فصل: سنة ثمان وتسعين وست مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة إحدى وتسعين وست مائة

في جمادى الأولى منها قدم السلطان الملك الأشرف في دمشق وقد فرغ الشجاعي من بناء الطارمية والرواق وقاعة الذهب والقبة الزرقاء بقلعة دمشق فرغ جميع ذلك في سبعة أشهر قيل‏:‏ وجاء في غاية الحسن ثم سار السلطان ونازل قلعة الروم في جمادى الأخرى فنصب عليها المجانيق وجد في حصارها وفتحت بعد خمسة وعشرين يوماً وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار فلما رأوا أن التتار لا ينجدونهم ذلوا وما أحسن ما قال الشهاب محمود في كتاب الفتح‏:‏ فسطا جيش الإسلام يوم السبت على أهل الأحد فبارك الله للأمة في سبتها وخميسها‏.‏وفيها توفي أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد الشافعي الأصولي المتكلم خطيب دمشق وولي بعده الخطابة الشيخ عز الدين الفاروثي‏.‏

 سنة اثنتين وتسعين وست مائة

فيها أسلم صاحب شيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا لم يلق ضرباً ولا طعناً فضربت البشائر في رجب‏.‏

وفيها توفي الإمام أعلم العلماء الأعلام ذو التصانيف المفيدة المحققة والمباحث الحميدة المدققة قاضي القضاة ناصر الدين عبد الله ابن الشيخ الإمام قاضي القضاة إمام الدين عمر ابن العلامة قاضي القضاة فخر الدين محمد ابن الإمام صدر الدين علي القدوة الشافعي البيضاوي تفقه بأبيه وتفقه والده بالعلامة مجير الدين محمود بن أبي المبارك البغدادي الشافعي وتفقه مجير الدين بالإمام معين الدين أبي سعيد منصور بن عمر البغدادي وتفقه هو بالإمام زين الدين حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمهم الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ ونسبة الغزالي في الفقه إلى الشافعي معروفة وكذلك نسبته ونسبة أخيه الشيخ الإمام الغزالي في التصوف معروفتان وقد ذكرت شيوخ الخرقة في كتاب نشر الريحان في فضل المتحابين في الله الاخوان وللقاضي ناصر الدين المذكور مصنفات عديدة ومؤلفات مفيدة منها الغاية القصوى في الفقه على مذهب الشافعي وله شرح المصابيح وتفسير القرآن والمنهاج في أصول الفقه والطوالع في أصول الدين وكذلك المصباح وله المطالع في المنطق وغير ذلك مما شاع في البلدان وسارت به الركبان وتخرج به أئمة كبار - رحمه الله تعالى رحمة الأبرار -‏.‏وفيها توفي القاضي جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرئ صاحب السخاوي ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح مدة وسمع من ابن الزبيدي جماعة وكتب الكثير‏.‏

وفيها توفي الشيخ الجليل القدوة إبراهيم ابن الشيخ القدوة عبد الله الأرموي روى عن الشيخ الموفق وغيره‏.‏

توفي في المحرم وحضره ملك الأمراء والقضاة وحمل على الرؤوس وكان صالحا قانتاً لله منيباً عليه سيماء السعادة متصفاً بالزهد والعبادة معدوداً من الأولياء السادة‏.‏

وفيها توفي ابن الواسطي العلامة الزاهد القدوة مسند الوقت أبو اسحاق إبراهيم بن علي الصالحي سمع وتفقه وأتقن ودرس بالمدرسة الصالحية وكان فقيهاً زاهداً عابداً مخلصاً‏.‏صاحب جد وصدق وقول بالحق وهيبة في النفوس‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير السيد الشهير صاحب القلب المستنير العارف بالله الخبير الذي شاع فضله واشتهر المعروف بالمكين الأسمر عبد الله بن منصور الإسكندراني شيخ القراء بالإسكندرية‏.‏

قلت‏:‏ وممن أثنى عليه بالنور والاطلاع شيخ زمانه أبو الحسن الشيخ الشاذلي الذي اشتهر فضله وشاع وكذلك الشيخ الإمام علي المقام تاج الدين ابن عطاء الله الشاذلي وقال‏:‏ كنت أنا وهو معتكفين في العشر الأواخر من رمضان فلما كانت ليلة ست وعشرين قال‏:‏ أرى الملائكة في تهيئة وتعبية كما تهيأ أهل العرس قبله بليلة فلما كانت ليلة سبع وعشرين وهي ليلة جمعة قال‏:‏ رأيت الملائكة تنزل من السماء ومعها أطباق من نور فلما كانت ليلة ثماني وعشرين قال‏:‏ رأيت هذه الليلة كالمتغيظة وهي تقول‏:‏ هب إن لليلية القمر حقا أمالي حق يرعى‏.‏أو كما قال انتهى كلامه‏.‏

قلت‏:‏ لعل تغيظها على الناس من أجل تركهم إحياءها واهتمامهم بليلة القدر دونها كونها جارة لها وحق الجار أن يكرم بشيء مما أكرم به جاره‏.‏

وأما أطباق النور المذكور فلعلها هدية إلى من أحيى ليلة القدر‏.‏

المذكورة ومن أناله الله تعالى شيئاً من بركتها والخيرات المقسومة فيها والله أعلم‏.‏

 سنة ثلاث وتسعين وست مائة

في سابع المحرم منها قتل السلطان ببروجه في الصيد ثم قتل نائبه بيدراً وخلفوا للسلطان الملك الناصر محمد بن المنصور وهو ابن تسع سنين وجعل نائبه كتبغا وبسط العذاب على الوزير ابن سلغوس حتى مات وأخذت أمواله ثم قتل الشجاعي‏.‏

وفيها توفي الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور سيف الدين قلاوون ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وقتله في المحرم بيدراً ولاجين وجماعة وتسلطن بيدراً ولقب بالملك القاهر فأقبل كتبغا والجاشكير وحملوا على بيدراً فقتلوه‏.‏وفيها توفي قاضي القضاة شهاب الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين أحمد الخليل بن سعادة بن جعفر الشافعي روى عن ابن المقير وطائفة وكان من أعلم أهل زمانه وأكثرهم تفنناً وأحسنهم تصنيفاً وأحلاهم مجالسة ولي القضاء بحلب مدة ثم ولي قضاء الشام هكذا قال بعضهم ولم يقل قضاء دمشق وتوفي في العشر الأخير من شهر رمضان‏.‏

وفيها توفي الملك الحافظ غياث الدين محمد ابن شاهنشاه وصاحب بعلبك الملك الأمجد روى صحيح مسلم ونسخ الكثير بخطه‏.‏

وفيها توفي الدمياطي شمس الدين محمد بن عبد العزيز المقرئ أخذ القراءة من الصخاوي وتصدر واحتيج إلى علو روايته وقرأ عليه جماعة‏.‏وفيها توفي الوزير سلغوس المدعو بالوزير الكامل مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي التاجر الكاتب ولي حسبة دمشق فاستصغره الناس عليها فلم ينشب أن ولي الوزارة ودخل دمشق في موكب عظيم لم يعهد مثله‏.‏

مات بعد أن أنتن جسده من شدة الضرب وقطع منه اللحم الميت نسأل الله الكريم العافية‏.‏

 سنة أربع وتسعين وست مائة

في المحرم تسلطن الملك العادل كتبغا المنصوري وزينت مصر والشام وله نحو من خمسين سنة يومئذ سبي يوم وقعت حمص من التتار

وفيها توفي الفاروثي الإمام العالم الواعظ المقرئ المفسر الخطيب عز الدين أبى العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي الشافعي الصوفي شيخ العراق كان إماماً متفنناً متضلعاً من العلوم والآداب حسن التربية للمريدين لبر الخرقة من الشيخ العارف أستاذ زمانه شهاب الدين السهروري وسمع منه ومن جماعة وأسمع الكثير في الحرمين والعراق ودمشق وجاور مدة وعليه قرأ كتاب الحاوي الصغير شيخنا الفقيه الإمام العلامة نجم الدين قاضي الحرم الشريف وشيخه ومدرسه محمد بن محمد الطبري والفاروثي يرويه عن مصنفه الشيخ عبد الغفار القزويني ثم قدم بعد المجاورة إلى الشام في سنة إحدى وتسعين فولي بها مشيخة دار الحديث الظاهرية وإعادة الناصرية وتدريس النجيبية ثم ولي خطابة البلد بعد زين الدين بن المرجل وكان خطيباً بليغاً فإذا نزل وصلى ربما خرج بالخلعة السوداء وشيع الجنائز وزار بعض أصحابه من الأكابر وهو لابسها وكان إماماً بارعاً فاضلاً فقيهاً مقرياً حسن الاعتقاد جيد الديانة ظريفاً حلو المجالسة لطيف الشكل صغير العمامة يرتدي برداء وكان كثير الاشتغال والعبادات وعنده كتب كثيرة جداً نحو من ألفي مجلد أو أكثر ذا كرم وسعة صدر ووجاهة عند الكبراء والأمراء واتفق أنه عزل بعد سنة بالخطيب الموفق فسافر مع الحجاج ودخل العراق وتوفي بواسط وقد نيف على الثمانين - رحمه الله تعالى -‏.‏وفيها توفي المحب الطبري شيخ الحرم الإمام العلامة الحافظ الرواية ذو التصانيف الكثيرة والفضائل الشهيرة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر المكي الشافعي ولد سنة خمس عشرة وست مائة وسمع من ابن المقري وابن الحميري وجماعة وصنف كتباً عديدة في الحديث وله في الفقه مبسوطات ومختصرات ومن المبسوطات كتاب في الأحكام في عدة مجلدات أجاد فيه وأفاد وأكثر وأطنب وجمع الصحيح والحسن ولكن ربما أورد فيه الأحاديث الضعيفة ولم يبين ضعفها وكان فقيهاً بارعاً محدثاً حافظاً درس وأفتى وأسمع وروى وكان محدث الحجاز في زمانه وشيخ الشافعية هنالك‏.‏

وتوفي قبله بأيام ولده النجيب الفاضل جمال الدين محمد قاضي مكة مؤلف كتاب التشويق إلى البيت العتيق ومن تصانيف محب الدين شرح كبير مبسوط للتنبيه جيد إلا أنه ربما يختار الوجوه الضعيفة وله مختصرات للتنبيه وغير ذلك وكتاب ‏"‏ القرى ‏"‏ بكسر القاف ومختصر السيرة وغير ذلك لكنها لم تشتهر ولم تنتشر في البلدان إلا كتاب ‏"‏ الأحكام ‏"‏ المذكور فإنه في البلدان مشهور وكان له جاه عظيم وحظ كريم عند الملك المظفر صاحب اليمن وكان مشغولاً بالعلم مستفيداً ومفيداً وعنه أخذ خلائق من الفضلاء من أكابر المحدثين والفقهاء وكان له صحبة من الشيخ الكبير العارف بالله الخبير ذي المناقب والكرامات السنية والأحوال والمقامات العلية أبي العباس أحمد المورقي الغربي المدفون في الطائف قدس الله روحه وله معه حكايات عجيبة منها أنه لما قدم الملك المظفر صاحب اليمن طلب منه قرابته وأصحابه أن يشفع لهم عنده وطمعوا أن يحصل لهم منه نفع وكان عادة السلطان المذكور أن يطلب محب الدين في كل وقت فلما قدم مكة لم يطلبه ولم يجتمع به سوى عند قدومه فحصل لمحب الدين من ذلك قبض ولم يزل كذلك إلى أن فرغ من أعمال الحج ثم لقيه الشيخ أبو العباس المذكور فسأله عن حاله فأخبره إنما هو غير منشرح بسبب عدم ما كان يرتجي من النفع على يديه واشتغال السلطان عنه فقال له الشيخ أبو العباس عند ذلك‏:‏ أنا الذي شغلته عنك خشية أن يشغلك عن أعمال الحج ولكن الآن أطلقه حتى يلتفت إليك ويطلبك كما كان‏.‏

فعند ذلك أرسل السلطان يطلبه وقضى له ما أراد من حوائجه وحوائج من تعلق به من الناس‏.‏

وفيها توفي ابن المقدسي خطيب دمشق ومفتيها وشيخ الشافعية بها الإمام العلامة شرف الدين أبو العباس أحمد بن نعمة الشافعي سمع من السخاوي وابن الصلاح وتفقه على ابن عبد السلام وبرع في الفقه والأصول والعربية وناب في الحكم مدة ودرس بالشامية والغزالية وكتب الخط المنسوب الفائق وألف كتاباً في الأصول وكان كيساً متواضعاً متنسكاً ثاقب الذهن مفرط الذكاء طويل النفس في المناظرة‏.‏

توفي في رمضان - رحمه الله تعالى -‏.‏وفيها توفي صاحب اليمن الملك المظفر ابن الملك المنصور عمر‏.‏

توفي في رجب وبقي في السلطنة نيفاً وأربعين سنة وملك أبوه قبله نيفاً وعشرين سنة وكان الملك المظفر المذكور له بعض مشاركة في بعض العلوم وكان كيساً ظريفاً يحب مجالسة العلماء ويعتقد الصالحين وجاء إلى شيخ اليمن وبركة الزمن والبحر الزاخر الذي يغرق فيه كل ماهر السيد الجليل أبي الغيث بن جميل - قدس الله روحه - ونعله في حلقه فقال الشيخ‏:‏ ما تطلب الملك قال‏:‏ وليتك‏.‏

وكان أبوه قد قتل خادم الشيخ أبي الغيث فلما بلغه قتل خادمه قال‏:‏ مالي ولمحراسه أنا أنزل عن أمشباب وأترك أمزرع فقتل عند ذلك الملك المنصور واستعار في ذلك استعارة حسنة وهي أنه جعل الخلق كالزرع وهو كالحارس له والمشباب بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وتكرير الموحدة قبل الألف وبعدها‏.‏

خشبات تنصب في وسط الزرع ويجعل عليها عريش يقعد الحارس عليه فإذا نزل عنه ضاع الزرع يترك الحراسة فنزل به التلف من سارق أو آكل بهائم أو صيد أو وحش مبذلاً لام التعريف بالميم كما هي لغة بعض اليمانيين وكما هو وما روي من قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ ليس من أمير مصيام في أمسفر مجيبا لقول السائل أمن أمير أمصيام في أمسفر ‏"‏ سمع الملك المظفر المذكور على الشيخ محب الدين الطبري المذكور وكان لمحب الدين تردد إلى اليمن واجتماع كثير معه في اليمن وفي مكة لما حج أعني الملك المظفر وكان في صحبته إلى الحج خمس مائة فارس أخبرني بذلك من حج معه من أهل الخير والصلاح وكان محبباً إلى الناس‏.‏

وله حكايات ظريفة منها‏:‏ أنه كتب إليه بعض الناس كتاباً على وجه المزح والكياسة‏.‏

قال فيه‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما المؤمنون إخوة ‏"‏ ‏"‏ الحجرات‏:‏ 10 ‏"‏ وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال فرد عليه الجواب وأرسل إليه بدرهم فقال في جوابه‏:‏ إخواني المؤمنون كثير في الدنيا ولو قسمت عليهم بيت المال ما حصل لكل واحد منهم درهم‏.‏

ومنها أنه أرسل إليه إنسان وهو يقول‏:‏ أنا كاتب أحسن الخط الظريف والكشط اللطيف أو كما قال فقال في جوابه‏:‏ ما ذكرته من حسن كشطك يدلى على كثرة غلطك‏.‏

ومنها أن جماعة من الديوان وأهل الدولة أرادوا أن يجتمعوا في عدن على اللعب والشراب وملأوا أزياراً كثيرة خمراً فأراقها الشيخ الكبير الولي الشهير الوافر الفضل والنصيب عبد الله بن أبي بكر الخطيب المدفون في موزع شيخ شيوخنا‏.‏

- قدس الله روحه - فغضب أمير عدن وغيره من أهل الدولة ولم يقدروا على الانتقام من الشيخ المذكور فكتبوا إلى الملك المظفر بذلك فرد عليهم الجواب وهو يقول فيه‏:‏ هذا لا يفعله إلا أحد رجلين إما صالح وإما مجنون وكلاهما ما لنا معه كلام‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير ذو البركات الشهيرة والكرامات الكثيرة والهمة العالية والمحاسن الباهية أبو الرجال بن مري‏.‏

توفي يوم عاشوراء منيفاً على الثمانين كان صاحب كشف وأحوال له موقع في النفوس وإجلال

وفيها توفي الإمام مظفر الدين أحمد بن علي المعروف بابن الساعاتي شيخ الحنفية‏.‏

كان ممن يضرب به المثل في الذكاء والفصاحة وحسن الخط وله مصنفات في الفقه وأصوله وفي الأدب مجادة مفيدة وكان مدرساً لطائفة الحنفية بالمستنصرية في بغداد‏.‏

 سنة خمس وتسعين وست مائة

استهلت وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط حتى أكلوا الجيف وأما الموت فيقال‏:‏ أنه أخرج في يوم واحد ألف وخمس مائة جنازة وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها الجماعة الكثيرة وبلغ الخبز كل رطل وثلث بالمصرية بدرهم وبلغ في دمشق كل عشرة أواق بدرهم في جمادى الآخرة وارتفع فيه الوباء والقحط عن مصر ونزل الأردن إلى خمسة وثلاثين‏.‏

وفيها قدم الشام شيخ الشيوخ صدر الدين إبراهيم ابن الشيخ سعد الدين بن حمم الجويني فسمع الحديث روى عن أصحاب المؤيد الطوسي وأخبر أن ملك التتار غازان ابن أرغون أسلم على يده بواسطة نائبه بوروز بالراء بين الواوين والزاي في آخره كان يوماً مشهوراً‏.‏

وفيها توفيت بنت علي الواسطي أم محمد الزاهدة العابدة الصالحة روت عن الشيخ الموفق وقد قاربت التسعين‏.‏

وفيها توفي ابن رزين الإمام صدر الدين قاضي القضاة‏.‏

وفيها توفي ابن بنت الأعز قاضي الديار المصرية تقي الدين عبد الرحيم ابن قاض القضاة تاج الدين عبد الوهاب الشافعي وولي بعده الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد‏.‏

 سنة ست وتسعين وست مائة

فيها توجه الملك العادل إلى مصر فلما بلغ بعض الطريق وثب حسام الدين لاجين على اثنين من أمرائه كانا جناحيه فقتلهما فخاف العادل وركب سراً وهرب في أربعة مماليك وساق إلى دمشق فلم ينفعه ذلك وزال ملكه وخضع المصريون لحسام الدين ولم يختلف عليه اثنان ولقب بالملك المنصور وأخذ العادل فأسكن بقلعة صرخد وقنع بها غير مختار‏.‏

وفيها توفي محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزيداني مدرس مدرسة جدة‏.‏

 سنة سبع وتسعين وست مائة

فيها توفي مسند العراق عبد الرحمن بن عبد اللطيف البغدادي المقرئ شيخ المستنصرية‏.‏

وفيها توفيت عائشة بنت المجد عيسى ابن الشيخ موفق الدين المقدسي كانت مباركة صالحة عابدة روت عن جدها وابن راجح‏.‏وفيها توفي الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر الفارسي الشافعي الأصولي المتكلم توفي في رمضان في مرة وهو من أبناء السبعين درس مدة بالغزالية ثم تركها‏.‏

 سنة ثمان وتسعين وست مائة

فيها قتل الملك المنصور صاحب مصر والشام حسام الدين لاجين المنصوري السيفي هجم عليه سبعة أنفس وهو يلعب بعد العشاء بالشطرنج ما عنده إلا قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله ويزيد البدوي وإمامة ابن العسال قال القاضي حسام الدين الحنفي‏:‏ رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد ونودي للملك الناصر وأحضروه من الكرك فاستناب في المملكة سلار ثم ركب بخلعة الخليفة وتقليده وكانت سلطنة لاجين بسنتين وكان فيه دين وعدل‏.‏

وفيها توفي صاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود ابن الملك الممنصور آخر ملوك حماة

وفيها توفي الملك الأوحد يوسف بن الناصر صاحب الكرك ابن المعظم توفي بالقدس - وسمع وروى عنه الديماطي في معجمه‏.‏

وفيها توفي ابن النحاس العلامة حجة العرب أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الحلبي شيخ العربية بالديار المصرية‏.‏

 سنة تسع وتسعين وست مائة

في أوائلها قصد التتار للشام فوصل السلطان الملك الناصر إلى دمشق وانحفل الناس من كل وجه وهجموا على وجوههم وسار الجيش وتضرع الخلق إلى الله تعالى والتقى الجمعان بين حمص وسلمية فاستظهر المسلمون وقتل من التتار نحو عشرة آلاف وثبت ملكهم غازان ثم حصل تخاذل وولت الميمنة بعد العصر وقاتلت الحاصكية أشد قتال إلى الغروب وكان السلطان آخر من انصرف بحاشيته نحو بعلبك وتفرق الجيش وقد ذهبت أمتعتهم ونهبت أموالهم ولكن قل من قتل منهم وجاء الخبر إلى دمشق من غد فحار الناس وأبلسوا وأخذوا يتسلون بإسلام التتار ويرجون اللطف فتجمع أكابر البلد وساروا إلى خدمة غازان فرأى لهم ذلك وفرح بهم وقال‏:‏ نحن قد بعثنا - بالأمان قبل أن تأتون‏.‏

ثم انتشرت جيوش التتار بالشام طولاً وعرضاً وذهب للناس من الأهل والمال والمواشي ما لا يحصى وحمى الله دمشق من النهب والسبي والقتل ولكن صودروا مصادرة عظيمة ونهب ما حول القلعة لأجل حصارها وثبت متوليها علم الدين ثباتاً كلياً لا مزيد عليه حتى هابه التتار ودام الحصار أياما عديدة وأخذت الدواب جميعها واشتد العذاب في المصادرة مع الغلاء والجوع وأنواع الهم والفزع لكنهم بالنسبة إلى ما جرى بجبل الصالحية من السبي والقتل أحسن حالاً فقيل‏:‏ إن الذي وصل إلى ديوان غازان من البلد ثلاثة آلاف ألف وست مائة سوى ما أخذ في الرسيم والبرطيل ولبس المسوح وكان إذا ألزم التاجر بألف درهم ألزمه عليها فوق المائين ترسيماً يأخذه التتار ثم أعان الله فرحل غازان في ثاني عشر جمادى الأولى وكان قدومه ومحاربته في أواخر ربيع الأول ثم ترحل بقية التتار بعد ترحله بعشرة أيام ودخلت جيوش المسلمين القاهرة في غاية الضعف ففتحت بيوت المال وأنفق عليهم نفقة لم يسمع بمثلها وفيها توفي من شيوخ الحديث بدمشق والجبل أكثر من مائة نفس وقتل بالجبل ومات برداً وجوعاً نحو أربع مائة نفس وأسر نحو أربعة آلاف منهم سبعون من قرية الشيخ أبي عمرو‏.‏

وفيها توفي الإمام المحدث الحافظ أحمد بن فرج الإشبيلي تفقه على الإمام عز الدين بن عبد السلام وحدث عن ابن عبد الدائم وطبقته وكان ذا ورع وعبادة وصدق له حلقة اشتغال لجامع دمشق‏.‏

وفيها توفي العلامة نجم الدين أحمد بن مكي كان أحد أذكياء الرجال وفضلائهم في الفقه والأصول والطب والفلسفة والعربية والمناظرة‏.‏

وفيها توفيت خديجة بنت يوسف وخديجة بنت المفتي محمد بن محمود أم محمد روت عن ابن الزبيدي وتكنى أمة العز روت عن طائفة وقرأت غير مقدمة في النحو وجودت الخط على جماعة وحجت وتوفيت في رجب وكانت عالمة فاضلة - رحمها الله تعالى -‏.‏

وفيها توفيت صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفرا المنادي روت في الخامسة عن الشيخ الموفق وعدمت بالجبل‏.‏

وفيها توفي ابن الزكي قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة محيي الدين بن محمد القرشي درس في العزيزية وقد ولي نظر الجامع وغير ذلك ومات كهلاً‏.‏

وفيها توفي إمام الدين قاضي القضاة أبو القاسم عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي كان مجموع الفضائل تام الشكل توفي بالقاهرة‏.‏

وفيها توفي ابن غانم الإمام شمس الدين محمد بن سليمان المقدسي الشافعي المواقع سبط الشيخ غانم وفيها حمل الأمير سيف الدين نائب السلطنة بطرابلس مرات وقتل جماعة ثم قتل وكان ذا دين وخبرة وشجاعة‏.‏

وفيها توفيت هدية بنت عبد الحميد المقدسية الصالحية روت الصحيح عن ابن الزبيدي وتوفيت بالجبل‏.‏

وفيها توفي أبو محمد المرجاني الشيخ الكبير الولي الشهير القدوة العارف معدن الأسرار والمعارف والمواهب واللطائف علم الوعاظ المعلم المنطق بالمعارف والحكم عبد الله بن محمد المرجاني المغربي أحد المشائخ الإسلام وأكابر الصوفية السادات الكرام‏.‏

توفي بتونس كان مفتوحاً عليه في العلوم الربانية والأسرار الإلهية‏.‏

ومما بلغني عنه أنه قيل له‏:‏ قال فلان‏:‏ رأيت عمود نور ممتداً من السماء إلى فم الشيخ أبي محمد المرجاني في حال كلامه فلما سكت ارتفع ذلك العمود فتبسم الشيخ وقال‏:‏ ما عرف يعثر بل لما ارتفع العمود سكت‏.‏

قلت يعني رضي الله تعالى عنه أنه كان يتكلم بالأسرار عن مدد من الأنوار فلما انقطع المدد بالنور الممدود انقع النطق بالكلام المحمود‏.‏

ومما بلغني من كراماته أنه حضر مجلسه بعض المنكرين بنية الاعتراض عليه في كلامه وكان ذلك الشخص المنكر أعور فقال الشيخ أبو محمد المذكور في أثناء كلامه‏:‏ قبل أن يضيء النهار الله أكبر حتى العوران جاؤوا للاعتراض والإنكار أو كما قال من الكلام الصادر عن النور في وقت الظلام وكان من عادته أنه لا يقوم من مجلسه حتى يرتفع النهار فبقي ذلك الأعور في حياء وخجل وحزن ووجل خوفاً من أن يقوم ويخرج فيعلم الحاضرون أنه المراد ويقعد فيعرف إذا طلع النهار أنه المنكر السيئ الاعتقاد فبينا هو متحير بين هاتين الفضيحتين إذ أطفأ الشيخ القنديل وانقض المجلس ولم يعلم الأعور من صاحب العينين الصحيحتين وكان قصر المجلس في ذلك الوقت على خلاف العادة ستراً منه وفتوة على جاري عادة الصفوة السادة وإليه الإشارة في البيت العاشر من هذه الأبيات من قصيدتي المشتملة على ذكر مائة من كبار الشيوخ السادات وعلى نيف وثلاث مائة من الأبيات وأول العشرة المذكورات قولي في أثنائها‏:‏ وكم قد حبا حالي حباها جنيدهم فسرى السري جند الجنيد المسود وكم رفعت لابن الرفاعي من علا له في نواحي الأرض كم من ممجد وكم شم منها الشاذلي ذكي شذى ففي متهم الأتباع فاح ومنجد فارسي لدى المرسى مراكب سيرها فلم تمش في التصريف غير مقلدي بها الأصبهاني صار نجم سمائها وبدر هداها سيفها غوث مجحد وحلى الفتى ياقوت ياقوت نحرها بعقد على جيد السلوك منضد ولابن عطا أعطت لواء ولاية وترياق داء للضلالة مبعد فداوى به داود حتى الفتى شفي فصار شفاء المعضل المتمرد ومرجانياً من حلى مرجان بحرها حلت برد أحسن اللطائف مرتد جنيدية موروثة عن معارف زها حسنها في الدهر يجلو لمفرد وما نال إلا واحد بعد واحد حلا حسنها الغالي فطوبى لمسعد وله رضي الله تعالى عنه من المواهب والمناقب والمحاسن الغراب ما يحتاج في ذكره إلى تصنيف كتاب‏.‏

وأما قول الذهبي في ترجمته‏:‏ وأبو محمد عبد الله المرجاني الواعظ المذكور أحد مشائخ الإسلام علماً وعملاً مقتصراً على هذه الألفاظ من غير زيادة فغض من قدره كما هو عادته في سنة سبع مائة فيها حصلت أراجيف بالتتار وجاء غازان بجيشه للفرات‏.‏

وقصد حلب فتشوشت الخواطر وهج الخلق على وجوههم في الوحل والأمطار وأكريت المحارة إلى مصر بخمس مائة درهم وبيع اللحم بتسعة دراهم وبقي الخوف أياماً ثم رجع غازان لما ناله من المشاق بكثرة الثلوج والأمطار كل هذا في أوائل السنة‏.‏

وفي شعبان لبست اليهود والنصارى بمصر والشام العمائم الصفر والزرق والحمر ومنعوا من ركوب الخيل بالسروج وسائر الشروط العمرية‏.‏

وفيها توفي أبو العلاء محمود بن أبي بكر البخاري الصوفي الحافظ كان إماماً في الفرائض مصنفاً فيها له حلقة اشتغال وسمع الكثير بخراسان والعراق والشام ومصر وكتب الكثير ووقف أجزاءه وراح مع التتار قيل‏:‏ من خوف الغلا فأقام بماردين أشهراً وأدركه أجله بها‏.‏

وفيها توفي الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الصالحي شيخ البكرية له أصحاب وفيه خير وله سيرة محمودة‏.‏

وفيها توفيت أم الخير زينب بنت قاضي القضاة محيي الدين يحيى بن محمد الزكي القرشي

 سنة إحدى وسبع مائة

وفيها توفي أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي ودفن عند السيدة نفيسة رضي الله عنها وكانت خلافته أربعين سنة وأشهراً وعهد بالخلافة إلى ولده المستكفي بالله أمير المؤمنين وقوي بتقليده بعد عزاء والده وخطب له على المنابر‏.‏

وفيها توفي المحدث الإمام أبو الحسين علي بن محمد التونسي ببعلبك شهيداً من جروح في دماغه من مجنون وثب عليه بسكين‏.‏

وفيها خنق شيخ الحنفية العلامة ركن الدين عبد الله بن محمد السمرقندي مدرس الظاهرية وألقي في بركتها وأخذ ماله ثم ظهر أن قاتله هو قيم الظاهرية فشنق على ظاهرها‏.‏

وفيها وقعت جراد لم يسمع بمثله إلى دمشق تركت غالب الغوطة غصناً مجردة وأيبست أشجاراً خارجة عن الانحصار‏.‏

 سنة اثنتين وسبع مائة

فيها طرق قازان الشام فالتقى تركه وترك الإسلام بعرض ونصر الله المسلمين وقتل في التتار خلق كثير وأسر مقدمان وكان العدو نحو أربعة آلاف والمسلمون في ألف وخمس مائة فارس وتأخر جند الأطراف إلى حمص ثم جهز قازان جيوشه مع نائبه خطلوشاه فساروا إلى مرج دمشق وتأخر المسلمون وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة بالله وخطب شديد وقدم السلطان وانضمت إليه جيوشه والحفال وكان المصاف علم سفحت فهزم العدو الميمنة واستشهد رأس الميمنة الحسام أستاذ دار في جماعة أمراء وثبت السلطان كعوائده ونزل النصر وشرع التتار في الهزيمة فتبعهم المسلمون قتلاً وأسراً ومزقوا كل ممزق وتخطفهم الناس إلى الفرات وسلم شطرهم في ضعف شديد وجوع وحفاء ووقوف جبل ثم دخل السلطان والخليفة راكبين والحمد لله ومن الشهداء الفقيه إبراهيم بن عبدان والأمير صلاح الدين ابن الكامل والأمير علاء الدير الحاكي والأمير حسام الدين قرمان وغيرهم‏.‏

وفي ذي القعدة تزلزلت مصر وتساقطت الدور ومات بالإسكندرية تحت الردم نحو المائتين وكانت آية‏.‏

وافتتحت جزيرة أرواد وأسر من الفرنج نحو خمس مائة‏.‏

وفيها توفي عبد الحميد بن أحمد بن حولان البنا‏.‏

ومات في القاهرة شيخها وقاضيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب ابن دقيق العيد القشيري الشافعي صاحب كتاب ‏"‏ الإلمام ‏"‏ وكتاب ‏"‏ الإمام ‏"‏‏.‏

‏"‏ شرح العمدة ‏"‏ عن سبع وسبعين سنة‏.‏

يروي عن ابن الحميري وغيره وكان رأساً في العلم والعمل عديم النظير أجل علماء وقته وأكبرهم قدراً وأكثرهم ديناً وعلماً وورعاً واجتهاداً في تحصيل العلم ونشره والمداومة عليه في ليله ونهاره مع كبر سنه وشغله بالحكم‏.‏

ولد بمدينة ينبع من أرض الحجاز في شعبان سنة خمس وعشرين وست مائة ونشأ بديار مصر واشتغل أولاً بمذهب مالك ودرس فيه بمدينة قوص ثم اختار مذهب الإمام الشافعي ومال إليه فاشتغل به وتبحر فيه حتى بلغ فيه الغاية دارية ورواية وحفظاً واستدلالاً وتقليداً واستقلالاً حتى قيل إنه آخر المجتهدين وبرع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث‏.‏

فاق فيه على أقرانه وبرز على أهل زمانه ورحل إليه الطلبة من الآفاق ووقع على علمه وزهده وورعه الاتفاق - رحمه الله تعالى - وكان له اعتقاد حسن في المشائخ وأهل الصلاح حتى بلغني أنه كان يزور بعض المشائخ فإذا بلغ إلى بابه نزل عن البغلة ونزع الطيلسان والعمامة ودخل عليه بطاقية على رأسه وإنه شكا إلى بعض الفقراء من أرباب القلوب وسوسة يجدها في الصلاة فقال له‏:‏ أفٍ لقلب يكون فيه غير الله فقال ابن دقيق‏:‏ العيد وقد ذكر هذا الفقير المذكور هو عندي خير من ألف فقيه‏.‏

ومن المشهور أنه ركبته ديون كثيرة ولم يجد لها وفاء فرحل إلى الشيخ الكبير ذي الكرامات والمجد والمفاخر العارف بالله الشهير ابن عبد الظاهر - قدس الله روحه - فلما وصل إليه سلم عليه فقدم له الشيخ مأكولاً ومن جملته سميط‏.‏

وكان من عادته لا يأكل السميط لأنه شوي وفيه أثر الدم فلما وضع بين يديه قال له تلميذ له‏:‏ يا سيدي هذا سميط فقال له‏:‏ ليس هذا موضع ذاك يعني الموضع الذي ننكره ونترك أكله فيه‏.‏

يريد أن هذا موضع موافقة الشيخ في كل ما يفعله واحترامه وإجلاله فأكل من ذلك فلما فرغ من الأكل إذا بالفقراء قد قدموا آلة السماع وكان من عادته لا يحضر السماع فقال له تلميذه‏:‏ يا سيدي أراهم قد قدموا آلة السماع فقال له‏:‏ اسكت ما هذا موضع ذاك بل هذا موضع ما قدمنا ذكره من الاحترام والتسليم فسمعالفقراء وهو حاضر ساكت فلما انقضى سماعهم‏.‏

قال الشيخ منشداً البيت المشهور للمتنبي‏:‏ وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي بيان عندها وخطاب فقال له الشيخ رضي الله تعالى عنه‏:‏ انقضت الحاجة فخرج من عنده ورجع إلى القاهرة فوجد ديونه قد قضيت وردت الدفاتر التي كتب فيها الدين وذلك أن الوزير الكبير الشهير ذو المكارم الشهير المعروف بابن حناء سأل عنه فقالوا‏:‏ فصد الشيخ ابن عبد الظاهر لدين عليه فاستدعى بأرباب الديون فأعطاهم ديونهم وأخذ منهم الأوراق المكتوبة بذلك‏.‏قلت‏:‏ وقد جعله بعضهم مجدد الدين الأمة على رأس المائة السابعة وقد قدمت ذكر الأئمة المجدد بهم دين الأمة على رأس المائين الست قبله فيما تقدم من هذا التاريخ وفي كتاب المرهم والشاش المعلم وغير ذلك من كتبي

وفي السنة المذكورة أخذ من دمشق قاضيها ابن جماعة وتولى مكانه ابن صصري‏.‏

وفيها توفي المسند بدر الدين الحسن بن علي بن الجلال الدمشقي‏.‏

حدث عن جماعة منهم مكرم وابن الشيرازي وابن المقير وكريمة وغيرهم وتفرد بالرواية رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي كمال الدين ابن عطار وفيها توفي متولي حماة الملك العادل كتبغا‏.‏

تسلطن بمصر عامين وخلع‏.‏وفيها توفي المقرئ شمس الدين محمد بن قيماز قرأ على السخاوي بالسبع وسمع من ابن صباغ وابن الزبيدي وكان خيراً متواضعاً‏.‏

وفيها توفي مسند العرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي عن مائة عام سمع الموطأ وكامل المبرد في سنة عشرين وعمر دهراً‏.‏

 سنة ثلاث وسبع مائة

فيها توفي القدوة الزاهد العلامة بركة الوقت الشيخ إبراهيم بن أحمد الرقي الحنبلي كان من أولياء الله تعالى ومن كبار المذكورين وله تصانيف محركة إلى الله حدث عن عبد الصمد بن أبي الحسن وله نظم كثير وخبرة بالطب ومشاركات في العلوم‏.‏وفيها توفيت المعمرة أم أحمد ست أهل بيت علوان البعلبكية بدمشق مكثرة عن البهاء عبد الرحمن صالحة خيرة‏.‏

وفيها توفي مفيد الطلبة نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن الخباز‏.‏

وفيها توفي المفتي شيخ دار الحديث وخطيب البلد زين الدين عبد الله بن مروان الفارقي روى عن السخاوي وكريمة وابن رواحة وابن خليل‏.‏

 سنة أربع وسبع مائة

فيها تكلم ابن النقيب وغيره في فتاوى لابن العطار فيها تخبيط وسموا إلى القضاة فحار ابن العطار وأرعب وبادر إلى الحاكم ابن الحريري فأسلم بدعوى صورت فحقن دمه ثم ندم ولامه أصحابه وبلغ النائب فغضب من الفتن واعتقل ابن النقيب أربع ليالٍ فأنكروا‏.‏

وفيها توفي المحدث المشهور ومفيد دمشق أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس الموصلي ثم وفيها مات بالمدينة الشريفة النبوية صاحبها حمار بن سبخة الحسيني‏.‏

وفيها توفي الضياء عيسى بن أبي محمد شيخ المغارة‏.‏

وفيها توفي المعمر ركن الدين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم الطاووسي كبير الصوفية بدمشق‏.‏

وفيها توفي شيخ البطائحة تاج الدين ابن الرفاعي بقرية أم عبيدة عن سن كبيرة وشهرة كثيرة‏.‏وفيها توفي الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف الإربلي ثم الدمشقي كبير الراهبين‏.‏وفيها توفي بالإسكندرية شيخها الإمام المحدث تاج الدين علي بن أحمد الحسيني العراقي‏.‏

وفيه توفي بمصر عالمها المعلم العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري المصري الشافعي المفسر‏.‏

 سنة خمس وسبع مائة

فيها وقعت فتنة شيخ الحنابلة ابن تيمية وسؤالهم عن عقيدته وعقدوا له ثلاث مجالس وقرنت عقيدته الملقبة بالواسطية وضايقوه وثارت غوغاء الفقهاء له وعليه ثم إنه طلب على البريد إلى مصر وأقيمت عليه دعوى عند قاضي المالكية فاستخصمه ابن تيمية المذكور وقاموا فسجن هو وأخوه بضعة عشر يوماً ثم أخرج ثم حبس بحبس الحاكم ثم أبعد إلى الإسكندرية فلما تمكن السلطان سنة تسع طلبه فاحترمه وصالح بينه وبين الحاكم وكان الذي ادعى به عليه بمصر أنه يقول‏:‏ إن الرحمن على العرش استوى حقيقة يتكلم بحرف وصوت ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه‏.‏

وفيها جاء تقليد بالخطابة للشيخ برهان الدين بعد عمه وباشر وخطب ثم ترك واختار بقاءه بالنادرية بعد أن صلى خمسة أيام‏.‏وفيها مات بحلب قاضيها وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي وهو الذي عزل بزين الدين ابن قاضي الخليل من الحكم وكان مشهورا بدري المذهب‏.‏

وفيها مات بمصر المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب‏.‏

وفيها مات بالإسكندرية الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الصواف الجذامي المالكي عن ست وتسعين سنة سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة يروي عن ابن العماد والصفراوي وتلا عليه بالسبع‏.‏

وفيها توفي بدمشق خطيبها الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سماع الفزاري الشافعي شهده ملك الأمراء والأعيان تلا بالسبع وأحكم العربية وقرأ الحديث وكان فصيحاً عديم اللحن طيب الصوت روى عن السخاوي والعز النسابة والتاج القرطبي وأقرأ زماناً مع الكيس والتواضع والتصوف‏.‏

وفيها مات حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي سمع من ابن المقير وابن رواحة وإبراهيم بن الخير وابن مختار وغيرهم ممن في طبقتهم وصنف التصانيف المهذبة قيل‏:‏ ولم يخلف في معناه مثله - رحمه الله تعالى -‏.‏

وفيها توفيت المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الأشعري بمصر عن بضع وثمانين

سنة سمعت ابن الزبيدى والشيخين أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج وجماعة وتفردت بأشياء‏.‏

وفيها توفي صاحب بلاد المغرب أبو يعقوب يوسف ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني

 سنه ست وسبع مائة

فيها قدم عن الشرق براق العجمي في جمع نحو المائة وفي رؤوسهم قرون لتأييده ولحاهم دون الشوارب محلقة وعليهم أجراس فدخلوا في هيئة محزون بشهامة فنزلوا بالمتسع ثم زاروا القدس وشيخهم من أبناء الأربعين فيه إقدام وقوة نفس وصولة فما مكنوا من المضي إلى وفيها توفى الإمام العلامة ضياء الدين أبو محمد عبد العزيز بن محمد الطوسي شارح الحاوي الصغير والمختصر في الأصول وكان عالماً فاضلاً‏.‏

درس وأعاد في عدة مدارس في دمشق ومات بها - رحمه الله تعالى -‏.‏

وفيها مات ببغداد الإمام العلامة المتفنن نصير الدين عبد الله بن عمر الفاروقي الشيرازي الشافعي مدرس المستنصرية‏.‏

قدم دمشق وظهرت فضائله في العقليات‏.‏

 سنة سبع وسبع مائة

قال الذهبي فيها عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم ابن خلكان من العبارات القبيحة ودعا ومبيحة الدم وادعاء نبوة فاختلف فيه الأمراء ومال إلى الرفق به الشيخ برهان الدين فتاب‏.‏

وفيها مات بمكة في آخر العام الشيخ الكبير محمد بن أحمد بن أبي بكر الحراني القزاز وكان كثير التلاوة شهير الزهادة وروى عن عبد الله ابن التجار وجماعة وتفرد بالرواية قال الذهبي‏:‏ وكتبنا عنه‏.‏

وفيها مات بمصر رئيسها الصاحب تاج الدين محمد ابن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد بن حنا حدث عن سبط السلفي وكان محتشماً وسيماً شاعراً متمولاً من رجال الكمال‏.‏

وفيها مات بمكة شيخها الإمام القدوة الكبير العارف بالله الشهير ذو المقامات العلية والكرامات السنية والأحوال الخارقة والأنوار البارقة والأنفاش الصادقة أبو عبد الله محمد بن حجاج بن إبراهيم الحضري الإشبيلي المعروف بابن المطرف الأندلسي في رمضان عن نيف وتسعين سنة وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعاً وحمل نعشه صاحب مكة حميضة‏.‏

قلت‏:‏ ومن كراماته العظيمة ما أخبرني به بعض أصحاب الشيخ الكبير أبي محمد اليشكري المغربي الذي لما مات قال الشيخ الكبير نجم الدين الأصبهاني‏:‏ مات الفقير من الحجاز أنه لما عزم الشيخ أبو محمد المذكور على السفر من مكة لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى الشيخ أبي عبد الله ابن مطرف المذكور مودعاً فقيل له‏:‏ عزمت قال‏:‏ نعم قال‏:‏ بلغني أن لفقير ما فيه ماء وستلقون شدة ثم تغاثون قال الراوي فسافرت مع رابع أربعة فلما بلغنا الفقير وجدناه كما ذكر يعني فقيراً من الماء‏.‏وذكر أنهم قدموا إلى طرف البرامين واشتد عليهم الحر ولم يكن معهم من الماء إلا شيء يسير فذهب أحدهم ليشرب فقال له الشيخ أبو محمد‏:‏ إن شربته مت ولكن بل حلقك

قال‏:‏ ثم قاسينا شدة من شدة الحر وشدة العطش ولم نجد ظلاً نستظل له فقال له الشيخ أبو محمد‏:‏ ما قال لكم الشيخ أبو عبد الله ابن مطرف قلنا‏:‏ قال‏:‏ ستلقون شدة فقال‏:‏ وهل شدة أشد مما نحن فيه ثم قال وما كان آخر كلامه‏.‏

قلنا‏:‏ قال‏:‏ ثم تغاثون فقال‏:‏ أبشروا بالغوث وإذا بسحابة بدت لنا من بعض الآفاق ولم تزل ترتفع حتى استوت فوق رؤوسنا ثم صبت علينا حتى سال ما حولنا فشربنا ثم توضأنا واغتسلنا واستقينا ثم مشينا خطوات فلم نجد للمطر شيئاً من الأثر قلت‏:‏ وهذه الآية من أعظم العبر هذا معنى ما ذكر وإن لم يكن لفظه بعينه هذا المتسطر‏.‏

وفي السنة المذكورة مات ببغداد مسندها الإمام رشيد الدين محمد بن أبي القاسم المقرئ شيخ المستنصرية روى عن جماعة وتفرد وشارك في الفضائل واشتهر‏.‏وفيها مات بتبريز عالمها شمس الدين عبد الكافي العبيدي شيخ الشافعية وقد أحسن وخلف كتباً تساوي ستين ألفاً‏.‏

وفيها توفي بدمشق مسندها شهاب الدين محمد بن عبد العزيز بن مشرف بن بيان الأنصاري شيخ الزاوية بالدار الأشرفية عن ثمان وثمانين سنة حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن سنة ثمان وسبع مائة فيها أطلقت حماة لنائبها فيحق فسار السلطان إلى الكرك ليحج فدخلها وبعث نائبها جمال الدين إلى مصر وزهد في ملكه لحجر عليها فيها ولوح بعزل نفسه بيبرس الجاشنكير وتسلطن ولقب بالمظفر وأقر على نيابته الملك سلار وحلف له أمر النواحي وجاء كتاب الناصر من الكرك‏.‏

أنه لم يول أحداً وقد اختار الانقطاع أو العزلة بالكرك وإن له عليهم بيعة بالطاعة وقد أمرهم بالطاعة لمن يتولى وبشرط الاتفاق وما فيه تصريح بعزل نفسه‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير القدوة عثمان الحانوني وكانمن الصعيد وطلع النائب والقضاة إلى جنازته وكان ذا كشف وتوجه وجذ برك الخبز سنين‏.‏

وفيها توفي رئيس الطب بمصر العلم ابن أبي خليفة قيل‏:‏ تركته ثلاث مائة ألف دينار‏.‏

وفيها ماتت المعمرة أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري عن قريب التسعين بدمشق لها إجازة من جماعة وسمعت المسلم المازني وكريمة وابن رواحة وكانت صالحة روت الكثير ولم تتزوج‏.‏

ومات في رجب الملك المسعود نجم الدين خضر بن الطاهر في أول الكهولة وفي فجاءة‏.‏

وفيها مات بمكة شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي عن بضع وسبعين سنة‏.‏

جاور أربعين سنة وحدث عن الشرف المرسي توفي بناحية اليمن ‏"‏ بالمهجم ‏"‏‏.‏وفيها توفي الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة الطائي‏.‏

وفيها توفي بدمشق مسند الشام أبو جعفر محمد بن علي السلمي العباسي الدمشقي كان متزهداً حج مراراً وجاور تفرد عن أبي القاسم بن صصري والبهاء عبد الرحمن ورحل إليه توفي عن أربع وتسعين سنة‏.‏

وفيها ماتت بحماة الجليلة أم عمر خديجة بنت عمر بن أحمد في عشر التسعين

روت عن الركن إبراهيم الحنفي‏.‏

وفيها مات بغرناطة عالمها الحافظ المقرئ النحوي ذو العلوم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي‏.‏

 سنة تسع وسبع مائة

فيها بعث بابن تيمية مع مقدم الإسكندرية فاعتقل ببرج ومن أراد دخل عليه وأبطلت الخمور والفواحش من السواحل‏.‏

وفي وسط السنة سار أمراء وهموا بقتل السلطان المظفر بيبرس فتجوز فساقوا على حمينة إلى العريش ثم دخلوا الكرك وحركوا همة السلطان وكان رأسهم ثقبة المنصوري وهم فوق المائة فسار السلطان قاصداً دمشق وأرسل الأفرام فتوقف وقال‏:‏ كيف هذا وقد حلفنا للمظفر ثم خذل وفر إلى السقيفة ثم دخل السلطان إلى قصر الميدان فأتاه مسرعاً نائب حلب قراسنقر ونائب حماة فيحق ونائب الساحل استعدو والتقت إليه جميع عسكر الشام ثم سار بهم بعد أيام في أهبه عظيمة نحو مصر فبرز المظفر في جيوشه فحام عليه جماعة من الأمراء فخارت قوته فانهزم نحو المغرب ودخل السلطان إلى مقر ملكه يوم الفطر بلا ضربة ولا طعنة ثم أمسك عدة أمراء عتاة وخذل المظفر فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه ثم خنقه وأباد جماعة من رؤوس الشر وتمكن وهرب نائبه سلار نحو تبوك ثم خدع فجاء برجله إلى أجله فأميت جوعاً وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف من الجواهر والعين والملابس والزركش والخيل المسومة ما قيمته أزيد من ثلاثة آلاف ألف دينار قل‏:‏ اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنتزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء‏.‏

بيدك الخير إنك على كل شيء قدير وأظهر خربنده بمملكته الرفض وغير الخطبة وشمخت الشيعة وجرت فتن كبار‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الخبير إمام الفريقين وموضح الطريقين ودليل الطريقة ولسان الحقيقة ركن الشريعة المظفرة الرفيعة تاج الدين بن عطاء الله الشاذلي الإسكندري صاحب أبي العباس المرسي‏.‏

كان فقيهاً عالماً ينكر على الصوفية ثم جذبته العناية إلى إتباع طريقتهم الرضية فصحب شيخ الشيوخ أبا العباس المرسي وانتفع به وفتح له على يديه بعد أن كان من المنكرين عليه وسيرته معه وما جرى له هجراً ووصلاً وقولاً وفعلاً مذكورة في كتابه الموسوم بالطائف المنن في مناقب أبي العباس المرسي وشيخه أبي الحسن الشاذلي‏.‏وله عدة تصانيف مشتملة على أسرار ومعارف وحكم ولطائف نثراً ونظماً كلها في غاية من الجودة ومن نظمه‏:‏ وكنت قديماً أطلب الوصل منهم فلما أتاني الحلم وارتفع الجهل تبينت أن العبد لا طلب له فإن قربوا فضل وإن بعدوا عدل وإن أظهروا لم يظهروا غير وصفهم وإن ستروا فالستر من أجلهم يحلو وله في شيخة أبي العباس عدة قصائد وما أحسن قوله في بعضها‏:‏ فكم قلوب قد أميتت بالهوى أحيى بها من بعدما أحياها وكان شيخه المذكور يكثر من استنشاده هذا البيت مرة بعد أخرى ومن أراد الاطلاع على فضائله وفضائل شيخه وشيخ شيخه وما لهم من المناقب فليطالع كتبه واشتملت عليه من المواهب‏.‏

وقد اقتصرت من ترجمته على هذه الألفاظ تاركاً عن بحره الذاخر الذي لا يخاض ولم أقتصر على قول الذهبي في ترجمته الخافض من رفيع مرتبته‏.‏

أعني قوله‏:‏ وفيها مات بمصر الشيخ العارف المذكور تاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندرني صاحب أبي العباس المرسي‏.‏

انتهى كلامه‏.‏وقد قدمت في ترجمة أبي الحسن الشاذلي ما فيه كفاية من التنويه بمرتبته العلية والرد على من غض من جلالة قدره من الطائفة الحشوية لسوء اعتقادهم بمشائخ الصوفية‏.‏

وفي السنة المذكورة‏.‏

مات بمكة مسندها المعمر الصالح أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزاسكي المجاور عن بضع وثمانين سنة‏.‏

وفيها ماتت بحلب المعمرة شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي ولدت يوم عاشوراء لها حضور وإجازة من جماعة من الشيوخ وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد وذكر الذهبي أنه ممن سمع منها‏.‏وفيها مات بدمشق المقرئ المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة المخرمي‏.‏

دخلت وسلطان الوقت الملك الناصر محمد ونائبه يكتمر أمير جندار والوزير فخر الدين عمر الخليلي وناب بدمشق قراسنقر‏.‏

وفيها عزل ابن جماعة من القضاء نيابة جمال الدين الزرعي لكونه امتنع يوم عقد المجلس لسلطنة المظفر قراها له السلطان ثم بعد عام أعيد ابن جماعة إلى المنصب ثم جاء كتاب بعزل ابن الوكيل‏.‏وولي بدمشق الشهاب الكاشغري الشريف وفي نيسان نزل مطر أحمر وماتت ببغداد ست الملوك فاطمة بنت علي بن علي‏.‏وفيها توفي قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم السروجي الحنفي وعزل وطلب من دمشق ابن الحريري فولي مكانه وتوفي السروجي بعده بأيام في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة‏.‏

صنف التصانيف واشتهر وهلك جوعاً كما استفاض نائب الممالك سيف الدين سلار المغلي وقد بلغ من الجاه والعز والمال ما لا مزيد عليه تمكن أحد عشر سنة وكان من اقطاعه نحواً من أربعين طبلخاناة وكان عاقلاً ذا هيبة قليل الظلم‏.‏

وفيها مات بحماه الأمير الكبير سيف الدين قجق المنصوري أحد الشجعان الأبطال وكان ومات في رمضان المسند العالم كمال الدين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي ابن النحاس الحنفي عن بضع وسبعين سنة أو ثمان سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة‏.‏

وفيها مات بتبريز عالم العجم العلامة قطب الدين محمد بن مسعود بن مصلح الشيرازي عن ست وسبعين سنة وله تصانيف وتلامذة وذكاء باهر ومزاح ظاهر‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة حامل لواء الشافعية في عصره نجم الدين أحمد بن محمد المعروف بابن الرفعة أحد الأئمة الجلة علماً وفقهاً ورياسة شرح التنبيه شرحاً حفيلاً لم يسبق على التنبيه نظيره جاء فيه بالغرائب المفيدة لكل طالب بل لكل عالم في فهم ثاقب وكذلك شرح الوسيط وأودعه علوماً جمة ونقلاً كثيراً ومناقشات حسنة بديعة وهو شرح بسيط جداً ولم يكمل‏.‏سمع الحديث من غير واحد وحدث بشيء يسير من تصنيفه في أمر الكنائس وتخريبها وولي حسبة الديار المصرية ودرس بالمغربية بها وكان مولده في سنة خمس وأربعين وست مائة وكان في عرف بعض الفقهاء قد وقع الاصطلاح على تلقيبه بالفقيه حتى صار علماً عليه إذا أشير إليه قلت‏:‏ وكذلك صار هذا اللفظ في بعض بلاد اليمن علماً على شمس الدين والفقيه الكبير الولي الشهير أحمد بن موسى المعروف بابن عجيل‏.‏

وفيها توفي العالم المتفنن الشيخ علي بن أسمح اليعقوبي كان له عدة محفوظات منها مصابيح البغوي والمفصل والمقامات وركب البغلة ثم تزهد وهاجر إلى دمشق وائتذر بدلق وميزر صغير أسود وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة القاضي بدر الدين المعروف بابن رزين عبد اللطيف بن محمد الحموي ثم المصري الشافعي ابن شيخ الشافعية‏.‏

قاضي القضاة تقي الدين كان إماماً متقناً عارفاً بالمذهب درس وأفتى وأعاد لأبيه وولي قضاء العسكر ودرس بالظاهرية وغيرها وخطب بجامع الأزهر وحدث عن جماعة‏.‏

 سنة إحدى عشرة وسبع مائة

فيها عزل عن دمشق نائبها قراسنقر المنصوري وأعيد إلى القضاء ابن جماعة وجعل الزرعي قاضي العسكر‏.‏

وفيها مات في الثغر الإمام الناظم الزاهد العابد أبو حفص عمر بن عبد البصير السهمي القرشي عن ست وتسعين سنة حدث بدمشق عن ابن المقير وابن الحميري وحج مرات‏.‏

وفيها مات بدمشق المسند الفاضل فخر الدين بن إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمنا أحمد ابن عساكر وحدث عن جماعة وتبعه الكبراء وشيوخه نحو التسعين وكان مكثراً وفيه خفة مع تدين وفيها ماتت الصالحة المسندة أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات وسمعت صحيح مسلم من غيره وكانت صالحة متعبدة‏.‏وفيها توفي الإمام القدوة الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الدماهي الصوفي الحنبلي وكان ذا تأله وصدق وعلم‏.‏

وفيها توفي الإمام العارف القدوة عماد الدين أحمد ابن شيخ الحرامية إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي صاحب التواليف في التصوف عن أربع وخمسين سنة وكان من سادات السالكين وله مشاركة في العلوم وعبارة عذبة ونظم جيد‏.‏

وفيها توفي الشيخ القدوة العارف بالبركة شعبان بن أبي بكر الإربلي شيخ مقصورة الحلبيين عن سبع وثمانين سنة وكانت جنازته مشهودة وكان خيراً متواضعاً وافر الحرمة‏.‏

وفيها توفي القاضي المنشئ جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري الرويفعي يروي عن مرتضى وابن المقير ويوسف بن المحبلي وابن الطفيل‏.‏

وحدث بدمشق واختصر تاريخ ابن عساكر وله نظم ونثر قيل‏:‏ وفيه شائبة تشيع‏.‏

وفيها توفي العلامة شيخ الأدباء رشيد الدين رشيد بني كامل الرقي الشافعي درس وأفتى وفيها توفي قاضي الحنابلة بمصر سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي حدث وكتب وصنف ودرس وكان ديناً هيناً وافر الجلالة فصيحاً ذكياً‏.‏حكم سنين وكان من أئمة الحديث ومفتياً‏.‏

وفيها خر من فوق المنبر يوم الجمعة في هذه الحدود خطيب غرناطة العلامة محمد عبد الله بن أبي حمزة المرسي ومات فجاءة عن نيف وثمانين سنة - رحمه تعالى -‏.‏

 سنة اثنتي عشرة وسبع مائة

فيها قطع خير الأمير مهنا لكونه ساق إليه جماعة من النواب والأمراء فأجارهم ومسك خلائق من الأمراء وحبسوا وحدث أحداث كثيرة من عزل وتولية‏.‏

وفيها حج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون قلت‏:‏ ورأيته يطوف بالكعبة وعليه ثياب أحرام من صوف وهو يعرج في مشيته وحوله جماعة من الأمراء وبأيدي كثير منهم الطير من أمامه ومن خلفه وجوانبه فلما فرغ من طوافه ركع خلف المقام ثم دخل الحجر فصلى فيه ثم جاءه قاضي مكة نجم الدين الطبري ثم جاءه شيخنا إمام الصلاة والحديث فيها رضي الدين إبراهيم بن محمد الطبري الشافعي ولا أدري هل أتيا إليه باستدعاء منه أم بغير استدعاء وكان دخوله مكة بعد دخول الركب المصري‏.‏

ساق في أيام يسيرة وحج وانصرف راجعاً قبل الركب‏.‏

وفي تلك السنة كان أول حجي عقب بلوغي ثم رجعت إلى اليمن وعدت إلى مكة سنة ثمان عشرة ثم أقمت بها وسمعت الحديث وازددت من الاشتغال بأنواع من العلوم على جماعة من العلماء وتأهلت فأولدت من بنات أكابر الحرمين وأئمتهم وقضاتهم‏.‏

وفي السنة المذكورة مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الحنبلي كفا ذكره الذهبي ومدحه قال‏:‏ وكان قليل المثل خيراً منوراً أماراً بالمعروف نهاء عن الفكر وذكر أنه حدث عن جماعة سماهم‏.‏

وفيها توفي صاحب ماردين المنصور نجم الدين غازي ابن المظفر‏.‏

وفيها توفي الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الناصر داود بن المعظم ابن العادل حدث عن الصبر البكري وخطيب برداً وكان عاقلاً ديناً‏.‏

وفيها توفيت ست الأجناس بنت عبد الوهاب بن عتيق المصرية عن اثنتين وثمانين سنة روت عن جماعة وتفردت بأشياء‏.‏

وفيها وصل السلطان إلى دمشق من الحج حادي عشر المحرم لابساً عباءة وعمامة مدورة وصلى جمعتين بالمقصورة‏.‏

وفي ربيع الآخر منها مات بمكة المحدث الحافظ فخر الدين أبو عمرو عثمان بن محمد بن محمد بن عثمان التوزري المجاور سمع السبط وابن الحميري وعدة وقرأ ما لا يوصف كثرة وكان قد تلا بالسبع قلت‏:‏ ورأيته في السنة التي قبلها يحدث في المسجد الحرام وحضرت في بعض مجالسه وسمعت شيئاً من الأحاديث المقروءة عليه‏.‏

 سنة أربع عشرة وسبع مائة

فيها توفي بمصر العلامة المعمر شيخ الحنفية رشيد الدين إسماعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي عن إحدى وسبعين سنة وسمع من ابن الزبيدي والسخاوي وجماعة وتفرد وتلا بالسبع على السخاوي وأفتى ودرس ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبع مائة ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين قبل موته بسنة أو أكثر‏.‏

قال الذهبي‏:‏ ومات بدمشق الشيخ سليمان التركماني المولد وكان يجلس بسقاية باب البريد وعليه عباءة نجسة ووسخ ونتن وهو ساكت قليل الحديث له كشف وحال من نوع أخبار الكهنة هكذا قال الذهبي على عادته في اعتقاده في الفقراء المجربين قال‏:‏ وللناس فيه اعتقاد زائد وكان شيخنا إبراهيم مع جلالته يخضع له ويجلس عنده قلت‏:‏ يكفي في مدحه ما ذكره عن شيخه المذكور وذكر أنه كان يأكل في رمضان ولا يصلي‏.‏

قلت‏:‏ ومثل هذا قد شوهد من كثير من المجربين ومن الجائز أنهم يصلون في أوقات لا يشاهدون فيها وأنه لا يدخل إلى بطونهم ولا إلى حلوقهم ما يرى الناس إنهم يأكلونه بل يمضغون ذلك تجريباً وتستراً أو غير ذلك من الأحوال المحتملة لفعل الصلاة في وقتها وترك الأكل في رمضان فللقوم أحوال يحتجبون بها‏.‏

وقد ذكرت في كتاب روض الرياحين وغيره ما يؤيد هذا عن قضيب البان والشيخ ريحان وغيرهما من المجربين أولى الاصطفاء والعرفان‏.‏

وفيها ماتت العاملة الفقيهة الزاهدة القانتة سيدة نساء زمانها الواعظة أم زينب فاطمة بنت عياش البغدادية الشيخة في ذي الحجة بمصر‏.‏

عن نيف وثمانين سنة وشيعها خلائق انتفع بها خلق من النساء وكانت وافرة العلم فائقة قانعة باليسير حريصة على النفع والتذكير ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف انصلح بها نساء دمشق ثم نساء مصر وكان لها قبول زائد ووقع في النفوس‏.‏قال الذهبي‏:‏ زرتها مرة‏.‏

وفيها مات بالثغر جمال الدين العدل بن عطية اللخمي المتفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوي بضم الفاء وتشديد الواو من أبناء الثمانين قلت‏:‏ يعني أنه تفرد برواية المذكورة عن الشيخ المذكور‏.‏