فصل: سنة احدى واربعين وخمس مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ست وثلاثين وخمس مائة

فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين الترك الكفية فيما وراء اللهر أصيب فيها المسلمون وأقبل سنجر في نفي يسير بحيث وصل بلخ في ستة أنفس وأسرت زوجته وبنته وقتل من جيشه مائة ألف أو أكثر قيل‏:‏ كان في القتلى أربعة آلاف امرأة وكانت الترك في ثلاث مائة ألف فارس‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير ألفارف بالله الشهير ذو المواهب واللمائف والعلوم إلىبانية والمعارف أبو العباس ابن العريف أحمد بن محمد الصنهاجي الأندلسي الصوفي‏.‏

كان له معرفة بالعلوم وعناية بالقراءات وجمع إلىوايات والطرق متناهياً في الفضل والدين‏.‏

وكان المريدون والعباد والزهاد يقصدونه ولما كثر أتباعه خاف منه السلطان وتوهم أن يخرج عليه فطلبه فأحضر إلى مراكش فتوفي في الطريق قبل أن يصل وقيل بعد أن وصل وكان من أهل المنية‏.‏

وفيها توفي الإمام أحد العلماء الأعلام الفقيه المحدث الأصولي الأديب محمد بن علي التميمي ألفازري‏.‏

شرح صحيح مسلم شرحاً جيداً سماه كتاب المعلم بفوائد كتاب مسلم وعليه بنى القاضي عياض بن موسى اليحصبي ألفالكي كتاباً اسماه الإكمال في شرح مسلم‏.‏

وله في الأدب كتب متعددة‏.‏

وكان فاضلاً متقناً توفي في ثامن عشر ربيع الأول من السنة المذكورة وقيل يوم الاثنين ثاني الشهر المذكور بالمهدية وعمره ثلاث وثمانون سنة‏.‏وألفازري نسبة إلى مازر وهي بفتح الزاي وقد تكسر أيضاً وهي بليدة بجزيرة صقلية‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أبو القاسم اسماعيل بن أحمد السمرقندي‏.‏

وفيها توفي الإمام المفتي الشافعي عبد الجبار بن محمد إمام جامع نيسابور تفقه على إمام الحرمين وسمع البيهقي والقشيري والجماعة‏.‏

وفيها توفي الشيخ ألفارف ذو المواهب واللمائف أبو الحكم عبد السلام بن عبد إلىحمن المعروف بابن برجان الأندلسي اللخمي الإشبيلي شيخ الصوفية ومؤلف شرح أسماء الله الحسنى توفي غريباً بمراكش‏.‏قال الأبار‏:‏ كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقيق بعلم الكلام والتصوف مع الزهد والاجتهاد في العبادة وقبره بإزاء قبر ابن العريف‏.‏

وفيها توفي شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ابن الشيخ أبي الفيح عبد الواحد الشيرازي الدمشقي الفقيه الواعظ‏.‏

وفيها توفي هبة الله بن أحمد البغدادي المقرىء المحقق إمام جامع دمشق‏.‏

ختم عليه خلق كثير وله اعتناء بالحديث‏.‏

سنة سبع وثلاثين وخمس مائة فيها توفي أبو الفتح بن البيضاوي القاضي عبدالله بن محمد بن محمد بن محمد أخو القاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لأمه‏.‏

وفيها توفي صاحب المغرب علي بن يوسف بن تاشفين كان يرجع إلى عدل ودين وتعبد وحسن طوية وشدة إيثار لأهل العلم وتعظيم لهم قيل‏:‏ وهو الذي أمر بإحراق كتب الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي والذي وثب عليه ابن تومرت الملقب بالمهدي الذي صحبه عبد المؤمن‏.‏

توفي في رجب من السنة المذكورة‏.‏

وفيها توفي الحافظ عمر بن محمد النسفي السمرقندي الحنفي‏.‏

يقال له مائة مصنف‏.‏

وفيها توفي قاضي دمشق وابن قاضيها أبو المعالي القرشي الشافعي‏.‏

سمع من جماعة وتفقه على الإمام أبي نصر المقدسي‏.‏

 سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة

فيها حاصر سنجر مدينة خوارزم وكاد أن يأخذها فذل خوارزم شاه وبذل الساعة‏.‏وفيها توفي الحافظ مفيد بغداد أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي‏.‏

كان واسع إلىواية متقناً دائم البشر سريع الدمعة جمع وخرج وحصل ولم يتزوج قط‏.‏

وفيها توفي الوزير أبو القاسم علي بن طراد الزينبي العباسي وزير المسترشد والمقتفي‏.‏

اشتغل بالعبادة والخير لما تغير عليه المقتفي إلى أن مات وكان يضرب به المثل بحسنه في صباه‏.‏

وفيها توفي أبو الفتوح محمد بن الفضل الأسفيائيني الواعظ المتكلم‏.‏

له تصانيف في الأصول والتصوف‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ أجرى من رأيت لماناً وجناناً وأسرعهم جواباً وأسلمهم خطاباً‏.‏لازمت حضور مجلسه فما رأيت مثله واعظاً ولا مذكراًوفيها توفي العلامة النحوي اللغوي المفسر المعتزلي أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي صاحب الكشاف والمفصل‏.‏

عاش إحدى وسبعين سنة متفنناً في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان إمام عصره في فنونه‏.‏

وله التصانيف البديعة الكثيرة الممدوحة الشهيرة عدد بعضهم منها نحو ثلاثين مصنفاً في التفسير والحديث وإلىواة وعلم الفيائض والنحو والفقه واللغة والأمثال والأصول والعروض والشعر‏.‏

ومن ذلك كتاب شافي العي من كلام الشافعي وغير ذلك وكان شروعه في تأليف المفضل في غرة شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وخمس مائة وفيغ منه في غرة المحرم أظنه قال‏:‏ سنة خمس عشرة وخمس مائة‏.‏

وكان قد جاور بمكة زماناً فصار يقال له‏:‏ جار الله لذلك حتى صار هذا اللقب علماً عليه‏.‏

وكانت إحدى رجليه ساقطة فكان يمشي في خشب‏.‏

وسبب سقوطها أنه أصابه في بعض أسفاره برد شديد وثلج كثير وكان معه محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك خوفاً من أن يظن قطعها لريبة‏.‏

وذكر بعض المؤرخين أنه أمسك عصفوراً وربطه بخيط في رجله ففلت من يده فأدركه وقد دخل في جرق فجذبه فانقطعت رجله في الخيط فتألمت والدته لذلك ودعت عليه بقطع رجله كما قطع رجله‏.‏

فلما وصل إلى سن الطلب رحل إلى بخارى لطلب العلم فسقط عن ألفابة فانكسرت رجله وبلغت إلى حالة اقتضت قطعها - والله أعلم أي ذلك كان -‏.‏

ولما صنف كتاب الكشاف استتفتح الخطبة بالحمد لله الذي خلق القرآن فقيل له‏:‏ متى تركته على هذه آلهيئة هجره الناس فغيره بالذي أنزل القرآن‏.‏

وقيل‏:‏ هذا إصلاح الناس لا إصلاح وقائلة ما هذه الدرر التي تساقط من عينيك سمطين سمطين فقلت لها الدر الذي كان قد حشى أبو مضر أذني تساقط من عيني وهذا مثل قول القاضي أبي بكر الأرجان ولا يدري أيهما أخذ من الآخر لأنهما كانا متعاصرين وهو‏.‏ولم يبكني إلا حديث فياقهم لما أسرته إلى أدمعي هو ذلك الدر الذي أودعته في مسمعي أجريته من مدمعي ومما أنشده لغيره في كتابه الكشاف عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة ‏"‏ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ‏"‏ - البقرة - فإنه قال‏:‏ أنشدت لبعضهم‏:‏ يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى عروق نياطها في نحوها والمخ في تلك العظام النحل اغفي لعبد تاب من فيطاته ما كان منه في الزمان الأول قال ابن خلكان‏:‏ وكان بعض الفضلاء قد أنشدني هذه الأبيات بمدينة حلب وقال‏:‏ إن الزمخشري المذكور أوصى أن يكتب على لوح قبره‏:‏ آلهي لقد أصبحت ضيفك في الثرى وللضعيف حق عند كل كريم سنة تسع وثلاثين وخمس مائة فيها أخذ زنكي إلىها من الفرنج‏.‏

وتوفي تاشفين صاحب المغرب ولد علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثم‏.‏

كانت دولته في ضعف وسفال مع وجود عبد المؤمن فتحصن فصعد إليه أصحاب عبد المؤمن فلما أيقن بآلهلكة ركض فرسه فتردى إلى البحر فتحطم وتلف ولم يبق لعبد المؤمن منازع فتوجه وأخذ تلمسان‏.‏

وفيها توفي أبو منصور إلىزاز سعيد بن محمد البغدادي شيخ الشافعية ومدرس النظامية تفقه على الغزالي وأسعد الميهني والكيا وألفاشي والمتولي وروى عن رزق الله التميمي‏.‏

وفيها توفيت مسندة أصفهان أم البهاء فاطمة بنت محمد البغدادية الواعظة روت عن أبي الفضل إلىازي وجماعة‏.‏

وفيها توفي أبو منصور محمد بن عبد الملك البغدادي المقرىء مصنف المفتاح والموضع في القراءات العشرة‏.‏

وفيها توفي وقيل في التي بعدها توفي أبو منصور موهوب بن أبي طاهر الجواليقي البغدادي الأديب اللغوي‏.‏

كان إماماً في فنون الأدب وهو متدين ثقة غزير الفضل وافي العقل مليح الخط كثير الضبط صنف التصانيف المفيدة وانتشرت عنه مثل شرح أدب ألفاتب وثمة درة الغواص في أوهام الخواص للحريري صاحب المقامات وسماه‏:‏ التكملة فيما يلحن فيه الشامة إلى غير ذلك وله نوادر كثيرة‏.‏

وكان إماماً للمقتفي بالله‏.‏

وما زاده في أول دخوله عليه على قوله‏:‏ السلام على أمير المؤمنين‏:‏ ورحمة الله تعالى‏.‏فقال له اين التلميذ النصراني - وكان قائماً بين يدي المقتفي وله ادلال الخدمة والصحبة‏:‏ ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ فلم يلتفت إليه وقال للمقتفي‏:‏ يا أمير المؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية ثم قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لو حلف حالف أن نصرانياً أو يهودياً لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه لما لزمته الكفارة لأن الله تعالى يختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله تعالى إلا الإيمان‏.‏

فقال‏:‏ صدقت وأحسنت فيما فعلت‏.‏

فكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة أدبه‏.‏

سمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه وأخذ عنه الناس علماً جما وينسب إليه قليل من الشعر من ذلك هذان البيتان وقال بعض المطلعين‏:‏ وجدتهما من جملة أبيات لابن الخشاب وهما‏:‏ ورد الورى سلمال جوادك فارتووا ووقفت خلف الورد وقفة حائم حيران أطلب غفلة من وارد والورد لا يزداد غير تزاحم قلت‏:‏ لقد أبدع قائلهما في معناهما وأجاد وبالغ في مدحه بما تضمنه هذا الإنشاد‏.‏

وحكى اسماعيل بن الجواليقي المذكور قال‏:‏ كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر - والناس يقرؤون عليه - فوقف عليه شاب وقال‏:‏ يا سيدي قد سمعت ببيتين من الشعر ولم أفهم وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها وهجرة الناس تصليني بها النارا فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا فلما سمعهما والدي قال‏:‏ يا بني هذا شيء من معرفة علم النجوم وتسييرها لأمر صنعه أهل الأدب قال‏:‏ فانصرف ألفاب من غير حصول فائدة فاستحي والدي من أن يسأل عن شيء ليس عنده منه علم وقام وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر‏.‏

فنظر في ذلك وحصلت معرفته ثم جلس‏.‏

ومعنى البيت المسؤول عنه أن الشمس إذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف وإذا كانت في آخر الجوزاء كان الليل في غاية القصر لأنه آخر فصل الربيع فكأنه يقول‏:‏ إذا لم يزرني فالليل عندي في غاية الطول وإن زارني كأن الليل عندي في غاية القصر‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وفي نهاية الطول والقصر المذكورين في البرجين المذكورين‏.‏

والاعتدال في برجي الحمل والميزان‏.‏

وشدة البرد في برج الدلو وشدة الحر في برج الأسد أشرت بهذه الأبيات الأربعة حيث أقول‏:‏

إذا طال بالجوزاء نهار مفاخراً ** رماه بقوس طول ليل فيقصر

وإن حمل الإنصاف يوماً ** بعدله أتاه بميزان بها العدل يظهر

فيكسر هذا ذاك حيناً وحربهم سجال ويغزو ذاك هذا فيكسر سنة أربعين وخمس مائة فيها توفي الحافظ أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي الأصبهاني‏.‏

كان ثقة خيراً يحفظ صحيح مسلم‏.‏

 سنة احدى واربعين وخمس مائة

فيها حاصر عماد الدين زكي الملقب بالملك المنصور - صاحب الموصل - قلعة جعبر فوثب عليه ثلاثة من غلمانه فقتلو وتملك الموصل بعده ابنه غازي وتملك حلب وغيرها من نواحيها ابنه الآخر نور الدين محمود‏.‏

وكان زنكي من الأمراء المتقدمين وفوض إليه السلطان محمود بن ملكشاه السلجوقي ولاية بغداد في سنة إحدى وعشرين وخمس مائة ثم أمره السلطان محمود بالتجهيز إلى الموصل والاستعداد لقتال الفرنج بالشام فوصل إلى الموصل وملكها ودفع الفرنج عن حلب وقد ضايقوها بالحصار - ثم عاد إلى الموصل فأقام بها وهو من كبراء الدولة السلجوقية فقتله ألفاطنية بجامع الموصل - يوم الجمعة تاسع ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة - جلسوا له في الجامع بزي الصوفية فلما انفتل من صلاته قاموا إليه واثخنوه جراحاً لأنه كان قد تصدى لقتلهم وقتل منهم عصبة كبيرة فلما قتل رسم المسترشد أمير المؤمنين بتولية الموصل لولده زنكي فتوجه زنكي إلى الموصل فتسلمها وما والاها من البلاد ثم توجه إلى قلعة جعبر فحاصرها حتى أشرف على أخذها فأصبح مقتولاً كما تقدم‏.‏

وفيها أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف ثم عمروها‏.‏وفيها توفي شيخ الشيوخ أبو البركات اسماعيل ابن الشيخ أبي سعد - أحمد بن محمود النيسابوري البغدادي وكان جليل القدر‏.‏

وفيها توفي زنكي الأتابك صاحب الموصل وحلب وكان فارساً شجاعاً ميمون النقيبة شديد ألفاس قوي إلىأس عظيم آلهيبة ملك الموصل وحلب وحماه وحمص وبعلبك وإلىها والمعرة‏.‏

قتله بعض غلمانه كما تقدم وهو نائم وهربوا إلى قلعة جعبر‏.‏وفيها توفي أبو الحسن سعد الخير بن محمد الأنصاري الأندلسي المحدث‏.‏

كان فقيهاً عألفا متقناً رحل إلى المشرق وتفقه على الإمام أبي حامد الغزالي وشيخ المقرئين بالعراق‏.‏

وفيها توفي المقرىء النحوي أبو محمد عبدالله بن علي البغدادي‏.‏

 سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة

وفيها كان الغلاء المفيط - وفيما قبلها بإفريقية - حتى أكلوا لحوم الآدميين‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن بن الآبنوسي أحمد بن عبدالله البغدادي الشافعي الوكيل‏.‏

سمع وتفقه وبرع وقرأ الكلام والاعتزال ثم لطف الله تعالى به وتحول سنياً‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر أحمد بن عبد إلىحمن الأندلسي البطروجي أحد الأئمة‏.‏

روى عن أبي علي الغساني وغيره‏.‏

كان إماماً حافظاً بصيراً بالحديث ومعرفة رجآله وعلله ومعرفة مذهب مالك ودقائقه‏.‏

وله مصنفات مشهورة‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم علي ابن الإمام العلامة أبي نصر عبد السيد بن الصباغ‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري‏.‏

سمع من أبي بكر الخطيب وتفقه على الإمام أبي نصر المقدسي ودرس بالغزالية وأفتى واشتغل وصار شيخ دمشق في وقته‏.‏

وفيها توفي الشريف أبو السعادات المعروف بابن الشجري‏:‏ هبة الله بن علي العلوي الحسيني البغدادي النحوي اللغوي صاحب التصانيف كان متضلما من علم الآداب وأشعار العرب وأيامها وأحوآلها كامل الفضائل‏.‏

له عدة تصانيف منها‏:‏ كتاب الأماني أو قال‏:‏ الأمالي وهو أكبر تآليفه وأكثرها فائدة أملاه في أربعة وثمانين مجلما مشتملاً على خمسة فنون من علم الأدب‏.‏

ولما فيغ من إملأنه حضر عنده أبو محمد المعروف بابن الخشاب والتمس سماعه عليه فلم يجبه إلى ذلك فعاداه ورد عليه في مواضع من الكتاب ونسبه فيه إلى الخطأ‏.‏

فوقف أبو السعادات المذكور على إلىد فيد عليه في رده وبين وجوه غلطه وجمعه كتاباً سماه‏:‏ الانتصار وهو على صغر حجمه مفيد جداً وسمعه عليه الناس‏.‏وجمع أيضاً كتاباً سماه‏:‏ الحماسة تضاهي به الحماسة لأبي تمام ألفائي وهو كتاب مليح غريب أحسن فيه‏.‏

وله في النحو عدة تصانيف وكان حسن الكلام حلو الألفاظ فصيحاً جيد البيان والتفهيم وقرأ الحديث على جماعة من الشيوخ المتأخرين‏.‏

وذكره الحافظ أبو سعد بن السمعاني في كتاب الذيل وقال‏:‏ اجتمعت معه في دار الوزير أبي القاسم بن طراد الزينبي وقت قراءتي عليه الحديث وعلقت عنه شيئاً من الشعر في المدرسة ثم مضيت إليه وقرأت عليه جزءاً من أمالي أبي العباس الثعلب‏.‏وحكى أبو البركات عبد إلىحمن بن الأنباري في كتابه مناقب الأدباء‏:‏ إن العلامة أبا القاسم محمود الزمخشري لما قدم بغداد قاصداً للحج مضى إلى زيارته شيخنا - أبو السعادات بن الشجري ومضينا معه إليه فلما اجتمع به أنشده قول المتنبي‏:‏ واستأثر الأخبار قبل لمانه فلما التقينا صغر الخبر الخبر ثم أنشد بعد دلك‏:‏ كانت مساءلة إلىكبان تخبرني عن جعفر بن فلاح أحسن الخبر حتى التقينا - فلا والله - ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري فقال العلامة الزمخشري‏:‏ روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لما قدم إليه زيد الخيل قال له‏:‏ ‏"‏ يا زيد ما وصف لي أحد في ألفاهلية ولا في الإسلام إلا رأيته دون ما وصف لي غيرك ‏"‏‏.‏

قال ابن الأنباري‏:‏ فخرجنا من عنده ونحن نعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر والزمخشري بالحديث وهو رجل أعجمي هذا معنى كلام ابن الأنباري وكان أبو السعادات المذكور نقيب ألفالبين بالكرخ نيابة عن ولده وله شعر حسن من ذلك قوله‏:‏ هذه السديرة والغدير ألفافح فاحفظ فؤادك إنني لك ناصح يا سدرة الوادي الذي إن ضله ألفاري هداه نشرها المتفاوح هل عايد قبل الممات لمغرم عيش تقضى في ظلالك صالح شط المنار به ونوئي منزلاً بصميم قلبك فهو دان نازح غصن تعطفه النسيم وفوقه قمريحف به ظلام طايح ولقد مررنا بالعقيق فشاقنا فيه مراتع للمها ومسارح ظللنا به نبكي فكم من مضمر وجداً أذاع هواه دمع سافح قلت ضله ألفاري رأيته الصواب وفي الأصل المنقول منه‏:‏ الوادي ثم وجدته في نسخه أخرى كما ذكرت من الصواب‏.‏

وهذه أبيات من قصيدة له في مدح الوزير المظفر بن علي الملقب بنظام الدين‏.‏في ربيع الأول منها نازل الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل فخرج المسلمون من دمشق وكانوا مائة وثلاثين ألف راجل وعسكر البلد فاستشهد نحو مائتين ثم برزوا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة وقتل من الفرنج عدد كثيرفلما كان في اليوم الشامس وصل غازي وأخوه نور الدين في عشرين ألفا إلى حماه‏.‏

وكان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرع إلى الله تعالى وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع وضج النساء والأطفال مكشفين إلىؤوس وصدقوا الافتقار إلى الله عز وجل فأغاثهم وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يديه صليب وقال‏:‏ أنا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق فاجتمعوا حوله وحمل على البلد فحمل عليه المسلمون فقتلوه - لعنة الله تعالى - وقتلوا حماره وأحرقوا الصلمان ووصلت النجدة فانهزمت الفرنج وأصيب منهم خلق‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن أبي الوفاء المعروف بابن مسهر الموصلي‏.‏

كان شاعراً بارعاً رئيساً مقدماً يمدح الخلفاء والملوك والأمراء

وله ديوان شعر في مجلدين ومن شعره في صفة الخيل‏.‏

سود حوافيها بيض حجافلها ** صبح تولد بين الصبح والغسق

من طول ما وطئت ظهر الدجى ** حنتا وطول ما كرعت من منهل الفلق

ومنها في صفة الفهد‏:‏

ويعطيه حباً كي يسالمها ** على المنايا نعاج إلى مل

بالحدق هذا ولم يبرزا مع سلم ** جانبه يوماً لناظره إلا على فيق

وهذه الأبيات مع جودتها مأخوذة من أبيات الأمير المعروف بابن السراج الصوري‏.‏

ولابن مسهر أيضاً في بعض الرؤساء‏:‏ ولما اشتكيت اشتكى كل ما على الأرض واعتل شرق وغرب لأنك قلب لجسم الزمان وما صح جسم إذا اعتل قلب ومن غريب الاتفاق ما حكى أبو الفتح بن أبي الغنائم أنه رأى في منامه منشداً ينشد‏:‏

وأعجب من صبر القلوص ** التي سرت بهودجك المنموم

أنى استقلت وأطبق أحناء ** الضلوع على جوى جميع وصبر

مستحيل مشتت قال أبو الفتح‏:‏ فلما انتبهت مكثت مدة أسائل عن قائل هذين البيتين فلم أجد عنه مخبراً ثم اتفق بعد سنين نزول ابن مسهر المذكور في ضيافتي فتجارينا في بعض اللمالي ذكر المنامات فذكرت له المنام الذي رأيته والبيتين فقال‏:‏ أقسم بالله أنهما من شعري من جملة قصيدة منها‏:‏

إذا ما لمان الدمع نم على الهوى ** فليس بشر ما الضلوع أحنت

فوالله ما أدري عشية ودعت ** أناحت حمامات النوى أم تغنت

أعاتب فيك اليعملات على النوى ** وأسأل عنك الريح من حيث هبت

وألصق أحناء الضلوع على جوى ** جميع وصبر مستحيل مشتت

قال‏:‏ فلما أنشدنا هذه الأبيات إلىقاق عجبنا من هذا الاتفاق‏.‏وفيها توفي أبو إسحاق الغنوي ابراهيم بن محمد بن نبهان إلىقي الصوفي الفقيه الشافعي‏.‏

تفقه على الإمام حجة الإسلام الغزالي وغيره وسمع رزق الله التميمي وكان ذا سمت وعبادة وهو راوي خطيب ابن نباتة‏.‏

وفيها توفي محدث بغداد ومفيدها المبارك بن كامل الخفاف وكان فقيراً متعففاً‏.‏وفيها وقيل في التي تليها‏:‏ توفي الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبدالله المعروف بابن العربي المعافيي الأندلسي الأشبيلي رحل إلى المشرق ودخل الشام ولقي بها الإمام محمد بن الوليد الطرطوشي وتفقه عنده ودخل بغداد وسمع بها من جماعة ثم دخل الحجاز فحج ثم عاد إلى بغداد وصحب الإمام أبا حامد الغزالي والإمام أبا بكر ألفاشي وغيرهما من العلماء والأدباء ثم صدر عنهم ولقي بمصر والاسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم‏.‏

ثم عاد إلى الأندلس ثم قدم إلى اشبيلية بعلم كثير ولم يدخل أحد قبله إلى المشرق من علماء المغرب في إلىحلة للعلم وكان من أهل اليقين في العلوم والاستخبار والجمع لها عارفاً متكلماً في أنواعها باقدامها حريصاً على نشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها مع آداب وأخلاق وحسن معاشرة وكرم نفس‏.‏

واستقضي ببلده فنفع الله تعالى به أهلها لإبرام أمره ونفوذ أحكامه وكان له في الظالمين صولة مرهوبة ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم‏.‏

وله مصنفات منها كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي كذا هو في الأصل المنقول منه قال‏:‏ وألفارضة‏:‏ القدرة على الكلام يقال فلان شديد ألفارضة إذا كان ذا قدرة على الكلام والأحوذي‏:‏ الخفيف في الشيء لحذقه وقال الأصمعي‏:‏ المستمر في الأمور القاهرة لها‏.‏

وفيها توفي أبو الدر ياقوت إلىومي عتيق بن الخباري‏.‏

حدث بدمشق ومصر وبغداد‏.‏

وفيها توفي أبو الحجاج الفندلاوي يوسف بن دوناس المغربي ألفالكي‏.‏

كان فقيهاً عألفا صألفا حلو المجالسة شديد التعصب للأشعرية صاحب حط على الحنابلة‏.‏

قتل في سبيل الله في حصار الفرنج بدمشق مقبلاً غير مدبر بالذيروز وقبره يزار بمقبرة باب الصغير‏.‏

وفيها قتل شاهنشاه ابن نجم الدين أيوب في الوقعة التي اجتمع فيها الفرنج سبع مائة ألف ما بين فارس وراجل - على ما قيل - وتقدموا إلى باب دمشق وعزموا على أخذ بلاد المسلمين قاطبة فنصر الله عليهم المسلمين - ولله الحمد -‏.‏

 سنة أربع وأربعين وخمس مائة

فيها توفي القاضي أحمد بن محمد الأرجاني - بفتح آلهمنة وكسر إلىاء مع خلاف في تشديدها وتخفيفها وبعدها جيم - له شعر رائق وكان قاضي تستر‏.‏

وهو وإن كان في العجم ففي العرب محتدة‏.‏

وكان فقيهاً شاعراً‏.‏

وفي ذلك قوله‏:‏

أنا أشعر الفقهاء غير مدافع ** في العصر أو أنا أفقه الشعراء

شعري إذا ما قلت دونه الورى ** بالطبع لا بتكلف الالماء

كالصوت في قلل الجبال إذا عل ** للسمع هاج تجاوب الأصداء

قلت‏:‏ ليس في الأصل المنقول منه قلل بل لفظ آخر معناه غير مفهوم‏.‏

ومن شعره‏:‏

لوكنت أجهل ما علمت لسرني ** جهلي كما قد ساءني ما أعلم

كالصعو يرتع في الرياض وإنما ** حبس آلهزار لأنه يترنم

والصعوة بالصاد المهملة وآلهزار بالزاي المعجمة‏:‏ طائران‏.‏

ومنه‏:‏ شاور سواك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشورات فالعين تنظر منها ما دنا ونأى ولا ترى نفسها إلا بمرآة ومنه‏:‏ أنحو كم ويرد وجهي القهقرى عنكم فسيري مثل سير الكوكب ومنه‏:‏ أحب المرء - ظاهره جميل - لصاحبه وباطنه سليم مودته تدوم لكل هول وهل كل مودته تدوم وهذا البيت الأخير يقرأ معكوساً أعني‏:‏ من آخره إلى أوله ولا يتغير شيء من لفظه ولا من معناه وله ديوان شعر فيه كل معنى لطيف‏.‏

وفيها توفي أبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق آلهروي الحنفي العبد الصالح راوي الصحيح وألفارمي‏.‏وفيها توفي الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن محمد العبيدي الرافضي صاحب مصر‏.‏

وفيها توفي القاضي الإمام العلامة أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن موسى ابن عياض اليحصبي أحد الحفاظ الأعلام‏.‏

سمع من أبي علي بن سكرة وأبي محمد بن غياث وطبقتهما وأجاز له أبو علي الغساني وولي قضاء سبتة مدة ثم قضاء غرناطة وصنف التصانيف الجليلة المفيده منها‏:‏ الإكمال في شرح صحيح مسلم كمل به‏:‏ المعلم في شرح مسلم للإمام ألفازري‏.‏

ومنها‏:‏ الشفا في تعريف حقوق المصطفى‏.‏

ومشارق الأنوار في تفسير غريب الحديث‏.‏

وكان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم وهو من أهل اليقين في العلوم والذكاء‏.‏

وله شعر حسن‏:‏ ومنه قوله‏:‏

فلو قدرت ركبت البحر نحوكم ** فإن بعدكم عني جني حيني

والحين بفتح الماء‏:‏ آلهلاك وبالكسر‏:‏ الوقت‏.‏

وفيها توفي الحافظ المقدسي أبو الحسن علي بن أبي المكارم الاسكندارني ألفالكي كان فقيهاً فاضلاً من أكابر الحفاظ المشاهير في الحديث وعلومه صحب الحافظ أبا طاهر السلفي‏.‏

وفيها توفي الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري ولازمه وانتفع به ابن خلكان‏.‏

وأنشدني أبو الحسن المقدسي المذكور لنفسه‏:‏ أيا نفس بألفاثور عن - خير مرسل وأصحابه وألفابعين تمسكي عساك إذا بالغت في نشر دينه بما طاب من نشر له أن تمسكي وخافي غداً يوم الحساب جهنماً إذا لفحت نيرانها أن تمسك قلت‏:‏ وبيان الجناس في هذه القوافي الثلاث واختلاف معانيها أن الأولى من التمسك والثانية من التطيب بالمسك والثالثة من‏:‏ مسه يمسه‏.‏

قال‏:‏ وأنشدني أيضاً لنفسه رحمة الله تعالى عليه‏:‏ ولمياء تحيي من تحيي بريقها كأن مناج إلىاح بالمسك فيها وما ذقت فاهاً غير أني رويته عن الثقة المسواك وهو موافيها هذا المعنى مستعمل ومنه قول الآخر‏:‏ وأخبرني أترابها أن ريقها - على ما حكى عود الأراك - لذيذ يا أطيب الناس ريقاً غير مختبر إلا شهادة أطراف المساويك وفيها توفي يوسف الدين غازي بن عماد الدين زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل ملك غازي المذكور الموصل بعد أن كان مقطعاً شهرزو من جهة السلطان محمود السلجوقي وكذلك ما كان لأبيه من ديار ربيع وترتيب أحوآله وأخذ أخوه نور الدين محمود حلب وما والاها من بلاد الشام ولم تكن دمشق يومئذ لهم وكان غازي المذكور منطوياً على خير وصلاح يحب العلم وأهله وبنى بالموصل المدرسة المعروفة بالعتيقة ولم تطل مدته في المملكة‏.‏