فصل: باب: الغسل للجمعة والخطبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: الغسل للجمعة والخطبة:

غسل الجمعة فندوب إليه مؤكد، قال الشيخ أبو بكر: تركه مكروه. وهذا عندي جار في كل مسنونٍ صح الأمر به مقصوداً، وقد ذكرت حقيقة المكروه في فن الأصول.
1441- ثم لا يستحب غُسل الجمعة إلا لمن يحضر الجامع، وغسل العيد مستحب لمن يحضر المصلى، ولمن يلزم بيته؛ فإنه يومُ الزينة العامة، والأولى أن يقرب غُسل الجمعة من وقت الرواح؛ فإن الغرض التنزه، وقطعُ الروائح الكريهة، ولو اغتسل المرء بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأ، وإن كان متقدماً على الرواح بأزمان طويلة، ولو اغتسل قبل طلوع الفجر للجمعة، لم يعتد بغسله، ولو اغتسل للعيد قبل الفجر، ففيه وجهان، سنذكرهما في صلاة العيد.
وحكى الشيخ وجهاً عن محمد أن غسل الجمعة قبل طلوع الفجر يجزىء، ثم غلّطه وزيّفه، وهو خطأ لا شك فيه.
1442- ومما ذكره الشيخ أبو بكر، وهو واضح، ولكني أحببت نقله منصوصاً، وفيه احتمال أيضاً: إذا قيل: لو سَلِم أعضاءُ الوضوء من إنسان، وتقرح سائر بدنه، وعسر عليه إقامةُ الغسل، فإنا نأمره بأن يتيمم بدلاً عن الغسل؛ فإن التيمم ثابت في الطهارات التي يعجز المريض عنها، وفيه احتمال من جهة أن هذا الغُسلَ منوط في الشرع بقطع الروائح والتنزه، والتيمم لا يقوم مقامه، والظاهر ما ذكره.
1443-ثم عدّ صاحب التلخيص الأغسال، فبدأ بما يجب منها، وهو الأربعة المذكورة في كتاب الطهارة، وزاد بعدها الأغسال المسنونة، فقال: منها غسل الجمعة، وغسل العيدين، والغسل من غسل الميت، والغسل للإحرام، والغسل للوقوف بعرفة، والغسل لمزدلفة، والغسل لدخول مكة، وثلاثة أغسال أيام التشريق، وهذه الأغسال منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، وذكر الغسل لدخول الكعبة، وحكى قولاً في القديم أنه يغتسل لطواف الوداع خاصة.
1444- وذكر الغسل إذا أسلم الكافر، وهو ثابت، ولكن إن كان الكافر جنباً فأسلم، لزمه الغسل، وإن كان اغتسل في الكفر، فالمذهب أنه لا يصح غسله، وإنما التفصيل والتردد في الكافرة تحت مسلم، تغتسل إذا طهرت عن الحيض، وأبعد بعض أصحابنا، فطرد صحةَ القَوْل في حق كل كافر، وهذا ذكره أبو بكر الفارسي، فغلّطه الأصحاب فيه، وحكاه الشيخ في الشرح. وإن لم يكن الكافر جنباً، فنستحب غُسلاً بسبب الإسلام.
واختلف الأئمة في وقته، فمنهم من قال: يسلم ثم يغتسل؛ فإن حق القربات أن تقع بعد الإسلام، ومنهم من قال: يغتسل قبل إظهار الإسلام، وفي الأخبار إشارة إلى هذا، وهذا فيه نظر؛ فإن الأمر بتأخير الإسلام محال، والمعرفة إن ثبتت لا يمكن دفعُها، وإن كان المراد إظهار الشهادتين، فلا وجه لتأخيره؛ فإنه مما يجب على الفور. نعم: لو قيل: لو بدأ تباشيرُ الهداية، فابتدر الكافرُ، واغتسل، ثم أقبل وهداه الله في الحال الذي وصفناه. فهل يعتد به؟ فيه احتمال وتردد.
1445- ومما ذكره: الغسل بعد الإفاقة من إغماءٍ، أو جنون، وهذا صحيح، وفي مرض وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يغشى عليه، فإذا أفاق قال:
"ضعوا لي ماء في المِخْضَب"، وكان يغتسل. وقد أوجبه بعض السلف.
ومما عده غسل الحجامة، وقد أنكره معظم الأصحاب، وقالوا: لا نعرف له أصلاً.
وذكر الغسل على من يخرج من الحمام، وأنكره المعظم من غير سبب يقتضيه.
1446- ثم قال: بعض هذه الأغسال اختيار، وأراد بذلك أنها لا تبلغ درجة الوَكادة، وعدَّ في ذلك غسل الكافر إذا أسلم، وغسل الحجامة، وغسل الحمام، وعدّ من هذا القسم الغسلَ من غسل الميت، وهذا غلط باتفاق الأصحاب؛ فإنه من الأغسال المؤكدة، وللشافعي قول: إنه آكد من غسل الجمعة، وذكر الساجي وجهاً بعيداً أنه واجب، وكذلك الوضوء من مس الميت، وعندي أني ذكرته في كتاب الطهارة.
فصل:
1447- نقل المزني آداباً في الخطبة والأذان، ثم قطع الكلامَ وأتى بكلام آخر، ونحن نرى أن نذكر-بعد هذا- جميعَها وِلاء نَسَقاً. والذي ذكره بعد تلك المبادىء تفصيلُ القول في المسبوق إذا أدرك من الجمعة شيئاًً، ونحن نستقصي القول في ذلك إن شاء الله، فنفرض قولاً في غير الجمعة، ثم نعود إلى الجمعة.
1448- فنقول: إذا قام الإمام في صلاة الصبح إلى الركعة الثالثة ساهياً، فدخل داخل، فاقتدى به على ظن أنها الركعة الثانية، فإن أدرك الركعة بتمامها: قراءتَها وقيامَها، فالمذهب أنه مدرك لهذه الركعة؛ فإنه صلى ركعةً تامة، وغاية ما في المسألة أن الركعة غير محسوبة للإمام، فجعل كان المقتدي اقتدى بإنسان، ثم بان أن إمامه كان محدثاً، فصلاة المقتدي صحيحة، وذكر الشيخ أبو علي وجهاً بعيداً أن المقتدي بالإمام في الركعة الثالثة لا يكون مدركاً للركعة؛ فإنها في حكم اللغو، والغالب أن يظهر مثله؛ فإنها زيادة محسوسة، وطهارة الإمام وحدثُه أمر باطن، فكانت الركعة الثالثة في حكم الاقتداء بالكافر؛ فإن الكفر مما يظهر غالباً.
وهذا الذي ذكره بعيد جداً، ولو طرد قياسه، للزم أن يقال: لا تنعقد صلاة المقتدي، كما لا تنعقد صلاة من اقتدى بكافرٍ على الجهل بحاله؛ إذ لو علم أن الإمام قائم إلى الثالثة ساهياً، ثم إنه اقتدى به، لم تنعقد صلاته، وقد قطع رضي الله عنه بأن اقتداء المقتدي منعقد في الركعة الثالثة، وقد ينقدح فيه أن سبب انعقاد الصلاة أن الإمام ليس خارجاً عن الصلاة بملابسة السهو الذي صدر منه، والكافر ليس في صلاة أصلاً.
فليتأمل الناظر ذلك.
فهذا إذا أدرك المقتدي تمامَ الركعة على جهل.
1449- فأما إذا دخل، فأدركه في ركوع الركعة الثالثة، فإن قلنا: لو أدرك جميعَ الركعة، لم يكن مدركاً، فإذا أدرك الركوعَ، فلأن لا يكون مدركاً أولى، وإن قلنا: إذا أدرك الركعة التامة يكون مدركاً وهو المذهب، فإذا أدرك الركوعَ، فالمذهب وما قطع به الأئمة أنه لا يصير مدركاً لهذه الركعة؛ فإن الركوع ليس محسوباً للإمام، فكيف يصير متحملاً عمن أدركه فيه؟ وكذلك لو أدرك المسبوق الإمامَ المحدِث في ركوع ركعةٍ، فلا يصير مدركاً للركعة.
وذكر الشيخ أبو علي وجهاً بعيداً في شرح الفروع أنه يصير مدركاً للركعة؛ فإنه لو أدرك كلّ الركعة، لكان مدركاً، فكذلك إذا أدرك ركوعَها.
وهذا وإن كان بعيداً، فهو عندي يستند إلى أصل، وهو أن قول الشافعي اختلف في أن إمام الجمعة لو بان محدثاً، فهل تصح جمعة القوم أم لا؟ ففي قولٍ تصح، ولا خلاف أن الانفراد بصلاة الجمعة لا يجوز، فإنَّ شرطَ إجزائها والاعتداد بها القدوة، فإذا قضينا بصحة الجمعة، فقد قضينا بصحة القدوة عند الجهالة بحدث الإمام، فعلى هذا لا يمتنع أن نجعل مدرك الركوع من صلاته مدركاً للركعة على الجملة.
وهذا كله في غير صلاة الجمعة.
1450- فأما إذا فرض قيام الإمام في الجمعة إلى الركعة الثالثة ساهياً، فلو دخل مسبوق واقتدى به في هذه الركعة من أولها، وأدرك قيامَها وقرأ ما يجب أن يقرأ، فهل يصير مدركاً لصلاة الجمعة؟ فيه وجهان مشهوران، مبنيان على القولين في أنه لو بان الإمام محدثاً، فهل تصح الجمعة؟ والفرق بين الجمعة وغيرِها من الصلوات أن الجماعة شرط في الجمعة، ومن ضرورة الجماعة إمام يُقتدى به، فإذا تبين أخيراً أن الإمام محدثٌ، فقد تحقّقَ انعدام شرط معتبرٍ في صحة الصلاة، ولو اقتدى المسبوق به في الركعة الزائدة، وهو عالم بحاله، لم يصح اقتداؤه وفاقاً.
فهذا إذا أدركه في جميع الركعة.
فأما إذا أدركه في ركوع الركعة الزائدة، فإن قلنا: لو أدركه في جميعها، لم يكن مدركاً، فما الظن به إذا أدركه في الركوع؟ وإن قلنا: لو أدركه في تمامها، لكان مدركاً، فالمذهب أن الإدراك في الركوع لا يكون إدراكاً، وفيه وجه بعيد في النهاية أنه يصير مدركاً.
وهذا ترتيب الشيخ أبي علي في شرح الفروع.
واختيارُ ابن الحداد في الجمعة أن المدرك لتمام الركعة لا يكون مدركاً للجمعة.
1451- ومما يتصل بذلك أن الإمام لو كان نسي السجود من الركعة الأولى، وتداركه في الثانية، فيحصل له من الركعتين ركعة واحدة، على الترتيب الذي تقدم في باب سجود السهو، فإذا قام في الصلاة إلى الركعة الثالثة، فهذه ثالثة في الصورة ثانية في الحقيقة، ولا شك أن من أدركه في جميعها أو ركوعها، فهو مدرك للجمعة، وبمثله لو نسي السجود في الركعة الثانية، وقام إلى الثالثة ناسياً فقيامه وركوعه، ورفعه الرأس في هذه الركعة غيرُ محسوب، بل عمله فيها كلا عمل، وإنما يعتد فيها بما يأتي به من السجود، فالمسبوق لو أدرك في هذه الركعة، فقد أدرك في زائدة، وقد ذكرنا التفصيل فيه على ما ينبغي.
1452- وابن الحداد يرى أن الاقتداء بالإمام في الركعة الزائدة غيرُ محسوب، وهذا أصح الطرق.
1453- ونحن نفرع عليه فرعاً هو تمام الكلام.
فنقول: إذا كان الإمام نسي السجود من الركعة الأولى، ثم أتى في الركعة الثانية بالسجود، وإنما تنبه لما جرى له عند انتهائه إلى السجود في الركعة الثانية، فقام إلى الركعة الثالثة-وهذا هو الواجب عليه- فهذه صورة المسألة التي نطلبها، فلو أدركه مسبوق في أول الركعة الثانية، وأقامها بتمامها معه، وظن أنها الركعة الأولى، ثم قام مع الإمام إلى الركعة الثالثة، وأتمها، فلا شك أن المسبوق يصير مدركاً للصلاة؛ فإنه أدرك ركعة محسوبة للإمام.
1454- ثم قال القفال: إذا سلم الإمام، يسلم معه؛ فإنه قد صلى ركعتين تامتين، وأدرك حقيقة الجماعة في إحداهما، فإن كان في حكم المنفرد في الركعة الأولى على ما يرتضيه ابن الحداد، فانفراد المسبوق في صلاة الجمعة بركعةٍ لا يضر، بعد أن يصح له إدراك الركعة.
ثم وجه على نفسه سؤالاً وانفصل عنه، فقال: لو صح ما ذكرتموه على هذا الوجه، للزم أن يقال: لو نوى الإنسان الانفراد بركعةٍ، ثم اقتدى بالإمام في الركعة الثانية، يصح ذلك منه؟ ثم قال مجيباً: هذا لا يصح في صلاة الجمعة؛ فإنه بنية الانفراد تاركٌ للقدوة في ابتداء الصلاة، والقدوة شرط الجمعة، ووقت نيتها التحرّم، وتكبيرة العقد، وفي المسألة التي نحن فيها نوى القدوةَ في وقتها، فحصلت، وتحقق الإدراك في ركعة.
هذا قول القفال، حكاه عنه كذلك الصيدلاني، وقطع به.
1455- وحكاه الشيخ أبو علي، ثم لم يرضه، وقال: المقتدي على أصل ابن الحداد لم يدرك من صلاة الإمام إلا ركعة واحدة، هي المحسوبة، فإذا اطلع المقتدي أخيراً على حقيقة الحال، وسلَّم الإمامُ، فينبغي أن يقوم ويصلّي ركعةً أخرى، فهذا يُتم صلاتَه، والسبب فيه أن القدوة لم تتحقق في الركعة التي هي صورة ثانية الإمام؛ فإنها لم تكن محسوبة، ولا يصح من المسبوق تقديم الانفراد على الجماعة في الجمعة، فالذي جاء به أولاً انفرادٌ، قبل حصول حقيقة الجماعة في الركعة الأخيرة، فلم يعتد به، فإذا أدرك الركعة المحسوبة، وهي الأخيرة، فليقم بعدها إلى الركعة التي ينفرد بها المسبوق بعد تحلل الإمام، والمسألة محتملة جداً، وما ذكره الشيخ أبو علي متوجه على ما اختاره ابن الحداد وصححه.
1456- ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك: أن الإمام لو نسي السجود من إحدى الركعتين، وقام إلى الثالثة ليتدارك، وكان لا يدري أنه نسي السجود من الأولى أو الثانية، فإذا أدركه المسبوق في هذه الثالثة، فلا شك أنا في التفريع على الصحيح نقول: إذا كان نسي السجود من الثانية، فثالثته غير محسوبة إلا السجود منها، ولو قدرنا ذلك، فلا يكون المسبوق مدركاً على الرأي الظاهر، وإن كان نسي الإمام السجود من الركعة الأولى، فالثالثة محسوبة من صلب الصلاة، والمسبوق مدرك، ولو أشكل الأمر، ولم يدر أنه ترك السجود من الأولى أم من الثانية، فنأخذ في حق المسبوق بالأسوأ، ويُقدر كأنه ترك من الثانية؛ حتى لا يكون مدركاً للجمعة. على الأصح الذي اختاره ابن الحداد.
1457- ثم حيث قلنا: لا يكون مدركاً للجمعة، فهل يكون مدركاً للظهر؟ فإن الجماعة ليست مشروطة فيها، فهذا ينبني على أن الظهر هل تصح بنية الجمعة؟ وقد مضى التفصيل في الركعة الزائدة إذا أدركها المقتدي في غير صلاة الجمعة. وقد تقرر الغرض من الفصل، فلا حاجة إلى إعادته.
فصل:
قال: "وإذا زالت الشمسُ، وجلس الإمام... إلى آخره"
1458- نذكر في هذا الفصل ما يشترط في الخطبتين، وما يستحب فيهما.
فنقول أولاً: الخطبتان لابد منهما، ولا تكفي الواحدة، والشافعي اعتمد الاتِّباع، وهو الأصل فيما لا يعقل معناه، ويجلّ خطره، فما صادف الروايات لا يختلف فيها، بل تتفق، أوجبه محتاطاً، وعلى هذا بنى العددَ الذي ذكرناه.
وأبو حنيفة لما لم يلزم الاتباع، فلم يزل يخلّ قليلاً قليلاً، حتى اكتفى بأن يقول الإمامُ قبل الصلاة: "سبحان الله" في نفسه، ولا شك أن هذا إسقاطٌ لشعار الخطبة، ومذهبه في هذا بمثابة أصله في أقل الصلاة.
ونحن نذكر أركان الخطبتين، ثم نذكر شرائطهما، ثم نعود فنذكر رعاية الآداب فيهما، من أول الافتتاح إلى الاختتام.
1459- فأما الأركان، فقد قال أئمتنا: المرعيّ المتبع في الخطبتين خمسةُ أشياء:
الحمد لله، والصلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتوصيةُ بتقوى الله، وقراءة القرآن، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
ثم اتفقوا أنه يجب في الأولى والثانية في كل واحدة منهما الحمد لله، والصلاة، والتوصية بالتقوى، فهذه الأركان الثلاثة لابد منها في كل خطبة.
وفي بعض التصانيف أن المقصود حث الناس على التقوى، والحمدُ والصلاة، وإن وجبا جميعاًً وفاقاً، فهما في حكم الذريعتين إلى الوصية بالتقوى، ولا أصل لهذا الكلام، ولا فائدة فيه مع إيجاب الجميع.
فأما قراءة القرآن، فقد حكى شيخي أبو محمد وجهين عن أبي إسحاق المروزي في أنها معدودة من الأركان متحتمة أم هي مستحبة؟ ثم قال: إذا أوجبناها، فقد اختلف أئمتنا في محلّها، فمنهم من قال: تختص بالأُولى، فلو أخلى الخاطب الأولى من القراءة، لم يجز، وهذا القائل يقول: تشترك الخطبتان في ثلاثة أركان: الحمد، والصلاة، والحث على التقوى، وتختص الأُولى باستحقاق القراءة فيها، وتختص الثانية بالدعاء.
ومنهم من قال: الدعاء يختص بالثانية، فأما قراءة القرآن، فلا يتعين لها واحدة، بل يجب الإتيان بها في إحداهما، وهذا هو الظاهر.
وقد حكى شيخنا أبو علي في شرح التلخيص عن نص الشافعي في الإملاء أنه قال: أركان الخطبتين: الحمد، والصلاة، والوعظ. ولم يذكر قراءة القرآن، والدعاء، ولما عدّ صاحب التلخيص الأركان، لم يعدّ القراءة، ولا الدعاء أيضاً. وأما الخلاف في قراءة القرآن، فقد حكاه شيخي عن أبي إسحاق. وأما التردد في الدعاء، فلا نراه إلا في التلخيص، ولا يحمل سكوت صاحب التلخيص عن ذكر الدعاء على غفلةٍ؛ فإن المقصود الأظهر من كتابه العدّ والحصر، والاستثناء، وقد ظهر وفق قوله من نص الشافعي، الذي نقله عن الإملاء.
1460- ولو تأمل الناظرُ مقصود الخطبة، ألفاه راجعاً-بعد ذكر الله وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى حمل الناس على مراشدهم بالموعظة في كل جمعة، وأما القراءة والدعاء، فلا يبعد من طريق المعنى خروجهما عن الأركان، ولكن هذا غريب، ولم يحكِ خروجَ القراءة فيما أظن غيرُ شيخِنا والشيخ أبي علي، واختص أبو علي بما حكاه نصّاً ونقلاً عن صاحب التلخيص في الدعاء.
وذكر العراقيون أنه يجب قراءة القرآن في كل خطبة، وهو مكرر تكرر الحمد والوصية.
فهذا مجامع القول في الأركان.
1461- ونحن نعود إلى قول في التفصيل، فنقول: أما الحمد، فقد وجدتُ الطرقَ متفقة في تعيينه، والمصير إلى أنه لا يقوم ذكر الله بسائر وجوه التحميد والثناء مقام الحمد نفسه، وهذا هو اللائق بقاعدة الشافعي في بناء الأمر على الاتّباع؛ فإنّ أحداً ما عدل عن الحمد إلى غيره من وجوه الثناء.
وفي بعض التصانيف في ذكر أركان الخطبة إطلاق القول باستحقاق الثناء على الله، وهو مشعر بأن الحمد لا يتعين، بل يقوم غيره مقامه، وهذا لا أعدّه من المذهب، ولا أعتدّ به.
1462- واتفقت الطرق على أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالنبوة والرسالة، وسائر وجوه المناقب التي خصه الله تعالى بها، لا يقوم مقامَ الصلاة عليه، فلابد منها، ويشهد لتعينها وجوبها على التعيين في الصلاة بعد التشهد.
وذكر العراقيون ذكرَ الله وذكرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرضوا للحمد ولا للصلاة، وظنّي أنهم أرادوا الحمد والصلاة، ولكنَّ لفظَهم ما نقلته.
1463- فأما القول في الحث على التقوى، فلا شك أن لفظ الوصية ليس معيَّناً، وإنما الغرض الاستحثاث على التقوى بأية صيغة كانت، ثم التقوى تجمع كلَّ وعظ، وهي مشعرة بالإقدام على المأمورات، والإحجام عن المنهيات، وقد بحثت عن الطرق، فلم أرها متعينة، بل الغرض الوعظ، وقد نص عليه الشافعي في الإملاء فيما نقله الشيخ أبو علي، وأبواب المواعظ راجعة إلى الحث على الطاعة، والزجر عن المعصية، وفي أحدهما إشعار بالثاني، فيقع الاكتفاء به، وأما التحذير عن عقاب الله، والترغيب في ثواب الله، ففي ذكرهما، أو ذكر أحدهما كفاية عن التصريح بالأمر بطاعة الله، والنهي عن مخالفته، فيما أراه. وهذا حقيقة التقوى.
فأما الاقتصار على ذكر التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، فلست أراه كافياً، من جهة أنها مما يتواصى به المعطّلة المنكرون للمعاد.
وينبغي أن يكون الوعظ في أول درجاته مشعراً بمواعيد الشرع والتزامها. وكذلك الأمر بالإحسان المطلق، من غير تعرض لذكر الله تعالى، ما أراهُ مجزياً.
وأما ذكر الموت، فإن اشتملت الوصية على الأمر بالتأهب والاستعداد له، فهو كاف، وإن لم يَجْر إلا ذكره، فهو من الاقتصار على ذكر فناء أعراض الدنيا فيما أظن.
1464- ومما يدور في الخلد أن الخاطب لو اقتصر على كلم معدود، ليس فيها هزٌّ، واستحثاث على الخير، أو زجر عن معصية، مثل أن يقول: أطيعوا الله واجتنبوا معاصيه. فهذا القدر لو فرض الاقتصار عليه، فالذي يؤخذ من قول الأئمة أنه كافي؛ فإنه ينطلق عليه اسم الوصية بالتقوى والخير، ولكني ما أرى هذا القدرَ من أبواب المواعظ التي تنبه الغافلين، وتستعطف القلوب الأبيَّة العصيَّة، إلى مسالك البرّ والتقوى. وإن كان المتبع مسالكَ الأولين في العُصُر الخالية، فالغرض فصلٌ مجموع يهزّ، ويقع من السامعين موقعاً.
وقد بالغ الشافعي في الاتباع حتى أوجب الجلوس بين الخطبتين، كما سأذكره.
وليس يليق بمذهبه أن يُعدَّ قولُ الخطيب: "الحمدُ لله، والصلاة على محمد، أطيعوا الله" خطبة تامةً، والعلم عند الله.
وقد ذكر الشافعي لفظ الوعظ في الإملاء وفيه إشعار بما ذكرته.
أما الاقتصار على كلمة في الحمد والصلاة مع أداء معناهما، فلا شك في كفايته، فإنما قولي هذا في الوعظ، وهذا الآن يشير إلى ما ذكره بعض المصنفين من أن مقصود الخطبة الوعظُ، والحمد والصلاة ذريعتان.
1465- فأما قراءة القرآن إذا أوجبناها على المشهور، فالذي ذكره الأئمة: لابد من قراءة آية تامة. وهذا فيه كلامٌ عندي، ولو قرأ شطراً من آيةٍ طويلة، فلست أُبعد كفايةَ ذلك، ولا أشك أنه لو قال: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] لم يكفِ ذلك، وإن عُدَّ آية، ولعل الأقرب أن يقرأ ما لا يجري على نظمه ذكرٌ من الأذكار، وهو المقدار الذي يحرم قراءته على الجنب، ولست أرى للآية الواحدة في هذا الباب ثَبَتاً في التوقيف.
ومما لابد من إجزائه أنه لو قرأ الخطيب آيةً فيها وعدٌ أوْ وعيد، أو حكمٌ شرعيّ، أو معنى مستقل في وقعةٍ، فهذا كافٍ، ولو قرأ من أثناء قصّةٍ ما يحرم قراءتُه على الجنب، ولكن كان لا يستقل بإفادة معنى على حياله، فهذا مما أتردد فيه.
1466- وبلائي كله من شيئين:
أحدهما: أن بَني الزمان ليس يأخذهم في طلب الغايات، لا. بل في طلب حقيقة البدايات ما يأخذني، فلا يهتدون لما أبغيه من مداركها، بل أخاف أن يتبرّموا بها.
ثم الأولون لم يعتنوا بالاحتواء على ضبط الأشياء، والتنبيه على طريق التقريب فيها، ويشتد ذلك جداً في الإحالة على الأمور المرسلة، التي لا يثبت توقيف خاص شرعي فيه، كما نحن الآن مدفعون إليه من لزوم الاتباع وتركِ الاقتصار على أدنى مراتب الأذكار، ثم لم تثبت ألفاظ مضبوطة حسب ثبوتها في التشهد والقنوت وغيرهما، فجرّ ذلك ما أنهيتُ الكلام إليه من التردّدات.
1467- وأما الدعاء، فيكفي فيه الدعاء للمؤمنين كافةً، بجهةٍ من الجهات، وأرى ذلك متعلّقاً بأمور الآخرة، غيرَ مقتصر على أوطار الدنيا، والعلم عند الله.
فهذا بيان أركان الخطبة.
1468- وكان شيخي يقول: لو قرأ الخطيب في كل ركن من الأركان آية مشتملةً على المعنى المطلوب، فأتى بآيٍ من القرآن على هذا الترتيب لا يُجزيه.
والأمر مقطوع به في المذهب. كما قال؛ فإن الذي جاء به لا يسمى خطبة، وقد تقرر أن الخطبة أوجبت ذكراً، وإن لم يعيَّن، فهو من هذه الجهة كالتشهد والقنوت، غير أن الأذكار متعيّنة فيهما، وهو غير متعيّن في الخطبة، وإلا فالكل سواء في أنه شرع ذكراً، ولكنه عُيّن في التشهد، وأُبهم في الخطبة، وفيه فقهٌ حسن؛ فإن الخطباء لو لزموا شيئاًً واحداً، وأنس به الناس، وتكرر على مسامعهم، لأَوْشَك ألاّ تحصل فائدة الوعظ؛ فإن النفوس مجبولة على قلة الاكتراث بالمعادات، فهذا كذلك، وإن كنت لا أشك في أن الخاطب لو لزم كلمات معهودة في ركن الوعظ، أو كان يُعيدُها، فيكفيه ذلك؛ فإنه قد يختلف السامعون، ويتبذلون في كل وقت.
فإذن قد تحقق أن قراءة القرآن لاتكفي، نعم. لو أوقع التحميدَ آيةً، فليس يمتنع ذلك، ولو أوقع الوعظَ آية، أو آيات مشتملةً على مواعظ، وما جعلَ جميع الخطبة قراءةً، فلست أبعد إجازةَ ذلك، وقد نص عليه شيخي، ولكن ينبغي ألا تحتسبَ القراءة وعظاً، ويُعتدّ بها عن جهة القراءة أيضاً؛ فإن ذلك لا يليق بمذهبنا.
1469- ثم سنَحَ في هذا إشكال في التفريع، وهو أنه لو أتى بدل الوعظ بالقراءة، ثم قرأ القرآن عن جهة استحقاق القراءة، ولم أُبعد أن يكفي في الحمد آيةٌ فيها حمدٌ أيضاً، فينعطف الأمر آخراً إلى تجويز ردّ الخطبة كلّها قراءة، وهذا ممتنع.
ويخرج منه نتيجةٌ، وهي اشتراط إيقاع الوعظ ذكراً؛ حتى لا يؤدي إلى هذا آخراً؛ فإنه قد لاح أن الغرض الأظهر من الخطبة الوعظ.
فهذا منتهى القول في أركان الخطبة.
1470- ثم القيامُ في الخطبتين حتم عند الشافعي في حق القادر على القيام، وكذلك القعود بين الخطبتين، ولابد من رعاية الطمأنينة في القعدة بين الخطبتين، كما يشترط ذلك في القعود بين السجدتين.
فإن قيل لِمَ لَمْ تعدّوا القيامَ والقعودَ من الأركان، وعددتموها في الصلاة؟
قلنا: لا حجر في ذلك، فمن عدّ ذلك في الخطبة، فقد أصاب، ومن لم يعدهما في الصلاة، وزعم أن القيام والقعود محلاّن، والمقصودُ ما يقع فيهما، فلا بأس عليه. ومن حاول فصلاً، لم يبعد؛ فإن الغرض من الخطبة الوعظ، وهذا أمرٌ معقول، ولا يصح في الصلاة أمرٌ معقول، والأمر في ذلك كله قريب مع اعتقاد وجوب القيام والقعود في الموضعين.
فهذا أركان الخطبة.
1471- فأما الشرائط، فلا يختلف العلماء في أن الوقت شرطٌ فيهما، فليقع أول ما يعتد به منها بعد الزوال.
ثم شرطُ الاعتداد بالصلاة تقدّم الخطبتين، ولما اختصتا بالوجوب من بين سائر الخطب، اشتُرط تقديمهما، حتى يحتبس الناس لانتظار الصلاة ويسمعوا.
ولما لم تجب الخطبة في العيد وغيره، لم يضر التأخير، وإن فرض انتشار الناس فيها.
1472- وفي اشتراط الطهارة عن الحدث والخبث وجهان مشهوران:
أحدهما: لا يشترط؛ فإن الغرض منهما الذكر والوعظ، ولا منافاة بين ذلك وبين الحدث.
والثاني: أن الطهارة مشروطة، وقد علل هذا الوجهَ بعضُ الأصحاب بأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين؛ فيشترط فيهما الطهارة، وهذا لا أرضاه توجيهاً، مع القطع بأن الاستقبال ليس مشروطاً فيهما. والوجه أن نقول: هذا مبني على اشتراط الموالاة كما تقدم؛ فإنه إذا لم يكن متطهراً، فقد يتفرق النظام إذا توضأ قبل الصلاة.
1473- وأجرى الأصحابُ اشتراط الستر في الاعتداد بالخطبة على الخلاف المذكور في الطهر، وسبب اشتراطه بروز الخطيب، وما فيه من هُتكةٍ من الانكشاف لو لم يتستر.
1474- وأما الاستقبال، فلا أشك أنه ليس شرطاً، بل الأدب أن يستدبر كما سنذكره، ثم لم يشترط أحد الاستدبار أيضاً، فلو استقبل وأسمَعَ أجزأ، وإن خالف الأدب.
1475- ومما يتعلق بما نحن فيه: أنا إذا شرطنا الطهارة في الاعتداد بالخطبة، فلو كان الخطيب يخطب، فسبقه الحدث في أثناء الخطبة، فلو أتى بركنٍ في حالة الحدث، فلا أشك أنه لا يعتد بما جاء به في الحدث، ولكنه إذا جدد الوضوءَ، فيستأنف الخطبة، أو يبني عليها، ويأخذ من حيث جرى الحدث؟
وذكر شيخي في ذلك وجهين مبنيين على أن الموالاة هل تشترط في الخطبة؟ وهذا منه دليل على أنه ليس يتلقى اشتراطَ الطهارة من نفس الموالاة؛ فإنه كان يقول: إن شرطنا الموالاة، وقد اتفق الوضوء على قربٍ من الزمان لا تنقطع بتخلل مثله الموالاة، فهل يجب استئناف الخطبة؟ فعلى وجهين، أحدهما- يجب كالصلاة يطرأ عليها الحدث.
والثاني: لا يجب؛ فإن الخطبة لا عقد فيها، وإنما المرعي فيها الموالاة، لغرض تواصل الكلام، وإفادة الوعظ، وإذا لم يتخلل زمان طويل، جاز البناء، وإن جرى الوضوء في زمان طويل، فلا شك أنا نأمره بالاستئناف على قول اشتراط الموالاة.
وحفزني على هذا شيء، وهو أن الموالاة إذا اختلت في الطهارة بعذر، فالطريقة المرضية أن ذلك لا يقدح في الطهارة، وإن شرطنا الموالاة فيها، ولكن الذي أراه أن الموالاة إذا انقطعت بعذرٍ في الخطبة، فلا أثر للعذر، وفي انقطاع الخطبة ووجوب الاستئناف الخلاف؛ والسبب في ذلك أن الطهارة غيرُ معقولة المعنى، ولا يختل بترك الموالاة فيها غرض، ولكن من حيث إن الطهارة عُهدت متوالية، كما عهدت مرتبة، اشترطنا في قولٍ الموالاة فيها، فإذا فرض عذرٌ، لم يمتنع أن يعذر صاحب الواقعة، على أنه قد ورد على حسب ذلك أثرٌ عن ابن عمر. وأما اشتراط الموالاة في الأذان والخطبة؛ فإنه متعلق بمعنى معقول، فإذا اختل ذلك المعنى المعتبر، لم يظهر فرق بين المعذور وغيره.
فهذا بيان شرائط الخطبة.
ومن أخص شرائطها رفعُ الصوت، وسنذكر تفصيلَ القول فيه في الفصل المشتمل على ذكر الإنصات والاستماع.
1476- والآن بعد ما نجز القول في الأركان، والشرائط، نذكر قولاً في آداب الخطبة وسننها جامعاً، ونعود إلى افتتاح الخطبة، فنقول:
إذا رَقِيَ الإمام على المنبر، وانتهى إلى الدرجة التي عليها مجلسه، فيُقبل على الناس ويسلّم عليهم، فأما عندنا، فالأصل في ذلك ما روى ابنُ عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دنا من منبره، سلم على من عند المنبر، ثم يصعد، فإذا استقبل الناس بوجهه، سلم، ثم جلس، ثم إذا جلس أذّن المؤذّنون بين يديه الأذان المشروع" وما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر أذان يوم الجمعة قبل هذا، فلما كثر الناس في زمان عثمان، وعظمت البلدةُ، أمر المؤذّنين، حتى أذنوا على أماكنهم، ثم كان يؤذّن المؤذّنون بين يديه إذا استوى على المنبر، ثم الخطيب يجلس والمؤذّن يؤذن، وإذا فرغ، قام وخطب.
وينبغي أن يشغل يديه حتى لا يعبث بهما، وقد روي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على عَنَزَةٍ، وروي أنه اعتمد على قوس، وروي على سيفٍ، وقد قيل: إنه كان في الحضر يعتمد على عَنَزَة، وكان إذا خطب في السفر اعتمد على قوس أو سيف" والأمر في ذلك قريب.
وإذا شغل إحدى يديه بما ذكرناه، شغل الأخرى بالتمسك بحرف المنبر، وإن لم يتفق ذلك، وضع إحدى يديه على الأخرى، كما يفعله في صلاته، أو أرسل يديه وأقرَّهما. وليس في هذا ثَبَتٌ، والغرض ألا يعبثَ.
ثم سبب إقباله على الناس واستدباره القبلة أن يخاطبهم، فإن استدبرهم، وهو يخاطبهم، كان قبيحاً، خارجاً عن حكم عرف الخطاب، ولو وقف في أخريات المسجد مستقبلاً للقبلة خاطباً، فإن استدبره الناس، كان قبيحاً، وإن استقبلوه، وأقبلوا عليه، كانوا مستدبرين للقبلة، واستدبار واحدٍ مع استقبال الجميع القبلةَ أحسنُ من نقيض ذلك.
1477- ثم إذا فرغ من الخطبة الأولى، جلس جلسة خفيفة، وتلك الجلسة واجبة، والغرض يتأدّى بجلسة وطمأنينة، وقد قال الشافعي: يجلس جلسة تسع قراءة الإخلاص، وهي على الجملة في القدْر الواجب والمستحب قريب من الجلسة بين السجدتين.
ثم يقوم ويبتدىء الخطبة الثانية، وينبغي أن تكون الخطبة بليغةً قريبةً إلى الأفهام مترقية عن الركيك، خليةً عن الغريب، مائلة إلى القِصر، فقد قال النبي عليه السلام: «قصر الخطبة، وطول الصلاة مَئنة من فقه الرجل».
وينبغي أن يأتي الخطيب بالخطبة على ترتيلِ وأناة من غير تغن وتمطيط.
ثم إذا فرغ من الخطبة الثانية، ابتدأ المؤذّن الإقامةَ، وبنى الخاطب في تسرعه الأمر على أن يقرب وقوفه في المحراب من فراغ المقيم من الإقامة.
فهذا بيان أركان الخطبة وهيئاتها، وما يتعلق بآدابها وسننها.