فصل: سنة اثنتين واربعين واربع مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ثمان وثلاثين واربع مائة

فيها توفي الشيخ الإمام الجليل القدر مفتي الأنام قدوة المسلمين وركن الاسلام ذو المحاسن والمناقب العظام والفضائل المشهورة عند العلماء والعوام الفقيه الأصولي الأديب النحوي المفسر الشيخ أبو محمد الجويني عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية ووالد إمام الحرمين‏.‏

قال أهل التواريخ‏:‏ كان إماماً في التفسير والفقه والأصول والعربية والأدب قرأ الأدب على أبيه أبي يعقوب يوسف بجوي ثم قدم نيسابور واشتغل بالفقه على أبي الطيب سهل بن محمد الصعلوكي ثم انتقل إلى أبي بكر القفال المروزي واشتغل عليه بمرر ولازمه واستفاد منه وانتفع عنه وأتقن عليه المذهب والخلاف وقرأ عليه طريقته وأحكمها‏.‏

فلما لخرج عليه عاد إلى نيسابور وتصدى للتدريس والفتوى وتخرج عليه خلق كثير منهم ولده إمام الحرمين وكان مهيباً لا يجري بين يديه إلا الجدل والبحث والتحريض على التحصيل‏.‏

له في الفقه تصانيف كثيرة الفضائل مثل التبصرة والتذكرة ومختصر المختصر و الفرق والجمع و السلسلة و موقف الإمام والمأموم وغير ذلك من التواليف وله التفسير الكبير المشتمل على عشرة أنواع في كل آية‏.‏

وقال الإمام عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري‏:‏ كان أئمتنا في عصره والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة ما أنه لو جاز أن يبعث الله تعالى نبياً في عصره لما كان إلا هو من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته وكمال فضله رضي الله تعالى عنه سمع الحديث الكثير وتوفي في ذي القعدة من السنة المذكورة وقيل قي سنة أربع وثلاثين وأربعمائة بنيسابور والله أعلم‏.‏

وقال الشيخ أبو صالح المؤذن‏:‏ مرض الشيخ أبو محمد الجوينى سبعة عشر يوماً وأوصاني أن أتولى غسله وتجهيزه فلما توفي غسلته وكفنته في الكفن‏.‏

ورأيت يده اليمنى زهراء منيرة من غير سوء وهي تتلألأ تلألؤ القمر فتحيرت وقلت لنفسي هذه بركات فتاويه‏.‏

قلت‏:‏ وفضاثله كثيرة شهيرة وقد ذكرت شيئاً منها في الشاش المعلم سنة تسع وثلاتين وأربع مائة فيها توفي الحافظ أبو محمد الحسن بن محمد الحسن بن الجلال البغدادي‏.‏

قال الخطيب‏:‏ كان ثقة له معرفة أخرج المسند على الصحيحين وجمع أبواباً وتراجم كثيرة‏.‏

سنة اربعين واربع مائة فيها أقام العرب بالمغرب الدعوة للقائم بأمر الله العباسي وخلع طاعة المستنصر العبيدي فبعث المستنصر جيشاً من العرب يحاربون فذلك أول دخول العربان إلى إفريقية وهم بنو رباح وبنو زغبة وجرت لهم أمور يطول شرحها‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم عبدالله بن عمر بن شاهين رحمه الله تعالى‏.‏

توقني أبو علي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي أحد الأكابر‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو عبدالله محمد بن علي الصوري أحد أركان الحديث‏.‏قال الخطيب‏:‏ وكان يسرد الصوم وقال أبو الحسين‏:‏ ما رأيت أحفظ من ا لصوري‏.‏

 سنة اثنتين واربعين واربع مائة

فيها عين ابن النسوي بالنون والسين المهملة لشرطة بغداد فاتفق السنية والشيعية على أنه متى ولي نزحوا عن البلد فوقع الصلح بين الفريقين بهذا السبب وصار أهل الكرخ يترحمون على الصحابة وصلوا في مساجد السنية وخرجوا كلهم إلى زيارة المشاهد وتحابوا وتزاوروا هذا شيء لم يعهد منذ دهراً وقيل في دهر‏.‏

وفيها توفي شيخ العراق الزاهد القدوة أبو الحسن علي بن عمر بن القزريني‏.‏

قال الخطيب‏:‏ كان أحد الزهاد ومن عباد الله الصالحين يقرىء ويحدث ولا يخرج إلا لصلاة غلقت جميع بغداد يوم دفنه ولم نر جمعاً أعظم من ذلك الجمع‏.‏وفيها توفي أبو القاسم الثمانيني الموصلي الضريري النحوي أحد أئمة العربية بالعراق‏.‏

أخذ عن ابن جني وتصدر للإفادة وصنف شرحاً للمع كتاب النحو وشرحاً للتصريف‏.‏

والواعظ أبو طاهر بن العلاف محمود بن علي البغدادي‏.‏

فيها زال الأنس بين السنية والشيعية وعادوا إلى أشد ما كانوا عليه من الشر والفتن وأحكم الرافضة سور الكرخ وكتبوا على الأبراج‏:‏ محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر واضطرمت نار الفتنة وأخذت ثياب الناس في الطرق وغلقت الأسواق واجتمع للسنية جمع لم ير مثله وهجموا دار الخلافة فوعدوا بالخير‏.‏

وثار أهل الكرخ فالتقى الجمعان فقتل جماعة ونبشت عدة قبور للشيعة وأحرقوا‏.‏

وتم على الرافضة خزي عظيم فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه وقتلوا مدرسهم أبا سعيد السرخسي رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم علي بن أحمد الفارسي‏:‏ مسند الديار المصرية أكثر عن أبي أحمد بن الناصح والذهلي‏.‏

 سنة أربع وأربعين وأربع مائة

فيها هاجت الفتنة ببغداد واستعرت نيرانها وأحرقت عدة حوانيت وكتب أهل الكرخ على أبواب مساجدهم‏:‏ محمد وعلي خير البشر‏.‏

وأذنوا بحي على خير العمل فاجتمع غوغاء أهل السنة وحملوا حملة حربية على الرافضة فهرب النظارة وازدحموا في درب ضيق فهلك ست وثلاثون امرأة وستة رجال وصبيان وطرحت النيران في الكرخ وأخذوا في تحصين الأبواب والقفال والتقوا في سادس من ذي الحجة فجمع الطقطقي بالقاف بين الطائين المهملتين طائفة من الأعوان وكبس جهة من الكرخ وقتل رجلين ونصب رأسيهما على مسجد العلائين‏.‏

وفيها عمل محضر كثير ببغداد وتضمن القدح في نسب بني عبيد الخارجين بالمغرب ومصر وأن أصلهم من اليهود وأنهم كاذبون في انتسابهم إلى جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه‏.‏

فكتب فيه خلق من الأشراف والسنة وأولي الخيرة‏.‏

وفيها توفي أبو غانم أحمد بن الحسين المروزي الكراعي مسند خراسان في وقته‏.‏

وفيها توفي أبو عمرو الداني عثمان بن سعيد القرطبي الحافظ المقرىء أحد الأعلام صاحب التصانيف الكثيرة المتفننة توفي بدانية المنسوب إليها قيل وكان مجاب الدعوة رحمه الله تعالى‏.‏

 سنة خمس وأربعين وأربع مائة

فيها توفي مقرىء الديار المصرية الملقب بتاج الأئمة أبو العباس أحمد بن على بن هشيم المصري‏.‏

وفيها توفي أبو إسحاق البرمكي بن ابراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي‏.‏

قال الخطيب‏:‏ كان صدوقاً ديناً فقيهاً له حلقة للفتوى وفيها توفي الحافظ أبو سعيد السمعاني اسماعيل بن علي الرازي‏.‏

قال الكتاني‏:‏ كان من الحفاظ الكبار زاهداً عابداً ويقاق إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ وكان رأساً في القراءات والحديث والفقه بصيراً بمذهبي الحنفية والشافعية لكنه من رؤوس المعتزلة‏.‏

قلت‏:‏ وما سمعت أن أحداً له من الشيوخ مثل هذا المذكور إلا الحافظ أبا سعيد السمعاني فإن شيوخه يزيدون على أربعة آلاف شيخ‏.‏

وممن سمعت أن شيوخه يزيدون على الذين‏:‏ عبد الله بن المبارك‏.‏

وممن سمعت أن شيوخه يزيدون على ألف‏:‏ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر ذكروا أن شيوخه ألف وثلاث مائة‏.‏

وممن سمعت أن شيوخه ألف‏:‏ الطبراني وممن سمعت أن شيوخه دون الألف‏:‏ الشيخ صلاح الدين العلائي مدرس الصالحية في القدس رحمه الله أخبرني بذلك أو قال نحو الألف قال‏:‏ وليس فيهم أجل من الشيخ رضي الله تعالى عنه يعني شيخنا رضي الدين فقيه المحدثين الصالحين ابراهيم بن محمد الطبري إمام مقام ابراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام‏.‏

وفيها توفي أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد الكاتب مسند أصبهان‏.‏

 سنة ست واربعين واربع مائة

فيها توفي الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني أحد أئمة الحديث‏.‏

وفيها توفي أبو علي الأهوازي الحسن بن علي بن ابراهيم‏:‏ المقرىء المحدث صاحب التصانيف‏.‏

وأبو محمد سنة سبع واربعين واربع مائة فيها توفي أبو عبد الله القادسي الحسين بن أحمد البغدادي‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة ابن ماكولا‏:‏ الحسين بن علي العجلي الشافعي‏.‏

قال لخطيب‏:‏ لم نر قاضياً أعظم نزاهة منه‏.‏

وفيها توفي حكم بن محمد الجذامي وأبو القاسم التنوخي وابن سلوان‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح السليم بن أيوب بن سليم الرازي‏:‏ الفقيه الإمام الشافعي المفسر لأديب‏:‏ صاحب التصانيف‏.‏

كان رأساً في العلم والأدب والعمل يشار إليه في الفضل والعبادة‏.‏ومن تصانيفه كتاب الإشارة في الفروع وكتاب غرائب الحديث وكتاب التقريب وليس هو التقريب الذي نقل عنه إمام الحرمين في النهاية وحجة الإسلام في البسيط والوسيط فإن ذلك للقاسم بن القفال الشاشي‏.‏أخذ سليم الفقه عن الشيخ أبي حامد لاسفرائيني وأخذ عنه أبو الفتح الشيخ نصير بن ابراهيم المقدسي‏.‏

وقال سليم‏:‏ دخلت بغداد في بدايتي في طلب علم اللغة فكنت آتي شيخا هناك فذهبت في بعض الأيام إليه قيل لي‏:‏ هو في الحمام ومضيت نحوه فمررت في طريقي على الشيخ ابي حامد الاسفرائيني - وهو يملي - فدخلت المسجد وجلست مع الطلبة فوجدته يشرح في كتاب أصيام في مسألة إذا أولج ثم أحس بالفجر فنزع فاستحسنت ذلك فعلقت الدرس على ظهر جزء كان معي فلما عدت إلى منزلي جعلت أعيد الدرس مخلى بي وقلت‏:‏ أتم هذا الكتاب يعني - كتاب الصيام فعلقته ولزمت الشيخ أبا حامد حين علقت منه جميع التعليق - يعني كتابه - وكان لا يخلو له وقت من اشتغال حتى أنه كان إذا برأ القلم قرأ القرآن أو سبح أو قال‏:‏ وسبح‏.‏

وكذلك إذا كان ماراً في الطريق كما تقدم في ترجمته وغير ذلك من الأوقات التي لا يمكن الاشتغال فيها بعلم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا مما يدلك على اهتمام هذا الإمام على استغراق أوقاته بالنفع بالعلم لوجه الله تعالى والعمل به في طاعاته وهذا عزيز جداً من أهل العلم‏.‏

وأحوال الناس في ذلك مختلفة فبعضهم كان يرخي بينه وبين أصحابه ستراً وبعضهم يذكر بالقلب سراً وبعضهم يأتي بالذكر جهراً‏.‏

وإرخاء الستر قد روي عن بعض المشايخ وعن بعض أهل العلم أيضاً‏:‏ وهو أبو الحسن الباهلي شيخ القاضي أبي بكر الباقلاني في علم الأصول‏:‏ وقد يكون في إرخاء الستر غرض آخر من ترك النظر إلى بعض الناس إما لخوف فتنة أو تشويش خاطر ببعض من هو في مجلسه حاضر‏.‏

ولا يخلو الموقف صاحب القلب المليح من غرض صحيح‏.‏

وسكن سليم الشام بمدينة صور متصدياً لنشر العلم وإفادة الناس‏.‏

وكان يقول‏:‏ وضعت مني صوره رفعتها‏.‏

وكان موته رحمه الله غرقاً عند رجوعه من الحج عند ساحل جدة وقال بعضهم‏:‏ في بحر القلزم بضم القاف والزاي وسكون اللام بينهما ثم تبئين في أي مكان منه وقال‏:‏ عند ساحل جدة وقال بعضهم‏:‏ في بحر القلزم المذكور غرق فيه فرعون‏.‏

قلت ويحتمل أنه غرق في الجانب الذي يلي مصر منه وسليم في الجانب الذي يلي جدة منه وشتان ما بين الغرقين‏:‏ غرق الشقاوة والإبعاد وغرق الشهادة والإسعاد‏.‏

وكان سليم المذكور قد نيف على الثمانين ودفن في جزيرة بقرب الجار الآتي تفسيره قريباً عند المخاضة في طريق عيذا‏.‏

والرازي‏:‏ نسبة إلى الري على غير قياس ألحقوا الزاي في النسبة كما ألحقوها في المروزي عند النسبة إلى مرو‏:‏ وهي مدينة عظيمة من بلاد الديلم بين قومس والجبال‏.‏

والجار بفتح الجيم وبعد الألف راء‏:‏ وهي بلدة إليها القمح الجاري‏.‏وذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب الأمكنة والجبال والمياه أن الجار قرية على ساحل البحر بها مرسى مطايا القلزم ومطايا عيذاب يعني بالمطايا المذكورة‏:‏ السفن‏.‏

وقال ابن حوقل بفتح الحاء المهملة والقاف وسكون الواو بينهما وفي آخره لام الجار‏:‏ الفرضة المدلية على ثلاث مراحل منها على البحر وحده فرضة منه‏.‏

قلت‏:‏ يعني فرضة مكة ويعنونه بالفرضة في مثل هذا الموضع فرضة البحر التي هي محط السفن‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي عبد الوهاب بن الحسين بن برهان بفتح الموحدة أبو الفرح البغدادي الغزالي‏.‏

 سنة ثمان واربعين واربع مائة

فيها خطب بالكوفة والموصل وواسط للمستنصر المصرفي العبيدي ففرحت الرافضة بذلك واستفحل أمر الأمير البساسيري بفتح الموحدة وبالسين المهملة المكررة قبل الألف وبعدها وسكون المثناة مكررة قبل الراء وبعدها ثم جاءته الخلع والتقليد من مصر‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن الوليد الأنصاري الأندلسي الفقيه المالكي‏.‏وفيها توفي الشيخ عبد الغافر أبو الحسين محمد بن عبدالله الفارسي‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن الفالي علي بن محمد بن علي المؤذب وأبو الحسن الباقلاني علي بن ابراهيم بن عيسى البغدادي وابن مسرور أبو حفص‏.‏

قال عبد الغافر‏:‏ هو حفص المارودي الزاهد الفقيه كان كثير العبادة والمجاهدة وكانوا يتبركون بدعائه رحمة الله عليه عاش سبعين سنة‏.‏

 سنة تسع واربعين واربع مائة

فيها توفي أبو العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي المعري اللغوي الشاعر المشهور صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة والرسائل البليغة المنشورة والزهد والذكاء المفرط‏.‏

كان متضلعاً من فنون الأدب قرأ النحو واللغة على أبيه ب المعرة وعلى محمد بن عبدالله ابن سعد النحوي بحلب وله من النظم‏:‏ لزوم ما لا يلزم وهو كبير يقع في خمسة أجزاء وما يقارنها وله سقط الزند أيضاً وشرحه بنفسه وسماه‏:‏ ضوء السقط وله الكتاب المعروف بالهمزة والردف يقارب المائة جزء في الأدب أيضاً‏.‏

وحكي من وقف على المجلد الأول بعد المائة من كتاب الهمزة والردف قال‏:‏ لا أعلم ما كان يعوده بعد هذا وكان علامة عصره في فنون وأخذ عنه أبو القاسم التنوخي والخطيب أبو زكريا التبريزي وغيرهما‏.‏ومن لطيف نظمه قوله‏:‏ لو اختصرتم من الإحسان زرتكم والعذب يهجر للإفراط في الخمر بالخاء المعجمة والصاد المهملة مفتوحتين وبالراء البرد‏.‏

ومن نظمه المشير به إلى فضله‏:‏ وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم يستطعه الأوائل وكانت وفاته ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني عشر ربيع الأول من السنة المذكورة وكانت أيضاً ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بالمعرة وعمي من الجدري أول سنة سبع وستين وغشي يمنى عينيه بياض وذهبت اليسرى جملة‏.‏

وشرح ديوان المتنبي وسماه كتاب لامع الغزنوي في شرح ديوان المتنبي ولما فرغ من تصنيفه وقرىء عليه أخذ الجماعة في وصفه فقال أبو العلاء‏:‏ كأنما نظر إلى المتنبي بلحظ الغيب حيث يقول‏:‏ أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وكذلك ديوان البحتري وتولى الانتصار بهم وتنقد عليهم في مواضع ودخل بغداد مرتين قلت‏:‏ وقد ذكر في كتاب منهل المفهوم في شرح ألسنة المعلوم في قسم الإيماء‏:‏ حكي أنه حضر مجلس الشريف المرتضى وكان الشريف نقص من شعر المتنبي والمعري يمدحه حتى قال‏:‏ لو لم يكن في شعره إلا قصيدة التي يقول فيها‏:‏ لك يا منازل في القلوب منازل لكفى فأمر الشريف بإخراجه من المجلس مسجوناً ثم قال‏:‏ أتدرون ما عنى هذا الأعمى في القصيدة المذكورة إنما أومأ فيها إلى قول المتنبي‏:‏ واذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل انتهى قلت‏:‏ ومما يدلك على فرط ذكاء أبي العلاء المعري وفرط ذكاء الشريف وفهمه ذلك في الحال‏.‏

ثم رجع إلى المعرة وشرع في التصنيف وسار إليه الطلبة من الآفاق وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار أو قيل إنه مكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم يرى رأي الحكماء المتقدمين إذ لا يأكلونه لكيلا يذبحوا الحيوان إذ لا يرون بإيلام الحيوانات مطلقاً‏.‏

قلت‏:‏ وهو خلاف ما جاءت به الأنبياء والشرائع ودل على جعله الإجماع ونصوص الآيات القواطع‏.‏

ونظم الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة‏.‏

ومن نظمه‏:‏

لا تطلبن بغير خط رتبة ** قلم البليغ بغير خط مغزل

ويروى بغير حد‏.‏

قلت‏:‏ وقد نظمت ثلاثة أبيات أوضحت فيها ما أشار إليه بمثال أولى من مثاله فإنه أشرك بين السماكين في نيل المرتبة مع كون أحدهما ذا آلة يكتسب بها المراتب وهي الرمح وأنا خصصت بالمرتبة الخالي منهما عن الآلة حيث قلت‏:‏ لو كان بالآلات خط يحصل والسعد يأتي ولعطايا تجزل ما كان في عالي المنازل رامح أو لم يجزها دون ذلك أعزل لكنه من دونه قد حازها في شرحه البدر المتمم ينزل وكلا النظمين في قوافيهما التزام ما لا يلزم ولما توفي رثاه تليمذه أبو الحسن بن همام بقوله‏:‏ إن كنت لم ترق الدماء زهادة فلقد أرقت اليوم من جفني الدما سيرت ذكرك في البلاد كأنه مسك فسامعه يعطر أو فما قلت يعني أن طيب ثنائه يعطر سامعه أو المتكلم به المثني عليه واقتصر على الفم لضيق المقام في مساعدة الوزن على عموم المتكلم دون تخصيص فيه ويحتمل أنه أراد بالتعطير تعميم السامع والمتكلم يزكون‏.‏

أوهنا بمعين الواو فحسب ومثل ذلك قد يجيء و منه قوله تعالى ‏"‏ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ‏"‏ - الصافات 147 - على رأي بعض المفسرين فإنه وإن لم يكن محمد عليه فان القائل يقول بذلك ما احتج إلا بما يصح الاحتجاج به وهو وقوع أو موقع الواو وإذا تتبع ذلك وجد في الكلام الفصيح منه ما يكثر عدة فيما نبهت عليه فائدة وهي أنه لا يلزم من رد قوله‏:‏ من احتج على علم بطلان حجته بل يرد قوله لقيام دليل آخر على خلاف قوله وإن كان احتجاجه صحيحاً في نفسه و أشار في البيت الأول إلى ما كان يعتقده ويدين به من عدم الذبح للحيوانات‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو سعيد البجلي أحمد بن محمد بن عبد العزيز الرازي الحافظ‏.‏

وفيها توفي أبو عبدالله الخبازي المقرىء النيسابوري‏.‏

وكان كبير الشأن وافر الحرمة مجاب الدعوة‏.‏

وفيها توفي أبو عثمان الصابوني شيخ الإسلام الواعظ المفسر أحد الأعلام شيخ خراسان‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح الكرخي الخيمي رأس الشيعة صاحب التصانيف‏.‏كان نحوياً لغوياً منجماً طبيباً متكلماً من كبار أصحاب الشريف المرتضى‏.‏