الظبية، ملكها، وإن جرى منه الإغلاق على وِفاقٍ، من غير قصد، فهل يصير مالكاً للظبية بصورة الإغلاق؟ فيه وجهان. والأظهر أنه لا يملك، لعدم القصد. كذلك من أحيا أرضاً، ولم يتعرض للكنز، فلا يصير مالكاً لعين الكنز، ولكن يصير أولى به من غيره.
ومما تعرض له الأئمة في هذا، أن من أحيا أرضاً، ثم باعها، فإذا فيها كنزٌ، فهو مردود على من أحياها، ولو تداولتها الأيدي، لم يملكوها، وهي مردودة إلى من أحيا. وللكلام في هذا مجال.
فإذا قلنا: من أغلق باب داره، لم يملك الظبية، إذا لم يكن قصدٌ، فلو فتح البابَ، وانطلقت الظبية، واصطادها إنسان، ملكها، فلا يبعد أن يقال: من أحيا أرضاً، وفيها كنز، فيصير أولى بالكنز، حتى لا يؤخذ والأرض في يده. فإذا زال ملكه، وبطل اختصاصه برقبة الأرض، فلا يبعد أن يقال: ينقطع اختصاصه بالكنز. وما قيل من بقاء حقه يخرج على أنه يملك الركاز بالإحياء، على مذهب من يرى مغلِقَ الباب من غير قصد مالكاً للظبية.
فليتأمل الناظر ما ذكرناه في ذلك.
2192- وتحصل منه أن كون الركاز مالاً جاهلياً، لابد منه، فأما كونه في مواتٍ، أو مكانٍ جاهلي، فليس شرطاً فَي كونه كنزاً؛ فإن من أحيا مواتاً وفيه كنز، وتمادى الزمان، فصاحب الإحياء أولى به، ولكن إذا أخذه، وكان كنزاً ففيه الخُمس، كما تقدم، فرجع ذكر المكان إلى تخصيص من يأخذ، لا إلى كونه كنزاً.
والمعنى المعتبر في كونه كنزاً أن يكون عليه علامة الجاهلية، ولكن إن كان المكان عاماً، فمن سبق إليه أخذه، وإن كان عليه عمارة الجاهلية، ولم يملكها مسلم على التعيين، فهو في معنى العموم، ولا بد من التنبيه لشيء، وهو أن المكان الذي عليه أثر الجاهلية، لم يتفق فيه اختصاصٌ، لا للعام، ولا لمن يستحق الفيء، حتى يلتحق في أنه لا يختص به أحد كالموات الذي لا اختصاص لأحد به، فهذا تصوير الركاز في بلاد الإسلام.
2192/م- فأما إذا وجد الركاز، في بلاد الكفار، نُظر: فإن وُجد في عمارة الكفار، فهو بمثابة أموالهم، فإن أخذناه قهراً بإيجاف الخيل والركاب، فهو غنيمة، وإن ظهرنا عليه، من غير قتال، فهو فيء، ومستحقه أهل الفيء. وإن وجدنا ركازاً في مواتهم الذي لا عمارة فيه، فإن كانوا لا يذبّون عنه، فوجدانه في مواتهم كوجدانه في موات الإسلام، وإن كانوا يذبون عن مواتهم، كما يذبون عن عمرانهم، فقد قال الشيخ أبو علي في هذه الصورة: سبيل ما نجد من مثل هذا الموات، كسبيل ما نجده في عمرانهم، وعمم غيره من الأصحاب القولَ في ذلك، وقالوا ما وجد في موات الكفار، فهو كما يوجد في موات الإسلام، وإن كانوا يذبون عنه. والمسألة محتملة من طريق المعنى.
هذا منتهى ما أردناه في تصوير الركاز.
2193- ومما يتعلق بذلك تفصيل الاختلاف في الركاز، فنقول: قد يمتزج بهذا الفصل ما تمهد من القول في أنه متى يحل للآخذ الركازُ الذي يصادفه؟ ومقصود الفصل بيان الاختلاف، فنقول: من اشترى داراً، فوجد فيها ركازاً، فلا يحل له أخذه بينه وبين الله، ولكن يعرضه على البائع الذي كان قبله مالكاً، ثم إن كان ذلك البائع وضعه، فيأخذه، وإلا عرضه على من كان بائعاً قبله، فلا يحل إلا لمن وضعه، وإلا نرتقي حتى ننتهي إلى من أحيا تلك البقعة أول مرة، فنحكم له بأنه يحل له أخذُه، وإن لم يضعه؛ فإنا قد ذكرنا أن من أحيا بقعةً، فيصير أولى بركازها. فهذا إذا أردنا بيانَ ما يحل.
2194- فإن رددنا الكلامَ إلى التداعي، فنقول: من اشترى داراً، فوجد فيها ركازاً، ثم قال: أنا وضعته، فهو لي، وقال بائع الأرض: بل أنا وضعته، فالقول في صورة التداعي قولُ المشتري، الذي هو صاحب اليد، فإنا نصادف الدار، والركاز في يده.
قال الشيخ أبو علي: هذا إذا كان ذلك الموضع، بحيث يتصور من المشتري وضعه في المدة التي تثبت يده فيها على الدار، فإن كان موضعه وصفته، تنافي دعواه على قطعٍ، وكنا نعلم أنه لا يتأتى منه في هذه المدة هذا الوضع فلا نصدقه، بل نصدق من كان قبله، على شرط الإمكان الذي ذكرناه، ولا شك فيما ذكره.
وإن كان وضعه لا ينافي دعوى المشتري، ولكن كان يغلب على القلب كذبه، فإن كان يمكن على البعد صدقه، فنصدقه بناءً على يده.
ومما يتعلق بذلك أنه لو استأجر داراً، أو استعارها، ثم وجد ركازاً، واختلف المكري والمكتري في وضعه، فالقول قول المكتري؛ إذ وضعُه ممكن، وظاهر اليد على الركاز له، فليكن النظر إلى اليد على الركاز.
ولو كان استأجر داراً، ثم ردها، ورجعت الدار إلى يد مالكها، ثم قال المستأجر: كنتُ وضعتُ الركاز في الدار، إذ كانت في يدي، وقال المكري: بل كنتُ وضعته قبل أن أكريت الدار منك، فنقول: أولا- لو قال: أنا وضعته بعد رجوع الدار إلى يدي، وكان ما قاله ممكناً، فالقول قوله، وإن قال: أنا وضعته قبل أن أكريتها، فقد سلَّم مرور الكنز بيد المستأجر وليس يدعي ابتداء الوضع بعد رجوع الدار إلى يده، فقد ذكر الشيخ الإمام في ذلك تردداً، وهو لعمري محتمل.
والظاهر عندي أن القول فيه قول المكتري، لما نبّه عليه في تصوير المسألة من أن تسليم المالك للمكتري حالةٌ تنسخ يد المالك في الكنز، ولو أنشأ المكتري الدعوى فيها، لقبلت دعواه، فإذا أسندها إلى تلك الحالة، قُبلت أيضاًً.
فرع:
2195- إذا وجد الإنسان ركازاً في ملك إنسان، وكان ذلك مستطرَقاً، يستوي الناس في استطراقه من غير منعٍ، فقد ذكر صاحب التقريب في ذلك خلافاً، وفي موضع الخلاف تأمل، وظاهر كلامه أنه أورده في حكمين:
أحدهما: أنه إذا وَجَد من ليس مالكاً لتلك الساحة الركازَ، ولم يكن مالك الأرض محيياً على الابتداء، وكان لا يستبين لنا من الذي أحيا تلك الأرض ابتداء، فهل له أخذه؟ فعلى وجهين:
أحدهما- لا يأخذه؛ لأنه لم يصادفه في مكان مباح، لا اختصاصَ لأحد به، وقد ذكرنا في تصوير الركاز اشتراط ذلك.
والثاني: يحل له أخذه؛ فإن الملك، وإن كان مختصا بشخصٍ، فالاستطراق شائع، والمنع زائل، وليس مالك الأرض محيياً، حتى يثبت له الاختصاص، كما سبق.
والظاهر عندي أنه لا يصير واجد الركاز في الأرض المملوكة مالكاً له، وإنما الخلاف في حكم التنازع، فإذا قال الواجد: كنت وضعتُه، وقال المالك: بل أنا وضعته، والساحة مستطرقةٌ لا منع فيها، فالقول قول من؟ فعلى ما ذكرناه من الوجهين. أحدهما- القول قول المالك، لظاهر حقه، ويده في الأرض، وهذا هو الظاهر.
والثاني: القول قول الواجد، لأن يده ثابتة على الكنز الموجود في الحال، وهذا فيه إذا أخرج الكنز.
فأما إذا تنافس المالك وغيرُه في إخراج الكنز، فهو مسلَّم إلى المالك والقول قوله في هذه الصورة، مع يمينه بلا خلاف.
فرع:
2196- من أحيا أرضاً، فظهر فيها معدن، فقد ملكه، وما يخرجه من نيله يلزمه أن يخرج الحق منه، كما يخرجه من المعدن الذي لم يجر الملك في رقبته، ولو اشترى إنسان تلك الأرض، وقد ظهر فيها المعدن، فإنه يملك الأرض والمعدن، ثم إذا عمل فيه، التزم واجبه.
ولو أحيا أرضاً، فإذا فيها ركاز، فقد ذكرنا أنه يصير أولى بالركاز، فلو باع الأرض، لم يصر المشتري أولى بالكنز؛ فإنه ليس من أجزاء الأرض، بل هو مودع فيه، ونيل المعدن متَّصِل بالأرض خِلقةً وفطرة.
فرع:
2197- إذا عمل ذمي على معدنِ من معادن الإسلام، فإنا نمنعه، كما سنذكره في كتاب إحياء الموات؛ فإن ابتدر العمل وصادفَ شيئاً، أو صادف ركازاً في موات، فهو ممنوع منه ابتداءً، ولكنه إذا ابتدره، وصادفه، فقد قال الأئمة: إنه يملكه كما يملك المسلم الواجد، وليس كرقبة الأرض، فإنه لا يملكها بالإحياء، كما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأنا أقول: أما نيل المعدن إذا صادفه، فلا شك أنه يملكه ملكه الحشيش والصيد، فأما واجب المعدن، فإن جعلناه صدقة، وهو المذهب، فلا يجب على الذمي، ولكنه يفوز بجميع ما وجده، وإن قلنا: يسلك به مسلك الفيء، على قولِ الخمس، فيلزمه إخراج الواجب.
فأما إذا وجد ركازاً على صفته في مكانه، فالذي ذكره الأصحاب أنه يملكه كما ذكرناه في نيل المعدن وفي هذا أدنى احتمال عندي؛ فإن الركاز كالحاصل في قبضة الإسلام، وهو في حكم مُحَصَّلٍ للمسلمين ضالٍّ عنهم. ثم إذا وقع الحكم بأنه يملك ما يجده، فالقول في الواجب على ما ذكرناه. فإن صرفناه مصرف الصدقات، لم نوجب عليه شيئاًً، وإن صرفناه مصرف الفيء، فنأخذ منه خمسه. والله أعلم.