فصل: سنة ثلاث وعشرين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 السنة الرابعة عشرة

فتحت فيها دمشق

في رجب صلحاً من أبي عبيدة وعنوة من خالد ثم أمضيت صلحاً بعد أن حوصرت حصاراً طويلاً وعزل عمر خالداً وجعل الأمر كله إلى أبي عبيدة بن الجراح وخيف من فتنة تحدث من عزل خالد إذا بلغه الخبر فلما بلغه ذلك قال‏:‏ والله لو ولي علي عمر امرأة لسمعت وأطعت فاستصوب ذلك منه واستحسن وكان قد نفذه أبو بكر إلى العراق أميراً مقدماً لإقدامه وشجاعته وعزله عمر لأنه كان يرد المهالك ويغدر بالمسلمين ولأنه نازع أبا عبيدة وكان أميراً في الشام على المسلمين وكان عمر يحب أبا عبيدة حباً شديداً وكان يحفظ الغنائم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم واصفاً له أمين هذه الأمة‏.‏

مع كون عمر قد أشار على أبي بكر رضي الله عنهما‏:‏ بتقديم خالد في حرب بني حنيفة وإنما عزله بعد ذلك لرجحان مصلحة ظهرت له في أبي وفي السنة المذكورة كانت وقعة جسر أبي عبيد واستشهد يومئذ طائفة منهم أبو عبيد بن مسعود الثقفي هو والد المختار الكذاب وكان من أجلة الصحابة وهذه الوقعة في مكان على مرحلتين من الكوفة‏.‏

وعن الشعبي قال‏:‏ قتل أبو عبيد في ثمان مائة من المسلمين‏.‏

وفيها مصر البصرة عتبة بن غزوان وأمر ببناء مسجدها الأعظم‏.‏

وفيها فتحت بعلبك وحمص صلحاً‏.‏

وهرب هرقل عظيم الروم إلى القسطنطينية‏.‏

 السنة الخامسة عشرة

فيها وقعة اليرموك كان المسلمون ثلاثين ألفاً والروم أزيد من مائة ألف قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في سلسلة لئلا يفروا فداستهم الخيل‏.‏

وقيل كان المسلمون أربعين أو خمسين ألفاً والروم ألف ألف مع أربعة من ملوكهم والرماة منهم مائة ألف وجبلة بن الأيهم ملك غسان معهم بعدما ارتد هو وقومه من العرب لحقوا بهم فصدروهم لقتال المسلمين وقالوا أنتم تلتقون بني عمكم من العرب فإن كفيتموناهم وإلا لقيناهم نحن فتقدموا نحو المسلمين وهم ستون ألفاً فبرز لهم من المسلمين ستون رجلاً انتقاهم خالد من قبائل العرب فقاتلوهم يوماً كاملاً ثم نصر الله ستين من المسلمين فهزموهم وهرب جبلة وقتلوهم حتى لم ينج منهم إلا القليل ثم التقى المسلمون مع الروم مرة بعد أخرى حتى أبادوهم بالقتل وهرب البقية من تحت الليل‏.‏

واستشهد في اليرموك طائفة من المسلمين منهم عكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة المخزوميان وكان عكرمة قد حسن إسلامه وقوي إيمانه حتى كان إذا نظر في المصحف يبكي‏.‏

وعبد الرحمن بن العوام أخو الزبير وعامر بن أبي وقاص أخو سعد فظهرت هناك نجدة جماعة من الصحابة منهم الزبير والفضل بن عباس وخالد بن الوليد في آخرين وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

وفي شوال وقعة القادسية بالعراق وقيل كانت في سنة ست عشرة وأمير المؤمنين يومئذ سعد بن أبي وقاص ورأس المجوس رستم ومعه الجالينوس وذو الحاجب وكان المسلمون نحواً من سبعة آلاف والمجوس ستين وقيل أربعين ألفاً وكان معهم سبعون فيلاً فحصرهم المسلمون في المدائن وقتلوا رؤوسهم الثلاثة المذكورين وغيرهم‏.‏

وممن استشهد عمرو ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن المذكور في قوله تعالى ‏"‏ أن جاءه الأعمى ‏"‏‏.‏

وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ‏"‏ وأبو زيد الأنصاري واسمه سعد بن عبيد‏.‏

وفيها افتتحت الأردن عنوة إلا طبرية فإنها افتتحت صلحاً‏.‏

وفيها توفي سعد بن عبادة سيد الخزرج بحوران في جش فمات لوقته‏.‏

فيقال إن الجن أصابته وأنه سمع قائلاً في بعض آبار المدينة يقول‏:‏ قلت قوله نحن من الخرم المعروف في علم العروض بالخاء المعجمة وهو ما يزاد في أول البيت زائداً على وزنه وأكثر ما يكون أربعة أحرف‏.‏

 السنة السادسة عشرة

فيها افتتحت حلب وانطاكية صلحاً وفيها مصر سعد بن أبي وقاص الكوفة وأنشأها وفيها نزل عمر رضي الله عنه على بيت المقدس وكان المسلمون قد حاصروا تلك المدينة المباركة وطال حصارهم فقال لهم أهلها‏:‏ لا تتعبوا فلن يفتحها إلا رجل نحن نعرفه له علامة عندنا فإن كان إمامكم به تلك العلامة سلمناها له من غير قتال فأرسل المسلمون إلى عمر يخبرونه بذلك فركب رضي الله تعالى عنه راحلته وتوجه إلى بيت المقدس وكان معه غلام له يعاقبه في الركوب نوبة بنوبة وقد تزود شعيرأ وتمراً وزيتاً وعليه مرقعة لم يزل يطوي القفار الليل والنهار إلى أن قرب من بيت المقدس فتلقاه المسلمون وقالوا له‏:‏ ما ينبغي أن يرى المشركون أمير المؤمنين في هذه الهيئة ولم يزالوا به حتى ألبسوه لباساً غيرها وأركبوه فرساً فلما ركب وهسل به الفرس داخله شيء من العجب فنزل عن الفرس ونزع اللباس ولبس المرقعة وقال أقيلوني ثم سار في هذه الهيئة إلى أن وصل فلما رآه المشركون من أهل الكتاب كبروا وقالوا‏:‏ هذا هو وفتحوا له وفيها توفيت مارية القبطية أم ابناهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

اهداها له المقوقس ملك الاسكندرية ومصر‏.‏

 السنة السابعة عشرة

فيها استسقى عمر بالعباس رضي الله عنهما وقال ما معناه‏:‏ اللهم أنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك اليوم بعم نبينا فاسقنا‏.‏

فسقوا ثم خرج عمر فيها إلى جهة الشام ورجع لما سمع بالطاعون بعد ان اختلف المسلمون في ذلك فأشار عليه بعضهم بالقدوم وأشار بعضهم بالرجوع فلما عزم على الرجوع قال له أبو عبيدة‏:‏ افراراً من قدر الله تعالى فقال‏:‏ لو غيرك قالها يا أبا عبيدة‏.‏

نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله‏.‏

ثم ضرب له مثلاً في ذلك معناه أن موضع الخصب يرعى وفي يرغب وموضع الجدب لا يقرب ثم جاء عبد الرحمن بن عوف روى لهم حديثاً موافقاً لرأي عمر معناه أنه لما سمع بالوباء بأرض لا يقدم عليه وإذا وقع بأرض هو فيها لا يخرج منها ففرح عمر بذلك وحمد الله تعالى إذ وافق رأيه الحديث المذكور وهذا كله معنى الحديث الصحيح الوارد في ذلك‏.‏

وفي السنة المذكورة زاد عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيها افتتح أمير البصرة أبو موسى الأشعري الأهواز وفيها كانت وقعة جلولاء وقتل فيها من المشركين مقتلة عظيمة وبلغت الغنائم فيها ثمانية عشر ألف ألف وقيل ثلاثين ألف ألف وفيها تزوج عمر رضي الله عنه بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهما‏.‏

 السنة الثامنة عشرة

فيها طاعون عمواس بالعين والسين المهملتين وفتح الأحرف الثلاثة الأولى في ناحية الأردن فاستشهد فيها أبو عنيدة بن الجراح القرشي الفهري أمين هذه الأمة وأمير أمراء الشام وهو ممن شهد بدراً وما بعدها من المشاهد وهو الذي انتزع من وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلقتي الدرع والمراد به المغفر ومن مناقبه العظيمة‏:‏ قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن لكل أمة أميناً وإن أمينك أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح ‏"‏‏.‏

حديث صحيح‏.‏

وكان من أجمل الناس وجهاً وأشجعهم قلباً شهد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض الغزوات وحجة الوداع وأردفه خلفه‏.‏

وممن استشهد فيه أيضاً الفضل بن عباس ومعاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي‏.‏

وعمره ست وقيل ثمان وثلاثون سنه وفضائله مشهوره‏.‏

ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم والله‏:‏ ‏"‏ إني لأحبك يا معاذ ‏"‏ ومنها أنه بعثه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قاضياً وقال له ‏"‏ بم تقضي ‏"‏ قال‏:‏ بكتاب الله‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فإن لم نجد ‏"‏ قال‏:‏ بسنة رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏ فإن لم نجد ‏"‏ قال‏:‏ اجتهد برأيي‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله ‏"‏ ومعلوم أنه لا يبعث صلى الله عليه وآله وسلم قاضياً إلا عالماً أميناً ويكفيك في علمه أنه بين طرق الأحكام فأجاد‏.‏

قلت فإن قيل‏:‏ ومن طرق الأحكام أيضاً الإجماع ولم يذكره معاذ فالجواب إن حكم الإجماع متعذر مع بقائه صلى الله عليه وآله وسلم ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه‏:‏ ‏"‏ وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ ‏"‏ الحديث ومنها أنه من الأربعة الذين جمعوا القرآن من الخزرج وذكر بعض المؤرخين أنه لا خلاف أنه الذي بنى مسجد الجند‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي‏.‏وأبو جندل بن سهيل‏.‏

وأبوه سهيل بن عمر والقرشي العامري كان من رؤوس قريش وخطبائها البلغاء الفصحاء موصوفاً بالحلم والعقل قام بمكة يوم مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تسكين الناس مثل ما قام أبو بكر في المدينة بعدما خاف أمير مكة عتاب بن أسيد وتعب ولعل هذا المقام الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله لعمر لعله يقوم مقاماً تحمده عليه لما قال له عمر‏:‏ دعني أكسر ثناياه حتى لا يقوم عليك خطيباً بعدها في قريش بقوله في منصرفهم من بدر بأسرى قريش وهو فيهم‏.‏قلت ومن عقله وحلمه ما ذكر أهل السير أنه قدم المدينة في جماعة من شيوخ قريش منهم أبو سفيان بن حرب‏.‏

فاستأذنوا على عمر فلم يأذن لهم واستأذن عليه أناس من فقراء المسلمين وضعفائهم فأذن لهم فقال أبو سفيان يا معشر قريش‏:‏ ما رأيت كاليوم عجباً انه ليؤذن لهؤلاء المساكين او قال الموالي فيلجون وكبار قريش في الباب تسقى في وجوههم الريح التراب ولا يلتفت إليهم فقام سهيل بن عمرو وقال‏:‏ تالله إني لأرى ما في وجوهكم من الغضب فإن كنتم ولا بد غاضبين فاغضبوا على أنفسكم فإن الله تعالى دعا هؤلاء فأسرعوا ودعاكم فأبطأ ثم والله إن الذي سبقوكم فيه من الخير خير من الذي تنافسون فيه في هذا الباب ولا أرى لأحد منكم أن يلحق بهم إلا أن يخرج إلى هذا الوجه من الجهاد لعل الله تعالى يرزقه الشهادة ثم ركب وسافر إلى الشام ليجاهد مع من فيه من المسلمين قال الحسن البصري‏:‏ بعد كلامه في هذه القضية‏:‏ لله دره ما أعقله‏!‏‏.‏

قلت ومن عقله أيضاً انه كان يقرأ القرآن على بعص الموالي بمكه ويتردد إليه فعاب عليه بعض المتكبرين من قريش فقال سهيل ما معناه‏:‏ هذا الكبر والله الذي حال بيننا وبين الخير‏.‏

ولما رآه صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية مقبلاً رسولاً من قريش قال سهل لكم أمركم م وقع الصلح على يده‏.‏

وفي السنة المذكورة مات شرحبيل ابن حسنة‏.‏

والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي كلاهما من الرؤوس الجلة وقيل إن الحارث المذكور استشهد في اليرموك وهو أخو أبي جهل بن هشام وفيها

 السنة التاسعة عشرة

فيها فتحت تكريت وقيساريه وتوفي أبو المنذر أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي سيد القراء رضي الله عنه على اختلاف في زمان موته في أي سنة هو وسيأتي ذكره بعد‏.‏

ويزيد بن أبي سفيان على الخلاف المتقدم‏.‏

 سنة عشرين

فيها افتتح عمرو بن العاص بعض ديار مصر وتوفي بلال بن حمامة الحبشي مؤذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بداريا من بلاد الشام وفضائله مشهورة‏:‏ منها تقدمه بالإسلام وصبره على تعذيبه واذائه وجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم له تجاهه في الجنة‏.‏

ولما حضرته الوفاة كانت امرأته تقول‏:‏ واحزناه وهو يقول‏:‏ واطرباه غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه‏.‏

وفيها توفيت أم المؤمنين زينب بنت جحش القرشية الأسدية رضي الله عنها ومن فضائلها‏:‏ قوله تعالى ‏"‏ فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها ‏"‏ - الأحزاب‏:‏ 37 - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه‏:‏ ‏"‏ اسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً ‏"‏ وكانت أطولهن يدا في الصدقة والجود وفعل الخير فماتت أولهن فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة والجود وكانت سودة أطولهن يداً بالجارحة وزينب هي التي كانت تسامي عائشة في المنزلة‏.‏

وفيها توفي أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري وهو الذي قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر فأكرمهم وقال‏:‏ من أكرم اليوم منا ضيفاً‏.‏

وفيها توفي أسيد بن حضير الأنصاري وهو الذي رأى السكينة عند قراءة القرآن والذي قال‏:‏ ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر لما نزلت آية التيمم لما وقفوا في السفر على غير ماء عند فقد عائشة رضي الله عنها العقد‏.‏

وفيها توفي عياض بن غنم الفهري نائب أبي عبيدة على الشام وفيها توفي أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي وسعيد بن عامر الجمحي وهرقل ملك الروم وقيل قتل مسلماً في الباطن‏.‏

 سنة إحدى وعشرين

فيها فتح مصر وتوفي الأمير الكبير البطل الشهير ميمون النقيبة ذو الهمة النجيبة سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ابن ستين سنة على فراشه بعد ارتكابه العظائم بين القتا والصوارم في كثير من المعارك فسلمه الله من المهالك وهو من بعثه صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ الى اليمن ومناقبه مشهورة ويكفي فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ثم ‏"‏ أخذها يعني الراية سيف من سيوف الله عن غير إمرة ففتح الله على يده ‏"‏‏.‏وفيها وقعة نهاوند‏.‏

دامت المصاف فيها ثلاثة أيام ثم جاء النصرة واستشهد أمير المؤمنين النعمان بن مقرن المزني وكان من سادات الصحابة فنعاه عمر للناس على المنبر وأخذ حذيفة بن اليمان الراية من بعده ففتح الله على يده وولى عمار بن ياسر إمامة الصلاة بالكوفة لما شكا أهلها سعد بن وقاص وولى عبدالله بن مسعود بيت المال‏.‏

وفيها توفي العلاء بن الحضرمي استشهد فيها بنهاوند طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ارتد وادعى النبوة ثم أسلم وحسن إسلامه وكان يعد بألف فارس‏.‏

 سنة اثنتين وعشرين

فيها فتح آذربيجان على يد المغيرة بن شعبة ومدينة نهاوند صلحاً والدينور مع همدان عنوة على يد حذيفة وطرابلس المغرب على يد عمرو بن العاص‏.‏

وفيها افتتحت جرجان وتوفي أبي بن كعب مع خلاف تقدم فيه في التاسعة عشر‏.‏

ومن مناقبه أنه من الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلهم من الأنصار‏:‏ معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو زيد فييما رواه مسلم وروى غيره حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر بعض العلماء منهم خمسة عشر صحابياً وثبت في الصحيح قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن وكانت اليمامة قريباً من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهؤلاء ممن جمعوه وقيل فكيف بالذين جمعوه ولم يقتلوا وهذا يرد على بعض الملاحدة في ادعائه عدم تواتر القرآن‏.‏

ومن مناقب أبي أيضاً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ وأقرأكم أبي ‏"‏ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا ‏"‏ قال‏:‏ وسماني قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فبكى وفي رواية فجعل يبكي وكان بكاؤه مسروراً واستصغاراً لنفسه عن تأهله لهذه النعمة العظيمة والمنزلة الكريمة‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ ليهنك العلم أبا المننر والأربعة المذكورون الذين حفظوا القرآن من الأنصار كلهم من الخزرج ‏"‏‏.‏

وفي الأوس أربعة لهم مناقب يقابل بهم هؤلاء الأربعة وهم سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة وقتادة بن النعمان الذي رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عينه بعدما سألت وذو الشهادتين خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنهم‏.‏

 سنة ثلاث وعشرين

فيها توفي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوي رضي الله عنه شهيدأ طعنه غلام المغيوة بن شعبة في صلاة الصبح لليالي بقين من ذي الحجة‏.‏

ومن مناقبه‏:‏ قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر قالوا لعمر ‏"‏ الحديث أخرجه البخاري‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ بينما أنا نائم إذ رأيت قدحاً أوتيت به وفيه لبن فشربت منه حتى انظر إلى الري يجري في ظفري ‏"‏‏.‏

او قال في أظفاري ‏"‏ ثم ناولت عمر ‏"‏ قالوا فما أولت قال‏:‏ ‏"‏ المعلم ‏"‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

وفي رواية الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت منه فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قميص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره ‏"‏ قالوا‏:‏ فما أولته يا رسول الله قال‏:‏ ‏"‏ الدين ‏"‏‏.‏

رويناه في الصحيحين وفي رواية مسلم يجره‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إيه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك ‏"‏ رواه البخاري‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ‏"‏‏.‏

رويناه في الصحيحين واللفظ للبخاري‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد رجف بهم أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان‏:‏ ‏"‏ اثبت فما عليك إلا نبي أوصديق أو شهيد ‏"‏‏.‏

وفي حديث آخر ‏"‏ أو شهيدان ‏"‏ رواه البخاري‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ رأيت في المنام أني أنزع بدلو وبكرة على قليبة ‏"‏ وذكر أبا بكر إلى أن قال‏:‏ ‏"‏ ثم جاء عمر ‏"‏ فاستحالت غرباً فلم أرعبقرياً يفري فرية حتى روى الناس وضربوا بعطن‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في كلام السبع‏:‏ ‏"‏ فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر ‏"‏ كما تقدم‏.‏

وقول علي رضي الله عنه لما توفي عمر‏:‏ ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت أظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ‏"‏ رواه البخاري وفي الترمذي قال صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر‏:‏ ‏"‏ هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ‏"‏‏.‏

وروى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن أهل الدرجات العلى ليتراءون من تحتهم كما تراؤون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ‏"‏‏.‏

ومما جاء في فضل عمر أيضاً ما كشف له عند قوله يا سارية الجبل‏.‏

والحديث المشهور أنه سراج أهل الجنة‏.‏

وقول عمر رضي الله عنه في الحديث الصحيح‏:‏ وافقت ربي في ثلاث في مقام ابناهيم وفي الحجاب وفي أسرى بدر قلت‏:‏ وقد وافق القرآن أيضاً في ثلاث أخرى مذكورة بنصوص أخرى‏:‏ وهي عسى ربه أن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن‏.‏

وفي منع الصلاة على المنافقين وفي تحريم الخمر وبشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة وكذا بشر أبا بكر وعثمان يوم بيراريس شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى جعل الحق على لسانه وقلبه‏.‏

وروي أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لو كان نبياً بعدي لكان عمر ‏"‏‏.‏

وقال في وصف أمته صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ وأشدهم في الله عمر ‏"‏‏.‏

وكانت أيامه باهجة زاهرة وسيرته الحسناء محمودة فاخرة والعناية مؤيدة له ناضرة وتوفي وعمره ثلاث وستون سنة وقيل خمس وخمسون وخلافته عشر سنين وسبعة أشهر وخمس ليال وقيل غير ذلك ودفن مع صاحبيه في حجرة عائشة رضي الله عنها بعد أن استأذنها في حياته وأوصى أن يستأذن أيضاً بعد موته فأذنت وهو في نسبه يجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كعب بن لؤي بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعة آباء وبينه وبين عمر ثماني آباء لأنه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي‏.‏

وقد روي عن بعض السلف الأخيار وهو سليمان بن يسار رحمه الله أنه قال‏:‏ ناحت الجن على عمر رضي الله عنه‏.‏

عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق قضيت أموراً ثم غادرت بعدها بوائق في أكمامها لم تفتق أبعد قتيل بالمدينة أظلمت له الأرض يهتز العصاة بأسوق وفضائله أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر وسيرته أحسن من أن تمدح وتشهر وإلى شيء من فضائله أشرت بقولي‏:‏ وفاروقهم ما في الطغا منه بالوغا لقيصر إرعاد وكسرى وتبع ومن عجب أن الملوك تهابه ويخشاه ناء في قميص مرقع أبى عن لذيذ العيش محدث منزل وعش نداه مخصحب كل مرتع سراج جنان الخلد محمود سيرة نطوق بحق خائف متورع وقولي في أخرى‏.‏

أقام شعار الدين أعلى منارة على همة فيه وجل وشمرا له سيرة محمودة فيه هيبة ومن مهجة الشيطان يبعد مدبرا إذا قال قولاً وافق هيبة نطوق بحق ليس في ذاك امترا لسان هدى لا يخشى لومة لائم إدا لامه في الله أو فيه عيرا وقولي في أخرى‏.‏

ومظهر الدين في أعزازه عمر مذلل الكفر قد هابته كفار ولما حضرته الوفاة قيل له‏:‏ الا تستخلف قال‏:‏ لا أتحملها حياً وميتاً فروجع في ذلك فقال‏:‏ الخليفة بعدي أحد هؤلاء الستة‏.‏

وذكر عثمان وعلياً وطلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف جعل الأمر شورى بينهم فتشاوروا ثم أمضى الأمر إلى عثمان رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي قتادة بن النعمان الظفري الذي وقعت عينه يوم أحد فردها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكانها فكانت أحسن عينيه وفي ذلك يقول ابنه‏:‏ لما سأله بعض الخلفاء من بني أمية من أنت‏.‏

أنا ابن الذي سألت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد وكان قتادة المذكور بدرياً نزل في قبره عمر رضي الله عنهما‏.‏

 سنة أربع وعشرين

في أولها بويع ذو النورين عثمان رضي الله عنه بالخلافة وقد أوضحت كيفية بيعته في كتاب‏:‏ في علم الأصول وتوفي فيها سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي وكان إسلامه حسناً‏.‏

 سنة خمس وعشرين

فيها انتقض أهل الري فغزاهم أبو موسى الأشعري أهل الاسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص فقتل وسبا واستعمل عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط فجهز سليمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفاً إلى برذعة فقتل وسبا‏.‏

 سنة ست وعشرين

فتحت سابور على يد عثمان بن أبي العاص صالحهم على ثلاثة آلاف ألف درهم وزاد عثمان في المسجد الحرام‏.‏

 سنة سبع وعشرين

فيها ركب معاوية بالجيش في البحر وغزا قبرص لت هذا ذكره بعض المؤرخين قبرس بالسين دون الصاد‏.‏

وقيل كانت هذه الغزوة في سنة ثمان وعشرين وعزل عمرو بن العاص بعبيدالله بن سعد بن أبي سرح عن مصر فغزا عبيدالله إقليم إفريقية وافتتحها فأصاب كل إنسان ألف دينار وقتل ملكهم جرجير وكان في مائة ألف وبلغ سهم الفارس وفرسه ثلاثة آلاف دينار‏.‏

وفيها توفيت أم حرام بنت ملحان بقبرس كانت مع زوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنهما‏.‏

 سنة ثمان وعشرين سنة تسع وعشرين

فيها افتتح عبدالله بن عامر بن كريز بالمثناة من تحت بين الراء والزاي مدينة اصطخر عنوة بعد قتال عظيم‏.‏

وفيها عزل عثمان أبا موسى عن البصرة وعثمان بن أبي العاص عن فارس وجمع لعبدالله بن عامر وكان شهماً شجاعاً فافتتح فتحاً كبيراً بلاد فارس ثم بلاد خراسان جميعاً في سنة ثلاثين‏.‏

 سنة ثلاثين

فيها توفي حاطب بن أبي بلتعة وكان بدرياً وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ لما قال عمر‏:‏ دعني أضرب عنقه لما كتب إلى قريش بعلمهم بعزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قصد مكة بالعساكر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ ‏"‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‏"‏‏.‏

وفي حاطب المذكور نزل قوله تعالى ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ‏"‏ - الممتحنة‏:‏ 1 -‏.‏

ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ليدخلن حاطب النار‏:‏ قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدر أو الحديبية ‏"‏‏.‏

وفيها افتتح ابن عامر سجستان مع فارس وخراسان هرب ابن كسرى واعتمر ابن عامر فاستخلف الأحنف بن قيس على خراسان اجتمعوا جمعاً لم يسمع بمثله فالتقاهم الأحنف فهزمهم ولما كثرت الفتوحات في العام المذكور وأتى الخراج من كل جهة اتخذ عثمان له الخزائن وقسمه وكان يأمر للرجل بمائة ألف‏.‏