فصل: سنة أربع وتسعين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة تسعين واربع مائة

فيها قتل الأرسلان ابن السلطان وألب أرسلان السلجوقي‏.‏

وفيها التقى الأخوان دقاق ورضوان ابنا تتش بقنسرين فانكسر دقاق ونهب عسكره ثم تصالحا على أن يقدم أخاه في الخطبة بدمشق‏.‏

وفيها أقام رضوان بحلب دعوة العبيديين وخطب للمستعلي الباطني ثم بعد أشهر أنكر عليه صاحب أنطاكية وغيره فأعاد الخطبة العباسية‏.‏وفيها توفي أبو يعلى أحمد بن محمد البصري الفقيه المعروف بابن الصواف شيخ مالكية العراق وله تسعون سنة وكان علامة زاهداً مجداً في العبادة عارفاً بالحديث‏.‏

قال بعضهم‏:‏ كان إماماً في عشرة أنواع من العلوم‏.‏

توفي في رمضان‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح عبدوس بن عبدالله بن عبدوس رئيس همدان ومحدثها‏.‏

سمع من محمد بن أحمد بن حمدويه الطوسي وروى عنه الإمام أبو زرعة‏.‏

وفيها توفي الفقيه الإمام العالي المقام الصالح المشهور مفتي الأنام الفقيه الزاهد الورع العابد ذو المناقب العديدة والسيرة الحميدة أبو الفتح شيخ الشافعية بالشام نصر بن ابراهيم المقدسي النابلسي صاحب التصانيف قال علماء التاريخ‏:‏ كان إماماً علامة مفتياً محدثاً حافظاً زاهداً متبتلاً ورعاً كثير القدر عديم النظير‏.‏

قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر‏:‏ درس العلم ببيت المقدس ثم انتقل إلى صور فأقام بها عشر سنين ينشر العلم مع كثرة المخالفين له من الرافضة ثم انتقل منها إلى دمشق فأقام بها سبع سنين يحدث ويدرس ويفتي على طريقة واحدة من الزهد في الدنيا والتنزه عن الدنايا والجري على منهاج السلف من التقشف وتجنب السلاطين ورفض الطمع والاجتزاء باليسير مما يصل إليه من غلة أرض كانت له يأتيه منها ما يقتاته فيخبز له كل ليلة قرصة بجانب الكانون ولا يقبل من أحد شيئاً‏.‏

قال وسمعت من يحكي أن تاج الدولة ابن ألب أرسلان زاره يوماً فلم يقم له وسأله عن أجل الأموال التي يتصرف بها السلطان فقال‏:‏ أجلها أموال الجزية وخرج من عنده فأرسل إليه بمبلغ من المال وقال‏:‏ هذا من مال الجزية ففرقه على الأصحاب فلم يقبله وقال‏:‏ لا حاجة بنا إليه‏.‏

فلما ذهب الرسول لامه بعض الفقهاء وقال‏:‏ قد علمت حاجتنا إليه فلو كنت قبلته وفرقته فينا فقال له‏:‏ لا تجزع من فوته فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك‏.‏

فكان كما تفرس فيه‏.‏

قال وسمعت بعض من صحبه يقول‏:‏ لو كان الفقيه أبو الفتح في السلف لم يقصر درجته عن واحد منهم لكنهم فاقوه بالسبق‏.‏

وكانت أوقاته كلها مستغرقة في عمل الخير إما في نشر علم وإما في إصلاح عمل‏.‏

قال‏:‏ وحكى بعض أهل العلم أنه قال‏:‏ صحبت إمام الحرمين أبا المعالي الجويني بخراسان ثم قدمت العراق وصحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة أبي المعالي ثم قدمت الشام فرأيت الفقيه أبا الفتح فكانت طريقته أحسن من طريقيتهما جميعاً‏.‏توفي بدمشق في السنة المذكورة يوم عاشوراء وكان عمره نيف علي ثمانين سنة رحمة الله عليه‏.‏

 سنة إحدى وتسعين وأربع مائة

في جمادى الأولى‏:‏ فيها ملكت الفرنج أنطاكية بالسيف ونجا صاحبها في ثلاثين فارساً ثم ندم حتى غشي عليه من الغم فأركبوه فلم يتماسك فتركوه وتنحوا فعرفه أرمني حطاب فقطع رأسه وحمله إلى ملك الفرنج وعظم المصاب على المسلمين برواح أنطاكية وأخذت الفرنج المعرة بالسيف ثم تجامع عساكر الجزيرة والشام فعملوا مع الفرنج مصافاً فتجادلوا وهزمتهم الفرنج‏.‏

وفيها توفي أبو العباس أحمد بن عبد الغفار الأصبهاني رحمه الله‏.‏

وفيها توفي أبو الفوارس طراد بن محمد بن علي النقيب الهاشمي العباسي نقيب النقباء ومسند العراق‏.‏

روى عن جماعة وأملى مجالس كثيرة وازدحموا عليه ورحلوا إليه‏.‏

وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن الكرخي مكي بن منصور الرئيس السلار نائب الكرخ معتمدها وكان محمود السيرة وافر الحشمة‏.‏

 سنة اثنتين وتسعين واربع مائة

فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها وقويت شوكتهم وأخذت الفرنج الملاعين فيها بيت المقدس بكرة الجمعة لسبع بقين من شعبان بعد حصار شهر ونصف‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ قتلت الفرنج في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً‏.‏

وفيها ابتداء دولة محمد بن السلطان ملك شاه طلع شهماً شجاعاً مهيباً فتسارعت إليه العساكر فسار إلى الري فتملكها‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن عبد القادر بن محمد البغدادي اليوسفي‏.‏

كان جليل القدر روى عن ابن شاذان وطبقته‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم الخليلي أحمد بن محمد الدهقان رحمه الله‏.‏

وفيها توفي أبو تراب المراغي عبد الباقي بن يوسف‏.‏

قال السمعاني‏:‏ كان عديم النظير في فنه بهي المنظر سليم النفس عاملاً بعلمه نفاعاً للخلق فقيه النفس قوي الحفظ تفقه ببغداد على أبي الطيب الطبري وسمع أبا علي بن شاذان‏.‏

وفيها توفي الخلعي القاضي أبو الحسين المصري الفقيه الشافعي‏.‏

سمع من طائفة وانتهى إليه علم الاسناد بمصر‏.‏

قال ابن سكرة‏:‏ فقيه له تصانيف ولي القضاء وحكم يوماً واستعفى وانزوى في القرافة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي أحد من استشهد بالقدس رحل وجمع واجتهد في هذا الشأن‏.‏

 سنة ثلاث وتسعين واربع مائة

فيها التقى المسلمون مع الفرنج بقرب ملطية وانكسر الفرنج وأسر ملكه ولم يفلت منهم سوى ثلاثة آلاف هربوا في الليل وكانوا ثلاثمائة ألف‏.‏

وفيها توفي الشيخ الحافظ المحدث عبد الملك بن محمد اليمني اليافعي‏.‏

رحل وسمع من جماعة كبار في مكة وعدن وجبال اليمن‏.‏

وروى كتاب الرسالة للشافعي ومختصر المزني والدقائق لابن المبارك وكان شيخاً فاضلاً ورعاً زاهداً يقال إنه سأله بعض أهل بغداد الانتقال إليه ليقرأ عليه وبذل له في ذلك مالاً فامتنع وكتب إليه بقصيدة مفتتحها‏.‏

منزلي منزل رحيب أنيق فيه لي من فواكه الصيف سويق قلت يحتمل أنه أراد الفواكه المعنوية إشارة إلى أنواع العلوم ونشرها في بلده على وجه ويثمر خوخ الخوف في روضة الرضا وإجاص إخلاص وتين التوكل وأرطاب حب قد جنتها يد الهوى وأعناب السواق بها القلب ممتل ورمان إجلال وتفاح هيبة وموز الحيامبدي رجاء السفرجل جنان جنان عارف لمعارف جنى من جناها كل دان مذلل فيا طرف قلب عش برؤياك طرفة ويا نفس أحلى نفيس له كلي واليافعي نسبة إلى يافع بن زيد بن مالك بن زيد بن مالك بن رعين بطن من حمير‏.‏

قال الإمام أبو سعد السمعاني في كتاب الأنساب‏:‏ ومنهم راشد بن جندل اليافعي روى عن حبيب بن أوس روى عنه يزيد بن أبي حبيب‏.‏

وفيها توفي الإمام النحوي اللغوي صاحب التصانيف سليمان بن عبدالله بن الفتى النهرواني‏.‏

صنف كتاب القانون في اللغة عشر مجلدات وكتاباً في التفسير وتخرج به أهل أصبهان ودرس ولده الحسن في النظامية‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل عبد القاهر بن عبد السلام العباسي النقيب المقرىء المالكي‏.‏

 سنة أربع وتسعين وأربعمائة

فيها كثرت الباطنية بالعراق والجبل وزعيمهم الحسن بن صباح تملكوا القلاع وقطعوا السبيل وأهم الناس شأنهم لاشتغال أولاد ملك شاه بنفوسهم ومقاتلة بعضهم بعضاً‏.‏

وفيها أخذت الفرنج بلداناً بالشام منها سروج وقيسارية بالسيف وأرسوف بالأمان‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي‏.‏

وفيها توفي الفقيه الإمام شيخ الشافعية بخراسان أبو الفرج البزاز بالزاي المكررة قبل الألف وبعدها عبد الرحمن السرخسي ثم المروزي تلميذ القاضي حسين‏.‏

وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب والورع‏.‏

وعبد الواحد ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري وكان صالحاً عالماً كثير الفضل‏.‏

روى عن جماعة وسماعه من الطرازي حضوراً‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو المعالي شيخ الوعاظ بالعراق مؤلف كتاب مصارع العشاق عزيز بن عبد الملك شيذلة الجيلي‏.‏

كان فقيهاً شافعياً فاضلاً واعظاً ماهراً فصيح اللسان حلو العبارة كثير المحفوظات صنف في الفقه وأصول الدين والوعظ والمحبة وجمع كثيراً من أشعار العرب وتولى القضاء ببغداد وسمع الحديث الكثير من جماعة كثيرة كان أشعري المذهب وناصراً له‏.‏قال ابن خلكان‏:‏ ومن كلامه يعني في المحبة‏:‏ إنما قيل لموسى عليه السلام‏:‏ لن تراني لأنه لما قيل له‏:‏ انظر إلى الجبل نظر إليه فقيل‏:‏ يا طالب انظر إلينا لما تنظر إلى ما سوانا‏.‏

ثم أنشد‏.‏

يا مدع بمقالة صدق المودة والإخا ** لوكنت تصدق في المحبة مانظرت

إلى سوى انتهى قلت وكلامه هذا الذي حكاه ابن خلكان لا يليق بالكليم الوجيه ابن عمران‏.‏

إنما يليق بغيره ممن في محبته نقصان كما في حكاية الجارية المشهورة التي قالت لمدعي محبتها‏:‏ ورائي من هو أحسن مني فلما التفت قالت‏:‏ لوكنت صادقاً في هوانا لما التفت إلى سوانا وأما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يحسن هذا في حقهم بل لايجوز فإن منصب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أرفع من أن يناله شين ولا ملام وأنما يحسن في غيرهم إذا ادعى الحب والغرام‏.‏

وعجبت من ابن خلكان كيف يحكي مثل هذا في حق موسى عليه السلام ولا ينكره على قائله‏.‏

وقال أبو المعالي المذكور‏:‏ أنشدني والدي عند خروجه من بغداد للحج‏.‏

مددت إلى التوديع كفاً ضعيفة وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي فلا كان هذا العهد آخر عهدنا ولا كان ذا التوديع آخر زادي توفي رحمه الله يوم الجمعة ودفن محاذياً للشيخ أبي إسحاق الشيرازي وعزيز‏:‏ بفتح العين المهملة وزايان بينهما مثناة من تحت ساكنة‏.‏

وشيذلة بفتح الشين والذال المعجمتين وبينهما مثناة من تحت ساكنة‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ولا أعرف معنى هذا اللقب مع كثرة كشفي عنه‏.‏

فيها توفي المستعلي بالله أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله العبيدي صاحب مصر وفي أيامه انقطعت دولته من الشام واستولى عليه أتراك وفرنج فأخذوا البيت المقدس وقتل فيه من المسلمين خلق كثير وقتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً وأخذوا من عند الصخرة من أواني الذهب والفضة ما لا يضبطه الوصف ولم يكن للمستعلي مع الأفضل حل ولا ربط بل كان الأفضل أمير الجيوش هو الكل‏.‏

وفي أيامه هرب أخوه نزار الذي تنسب إليه الدعوة النزارية بقلعة الألموت فدخل الإسكندرية وبايعه أهلها وساعده القاضي ابن عمار ومتوليها فنازلهم الأفضل مرة بعد أخرى حتى ظفر بهم ورجع فذبح متولي الإسكندرية وبنى على نزار حائطاً فهلك‏.‏

وفيها توفي شيخ الأطباء بالعراق سعيد بن هبة الله صاحب التصانيف في الفلسفة والطب والمنطق‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الفقيه‏.‏

قال السمعاني‏:‏ عمر مائة وثلاثين سنة‏.‏

 سنة ست وتسعين واربع مائة

فيها سار دقاق صاحب دمشق فأخذ الرحبة وتسلم حمص بعد موت صاحبها‏.‏

وفيها توفي مقرىء العراق أبو طاهر أحمد بن علي صنف المستنير في القراءات كان ثقة محموداً أقرأ خلقاً‏.‏

وسمع الكثير عن ابن غيلان وطبقته‏.‏

وفيها توفي مقرىء الأندلس أبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي مولى المؤيد بالله الأموي وفيها توفي أبو البركات محمد بن المنكدر الكرخي المؤدب‏.‏

روى عن عبد الملك ابن بشران‏.‏وفيها توفي أبو الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم النحوي رحل إلى قرطبة وأقام بها مدة وأخذ الأدب عن جماعة وكان عالماً بالعربية واللغة ومعاني الأشعار حافظاً لها كثير العناية بها حسن الضبط لها مشهوراً بمعرفتها وإتقانها أخذ الناس عنه كثيراً وكانت الرحلة في وقته إليه وقد أخذ عنه أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني‏.‏

وشرح كتاب الجمل للزجاجي وشرح أبياته في كتاب مفرد وكف بصره في آخر عمره وإنما قيل له‏:‏ الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة العليا ومن كان هكذا يقال له أعلم فإن كان مشقوق الشفة السفلى قيل له‏:‏ أفلح بالفاء والحاء المهملة بينهما لام وكان غيره‏:‏ العباسي الفارسي المشهور بالشجاعة يلقب الفلحاء لفلحة كانت به‏.‏وإنما ذهبوا به إلى تأنيث الشفة كأنهم يعنون به صاحب الشفة الفلحاء وكان سهيل بن عمرو القرشي رضي الله تعالى عنه أعلم فلما أسر يوم بدر قال عمر رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ دعني أنزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيباً أبداً فقال عليه السلام‏:‏ دعه فعسى أن يقوم مقاماً تحمده وكان من الخطباء الفصحاء وهو الذي أبرم صلح الحديبية على يديه ثم أسلم وحسن إسلامه ثم قام هو لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً بمكة وسكن الناس ومنعهم من الاختلاف بعد تشتت أمر الإسلام وارتداد جماعة من العرب وكان مقامه حينئذ لتثبيت الناس هو المقام المحمود وإنما قال عمر رضي الله عنه فلا يقوم عليك خطيباً‏:‏ لأنه إذا كان مشقوق الشفة العليا ونزعت ثنيته تعذر عليه الكلام إلا بمشقة سبع وتسعين واربع مائة فيها نازلت الفرنج حران فالتقاهم سقمان ومعه عشرة آلاف فانهزموا وتبعهم الفرنج فرسخين ثم نزل النصر وكر المسلمون فقتلوهم كيف شاؤوا‏.‏وكان فتحاً عظيماً‏.‏

وفيها توفي أحمد بن علي المعروف بابن زهر الصوفي البغدادي وفيها توفي القدوة الواعظ الزاهد اسماعيل بن علي النيسابوري وفيها توفي شمس الملك ابن تاج الدولة السلجوقي‏.‏

وكان مسجوناً ببعلبك فذهب بجهله إلى صاحب القدس لكي ينصره فلم يلو عليه فتوجه إلى الشرق فهلك‏.‏

وفيها توفي أبو مكتوم عيسى ابن الحافظ أبي ذر عبدالله بن أحمد الهروي ثم السروي الحجازي‏.‏

روى عن أبيه صحيح البخاري‏.‏

وفيها توفي مفتي الأندلس ومسندها محمد بن الفرج القرطبي المالكي كان رأساً في العلم والعمل قوالاً بالحق رحل إليه الناس من الأقطار لسماع الموطأ سنة ثمان وتسعين واربع مائة فيها توفي الحافظ أبو علي أحمد بن محمد البغدادي البوارني كان بصيراً بالحديث محققاً حجة‏.‏

وفيها توفي أبو عبدالله الطبري الحسين بن علي الفقيه الشافعي محدث مكة‏.‏

روى صحيح مسلم عن عبد الغافر وكان فقيهاً مفتياً‏.‏

تفقه على ناصر بن الحسين العمري‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وجرت له فتن وخطوب مع هياج بن عبيد وأهل السنة بمكة وكان عارفاً بمذهب الأشعري انتهى كلامه‏.‏

قلت‏:‏ اسمعوا هذا الكلام العجيب كيف جعل أهل السنة هم المخالفون لمذهب الأشعري وهذا مما يدلك على اعتقاده لمذهب الظاهرية الحشوية مع دلائل أخرى متفرقة في كتابه‏.‏وفيها توفي الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الجياني بالجيم والمثناة من تحت وبعد الألف نون الغساني الأندلسي أحد أركان الحديث بقرطبة‏.‏

روى عن ابن عبد البر وجماعة من طبقته‏.‏

وكان كامل الأدوات في الحديث علامة في اللغة ولشعر والنسب وحسن التصنيف‏.‏وفيها توفي سقمان التركماني صاحب ماردين وجد ملوكها‏.‏

كان أميراً جليلاً صالحاً فارساً موصوفاً حضر عدة حروب‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد السلام أبو الفضل الأنصاري البزاز البغدادي‏.‏

كان جليلاً صالحاً‏.‏

روى عن البرقاني وابن شاذان‏.‏

فيها ظهر بنهاوند رجل ادعى النبوة وكان ساحراً صاحب مخاريق فتبعه‏:‏ خلق كثير وكثرت عليهم الأموال وكان لا يدخر شيئاً فأخذ وقتل قاتلة الله تعالى‏.‏

وفيها توفي أخو نظام الملك عبدالله بن علي بن إسحاق الطوسي‏.‏والعبد الصالح الزاهد القانت لله أحد القراء ببغداد أبو منصور الخياط‏:‏ محمد بن أحمد البغدادي قال ابن ناصر‏:‏ كانت له كرامات‏.‏

وفيها توفي أبو البقاء الحبال المعمر بن محمد الكوفي‏.‏

 سنة خمس مائة

فيها غزا السلطان محمد ابن ملك شاه الباطنية وأخذ قلعتهم بأصبهان وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك‏.‏

وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة وهي من بناء ملك شاه بناها على رأس جبل وغرم عليها ألف ألف دينار‏.‏

وفيها توفي عالم أهل طوس‏:‏ العلأمة أبو المظفز الخوافي بفتح الخاء المعجمة وقبل الألف واو وبعدها فاء نسبة إلى ناحية من نواحي نيسابور كثيرة القرى الفقيه الشافعي كان أنظر أهل زمانه تفقه على إمام الحرمين حتى صار أوحد تلامذته ولي القضاء بطوس ونواحيها وكان مشهوراً بين العلماء بحسن المناظرة وإقحام الخصوم وكان رفيق أبي حامد الغزالي‏.‏

رزق الغزالي السعادة في تصانيفه والخوافي في مناظراته‏.‏

وفيها توفي جعفر بن أحمد البغدادي المقرىء السراج الأديب‏.‏

روى عن ابن شاذان وجماعة وكان ثقة بارعاً أخبارياً علامة كثير الشعر حسن التصانيف‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين بن الطيوري المبارك بن عبد الجبار‏.‏قال ابن السمعاني‏:‏ كان مكثراً صالحاً أميناً صدوقاً صحيح الأصول رصيناً وقوراً كثير الكتابة‏.‏

وفيها توفي أبو الكرم المبارك بن فاخر الدباس الأديب من كبار أئمة اللغة والنحو ببغداد وله مصنفات‏.‏

روى عن القاضي أبي الطيب الطبري وأخذ العربية عن عبد الواحد ابن برهان بفتح الموحدة النحوي‏.‏

وفيها توفي حافظ عصره وعلامة زمانه‏:‏ أبو محمد جعفر بن أحمد المعروف بابن السراج القارىء البغدادي صاحب التصانيف العجيبة منها‏:‏ كتاب مصارع العشاق وغيره حدث عن أبي علي بن شاذان وأبي الفتح بن شاهين والخلال وغيرهم‏.‏

وأخذ عنه خلق كثير وله شعر حسن منه قوله‏:‏ وعدت بأن تزوري كل شهر فزوري قد تقضى الشهر زوري وشقى بيننا نهر المعلى إلى البلد المسمى شهرزور وأشهر هجرك المحتوم صدق ولكن شهر وصلك شهر زور قلت وقد أبدى في الثلاثة الأبيات صنعة حسنة من الجناس فالقافية الأولى مركبة من الشهر والأمر لها بالزيارة والثانية اسم البلد المعروف والثالثة إضافة شهر إلى زور‏:‏ أي الشهر الموعود فيه بوصلك شهر كذب ولكن القافية الوسطى مشتملة على الإقواء الذي هو من جملة عيوب القافية لأن إعرابه على وفق العربية النصب لكونه مفعولاً ثانياً على وزن قولك‏:‏ مشيت إلى الرجل المسمى زيداً والقافية التي قبلها والتي بعدها مخفوضتان بالأمر للمؤنثة والأخيرة بإضافة شهر إليها لكني قد وجهت للقافية الوسطى في دفع الإقواء المعاب وجهاً من وجوه الإعراب وهو أن يقال‏:‏ المراد بالمسمى‏:‏ السمو أي‏:‏ الرفع كما قال قبله المعلى ويكون قوله بعده شهر زور مخفوضاً بدلاً من البلد المخفوض بإلى ولو قال‏:‏ إلى البلد المروي أو المشرق لسلم من الإقواء‏.‏

ومن جلالة جعفر المذكور أن أبا طاهر السلفي كان يفتخر رويته مع كونه لقي أعيان ذلك الزمان وأخذ عنهم‏.‏

وفيها وقيل في ثلاث وتسعين توفي يوسف بن تاشفين أمير المسلمين سلطان المغرب أبو يعقوب البربري الملثم‏.‏

كان أكبر ملوك الدنيا في عصره ودولته بضعاً وثلاثين سنة وكان رجلاً شجاعاً عادلاً عديم الرفاهية تشيب العيش على قاعدة البربر اختط مراكش وأنشأها في برج صغير وصيرها دار الإمارة وكثرت جيوشه وبعد صيته وتملك الأندلس ودانت له الأمم‏.‏

وفي آخر أيامه بعث رسولاً إلى العراق يطلب عهداً من المستظهر بالله فبعث له بالخلع والتقليد واللواء فأقيمت الخطبة العباسية بممالكه وكان يميل إلى أهل العلم والدين ويكرمهم ويصدر عن رأيهم وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام‏.‏

ومن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها وتمنى آخر عملاً يعمل فيه لأمير المسلمين وتمنى الآخر زوجة ابن تاشفين المذكور وكانت من أحسن النساء ولها حكم في بلاده فبلغه الخبر فأحضرهم وأعطى متمني المال ألف دينار واستعمل للذي تمنى الاستعمال وقال للذي تمنى زوجته‏:‏ يا جاهل ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ثم أرسله إليها فأنزلته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه كل يوم طعاماً واحداً ثم أحضرته وقالت له‏:‏ ما أكلت في هذه الأيام قال‏:‏ طعاماً واحداً قالت‏:‏ كذلك كل النساء شيء واحد وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته‏.‏قلت‏:‏ وقد سمعت ما يناسب هذا عن بعض ملوك الهند حكي أنه خرج ملك من ملوك الهند في بعض الليالي متنكراً ليسمع ما يقول الناس في بلاده فرأى ثلاثة جلوساً فدنا منهم فإذا بهم يتمنى كل واحد منهم شيئاً‏.‏فقال أحدهم‏:‏ أتمنى أن أكون ملكاً وقال آخر‏:‏ أتمنى زوجة الملك أتزوجها وقال الثالث‏:‏ أتمنى فرساً وسيفاً ولباساً للحرب لأجاهد في سبيل الله فلما أصبح الملك استدعي بهم فلما حضروا أعطى الذي تمنى الجهاد فرساً جواداً وسيفاً ماضياً ولباساً حصيناً وقال‏:‏ هذا ما تمنيت‏.‏

وأجلس الذي تمنى الملك في مكان وفوق رأسه سيف مسلول معلق بشيء واه فبقي خائفاً يلتفت إلى السي‏.‏

فقال له‏:‏ أراك تلتفت فقال‏:‏ أخاف من هذا السيف فقال‏:‏ ما تطلب بالملك فإن الملك لا يزال خائفاً مثلك الآن وأمر بطعام وإدام من جنس واحد ملون بألوان مختلفة فأحضر ذلك وأمر الذي تمنى زوجته أن يأكل من تلك الألوان ففعل فقال له‏:‏ كيف رأيت ألوانه قال‏:‏ مختلفة قال‏:‏ فكيف طعمه قال‏:‏ واحد قال‏:‏ فكذلك النساء انتهى معنى الحكاية‏.‏

قلت‏:‏ ومثل هذا المقال إنما هو مدافعة وتساهل في التمثيل وليس المثل كالمثل فإن اللذات بالنساء تتفاوت بحسب تفاوت جمالهن وتفاوت منصبهن وشرفهن وذلك معروف لا يمكن جحده‏.‏

ولهذا يقول الرسول - عليه السلام‏:‏ ‏"‏ ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال‏:‏ إني أخاف الله ‏"‏‏.‏

فمدحه بذلك وبين فضله بمخالفة هواه مع شدة ميل الطبع وقوة الشهوة المتصفة بهذه الصفة‏.‏

رجعنا إلى ذكر ابن تاشفين وقال بعضهم‏:‏ كان يوسف بن تاشفين مقدم جيش أبي بكر بن عمر الصنهاجي وكان أبو بكر المذكور قد حاصر سجلماسة وقاتل أهلها أشد القتال حتى أخذها ثم رتب عليها يوسف بن تاشفين وكان من أمره ما كان وأول ذلك أن البرير خرج عليهم من جنوب المغرب الملثمون يتقدمهم أبو بكر بن عمر الصنهاجي وكان رجلاً ساذجاً خير الطباع مؤثراً لبلاده على بلاد المغرب غير ميال إلى الرفاهية وكانت ولاة المغرب ضعفاء فلم يقدروا يقاومون الملثمين فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط‏.‏

فلما حصلت البلاد لأبي بكر المذكور سمع أن عجوزاً في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة فبكت وقالت‏:‏ ضيعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب يوسف بن تاشفين المذكور من أصحابه ورجع إلى بلاده وكان يوسف رجلاً شجاعاً مقداماً عادلاً فاختط بالمغرب مدينة مراكش - كما تقدم - وكان موضعها مكمناً للصوص ثم تملك الأندلس بعد وقائع يطول ذكرها وصار ملكاً للعرب الملثمين‏.‏

وكان قد ظهر لأبطال الملثمين ضربات بالسيوف تقد الفارس وطعنات بالرماح تنظم الكلاء وكان لهم بذلك ناموس ورعب في قلوب المبتدئين لقتالهم وسموا ملثمين‏:‏ لأنهم كانوا يلثمون ولا يكشفون وجوههم‏.‏وسبب ذلك على ما قيل إن حمير كانت تلثم لشدة الحر والبرد يفعله الخواص منهم فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم‏.‏

وقيل سببه أن قوماً من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا فيطرقون الحي ويأخذون المال والحريم فأشار عليهم بعض مشائخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية ويقعدوا لهم في البيوت ملثمين في زي النساء فإذا أتاهم العدو وظنوا أنهم النساء خرجوا عليهم ففعلوا ذلك وثاروا عليهم بالسيوف وقتلوهم فلزموا اللثام تبركاً بما حصل لهم من الظفر‏.‏

وقال الشيخ الحافظ عز الدين بن الأثير في تاريخه الكبير‏:‏ وقيل إن سبب اللثام أن طائفة منهم خرجوا‏.‏

مغيرين على عدوهم فخلفهم العدو إلى بيوتهم ولم يكن بها إلا الشيوخ والصبيان‏.‏

فلما تحقق الشيوخ مجيء العدو لهم أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال ويلثمن حتى لا يعرفن ويلبسن السلاح‏.‏

ففعل ذلك وتقدم الشيوخ والصبيان أمامهن واستدار النساء بالبيوت فلما أشرف العدو ورأى جمعاً عظيماً وظنوا رجالاً وقالوا‏:‏ هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهن قتال الموت فالرأي أن نسوق النعم ونمضي فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم فبيناهم في جميع النعم من المراعي إذ أقبل رجال الحي فبقي العدو بينهم وبين النساء فقتلوا من العدو كثيراً وكان من قبل النساء لهم أكثر‏.‏

فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنة ولازموا ذلك فلا يعرف الشيخ من الشاب‏.‏ومما قيل في اللثام‏:‏ قوم لهم درك العلى في حمير وإن أنتم صنهاجة فهم هم لما حووا إحراز كل فضيلة غلب الحياء عليهم فتلثموا ولما حضرت الوفاة يوسف بن تاشفين عهد بالأمر من بعده إلى ابنه علي الذي خرج عليه ابن تومرت بفتح المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الميم والراء وسكون المثناة في آخره‏.‏وفيها أو بعدها توفي الإمام العلامة الفقيه الفرضي إسحاق بن يوسف بن ابراهيم بن يعقوب بن عبد الصمد الصروفي مصئص كتاب الكافي في الفرائض‏.‏

تفقه بجعفر بن عبد الرحمن وإسحاق العشاري‏.‏

وكان علامة في المواريث والحساب وكتابه دال على علمه ويقال إن أصله من المعافر وسكن الصروف وصنف الكافي فاستغنى به أهل زمانه عن الكتب القديمة في المواريث‏.‏قلت وكتابه المذكور مبارك واضح بكثرة الأمثلة انتفع به خلق كثير - وخصوصاً من أهل اليمن - ويقال إنه لما أظهر في بعض البلاد الشاسعة ابتاع بوزنه فضة وأرى أن مثله في الانتفاع والبركة والإيضاح بكثرة الأمثلة كتاب الجمل في النحو للزجاجي‏.‏

وسمعت من بعض شيوخنا يحكي عن بعض العلماء في بعض الآفاق أنه قال‏:‏ ما بلغت فضيلة في أحد من أهل اليمن إلا في اثنين‏:‏ صاحب الكافي في الفرائض وصاحب كتاب البيان في الفقه‏.‏

قلت‏:‏ لا شك أن هذين الكتابين اشتهرا في قديم الزمان وشاعا في البلدان فلهذا قيل ذلك المقال‏.‏

ولبعض المتأخرين من أهل اليمن أيضاً تصانيف منها‏:‏ شرح المهذب للإمام الكبير الولي الشهير اسماعيل بن محمد الحضرمي ومنها شرح التنبيه لابن أخته الفقيه العلامة القاضي جمال الدين ومنها شرح الوسيط للفقيه الإمام المالكي أبي شكيل في بضعة عشر مجلداً وغالب فضائل أهل اليمن إنما هي بالصلاح والأوصاف الملاح ويكفي دليلاً على فضلهم ودينهم قوله - عليه الصلاة والسلام - ‏"‏ الإيمان يمان والحكمة يمانية ‏"‏‏.‏

رجعنا إلى ذكر الإمام الصروفي في ذكر ابن سمرة أنه كان له ابنتان تزوج إحديهما - وهي تسمى ملكة - الفقيه الإمام زيد بن عبد الله اليفاعي فأولدها بنتاً اسمها هندة هي أم محمد بن سالم الإمام بجامع ذي شرف ولذلك صارت كتب الفقيه زيد بن عبدالله اليفاعي بأيديهم لأنه لم يرثه غير أمهم هذه‏.‏

وتزوج الأخرى إمام مسجد الجند‏:‏ حسان بن محمد فاستولدها ولداً وصار إليه من كتب الفقيه إسحاق شيء‏.‏

قال الإمام ابن سمرة‏:‏ وأخبرني الفقيه الفاضل عبدالله بن محمد بن سالم بمنزله بذي باشرق عن شيوخه عن الشيخ إسحاق الصروفي أنه كان يقرأ عليه رجل من الجن ساحت الخلق فلما كان ذات يوم أتاهم رجل محنش وهو الذي يلزم الحنشات والحيات بيده فلا تضره - فقال الجني للشيخ إسحاق‏:‏ أتمثل لهذا ثعباناً وانظر ما يكون منه فكره الشيخ ذلك منه فلم يقبل منه فتصور الجني ثعباناً فعزم الراقي عليه حتى حصل في جونته فطلب الشيخ منه أن يطلقه فتعسر عليه ساعة فأطلقه من جونته فغاب ومكث خمسة عشر يوماً فعاد إلى الشيخ وفيه آثار من نار فسأله عن ذلك فقال‏:‏ إنه لما عزم علي أردت أن أخرج فكانت نار تلفحني من كل جهة ولا أرى موضعاً خالياً من النار فدخلتها كارهاً فهذه الآثار من تلك النار‏.‏