فصل: سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة احدى عشرة وأربع مائة

فيها كان الغلاء المفرط بالعراق حتى أكلوا الكلاب‏.‏

وفيها توفي الحاكم بأمر الله أبو علي منصور بن العزيز بن نزار بن المعز العبيدي صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب فقد في شوال وله ست وثلاثون سنة‏.‏

جهزت أخته ست الملك عليه من قتله وكان شيطاناً مهيباً خبيث النفس متلون الاعتقاد سمحاً جواداً سفاكاً للدماء قتل عدداً كثيرأ من كبراء دولته صبراً وأمر بشتم الصحابة وكتبه على أبواب المساجد وأمر بقتل الكلاب حتى لم يبق بمملكته منها إلا القليل وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لا فلوس له وأتى لمن باع ذلك سراً فقتلهم ونهى عن بيع الرطب ثم جمع منه شيئاً عظيماً فأحرقه وأباد أكثر الكروم وشدد في الخمر وألزم أهل الذمة حمل الصلبان في أعناقهم وأمرهم بلبس العمائم السود وهدم الكنائس ونهى عن تقبيل يد من له ديانة وأمر بالسلام فقط وبعث إليه عامله على المغرب ينكر عليه فأخذ في استمالته وحمل في كمه الدفاتر ولزم التفقه وأمر الفقهاء ببث مذهب المالك واتخذ له مالكيين يفقهانه ثم ذبحهما صبراً ونفى المنجمين من بلاده و حرم على النساء الخروج فما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى قتل وتزهد وتأله ولبس الصوف وبقي يركب الحمار ويمر وحده في الأسواق ويقيم الحسبة بنفسه‏.‏

ويقال إنه أراد أن يدعي الإلهية كفرعون وشرع في ذلك وخوفه خواصه عن زوال دولته فانتهى‏.‏

وكان المسلمون وأهل الذمة في كرب وبلاء شديد معه حتى إنه أوحش أخته بمراسلات قبيحة وأتها تزني وطلبت ابن دواس القائد وكان خائفاً من الحاكم فاتفقت معه على قتل الحاكم وسيرته طويلة عجيبة وأقامت أخته بعده ولده الطاهر علي بن منصور وقتلت ابن دواس وسائر من اطلع على سرها وأعدمت جيفة الحاكم ولم يجدوا إلا جبة الصوف وقد صبغت بالدماء وقطعت بالسكاكين‏.‏

 سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

فيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين ابن موسى النيسابوري السلمي الصوفي‏.‏

صحب جده أبا عمرو بن نجيد وسمع الأصم وطبقته وصنف التفسير والتاريخ وغير ذلك وبلغت مصنفاته مائة‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل وكان مع ذلك مجلوداً صاحب حديث‏.‏توفي في شعبان رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي أبو عبدالله بن جعفر التميمي النحوي المعروف بالقزاز القيرواني‏.‏

كان الغالب عليه النحو واللغة وله عدة تآلي وكان العزيز بن المعز العبيدي صاحب مصر قد تقدم إليه أن يؤلف كتاباً يجمع فيه سائر الحروف التي ذكر النحويون أن الكلام كله اسم وفعل وحرف جاملي‏.‏

قال ابن الخزاز‏:‏ وما علمت أن نحوياً ألف شيئاً من النحو على حروف المعجم سواه‏.‏وقال ابن رشيق‏:‏ وكان مهيباً عند الملوك والعلماء وخاصة الناس محبوباً عند العامة قليل الخوض إلا في علم دين أو دنيا وله شعر مطبوع منصوع من ذلك قوله‏:‏ أما ومحل حبك في فؤادي وقدر مكانه فيه المكين لو انبسطت لي الآمال حتى يصير من عنانك في يميني لصنتك في مكان سواد عيني وحطت عليك من حذر جفوني فأبلغ منك غايات الأماني وآمن فيك آفات الظنون إذا أمنت قلوب الناس خافت عليك خفي ألحاظ العيون فكيف وأنت دنياي ولول عتاب الله فيك لقلت ديني وقوله‏:‏ أحين علمت أنك نور عيني وأني لا أرى حتى أراكا جعلت مغيب شخصك عن عياني يغيب كل مخلوق سواكا وبلغ جملة الكتاب الذي ألفه العبيدي ألف ورقة جمع فيه المفرق من الكتب النفيسة على أقصر سبيل وأقرب ما يؤخذ وأوضح طريق وكأنه قد اقترح عليه أن يؤلفه على حروف المعجم على وجه لم يسبق إليه كما تقدم‏.‏

 سنة ثلاث عشرة وأربع مائة

فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين إلى الحجر الاسود فضربه بدبوس فقتلوه في الحال‏.‏

قال محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي‏:‏ قام يضرب الحجر ثلاث ضربات وقال‏:‏ إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي فيمنعني ما أفعله فإني اليوم أهدم هذا البيت‏.‏

فأنفاه أكثر الحاضرين وكاد أن يفلت وكان أحمر أشقر جسيماً طويلاً وكان على باب المسجد عشر فوارس ينصرونه فاحتسب رجل ووجأه بخنجر ثم تكاثروا عليه فهلك وأحرق وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته واختبط الوفد ومال الناس على ركب مصريين بالنهب‏.‏

وتخشن وجه الحجر وتساقط منه شظايا يسيرة وتشقق وظهر مكسرة أسمر يضرب إلى صفرة محبباً مثل الخشخاش فعجن الفتات بالمسك وأكد وحشيت الشقوق وطلبت فهو يبين لمن تأمله‏.‏

وفيها توفي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضاً البارع في الكلام والجدل والفقه‏.‏وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية‏.‏

قال ابن أبي طي‏:‏ وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم خشن اللباس وقال غيره‏:‏ كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر عاش ستاً وسبعين سنة وله اكثر من مائتي مصنف كانت جنازته مشهودة وشيعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة وأراح الله منه‏.‏

وكان موته في رمضان‏.‏

 سنة أربع عشرة وأربع مائة

فيها توفي الشيخ أبو الحسن المعروف بابن جهضم الهمداني شيخ الصوفية بالحرم الشريف ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف وفيها توفي الحافظ ابن الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد البجلي الرازي الدمشقي‏.‏

وفيها توفي القاضي عبد الجبار بن أحمد من رؤوس أئمة المعتزلة وشيوخهم صاحب التصانيف و الخلاف العنيف‏.‏

 سنة خمس عشرة وأربع مائة

فيها توفي الإمام أبو الحسن المحاملي شيخ الشافعية أحمد بن محمد الضبي تفقه على والده وعلى الشيخ أبي حامد الاسفرائيني وبرع في الفقه ودرس في أيام شيخه أبي حامد وبعده وسمع الحديث من محمد بن المظفر وطبقته ورحل به أبوه إلى الكوفة وسمعه بها وصنف عدة كتب منها المجموع والمقنع والقباب وصنف في الخلاف كثيرا‏.‏

وكان عديم النظير في الذكاء‏.‏

وقال الشيخ أبو حامد‏:‏ هو اليوم أحفظ للفقه مني والمحاملي نسبة إلى عمل المحامل الذي يركب فيها في السفر‏.‏

 سنة ست عشرة وأربع مائة

فيها انتشر العيارون ببغدا وخرقوا الهيبة واصلوا العملات والقتل وأخذوا الناس نهاراً جهاراً‏.‏

وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل ويكبسون البيوت ويأخذون أصحابها ويعذبونهم إلى أن يقروا لهم بذخائرهم وأحرقوا دار الشريف المرتضى‏.‏

ولم يخرج فيها ركب من بغداد‏.‏

وفيها توفي أبو عبدالله بن الحذاء القرطبي اليمني المالكي المحدث مؤلف كتاب البشرى في تعبير الرؤيا في عشرة أسفار وتولى قضاء إشبيلية وغيرها وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد التهامي الشاعر المشهور‏.‏

ومن شعره في ذم الدنيا‏:‏ طبقة على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار سجن في القاهرة ثم قتل سراً ورآه بعض أصحابه في النوم فقال‏:‏ ما فعل الله بك فقال‏:‏ غفر لي فقال‏:‏ بأي عمل قال‏:‏ بقولي في مرثية ولدي الصغير‏:‏ جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري والتهامي نسبة إلى تهامة وهي خطة متسعة بين الحجاز وأطراف اليمن‏.‏

وله‏:‏ إني لأرحم حسدي لحرما ضمنت صدورهم من الإوغار نظروا صنيع الله بي فعيرتهم في جنة وقلوبهم في نار فيها هجمت الجند على الكر فنهبوه وأحرقوا الأسواق فوقعت الرعاع في النهب وأشرف الناس على التلف فقام المرتضى وطلع إلى الخليفة فخلع وتكلم في القضية فجعل يعير عليه ثم ضبطت محال بغداد وشرعوا في المصادرات‏.‏

وفيها توقني الإمام أبو بكر القفال المروزي عبدالله بن أحمد شيخ الشافعية بخراسان حذق في صنعته حتى عمل قفلاً بمفتاحه وزن أربع حبات فلما صار ابن ثلاثين سنة أحس في ذكاء وحبب الله إليه الفقه واشتغل به فشرع فيه وهو صاحب طريقة الخراسانيين وفي الفقه‏.‏عاش تسعين سنة‏.‏

قال ناصر العمري‏:‏ لم يكن في زمانه أفقه منه ولا يكون بعده‏.‏

كنا نقول إنه ملك في صورة آدمي قلت‏:‏ وهو القفال المتقدم ذكره مع السلطان محمود الملقب يمين الدولة وأمين الملة ابن ناصر الدولة ولة ذكر في صلاته على مذهب الشافعي فقهاً والمجرية على مذهب أبي حنيفة في القصة المتقدم ذكرها في سنة عشرة وأربعمائة‏.‏

قالوا‏:‏ وكان وحيد زمانه فقهاً وحفظاً وورعاً وزهداً واشتغل عليه خلق كثير منهم الأئمة الكبار القاضي حسين والشيخ أبو محمد الجويني وابنه إمام الحرمين والشيخ أبو علي السبخي وغيرهم وكل واحد من هؤلاء صار إماماً يشار إليه ولهم التصانيف النافعة وأخذ عنهم أئمة كبار أيضاً‏.‏

والقفال المذكور ممن شرح فروع الإمام الفقيه أبي بكر بن الحداد المصري فأجاد في شرحها رحمة الله تعالى عليهم أجمعين‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظا أبو حازم عمر بن أحمد الهذلي المسعودي النيسابوري توفي يوم عيد الفطر‏.‏

قال الخطيب‏:‏ كان ثقة صادقاً حافظاً عارفاً وقال غيره‏:‏ يقال إنه كتب عن عشرة أنفس عشرة آلاف جزء‏.‏

 سنة ثمان عشرة وأربع مائة

فيها توفي الإمام الكبير الأستاذ الشهير أبو إسحاق الأسفرائيني ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن مهران الأصولي المتكلم الفقيه الشافعي أحد الأعلام صنف التصانيف‏.‏

قال الحاكم‏:‏ أخذ عنه الكلام والأصول عامة شيوخ يسابور وأقر له بالعلم أهل العراق وخراسان وله التصانيف الجليلة منها‏:‏ كتابه الذي سماه‏:‏ جامع الحلي في أصول الدين والرد على الملحدين في خمس مجلدات وغير ذلك من المصنفات‏.‏

وأخذ عنه القاضي أبو الطيب الطبري أصول الفقه بأسفرايين وبنيت له المدرسة المعروفة بنيسابور‏.‏

وذكر عبد الغفار الفارسي في سياق تاريخ نيسابور‏:‏ إنه أحد من بلغ حد الاجتهاد من العلماء المتبحرة في العلوم واجتماعه شرائط الإمامة وكان طراز ناحية الشرق‏.‏

وكان يقول‏:‏ أشتهي أن أموت بنيسابور حتى يصفي علي جميع أهل نيسابور فتوفي بها يوم عاشوراء ثم نقلوه إلى أسفرايين ودفن في مشهده‏.‏

وممن كان يخلف إلى مجلسه الأستاذ أبو القاسم القشيري‏.‏وأكثر الحافظ أبو بكر البيهقي الرواية عنه في تصانيفه وغيره من المصنفين وسمع بخراسان أبا بكر الإسماعيلي وبالعراق أبا محمد دعلج بن أحمد السجزي وأقرانهما‏.‏

وفيها توفي الوزير المعزي الحسين بن علي استظهر القرآن العزيز وعدة من الكتب في النحو واللغة ونحو خمسة ألف بيت من مختار الشعر القديم ونظم الشعر وتصرف في النثر وبلغ من الخط إلى ما يقصر عنه نظراؤه ومن حساب المولد والجبر والمقابلة إلى ما يستقل بدونه الكاتب وكل ذلك قبل استكماله أربع عشرة سنة واختصر إصلاح المنطق واستوفى على جميع فوائده حتى لم يفته شيء وغير من أبوابه ما أوجب التدبير تغييره للحاجة إليه وجمع كل نوع إلى ما يليق به ثم نظم بعد اختصاره ما كتب في عدة أوراق في ليلة واحدة وجميع ذلك قبل استكماله سبع عشرة سنة‏.‏

ومن شعره‏:‏

أقول لها والعيش تخدع للسرى ** أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر

سأنفق ريعان الشبيبة واثقاً ** على طلب العلياء أو طلب الأجر

أليس من الخسران أن ليالياً ** تمر بلا نفع وتحسب من عمر

قلت هذا البيت الأخير ما أدري‏:‏ أهو له أم استعاره للتضمين فإن كان له فقد استعاره بعضهم للتضمين حيث قال‏:‏

أليس من الخسران أن ليالياً ** تمر بلا نفع وتحسب من عمري‏!‏

وللوزير المذكور أيضاً‏:‏

أرى الناس في الدنيا كراع تنكرت ** مراعيه حتى ليس في تلك مربع

فماء بلا مرعى ومرعى بلا ماء ** وحيث ترى ماء ومرعى فمنبع

وفيها توفي الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري الفقيه الشافعي‏.‏

تفقه على الشيخ أبي حامد وسمع من المخلص وطبقته‏.‏قال الفقيه‏:‏ كان يفهم ويحفظ‏.‏

صنف كتاباً في السنة وكتاب رجال الصحيحين وكتاباً في السنن ثم خرج في آخر أيامه الى الدينور ومات بها‏.‏وفيها توفي أبو الحسين بن جعفر بن عبد الوهاب المعروف بابن الميداني محدث دمشق رحمه الله تعالى

وفيها توفي الشيخ الكبير أبو منصور الأصبهاني شيخ الصوفية في زمانه روى عن الطبراني توفي في رمضان رحمه الله تعالى‏.‏

 سنة تسع عشرة وأربع مائة

فيها كان السلطان جلال الدولة ببغداد فتحالفت عليه الأمراء وكرهوه لتوفره على اللعب وطالبوه فأخرج لهم من المصاغ وغيره ما قيمته أكثر من مائة ألف دينار فلم يرضهم ونهبوا دار الوزير وسقطت الهيبة ودب النهب في الرعية وحصروا الملك فقال‏:‏ مكنوني من الانحدار فأجابوه ثم وقعت صيحة فوثب وبيده طبر وهو الحديد الماضي الذي يحمل بين يدي الملوك وصاح فيهم فلانوا له وقبلوا الارض وقالوا‏:‏ اثبت فأنت السلطان‏.‏ونادوا بشعاره فأخرج لهم متاعاً كثيراً فبيع ولم يف بمقصودهم ولم يحج ركب بغداد في تلك السنة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو عبدالله بن الفخار القرطبي شيخ المالكية وعالم الأندلس‏.‏

وكان زاهداً عابداً ورعاً متألهاً عارفاً بمذاهب العلماء واسع الدائرة حافظاً للمدونة عن ظهر قلب والنوادر لابن أبي زيد مجلب الدعوة‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ كان أحفظ الناس وأحضرهم علماً وأسرعهم جواباً وأوقفهم على اختلاف العلماء وترجيح المذاهب حافظاً للأثر مائلاً إلى الحجة والنظر رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي عبد المحسن بن محمد المعروف بابن غلبون الصوري الشاعر المشهور أحد البارعين الفضلاء المجيدين الأدباء‏.‏

ومن نظمه‏:‏

عندي حدائق سكر ** غرس جودكم قد مسها عطش

فليسق من غرسا تداركوها ** وفي أغصانها ورق

فلن يعود اخضرار العود إن يبسا

 سنة عشرين واربع مائة

فيها وقع برد عظيم إلى الغاية في الواحدة أربعة أرطال بالبغدادي حتى قيل إن بردة وجدت تزيد على قنطار وقد نزلت في الأرض نحواً من ذراع وذلك بأرض النعمانية من العراق وهبت ريح لم يسمع بمثلها قلعت الأصول الغائبة من الزيتون والنخيل‏.‏

وفيها جمع القادر بالله كتاباً فيه وعظ ووفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصة ما جرى لعبد العزيز صاحب الحيدة بفتح الحاء والدال المهملتين وسكون المثناة من تحت بينهما وفي آخره هاء مع بشر المريسي والرد على من يقول بخلق القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسب الرافضة وغير ذلك‏.‏

وجمع له الأعيان والعلماء ببغداد فقرأ على الخلق ثم أرسل الخليفة إلى جامع براثا بالموحدة وقبل الالذين راء وبينهما مثلثة وهو مأوى الرافضة من أقام الخطبة على السنة فخطب وقصر عما كانوا يفعلونه في ذكر علي رضي الله تعالى عنه فرموه بالآجر من كل ناحية فنزل وحماه جماعة حتى أسرع بالصلاة فتألم القادر بالله وغاضبه ذلك وطلب الشريف المرتضى شيخ الرافضة وكاتب السلطان وزيره ابن ماكولا يستحيش على الشيعة‏.‏

ومن جملة كتابه‏:‏ وإذا بلغ الأمير إلى الجرأة على الدين وسياسة المملكة من الرعاع والأوباش فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية‏.‏وقد بلغه ما جرى في الجمعة الماضية في مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة ومن قد تبرأ الله تعالى منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار وذلك أن خطيباً كان فيه يقول مقالاً يخرج به إلى الزندقة فإنه يقول بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة ومحيي الأموات البشري الإلهي مكلم أصحاب الكهف‏.‏

فأنفذ الخطيب ابن تمام فأقام الخطبة فجاء الآجر كالمطر وكسر أنفه وخلع كتفه ودمي وجهه لولا أن أربعة من الأتراك حموه وإلا كان هلك والضرورة ماسة إلى الانتقام ونزل ثلاثون بالمشاعل إلى دار ذلك الخطيب فنهبوا الدار وعز الحريم وخاف أولو الأمر من فتنة تكبر‏.‏ولم يخطب أحد ببراثا وكثرت العملات والكبسات وفتحت الحوانيت جهاراً وعم البلاء إلى آخر السنة حتى صلب جماعة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن البغدادي‏.‏

قال الخطيب‏:‏ كان ثقة من أهل القرآن والأدب والفقه على مذهب مالك‏.‏

وفيها توفي عبد الجبار بن أحمد الطرسوسي شيخ الإقراء في الديار المصرية وأستاذ مصنف العنوان وألف كتاب المجتبى في القراءات‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي الدمشقي المعروف بالشيخ العفيف قال أبو الوليد‏:‏ وكان خيراً من ألف مثله إسناداً وإتقاناً وزهداً مع تقدمه‏.‏

فيها توفي الأمير عز الملك محمد بن عبدالله بن أحمد الحراني الأديب العلامة صاحب التآليف‏.‏

وكان رافضياً له كتاب القضايا الصابية في التنجيم في ثلاثة آلاف ورقة و كتاب الأديان في العبادات في ثلاثة آلاف وخمس مائة ورقة وكتاب التلويح والتصريح في الشعر ثلاث مجلدات وكتاب تاريخ مصر وكتاب أنواع الجماع في أربع مجلدات وغير ذلك من السخافات‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الملك محمد بن أبي القاسم الكاتب الحراني الأصل المصري المولد صاحب التاريخ المشهور وغيره من المصنفات رزق حظوة في التصانيف وكان مع ما فيه من الفضائل على زي الأجناد واتصل بخدمة الحاكم العبيدي صاحب مصر ونال منه سعادة من الدنيا‏.‏

وبلغ تاريخه ثلاثة عشر ألف ورقة‏.‏وله عدة تصانيف أخرى وله شعر حسن من ذلك أبيات رثى بها أم ولده وهي‏:‏ ألا في سبيل الله قلب تقطعاً وقادحة لم تبق للعين مدمعا الصبر وقد حل الثرى من أوده ولله هم ما أشد وأوجعا فياليتني للموت قدمت قبلها وإلا فليت الموت أذهبنا معا سنة احدى وعشرين واربع مائة فيها أو في ما بعدها توفي الإمام أبو الفتح يحيى بن عيسى بن ملابس وهو ممن انتشر عنه فقه الإمام الشافعي في بلاد اليمن تفقه بجماعة منهم الإمام الحسين بن جعفر المراغي ومنهم الإمام محمد بن يحيى بن سراقة‏.‏

ثم ارتحل إلى مكة فجاور فيها وشرح مختصر المزني شرحه المشهور له في اليمن ذكر في أوله أنه شرحه بمكة في أربع سنين مقابل الكعبة‏.‏

وروى القاضي الإمام طاهر ابن الإمام العلامة يحيى بن أبي الخير العمراني مصنف كتاب البيان بسنده عن الإمام يحيى بن عيسى المذكور أنه لما استأذنه ولده في المجاورة بمكة نهاه أن يتزوج من النساء من هي بالغ بسنها قال‏:‏ فإني تزوجت بها ستين امرأة في أربع سنين ولا آمن عليك أن تتزوج من كنت تزوجت بها‏.‏

وفيها أقبلت الروم في ثلاثمائة ألف على قصد الشام فأشرف على معسكرهم سرية من العرب نحو مائة فارس وألف راجل فظن ملكهم أنها كبسة فاختفى ولبس خفاً أسود وهرب فوقعت الخبطة فيهم واستحكمت الهزيمة فطمع أولئك العرب منهم ووضعوا السيف حتى قتلوا مقتلة عظيمة وغنموا خزائن الملك واستغنوا بها‏.‏

وكاد أن يستولي الخراب إلى بغداد لضعف الهيبة وتتابع السنين فاجتمع الهاشميون في جامع المنصور ورفعوا المصاحف واستنفروا الناس فاجتمع إليهم الفقهاء وخلق من الإمامية والرافضة وضجوا بأن يعفوا من الترك فعمد الترك نعود بالله من الضلال فرفعوا صليباً على رمح وترامى الفريقان بالنشاب والآجر وقتل طائفة ثم تهاجروا وكثرت العملات والكبسات وأخذت المخازن الكبار والدور وتجدد دخول الأكراد اللصوص إلى بغداد فأخذوا خيول الأتراك من الاصطبلات‏.‏

وفيها توفي السلطان محمود ابن الأمير ناصر الدولة أبو منصور‏.‏

كان أبوه أمير الغزاة الذين يغزون من بلاد ما وراء النهر على أطراف الهند وأخذ عدة قلاع وافتتح ناحية بست‏.‏

وأما محمود فافتتح غزنة ثم بلاد ما وراء النهر ثم استولى على سائر خراسان ودان له الخلق على اختلاف أجناسهم وفرض على نفسه غزو الهند كل عام فافتتح منه بلاداً واسعة وقد مضى ذكر شيء من فتح البلاد البعيدة وصفاته الجميلة الحميدة وعلو همته الشريفة ورجوعه عن مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنهما في القضية المتقدمة في السنة العاشرة بعد الأربعمائة‏.‏

وفيها توفي الإمام أحمد بن محمد المعروف بابن دراج الأندلسي الشاعر‏.‏

قال الثعالبي‏:‏ كان يصقع الأندلس كالمتنبي يصقع الشام‏.‏

ومن أشعاره ما عارض بها قصيدة أبي نواس التي مدح بها الخصيب صاحب ديوان خراج مصر ومنها قوله‏:‏ تقول التي من بيتها خف محمل عزيزعلينا أن نراك تسير أما دون مصر للغني مطلب بلى إن أسباب الغنى لكثير فقلت لها واستعجلتها بوادر جرت فجرى من حرهن عبير درين أكثر حاسديك برحلة إلى بلدة فيها الخصيب أمير فما حازه جود ولا حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير فمن كان أمسى جاهلاً بمقالتي فإن أمير المؤمنين خبير ثم قال في أواخرها بعد ذكر المنازل‏:‏ زها بالخصيب السيف والرمح في الوغى وفي السلم يزهو منبر وسرير جواد إذا الأيدي قبضن عن الندى ومن دون عورات النساء غيور فإني جدير إن بلغتك للغنى وأنت لما أملت منك جدير فإن تولني منك الجميل فأهله وإلا فإني عاذر وشكور وكل هذه الأبيات من قصيدة أبي نواس وأما قصيدة ابن دراج المعارض بها فمنها هذه ا لأبيات‏:‏ دعيني أرد ماء المفاوز راجياً إلى حيث ماء للكرام نمير فإن خطيرات المهالك ضمنت براكبها أن الجزاء خطير ولما تراءت للوداع وقد هفا بصبري منها أنه وزفير تناشدني عهد المودة والهوى وفي المهد منهوم النداء صغير عيي بمرجوع الخطاب ولحظه بموقع أهواء النفوس خبير عصيت شفيع النفس فيه وقادني روائح تلاب السرى وبكور فطار جناح البين بي وهفت بها حوائج من دعو العراق تطير ولو شاهدتني والهواجر تلتظي علي ورقراق السراب يمور أسلط حراً لها جرات إذا سطا على حر وجهي والأصيل هجير واستنشق النكباء وهي لواقح وأستوطن الرمضاء وهي تفور وللموت في عين الجبان تلون وللذعر في سمع الجري صفير لبان لها أني من الضيم جازع وأني على مض الخطوب صبور أمير على غول السبايف ماله إذا ريع إلا المشرقي وزير ولو بصرت بي والسرى حل عزمتي وجرسي لجنان الفلاة سمير وأعتسف الموماة في غسق الدجى وللأسد في غيل الغياض زئير وقد حومت زهر النجوم كأنها كواعب في خضر الحدائق حور ودارت نجوم القطب حتى كأنها كؤوس مهاً والى بهن مدير وفيها أو قبلها أو بعدهما توفي الإمام أبو عبدالله محمد بن مسعود بن أحمد المسعودي الفقيه الشافعي الفاضل المبرز الورع من أهل مرو‏.‏

تفقه على أبي بكر القفال المروزي وشرح مختصر المزني وأحسن فيه وروى قليلاً من الحديث عن أستاذه القفال‏.‏

وحكى عنه الغزالي في كتاب الوسيط في الايمان مسألة لطيفة فقال‏:‏ فرع لو حلف لا يأكل بيضاً ثم انتهى إلى رجل فقال‏:‏ والله لآكلن ما في كمك فإذا هو بيض فقد سئل القفال عن هذه المسألة وهو على الكرسي فلم يحضر جواب‏.‏فقال المسعودي‏:‏ يتخذ منه الناطف ويأكله فيكون قد أكل ما في كمه ولم يأكل البيض فاستحسن ذلك منه‏.‏

وهذه الحيلة من لطائف الحيل الوافية من الوقوع في الخلل‏.‏

توفي المسعودي المذكور بعد نيف وعشرين وأربع مائة بمرو - رحمه الله تعالى - ونسبته إلى جده مسعود‏.‏