فصل: فصل في القواعد الثلاث التي يرجع إليها الدين كله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في القواعد الثلاث التي يرجع إليها الدين كله:

قال ابن القيم رحمه الله: الدين كله يرجع إلى هذه القواعد الثلاث: فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.
وهذه الثلاث هي التي أوصى بها لقمان لابنه في قوله: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ.
فأمره بالمعروف: يتناول فعله بنفسه وأمر غيره به، وكذلك نهيه عن المنكر.
أما من حيث إطلاق اللفظ، فتدخل نفسه وغيره فيه، وأما من حيث اللزوم الشرعي، فإن الآمر لا يستقيم له أمره ونهيه، حتى يكون أول مأمور ومنهي.
وذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في قوله: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}.
فجمع لهم مقامات الإسلام والإيمان في هذه الأوصاف، فوصفهم بالوفاء بعهده الذي عاهدهم عليه، وذلك يعم ونهيه الذي عهده إليهم، بينهم وبينه، وبينهم وبين خلقه. ثم أخبر عن استمرارهم بالوفاء به بأنهم لا يقع منهم نقضه.
إِذَا أَنْتَ تُصْلِحْ لِنَفْسِكَ لَمْ تَجِدْ ** لَهَا أَحَدًا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ يُصْلِحُ

آخر:
نِعَمُ الإِلَهِ عَلَى الْعَبْدِ كَثِيرَةٌ ** وَأَجَلُهُنَّ فَنِعْمَةُ الإِيمَانِ

آخر:
مَا أَنْعَمُ اللهَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ نِعْمَةٍ ** أَوْفَى عَلَى الْعَبْدِ مِنْ طَاعَتِهْ

وَكُلَّ مَنْ عُوفِي فِي دِينِهِ ** فَإِنَّهُ فِي عَيْشَهٍ رَاضِيَهْ

ثم وصفاهم بأنهم يعلمون ما أمر الله به أن يوصل، ويدخل في هذا ظاهر الدين وباطنه، وحق الله، وحق خلقه، فيصلون ما بينهم وبين ربهم بعبوديته وحده لا شريك له، والقيام بطاعته.
والإنابة إليه والتوكل عليه، وحبه وخوفه ورجائه، والتوبة والاستكانة له، والخضوع والذلة له، والاعتراف له بنعمته، وشكره عليها، والإقرار بالخطيئة والاستغفار منها.
فهذه هي الصلة بين الرب والعبد، وقد أمر الله بهذه الأسباب التي بينه وبين عبده أن توصل، وأمر أن يوصل ما بيننا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وتصديقه وتحكيمه في كل شيء والرضا لحكمه، والتسليم له.
وتقديم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين صلوات الله وسلامه عليه، فدخل في ذلك القيام بحقه وحق رسوله.
وأمر أن نصل ما بيننا وبين الوالدين والأقربين بالبر والصلة، فإنه أمر ببر الوالدين وصلة الأرحام وذلك مما أمر به أن يوصل وأمر أن نصل ما بيننا وبين الزوجات بالقيام بحقوقهن ومعاشرتهن بالمعروف.
وأمر أن نصل ما بيننا وبين الأقارب بأن نطعمهم مما نأكل، ونكسوهم مما نكتسي، ولا نكلفهم فوق طاقتهم، وأن نصل ما بيننا وبين الجار القريب والبعيد بمراعاة حقه، وحفظه في نفسه وماله وأهله بما نحفظ به نفوسنا وأهلينا وأموالنا وأن نصل ما بيننا وبين الرفيق في السفر والحضر.
وأن نصل ما بيننا وبين الحفظة الكرام الكاتبين بأن نكرمهم ونستحي منهم كما يستحي الرجل من جليسه ومن هو معه ممن يجله ويكرمه فهذا كله مما أمر الله به أن يوصل.
ثم وصفهم بالحامل لهم على هذه الصلة، هو خشيته وخوف سوء الحساب يوم المآب ولا يمكن احد قط أن يصل ما أمر الله بوصله إلا بخشيته، ومتى ترحلت الخشية من القلب انقطعت هذه الوصل.
ثم جمع لهم سبحانه ذلك كله في أصل واحد وهو آخيه ذلك وقاعدته ومداره الذي يدور عليه وهو الصبر فقال: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ} فلم يكتف منهم بمجرد الصبر حتى يكون خالصا لوجه. ثم ذكر لهم ما يعينهم على الصبر وهو الصلاة فقال: {وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ}.
وهذان هما العونان على مصالح الدنيا والآخرة وهما الصبر والصلاة فقال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ثم ذكر سبحانه إحسانهم إلى غيرهم بالإنفاق سرًا وعلانية فأحسنوا إلى أنفسهم بالصبر والصلاة، وإلى غيرهم بالأنفاق عليهم.
ثم ذكر حالهم إذا جهل عليهم وأوذو أنهم لا يقابلون ذلك بمثله بل يدرأ ون بالحسنة السيئة، فيحسنون إلى من يسيء إليهم فقال: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}. وقد فسر هذا الدرء بأنهم يدفعون بالذنب الحسنة بعده كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتبع السيئة الحسنة بعدها تمحها».
والتحقق: أن الآية تعم النوعين والمقصود: أن هذه الآيات، تناولت مقامات الإسلام والإيمان كلها، واشتملت على فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.
وقد ذكر تعالى هذه الأصول الثلاثة في قوله: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ}، وقوله: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
فكل موضع قرن فيه التقوى بالصبر، اشتمل على الأمور الثلاثة، فإن حقيقة التقوى: فعل المأمور، وترك المحظور.
اكْدَحْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي مَهَلٍ ** وَلا تَكُنْ جَاهِلاً فِي الْحَقِّ مُرْتَابَا

إِنَّ الْمَنِيَّةَ مَورُودٌ مَنَاهِلُهَا ** لا بُدَّ مِنْهَا وَلَوْ عُمِّرتَ أَحْقَابَا

وَفِي اللَّيَالِي وَفِي الأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ ** يَزْدَادُ فِيهَا أُوُلو الأَلْبَابِ أَلْبَابَا

بَعْدَ الشَّبَابِ يَصِير الصُّلْبُ مُنْحَنِيًا ** وَالشَّعْرُ بَعْدَ سَوَادٍ كَانَ قَدْ شَابَا

يُفْنِي النُّفُوسَ وَلا يُبْقِي عَلَى أَحَدٍ ** لَيْلٌ سَرِيعٌ وَشَمْسٌ كَرُّهَا دَابَا

لِمُسْتَقَرٍّ وَمِيقَاتٍ مُقَدَّرَةٍ ** حَتَّى يَعُودَ شُهُودُ النَّاسِ غُيَّابَا

وَمَنْ تُعَاقِرهُ الأَيَّامُ تَبْدِ لُهُ ** بِالْجَارِ جَارًا وَبِالأَصْحَابِ أَصْحَابَا

خَلَّوا بُرُوجًا وَأَوْطَانًا مُشَدِّةً ** وَمُؤْنِسِينَ وَأَصْهَارًا وَأَنْسَابَا

فَيَا لَهُ سَفَرًا بُعْدًا وَمُغْتَرَبًا ** كُسِيتَ مِنْهُ لِطُولِ النَّأْيِ أَثْوَابَا

بِمُوحِشِ ضَيِّقٍ نَاءٍ مَحَلَّتُهُ ** وَلَيْسَ مِنْ حَلَّهُ مِنْ غَيْبَةٍ آبَا

كَمْ مِنْ مَهِيبٍ عَظِيم الْمُلْكِ مُتَّخِذٍ ** دُونَ السُّرَادِقِ حُرَّاسًا وَحُجَّابَا

أَضْحَى ذَلِيلاً صَغِيرَ الشَّأْنِ مُنْفَرِدًا ** وَمَا يُرَى عِنْدَهُ فِي الْقَبْرِ بَوَّابَا

وَقَبْلَكَ النَّاسُ قَدْ عَاشُوا وَقَدْ هَلَكُوا ** فَأَضْرَبَ الْحيُّ عَنْ ذِي النَّأْيِ إِضْرَابَا

يَا أَيُّهَا الرَّاحِلُ النَّاسِي لِمَصْرَعِهِ ** أَصْبَحْتَ مِمَّا سَتَلْقَى النَّفْسُ هَرَّابَا

اكدحْ لِنَفْسِكَ مِنْ دَارِ تُزَايِلُهَا ** وَلا تَكُنْ لِلَّذِي يُؤْذِيكَ طَلابَا

والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

.فَصْل في ذم طول الأمل والحث على تقصيره وأسبابه وعلاجه:

اعلموا معشر الإخوان وفقنا الله وإياكم وأيقظ قلوبنا من الغفلة ورزقنا وإياكم الاستعداد للنقلة من الدار الفانية إلى الدار الباقية أن من أضر الأشياء على الإنسان طول الأمل ومعنى ذلك استشعار طول البقاء في الدنيا حتى يغلب على القلب فيأخذ في العمل بمقتضاه.
تَأَهَّبْ لِلَّذِي لابد مِنْهُ ** فَإِنَّ الْمَوْتَ مِيعَادُ الْعِبَادِ

يَسُرَّكَ أَنْ تَكُونَ رَفِيقَ قَوْمٍ ** لَهُمْ زَادٌ وَأَنْتَ بِغَيْرِ زَادِ

آخر:
فَمَا تَزَوَّدَ مِمَّا كَانَ يَجْمَعُه ** سِوَى حَنُوطٍ غَدَاةَ الْبَيْنِ فِي خِرَق

وَغَيْرَ نَفْخَةِ أَعْوَادٍ تُشَبُّ لَهُ ** وَقَلَّ ذَلِكَ مِنْ زَادٍ لِمُنْطَلِق

وينسى أنه مهدد بالموت في كل لحظة ولابد من ذلك، كل ما هو آت قريب، فتأهب لساعة وداعك من الدنيا وخروجك منها.
أُؤَمِّلُ أَنْ أَحْيَا وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ ** تَمُرُّ بِيَ الْمَوْتَى تَهُزُّ نُعُوشُهَا

وَهَلْ أَنَا إِلا مِثْلَهُمْ غَيْرَ أَنَّ لِي ** بَقَايَا لَيَالٍ فِي الزَّمَانِ أَعِيشُهَا

آخر:
يَا أَيُّهَا الْبَانِي النَّاسِي مَنِيَّتَهُ ** لا تَأْمَمَنَّ فَإِنَّ الْمَوْتَ مَكْتُوبُ

عَلَى الْخَلائِقِ إِنْ سُرُّورا وَإِنْ حَزَنُوا ** فَالْمَوْتُ حَتْفٌ لِذِي الآمَالِ مَنْصُوبُ

لا تَبْنِيَنَّ دِيَارًا لَسْتَ تَسْكُنُهَا ** وَرَاجِعِ النُّسْكَ كَيْمَا يُغْفَر الْحُوبُ

قال بعض السلف: من طال أمله ساء عمله وذلك أن طول الأمل يحمل الإنسان على الحرص على الدنيا والتشمير لها لعمارتها وطلبها حتى يقطع وقته ليله ونهاره في التفكير في جمعها وإصلاحها والسعي لها مرة بقلبه ومرة بالعمل فيصير قلبه وجسمه مستغرقين في طلبها.
وحينئذ ينسى نفسه والسعي لها بما يعود إلى صلاحها وكان ينبغي له المبادرة والاجتهاد والتشمير في طلبه الآخرة التي هي دار الإقامة والبقاء وأما الدنيا فهي دار الزوال والانتقال وعن قريب يرتحل منها إلى الآخرة ويخلف الدنيا وراءه. فهل من العقل أن يعتني الإنسان بالمنزل الذي سينتقل منه قريبا ويهمل المنزل سيرتحل إليه قريبًا ويمكث فيه طويلاً.
الْمَرْءُ بَعْدَ الْمَوْتِ أُحْدُوثَةٌ ** يَفْنَى وَيَبْقَى مِنْهُ آثَارُهُ

فَأَحْسَنُ الْحَالاتِ حَالُ امْرِئٍ ** تَطِيبُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَخْبَارُهُ

آخر:
وَمَا الْعُمْرُ وَالأَيَّامُ وَسَائِطًا ** جُعِلْنَ لِمَا يُرْضِي الإِلَهَ وَسَائِلا

آخر:
وَتَأَكُلنَا أَيَّامُنَا فَكَأَنَّمَا ** تَمُرُّ بِنَا السَّاعَاتُ وَهِيَ أُسُودُ

آخر:
أَتَبْنِي بِنَاءَ الْخَالِدِينَ وَإِنَّمَا ** مَقَامُكَ فِيهَا لَوْ عَرَفْتَ قَلِيلُ

لَقَدْ كَانَ فِي ظِلِّ الأَرَاكِ كِفَايَةٌ ** لِمَنْ كَانَ يَوْمًا يَقْتَفِيهِ رَحِيلُ

اللهم يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة أيقظنا من نوم الغفلة ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ووفقنا لمصالحنا واعصمنا من قبائحنا ولا تؤاخذنا بما انطوت عليه ضمائرنا وأكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب التي تعلمها منا، وامنن علينا يا مولانا بتوبة تمحو بها عنا كل ذنب واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على محمد وعلى لآله وصحبه أجمعين.

.فصل في أسباب طول الأمل:

وقد ذكر العلماء أن طول الأمل له سببان أحدهما الجهل والآخر حب الدنيا، أما حب الدنيا فهو إنه إذا أنس بها وبشهواتها وعلائقها ثقل على قلبه ومفارقتها فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها وكل من كره شيئا دفعه عن نفسه والإنسان مشغول بالأماني الباطلة التي توافق مراده.
وَالْمَرْءُ يُبْلِيهِ فِي الدُّنْيَا وَيُخْلِقُهُ ** حِرْصٌ طَوِيلٌ وَعُمْرٌ فِيهِ تَقْصِيرُ

يُطَوِّقُ النَّحْرَ بِالآمَالِ كَاذِبَةً ** وَلَهْذَمُ الْمَوْتِ دُونَ الطَّوْق مَطْرُورُ

جَذْلانَ يَبْسِمُ فِي أَشْرَاكِ مِيتَتِهِ ** إِنْ أَفْلَتَ النَّابُ أَرْدَتْهُ الأَظَافِيرُ

وإنما يوافق مراده البقاء في الدنيا فلا يزال يتوهمه ويقدره في نفسه ويقدر توابعه وما يحتاج إله من مالٍ وأهلٍ ودارٍ وأصدقاء ودواب ومركوب وسائر أسباب الدنيا فيصير قلبه عاكفًا على هذا الفكر فيلهوا عن ذكر هاذم اللذات الموت.
إِذَا طَالَ عُمْرُ الْمَرْءِ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ ** لِخَالِقِهِ فَهُوَ الَّذِي مَا لَهُ عَقْلُ

آخر:
وَمَنْ عَرَفَ الأَيَّامَ مَعْرِفَتِي بِهَا ** وَبِالْوَقْتِ أَمْضَى وَقْتَهُ فِي الْعِبَادَةِ

وَأَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الإِلَهِ حَقِيقَةً ** وَشُكْرٍ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةْ

آخر:
إِنَّ الْعِبَادَةَ لِلإِلَهِ حَقِيقَةً ** تَكْسُوا الرِّجَالَ مَهَابَةً وَجَمَالا

وَهِيَ السَّبِيلُ لِمَنْ أَرَادَ نَجَاتَهُ ** يَوْمَ الْحِسَابِ إِذْ رَأَى الأَهْوَلا

آخر:
كَيْفَ أَرْجُو مِن الْمَنَايَا خَلاصًا ** وَأَرَى كُلَّ مَنْ صَحبتُ دَفِينَا

فَأَرَى النَّاسَ يُنْقِلُونَ سِرَاعًا ** كُلَّ يَوْمٍ إِلَيْهِمْ مَرَّدَ فِينَا

قَدْ أَصَابَتْهُمْ سِهَامُ الْمَنَايَا ** وَسَتَرْمِي السِّهَامُ لابد فِينَا

آخر:
سِتُّ بُلِيتُ بِهَا وَالْمُسْتَعَاذُ بِهِ ** مِنْ شَرِّهَا مِنْ إِلَيْهِ الْخَلْقُ تَبْتَهِلُ

نَفْسِي وَإِبْلِيسُ وَالدُّنْيَا الَّتِي فَتَنَتْ ** مِنْ قَبْلَنَا وَالْهَوْى وَالْحِرْصُ وَالأَمَلُ

إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ يَا مَوْلايَ وَاقِيَةٌ ** مِنْ شَرِّهَا فَلَقَدْ أَعْيَتْ بِنَا الْحِيَلُ

فإن خطر في بعض الأحوال ذكر الموت والضرورة إلى الاستعداد والتهيؤ له سوف ووعد نفسه وقال ما مضى إلا قليل إلى أن تكبر ثم تتوب وتقبل على الطاعة فلا يزال يمني ويسوف من الشباب إلى الكهولة إلى الشيخوخة أو إلى رجوعٍ من السفر أو إلى فراغه من تدبير شؤنه أو شئون أولاده أو بناته أو زواجهم أو انتهاء شغله في عماراته أو فلله أو دكاكينه أو بستانه أو تكميل دراسته أو نحو ذلك من الأماني الباطلة التي يتلذذ بذكرها ولا تجدي شيئا لكنه يرتاح لها.
فلا يزال يمني نفسه بما يوافق هواها ولا يزال يغالط نفسه في الحقائق ويتوهم البقاء في الدنيا إلى أن يتقرر ذلك عنده ويظن أن الحياة قد صفت له وينسى قوله تعالى: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}.
أُفٍّ مِنَ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا ** كَأَنَّهَا لِلْحُزْنِ مَخْلُوقَهْ

هُمُومُهَا مَا تَنْقَضِي سَاعَةً ** عَنْ مَلِكٍ فِيهَا وَلا سُوقَهْ

آخر:
إِنَّمَا الدُّنْيَا بَلاءٌ ** لَيْسَ فِي الدُّنْيَا ثُبُوتْ

إِنَّمَا الدُّنْيَا كَبَيْتْ ** نَسَجَتْهُ الْعَنْكَبُوتْ

كُلَّ مَنْ فِيهَا لَعَمْرِي ** عَنْ قَرِيبٍ سَيَمُوتْ

إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْهَا ** أَيُّهَا الرَّاغِبُ قُوتْ

آخر:
لا تُعْطِ عَيْنَكَ إِلا غَفْوَةَ الْحَذَرِ ** وَاسْهَرْ لِنَيْلِ عُلُومِ الدِّينِ تَغْتَنِمِ

وَلا تَكُنْ في طِلابِ الْعِلْمِ مُعْتَمِدًا ** إِلا عَلَى مُوجِدِ الأَشْيَاءَ مِنَ الْعَدَمِ

آخر:
تَصْفُو الْحَيَاةَ لِجَاهِلٍ أَوْ غَافِلٍ ** عَمَّا مَضَى مِنْهَا وَمَا يُتَوَقَّعُ

وَلِمَنْ يُغَالِطُ فِي الْحَقَائِقِ نَفْسَهُ ** وَيَسُومُهَا طَلَبُ الْمُحَالِ فَتَطْمَعُ

آخر:
ضَيَّعْتَ وَقْتَكَ فَانْقَضَى فِي غَفْلَةٍ ** وَطَوَيْتَ فِي طَلَبِ الْخَوَادِعِ أَدْهُرَا

أَفْهِمْتَ عَنِ الزَّمَانِ جَوَابَهُ ** فَلَقَدْ أَبَانَ لَكَ الْعِظَاتِ وَكَرَّرَا

عَايَنْتَ مَا مَلأَ الصُّدُورَ مَخَافَةً ** وَكَفَاكَ مَا عَايَنْتَهُ مَنْ أَخْبَرَا

وأصل هذه الأماني كلها حب الدنيا والأنس بها والغفلة عن الآخرة الثاني الجهل حيث يستعبد الموت مع الصحة والشباب ولا يدري المسكين أن الشيوخ في البلدان أقل بكثير من الشباب وليس ذلك إلا كثرة الموت في الشبان والصبيان أكثر ولو سألت أحد الشيوخ الطاعنين في السن عن من مات من الشبان الذين يعرفهم لعد لك مئات.
لَيْسَ بِالسِّنِّ تَسْتَحَقُّ الْمَنَايَا ** كَمْ نَجَا بَازَلٌ وَعُوجِلَ بَكْرُ

وَعَوَانٌ حَازَتْ حُلِّيَّ كِعَاب ** فَاجَأَتْهَا مِن الْحَوَادِثِ بِكْرُ

آخر:
لا تَغْتَرَّ بِشَبَابٍ نَاعِمٍ خَطِلٍ ** فَكَمْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الشِّيب شُبَّانُ

آخر:
وَلَقَدْ سَلَوْتَ عَن الشَّبَابِ كَمَا سَلا ** غَيْرِي وَلَكِنْ لِلْحَبِيبِ تَذَكُّرُ

آخر:
يُعَمَّرُ وَاحِدٌ فَيَغُرُّ أَلْفًا ** وَيُنْسَى مَنْ يَمُوتُ مِنَ الشَّبَاب

وأيضًا لا يدري أن الموت وإن لم يكن يأتي فجأة غالبا لكن المرض لا يستعبد إتيانه فجأة لأن الوهم لا يعرف إلا ما يألفه فالإنسان ألف موت غيره ولم يرى موت نفسه أصلاً فلذلك يستعبد إلا أن العاقل يعرف أن الأجل محدود قد فرغ منه والإنسان يسير إليه في كل لحظة كما قيل:
نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ** وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ

تَبْنِي الْمَنَازِلَ أَعْمَارٌ مُهَدَّمَة ** مِنَ الزَّمَانِ بِأَنْفَاسٍ وَسَاعَاتِ

وَمَا نَفْسُ إِلا يُبَاعِدُ مَوْلِدًا ** وَيُدْنِي الْمَنَايَا لِلنُّفُوسِ فَتَقْرُبُ