فصل: باب: زكاة التجارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: ما لا زكاة فيه:

2090- مضمون الباب أن الزكاة تختص من بين الجواهر بالتبرين، فلا زكاة في اللآلىء، واليواقيت، وغيرهما. وإذا ضبطنا ما ينحصر، كفى ذلك، في نفي ما لا ينحصر.
وتعرض الشافعي للعنبر، وذكر أنه لا زكاة فيه، وأشار إلى اختلاف السلف.

.باب: زكاة التجارة:

2091- ذهب العلماء المعتبرون إلى إيجاب زكاة التجارة، وقد تقدم في أول الزكاة أن الزكاة تنقسم إلى ما يتعلق بالعين، وإلى ما يتعلق بالقيمة: فأما الأعيان التي تتعلق الزكاة بها، فالنَّعم، والنقدان، والمعشَّرات، كما سبق القول في أصنافها.
وأما ما تتعلق الزكاة فيه بالقيمة، فهو مضمون هذا الباب.
وذهب أصحاب الظاهر إلى نفي زكاة التجارة، وعزي هذا إلى مالك، وقال الصيدلاني: قد تردد الشافعي في القديم في زكاة التجارة. وهذا لم يحكه عن القديم غيره، فلا التفات إليه.
والأصل الذي اعتمده الشافعي حديث حِماس وهو ما روي أن حِماساً قال: "مررتُ على عمر بن الخطاب وعلى عُنقي آدمه أحملها، فقال: ألا تؤدّي زكاتك يا حِماس؟ فقلت: يا أمير المؤمنين مالي غير هذا وأُهُب في القَرَظ، فقال: ذاك مال، فضَعْ، فوضعتُها بين يديه، فحسبها، فوجدها قد وجبت فيها الزكاة، فأخذ عنها الزكاة" وفيه إثبات أصل الزكاة، ودلالة ظاهرة في أن النصاب يُعتبر في آخر الحول؛ فإنه لم ينظر إلى القيم المتقدمة، وإنما اعتبر قيمة الحال، ولعله علم أن الحول كان قد انقضى.
2092- ثم قاعدةُ الباب تدور على أصولٍ منها: القول في الحَوْل ويلتفّ به النصاب، ووقت اعتباره، ويتصل بذكر النظر في الأثمان التي تُشترى السلع بها، والقول في جنسها، وقدرها. ومن القواعد فيها ما يقع التقويم به، ومنها ما تخرج الزكاة منه. ثم إذا تنجزت القواعد، فالكلام بعدها في الأرباح وأحوالها.
2093- فأما الحول، فلا شك في اعتباره، ثم الشرط في زكاة الأعيان أن يدوم النصاب في جميع ساعات الحول، فلو انتقص في لحظة انقطع الحول، ثم إذا تكامل بعد ذلك، استأنفنا الحول، وقد تقدم هذا في باب المبادلة.
فأما زكاة التجارة، ففيها ثلاثةُ أقوال: أحدها: أن نعتبر أن تكون قيمة عَرْضِ التجارة نصاباً، من أول الحول إلى آخره، حتى لو نقصت قيمة السوق عن النصاب في لحظة، انقطع الحول. ثم إن فرض كمال بعد ذلك، استأنفنا الحول، فيكون ذلك كزكاة الأموال العينية.
والقول الثاني- أنا نعتبر النصاب في أول الحول وآخره، ولا يضر انتقاص القيمة في الأثناء.
والقول الثالث: أنا لا نعتبر النصاب في أول الحول، فإذا بلغت القيمة نصاباً في الآخر، أوجبنا إخراج الزكاة، ولا أثر لما يظهر من نقصان قبل ذلك.
فأما وجه القول الأول، فالقياس الظاهر، ووجه الثاني أن الأول للانعقاد، فلا حكم به إلا على بصيرة، والآخر لإخراج الزكاة، فأما الأوقات المتخللة، فاتباعها عسر، والأسعار متقلبة، لا ثبات لها، وليس في الأثناء وقتٌ يختص بابتداء حكم، أو إخراج حق.
والقول الثالث وجهه حديث حِماس كما تقدم، ومعناه أن اتباع القيمة متعذِّر، سيّما في حق المسافرين في أسفارهم، وتغلب الأسفار في حق التجار وأموالهم.
فنحصر نظرنا على الوقت الذي تخرج الزكاة فيه، ثم نمزج بهذا الذي ذكرناه النظرَ فيما نشتري به العروض.
2094- فنقول: إن اشترى عَرْضاً عَلى قصد التجارة، إما أن يكون الثمن عرضاً، كان ورثه أو اتّهبه، وإما أن يكون نقداً، أو نصاباً زكاتياً من الماشية. فإن كان الثمن نقداً، لم يخل إما أن يكون نصاباً، أو ناقصاً عن النصاب، فإن كان نصاباً، فالحول يُحسب من وقت ملك النقد بلا خلاف، فلو ملك مائتي درهم ومضت ستة أشهر، فاشترى عَرْضاً للتجارة ومضت ستة أشهر أخرى، فقد تم الحول، ولا ينقطع حولُ الدراهم بابتياع العرض؛ فإن الزكاة تتعلق بقيمته، وقيمتُه دراهم، فحول التجارة يبتني على حول النّاضّ وفاقاً.
وكذلك لو اشترى عرضاً بعرضٍ للتجارة، وانعقد الحول، ومضت ستة أشهر، فباعه بمائتي درهم، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، وجبت الزكاة، فحول النقد مبنيٌ على التجارة، وحول التجارة مبنيٌ على حول النقد أيضاًً اتفاقاً.
ولو اشترى عرضاً بنقد، وكان ناقصاً عن النصاب، مثل أن يشتري العرضَ بمائة درهم، فليس للدرهم حولٌ منعقد، حتى يبني عليه. ولكن ننظر إلى قيمة السلعة المشتراة، فإن كانت القيمة مائتين، والثمن مائة، فينعقد الحول من وقت الشراء، وإن كانت قيمة السلعة مائة، ثم بلغت مائتين في آخر الحول، فهذا يخرج على الأقوال في وقت اعتبار النصاب: فإن اعتبرنا الآخر، وجبت الزكاة، وإن اعتبرنا مع الآخر الأول أيضاًً، لم ينعقد الحول ما لم تبلغ قيمة السلعة نصاباً، فإذا بلغتها، انعقد الحول من ذلك الوقت. هذا هو الأصل.
2095- وقال الربيع: إذا اشترى سلعة بما ينقص عن النصاب، لم ينعقد الحول، وإن بلغت القيمةُ مائتين، وتمادت السنون، حتى تباع بمائتين، ثم يقع الشراء بهما، فابتداء الحول من وقت النضوض، وبلوغ الناضّ مائتين.
وهذا مردود، لا أصل له، وما ذكره من تخريجاته؛ ويلزمه أن يقول: من اشترى عرضاً للتجارة بعرضٍ، كان ورثه، لم تجب الزكاة فيه؛ إذ لا نصَّ. وهذا غير معتد به مذهباً.
ثم لم يختلف الأئمة في أن ما يجري من الاستبدالات بعد ثبوت أصل التجارة لا تقطع الحول؛ إذ العروض التحقت بالأموال النامية، بسبب التجارة، من حيث إنها مُكسِبةٌ لتحصيل نماء الناميات، وإذا كان كذلك، فلا وجه لانقطاع الحول بالاستبدال، وهو عين التجارة، وأيضاًً فالمعتبر المالية في جهة التجارة، وهي دائمة في تبادل الأعراض لا تنقطع.
فهذا إذا اشترى العرض بنقد.
فأما إذا اشتراه بعرض، فإن كانت قيمةُ المشترى نصاباً، انعقد الحول، وإن كانت أقل من نصاب، خرج على أقوال الحول.
ولو اشترى عرضاً بنصابٍ من النَّعم، جار في الحول، فهذا الفصل سيأتي في أثناء الباب إن شاء الله تعالى.
2096- وتفريع المسائل على الأصح، وهو أن النصاب يعتبر في آخر الحول، فلا عود إلى غيره إلا رمزاً، أو مست الحاجة إليه.
2097- ثم إن وقع الشراء بعرضٍ، فالتقويم يجري في آخر الحول، بالنقد الغالب في البلد، فإن عم في البلد النقدان جميعاًً، فالذي ذكره الجماهير أنه إذا كان يبلغ نصاباً بأحدهما دون الثاني، فليقوّم بما يبلغ به النصاب.
وإن كان يبلغ النصاب بكل واحد من النقدين، وكان التقويم بأحدهم أنفع للمساكين، تعين اعتبار الأنفع، وإن استوى النقدان، في النفع وبلوغ النصاب، فأوجه ثلاثة: أحدها: أن المالك يتخير فيهما.
والثاني: أنا نردّ نظرنا إلى أقرب البلدان إلينا، فنقوِّم بالغالب في أقرب البلدان، ولا نزال نجول فيها بالفكر، حتى ننتهي إلى بلدةٍ يغلب فيها أحدُ النقدين، ثم إن وجدنا ذلك في بلدةٍ، لم نَعْدُها ووقفنا.
والوجه الثالث: أنا نقوّم بالدراهم؛ فإنها على الجملة أقرب من الدنانير، في شراء المستحقات.
وذكر العراقيون وجها آخر: أن النقدين إذا استويا في الغلبة، وكان التقويم بأحدهما أنفع، فالخيار إلى المالك، حتى لو اختار غيرَ الأنفع، جاز.
وهذا لا يعدَم نظيراً في قواعد الزكاة، فإنا ذكرنا إن الخيار بين الشاتين والعشرين في الجبران إلى المعطي، ولا نظر إلى الأنفع، وذكرنا تردداً في مثل هذا الحكم، في اجتماع الحِقاق، وبنات اللبون، في المائتين.
ثم قال العراقيون: لو كان التقويم بأحدهما ينقصه عن النصاب، والتقويمُ بالثاني يبلغه، تعيّن الأخذ بما يُبلغه نصاباً، وإنما التخيير في تفاوتٍ يرجع إلى القيمةِ والنفع، مع وجوب الزكاة في الوجهين جميعاًً؛ إذ لا معنى للتخيير بين إيجاب الزكاة، وبين إسقاطها.
وذكر صاحب التقريب وجهاً آخر: وهو أن الواجب اعتبارُه بالدراهم إذا لم يكن الثمن في الأصل نصاباً من النقد، والسبب فيه أن الدنانير بالإضافة إلى الدراهم تكاد أن تكون عَرْضاً، من جهة أن صرف كسور الدنانير إلى المستحقرات عسر، ثم قال: فلو تردد العَرْضُ بين النقدين، وكان يساوي بالدنانير نصاباً، وينقص عن النصاب بالدراهم، فلا زكاة.
وهذا بعيد جداً. ولكن انتظم نقلُه، من جهة المصير إلى تعيين الدراهم.
فهذا تفصيل ما يقع به التقويم. وقد تمهدت قاعدة النصاب والحول، والأصلُ فيما يقع فيه التقويم.
ثم هذه الأصول تمهدها فروع، نرسمها.
ونقل صاحب التقريب قولاً قديماً: أن التقويم أبداً يقع بالنقد الغالب في البلد، وإن وقع الشراء بنصاب من غير النقد الغالب، فابتداء الحول من وقت ذلك النصاب، ولكن التقويم في آخر الحول بالنقد الغالب.
وهذا غريب جداً، وليس له اتجاه في المعنى؛ فإنا لم نقطع حول النقد، من حيث اعتقدنا اعتباره في العروض.
فرع:
2098- إذا فرعنا على أن نقصانَ القيمة في أثناء الحول لا يؤثر في حق المتربص بالسلعة، فلو كانت السلعة في أثناء الحول تساوي مائة، فباعها بسلعة أخرى، فالمذهب أن ذلك لا يؤثر.
وذكر بعض أصحابنا أن الحول ينقطع في هذه الصورة؛ لأنا كنا نُديم الحول لو استمر ملكه على السلعة الناقصة القيمة، ونتربص منتظرين ارتفاع القيمة، فإذا زال الملك، ابتدأنا الحول في السلعة المستفادة. وهذا ساقطٌ مع ما قررناه من أن المبادلة لا أثر لها في أموال التجارة. فهذا إذن مزيفٌ.
ولو باع السلعة في أثناء الحول بمائة درهم، ثم اشترى بها سلعةً، ففي انقطاع الحول خلاف مشهور هاهنا، وهو أمثل من الخلاف الأول.
وأنا أفصّل هذا فأقول: إن اشترى عرضاً بمائتي درهم، ثم باعه بعشرة دنانير، في أثناء الحول، فلا نظر إلى نقصان الدنانير؛ فإن المعتبر الدراهم، فإن بقيت الدنانير، قوّمناها في آخر الحول، وإن صرف الدنانير في آخر الحول إلى عرض آخر، لم نبال بما جرى، وقومنا بما بعنا في آخر الحول.
وإن اشترى بمائتي درهم، ثم باعه عند انخفاض السعر بمائة درهم، ثم اشترى بهذا عَرْضاً، فهذا موضع الخلاف؛ فإنه لو باع حقق النقصان.
ولو اشترى عرضاً بعرض، ثم باع العرض بمائة درهم، وهي النقد مثلاً، فيعود الخلاف.
فحصل منه أنه إن لم يبع، فالاعتبار بآخر الحول، على القول الذي عليه التفريع، وإن باع بأقلَّ من النصاب في الأثناء، فإن باع بغير النقد الذي يقع التقويم به، فهو كبيع العرض بالعرض، وفيه تردد ذكرتُه. وإن باع بالنقد الذي يقع التقويم به، فكان ناقصاً، فهذا موضع الوجهين.
فرع:
2099- إذا اشترى عرضاً بمائة درهم، فقد ذكرنا أن الحول من وقت الشراء، على ظاهر المذهب، ولم ينعقد للمائة حول حتى نعتبرَ تاريخه، فإذا تم الحول فالتقويم بماذا؟ فعلى وجهين مشهورين:
أحدهما: التقويم بالنقد الغالب، كما مضى مفصلاً.
والثاني: أن التقويم بالثمن؛ فإنه وإن لم يكن نصاباً، فهو أخصُّ بالعرض-من حيث إنه ثمنُه- من غيره، وهو من جنس مال الزكاة، والتقويم به ممكن.
فرع:
2100- إذا اشترى عرضاً، ثم اختلفت الأسعار: انخفاضاً وارتفاعاً حتى انقضى الحول، فقوّمنا العرضَ، فلم يبلغ نصاباً، فلا نوجب الزكاة، ولكن نحكم بانقطاع الحول، ونستأنف حولاً جديداً أم ننتظر بلوغَ القيمة نصاباً؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه ينقطع اعتبار الحول الأول بنقصان النصاب في آخره، ونستأنف حولاً جديداً، حتى لو بلغت القيمة بعد شهرٍ من آخر الحول نصاباً، فلا نوجب الزكاة إلى أن يمضي حولٌ من منقرض الحول الأول.
والوجه الثاني- أنه مهما بلغت القيمة نصاباً، أوجبنا الزكاة، ولا نحسب مقدار ذلك الزمان، بين النقصان والكمال من أول الحول تقديراً. فإذا مضى شهرٌ، وبلغت القيمةُ نصاباً، أوجبنا الزكاة، ثم نبتدىء حولاً جديداً، من وقت وجوب الزكاة، ولا نرد حول التاريخ الثاني إلى منقرض الحول الأول وفاقاً.
2101- فإذا ثبت ما ذكرناه، قلنا بعده: لو اشترى عرضاً بمائتي درهم، ثم باعه في أثناء الحول بعشرين ديناراً، فالدنانير عَرْض في هذه الصورة؛ إذ التقويم بالدراهم، فنقوّم الدنانير في الآخر بالدراهم، فإن بلغت نصاباً بالدراهم، أوجبنا الزكاة باعتبار الدراهم، وإن لم تبلغ قيمتُها نصاباً بالدراهم، فيُبنى هذا على الخلاف الذي ذكرناه الآن، في أن العرض إذا لم يبلغ نصاباً، فيسقط الحول الأول، أم لا؟ فإن قلنا: لا يسقط، ولكن نتربص ارتفاع القيمة، فنقول في مسألة الدنانير: نتربص بها إلى أن تبلغ قيمتُها بالدراهم نصاباً فلو بقيت سنين، ولم تبلغ الزكاة، فلا زكاة.
وإن قلنا: يسقط حكم الحول الأول ونبتدىء من منقرضه حولاً، فنقول في مسألة الدنانير: سقط حكم الحول الأول وابتدأنا الحول على الدنانير، فعلى هذا ينقلب الأمر إلى زكاة الدنانير، حتى تتعلق الزكاة بأعيانها.
ويسقط حكم التجارة، أو يتمادى حكم التجارة؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أن حكم التجارة قائم، والدنانير عرض، فلو مضت سنة أو سنون، وقيمتها لا تبلغ نصاباً من الدراهم، فلا زكاة.
والثاني: أنه تنقلب إلى الدنانير؛ فإنها نصاب كامل، وهي من الأموال التي تتعلق الزكاة بأعيانها، ويبعد أن يملك الرجل نصاباً من الدنانير سنين، ولا تلزمه زكاتها.
وهذا له التفات إلى اجتماع التجارة في مال تتعلق الزكاة بعينه، وسيأتي هذا مشروحاً إن شاء الله.
فإن استدمنا حكم التجارة، فلا كلام، وإن انقلبنا إلى زكاة أعيان الدنانير، فإذا مضى حول، وجب فيها ربع العشر، وإن لم تبلغ قيمتُها نصاباً بالدراهم. ثم على هذا الوجه نعتبر حول الدنانير أيَّ وقت؟ فعلى وجهين:
أحدهما: نعتبرها من وقت حصولها وإن تقدم على آخر حول التجارة.
والثاني: نعتبر ابتداء حول الدنانير من وقت تقويمنا الدنانير في آخر الحول، وعِلْمنا بأنها لا تبلغ نصاباً تقويماً بالدراهم، والتوجيه لائح لا نتكلف إيراده.
فرع:
2102- إذا قوّمنا السلعة في آخر الحول، فبلغت مائتي درهم، ولم يتفق إخراج الزكاة حتى ارتفع السعر، وصار العرض يساوي ثلاثمائة، بعد شهر من منقرض الحول، فما حكم الزيادة بعد الحول؟ فعلى وجهين: ذكرهما الشيخ أبو علي في شرح الفروع، أحدهما- أنه لا يجب إلا إخراج الزكاة عن المائتين، والمائة الثانية تحسب من حساب الحول الثاني، ثم ننظر إلى آخر الحول الثاني، فإن كانت القيمة زائدة كما عهدتها، أوجبنا الزكاة في آخر الحول.
والوجه الثاني- أنا نوجب الزكاة في المائة الزائدة من حساب الحول الأول. وهذا له التفات على أن النصاب إذا لم يكمل في آخر الحول، فهل يتأنَّى حتى يكمل؟ أم يبطل هذا، ويستأنف حولاً جديداً؟ ووجه التشبيه ظاهر.
ولو قومنا العرض، فبلغ مائتين في آخر الحول، وزكى المائتين، ثم فُرضت زيادةُ مائةٍ بعد هذا بشهر، فلا خلاف أن المائة الزائدة بعد تأدية الزكاة في المائتين محسوبة في الحول الثاني.
فرع:
2103- إذا قومنا العرض في آخر الحول بثلاثمائة درهم، وباعه صاحب العرض بمائتين، وغُبن في مائة، فيلزمه زكاةُ ثلاثمائة، والمائة التي غبن فيها بمثابة طائفة من ماله، يتلفها بعد وجوب الزكاة فيها، وبمثله لو كانت القيمة مائتين في آخر الحول، فوجد زبوناً وباع السلعة بثلاثمائة، فهذه المائة الزائدة ما حكمها؟ فعلى وجهين:
أحدهما: ربح، وهي بمثابة ما لو ارتفعت القيمة بالسوق في آخر السنة؛ إذ لولا السلعة، لما حصلت هذه المائة.
والثاني: أنها كسبٌ جديد، يضم إلى المائتين، ويحسب من الحول الثاني؛ فإن القيمة لم تزد، إنما احتال المالك في تحصيلها، فهو كما لو اكتسبها بصنعة وعمل.
ومن كان له سلعة قيمتها مائتان، وهو متجر فيها، فورث مائة درهم، فالدراهم تضم من وقت الاستفادة إلى السلعة، ويُعتبر فيها حول جديد لا محالة.
فصل:
2104- الزكاة في ظاهر المذهب، تخرج مما يقع به تقويم السلعة، وقد سبق التفصيل فيما يقع به التقويم، وللشافعي تردد في القديم، وقد جمع صاحب التقريب الجديد والقديم، وقال: حاصل المذهب فيما نحن فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يُخرج مما يقوّم به، وهو الجديد، والقديم، وبه الفتوى.
والثاني: أنه يخرج الزكاة من أعيان العروض، باعتبار القيمة.
والثالث: أنه بالخيار: إن شاء أخرج مما يقع به التقويم، وإن شاء أخرج من العروض.
توجيه الأقوال: من قال: لا يجزىء إلا الإخراج مما يقع به التقويم قال: متعلَّق الزكاة معنى العروض، لا أعيانُها، والزكاة تخرج مما تتعلق به، ومن عيَّن العروضَ، احتج بأنها الأموال، والقيم تقدير. ومن خيّر، حمل الأمر على ما وجهنا به القولين، وقال: حكم مجموعهما، والعمل بهما التخيير، وكأن الأمر عنده مشوب، وهذا يناظر المصيرَ إلى الخِيَرة، عند تعارض النقدين في الغلبة، والتفريع على الجديد، وهو الأصح.
فرع:
2105- إذا اشترى عرضاً بمائتي درهم، وعشرين ديناراً، فيتعين التقويم بهما جميعاًً، باعتبار التقسيط، ووقت هذا الاعتبار حالَ العقد؛ فإن المثمَّن يتوزع على الثمن في تلك الحالة، والسبيل فيه أن نقول مثلاً: تقوّم الدراهم بالدنانير، فإن كان مائتا درهم تساوي عشرةَ دنانير، أو الدنانير تساوي أربعمائة درهم، فثلثا السلعة يقوَّم بالدنانير، وثلثها بالدراهم في آخر الحول. ويميز الثلث عن الثلثين، فإن بلغ كلُّ واحدٍ منهما نصاباً مما قوّمناه به، فذلك. وإن لم يبلغ كل قسط نصاباً، لانحطاط السعر، فلا زكاة أصلاً. وإن بلغ أحدهما نصاباً دون الثاني، تجب الزكاة في حصة التي بلغت نصاباً، دون الثاني.
وإن قال قائل: العرض جنسٌ واحد، والغِنى حاصل بالجميع، وليس في زكاة التجارة وقص، بعد الوجوب، فإسقاط الزكاة عن بعض المال بعيدٌ عن القاعدة الكلية، وإن انقدح قياسٌ جزئي. قلنا: هذا بمثابة استبعاد من يستبعد نفيَ الزكاة عمن ملك عشرين دينار إلا سدس دينار، وملك مائتي درهم إلا سدس درهم، فالغِنى متحقق، ولكن لا نضم نصاباً إلى نصاب.
وإن خالف مخالف في النقدين، فلا خلاف أن من ملك أربعةً من الإبل، وتسعةً وثلاثين من الغنم، وتسعة وعشرين من البقر، فلا زكاة عليه. وسبب جميع ما ذكرناه أن الغالب في أمر النصب التعبد الذي لا يعقل معناه.
وقد ذكرنا قولاً قديماً من نقل صاحب التقريب ملحقاً بالحاشية: أن التقويم أبداً يقع بالنقد الغالب، فعلى هذا يقوّم جميع العرض بالنقد الغالب، فإن لم يبلغ نصاباً، فلا زكاة فيه، وإن بلغ نصاباً، أو نصاباً ووقصاً، وجبت الزكاة في جميعه.
هذا موجب هذا القول، ولكنه غير صحيح.
فصل:
2106- مضمون هذا الفصل القولُ في الأرباح، وما يضم منها إلى الأصل، وما لا يضم، وما اختلف فيه.
فنقول: من ملك عشرين ديناراً، وكما ملكها، اشترى بها سلعة، ثم انقضى الحولُ، والسلعة تساوي أربعين ديناراً، فيجب إخراج الزكاة عن الأربعين؛ فإن الاعتبار في مقدار المال بآخر الحول، وهذا ظاهر على القول الصحيح في أن الاعتبار بآخر الحول، حتى لو نقصت القيمة عن النصاب أول الحول أو في أثنائه، وكَمَل في آخر الحول، وجبت الزكاة. فإذا كنا نعتبر في النصاب في أصل المال آخر الحول، فالربح إذا ألفيناه في آخر الحول، أوجبنا الزكاة فيهما، ضماً إلى الأصل.
فأما من قال: نعتبر في النصاب جميع أزمان الحول، كدأبنا في زكاة الأعيان، حتى لو نقص السعر، ورجعت القيمة إلى أقل من النصاب، انقطع الحول، فهذا القائل قد لا يسلّم أن الربح الحاصل في آخر الحول فيه الزكاة، وقياسه يقتضي أن نقول إذا ظهر الربح في أثناء الحول بارتفاع السعر، فظهوره بمثابة نضوضه، وسنذكر اختلاف القول في أن السلعة إذا نضت في الأثناء، وظهر الربح ونضّ، فهل نضم الربح، أو نبتدىء له حولاً، كما يحصل ناضاً؟ هذا ما لابد منه.
ولكن حكى الأئمة القطعَ بإيجاب الزكاة في الربح إذا لم ينضّ في وسط الحول.
وسبب ذلك أن أئمة المذهب ينقلون القولَ الضعيف، ثم إذا توسّطوا التفريعَ، لا يفرعون إلا على الصحيح، فوقع القطع تفريعاً على الصحيح، وهو أن الاعتبار في النصاب بآخر الحول. هذا إذا اشترى سلعة، فزادت قيمتُها بالسوق، ولم تنض في خلال الحول.
2107- فأما إذا اشترى سلعة بعشرين، ومضت ستة أشهر، فباعها عند ارتفاع السعر بأربعين ديناراً، فمضت ستة أشهر أخرى، أما حول العشرين، فقد تم، والكلام في الربح الناضّ، الذي حصل في خلال السنة، ومضى بعد حصوله ستة أشهر، وفيه نصان، فالذي نقله المزني في هذا الباب أن ذلك الربح الذي ينض يبتدىء حوْله، ولا يضم إلى حول رأس المال. ونصُّ الشافعي في القراض يدل على أنه مضموم إلى أصله في حوله.
والطريقة المشهورة تأصيل قولين في المسألة:
أحدهما: أن الربح وإن نضَّ، فهو مضمومٌ إلى أصله؛ فإنه فائدة مستفادة منه، فكان كالنتاج، ولا خلاف أن النتاج في المواشي مضموم إلى الأمهات في حولها، كما تقدم بيان ذلك.
والقول الثاني- وهو المرضي، وهو الذي فرَّع عليه ابن الحداد-أنا نستأنف حولاً جديداً للربح الذي نضَّ؛ فإنه مالٌ جديد، استفاده، لا من عين ماله القديم، وليس كالنتاج؛ فإنه من أعيان الأمهات، وكأن الربح الذي نضَّ مأخوذ من كيس الطالبين، وسببه الرغبات التي فطرها الله تعالى في النفوس.
2108- ثم ذكر الشيخ أبو علي تردداً للأصحاب في تصوير القولين، وأنا آتي به بيِّناً إن شاء الله تعالى: فلو اشترى السلعة بعشرين، ثم بعد ستة أشهر باعها بأربعين، وبقيت الدنانير إلى آخر الحول، وكان هو على قصد التجارة في أعيان الدنانير، أو كان على عزم أن يشتري بها سلعة، ثم لم يتفق، ففي الربح الحاصل قولان:
أحدهما: أنه يعتبر فيه حول مبتدأ من وقعت حصوله.
والثاني: يبنى حوله على حول الأصل، فإذا مضت ستة أشهر، من وقت حصوله، فقد تم حول رأس المال، ووجبت الزكاة فيه، فتجب الزكاة في الربح، وإن لم يمض من وقت حصوله إلا ستة أشهر، قياساً على النتاج في هذه الصورة.
فأما إذا اشترى سلعة بعشرين ديناراً، وباعها بعد ستة أشهر بأربعين، ولم يقصد التجارة، أو قصد قطعها، فمضت ستة أشهر أخرى، ففي المسألة طريقان: من أصحابنا من قال: نخصّ الربحَ بحولٍ قولاً واحداً هاهنا، وهذا ضعيف.
ومن أصحابنا من خرج القولين في هذه الصورة أيضاًً؛ فإنّ تغيُّر قصدِه لا يخرج الربحَ المستفادَ عن كونه ربحاً، ومن يرى الضم فمعوله ضمُّ الفائدة إلى الأصل كالنتاج، وهذا المعنى متحقق في هذه الصورة.
ثم إذا فرعنا على أن الربح إذا نضّ يُفرد بحولٍ، فابتداء حوله من أي وقت يحتسب؟ فعلى وجهين:
أحدهما: أنه محسوب من وقت النضوض؛ لأن السعر لو بقي مرتفعاً، ولم تنضّ السلعة، إلا في آخر الحول، فالزيادة مضمومة في هذه الصورة، فالسبب الذي أوجب إفراد الربح حصولُه بطريق النضوض.
والوجه الثاني- أنه يحتسب ابتداء الحول من وقت الظهور؛ فإنه حاصلٌ بالظهور، ولكن لا ثقة بالأرباح حتى تنض، فإذا نضّ، تبينا بالأخرة حصولَ الربح. وتحققَه عند الظهور. وقد تقدم لهذا نظير في الفروع المتقدمة.
هذا بيان الأصل.
2109- ونحن نذكر الآن صورةَ فرعٍ لابن الحداد نذكر فيه ما تتهذب به الأصول إن شاء الله.
فإذا اشترى الرجلُ عَرْضاً بعشرين، ومضت ستةُ أشهر، فباع العرْضَ بأربعين ديناراً، ثم اشترى على الفور بالأربعين عَرضاً، وأمسك ستةَ أشهر، ثم باعه بمائة دينار، قال ابن الحداد: يجب على صاحب المال في آخر الحول زكاة خمسين ديناراً، فإذا مضت ستةُ أشهر أخرى يخرج زكاة العشرين التي استفاد أولاً ربحاً في أثناء الحول، فإذا مضت ستةُ أشهر أخرى، أخرج زكاة الثلاثين الباقية.
هذا جوابه. وهو سديد مفرعٌّ على أن الربح إذا نضَّ، استأنفنا له حولاً، ووجه قوله تخريجاً على ذلك، أنه لما اشترى السلعة بعشرين أولاً، فهي رأس المال، فإذا باع بأربعين، فالنصف منها ربح، فإذا اشترى بالمجموع سلعة، ثم باعها بمائة في آخر السنة، فالربح المستجد وهو ستون في آخر الحول منبسط على الأصل والربح المستفاد في أثناء الحول، فيخص رأس المال من الستين ثلاثون، وهذا لم ينض إلا الآن، وهو آخر حول رأس المال، فوجبت الزكاة في الأصل والربح.
وهذا يناظر صورةً نَذكرها وهي أنه إذا اشترى عَرْضاً بعشرين ديناراً، وباعها بعشرين، واشترى بها سلعة، وباعها في آخر الحول بخمسين، فتجب الزكاة في الخمسين.
فأما قوله: تجب الزكاة في العشرين الزائدة ريعاً في أثناء الحول إذا مضت ستة أشهر، فصحيح؛ تفريعاً على أن الربح الناض يبتدأ له حول، وقد استفاد العشرين في أثناء الحول، فإذا مضت ستة أشهر بعد منقرض حول رأس المال، فتمّ الآن حول تلك العشرين.
فأما قوله: إذا مضت ستة أشهر، وجبت الزكاة في الثلاثين الباقية، فهذا صحيح؛ فإن هذه الثلاثين ربح على الربح، وقد نضت في آخر حول رأس المال، وهو وسط حول الربح، فيبتدىء لهذه الثلاثين حولاً كاملاً، فإذا انقضى، أوجبنا الزكاة فيه.
وما ذكرناه تفريع على أن الربح يُبتدأ له الحول.
فأما إذا فرعنا على ضم الربح إلى رأس المال، فنوجب الزكاة في المائة بتمامها، كما حصلت ونضّت. فهذا بيان الفرع الذي ذكره.
2110- ولو كانت المسألة بحالها، ولكن لما اشترى بالأربعين السلعة وكانت تساوي مائة كما تقدم في آخر حول رأس المال، فلم يتفق بيعها حتى مضت ستةُ أشهر، ثم بيعت بالمائة: فأما إخراج الزكاة من الخمسين الأولى، فعلى القياس المتقدم. فأما إذا مضت ستة أشهر من آخر حول رأس المال، والسلعة ما نضّت بعدُ، فإن بيعت بالمائة، أو تركت، فتجب زكاة الخمسين الأخرى الآن، لأن حول العشرين التي كانت ربحاً في خلال الحول قد تم، ولم تنض حصتُه من الربح الثاني في خلال السنة، فتجب الزكاة في ربح الربح، بانقضاء حول الربح الأول، لا محالة. وهذا واضح.
وهذه الصورة تنفصل عن الصورة المتقدمة، بما ذكرناه، من أن ربح الربح الأول نضّ في خلال حول الربح الأول، فاقتضى ذلك حولاً لربح الربح، ولم ينض ربح الربح في خلال سنة الربح، وهي الصورة الأخيرة.
2111- ومما ينبغي ألاّ نغفل عنه-وإن كان بيِّناً- أنا في صورة ابن الحداد إذا جرينا على ما فرع عليه، فتجب الزكاة في الثلاثين الباقية من المائة، بعد سنةٍ من انقضاء السنة الأولى، ثم إذا مضت السنةُ الثانية من تاريخ حول رأس المال، وأوجبنا عند انقضائه زكاة الثلاثين، فلا شك أنا نوجب الزكاة مرةً ثانية في الخمسين الأولى التي أوجبنا الزكاة فيها في آخر حول رأس المال.
فهذا تمام البيان فيما ذكره ابن الحداد.
2112- وذكر الشيخ أبو علي وجهاً آخر لبعض الأصحاب، مخالفاً لمذهبه مع التفريع على أصله، فقال: من أصحابنا من قال: إذا تم حولُ رأس المال، وبيعت السلعة بالمائة، فلا تجب إلا زكاةُ رأس المال، وهو عشرون، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، فقد تم حول العشرين المستفادة في البيعة الأولى، فيخرج زكاتها، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، فقد تم حول الستين من تاريخ انقضاء حول رأس المال، فيخرج الآن زكاة الستين.
وهذا فاسد. ولكن بناه صاحبه على خيال تخيله، وهو أن السلعة في البيعة الأولى نضّت؛ فأثّر نضوضُ رأس المال في انقطاع تبعية الربح الثاني عنه، حتى تجب الزكاة في الربح الذي يخصه بحساب حوله، ثم نضّ الربح الثاني، فابتدأنا من نضوض حصة رأس المال حولاً جديداً. وهذا القائل يقول لا محالة: لو ملك الرجل عشرين ديناراً ستة أشهر، ثم اشترى بها سلعة، فمضت ستة أشهر، فباعها بمائة، لا يزكي إلا عشرين، والثمانون يبتدىء لها حولاً آخر، من آخر حول العشرين، الذي هو رأس المال، وكأنه يقول: إنما يَتْبَعُ الربح إذا دام العَرْض سنة، وهذا ليس بشيء؛ فإن النقد، وإن ظهر، فهو في معنى العَرْض، والعَرْض في معنى النقد، ولولا ذلك، لكان ينقطع حول العَرْض بالنضوض، ولما انبنى حولُ عَرْضٍ على حول النقد المصروف فيه.
فالحق ما ذكره ابن الحداد، وما عداه خيال لا حاصل له، ولست أعده من المذهب.
وقد ذكر الشيخ أبو علي وجهاً آخر بالغاً في الركاكة والضعف، ولم أستجز نقله في هذا المجموع.
فصل:
2113- جمع الشافعي بين أن يشتري الرجل عرضاً بدراهم، أو دنانير، أو نصابٍ من الماشية الزكاتية، ثم قال مجيباً: "حولُ التجارة من يوم أفاد النقدَ أو الماشيةَ". وظاهر كلامه يدل على أن ثمن العرض المشترى لو كان نصاباً من النَّعَم السائمة، فالحول يعتبر من يوم ملك النصاب الزكاتي من السائمة. وهذا غامض.
وقد اعترض عليه المزني فقال: "جمع الشافعي بين النقد والماشية، وليسا سواء؛ فإن زكاة النقد كزكاة التجارة في القدر، فإن ثبتت التجارة على ملك النقد، فهو لتشابه مقدار الزكاة. فأما زكاة الأربعين من الغنم فشاة، فلا يمكن بناء زكاة التجارة عليه".
قال الأئمة: اعتراض المزني صحيح في المعنى مذهباً، ومعناه مضطرب؛ من جهة أن البناء إن امتنع، فليس سببه الاختلاف بدليل أن الاختلاف، لو منع البناء، لجاز البناء مع الاتفاق، حتى لو باع أربعين من الغنم بأربعين من الغنم، لوجب البناء من جهة اتفاق الزكاتين، وليس الأمر كذلك.
وقد اختلف أصحابنا فيما نقله المزني: فمنهم من قال: هو غالط في النقل، والوجه القطع بأنه لا يبنى على حول السائمة، كالدراهم؛ من جهة أن العرض مقوم بالدراهم؛ فكأن الدراهم موجودة في معنى عرض التجارة وماليته، وإن لم تكن موجودة. وليس كذلك الماشية؛ فإن عرض التجارة لا يقوم بها، فليست الماشية موجودة، ولا معتبرة في معنى العرض. وهذا هو المذهب.
ومن أئمتنا مَنْ أَوّلَ النص على وجهه، فقال: صوّر الشافعي ملك النقد والسائمة وشراء العرض في يوم واحد، وهذا بيّن في لفظة مصرّح به، ثم قال: فحول التجارة من يوم ملك السائمة. فكان هذا إعلاماً منه لذلك اليوم، لا للتأرخ بملك السائمة، وهذا عندي تكلف، واللفظ مشكل.
وذهب الإصطخري إلى أن حول التجارة مبنيٌ على حول الماشية؛ فإنها مال زكاتي، وليس كما لو اشترى عرضاً بعرض؛ فإنها لا تجب الزكاة في أعيانها، واستدل على ذلك بأن حول التجارة مبني على حول النقد، مع أن زكاة النقد زكاةُ العين، وزكاة التجارة زكاةُ قيمة.
وليس هذا بشيء. وقد ذكرنا سببَ بناء حول التجارة على حول النقد فيما تقدم، والوجه القطع بأن من اشترى عرضاً على قصد التجارة بنصابٍ من النعم السائمة، انقطع حول السائمة، وافتتحنا حولَ التجارة من وقت الشراء، والكلام على النص غامض، والوجه التغليط في النقل. وبالجملة لا نترك قواعد المذهب بغلطات الناقلين.
وإذا نجزت هذه الأصول، فإنا نزسم بعدها فروعاً.
فرع:
2114- نقل صاحب التقريب عن ابن سريج أنه إذا اشترى مائتي قفيز من الحنطة بمائتي درهم، ثم إذا انقضى الحول، وتمكن من أداء الزكاة، فأتلف الحنطة، وقيمةُ الحنطة يوم الإتلاف مائتا درهم، كما كانت، ثم غلت القيمةُ وبلغت قيمة المائتين أربعمائة درهم، فهذا يفرع على أن الزكاة تخرج من العين أو القيمة؟ وفيه أقوال قدمناها في أصول الباب.
فإن قلنا: الزكاة تخرج من العرض حتماً، فيخرج خمسة أقفزة قيمتها عشرة، وإن قلنا: يتعيّن إخراج القيمة، فإنه يُخرج خمسة دراهم، اعتباراً بالقيمة يومَ الإتلاف، وكان القيمة يومئذ مائتي درهم، وما فرض من زيادة القيمة بعد الإتلاف غيرُ معتبر، ْوهو بمثابة ما لو أتلف الغاصب ثوباً قيمته مائةٌ يومَ الإتلاف. وإن قلنا: يتخير في إخراج الزكاة بين القيمة والعين، فيتخير بين إخراج خمسة. وبين إخراج خمسة أقفزة قيمتها عشرة.
وحكى صاحب التقريب وجهاً عن بعض الأصحاب أن القيمةَ عشرةُ دراهم، وهذا بعيدٌ، لا وجه له، لما ذكرناه في الغصب.
والممكن في توجيهه أن حق المساكين في طريق ظاهرة لا يتعلق بعين المال تعلق استحقاق، وإنما نَعتمد الذمة، والمتلَف بحكم التفريط كأنه باق؛ من جهة أن الزكاة لم تسقط، فإذا أتلف الحنطة، فهو مأمور بإخراج قيمة ربع عشر ما أتلفه، وقيمة ربع عُشْره عشرة.
فرع:
2115- إذا اشترى للتجارة جاريةً بألف، فولدت ولداً في آخر الحول، وقيمته مائتا درهم، فإن لم تنقُص الجاريةُ بالطلق، فقد قال ابن سريج: لا نوجب على المالك إلا زكاة ألف، ولا نضم الولد إلى الأم؛ فإنه فائدة لا من طريق التجارة.
ثم قال: فلو نقصت قيمةُ الجارية، وصارت تساوي ثمانمائة، وقيمةُ الولد مائتان، فنجبرُ نقصان الأم بقيمة الولد، وزعم أن الولد لا تضمُّ قيمتُه إلى قيمة الأم، لزيادة الزكاة. ولكن قيمة الولد تجبر نقصان الأم.
وهذا فيه تردّد ظاهر؛ من جهة الاحتمال. أما قوله: لا تُضم؛ فإن هذه الزيادة ليست نتيجة التجارة، فمُتَّجِهٌ حسن. ولكن مساق هذا قد يقتضي أنه لا يجبر به نقصان الأم، ويقال: النقصان حاصل، والولد في حكم التجارة غير معتد به أصلاً، وكأنه وُهب له ذلك الولد.
وإن كنا نجبر به النقصان، فلا يمتنع أن يقال: تُضم قيمة الولد إلى قيمة الأم، وإن لم يتفق نقصان؛ فإنه جزء منها، والولد في حكم الملك مضموم إلى الأم.
ولا خلاف أنهِ لو اشترى جاريةً، فزادت في يده، وازدادت قيمتها لزيادتها المتصلة، فنعتبر قيمتها، بالغةً ما بلغت.
وقد ينقدح في هذا فرق، من جهة أن إفراد الزيادة المتصلة غير ممكن.
والذي ذكره ابن سريج فقيه: أمّا منعُ الضم حيث لا نقصان، فَلِما تقدّم، وأمّا الضم للجبران، فسببه أن الأم انتقصت بسبب الولد، فقيل: نقصانها انفصال الولد، والولد عتيد، فيجعل كأنه لا نقصان، وقياسه يقتضي أن الجارية لو نقصت بالولادة، فأمر الجبران على ما ذكرناه، وإن انتقصت بسبب آخر، فلا يجبر نقصانها بالولد حينئذ. والله أعلم.
ومما فرّعه على ما أصّله أن الجارية إذا كانت تساوي ألفاً، فنقصت مائة من قيمتها بسبب الولادة، فصارت تساوي تسعمائة، وقيمة الولد مائتان، فنجبر المائة الناقصة بمائة، من قيمة الولد، ونلغي الأخرى.
ومما يعترض فيما ذكرناه أنا إذا لم نضم قيمةَ الولد إلى قيمة الأم، فكيف قولنا في زكاة الولد في السنة الثانية؟ أنخرجه من حساب التجارة في السنين المستقبلة، أم كيف الوجه؟ الظاهر أنا لا نوجب الزكاة؛ فإنه فيما نختاره الآن منفصل عن تبعية الأم، وليس أصلاً في التجارة، ولا نقلَ إلا ما ذكرناه عن ابن سريج، وفيه الاحتمال اللائح، وليس تصفو أطراف المسألة عن احتمال.
فرع:
2116- إذا وجبت الزكاة في مال التجارة، فأراد المالك بيعَ المال، ذكر صاحب التقريب تردد الأصحاب في جواز البيع، قبل تأدية الزكاة، وقال: من أصحابنا من خرجه على القولين في بيع مال الزكاة، كالمواشي إذا وجبت الزكاة فيها، ومنهم من مال إلى تجويز البيع. وقال بعض الأصحاب: إن قلنا: الزكاة تؤدى من عين العرض، فهو كزكاة العين إذا وجبت. وإن قلنا: الزكاة تؤدى من القيمة، فالتفصيل في منع البيع وتجويزه، كالتفصيل في خمس من الإبل وجبت فيها الزكاة؛ فإن الشاة ليست من جنسها، كالقيمة ليست من جنس العروض.
قلت: وهذا غفلة عظيمة، وذهول عن أمرٍ لا يخفى على الشادي الفطن، وذلك أن بيع مال التجارة تجارة، فكيف يخطر لذي فهمٍ منعُ ما هو من قبيل التجارة في مال التجارة. ونحن وإن قلنا: إنه يتعيّن إخراج العرض، فسدُّ بابِ البيع لا وجه له، فالذي قدمتُه غلط، غيرُ معدود من المذهب.
فإن قيل: أرأيتم لو باع مال التجارة على اقتناء عوضه؟ فهذا قطع للتجارة. فهلاّ خرجتم هذا على تفصيل المنع؟ قلنا: إذا كانت المالية قائمة، فنجعل كأن البيع لم يجر، والدليل عليه أنه لو نوى القِنية، انقطعت التجارةُ بمجرد النية، ولا امتناع فيه.
نعم، لا ينقدح الخلاف إلا فيه إذا وجبت زكاة التجارة، فوهب مال التجارة، فهذا يخرج على التفصيل المقدم في زكاة الأعيان؛ فإن الهبة تقطع المالية، وهي متعلق زكاة التجارة، كما أن البيع يقطع الملك في متعلّق الزكاة، فهذا ما لا يجوز تخيّل غيره.
فصل:
قال: "ولو اشترى عرضاً لغير تجارة... الفصلُ إلى آخره".
2117- من كانت له عروض ورثها، أو اتهبها، فلو نوى التجارة فيها، لم ينعقد الحول عليها بمجرد النية. ولو اشترى عرضاً، ونوى الاقتناء، أو لم ينو شيئاً، لم ينعقد حول التجارة؛ فإن الشراء في نفسه ليس بتجارة؛ إذ المشتري قد يقتني ولا يتجر، ولو اشترى ونوى التجارة مع الشراء، فينعقد حول التجارة حينئذ، ولو نوى القِنية، أو اشترى مطلقاً، ثم نوى التجارة، فلا حكم لهذه النية الطارئة، ولو اشترى شيئاً بقصد التجارة، ثم نوى بعد انعقاد حول التجارة الاقتناءَ، انقطع الحول بمجرد النية للقنية، والسبب فيه أن الاقتناء معناه الحبس للانتفاع، فإذا أمسك ونوى القنية، فقد قرن النية بما هو على صورة الاقتناء في نفسه، فأما إذا نوى التجارة في مال قِنية، فهذه نية مجردة، وإمساك المال ليس على صورة التجارة.
وقد حكى العراقيون، عن الكرابيسي أنه قال: قد تثبت التجارة بمجرد النية؛ فإن التربص والانتظار لارتفاع الأسعار من صورة التجارة. وهذا بعيد غيرُ معدودٍ من المذهب.
2118- ولو اتهب شيئاً ونوى الاتجار، فليس بتجارة، وإن كان يتعلق بقصده، وكذلك إذا احتش، أو احتطب، أو اصطاد، ولو نكحت المرأة، ونوت التجارة في الصداق، أو خالع الرجلُ امرأةً، ونوى التجارة فيما يستفيد من عوض الخلع، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنه متجر، وينعقد الحول؛ لأنه استحقاق مال بمعاوضة.
والثاني: أنه ليس يثبت حكم التجارة؛ فإن هذه الجهات لا تعدّ من التجارات في العرف، ولهذا يجوز خلوها من الأعواض الصحيحة.
2119- ولو اشترى عبداً بثوبٍ، وقصد التجارة، فرُدّ عليه الثوب بالعيب، واسترد العبد منه، نظر، فإن كان الثوب عنده على حكم التجارة، فإذا عاد إليه، يعود على حكم التجارة، وإن كان الثوب على حكم القنية عنده، فإذا اشترى به عبداً على قصد التجارة ثم رُدّ الثوب عليه، كما صورناه، فيعود الثوب إلى ما كان عليه قبل البيع من حكم القنية؛ فإن التجارة إنما تثبت في العبد بالبيع الذي جرى، وقد زال البيع بالفسخ، فزال حكم التجارة بزواله، وعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل البيع. ولو كان الثوب عنده للتجارة، ثم جرى الرد كما ذكرناه، فتعود التجارة، والرد يرد الأمر إلى ما كان قبل العقد، حتى كأن العقد، لم يلزم.
ثم مما يجب التنبيه له-على ظهوره- أن الرد إذا جرى، رجع الأمر إلى ما كان من التجارة قبلُ، فما تخلل من البيع لا يقطع الحول؛ فإن الماليّة هي المرعية، وهي متصلة لم تنقطع، وبيان ذلك بالمثال: أن من اشترى أولاً ثوباً للتجارة، ثم باعه بعبد على قصد التجارة، أو مطلقاً، فإذا رد عليه الثوب بالعيب، فقد زال ملكه عن الثوب وعاد، والحول مستمر؛ فإن العبد قام مقام الثوب، وبه استمرت مالية التجارة، ولا تعويل في التجارة على الأعيان، وإنما المتبع فيها المالية.
2120- ولو كان عنده ثوبٌ للقنية، فباعه بعبدٍ، ولم يقصد التجارة، ثم وجد بالعبد عيباً، فرده بالعيب، وقصد بالرد التجارة في الثوب الذي يسترده، فلا يصير متجراً؛ فإن الاسترداد بالعيب ليس معدوداً من المعاوضة، والتجارة إنما تثبت إذا اقترنت النيةُ بما هو معاوضة، والدليل عليه أن الشفيع إذا أبطل حقَّه من الشفعة في البيع، ثم اتفق رده، فلا تثبت الشفعةُ بسبب الرد، وقد قطع الشافعي بأن الشفعة تثبت في المهور، وبدل الخلع، والصلح عن الدم، وقد ذكرنا خلافاً في أن التجارة هل تحصل مع النية في هذه الجهات، ثم الشفعة لا تثبت في الرد، فكيف تثبت التجارة في الرد.
ومما نذكره أن الثوب أولاً لو كان عنده للقنية، ثم اشترى عبداً بذلك الثوب للتجارة، ثم ردّ الثوب عليه، فلا تثبت التجارة، فإن الرد يرفع العقد، ولا تثبت التجارة من غير عقدِ تجارة، ولم يكن الثوب قبل البيع للتجارة، حتى يقال: انقطع البيع، وعاد إلى ما كان قبل البيع من التجارة.
2121- ولو كان الثوب عنده في حول التجارة، فاشترى به عبداً لقصد التجارة، ثم نوى اقتناء العبد، ثم رد الثوب عليه، فهذه صورة فيها لطف، فليتأملها الناظر.
فنقول: نية القنية تقطع الحول أولاً، فإذا رد الثوب بالعيب، فلا نقول: نقدر كأن الحول لم ينقطع؛ فإن المالية المرعية في التجارة قد انقطعت بنية القنية، وإذا انقطعت، انقطع الحول بانقطاعها، وكان ذلك بمثابة زوال الملك عن الأعيان في زكاة الأعيان.
فإن قيل: إذا رد الثوب فاجعلوا كأن البيع لم يكن، وافتتحوا حول التجارة؛ فإن الثوب كان للتجارة في أصله، قلنا: هذا تخيل ظاهر، ولكن القِنية في العبد قطعت حول التجارة، والرد ليس تجارة مستجدة، ولو نوى القِنية ثم نوى التجارة، انقطع الحولُ بنية القِنية أولاً، ثم لم يعد بنية التجارة، حتى تجري تجارةٌ مع نية مقرونة بها، وإنما موضع التخييل والإشكال أن نية القنية لم تجر في الثوب، ولكن الزلل كله يأتي من النظر إلى الأعيان في هذا الباب، ومتعلق الحول والزكاة الماليةُ، ولهذا لا ينقطع الحول بالمبادلات، بخلاف القول في زكاة العين، والمسألة فيها احتمالٌ، في عود الثوب إلى التجارة حتى يبتدىء من وقت الرد في الثوب، وهذا احتمالٌ في مسلك النظر، وإلا، فلا شك في انقطاع الحول بنية الاقتناء، فإذا انقطع الحول، ثم لم يتجدد تجارة، فلا وجه إلا الحكم بارتفاع التجارة، فإن ابتدأ عقدَ تجارة ثبت حكمها، إذ ذاك ابتداءً.
فصل:
قال الشافعي: "إذا اشترى نخيلاً للتجارة... إلى آخره".
2122- قاعدة الفصل أنه إذا اجتمع في مالٍ سببُ وجوب زكاة التجارة، وزكاةِ العين جميعاًً، مثل أن يشتري أربعين من الغنم السائمة للتجارة، وينقضي الحول في الحسابين، جميعاًً، فلا خلاف أنا لا نجمع بين الزكاتين، وإنما نوجب إحداهما، وفيما نوجبه قولان مشهوران:
أحدهما: أنا نوجب زكاة التجارة؛ فإنها أعم وجوباً؛ إذ تعم جميع صنوف الأموال.
والثاني: أنا نوجب زكاة العين؛ فإنها متفق عليها، فكانت أقوى وأولى. هذا إذا اشترى أربعين سائمة للتجارة.
ولو اشترى أربعين معلوفةً للتجارة، فقد تجرد فيها جهةُ التجارة، فلو أسامها في أثناء الحول، ولم يقصد القِنية، فقد ذكر أئمتنا طريقين: منهم من قال: المتأخر من السببين يرفع المتقدم، ويتجرد قولاً واحداً، ومنهم من قال: المتقدم يمنع المتأخر قولاً واحداً. والفريقان يقولان: صورة القولين إذا وقع السببان معاً، والصحيح طرد القولين في الطارىء أيضاًً. ولكن يحتاج هذا إلى فضل بيان.
2123- فنقول: إذا اشترى أربعين من المعلوفة للتجارة، ومضت ستة أشهر، وأسامها، واطرد السوم فيها؛ فإن قلنا في اقتران السببين: المغَلَّبُ زكاة التجارة، فلا كلام. وإن قلنا: المغَلَّبُ زكاة العين، فإذا مضت ستة أشهر من وقت شراء الأصل، فأسام، ثم مضت ستة أشهر من وقت الإسامة، فقد تم حول التجارة، ولم يتم حول العين، والتفريع على تغليب زكاة العين، ففي هذه الصورة خلاف: من أئمتنا من قال: نوجب في آخر حول التجارة زكاة التجارة، ونعطل الأشهر الستة الأخيرة من حساب السوم، ثم نبتدىء حولَ السوم وزكاة العين من منقرض سنة التجارة.
ومنهم من قال: نبتدىء من وقت الإسامة حولَ زكاة العين، فإذا مضت سنة من وقت الإسامة، وجبت زكاة العين، وعلى هذا تتعطل الستة الأشهر المتقدمة على الإسامة.
2124- ومما يتعلق بما نحن فيه: أنا إذا رأينا تقديمَ زكاة التجارة، وقد اشترى أربعين من الغنم السائمة، ومضت سنةٌ من وقت الشراء، والسوم دائم، ثم قوّمنا الأربعين، فلم تبلغ قيمتُها بالنقد نصاباً، فلا وجه لإيجاب زكاة التجارة. وهل تجب زكاة السوم في هذه الصورة؟ فعلى وجهين:
أحدهما: لا نوجب زكاة السوم؛ فإنا أسقطنا حكمها على القول الذي نفرع عليه، فلا نرجع إليها.
والوجه الثاني- أنا نوجب زكاة العين في هذه السنة، وذلك أن سببي الزكاتين قد اجتمعا، وعسر الجمع بينهما؛ إذ ازدحما، فإن قدمنا أحدهما، فليس ذلك إسقاطَ الثاني أصلاً، ولكنه تقديمٌ، وهو بمثابة ما لو قتل رجلٌ رجلين على ترتيب؛ فإنه يُقتل بالأول، ولأولياء الثاني الدية. فلو عفا أولياء الأول، ثبت حق الاقتصاص لأولياء الثاني؛ فإن القصاص كان ثابتاً في حق القتيل الثاني، ولكن قدّم الأول، فإذا سقط، فحق الثاني ثابت، وقياس هذا بيّن في الأصول، لا إشكال فيه.
ولو رأينا تقديم زكاة العين، وقد اشترى أربعين سائمة فنقص عدد الأربعين، ولكن قوّمنا ما بقي، فكان يبلغ نصاباً بالنقد، ففي المسألة الوجهان المقدمان، ففي وجهٍ لا نوجب زكاة التجارة، كما لا نوجب زكاة العين، وفي وجه نوجب زكاة التجارة، كما تقدم.
2125- ولو اشترى عبداً للتجارة، فاستهل شوال، وجبت فيه زكاةُ الفطر، ولم يمتنع وجوبها مع وجوب زكاة التجارة، خلافاً لأبي حنيفة.
2126- ولو اشترى رجل ثمرة لم يبد الصلاح فيها على قصد التجارة، ثم بدا الصلاح فيها، فتعتبر زكاة العين، وهو العشر، أو زكاة التجارة عند انقضاء الحول من وقت العشر؟ فعلى القولين المقدمين، فإن قدمنا زكاة العين، أوجبنا العشر، وإن قدمنا زكاة التجارة، لم نوجب العشر.
ولو قصرت الثمار عن خمسة أوسق، وبلغت قيمتها في آخر الحول نصاباً، ففيه الخلاف المقدم الذي سبق، وكذلك لو بلغت خمسة أوسق، ونقصت قيمتها عن النصاب باعتبار النقد، ففيه الخلاف المذكور.
2127- ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أنا إذا غلبنا العينَ، فإذا أخرجنا العشرَ، فلسنا ننتظر بعد هذا تجدد العشر، وزكاة التجارة إذا استجمعت شرائطها تتجدّد.
ولا نقول على تغليب العين يسقط اعتبار التجارة في المستقبل بالكلية؛ فإن التجارة قائمةٌ متجددة في الأحوال المستقبلة، فيجب اعتبارها، فليس للفقيه أن يلتفت إلى كل خيال بعيد، فالوجه إذن أن يبتدىء حولاً بعد العشر للتجارة، ثم لا ينبغي أن يبتدىء حول التجارة من وقت بدو الصلاح، وإن كنا قد نطلق أن العشر يجب عند بدو الصلاح؛ فإن ذلك تقدير، وليس تحقيقاً.
والذي يكشف الحق فيه أن الصلاح إذا بدا، فعلى مالك الثمار أن يربي العشر للمساكين، إلى الجفاف، فيستحيل أن يكون في تربية العُشر، ويكون ذلك الزمان محسوباً من حول التجارة.
هذا منتهى المراد.
2128- وكل ما ذكرناه فيه إذا اشترى ثمرةً لم يبدُ الصلاح فيها، ثم بدا، وكان قَصَدَ التجارةَ لما اشترى، واشترى الثمرة وحدها، فأما إذا اشترى الأشجار ومغارسَها من الأرض، وعلى الأشجار ثمارُها، غيرَ مُزهية، ثم أزهت، فالقول في الثمار ما ذكرناه.
فإن رأينا تغليبَ زكاة التجارة، فنوجب ربعَ العشر في قيمة الأراضي، والأشجارِ، والثمارِ، ولا إشكال.
وإن قلنا بإيجاب العشر في الثمار، ففي الأشجار وجهان:
أحدهما: أنه لا يجب فيها شيء؛ فإن العشر وإن وجب في الثمار، فهو يكفي عن زكاة الأشجار؛ فإن الثمار كما أنها فائدة المالك من الأشجار فالعشر منها فائدة المساكين، فليكتفوا به.
والوجه الثاني- أنه تجب زكاة التجارة في الأشجار؛ فإن التجارة فيها متجردة، والعشر يختص بالثمار، والدليل عليه أنه يتصور تجرد الثمار في الملك عن الأشجار، ثم يجب العشر فيها، والملك في الأشجار لغير مالك الثمار.
وإن قلنا: تجب زكاة التجارة في الأشجار، فالأراضي بذلك أولى، وإن قلنا: لا تجب زكاة التجارة في الأشجار، ففي المغارس وجهان: والفرق بُعْدُ الأراضي عن التبعية؛ فإن الثمار جزء من الأشجار، وليست جزءاً من الأراضي.
ثم ينبغي أن يقال: كل ما يدخل في معاملة المساقاة يدخل في الخلاف، من الأراضي التي بين الأشجار، وكل ما لا يدخل في معاملة المساقاة، فتجب زكاة التجارة فيه قطعاً. وسيأتي ذلك مشروحاً في المساقاة إن شاء الله تعالى.
2129- ولو اشترى نخيلاً للتجارة، ولم تكن قد أطلعت، ثم أثمرت، فالثمار المتجددة بعد الشراء بمثابة الولد المتجدد لا محالة، وقد ذكرنا فيما تقدم من الفروع عن ابن سريج أن من اشترى جارية للتجارة، فولدت في آخر الحول، ولم تنقص قيمتها، فلا نضم قيمة الولد إلى قيمتها.
وقد ذكر الصيدلاني أن الذي ذكرناه من تقديم زكاة التجارة يجري في الثمار المتجددة، ونص على هذا في مجموعه، فعلى هذا نقول: إذا تم حولُ التجارة من وقت شراء الأشجار، قوّمناها مع الثمار، ونجعل الثمارَ بمثابة زيادةٍ متصلةٍ، وبمثابة أرباح متجددةٍ في قيمة العروض، ولا نجعلها كأرباح تنضّ في أثناء الشهر، حتى نجعل المسألة على القولين المقدمين في نضوض الأرباح. وقول ابن سريج يخالف هذا لا محالة. وإذا جمعنا قوله إلى هذا انتظم منه الخلاف لا محالة، ووجه الاحتمال لائحٌ لا خفاء به.
وقد يظهر عندي أن يبتدىء-على ما ذكره الصيدلاني- حول التجارة من وقت وجود الثمار، على قولنا بابتداء حول الربح الناض في أثناء السنة، والسبب في ذلك أنا على أحد القولين نبتدىء حولَ الربح من حيث استيقنا حصوله، وهو ما دام في السلعة من حيث القيمةُ غيرُ موثوق به، واستيقان الوجود متحقق في الثمار، فليس كالزيادة المتصلة؛ فإنه لا يمكن إفرادها بالتصرف، وهذا ظاهرٌ في الاحتمال. ولكن الصيدلاني لم يفصّل، وظاهر قوله أن الثمار بمثابة الزيادة المتصلة.
ومما ذكره الصيدلاني في ذلك أن من اشترى أرضاً مزروعة على نية التجارة، ففي العشر الخلاف المقدم. فإن قلنا: المغلب زكاة التجارة، فنقوم الجميع كما تقدم.
وإن قلنا: نغلب زكاة العين، فالعشر ثابت في الزرع. وفي زكاة التجارة في الأراضي الخلافُ الذي تقدم.
2130- ولو اشترى أرضاً للتجارة، واشترى بذراً للتجارة أيضاًً، ثم زرع الأرض بذلك البذر، فقد قال الشيخ: إن غلّبنا زكاة التجارة، فلا إشكال، والوجه تقويم الجميع، ثم لا يخفى ما يزداد في البذر في حكم زيادة متصلة، وإن قلنا: يقدّم العشر، فقد ذَكَر في إتباعِ الأرض العشرَ خلافاً، كما تقدّم.
وقد يخطر للفقيه أن التبعية بعيدة في هذه الصورة؛ من حيث تميز البذر عن الأرض أولاً، ثم فرض الزرع، وليس كما لو اشترى الأرضَ مزروعةً.
ووجه تخريج الخلاف أن أحد القائلين يعتقد أن من أدى عشر الزرع، فهذا تأدية حق الأرض؛ فإن الزرع فائدة الأرض، وهذا بعيدٌ من مذهبنا؛ فإن العشرَ حق الزرع، ولا تعلق له بالأرض.
ثم قال: لو اشترى بذراً للقِنية، وأرضاً للتجارة، ثم زرع أرضَ التجارة ببذر القِنية، فأما الزرع، فواجبه العشر، ولا تبعية أصلاً، وفي الأرض زكاة التجارة هاهنا وجهاً واحداً. وهذا لا شك فيه.