فصل: فَصْل في السلام وأحكامه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل في السلام وأحكامه:

اعْلَمْ وَفَّقَنَا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع الْمُسْلِمِين لما يحبه ويرضاه إن السَّلام تحية الْمُؤْمِنِينَ، وشعار الموحدين، وداعية للإخاء والألفة والمحبة بين إخوانهم الْمُسْلِمِين، والسَّلام تحية مباركة، وصفة طيبة كما ذكر الله سُبْحَانَهُ فِي كتابه الكريم قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}.
وقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}، والسَّلام كما أخبر الله تحية أَهْل الْجَنَّة فِي دار النعيم، قَالَ تَعَالَى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}.
وابتداء السَّلام سُنَّة مستحبة، ولَيْسَ بواجب وَهُوَ سُنَّة كفاية فَإِنَّ كَانَ المسلم جماعة كفى عنهم واحد يسلم ولو سلموا كلهم كَانَ أفضل، ورفع الصوت بابتداء السَّلام سُنَّة ليسمعه المسلم عليهم، كلهم سماعًا محققًا لحديث: «افشوا السَّلام بينكم».
وإن سلم على أيقاظ ونيام أَوْ سلم على من لا يعلم هل هم إيقاظ أَوْ نيام خفض صوته بحيث يسمَعَ الإيقاظ ولا يوقظ النيام، ولو سلم على إنسان ثُمَّ لقيه على قرب سن أن يسلم عَلَيْهِ ثانيًا وثالثًا وأكثر.
ويسن أن يبداء قبل الكلام، لحديث من بدء بالكلام قبل السَّلام فلا تجيبوه. فينبغي لَكَ أيها الأخ أن تنصح كُلّ من ابتدأك بغير السَّلام وتعلمه بالْحَدِيث خُصُوصًا المكلمين لَكَ بالتليفون بقولهم: ألُ ألُ ولا يترك السَّلام إِذَا كَانَ يغلب على ظنه أنه لا يرد عَلَيْهِ.
وإن دخل على جماعة فيهم علماء سلم أَوَّلاً على الجميع، ثُمَّ سلم على الْعُلَمَاء سلامًا ثانيًا تمييزًا لمرتبتهم وَكَذَا لو كَانَ فيهم عَالِم واحد، خصه بالسَّلام ثانيًا.
ولا يسلم على امرأة أجنبية غير زوجة لَهُ، أَوْ ذات محرم، إلا أن تَكُون عجوزًا غير حسناء أَوْ تَكُون برزة، والمراد أنها لا تشتهى لأمن الفتنة ويكره السَّلام فِي الحمام ويكره السَّلام على من يأكل وعلى من يقاتل لا اشتغاله.
ويكره السَّلام على من يبحثون فِي العلم، وعلى من يؤذن، وعلى من يقيم، ومحدّث بتشديد الدال وخطيب وواعظ ومستمع.
ويكره السَّلام على مكرر فقه، ومدرس فِي علم مشروع، أو مباح ويكره السَّلام على من يبحثون فِي العلم.
ويكره السَّلام على من يقضى حاجته، ويكره على من يتمتع بأهله وعلى مشتغل بالقضاء، ونحوهم من كُلّ من لَهُ شغل عَنْ رد السَّلام. ويكره أن يخص بَعْض طائفة لقيهم، ألا أن يكون بَعْضهمْ ممن يجب هجره، أَوْ يستحب.
وإن بدأ بالسَّلام جميعًا، وجب على كُلّ منهما الرد، ولا ينزع يده من يد من يصافحه، حَتَّى ينزع يده من يده، إلا لحاجة كحيائه منه ونحوه وقَدْ نظم بَعْضهمْ المواضع التِي يكره فيه السَّلام فقَالَ:
سَلامُكَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ ** وَمِنْ بَعْدِ مَا أُبْدِي يُسَنُّ وَيُشْرَعُ

مُصَلٍّ وَتَالٍ ذَاكِرٍ وَمُحَدِّثٌ ** خَطِيبٌ وَمَنْ يُصْغِي إِلَيْهِم وَيَسْمَعُ

مكرِّرُ فِقْهٍ جَالِسٌ لِقَضَائِهِ ** وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْفِقْهِ دَعْهُمْ لِيَنْفَعُوا

مُؤَذِّنٌ ايْضًا مَعْ مُقِيمٍ مُدَرِّسٍ ** كَذَا الأَجْنَبِيَّاتُ الْفَتَيَاتُ أَمْنَعُ

وَلُعَّابُ شِطْرَنْجٍ وَشِبْهٍ بِخَلْقِهِمْ ** وَمَنْ هُوَ مَعَ أَهْلٍ لَهُ يَتَمَتَعُ

وَدَعْ كَافِرًا أَيْضًا وَكَاشِفَ عَوْرَةٍ ** وَمَنْ هُوَ فِي حَالِ التَّغَوُّطِ أَشْنَعُ

وَدَعْ آكِلاً إِلا إِذَا كُنْتَ جَائِعًا ** وَتَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ

كَذَلِكَ أُسْتَاذٌ مُغَنٍ مُطَيِّرٌ ** فَهَذَا خِتَامٌ وَالزِّيَادَةُ تَنْفَعُ

وَزِدْتُ عَلَى هَذَا فَقُلْتُ مُتَمِّمًا ** بِمَا هُوَ مِثْلٌ أَوْ أَشَدُّ فَيُتْبَعُ

وَمَنْ عِنْدَ تِلْفزْيُونِهِمْ سِينَمَائِهِمْ ** وَمَنْ لِمُذِيعِ الْمُنْكَرَاتِ تَسَمَّعُوا

مُصَوِّرٍ ذِي رُوحٍ وَحَالِق لِحْيَةٍ ** وَمَحْلُوقِهَا مَعَ ذِي الْخَنَافِسِ يَتْبَعُ

وَشَارِبُ دُخَّانٍ وَشَارِبُ شِيشَةٍ ** مُتَوْلِتُ رَاسٍ والْمَجَاهِرُ أَفْظَعُ

وَشَارِبُ ذِى سُكْرٍ وَلاعِبُ كُورَةٍ ** وَمُصْلِحُ آلاتِ لِلهوِ فَيَمْنَعُ

وَبَائِعُ آلاتٍ لِلَهْوِ وَمُطْربٍ ** وَمنْ هُوَ في سَبِّ الْغَوَافِلِ يُقْذِعُ

وَبَائِعُ مَا قَدْ سِيقَ فِيمَا سَطَرْتُهُ ** مُسَاعَدُهُمْ أَوْ مَنْ لِذَاكَ يُشَجِّعُ

اللَّهُمَّ إن نواصينا بيدك وأمورنا ترجع إليك وأحوالنا لا تخفى عَلَيْكَ، وأَنْتَ ملجؤنا وملاذنا، وإليك نرفع بثنا وحزننا وشكايتنا، يَا من يعلم سرنا وعلانيتنا نسألك أن تجعلنا ممن توكل عَلَيْكَ فكفيته، واستهداك فهديته، وهب لَنَا من فضلك العَظِيم وَجُدْ عَلَيْنَا بإحسانك العميم يَا خَيْر من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج يَا قاضى الحاجات ومجيب الدعوات هب لَنَا ما سألناه وحقق رجاءنا فيما تمنيناه يَا من يملك حوائج السائلين ويعلم ما فِي صدور الصامتين، أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وصلى الله وسلم على مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فَصْل:
وأما رد السَّلام فَإِنَّ كَانَ المسلم عَلَيْهِ واحدًا، تعين عَلَيْهِ الرد للسلام، وإن كَانُوا جماعة رد السَّلام فرض كفاية عَلَيْهمْ، فَإِنَّ رد واحد مِنْهُمْ سقط الفرض عَنْ الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم، وإن رد كلهم فهو النهاية فِي الكمال قَالَ اللهُ تَعَالَى:
{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} والسَّلام تحية من كَانَ قبلنا من الأَنْبِيَاء، وأتباعهم الْمُؤْمِنِينَ وتحية أبينا إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام، وضيفيه المكرمين فيما قصه الله عَلَيْنَا فِي القرآن الكريم بقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ}.
ومن السُنَّة المحبوبة البداءة بالسَّلام، لما ورد عَنْ أبي أمامة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن أولى النَّاس بِاللهِ من بدأهم بالسَّلام». رَوَاهُ أبو داود. وفي الْحَدِيث الآخر: «وخيرهما الذي يبدأ بالسَّلام». فاحذر عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنْ ال....
ويستحب أن يسلم عَنْدَ الانصراف من المجلس، لما ورد عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا انتهى أحدكم إِلَى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم فلَيْسَتْ الأولى بأحق من الآخِرَة».
ويستحب أن يسلم على الصبيان لما ورد عَنْ أَنَس أنه مرَّ على صبيان فسلم عَلَيْهمْ. وقَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. متفق عَلَيْهِ.
سَابِقِ النَّاسِ بِالسَّلام فَفِي ذَا ** كَ إِذَا مَا اعْتَبَرْتَ خَمْسُ خِصَال

كَاشِفُ الرَّيْبِ قَاطِعُ الْعَيْبِ مُحْيِي الْـ ** وِدِ سِتْرُ الأَحْقَادِ وَبَابُ الْوِصَال

.موعظة:

إخواني لَيْسَ الأسف على دنيا آخرها الفوات والخراب ولا على أحوال نهايتها التحول والانقلاب، ولا على حطام حلاله حساب وحرامه عقاب، ولا على أعمار يتمنى المرء طولها فإذا طالت ملت، ولا على أماكن كُلَّما امتلأت بأهلها وازدهرت بِهُمْ أدبرت عنهم وخلت مِنْهُمْ.
وإنما الأسف الَّذِي لا يرجى لَهُ خلف وَقْت قتل على فراش السهو والغفلات، وعلى ليال وأيام تمضى فِي إتباع الملذات الفانية والشهوات، وعلى صحف تطوى ثُمَّ لا ترجع فيستدرك ما فات، وعلى نفوس يناديها لسان الشتات، وهي لا تقلع عما هِيَ عَلَيْهِ من الهفوات، وعلى ذنوب محصى صغيرها وكبيرها لا تقابل بالحسنات، وعلى قُلُوب غافلة فِي الغمرات، وعلى أعوام سريع مرورها كلمَعَ الجمرات، وعلى السُنَّة لا تشتغل، وتتلذذ بذكر فاطر السموات ألاترون شهركم كيف يسرع فيه البدار ثُمَّ يعقبه الامحاق فيا خيبة من ضاعت منه الليالى والأَيَّامُ، وغبن فِي ميدان السباق ويا خيبة من ضيع عمره بالقبائح العظام ويا خسارة من كَانَتْ تجارته الذُّنُوب والمعاصى والآثام.
بُكَائِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ شَيْبَتِي ** وَلَمْ أَحْتَفِظْ فِيهَا عُلُومَ الشَّرِيعَةِ

وَأَفْهَمُ مَا قَالَ الإِلهُ وَمَا أَتَى ** عَنْ الْمُصْطَفَى أَعْظمِ بِهَا مِنْ مُصِيبَتِي

قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله، فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه، ولا يدري متى يستدعى، وأني رَأَيْت خلقًا كثيرًا غرهم الشباب ونسوا فقَدْ الأقران وألهاهم طول الأمل وَرُبَّمَا قَالَ العَالِم المحض لنفسه: «اشتغل بالعلم ثُمَّ اعمل به». فيتساهل فِي الزهد بحجة الرَّاحَة ويؤخر الرجَاءَ لتحقيق التوبة ولا يتحاشى من غيبة أَوْ سماعها ومن كسب شبهة يأمل إن يمحوها بالورع وينسى إن الموت قَدْ يبغته.
فالعاقل من أعطى كُلّ لحظة حقها من الواجب عَلَيْهِ فَإِنَّ بغته الموت رئي مستعدًا وإن نال الأمل ازداد خيرًا.
قَالَ عمر بن عَبْد الْعَزِيز فِي خطبة لَهُ: إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بدار قرار دار كتب الله عَلَى أَهْلِهَا مَنْهَا الظعن، فكم عامر قليل يخرب، وَكَمْ مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله مَنْهَا الرحلة، بأحسن ما يحظركم من النقلة وتزودوا فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى، إنما الدُّنْيَا كفئ ظلال قلص فذهب بين ابن آدم فِي الدُّنْيَا ينافس وبها قرير عين اذ دعاه الله بقدره ورماه بيوم حتفه فسلبه أثاره ودنياه وصير لقوم آخرين مصانعه ومعناه إِنَّ الدُّنْيَا لا تسر بقدر ما تضر أنها تسر قليلاً وتجر حزنًا طويلاً كما قِيْل:
من سره زمن سأته أزمان

إِذَا كُنْتَ بِالدُّنْيَا بَصِيرًا فِإِنَّمَا ** بَلاغُكَ مِنْهَا مِثْلُ زَادَ الْمُسَافِرِ

إِذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ ** فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فلَيْسَ بِضَائِرِ

آخر:
يَرَى رَاحَةً فِي كَثْرَةِ الْمَالِ رَبُّهُ ** وَكَثْرَةُ مَالِ الْمَرْءِ لِلْمَرْءِ مُتْعِبُ

إِذَا قَلَّ مَالَ الْمَرْءِ قَلَّتْ هُمُومُهُ ** وَتَشْعَبُهُ الأَمْوَالُ حِينَ تَشَعَّبُ

آخر:
وَمَا أَجْمَعُ الأَمْوَالَ إِلا غَنِيمَةً ** لِمَنْ عَاشَ بَعْدِي وَاتِّهَامٌ لِرَازِقِي

آخر:
رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِقُوتٍ يُقِيمُنِي ** فَلا ابْتَغِي مِنْ دُونِهِ أَبَدًا فَضْلاً

وَلَسْتُ أَرُومُ الْقُوتَ إِلا لأَنَّهُ ** يُعِينُ عَلَى عِلْمٍ أَرُدُّ بِهِ جَهْلا

آخر:
يَا جَامِعًا مَانِعًا وَالْمَوْتُ يَتْبَعُهُ ** مُقَدِّرًا أَيِّ نَابَ فِيِه يُعْلقُهُ

الْمَالُ عِنْدَكَ مَخْزُونُ لِوَارِثِهِ ** مَا الْمَالُ مَالُكَ إِلا يَوْمَ تَنْفَقُهُ

جَمَعْتَ مَالاً فَفَكِّرْ هَلْ جَمَعْتَ لَهُ ** يَا جَامَعَ الْمَالِ أَيَّامًا تُفَرِّقُهُ

لله دَرُّ فَتَىً يَغْدُو عَلَى ثِقَةٍ ** إِنَّ الَّذِي قَسَّمَ الأَرْزَاقَ يَرْزقُهُ

فَالْعِرْضُ مِنْهُ مَصُونٌ لا يُدَنِّسُهُ ** وَالْوَجْهُ مِنْهُ جَدِيدٌ لَيْسَ يُخْلِقُهُ

إِنَّ الْقَنَاعَةَ مَنْ يَحْلُلْ بِسَاحَتِهَا ** لَمْ يَلْقَى فِي ظِلِّهَا هَمًا يُؤرِّقُهُ

آخر:
يَقُولُ الْفَتَى ثَمَّرْتُ مَالِي وَإِنَّمَا ** لِوَارِثِهِ مَا ثَمَّرَ الْمَالَ كَاسِبُهُ

يُحَاسِبُ فِيهِ نَفْسَهُ بِحَيَاتِهِ ** وَيَتْرُكُهُ نَهْبَا لِمَنْ لا يُحَاسِبُهُ

آخر:
أَيَا لِلْمَنَايَا وَيْحَهَا مَا أَجَدَّهَا ** كَأَنَّكَ يَوْمًا قَدْ تَوَرَدْتَ وِرْدَهَا

وَيَا لِلْمَنَايَا مَا لَهَا مِنْ إِقَالَةٍ ** إِذَا بَلَغَتْ مِنْ مُدَّةِ الْحَي حَدَّهَا

أَلا يَا أَخَانَا إِنَّ لِلْمَوْتِ طَلْعَةً ** وَإِنَّكَ مُذْ صُوِّرْتَ تَقْصُدُ قَصْدَهَا

وَلِلْمَرْءِ عَِنْدَ الْمَوْتِ كَرْبٌ وَغُصَّةٌ ** إِذَا مَرَّتِ السَّاعَاتُ قَرَبْنَ بُعْدَهَا

سَتُسْلِمُكَ السَّاعَاتُ فِي بَعْضِ مَرِّهَا ** إِلَى سَاعَةٍ لا سَاعَةٌ لَكَ بَعْدَهَا

وَتَحْتَ الثَّرَى مِنِّي وَمِنْكَ وَدَائِعٌ ** قَرِيبَةُ عَهْدٍ إِنْ تَذَكَّرْتَ عَهْدَهَا

مَدَدْتَ الْمُنَى طُولاً وَعَرْضًا وَإِنَّهَا ** لَتَدْعُوكَ أَنْ تَهدَا وَأَنْ لا تَمُدَّهَا

وَمَالَتْ بِكَ الدُّنْيَا إِلَى اللَّهْوِ وَالصِّبَا ** وَمَنْ مَالَتْ الدُّنْيَا بِهِ كَانَ عَبْدَهَا

إِذَا مَا صَدَقْتَ النَّفْسَ أَكْثَرْتَ ذَمَّهَا ** وَأَكْثَرْتَ شَكْوَاهَا وَأَقْلَلْتَ حَمْدَهَا

بِنَفْسِكَ قَبْلَ النَّاسِ فَاعْنَ فَإِنَّهَا ** تَمُوتُ إِذَا مَاتَتْ وَتُبْعَثُ حَمْدَهَا

وَمَا كُلُّ مَا خَوَّلْتَ إِلا وَدِيعَةٌ ** وَلَنْ تَذْهَبِ الأَيَّامَ حَتَّى تَرُدَّهَا

إِذَا أَذْكَرَتْكَ النَّفْسُ دُنْيًا دَنِيَةً ** فَلا تَنْسَ رَوْضَاتِ الْجِنَانِ وَخُلْدَهَا

أَلَسْتَ تَرَى الدُّنْيَا وَتَنْغِيصَ عَيْشِهَا ** وَأَتْعَابَهَا لِلْمُكْثِرِينَ وَكَدَّهَا

وَأَدْنَى بَنِي الدُّنْيَا إِلَى الْغَيِّ وَالْعَمَى ** لِمَنْ يَبْتَغِي مِنْهَا سَنَاهَا وَمَجْدَهَا

هَوَى النَّفْسُ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَغُولُهَا ** كَمَا غَالَتِ الدُّنْيَا أَبَاهَا وَجَدَّهَا

اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا للزوم الطَرِيق الَّذِي يقربنا إليك وهب لَنَا نورًا نهتد به إليك، ويسر لَنَا ما يسرته لأَهْل محبتك، وأيقظنا من غفلاتنا وألهمنا رشدنا واسترنا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، واحشرنا فِي زمرة عبادك المتقين، يَا خَيْر من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، يَا قاضي الحاجات ومجيب الدعوات هب لَنَا ما سألناه وحقق رجاءنا فيما تمنيناه يَا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ما فِي صدور الصامتين، أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك. وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
فصل:
والأحق بالبداءة بالسَّلام أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي. لما ورد عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «ليسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير». متفق عَلَيْهِ. وفي رواية لمسلم «والراكب على الماشي».
ولَقَدْ ورد فِي إفشاء السَّلام وفضله أحاديث كثيرة، مَنْهَا ما رَوَاهُ الْبُخَارِيّ ومسلم وَأَبُو دَاود وابن ماجة عَنْ عَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإِسْلام خَيْر؟ قَالَ: «تطعم الطعام، وتقرأ السَّلام على من عرفت ولم تعرف».
وأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاود والترمذي، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الْجَنَّة حَتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حَتَّى تحابوا، ألا أدلكم على شَيْء إِذَا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السَّلام بينكم».
وروى ابن حبان فِي صحيحه عَنْ البراء رضي الله عَنْهُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افشوا السَّلام تسلموا». وأخَرَجَ الترمذي وقَالَ: حسن صحيح عَنْ أبي يوسف عَبْد اللهِ بن سلام رضي الله عَنْهُ قَالَ سمعت رسول الله 5يقول: «يَا أيها النَّاس افشوا السَّلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والنَّاس نيام تدخلوا الْجَنَّة بسلام».
وأخَرَجَ الطبراني بإسناد حسن، عَنْ أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كنا إِذَا كنا مَعَ رسول الله 5 فتفرق بيننا شجرة فإذا التقينا يسلم بعضنا على بَعْض. وأخَرَجَ الطبراني فِي الأوسط بإسناد جيد، وقَالَ: لا يروى إلا بهَذَا الإسناد عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أعجز النَّاس من عجز عَنْ الدُّعَاء، وأبخل النَّاس من بخل بالسَّلام».
ورُوِيَ أيضًا عَنْ عَبْد اللهِ بن معقل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي معاجمه الثلاثة بإسناد جيد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أسرق النَّاس الَّذِي يسرق صلاته». قِيْل: يَا رَسُولَ اللهِ وكيف يسرق صلاته. قَالَ: «لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل النَّاس من بخل بالسَّلام».
وأخَرَجَ الإِمَام أحمد والْبَزَار وإسناد الإِمَام أحمد لأ باس به. عَنْ جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رجلاً أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ لفلان فِي حائطي عذقًا وأنه قَدْ آذاني وشق عليَّ مكَانَ عذقه فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم فقَالَ: بعني عذفك الَّذِي فِي حائط فلان: قَالَ: لا. قَالَ: فهبه لي؟ قَالَ: لا. فقَالَ: بعنيه بعذق فِي الْجَنَّة. قَالَ: لا. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ما رَأَيْت الَّذِي هُوَ أبخل منك إلا الَّذِي يبخل فِي السَّلام».
وعن أبي الخطاب قتادة: قَالَ: قُلْتُ لأنس: أكَانَتْ المصافحة فِي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نعم. متفق عَلَيْهِ. وعن البراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مُسْلِمِينَ يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا». رَوَاهُ أبو داود.
وعن أَنَس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُولَ اللهِ الرجل منا يلقى أخاه أَوْ صديقه أينحنى لَهُ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أفيلتزمه ويقبله؟ قَالَ: لا. قَالَ: فيأخذ بيده ويصافحه. قَالَ: «نعم». رَوَاهُ الترمذي وقَالَ: حديث حسن إِذَا فهمت ذَلِكَ فاعْلَمْ أن للسلام فَوَائِد عديدة مَنْهَا امتثال سُنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقَدْ قَالَ: «من كَانَ من أمتي فليستن بسنتي».
ومنها الْخُرُوج من الحرمة على القول بوجوب ابتدائه وإن كَانَ المعتمد عَلَيْهِ أنه مستحب.
ومنها الْخُرُوج من البخل وقَدْ ورد أنه لا يدخل جنة عدن بخيل وقَالَ صلى الله عليه وسلم:
«أي داء أدْوى من البخل». والبخيل بغيض إِلَى الله بغيض إِلَى النَّاس بعيد من الْجَنَّة حبيب إِلَى الشيطان قريب إِلَى النيران.
ومنها أن السَّلام يكون من الأسباب التِي تدخل صاحبها فِي الْجَنَّة كما مر فِي حديث عَبْد اللهِ بن سلام وأنه يوجب دخولها كما فِي حديث أبي سرح رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أخبرني بشَيْء يوجب الْجَنَّة؟ قَالَ: «طيب الكلام وبذل السَّلام وإطعام الطعام». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وابن حبان فِي صحيحه والحاكم وصححه.
ومنها أن بذله من موجبات المغفرة، فقَدْ روى عَنْ أبي سرح بإسناد جيد قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ دلني على عمل يدخلني الْجَنَّة. قَالَ: «إن من موجبات المغفرة بذل السَّلام وحسن الكلام».
وَكُنْ بَشًّا كَرِيمًا ذَا انْبِسَاطٍ ** وَفِيمَنْ يَرْتَجِيكَ جَمِيلَ رَأْي

بَعِيدًا عَنْ سَمَاعِ الشَّرِّ سَمْحًا ** نَقِيَّ الْكَفِّ عَنْ عَيْبٍ وَثَأْي

مُعِينًا لِلأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى ** أَمِين الْجَيْبِ عَنْ قُرْبٍ وَنَأْي

وَصُولاً غَيْرَ مُحْتَشِمٍ زَكِيًّا ** حَمِيدَ السَّعْيِ فِي إِنْجَازِ وَأْي

تَلَقَّ مَوَاعِظِي بِقَبُولِ صِدْقٍ ** تَفُزْ بِالأَمْنِ عِنْدَ حُلُولِ لأْي

آخر:
أَطِعْ مَوْلاكَ وَاسْأَلْهُ رِضَاهُ ** وَطِبْ نَفْسًا إِذَا حَكَم الْقَضَاءُ

وَكُنْ رَجُلاً عَلَى الطَّاعَاتِ جَلْدًا ** وَشِيمَتُكَ السَّمَاحَةِ وَالسَّخَاءُ

يُغَطَّى بِالدِّيَانَةِ كُلُّ عَيْبٍ ** وَكَمْ عَيْبٍ يُغَطِّيهِ السَّخَاءُ

وَرِزْقُكَ لَيْسَ يَنْقُصُهُ التَأَنِّي ** وَلَيْسَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقَِ الْعَنَاءُ

إِذَا مَا كُنْتَ ذَا قَلْبٍ قَنُوع ** فَأَنْتَ وَمُثْرِيٌّ فِيهَا سَوَاءُ

اللَّهُمَّ اجعلنا من المتقين الأبرار واسكنا معهم فِي دار الْقَرَار، اللَّهُمَّ وَفَّقَنَا بحسن الإقبال عَلَيْكَ والإصغاء إليك، وَوَفِّقْنَا لِلتَّعَاوُن فِي طَاعَتكَ والمبادرة إِلَى خدمتك وحسن الآداب فِي معاملتك والتسليم لأَمْرِكَ والرِّضَا بقضائك والصبر على بَلائِكَ وَالشُّكْر لنعمائك. وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
فَصْل:
ومن ذَلِكَ أن إفشاء السَّلام بين الْمُسْلِمِين يوجب المحبة والألفة والعطف والمحبة شأنها عَظِيم وقدرها جسيم.
ومن فَوَائِد السَّلام أداء حق أخيه المسلم ففي صحيح مُسْلِم عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حق المسلم على المسلم ست». قِيْل: وما هن يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِذَا لقيته فسلم عليه». الْحَدِيث.
ومنها أولويته بِاللهِ لما روى أبو داود والترمذي: أن أولى النَّاس بِاللهِ من بدأهم بالسَّلام.
ومنها حوز الفضيلة لما أخَرَجَ الْبَزَار وابن حبان فِي صحيحه عَنْ جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل».
وأخَرَجَ الطبراني فِي الكبير والأوسط وأحد إسنادي الكبير محتج بِهُمْ فِي الصحيح عَنْ الأغر أغر مزينة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لي بجريب من تمر عَنْدَ رجل من الأنصار فمطلني به فكلمت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقَالَ: «اغد يَا أبا بكر فخذ لَهُ من تمره». فوعدني أَبُو بَكْرٍ المسجد إِذَا صلينا الصبح فوجدته حيث وعدني، فانطلقنا فكُلَّما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلم عَلَيْهِ. فقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أما تَرَى ما يصيب القوم عَلَيْكَ من الفضل لا يسبقك إِلَى السَّلام أحد فكَانَ إِذَا طلع الرجل من بعيد باكرناه بالسَّلام قبل أن يسلم عَلَيْنَا.
ومنها إدراك الفضيلة فِي إفشاء السَّلام الَّذِي هُوَ اسم الله وفضل الدرجة بنشرها لما أخَرَجَ البزاربسند جيد قوي والطبراني عَنْ ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّلام اسم من أسماء الله تَعَالَى وضعه فِي الأَرْض، فافشوا السَّلام بينكم فَإِنَّ الرجل المسلم إِذَا مر بقوم فسلم فردوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهمْ فضل درجة بتذكيره إياهم السَّلام فَإِنَّ لم يردوا عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ من هُوَ خَيْر مِنْهُمْ».
ومن فَوَائِد السَّلام حصول الحسنات التي صحت بها الروايات. فأخَرَجَ أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي وحسنه أيضًا عَنْ عمران بن حصين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: السَّلام عليكم. فرد عَلَيْهِ ثُمَّ جلس فقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «عشر».
ثُمَّ جَاءَ آخر فقَالَ: السَّلام عليكم ورحمة الله. فرد عَلَيْهِ فقَالَ: «عشرون».
ثُمَّ جَاءَ آخر فقَالَ: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرد فجلس فقَالَ: «ثلاثون». وَرَوَاهُ أبو داود عَنْ معاذ مرفوعًا بنحوه، وزَادَ ثُمَّ أتى آخر فقَالَ: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فقَالَ: «أربعون». هكَذَا تَكُون الفضائل.
ومن فَوَائِد السَّلام حصول السلامة كما فِي حديث البراء المتقدم ويحتمل قوله صلى الله عليه وسلم: «أفشوا السَّلام تسلموا». يعني فِي الدُّنْيَا من الإثُمَّ والبخل أَوْ من أعم من ذَلِكَ من نكبات الدُّنْيَا ومن أهوال الآخِرَة وفضل الله واسع.
ومنها تصفيته ود أخيك المسلم فقَدْ روى الطبراني فِي الأوسط عَنْ شيبة الحجبي عَنْ عمه مرفوعًا: «ثلاث يصفين لَكَ ود أخيك: تسلم عَلَيْهِ إِذَا لقيته، وتوسع لَهُ فِي المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه».
ومنها حصول فضيلة الإِسْلام وخيرته كما فِي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم وأيضًا من فوائده إحياء سُنَّة أبينا آدم عَلَيْهِ السَّلام، فقَدْ روى الْبُخَارِيّ ومسلم عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لما خلق الله آدم. قَالَ: اذهب فسلم على أولئك- نفر من الملائكة جلوس- فاستمَعَ ما يحيونك فَإِنَّهَا تحيتك وتحية ذريتك قَالَ: السَّلام عليكم. فَقَالُوا: السَّلام عَلَيْكَ ورحمة الله. فزادوا ورحمة الله».
وقَالَ مجاهد: كَانَ عَبْد اللهِ بن عمر رضي الله عنهما يأخذ بيدي فيخَرَجَ إِلَى السوق يَقُولُ: إني لأخَرَجَ ومالي حَاجَة إلا لأسلم ويسلم عليَّ فأعطي واحدة واحدة وآخذ عشرًا، يَا مجاهد إن السَّلام من أسماء الله تَعَالَى فمن أكثر السَّلام أكثر ذكر الله، ومنها موافقته تحية أَهْل الْجَنَّة فَإِنَّ تحية أَهْل الْجَنَّة فيها سلام كما قَالَ جل شأنه: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}.
والسَّلام كما تقدم تحية الْمُؤْمِنِينَ وشعارهم فلا نبدأ أَهْل الكتاب أَوْ الذمة به. ففي حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تبدؤا اليهود والنَّصَارَى بالسَّلام فإذا لقيتم أحدهم فِي طَرِيق فاضطروه إِلَى أضيقها». رَوَاهُ أحمد ومسلم.
ولما روى أبو نصرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا غادون على يهود فلا تبدوهم بالسَّلام وإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم». ويحرم بداءتهم بكيف أصبحت أَوْ كيف أمسيت، أَوْ كيف أَنْتَ أَوْ كيف حالك، أَوْ كما يفعله ضعاف العقول والدين بقولهم لَهُمْ صباح النُّور أَوْ مساء الْخَيْر مَعَ رفع أيديهم نسأل الله العافية أَوْ يقولون لَهُمْ والعياذ بِاللهِ أهلاً ومرحبًا.
ولو كتب إِلَى كافر وأراد أن يكتب سلامًا كتب سلام على من اتبع الهدى لما روى الْبُخَارِيّ أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ فِي كتابه إِلَى هرقل عَظِيم الروم، ولأن ذَلِكَ معنى جامَعَ وإن سلم على من ظنه مسلمًا ثُمَّ تبين لَهُ أنه ذمي استحب للمسلم أن يَقُولُ للذمي: رد عليَّ سلامي لما رُوِي عَنْ ابن عمر أنه مَرَّ على رجل فسلم عَلَيْهِ فقِيْل: إنه كافر. فقَالَ: رد عليَّ ما سلمت عَلَيْكَ. فرد عَلَيْهِ فقَالَ: أكثر الله مالك وولدك. ثُمَّ التفت إِلَى أصحابه. فقَالَ: أكثر للجزية. وإن سلم أحد أَهْل الذمة لزم رده فيقَالَ: وعليكم أَوْ يقَالَ: عليكم بلا واو.
وفي الصحيحين عَنْ عَبْد اللهِ بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سلم عليكم اليهود فإنما يَقُولُ أحدهم: السام عَلَيْكَ فقل لَهُ: وعَلَيْكَ». هكَذَا بالواو. وفي لفظ: «عَلَيْكَ». بلا واو وعن أَنَس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم». رَوَاهُ أحمد. وفي لفظ للإمام أحمد: «فقولوا عليكم بلا واو».
وعن عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السام عليكم. ففهمتها فَقُلْتُ: وعليكم السام واللعنة. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مهلاً يا عَائِشَة فَإِنَّ الله يحب الرفق فِي الأَمْر كله». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ لم تسمَعَ ما قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قُلْتُ وعليكم». متفق عَلَيْهِ. وفي لفظ قَدْ قُلْتُ: «عليكم». لم يذكر مُسْلِم الواو وعَنْدَ الشَّيْخ تقي الدين يرد مثل تحيته فَيَقُولُ: وعَلَيْكَ مثل تحيتك... انتهى.
ومِمَّا يحرم ويجب النهي عَنْهُ ما يفعله كثير من النَّاس من السَّلام عَلَيْهمْ باليد بالإشارة وجعلها حذاء الرأس أَوْ وضعها على صدره احترامًا لأعداء الله وإشعارًا بأنه يحبهم نسأل الله العافية. قَالَ أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سئل ايبتداء الذمى بالسَّلام إِذَا كَانَتْ لَهُ إليه حَاجَة؟ قَالَ: لا يعجبني.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنَّصَارَى، فَإِنَّ تسليم اليهود إشارة الأصابع وتسليم النَّصَارَى إشارة بالأكف». رَوَاهُ الترمذي عَنْ عَبْد اللهِ بن عمرو بن العاص. ورُوِيَ: لا تسلموا تسليم اليهود والنَّصَارَى فَإِنَّ تسليمهم إشارة بالكفوف والحواجب. تأمل يَا أخي سلام كثير من النَّاس تجده بالكفوف والحواجب فقط.
اللَّهُمَّ نور قلوبنا بالإيمان وثبتها على قولك الثابت فِي الحياة الدُّنْيَا وفي الآخِرَة وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وألحقنا بعبادك الصالحين يَا أكرم الأكرمين ويا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.