فصل: سنة تسع وخمسين وست مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ثمان وخمسين وست مائة

في ثاني صفرمنهانزل ملك التتارعلى حلب فلم يصبح عليهم الصباح إلاوحفرواعليهم خندقاً عمق قامة وعرض أربعة أذرع وبنوا حائطًا ارتفاعه خمسة أذرع ونصبواعشرين منجنيقاً وألحوابالرمي وشرعوافي نقب السور وفي تاسع صفر ركبوا الأسوار ووضعوا السيف يومهم ومن الغد فقتل أمم وأسرخلق وبقي القتل والسسبي خمسة أيام ثم نودي برفع السيف وأذن مؤذن يوم الجمعةبالجامع وأقيمت الجمعةبأناس ثم حاطوا بالقلعة فحاصروها ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق فهرب أناس ثم حملت مفاتيح الحماة إلى الطاغية المذكورة واسمه هولا وحاصرت التتار دمشق ورموا برج الطارمه بعشرين منجنيقًا فتشقق وطلب أهلها الأمان فلبوهم وسكنهااليل كنيعًا وتسلموابعلبك و قلعتها وأخذوانابلس ونواحيهابالسيف ثم ظفروا بالملك فأخذوه بالأمان وصاروابه إلى ملكهم فرعى له محبته وبقي في خدمته أشهراً ثم قطع العزلة راجعاً وترك بالشام فرقة من التتار وتأهب المصريون وشرعوا في المسير ثارت النصارىبدمشق ورفعت رؤوسها ورفعوا الصليب ومروابه وألزموا الناس القيام له حوانيتهم ووصل جيش الإسلام للملك المظفر فالتقىالجمعان علىعين جالوت غربي بيسان ونصرالله دينه الظاهر على سائرالأديان والحمدلله للطيف المنان وقتل المصاف مقدم التتار كنيعًا وطائفة من أمراء المغل ووقع بدمشق النهب والقتل النصارى وأحرقت كنيسةمريم وذلك في أواخر رمضان وعيدالمسلمون علىعظيم فلمارجع الملك المظفر بعد شهر إلى مصر أضمر شرًا لبعض أهل الدولة وآل الأمرإلى أن رماه بهادرالمغربي بسهم قضى عليه بقرب قطبة وتسلطن ركن الدين الملك الظاهر وكان قد ساق وراءالتتار إلى حلب وطمع في أخذ حلب وقال‏:‏ وقدوعده بهاملك المظفرفلمارجع أضمرله الشر وخلف الأمراءبدمشق لنائبهاعلم الدين الحلبي ولقب الملك المجاهد وخطب له بدمشق مع الملك الظاهر وفي آخر السنة كرت التتار على وفيها توفي قاضي القضاة صدرالدين أحمد بن يحيى بن هبة الله الدمشقي الثافعي والملك المعظم ابن السلطان الكبير صلاح الدين والملك السعيد حسن بن عبد العزيز وعثمان ابن العادل صاحب صينيةوبانياس تملك بعد أخيه الملك الظاهر فأخذ الصينية منه الملك الصالح وأعطاه أمرة مصر فلما قتل المعظم بن الصالح ساق إلى غزة وأخذ ما فيها وأتى الصينية فتملكها وكان بطلاً شجاعًا قاتل يوم عين جالوت فلما انهزمت التتار جاء إليه الملك المظفر فضرب عنقه والملك المظفر سيف الدين قطر‏.‏

بالقاف والطاء المهملة والزاي فالمربى كان بطلاً شجاعًا دينًا مجا هدًا انكسرت التتارعلى يده واستعاد منهم الشام وكان أتابك الملك المنصور على ولد أستاذه فلمارآه لا يغني شيئًاعزله وقام في السلطنة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الفقيه الإمام الحافظ محمد بن أحمد الجويني لبس الخرقة من الشيخ عبدالله البطائحي عن الشيخ عبد القادر ورثاه الشيخ عبدالله الجويني وكان عالمًا زاهدًا خاشعاً قانتًا عظيم الهيبة مليح الصورة حسن السمت والوقار‏.‏

وفيها توفي الحافظ العلامة أبوعبدالله محمد بن عبدالله القضاعي الكاتب الأديب أحد أئمة الحديث قرأ القراءات واطلع على الأثر وبرع في البلاغة والنظم والنثر وكان ذا جلالة ورياسة‏.‏

قتله صاحب تونس ظلمًا‏.‏وفيها توفي الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر غازي ابن الملك العادل كان عالماً فاضلاً شجاعًا عادلاً محسنًا إلى الرعية ذا عبادة وورع لم يكن في بيته من يضاهيه حاصرته التتار عشرين شهرًاحتى فني أهل البلد بالوباء والقحط ثم دخلواوأسروه فضرب ملكهم عنقه وطيف برأسه ثم علق على باب الفراديس بعد أخذ حلب ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب‏.‏

وفيها توفي ابن قوام الشيخ الكبير أبو بكر ابن قوام البالسي كان زاهداًعابداً قدوة صاحب حال وكشف وكرامات وله رواية‏.‏

 سنة تسع وخمسين وست مائة

في أولها اجتمع خلق من التتار فأغاروا على حلب ثم ساقوا إلى حمص لما بلغهم مصرع الملك المظفر فصادفوا على حمص الأشرف صاحب حمص والمنصورصاحب حماة وحسام الدين في ألف وأربع مائة والتتار في ستة آلاف فالتقوهم وحمل المسلمون حملة صادقة وكان النصر والحمد لله ووضعوا السيف في الكفار قتلاًحتىأبادوا أكثرهم وهرب مقدمهم بأسوأ حال ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد ودخل علم الدين الحلبي الملقب بالملك المجاهد قلعة دمشق فنازله عسكر مصر فبرز إليهم وقاتلهم ثم رد فلما كان في الليل هرب وقصد قلعة بعلبك فقضى بها فقبض عليه علاء الدين الوزيري وقيده ثم حبسه الملك الظاهر مدة طويلة‏.‏

وفي رجب منها بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظاهرمحمد بن الناصرلدين العباسي الأسود وفوض الأمور إلى الملك الظاهر ثم قدما دمشق فعزل عن القضاءنجم الدين بن سني الدولة وولي مكانه الإمام العلامة أبو العباس ابن خلكان ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها فوقعت بينه وبين التتار الذين في العراق مصاف فعدم المستنصر في الوقعة‏.‏

وفيها توفي الإمام القدوة الحافظ العارف سيف الدين أبو المعالي سعيد بن المظفرالباخرزي صاحب الشيخ نجم الدين الكبري وكان إمامًافي السنةرأسًافي التصوف‏.‏

وفيها توفي الملك الظاهر غازي شقيق السلطان الملك الناصر يوسف وأمهما تركية كان شجاعاًجوادًا قتل مع أخيه بين يدي الطاغية الكافر ملك التتار‏.‏

وفيها توفي ابن سيدالناس الخطيب الحافظ محمدبن أحمد الإشبيلي وعني بالحديث فأكثر وحصل الأصول النفيسة وختم به معرفة الحديث بالمغرب‏.‏

توفي بتونس في رجب‏.‏

وفيهاتوفي الملك الناصرصلاح الدين يوسف بن العزيز بن الظاهرابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين ابن أيوب سلطنوه بعد أبيه وهو ابن سبع سنين ودبر المملكةشمس الدين لؤلؤ والأمر كله راجع إلى جدته الصاحبة صفية ابنة العادل أخت الملك الكامل لأجل هذا سكت عنها فلما ماتت استقل واشتغل عنه بعمه الملك الصالح وعمره إذ ذاك نحو أربع عشرة سنة ثم أخذ عسكره له حمص ثم سارهو وتملك دمشق ودخل بابنةالسلطان علاء الدين صاحب الروم وكان حكيمًا جوادًا موطأ الأكناف حسن الأخلاق فيه بعض عدل مع ملابسة الفواحش على ما قيل وكان للشعراء دولة في أيامه لأنه كان يقول بالشعر ويجيزعليه ثم عمل عليه حتى وقع في قبضة التتار وذهبوابه إلى ملكهم هولا فأكره فلمابلغه كسرجيشه علىعين جالوت غضب وتنمروأمربقتله فتذلل له فأمسك عن قتله فلما بلغه كسر جيشه مرة أخرى استشاط عدو الله وأمر بقتله وقتل أخيه الظاهر وكان شابًا حسن الشكل مليح الخلق‏.‏

 سنة ستين وست مائة

فيها أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر وضعوا السيف في المسلمين تسعة أيام وأسرواصاحبها الملك الصالح إسماعيل ثم قتلو بعد أيام وقتلوا ولده علاء الملك‏.‏

مجلس فائد يؤانسه ثم بدأ الملك الظاهر بمبايعته ثم الأعيان على مراتبهم فلقب بلقب أخيه صاحب بغداد ثم صلىبالناس يوم الجمعة وخطب ثم ألبسه السلطان خلعةبيده و طوقه وأمر له بكتابة تقليد الأمر وركب السلطان بتلك الخلعة وزينت القاهرة وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس وكان جسيمًاشجاعًاعالي الهمة ورتب له السلطان أتابك أستاذ داروحاجب وكاتب انشاء وجعل له خزانةومائه فرس وثلاثين بغلاً وستين جملاً وعدة مماليك فلما قدم دمشق وسار إلى العراق استماله الحاكم بأمر الله العباسي أنزله معه في دهليزه ثم دخل المستنصرهيت ثم التقى المسلمون التتار فانهزم التركمان والعرب وأحاطت التتار بعسكر المستنصر فحرقواوساقوا فنجا طائفةمنهم الحاكم وقتل المستنصر وقيل‏:‏ عدم ولم يعلم ما جرى له وقيل‏:‏ قتل ثلاثة من التتار ثم تكاثروا عليه واستشهدوا رحمه الله تعالى‏.‏

وفيهاتوفي الشيخ الفقيه العلامةالإمام المفتي المدرس القاضي الخطيب سلطان العلماء وفحل النجباء المقدم في عصره على سائر الأقران بحر العلوم والمعارف والمعظم في البلدان ذو التحقيق والاتقان والعرفان والإيقان‏.‏

المشهود له بمصاحبة العلم والصلاح الجلالة والوجاهة والاحترام الذي أرسل النبي صلىالله عليه وآله وسلم إليه مع الولي الشاذلي بالسلام مفتي الأنام وشيخ الإسلام عز الدين عبد العزيزبن عبد السلام أبي القاسم السلمي الدمشقي الشافعي قال أهل الطبقات‏:‏ سمع من عبد اللطيف بن أبي سعد والقاسم ابن عساكر وجماعة وتفقه على الإمام العلامة فخر الدين ابن عساكر وبرع في الفقه والأصول والعربية ودرس وأفتىوصنف المصنفات المفيدة وأفتىالفتاوى السديدة وجمع من فنون العلم العجب العجاب من التفسير والحديث والفقه والعربية والأصول واختلاف المذاهب والعلماء وأقوال الناس ومأخذهم حتى قيل‏:‏ بلغ رتبة الاجتهاد ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد وعنه أخذ الشيخ الإمام شرف الدين الدمياطي والقاضي الإمام المفيد تقي الدين بن دقيق العيد وخلق كثير وبلغ رتبة الاجتهاد وانتهت إليه معرفةالمذهب مع الزهدوالورع وقمعة للضلالات والبدع وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما عنه اشتهر قالوا‏:‏ وكان مع صلابته في الدين وشدته فيه حسن المحاضرة بالنوادر والأشعار يحضر السماع ويرقص‏.‏

قلت‏:‏ وهذا مما شاع عنه وكثرشهوده وبلغ في الاستفاضة والشهرة مبلغاً لايمكن جحوده وذلك من أقوى الحجج على من ينكر ذلك من الفقهاء على أهل السماع من الفقراء والمشائخ أهل المقامات الرفاع أعني صدور وذلك عن مثل الإمام الكبير الذي سبق أئمة زمانه بدمشق‏.‏

بل سبق كثيرًامن السابقين المتقدمين على أوانه وأرى نسبة فعله هذامع انكار الفقهاء غالبًا في سائر البلاد كنسبة ذهاب الإمام الكبير المحدث الحافظ أبي القاسم ابن العساكرإلى مذهب الأشعرية في الاعتقاد مع مخالفة طائفة من المحدثين اعتقدوا علىالظواهر وحادواعن منهج الحق الباهج الظاهر فكل واحد منهما مع غزير علمه وجلالته وتقدمه على‏.‏

أقرانه في فنه وإمامته حجة على المشارإليهم من أهل ذلك الفن المخالفين من خلائق منهم لا يحصون على ذلك موافقين من الأئمة الكبار السابقين واللاحقين كالفقيه الإمام الجليل المحدث أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي والفقيه الإمام الجليل المحدث محيي الدين النواوي والفقيه الإمام الجليل المحدث أبي العباس أحمد بن أبي الخير اليمني وغيرهم من المحدثين أولى المناقب الحميدة الموافقين في العقيدة وكالفقيه الإمام الكبير المتفنن الأستاذ أبي سهل الصعلوكي والفقيه الإمام السعيد السيد الشهيرالعارف بالله‏:‏ الخبير الأستاذ أبي القاسم الجنيد والفقيه الإمام المشكور العارف بالله المشهورمحمدبن حسين البجلي اليمني وغيرهم من الفقهاء أولى النفع والانتفاع الواجدين الداخلين في السماع ولكن ذلك بشروط عند علماءالباطن ذكرتها في كتاب الموسوم بنشر المحاسن مع موافقتهم أيضاًفي العقيدة المذكورة الصحيحة المشهورة‏.‏

قلت‏:‏ وكان عز الدين المذكوررضي الله تعالى عنه يصدع بالحق ويعمل به متشدداً في الدين لاتأخذه في الله لومة لائم ولايخاف سطوة ملك ولا سلطان بل يعمل بماأمرالله ورسوله وما يقتضيه الشرع المطهر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كأنه رضي الله تعالىعنه جبل إيمان‏.‏

يصادم السلطان كائنًاماكان بمشافهة الإنكار تحت عظام الأخطار فقيل له‏:‏ في ذلك في وقت فقال‏:‏ استحضرت عظمة الله وكان السلطان في عيني أصغرأوقال‏:‏ أحقرمن كذاوكذاوأنكر رضي الله تعالى عنه صلاة الرغائب و النصف من شعبان‏.‏

قلت‏:‏ وقع بينه وبين شيخ دارالحديث الإمام أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله في ذلك منازعات ومحاربات شديدات وصنف كل واحد منهما في الرد على الآخر واستصوب المتشرعون المحققون مذهب الإمام ابن عبدالسلام في ذلك وشهدوا له بالبروز بالحق الصواب في تلك الحروب والضراب وكأن ظهور ثوابه في ذلك جديرًابماأنشده في عقيدته في الاستشهاد على ظهور الحق‏:‏ لقدظهرت فلاتخفىعلى أحد إلاعلىأكمه لايعرف القمر إذ لم يرو في ذلك عن جهة السنة ما يقتضي فعل ذلك وإن كان قد ظهر لهما شعار في الأمصار وصلاهماالعلماء الأحبار والأولياء الأخيار وأدركت ذلك في الحرمين الشريفين حتى تكرر الإنكار في ذلك واشتهر بين الناس مقال الإمام المؤيد الموفق للذب عن السنة وتحرير الصواب الحبر المحدث الخاشع الأواب محيي الدين النواوي رحمة الله عليه في صلاة الرغائب قاتل الله واضعهمامع أنهما إلى هذا الزمن يصليهما أهل اليمن لعمري إنهما لو فعلا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لاستفاض ذلك اشتهر كما اشتهر ما هو أخفى من ذلك في الخبر وإذ لم يرد فعل ذلك وما تضمنه من شعار كان ذلك بدعة ينبغي فيها الإنكار وليس الحسن الظن مدخل في احداث شعار لم يكن في الإسلام مع قوله عليه أفضل الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ من حدث في أمرنا هنا ما ليس منه فهورد ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة نعم لو صلاهما إنسان وحده مع اعتقاه أنهما ليستا بسنة لم أربذلك بأساً ‏"‏ والله أعلم‏.‏وأما ما احتج به بعض الناس من قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى ‏"‏ سورة العلق‏:‏ فهو احتجاج باطل فإن الآية الكريمة نزلت في قضية أبي جهل ونهيه للنبي عليه السلام عن الصلاة ومنعه له بزعمه منها فمنعه الله عن ذلك المرام بما أراه مايهول من الآيات العظام‏.‏

ولما سلم الملك الصالح إسماعيل ابن الملك العادل صفدقلعة في بلاد الشام‏.‏

ساء ذلك المسلمين ونال منه الشيخ الإمام عزالدين على المنبر ولم يدع له في الخطبة وكان خطيبًا بدمشق فغضب الملك المذكور وعزله وسجنه ثم أطلقه فتوجه إلى الديار المصرية هو والإمام ذوالفهم الثاقب المعروف بابن الحاجب بعد أن كان معه في الحبس فتلقاه الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر وأكرمه وأجله واحترمه وفوض إليه قضاء مصر وخطابة الجامع فقام بذلك أتم قيام وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى اتفق أن بعض الأمراء بنىمكانًا على سطح مسجد فأنكر ذلك وقيل‏:‏ هدمه ثم علم أن ذلك شق على الوزير فحكم بفسق الوزير وعزل نفسه عن القضاء فلما بلغ ذلك حاشية الملك شق عليهم وأشاروا على الملك أن يعزله من الخطابة لئلا يتعرض لسب الملك على المنبر فعزله فلزم بيته يشغل الناس ويدرس‏.‏

وذكروا أنه لما مرض مرض الموت بعث إليه الملك الظاهر يقول من أولادك يصلح لوظائفك فأرسل إليه ليس فيهم من يصلح لشيء منها فأعجب ذلك السلطان منه ولما مات حضر جنازته بنفسه والعالم من الخاص والعام‏.‏

ومن مصنفاته الجليلة كتاب التفسير الكبير وكتاب القواعد الكبرى ومختصر النهاية وكتاب العقيدة وكتاب شجرة الأخلاق الرضية والأفعال المرضية ومختصر الرعاية وكتاب الإمام في أدلة الأحكام وغير ذلك وكانت له مشاركة يقوم به أحسن قيام وكانت له يد طولى في تعبير الرؤيا وغير ذلك‏.‏

دخل بغداد في سنة تسع وتسعين وخمس مائة واتفق يوم دخوله موت الإمام أبي الفرج ابن الجوزي فأقام بها أشهراً ثم عاد إلى دمشق وولاه الملك الصالح ابن الملك العادل خطابة الجامع الأموي بعد ولايته التدريس بزاوية الغزالي وهو من الذين قيل فيهم علمهم كثر من تصانيفهم لا من الذين عبارتهم دون درايتهم ومرتبته في العلوم الظاهرة مع السابقين في الرعيل الأول وأما في علوم المعارف والعلم بالله وحضور هيبته واستيلاء جلالته وعظمته على قلوب أهل ولايته ومعرفته وغير ذلك مما هو معروف عند أهله‏.‏

وقد قسم الناس في المعرفة أقسامًاوعد نفسه رضي الله تعالى عنه من القسم الثالث بعد أن ذكر أن القسم الأول هم الذين تحضرهم المعارف من غير استحضار وتفكر واعتبار ولا تغيب عنهم في سائر الأحوال والقسم الثاني هم الذين تحضرهم بغير استحضار أيضاً لكن تغيب عنهم في بعض الأحيان‏.‏والقسم الثالث هم الذين تحضرهم باستحضار من غيردوام واستمرار ثم قال‏:‏ كأمثالنا‏.‏هذا معنى كلامه في الأقسام المذكور وإن اختلفت العبارات في بعض الألفاظ‏.‏

وقد ذكرت في غير هفا الكتاب قضية وقعت له مما يؤيد عظيم فضله وعلومحله وهو ما أخبرني به بعض أهل العلم أن الإمام عز الدين المذكور احتلم في ليلة بارعة فأتى إلى الماء مؤجده جامداً فكسره واغتسل فغشي عليه فسمع يقال له‏:‏ لأعوضنك بها عزالدنيا والآخرة وكان مع هذه الجلالة التي حازها والعلوم التي حواها ينظم الأشعار‏.‏السهلة‏.‏

قال الشيخ تاج الدين ابن المحب‏:‏ أنشدني صديقنا سديد الدين أبو محمد الحسن بن الوليد الطبي الفقيه الشافعي قال‏:‏ أنشدني قاضي القضاة عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد أوجه وجهي نحوهم مستشفعًا إليهم بهم منهم إذاالخطب أعياني فهم كاشفو ضري وكربي وشدتي وهم فارجوهمي وغمي وأحزاني وهم واهبو الأبصار والسمع والنهي وهم عالمو سري وجهري وإعلاني وإن مذنب يومًاأتىمتنضلاً ومعتذرًا حنواً عليه بغفران وإن سائل يومًاأتاهم بفاقة ومسكنةجادوا عليه باحسان بروح رجائي فيك يبقى حشاشتي وخوف معادي منك قد هدأركاني فأصبحت ما إن لي إليك وسيلة سوى فاقتي والذل مني وإذعاني توفي رحمه الله تعالى بمصر سنة ستين وست مائة وشيعه الملك الظاهر وكان قد ولي قضاءالقضاة وعزل نفسه رضي الله تعالى عنه وعمره اثنتان وثمانون سنة‏.‏

وفيهاتوفي ابن العديم الصاحب العلامةالمعروف بكمال الدين عمربن أحمدالعقيلي الحلبي من بيت القضاء والحشمة‏.‏

سمع بدمشق وبغدادوالقدس والنواحي وأجاز له المؤيدوخلق وكان قليل المثل عديم النظر فضلاً ونبلاً ورأيًا وحزمًا وذكاءً وبهاءً وكتابةً وبلاغةً ودرس وأفتى وصنف وجمع تاريخاًلحلب نحوثلاثين مجلدًا وولي خمسةمن آبائه علىنسق القضاء وقد ناب في سلطنة دمشق وعمل من الناصروتوفي بمصر‏.‏

عقد في أولها مجلس عظيم للبيعة‏.‏

وجلس الحاكم بأمرالله أبوالعباس أحمدابن الأميرابن أبي علي حفيد المسترشد بالله العباسي فأقبل عليه الملك الظاهرومديده إليه وبايعه بالخلافة ثم بايعه الأعيان وقلد حينئذ السلطنة للملك الظاهر‏.‏

فلما كان من الغدخطب للناس خطبة حسنةأولها‏:‏ الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنًاوظهيرًا ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار وبقي فى الخلاقةأربعين سنةوأشهرًا‏.‏وفيها خرج الظاهرإلىالشام وتحيل على صاحب الكرك الملك المغيث حتىنزل إليه وكان آخر العهدبه وأعطى ولده بمصر مائة فارس ثم قبض على ثلاثة أنكروا عليه علامة المغيث وكانوا له نظراء في الجلالةوالرتبة وهم الرشيدي وأقوس التركي والدمياطي وفيها وصل مقدم التتار في طائفة كثيرةقدأسلموا وأنعم عليهم الملك الظاهر‏.‏

وفيها توفي الفقيه الإمام الجليل سليمان بن خليل العسقلاني الشافعي خطيب الحرم سبط عمر بن عبد العزيز الميانشي قلت‏:‏ وهو الذي جمع المنسك الكبير المفيد المعروف بين فقهاء مكة بمناسك الفقيه سليمان‏.‏

وفيها توفي المقرىء النحوي المتكلم شيخ القراء بالشام أبومحمدالقاسم بن أحمدالمرسي شيخ القراء صاحب الشاطبي وتزوج ابنته أبو الحسن بن علي بن شجاع الهاشمي العباسي المصري سنة اثنتين وستين وست مائة فيها توفي شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد الأنصاري الدمشقي ثم الحموي الشافعي الأديب كان أبوه قاضي حماة ويعرف بابن الرفا له محفوظات كثيرة وفضائل شهيرة وحرمة وجلالة‏.‏

وفيهاتوفي الملك المغيث عمر بن عبد العزيز بن الكامل ابن العادل حبس بعد موت عمه الصالح بالكرك فلماقتلواابن عمه المعظم أخرجه معتمد الكرك الطواشي وسلطنه بالكرك كان كريمًامبذراً للأموال فقل ما عنده حتى سلم الكرك إلى صاحب مصر ونزل إليه فخنقه ولذلك خنق عمه وأباه العادل‏.‏وفيها توفي ابن سراقة الإمام محيي الدين أبو بكر محمد الأنصاري الشاطبي شيخ الحديث الكاملية بالقاهرة سمع من جماعة وله مؤلفات‏.‏

وفيها توفي الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن المنصور ابن المجاهد صاحب حمص والرحبة‏.‏

وفيها توفي القارىء أبو القاسم بن المنصور الاسكندراني كان صالحًا قانتًا مخلصاً مع الزهد وفيها أو في التي بعدها توفي ناظم الوترية الفقيه الشافعي الواعظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن الرشيد البغدادي كان فقيهاً واعظاً عارفاً بالفقه والخلاف‏.‏

أعاد لأمية بغداد وقدم مصر والإسكندرية ووعظ بها وسمع منه جماعة منهم الإمام العلامة شرف الذين أبو العباس أحمد بن عثمان السخاوي الشافعي إمام الأزهر والإمام العلامة قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة سمع منه قصائده الوتريات ورافقه في الحج ودخل الأفريقية وجال في بلاد المغرب وكان ظاهر التدين والصلاح‏.‏