فصل: سنة خمس وعشرين وست مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة عشرين وست مائة

وفيها توفي شيخ الشافعية بالشام في عصره أبو منصور عبد الرحمن بن محمد المعروف بفخر الدين ابن عساكر ابن أخي الإمام الحافظ أبي القاسم علي ابن عساكر‏.‏

صاحب تاريخ دمشق لما وخرج من بينهم جماعة من العلماء والرؤساء كان إمام وقته في علمه ودينه تفقه ودرس بالقدس زمانًا وبدمشق واشتغل عليه خلق كثير وتخرجوا عليه وصاروا أئمة فضلاء‏:‏ وكان مسددًا في الفتاوى وكان لا يمل الناظر من رويته بحسن سمته واقتصاده في لباسه ولطفه ونور وجهه وكثرة ذكره الله عز وجل‏.‏

عرض المعظم عليه القضاء فامتنع وله مصنفات في الفقه لم تنشر‏.‏

توفي في رجب وله سبعون سنة قال ابن خلكان‏:‏ وزرت قبره مرارًا بمقابر الصوفية ظاهر دمشق‏.‏

وفيها توفي صاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسي‏.‏

ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه ومات شابأ ولم يعقب‏.‏

وفيها توفي الشيخ موفق الدين المقدسي أحد الأئمة الأعلام عبدالله بن أحمد بن محمد ابن قدامة الحنبلي صاحب التصانيف حفظ القرآن وتفقه ثم ارتحل إلى بغداد فأدرك الشيخ عبد القادر رضي الله عنه وسمع منه ومن جماعة وانتهت إليه معرفة المذهب وأصوله كان تقيًا ورعًا زاهدًا مستغرق الأوقات في العلم والعمل وقال بعض الأئمة‏:‏ رأيت الإمام أحمد في النوم فقال‏:‏ ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي قال الرائي‏:‏ المنام المذكور وسمعت الشيخ أبا عمر وابن الصلاح المفتي يقول‏:‏ ما رأيت مثل الشيخ الموفق‏.‏

 سنة احدى وعشرين وست مائة

فيهااستولى السلطان جلال الدين الخوارزمي على بلاد أذربيجان وراسله الملك المعظم واتفق معه أنه يعينه على أخيه الملك الأشرف لفساد حدث بهما وفيها استولى لؤلؤ على الموصل وخنق محمودين القاهر وزعم أنه مات‏.‏

وفيها عادت التتار إلى أن وصلوا إلى الري وكان ممن سلم من أهلها وتراجعوا إليها وما شعروا إلا بالتتار وقد أحاطوا بهم فقتلوا وسبوا ثم ساروا إلى ساوة ففعلوا بأهلها كذلك ثم كذلك قاشان ثم عطفوا إلى همدان فأبادوا من بقي بها ثم ساروا إلى تبريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف‏.‏

وفيها توفي القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي ابن القاضي عبد العزيز التميمي السعدي المصري المالكي وعبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن سلطان المغرب ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمراء الموحدين فخلعوا وحنقوا وكانت لايته تسعة أشهر وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبدالله بن يعقوب الملقب بالعادل والتقى الفرنج فهزموا جيشه فقصدوا مراكش بأسوء حال فقبضوا عليه وتملك الأندلس أخوه ادريس مدة وخرج عليه محمد بن يوسف بن هود الجذامي ودعا إلى بني العباس فمال الناس إليه فهرب إدريس بعسكره إلى مراكش فالتقاه صاحبها يومئذ يحيى بن يعقوب بن يوسف فهزم يحيى‏.‏

وفيها توفي الشيخ العارف صاحب الأسرار والمعارف والأحوال والأنوار أبو الحسن علي المعروف بالفريثي بالفاء والراء والمثناة من تحت ثم المثلثة‏.‏

قال الذهبي‏:‏ كان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق وأصحاب بسفح قاسيون قلت‏:‏ وهو الذي حكي عنه في مناقب الشيخ عبد القادر أنه قال‏:‏ رأيت أربعة من المشائخ يتصرفون في قبوركم كتصرف الأحياء الشيخ عبد القادر والشيخ معروفًا الكرخي والشيخ عقيلاً المنبجي والشيخ حياة بن قيس الحراني رضي الله تعالى عن الجميع ونفعنا بهم‏.‏

وفيها توفي شيخ المالكية أبو الحسن محمد بن محمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس الأخذ بالأثر والظاهر وقد صنف كتاب المعلى والرد على المحلى لابن حزم‏.‏

 سنة اثنتين وعشرين وست مائة

فيها جاء جلال الدين بن خوارزم شاه فوضع السيف في دقوقاوأحر قها وعزم على هجم بغداد فانزعج الخليفة الناصر وحصن بغداد وأقام المجانيق وأنفق ألف ألف دينار فأعلم ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده فساق إليهم والتقاهم وظفر بهم وقتل منهم سبعين ألفًا ثم أخذ تفليس بالسيف وقتل بها ثلاثين ألفًا وكان قد أخذ تبريز بالأمان وتزوج وفيها توفي أيضًا أبو الدر ياقوت بن عبدالله الرومي الملقب مهذب الدين الشاعر المشهور اشتغل بالعلم وأكثر من الأدب وأجاد النظم ولما تميز ومهر سمى نفسه الرحمن قرأ القرآن وشيئًا من الأدب وكتب خطًا حسنًا وقال الشعر وأكثر النظم منه في المحبة والرقاق‏.‏

ومنه قوله‏:‏ خليلي لا والله ما جن عاشق وأظلم إلا حره وحر عاشق إذا غاض دمعك والأحباب قد ماتوا فكل ما تدعي زور وبهتان وكيف تأنس أو تنسى خيالهم وقد خلى منهم ربع وأوطان لا أوحش الله من قوم نأوا فنأى عن النواظر أقمار وأغصان ومنه قوله‏:‏ إلا من مبلغ وجدي بها وغرامي ومهد إلى دار السلام سلامي وله ديوان شعر كبير‏.‏

وذكر في بعض التواريخ أنه وجد ميتًا بمنزله ببغداد‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله كان فيه شهامة واقدام وعقل ودهاء وتولى الخلافة في سنة خمس وسبعين وخمس مائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وهو أطول بني العباس خلافة‏.‏

كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أمية دولة وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول بني عبيد دولة وكما أن السلطان سنجر ابن ملك شاه أطول بني سلجوق دولة وكان الخليفة الناصر لدين الله مستقلاً بالأمور بالعراق متمكنًا من الخلافة يتولى الأمور بنفسه حتى كان يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيأون لقاءه وما زال في عز وجلالة واستظهار وسعادة عاجلة نسأل الله الكريم السعادة الآجلة‏.‏وفي السنة المذكورة توفي الإمام الكبير الفاضل الشهير أبو الفضل أحمد ابن الإمام العلامة كمال الدين أبي الفتح موسى ابن الفقيه المفتي رضي الدين يونس الموصلي الشافعي‏.‏قال ابن خلكان‏:‏ كان كثير المحفوظات عزيز المادة حسن السمت جميل المنظر شرح كتاب التنبيه في الفقه واختصر إحياء علوم الدين للإمام الغزالي مختصرين‏:‏ كبيراً وصغيرًا‏.‏قال‏:‏ وكان يلقي في جميع دروسه من كتاب الإحياء دروسًا حفظًا ونسج على منوال والده في اليقين في العلوم تخرج عنه جماعة كثيرة‏.‏قال‏:‏ وتولى التدريس بمدرسة الملك المعظم صاحب إربل بعد والده وكان وصوله إلى هنالك من الموصل في أوائل شوال سنة عشر وست مائة وكانت وفاة الوالد ليلة الاثنتين الثاني والعشرين من شعبان السنة المذكورة قال‏:‏ وقد كنت أحضر درسه وأنا صغير وما سمعت أحداً يلقي الدرس مثله ولم يزل على ذلك إلى أن حج ثم عاد وأقام قليلاً ثم انتقل إلى الموصل في سنة سبع عشرة وست مائة وفوضت إليه المدرسة القاهرية فأقام بها ملازم الاشتغال والإفادة وقد كان من محاسن الوجود وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني وكان مبدأ شروعه في شرح التببيه بإربل‏.‏

وإستعار منا نسخة التنبيه عليها حواش مفيدة بخط بعض الأفاضل ورأيته بعد ذلك وقد نقل الحواشي كلها في شرحه‏.‏

وكان اشتغاله على أبيه بالموصل ولم يتغرب لأجل الاشتغال بالعلم وكان الفقهاء يتعجب منه كيف اشتغل في وطنه وبين أهله وفي عزه واشتغاله بالدنيا وخرج منه ما خرج قال‏:‏ وهو من بيت العلم وأطنب المدح في أبيه وعمه وجده قال‏:‏ ولو شرعت في وصف محاسنه لأطلت وفي هذا القدر كفاية وقال غيره‏:‏ عاش أبوه بعده سبع عشرة سنة قلت‏:‏ أما إطنابه في محاسنه فالمحاسن لها وجوه متعددة فأثنى عليه بما شاهده منه فيه وأما مدحه لكتابة شرح التنبيه فغير جدير بمدحه المذكور فهو خال من التفضيل والتفريع والفوائد الموجودة في غيره كشرح الفقيه الإمام ابن الرفعة الذي هو جدير بالمدح الكامل لما تضمنه من الفوائد العقائل وأما مدحه لإلقاء الدرس وأنه ما سمع مثله ذ الإلقاء المذكور فهو محتمل ويكون ذلك‏.‏

بحسن سياقه وتصوفه في المباحث وظرافته ومزجه بالاستعارات المستحسنة والنوادر المستطرفة بذلك من مثل ابن خلكان ثناء عظيم لصاحبه رافع‏.‏

وفيها توفي الملك الأفضل نور الدين علي ابن سلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سمع من جماعة وله شعر وترسل وجودة كتابة‏.‏تسلطن بدمشق وتملك أخوه الملك العزيز الديار المصرية ولقي الملك الطاهر أخوهما بحلب ثم جرت للملك الأفضل مع أخيه الغريز وقائع يطول شرحها وآخر الأمر أن العزيز والعادل عمه حاصرا دمشق وأخذاها من الأفضل وأعطياه صرخد ثم بعد قليل مات العزيز وتولى ولده المنصور ثم إن الملك العادل أخذ الديار المصرية ودفع للملك الأفضل عدة بلاد‏:‏ الشرق ولم يحصل له منها إلا سميساط فأقام بها إلى أن مات‏.‏

وكان الأفضل فيه فضيلة ونباهة وكان يحب العلماء ويعظم حرمتهم‏.‏ومن الشعر المنسوب إليه ما كتب إلى الإمام الناصر يشكو عمه العادل وأخاه العزيز لما أخذوا منه دمشق هذه الأبيات‏:‏ مولاي إن أبا بكر وصاحبه عثمان قد غضبا بالسيف حق علي وهو الذي كان قد ولاه والده عليهما فاستقام الأمر حين ولي فخالفاه وحلا عقد بيعته والأمر بينهما والنص فيه جلي فأجابه الإمام الناصر بجواب أوله‏:‏ وافى كتابك بابن يوسف معلناً بالود يخبر أن أصلك طاهر غصبوا علياً حقه إذ لم يكن بعد النبي له بيثرب ناصر فابشر فإن غدًا عليه حسابهم واصبر فناصرك الإمام الناصر ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك ثم زال سلطانه وتملك سميساط وأقام بها مدة وكان فيه عدل وحلم وكرم‏.‏

وفيها توفي الفخر الفارسي السيد الجليل مطلع الأنوار ومنبع الأسرار ومعدن المحاسن والفخار أبو عبدالله محمد بن إبراهيم الفيروز أبادي الشافعي الصوفي صاحب العلوم الربانية الغامضة المستغربة في التصوف والوصل والمحبة‏.‏وأما ما ذكره الذهبي أن في تصانيفه أشياء منكرة فكلام من ليس له بعلوم القوم مخبرة ولا قوة اعتقاد قويم تحمله على حسن الظن والتسليم ولعمري من خلاص هذين المذكورين فهو بمعزل عن نهجهم واعتقاد فضلهم المشكورين واقع لا محللة في ذمهم وسوء الظن بهم المذمومين توفي الفخر رحمه الله تعالى في ثامن ذي الحجة وقد نيف السبعين وقبره في قرافة مصر مزور شهير وهو ممن روى عن الإمام السلفي الكبير‏.‏

فيها سار الملك الأشرف إلى أخيه المعظم وأطاعه وسأله أن يكاتب جلال الدين خوارزم شاه ليحمل جنده عليه ليترحل عن خلاط فكتب إليه فترحل عنها وكان المعظم يلبس خلعة جلال الدين ويركب فرسه وإذا خاطب الأشرف حلف وحياة رأس السلطان جلال الدين فيتألم بذلك‏.‏

وفيها حارب جلال الدين المذكور التركمان ومزقهم ثم التقى الكرج فهزمهم وأخذ التفليس بالسيف وكانت إذ ذاك دار ملكهم بها في أيديهم أكثر من مائة سنة‏.‏

وفيها توفي أبو العز مظفر بن إبراهيم العيلاني بالعين المهملة الشاعر المشهور المصري كان أدبيًا عروضيًا شاعرًا مجيدًا صنف في العروض تصنيفًا مختصرًا جيدًا دل على حذقه وله ديوان شعر رائق وكان ضريرًا وفي ذلك قال‏:‏ قالوا‏:‏ عشقت وأنت أعمى ظبيًا كحيل الطرف ألمًا وحلاه ما عاينتها فيقول قد شغفتك وهمًا فأجبت إني موسوي العشق أنسًا وفهمًا أهوى بجارحة السماع ولا أرى ذاك المسمى ولما عاد الوزير صفي الدين بن شكر من الشام إلى مصر خرج أصحابه للقائه الخشبي المنزلة قالوا إلى الخشبي سرنا على عجل نلقى الوزير جميعًا من ذوي الرتب ولم تسر أيها الأعمى فقلت لهم‏:‏ لم أخش من تعب ألقى ولا نصب وإنما النار في قلبي لوحشته فخفت أجمع بين النار والخشب وهذا المعنى مطروف لكنه أبرزه في جملة إستعمال تروق قال ابن خلكان‏:‏ وأخبرني بعض أصحابه أنج شخصًا قال له‏:‏ رأيت في بعض تواليف أبي العلاء المعري ماصورته‏:‏ أصلحك الله وأبقاك لقد كان من الواجب أن‏:‏ تأتينا اليوم إلى منزلنا الخالي لكي تحدث عهدًا بك يا زين الأخلاء فما مثلك من غير عهد أو عقل وسأله‏:‏ من أي بحر هو وهل هو بيت واحد أم أكثر فإن كان أ كثر فهل أبياته على روي واحد أم هي مختلفة الروي قال‏:‏ فأفكر فيه ثم أجابه بجواب حسن‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ فلما قال لي المخبر ذلك قلت له‏:‏ اصبر حتى أنظر فيه ولا تقل ماقاله ثم قال فكرت‏.‏

فيه فوجدته يخرج من بحر الرجز وهو المجزومة وتشتمل هذه الكلمات على أربعة أبيات على روي اللام وهي على صورة يسوغ استعمالها عند العروضيين ومن لا يكون له بهذا الفن معرفة فإنه ينكرها لأجل قطع الموصول منها ولا بد من بيانها ليظهر صورة ذلك وهي هذه‏:‏ واجب أن تأتينا فاليوم إلى منازلنا خالي لكي حدث عهدًا بك يا زين الأخل لاء فما مثلك من غير عهدًا أو عقل فقال‏:‏ وهذا إنما يذكره أهل هذا للشأن للمعاياة لا لأنه من الأشعار المستعملة فلما استخرجته عرضته على ذلك الشخص فقال‏:‏ هكذا قال مظفر الأعمى‏.‏

قال‏:‏ وكتب مظفر المذكور لتقي الدين ومدحه جماعة منهم‏.‏

فخلع على الجميع ولم يخلع عليه فكتب إليه‏:‏ العبد مملوك مولانا وخادمه مظفر الشاعر الأعمى خليفتنا يقبل الأرض إجلالاً لمالكه رقًا وينهي إليه بعد كل هنا أن القميص جميع الناس قد بصروا به وما منهم يعقوب غير أنا وله يوم زينة الشواني يا أيها الملك المسرور آمله هذي شوانيك ترمى يوم سراء كأنما هي عقبان بها ظمأ طارت من البر وانقضت على الما يسعى محاذيفها ماء وينقضه بعض العقاب جناحيها من البلل قلت يعني بالمخاذيف مقاذيف التي يقذف بها الماء لتمشي المركب وقد أبدع في حسن هذا التشبيه في الجميع وأطنب وله يصف فانوس الجامع العتيق بمصر‏.‏

أرى علمًا للناس في الصوم ينصب على جامع ابن العاص أعلاه كوكب وما هو في الظلماء إلا كأنه على رمي زنجي سنان مذهب وفيها توفي الطاهر بالله محمد بن الناصر لدين الله ابن المستضيء بأمر الله وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفًا وكان دينًا خيرًا عادلاً حتى بالغ ابن الأثير فيه وقال أظهر من العدل والاحسان ما أعاد به سنة العمرين وقال أبو أسامة قيل لنا‏:‏ ألا ينفسخ فقال قد يبس الزرع فقيل‏:‏ تبارك الله في عمرك فقال‏:‏ من فتح بعد العصر ايش يكسب ثم أنه أحسن إلى الناس وفرق الأموال وأبطل المكوس وأزال المظالم وقال غيره‏:‏ ولي بعده ابنه المستنصر بالله‏.‏

وفيها توفي الإمام الكبير العلامة البارع الشهير الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات والزهد والعبادات والتصانيف المفيدات النفيسات أبو القاسم عبد الكريم محمد بن عبد الكريم القزويني الشافعي صاحب الشرح الكبير المشتمل على معرفة المذهب ودقائقه الغامضات الجامع الفائق التصانيف السابقات واللاحقات‏.‏

ومن كراماته أنه أضاءت له شجرة في بيته لما انطفىء السراج الذي كان يستضيء به عند كتبه بعض مصنفاته‏.‏

 سنة أربع وعشرين وست مائة

فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدين وهو بتوريز أن التتار قد قصدوا أصفهان وبها أهله فسار إليها وتأهب للملتقى فلما التقى الجمعان وحد له أخوه غياث الدين وولي فكسرت ميمنته ميسرة التتار ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضاً وتباشر الناس بالنصر ثم كرت التتار مع كمينها وحملوا حملة واحدة كالسيل وقد أقبل الليل فزلت الأقدام وقتلت الأمراء واشتد القتال وتزعزع بنيان جيش جلال الدين وثبت هو في طائفة يسيرة وأحيط به فانهزم وطعن طعنه لولا الأجل لتلف وتمزق جيشه إلى أن ميمنته سارت على ميسرة التتار حتى ولوا فتبعت أقفيتهم وما رجعت إلا بعد يومين فلم يسمع بمثل ذلك في الملاحم من انهزام كلا الفريقين وذلك في رمضان‏.‏

وقيل ذلك بأيام مات طاغية التتار وسلطانهم الأعظم الذي خرب البلاد وأفنى البرايا وأباد وهو الذي جيش الجيوش وخرج بهم من بادية الصين ودانت له المغل وعقدوا له عليهم وأطاعوه ولا طاعة الأبرار للملك الجبار واسمه قيل الملك تمرجين بالمثناة من فوق والراء والجيم والمثناة من تحت والنون ومات على الكفر وكان من دهاة العالم وأفراد الدهر وعقلاء الترك وهو أحد ابني العم بركة وهولاكو‏.‏وفيها توفي قاضي القضاة ابن السكري عماد الدين عبد الرحمن بن علي المصري الشافعي تفقه على شهاب الطوسي وبرع في المذهب ودرس وأفتى ولي قضاء القاهرة وخطابتها‏.‏

وفيها توفي الملك المعظم سلطان الشام شرف الدين عيسى ابن الملك العادل الفقيه الأديب ولد بالقاهرة وحفظ القرآن وبرع في الفقه وشرح الجامع الكبير في عدة مجلدات باعانة غيره ولازم الاشتغال زمانًا وسمع المسند كله من مسند أحمد بن حنبل مراراً ثم تلاحق مماليكه بعد وكان حنفي المذهب قال ابن خلكان‏:‏ كان متعصبًا لمذهبه وله فيه مشاركة حسنة ولم يكن في بني أيوب حنفي سواه وتبعه أولاده وكان قد حج ومدحه جماعة من الشعراء المجيدين فأحسنوا في مدحه وكانت له رغبة في فن الأدب وقيل‏:‏ إنه قد شرط لكل من يحفظ المفصل للزمخشري مائة دينار وخلعة فحفظه لهذا السبب جماعة‏.‏

قال‏:‏ ورأيت بعضهم بدمشق والناس يقولون إن سبب حفظهم له كان هذا قال‏:‏ ولم أسمع بمثل هذه المنقبة لغيره وكانت مملكته متسعة يعني في بلاد الشام توفي يوم الجمعة سلخ ذي القعدة بدمشق ودفن في قلعتها ثم نقل إلى جبل الصالحية ودفن في مدرسة هناك تعرف بالمعظمة فيها قبور جماعة من اخوانه وأهل بيته وكان من النجباء الأذكياء ذكرت عنه أمور تدل على حسن ادراكه واصابة المقصد منها أنه كان ابن عنين قد مرض فكتب إليه‏:‏ انظر إلي بعين مولى لم يزل مولى الندى وتلاف قبل تلاف فأنا الذي أحتاج ما تحتاجه فاغنم ثوابي وثناء الوافي فجاء إليه بنفسه يعوده ومعه صرة فيها ثلاث مائة دينار فقال‏:‏ هذ الصلة وأنا العائد وأشياء كثيرة يطول شرحها‏.‏

 سنة خمس وعشرين وست مائة

فيها توفي العلامة الحسن بن إسحاق المعروف بابن الجواليقي المحدث الرحال أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي‏.‏

وفيها توفي أبو المعالي أحمد بن الخضر الصوفي المعروف بابن طاووس رحمه الله‏.‏

 سنة ست وعشرين وست مائة

فيها أخذ الكامل بيت المقدس وسلمه إلى ملك الفرنج أعوذ بالله من سخط الله ومن انتهاك شعائر الله وموالاة أعداء الله فكم بين من طهره من نجاسات الشرك وبين من ساق إليه نجاسات الشرك ومن أعز دين الله ونصره وبين من أذله وحقره ثم اتبع فعله ذلك بحصار دمشق وايذاء الرعية وجرت بين عسكره وعسكر الناصر وقعات حربية وقتل جماعة في غير سبيل الله ووقع النهب في الغوطة والحواضر وأحرقت الجبانات والخوانق ودام الحصار أشهرًا لم وقع الصلح في شعبان ورضي الناصر بالكرك ونابلس فقط ثم دخل الكامل وبعث جيشه يحاصرون حماة ثم تسلم دمشق بعد شهر إلى أخيه الأشرف فأعطاه الأشرف حران والرقة والرهاء وغير ذلك فتوجه إلى الشرق ليتسلم ذلك ثم حاصر الأشرف بعلبك فأخذها من الأمجد‏.‏

وفيها توفي مسند الشام أبو القاسم شمس الدين الحسين بن هبة الله بن محفوظ الثعلبي الدمشقي‏.‏وفيها توفيت أمة الله بنت أحمد بن عبدالله الآبنوسي روت الكثير عن أبيها وتفردت عنه وتوفيت في الحرم وتلقبت شرف النساء كانت صالحة خيرة‏.‏

وفيها توفي ياقوت الرومي الحموي ثم البغدادي التاجر شهاب الدين الأديب الإخباري صاحب التصانيف الأدبية في التاريخ والأنساب والبلدان وغير ذلك أسر من بلاده صغيرًا فابتاعه ببغداد رجل تاجر ولما كبر ياقوت المذكور قرأ شيئًا من النحو واللغة وشغله مولاه بالأسفار في متاجرة ثم جرت بينه وبين مولاه قضية أوجبت عتقه فأبعده عنه فاشتغل بالنسخ وحصلت له بالمطالعة فوائد‏.‏

وصنف كتابًا سماه إرشاد الألباء إلى معرفة الأدباء في أربع مجلدات وكتابًا في أخبار الشعراء المتأخرين والقدماء وكتبًا أخرى عديدة وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف‏.‏

وذكر القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني وزير صاحب حلب ياقوت المذكور كتب إليه رسالة من الموصل عند وصوله إليها يصف فيها حاله وما جرى له فأحجم عن عرضها على مولاه الشريف إعظاما وتهيبًا وفرارًا من قصورها عن طوله وتجنبًا إلى أن وقف عليها جماعة من منتحلي صناعة النظم والنثر فوجدهم مسارعين إلى كتبها متهافتين على نقلها وما يشك أن محاسن مالك الرق حلتها وفي أعلى درج الإحسان أحلتها فشجعه ذلك على عرضها على مولاه وللآراء علوها في تصفحها والصفح عن زللها فليس كل من لمس درهمًا صيرفيًا‏.‏

ولا كل من اقتنى دراً جوهريًا‏.‏

قلت‏:‏ وهذه الألفاظ اليسيرة من أولها رأيت كتابتها ليتعجب من بلاغتها من وقف عليها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم أدام الله على العلم وأهليه والإسلام وبنيه ما سوغهم وحباهم ومنحهم وأعطاهم من سبوغ ظل المولى الوزير أعز الله أنصاره وضاعف مجده واقتداره ونصر ألويته وأعلامه وأجرى باجراء الأرزاق في الآفاق أقلامه وأطال بقاءه ورفع إلى أعلى عليين علاه في نعمة لا يبلى جديدها ولا يحصى عدها ولا عديدها ولا ينتهي إلى غاية مديدها ولا يقل حديدها ولا جديدها ولا يقل وادها ولا وديدها وأدام الله ولته للدنيا والدين إلى يوم يبعثه ويهزم كرثه يعني كربه ويرفع مناره ويحسن بحسن أثره آثاره ويفتق نوره وأزهاره وينير نواره ويضاعف أنواره وأسبغ ظله للعلوم وأهلها والآداب ومنتحليها والفضائل وحامليها ويشيد بمشيد فضله بنيانها ويرصع بناصع مجده تيجانها ويروض ببالغ علائه زمانها ويعظم لعلو همته الشريفة من البرية شأنها ويمكن في أعلى درج الاستحقاق امكانها ومكانها ورفع بنفاذ الأمر قدره للدول الإسلامية والقواعد الدينية‏:‏ ليسوس قواعدها ويعز مساعدها ويهين معاندها ويعضد بحسن الانابة معاضدها وينهج بجميل المقاصد مقاصدها حتى يعود بحسن تدبيره غر في جبهة الزمان وسنة يقتدي بها من طبع على العدل والإحسان‏.‏

يكون لها أجرها مادار الملوان وكر الجديدان ما أشرقت من الشرق شمس وارتاحت إلى مناجاة الحضر الزاهرة نفس‏.‏

وبعد فإن المملوك ينهي إلى المقر العالي المولوي والمحل الأكرم العلي أدام الله سعادته مشرقة النور مبلغة السؤل واضحة الغرر بادية الحجول ما هو مكيف بالأريجية المولوية عن تبيانها مستغن بما منحتها من صفاء الآراء عن افضاء قلمه لايضاحه وبيانه قد أحسنه ما وصفه به عليه الصلاة والسلام للمؤمنين وإن من أمتي لمكلمين وهو شر ما يعتقده من الولاء ويفتخر به من البعيد للحضرة الشريفة الغراء‏.‏

قد كفته تلك الألمعية عن اظهار المشتبه بالملق مما تجنه الطوية لأن دلائل غلو المملوك في دين ولاية الآفاق واضحة وطبعه بسكة اخلاص الوداد باسمه الكريم على صفحات الدهر لائحة وإيمانه بشرائع الفضل الذي طبق الآفاق حتى أصبح بها نبي المكارم مبين وتلاوة لأحاديث المجد بالمشاهدة متين ودعاء أهل الآفاق إلى المغالاة في الإيمان بإمامة فضله الذي تلقاه باليمن معروف وتصديقه بملة سؤدده الذي تفرد بالوحي لنظم شارده وقسم متبدده بعرق الجبين مألوف حتى لقد أصبح للفضل كعبة لم يفترض حجتها على من استطاع إليها السبيل ويقتصر بقصدها على ذي القدرة دون المعتر وابن السبيل فإن لكل منهم حظًا يستمده ونصيبًا يستفيد به ويستعده فللعظماء الشرف الضخم من معينه وللعلماء اقتناء الفضل من فطينه وللفقراء توقيع الأمان من نوائب الدهر وغض جفونه وفرضوا من مناسكه للنهجة الشريعة السلام والتبجيل وللكف البسيطة الإستلام والتقبيل‏.‏

ذلك الجناب الشريف وانفصل عن مقر العز اللباب والفضل المنيف أراد استعتاب الدهر الكالح واستدبار صلف الزمن الغشوم والجامح اعتذار أبان في الحركة بركة والاغتراب داعية الاكتساب والمقام على الاقتراب ذلك واستقام وحبس البيت في المحافل سكيت‏:‏ فودعت من أهلي وفي القلب ما به وسرت عن الأوطان في طلب اليسر سأكسب مالا أو أموت ببلدة يقل بها فيض الدموع على قبري فامتطأ غارب الأمل إلى الغربة وركب ركب التطواف مع كل صحبه قاطع الأغوار والأنجاد حتى بلغ السد أو كاد فلم يرفق به زمان حزون ولا مكان حرون فلكأنه في جفن الدهر قذى وفي حلقه شجى تدافعه آمال الأمنية حتى أسلمته إلى ربقة المنية‏.‏

لا يستقر بأرض أو يسير إلى أخرى لشخص قريب عزمه نأى يومًا يخروى ويومًا بالعقيق ويومًا بالعذيب ويومًا بالخليصاء وتارة يتنحى نخلاً وأدية شعب الحزون حيناً قصر تيماء والمملوك مع ذلك يدافع الأيام ويزخيها ويعلل المعيشة ويرجيها متلفعاً بالقناعة والعفاف مشتملاً بالنزاهة والكفاف غير راضي بذلك الشمل ولكن مادة أقول لايطل قد ألزم نفسه أن يستعمل طرفًا طماحًا وأن يركب طرفًا جماحًا وأن يلحف بيض طمع جناحًا وأن يستقدح وأدبني الزمان فلا أبالي هجرت فلا أزار ولا أزور ولست بسائل ما عشت يومًا أسار الجندام ركب الأمير ولقد ندب المملوك أيام الشباب بهذه الأبيات وما أقل عنا الباكي عد في الرفات‏.‏

تنكر لي مذ شبت دهري وأصبحت معارفه عندي من النكرات إذا ذكرتها النفس حنت صبابة وجاد شؤون العين بالعبرات إلى أن أتى دهر يحسن ما مضى ويوسعني تذكاره حسرات قلت‏:‏ وهذا البيت الأخير يشفي من منهل القائل الذي بهذا المعنى يشير‏.‏

رب دهر بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه وهذا ما اقتصرت عليه من رسالته الطويلة الجليلة الفائقة الجميلة المؤذنة له بتمام البلاغة والفضيلة وهو نحو من ربعها وهو لعمري فيما يستحقه من النعوت‏.‏

من نفيس الجواهر كاسمه ياقوت توفي رحمه الله تعالى في شهر رمضان بظاهر مدينة حلب وكان قد وقف كتبه ولما تميز سمى نفسه يعقوب‏.‏

وفيها توفي الملك المسعود ابن الملك الكامل بمكة المشرفة وكان قد سيره جده الملك العادل إلى اليمن فملكها وبلاد الحجاز مضافة إليها ولما حضرته الوفاة وصى أنه إذا مات لا يجهز بشيء من ماله يسلم إلى الشيخ الصديق يجهزه عنده بما يرى وكان من كبار الصالحين من أكراد بلد إربل مجاورًا بمكة ولما مات الملك المسعود تولى تجهيزه وكفنه في إزار كان قد أحرم فيه بالحج والعمرة سنين عديدة وجهزه تجهيز الفقراء كان قد أوصى أن لا يبنى على قبره‏.‏

بل يدفن بين القبور ويكتب على قبره‏:‏ هذا قبر الفقير إلى رحمة الله تعالى يوسف بن محمد بن أبي بكر بن أيوب ففعل ذلك ثم إن عتيقه الصارم المسعودي الذي تولى القاهرة بنى عليه قبة ولما بلغ الملك الكامل فعل الشيخ صديق كتب إليه بشكره ويسأله أن يذكر له حوائجه ليقضيها فلم يرد عليه جوابًا وقال‏:‏ ما أستحق شكراً إنما جهزت فقيراً‏.‏

 سنة سبع وعشرين وست مائة

فيها حاصر جلال الدين والخوارزمية خلاط وكان قد حاصرها من قبل أربع مرات هذه خامسها ففتح له بعض الأمراء بشدة القحط على أهلها وحلف لهم جلال الدين وغدر وعمل أصحابه بها كما يعمل التتار من القتل ثم رفعوا السيف وشرعوا في المصادرة والتعذيب وخاف أهل الشام وغيره من الخوارزمية وعرفوا أنهم إن ملكوا أهلكوا أو لكل قبح فتكوا فاصطلح الأشرف وصاحب الروم علاء الدين واتفقوا على حرب جلال الدين وساروا والتقوه في رمضان فكسروه والحمد لله واستباحوا عسكره وهرب جلال الدين بأسوأ حال فوصل إلى خلاط في سبعة أنفس وقد تمزق جيشه وقتلت أبطاله فأخذ حرمه وما خف حمله وهرب إلى أذربيجان ثم أرسل إلى الملك الأشرف في الصلح وذل وأمنت خلاط وشرعوا في إصلاحها‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر وكان صالحًا خيرًا حسن السمت‏.‏

روي عن أبي العشائر وطائفه وتفقه على جمال الأئمة علي بن الناسح وولي نظر الخزانة والأوقاف ثم تزهد‏.‏

وفيها توفي عبد السلام بن عبد الرحمن الصوفي البغدادي سمع أبا الوقت وجماعة كثيرة وفيها توفي أبو محمد عبد السلام بن عبد الرحمن ابن الشيخ العارف بالله معدن الحكم والمعارف أبي الحكم بن برجان اللخمي المغربي ثم الإشبيلي حامل لواء اللغة بالأندلس‏.‏

 سنة ثمان وعشرين وست مائة

لما علمت التتار بضعف جلال الدين خوازرم شاه بادروا لقتاله فلم يقدم على لقائهم فملكوا مراغه وعاثوا ويدعوا وفرهوا إلى آمد وتفرق جنده فبيته التتار ليلة فنجا بنفسه وطمع الأكراد والفلاحون وكل واحد في جنده وتخطفوهم وانتقم الله منهم وسارت التتار إلى ديار بكر في طلب جلال الدين ووصلوا إلى ماردين يسبون ويقتلون

وفيها توفي الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه صاحب بعلبك تملكها بعد والده خمسين سنة وكان جوادًا كريمًا شاعرًا محسنًا قتله مملوك له بدمشق‏.‏

وفيها توفي المهذب شيخ الطب عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي واقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الأطباء أخذ عن الموفق بن المطران والرضي الرحبي وأخذ الأدب عن الكندي وأنتهت إليه معرفة الطب وصنف فيه التصانيف وحظي عند الملوك وفي آخر عمره عرض عليه طرف خرس حتى لا يكاد يفهم كلامه واجتهد في علاج نفسه فما أفاد بل ولد له أمراضًا وما زال يسعل إلى أن مات‏.‏

وفيها توفي الإمام النحوي أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي الفقيه الحنفي صاحب الألفية أقرأ العربية مدة بدمشق ثم بمصر

وروى عن القاسم ابن عساكر وتوفي بمصر وكان أحد أئمة عصره في النحو واللغة واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به وصنف تصانيف مفيدة وكان انتقاله من دمشق إلى مصر‏.‏

بسبب أن الملك الكامل رغبه في ذلك وقرر له على التصدر بجامع العتيق لإقراء الأدب رزقًا ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بها فدفن على شفير الخندق قرب تربة الإمام الشافعي وقبره هنالك ظاهر‏.‏

والزواوي نسبة إلى زواوة وهي قبيلة كبيرة بظاهر بجاية من أعمال أفريقية ذات بطون وأفخاذ وفيها توفي الشيخ الجليل العارف الواعظ المنطق بالحكم ومحاسن المواعظ أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي أحد شيوخ الرسالة المشهورة وأرباب المحاسن المشكورة مدحه الأستاذ أبو القاسم القشيري وقال‏:‏ نسيج‏.‏

وحده في وقته له لسان في الرجا خصوصًا وكلام في المعرفة خرج إلى بلخ وأقام بها مدة ورجع إلى نيسابورا ومات بها‏.‏

ومن كلامه كيف يكون زاهدًا من لا ورع له تورع عما ليس لك ثم أزهد فيما لك وكان يقول‏:‏ الجوع للمريدين رياضة وللتائبين تجربة وللزهاد سياسة وللعارفين مكرمة والوحدة جليس الصديقين والفوت أشد من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق‏.‏

والزهد ثلاثة أشياء القلة والخلوة والجوع وذكره الخطيب في تاريخ بغداد فقال‏:‏ قدم بغداد واجتمع إليه بها مشائخ الصوفية والنساك ونصبوا منصبه وأقعدوه عليها وقعدوا بين يديه يتحاورون وكان له اشارات وعبارات حسنة‏.‏

من معناه استعماله وأحسن من استعماله ثوابه وأحسن من ثوابه رضا من يعمل له‏.‏

ودخل على علوي ببلخ زائراً له ومسلمًا عليه فقال له العلوي‏:‏ أيده الله الأستاذ ماتقول فينا أهل البيت قال‏:‏ ما أقول في طين عجن بماء الوحي وغرس بماء الرسالة فهل يفوح منهما إلا مسك الهدى وعنبر التقى فحشا العلوي فاه بالدر‏.‏

ومن كلامه ما بعد طريق إلى صديق ولا استوحش من سلك فيه إلى حبيب في طريق وقال‏:‏ من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء وقال‏:‏ ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال‏:‏ إن لم تنفعه فلا تضره وإن لم تمدحه فلا تذمه وإن لم تسره فلا تغمه وقال‏:‏ عمل كالسراب وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمال والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب هيهات‏!‏ أنت سكران بغير شراب ما أكملك لو بادرت أملك ما أجلك ولو بادرت أجلك وله في هذا الباب كلام مليح النظام‏.‏

سنة تسع وعشرين وست مائة فيها توفي السلطان جلال الدين خوارزم شاه ابن السلطان علاء الدين كان يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام كثير الجولان في البلاد ما بين الهند إلى ما وراء النهر إلى العراق إلى فارس إلى كرمان إلى أرمينية وأذربيجان وغير ذلك وافتتح المدن وسفك الدماء وظلم وعسف وغدر قالوا‏:‏ ومع ذلك كان صحيح الإسلام وكان ربما قرأ في المصحف وبكى وآل أمره إلى أن تفرق عنه جيشه حتى يقال‏:‏ إنه سار في نفر يسير فبيته كردي في منزله وطعنه بحربة وقتله بها‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو موسى عبدالله ابن الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله‏.‏

وفيها توفي العلامة المتقن الموفق عبد اللطيف بن يوسف البغدادي الشافعي النحوي اللغوي الطبيب الفيلسوف وصاحب التصانيف الكثيرة كان أحد الأذكياء البارعين في اللغة والأدب والطب‏.‏وفيها توفي الشيخ الجليل ذو العطاء الجزيل والأحوال السنيات والجدو المجاهدات عمر بن عبد الملك الدينوري نزيل قاسيون‏.‏

وفيها توفي الحافظ الرحال محمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة الحنبلي كان من أهل الحديث المكثرين من سماعه وكتابته والراحلين في تحصيله‏.‏

لقي المشايخ وأخذ عنهم واستفاد منهم وكتب الكثير وعلق التعاليق النافعة وذيل على الإكمال كتاب الأمير ابن مأكولا ما أقصر فيه وجاء في مجلدين‏.‏وله كتاب آخر لطيف في الأنساب وكتاب التقييد المعروفة رواة السنن والمسانيد وذكره أبو البركات ابن المستوفي في تاريخه فأثنى عليه وقال‏:‏ أنشد لأبي علي محمد بن الحسين بن أبي الشبل أحد شعراء العراق المجيدين‏.‏

لا تظهرن لعادل ولغادر حاليك في الضراء والسراء فلرحمة المتوجعين مرارة في القلب مثل شماتة الأعداء سنة ثلاثين وست مائة وفيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذ من صاحبها المسعود بن المودود ابن الملك الصالح الأتابكي وكان ممدود فاسقًا يأخذ الحرام غصبًا وسلم الملك الكامل آمد إلى والده الصالح نجم الدين أيوب‏.‏

وفيها جاء صاحب الروم وحاصر حران والرقة واستولى على الجزيرة وفعل الروم مع إسلامهم ما يفعلون مع كفرهم‏.‏

وفيها توفي القاضي بهاء الدين إبراهيم بن شاكر التنوخي الشافعي الكاتب البليغ والدتقي الدين إسماعيل روى بالإجازة عن شهدة وولي قضاء المعرة في صباه خمس سنين فقال‏:‏ وليت الحكم خمسًاهن خمس لعمري والصبا في عنفوان قلت‏:‏ وقد أحسن في صنعة هذين البيتين وقوله‏:‏ هن خمس هو بضم الخاء أي خمس عشر مشير إلى أن عمره في ذلك الوقت خمس وعشرون سنة وقوله‏:‏ قد رشاني في الأول منهما أضاف قدر إلى شأني وهو منصوب بتضع والثاني مركب من قد مع رشاني من الرشوة والكل مفهوم وإنما أوضحته لمن لا يفهم وعنفوان الشيء أوله‏.‏

وفيها توفي إدريس ابن السلطان يعقوب بن يوسف بايعوه بالأندلس ثم جاء إلى مراكش وملكها وعظم سلطانه وكان بطلاً شجاعاً ذا هيبة شديدة وسفك للدماء قطع ذكر ابن تومرت بالخطبة‏.‏

وفيها توفي الملك العزيز عثمان ابن العادل أخو المعظم لأبويه اتفق موته بالناعمة وهو بستان له في عاشر شهر رمضان‏.‏

وفيها توفي الإمام الحافظ ابن الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري صاحب التاريخ ومعرفة الصحابة وغير ذلك كان صدرًا معظمًا كثير الفضائل كان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل وحافظًا للتواريخ وخبيراً بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم صنف في التاريخ كتابًا كبيرًا واختصر كتاب الأنساب لابن السمعاني واستدرك عليه في مواضع ونبه على أغلاط وزاد شيئًا أهملها وهو مفيد جيدًا في ثلاث مجلدات والأصل في ثمان‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ والموجود اليوم في أيدي الناس هو هذا المختصر وله كتاب أخبار الصحابة في ست مجلدات كبار وكان قد تنقل في بلدان كثيرة سمع بها من الشيوخ منها الموصل وبغداد والشام والقدس والجزري نسبة إلى جزبرة ابن عمر رجل من أهل برقعيد من أعمال الموصل وهو عبد العزيز بن عمر‏.‏

وفيها توفي الحافظ الرحال ابن الحاجب عمر بن محمد الدمشقي رحمه الله خرج لنفسه معجمًا في بضع وستين جزءًا‏.‏وفيها توفي مظفر الدين صاحب إربل أبو سعيد تركما ني‏.‏

وفيها توفي أبو المحاسن محمد بن نصر الشاعر الملقب بشرف الدين المعروف بابن عنين قال ابن خلكان‏:‏ كان خاتمة الشعراء‏:‏ لم يأت بعده مثله ولا كان في أواخر عصره من يقاس به ولم يكن شعره مع جودته مقصوراً على أسلوب بل تفنن فيه وكان غزير المادة من الأدب مطلعًا على معظم أشعار العرب قال‏:‏ وبلغني أنه كان يستحضر كتاب الجمهرة في اللغة لابن دريد وكان مولعًا بالهجاء وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقًا من رؤساء دمشق سماها مقراض الإعراض‏.‏

وكان السلطان صلاح الدين قد نفاه من دمشق بسبب وقوعه في الناس فلما خرج منها قال‏:‏ فعلام أبعدتم أخا ثقة لم يحترم ذنبًا ولا سرقا أنفوا المؤذن من بلادكم إن كان ينفى كل من صدقا وطاف بلاد من الشام والعراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان وغزنة وخوارزم وما وراء النهر ثم دخل الهند واليمن وملكها يومئذ سيف الإسلام أخو صلاح الدين وأقام بها مدة ثم رجع إلى طريق الحجاز والديار المصرية وعاد إلى دمشق وكان يتردد منها إلى البلاد ويعود إليها قال‏:‏ ولقد رأيته بمدينة إربل وقد وصل إليها رسولاً عن الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك صاحب دمشق وأقام بها قليلاً ثم سافر وكتب من بلاد الهند إلى أخيه بدمشق هذين البيتين والثاني منهما لأبي العلاء المعري استعمله مضمنًا وكان أحق به وهما‏:‏ سامحت كتبك في العطيفة عالمًا إن الصحيفة لم تجد من حامل وعذرت طيفك في الخفاء لأنه يسري ويصبح دوننا بمراحل قال ابن خلكان‏:‏ لله دره فما أحسن من وقع له هذا التضمين ولما مات السلطان صلاح الدين وملك الملك العادل دمشق كان غائبًا منفيًا عنها فسار متوجها إليها وكتب إلى الملك قصيدة يصفه فيها ويستأذنه في الدخول ويذكر ما قاساه في الغربة وأحسن في كل الاحسان في المعاني اللطائف واستعطفه أبلغ الاستعطاف أولها‏.‏ماذا على طيف الأحبة لو سرى وعليهم لو ساعدوني بالكرى ولما فرغ من وصفها قال مشيراً إلى نفيه منها‏:‏ أسعى لرزق في البلاد مشتت ومن العجائب أن يكون مقترا وأصون وجه مدائحي متقنعًا واكف ذيل مطامعي مقترا ومنها يشكو الغربة وما قاساه فيها‏:‏ أشكو إليك نوىً تمادى عمرها حتى حسبت اليوم منها أشهرا إلا عيشتي يصفو ولا رسم الهوى يعفو ولا جفني يصافحه الكري أضحي عن الأخرى المرتع ممحلاً وأبيت عن ورد النمير منفرا ومن العجائب أن يقبل ظلكم كل الورى ونبذت وحدي بالعرا قوله‏:‏ النمير قال في ديوان الأدب‏:‏ هو الماء الجاري الزاكي في الماشية عذبا كان أو غير عذب وهو بفتح النون وكسر الميم وسكون المثناة من تحت في آخره راء‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ هذه القصيدة من أحسن الشعر‏.‏

قال‏:‏ فهي عندي خير من قصيدة ابن عمار الأندلسي وهي على وزنها التي أولها أدب الزجاجة فالنسيم قد انبرى فلما وقف عليها الملك الأعدل أذن في الدخول إلى دمشق فلما دخلها قال‏:‏ هجوت الأكابر في جلق ورعت الوضيع بسب الرفيع أخرجت منها ولكنني رجعت على رغم أنف الجميع ويعني بجلق بكسر الجيم واللام وتشديدها وبعدها قاف اسم مكان في الشام وربما قيل‏:‏ إنه لقب لدمشق والله أعلم قال‏:‏ وكان له في عمل الألغاز وحلها اليد الطولى ولم يكن له غرض في جمع شعره وتدوينه وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانًا صغيراً لا يبلغ عشر نظمه وفيه أشياء ليست له وكان من أطرف الناس وله بيت عجيب من قصيدة يذكر بها أسفاره وتوجهه إلى جهة الشرق وهو‏:‏ أشقق قلب الشرق حتى كأنني أفتش عن سودائه عن سنا الفجر قال‏:‏ وقد رأيته في المنام ينشد أبياتا‏.‏

وأعجبني منها بيت فرددته في النوم واستيقظت وقد علق بخاطري وهو‏:‏ البيت لا يحسن إنشاده إلا إذا أحسن من شاده وهذا البيت غير موجود في شعره وكان وافر الحرمة عند الملوك وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم وانفصل منها لما تملكها الملك الأشرف وأقام في بيته ولم يباشر بعدها خدمة‏.‏

وكانت ولادته بدمشق يوم الاثنين ووفاته فيها يوم الاثنين وعاش نحواً من ثمانين فيها سار الملك الكامل‏.‏

بجيوش عظيمة ليأخذ الروم وقدم بين يديه جيشًا فهزمهم صاحب الروم وأسر صاحب حماة ومقدم الجيش صواب الخادم فرد الكامل‏.‏وفيها تسلطن بدر الدين لؤلؤ بالموصل‏.‏وفيها تكامل بناء المستنصرية ببغداد على المذاهب الأربعة‏.‏

قال بعضهم ولا نظير لها في الدنيا فيما أعلم قلت لو تمت بعد نيف وسبع مائة وستين مدرسة السلطان حسن ابن السلطان ملك الناصر محمد بن قلاوان في الديار المصرية ما كان مثلها من الدنيا لا المستنصرية ولا غيرها فيما شاع عن الجم الغفير والعلم عند الله العليم الخبير‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة الفقيه الأصولي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الملقب سيف الدين الأسدي الثعلبي الحنبلي ثم الشافعي صاحب التصانيف البديعة النازلة في المنزلة الرفيعة المفيدة النافعة الصادرة عن القريحة البارعة كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي وصحب الشيخ أبا القاسم بن فضلان واشتغل عليه في الخلاف وتميز فيه وحفظ طريقة الخلاف الشريف وزوائد طريقة أسعد الميهني ثم انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول وحفظ منه الكثير ومهر فيه ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم العقلية ثم انتقل إلى الديار المصرية وتولى الإعادة بالمدرسة المجاورة لضريح الإمام الشافعي في القرافة الصغرى وتصدر الجامع الظافري بالقاهرة مدة واشتهر بها فضله واشتغل عليه الناس وانتفعوا به‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ثم حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصبوا عليه ونسبوه في العقيدة إلى الفساد وانحلال الطوية والتعطيل ومذهب الفلاسفة والحكماء أولى الكفر والتضليل وكتبوا محضرًا يتضمن ذلك ووضعوا فيه خطوطهم بما يستباح به الدم قال‏:‏ وبلغني عن رجل منهم فيه عقل ومعرفة أنه لما رأى التحامل عليه وإفراط التعصب كتب في المحضر وقد حمل إليه ليكتب فيه مثل ما كتبوا فكتب‏:‏ حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله فالقوم أعداء له وخصوم والله أعلم وكتبه فلان ابن فلان ولما رأى سيف الدين تعليهم عليه وما اعتقدوه في حقه ترك البلاد وخرج منها مستخفيًا وتوصل إلى الشام واستوطن مدينة حماة‏.‏

وصنف في أصول الفقه والدين والمنطق والحكمة والخلاف فكل تصانيفه مفيدة فمن ذلك كتاب أبكار الأفكار في علم الكلام واختصره في كتاب مناهج القرائح ورموز الكنوز وله دقائق الحقائق وكتاب الألباب ومنتهى السؤل في علم الأصول وله طريقة في الخلاف ومختصر في الخلاف أيضًا وشرح جدل الشريف وغير ذلك وجملة تصانيفه مقدار عشرين تصنيفًا وانتقل إلى دمشق ودرس بالمدينة العزيزية وأقام بها زمانًا ثم عزل عنها بسبب وأقام بطالاً في بيته وتوفي على تلك الحال ودفن بسفح جبل قاسيون وعمره ثمانون سنة والآمدي بالهمزة الممدودة والميم المكسورة وبعدها دال مهملة نسبة إلى آمد وهي مدينة كبيرة في بلاد بكر مجاورة لبلاد الروم‏.‏وفيها توفي الإمام أبو عبدالله القرطبي محمد بن عمر المقري المالكي كان متفننًا في عدة علوم كالفقه والقراءات والعربية والتفسير زاهداً صالحًا سمع من عبد المنعم بن الفراوي وطائفة وقرأ القراءات على الإمام الشاطبي وتوفي بالمدينة‏.‏

وفيها توفي الشيخ القدوة عبدالله بن يونس الأرموني صاحب الزاوية بجبل قاسيون صالحًا متواضعًا مطرحًا للتكليف يمشي وحده ويشتري الحاجة وله أحوال مجاهدات وقدم في الفقر‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة ابن فضلان أبو عبدالله محمد بن يحيى البغدادي الشافعي ودرس المستنصرية تفقه على والده العلامة أبي القاسم وبرع في المذهب والأصول والخلاف والنظر ولاه الناصر وعزله الظاهر بعد شهرين من خلافته‏.‏

فيها ضربت ببغداد دراهم وفرقت في البلد وتعاملوا بها وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذهب والقيراط والحبة ونحو ذلك‏.‏

وفيها توفي الملك الزاهد داود بن صلاح الدين وصواب الخادم شمس الدين العادلي مقدم جيش الكامل وكان يضرب به المثل في الشجاعة وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء‏.‏وفيها توفي الشيخ العارف عمر بن علي الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة شرف الدين المعروف بابن الفارض صاحب الديوان المشتمل على اللطائف والسلوك والمحبة والمعارف والشوق والوصل وغير ذلك من الاصلاحات في العلوم الحقيقة المعروفة في كتب المشائخ الصوفية بلغني أنه دخل في أيام بدايته مدرسة في ديار مصر فوجد فيها شيخاً بقالاً يتوضأ من بركة فيها بغير ترتيب فقال له‏:‏ يا شيخ أنت في هذا السن وفي هذا البلد وما تعرف تتوضأ فقال له‏:‏ يا عمر أنت ما يفتح عليك بمصر فجاء إليه وجلس بين يديه وقال له‏:‏ يا سيدي ففي أقي مكان يفتح علي‏.‏

فقال‏:‏ في مكة فقال يا سيدي وابن مكة مني فقال‏:‏ هذه مكة وأشار بيده نحوها وكشف له عنها فأمره الشيخ الذهاب إليها في ذلك الوقت فوصل إليها في الحال وأقام بها اثنتي عشرة سنة ففتح عليه ونظم فيها ديوانه المشهور ثم بعد المدة المذكورة سمع الشيخ المذكور ويقول له‏:‏ يا عمر تعال أحضر موتي فجاء إليه فقال له الشيخ‏:‏ خذ هذا الدينار فجهز لي به ثم احملني فضعني في هذا المكان وانتظر ما يكون من أمري وأشار إلى مكان في القرافة تحت الفارض وهو الموضع الذي دفن فيه ابن الفارض قال‏:‏ فكشف لي عن ذلك المكان فحملته ووضعت فيه فنزل رجل من الهوى فصلينا عليه ثم وقفنا ننتظر ما يكون من أمره فإذا الجو قد امتلأ بطيور خضر فجاء طائر كبير فابتلعه ثم طار قال‏:‏ فتعجبت من ذلك فقال لي ذلك الرجل‏:‏ لا تعجب من هذا فإن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة كما جاء في الحديث أولئك شهداء السيوف وأما شهداء المحبة فأجسادهم أرواح رضي الله عن الجميع‏.‏قلت‏:‏ وإلى هذا المعنى أشرت في هذه الأبيات من قصيدتي الموسومة بلباب اللب في مدح شهيد الحب حيث قلت‏:‏ قتيل الهوى في مذهب الحب والفقر بلا عوض حاشاه من طلب الأجر سوى روية المحبوب في حالة اللقا إذا ما قيتل السيف عوض في الحشر فشتان ما بين المقامين في العلى وبين شهيد الحب والسيف في القدر فما طالب المولى له طال شوقه وفي حبه قد مات خال عن الصبر إذا كنت حظي والأيام حظوظهم أياديك ما نالوا نعيمي ولا فخر كفى شرفًا موت المحب صبابة لمولى وفضلاً جل قدراً عن الحصر ويكفيك خمس من فضائله بها بلوغ المنى عيشًا ومجدًا على الدهر قتيل جمال قد ودوه بروية ووصل وقرب والتنادم والسرر تميز عن غير بهذي وغيرها وشاركه فيما له نال من أجر لئن كان روح من شهيد سيوفهم بجنات خلد جوف طير بها خضر فروح شهيد الحب أيضًا وجسمه باجوافها قد نعما ليس في القبر كذاك روينا عن رجال له رأوا بأبصارهم جوف القرافة من مصر وممن رأى ذاك الإمام الذي جلا لنا من مليحات المعارف من بكر ونحو أخمارًا كاشفًا عن محاسن بها هام كم صب وكم حام من فكر بحور معانيها جلا در نظمه سقى مشربًا بالشعر لم يسق في شعر غريم الهوى حلف الغرام ابن فارض لدي عارض قد شاهد السابق الذكر فأتى إليه الشيخ ابن الفارض المذكور فأنشده قبل أن الشيخ شهاب الدين استنشده من قريضه فأنشده قصيدة مفتتحها‏:‏

ما بين معترك الأحداق والمهج ** أنا القتيل بلا ذنب ولا حرج

ثم استمر في إنشادها إلى أن قال‏:‏

أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه ** قول المبشر بعد اليأس بالفرج

لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ** ذكرت ثم على ما فيك من عوج

فقام الشيخ شهاب الدين فتواجدوا من عنده من شيوخ الوقت الحاضرين وكان المجلس عامراً بشيوخ أجلاء وسادة أولياء فخلع عليه هو والحاضرون قيل‏:‏ أربع مائة خلعة ومن نظمه الفائق المعري كل عاشق‏:‏ فإن شئت أن تحيي سعيدًا فمت به شهيدًا وإلا فالغرام له أهل فمن لم يمت في حبه لم يعش به ودون اجتناء النخل ما جنت النخل وما أحسن قوله‏:‏ نصحتك علمًا بالهوى والذي أرى مخالفتي فاختر لنفسك ما يحلو بعد قوله‏:‏ وأما قول ابن خلكان في ترجمته‏:‏ وله ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه ظريف ينحو منحى طريقة الفقراء فلم يوفه بعض ما يليق بمشربه وذوقه وارتياحه وشوقه لكنه قد أحسن في مخالفته للطاعنين فيه لم ينزله بالمنزلة اللائقة به فى قوله وسمعت أنه كان رجلاً صالحاً كثير الخير على قدم التجرد حسن الصجة محمود العشيرة وأنه ترنم يوماً في خلوته بقول الحريري صاحب المقامات‏:‏ من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط فسمع قائلا يقول لا يرى شخصه‏:‏ محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط وكان يقول‏:‏ علمت في النوم بيتين وهما‏:‏ وحياة أشواقي إليك وحرمة الصبر الجميل لا أبصرت عيني وسواك ولا صبوت إلى خليل قلت‏:‏ ولقد أحسن في وصفه راح المحبة في ديوانه المذكور ومن ذلك وصفه لها في هذا البيت المشهور‏:‏

هنيئًا لأهل الدهر كم سكروا بها ** وما شربوا منها ولكنهم هموا

توفي رحمه الله تعالى في جمادى الأولى ودفن في العارض بسفح جبل المعظم والفارض بالفاء والراء وبين الألف والضاد المعجمة راء وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال‏.‏

وفيها توفي الشيخ الجليل السيد الحفيل أستاذ زمانة وفريد أوانه مطلع الأنوار ومنبع الأسرار دليل الطريقة وترجمان الحقيقة أستاذ الشيوخ الأكابر الجامع بين علمي الباطن والظاهر قدوة العارفين وعمدة السالكين العالم الرباني شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد التيمي البكري الصوفي السهروردي مصنف كتاب العوارف المشتمل على مكنونات المعارف ومصؤنات المحاسن واللطائف وغير ذلك من التصانيف الحسنة الجامعة من بلاغة الملاحة وبراعة الفصاحة وحلاوة العبارة المشتملة على درر المعارف ويواقيت الحكم وطلاوة الإشارة المحتوية على حياة القلوب وشفائها مر السقم وعقيدته معروفة مشهورة موصوفة مشكورة رويتها عن غير واحد من شيوخنا بسندهم العالي الذي بينهم وبين مصنفه وأخذ صنفها مكة المشرفة وكان إذا أشكل عليه شيء منها يرجع فيه إلى الله سبحانه وتعالى ويستخيره حول بيته وبتضرع إليه في التوفيق لإصابة الحق والتحقيق وقد ذكرت بعض عقيدته في كتاب المحاسن والمرهم وكان فقيهاً شافعي المذهب كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة وتخرج عليه خلق كثير من الصوفية في المجاهدة والخلوة ولم يكن في آخر عمره مثله صحب عمه الشيخ الإمام أبا النجيب وعنه أخذ التصوف والوعظ‏.‏

وذكر بعضهم أنه صحب أيضاً قطب الأولياء وقدوة الأصفياء الشيخ عبد القادر الجبيلي رضي الله عنهما ثم انحدر إلى البصرة إلى الشيخ أبي محمد بن عبد ورأى غيره من الشيوخ وحصل طرفًا صالحًا الفقه والخلاف وقرأ الأدب وعقد مجلس الوعظ سنين وكان شيخ الشيوخ ببغداد وكان له مجلس وعظ عليه قبول كثير وله نفس مبارك‏.‏وذكر بعضهم أنه أنشد يومًا على الكرسي‏.‏

لا تسقني وحدي فما عودتني أني أشح بها على جلاسي أنت الكريم وهل يليق تكرمًا أن تمنع الندماء دون الكاس فتواجد الناس لذلك وقطعت شعور كثيرة وتاب جمع كثير‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ورأيت جماعة ممن حضروا مجلسه وقعدوا في خلوته وكانوا يحكون غرائب مما يطرأ عليهم فيها من الأحوال الخارقة قال‏:‏ وكان قد وصل إلى إربل رسولاً من جهة الديوان العزيز وعقد بها مجلس الوعظ ولم يتفق لي رؤيته لصغر السن‏.‏

وكان كثير الحج وكان أرباب الطريق من مشائخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم‏.‏

سمعت أن بعضهم كتب إليه يا سيدي إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة وإن عملت داخلني العجب فأيتهما أولى فكتب جوابه‏:‏ اعمل واستغفر الله من العجب‏.‏

وقال ابن نقطة‏:‏ كان شيخ العراق في وقته صاحب مجاهدة وإيثار وطريقة حميدة ومروة تامة وأوراد على كبر سنه‏.‏

وقال ابن النجار‏:‏ كان شيخ وقته في علم الحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين ودعا الخلق إلى الله تعالى قرأ الفقه والخلاف والعربية وسمع الحديث ثم انقطع ولازم بيته ودوام الصوم والذكر والعبادة إلى أن ظهر وعلا شأنه وتكلم على الناس وعقد مجلس الوعظ في مدرسة عمه على دجلة فحضر عنده خلق عظيم وظهر له قبول من الخاص والعام واشتهر اسمه وقصد من الأقطار وظهرت بركات أنفاسه في توبة العصاة ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحد‏.‏

وقال غيره‏:‏ نشأ في حجر عمه أبي النجيب عبد القاهر وأخذ عنه التصوف والوعظ وعلم الحديث والفقه وصحب أيضًا الشيخ عبد القادر والشيخ أبا محمد بن عبد البصري كما تقدم وسمع الحديث أيضًا من أبي زرعة وآخرين وسماهم وروى عنه جماعة ذكر منهم الحافظ ابن النجار وغيره وبعث رسولاً إلى عدة جهات يعني نفده الخليفة في عصره ولم يخلف بعده مثله على ما نقل غير واحد‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد ذلك ما ذكرت في مناقب الشيخ عبد القادر أنه قال له‏:‏ أنت آخر المشهورين بالعراق ففتح عليه بعلوم المعارف والأنوار الزاهرة ووردت عليه الأحوال وحصلت له المواهب الوافرة وفاق الأقران بعلو شأنه وصار شيخ زمانه بلا منازع‏.‏

قلت‏:‏ وإليه يرجع بعض شيوخنا في لبس الخرقة وبعضهم يرجع إلى الشيخ عبد القادر وبيني وبينه اثنتان في كتابه العوارف كما تقدمت الاشارة في سند شيوخنا وكذا في لبس الخرقة ورأيته في المنام كأنه أعطاني سجادة في ليلة كنت فيها قريبًا من قبر سيدنا عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أسفل جبل أحد المبارك المعظم وله كلام نفيس فاخر مسطور عنه في الدفاتر ذكرت شيئًا منه في الشاش المعلم قدس الله روحه‏.‏

وفيها توفي الشيخ الجليل غانم بن علي المقدسي النابلسي أحد عباد الله الأصفياء والسادة الأولياء‏.‏وفيها توفي قاضي القضاة ابن شداد أبو العز يوسف بن رافع الأسدي الحلبي الشافعي قرأ القراءات والعربية وسمع الحديث وبرع في الفقه والعلوم ساد أهل زمانه ونال رياسة الدين والدنيا وصنف التصانيف منها كتاب سماه ملجأ الحكام عن التباس الأحكام ومنها دلائل الأحكام وكتاب الموجز الباهر في الفروع وكتاب سيرة صلاح الدين ودخل دمشق بعد رجوعه من الحج فاستدعى به السلطان صلاح الدين وقابله بالإكرام التام وسأله عن مشائخ العلم والعمل وقر أعليه جزءاً من الإذكار كان قد جمعه ثم ولاه قضاء العسكر والحكم بالقدس الشريف وعرض عليه الملك الظاهر الحكم بحلب فامتنع ثم قبل بعد ذلك‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ كان بين والدي رحمة الله عليه وبين القاضي أبي المحاسن المذكور ومؤانسة كثيرة وصحبة صحيح المودة فجئت إليه أنا وأخي وكتب إلى سلطان بلدنا الملك المعظم كتابًا بليغًا في حقنا‏.‏يقول فيه‏:‏ أنت تعلم ما يلزم من أمر هذين الولدين فإنهما ولدا أخي وولدا أخيك ولا حاجة مع هذا إلى تأكيد وصية وأطال القول في ذلك فتفضل القاضي أبو المحاسن وتلقانا بالقبول والإكرام وعمل ما يليق لمثله وأنزلنا في منزلة ورتب لنا على الوظائف وألحقنا بالكبار مع صغر السن والابتداء في الاشتغال وكان أبو المحاسن المذكور بيده حل الأمور وعقدها ليس لأحد معه كلام في الدولة وكان للفقهاء في أيامه حرمة تامة‏.‏

ومما حكي عنه أنه قال‏:‏ كان في المدرسة النظامية ببغداد أربعة أو خمسة من الفقهاء المشتغلين فاتفقوا على استعمال حب البلاذر لأجل سرعة الحفظ والفهم فاجتمعوا ببعض الأطباء وسألوه عن مقدار ما يستعمل الإنسان منه وكيف يستعمله ثم اشتروا المقدار الذي قال لهم الطبيب الجاهل فشربوه في موضع خارج المدينة فحصل لهم الجنون فتفرقوا وتشتتوا ولم يعلم ما جرى عليهم وبعد أيام جاء إلى المدرسة وأحد منهم وهو عريان ليس عليه شيء يستر عورته وعلى رأسه عمامة كبيرة لها عذبة طويلة قد ألقاها وراءه فوصلت إلى كعبه وكان طويلاً وهو ساكت عليه السكينة والوقار لا يتكلم بشيء ولا يعبث بشيء فقام إليه بعض الفقهاء وسأله عن الحال فأخبره باستعمال حب البلاذر وقال‏:‏ فأما أصحابي فإنهم جنوا وما سلم منهم إلا أنا وحدي فصار يظهر العقل العظيم والسكون والحاضرون يضحكون منه وهو لا يشعر بهم ويعتقد أنه سالم مما أصاب أصحابه وهو على تلك الحال لا يفكر فيهم ولا يلتفت إليهم‏.‏

وفيها توفي أبو سليمان داود الملقب بالملك الزاهر ابن الملك العادل صلاح الدين يوسف بن أيوب كان صاحب قلعة البيرة التي على شاطىء الفرات وكان يحب العلماء وأهل الفضل ويقصدونه من البلاد وكان الثاني عشر من أولاد صلاح الدين وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة فلما توفي توجه ابن أخيه الملك العزيز ابن الملك الظاهر إلى القلعة المذكورة وملكها والبيرة بكسر الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء وفي آخرها هاء وهي قلعة سنة ثلاث وثلاثين وست مائة فيها أخذت الفرنج قرطبة واستباحوها وجاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر إربل فما بالوا وساقوا إلى بلاد الموصل فقتلوا أو سبوا فاهتم المستنصر بالله وأنفق الأموال فرجعوا‏.‏

وفيها غزا الكامل الفرات واستعاد حران وخرب قلعة الرها وهرب منه نواب صاحب الروم ثم كر إلى الشام خوفًا من التتار فإنهم وصلوا إلى سنجار ثم حسده صاحب الروم ونازل حران وتعب أهلها بين الملكين‏.‏

وفيها توفي الحافظ العلامة اللغوي أبو الخطاب عمر بن الحسن الكلبي الداني الأندلسي المعروف بابن دحية سمع الحديث وجال في مدن الأندلس وحج ودخل العراق وسمع مسند أحمد وبأصبهان معجم الطبراني وبنيسابور صحيح مسلم بعلو بعد أن كان قد حدث به في المغرب بالإسناد الأندلسي النازل وكان يقول‏:‏ إنه حفظه كله وضعفه جماعة وله تصانيف غرائب‏.‏

قلت‏:‏ وتنقصه الذهبي فقال‏:‏ وقد أنفق على الملك الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة وقاضي القضاة بالقاهرة‏.‏

ومدحه ابن خلكان فقال‏:‏ كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء متقنًا لعلم الحديث وما يتعلق به عارفًا بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها فانظر ما بين هذين الوصفين من المضادة ممن يذم السامع عقيدته وممن يحمد اعتقاده مع كمال فضيلة المادح في العلوم وتصويب العارف بانتقاده‏.‏

وفيها توفي نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجبلي سمع من شهدة وطبقتها ودرس وأفتى وناظر وولي القضاء سنة ثلاث وعشرين ثم عزل بعد أشهر وكان لطيفاً ظريفًا متين الديانة كثير التواضع متجربًا في القضاء قوي النفس في الحق مع عدم التكلف والمحابات‏.‏

وفيها توفيت الشيخة الصالحة الصوفية زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر روت عن يحيى بن ثابت وغيره‏.‏