فصل: سنة أربع وأربعين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة سبع وثلاثين

وفيها وقعة صفين بين جيش على العراقيين وجيش معاوية الشاميين في شهر صفر‏.‏

وقال الإمام أحمد في تاريخه في شهر ربيع الأول ودامت أياماً وليالي وقتل بين الفريقين على ما نقلوا ستون ألفاً‏.‏

وروي عن ابن سيرين أنهم سبعون ألفاً منهم أبو اليقظان عمار بن ياسر العنسي رضي الله عنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ تقتلك الفئة الباغية ‏"‏ وقتلوه أصحاب معاوية‏.‏

وفي رواية ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية وسمية أمه وويح كلمة معناها الترحم وكان من أهل النجابة في سبيل الله والصدق في دين الله بمكانة حفيلة بعثه علي رضي الله عنه ومعه ابنه الحسن ليستغفر أهل الكوفة في حرب يوم الجمل كما تقدم فاستنفراهم وقال في خطبته والله إني لأعلم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا الآّخرة يعني عائشة رضي الله عنها ولكن الله تعالى ابتلاكم بها ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها وعاتبه رجلان جليلان ممن توقف عن القتال لما التقى الفريقان في كلام معناه ما رأينا منكم قط شيئاً نكرهه سوى سراعك في هذا الأمر يعني فى القتال مع علي او نحو ذلك من المقال‏.‏

وهذا مما يدل على أن المسلمين اختلف علمهم في ذلك فالموافقون منهم اتضح لهم الحق مع علي فبايعوه ومنهم من توهم أن الحق مع معاوية فبايعه ومنهم من أشكال عليه الحال فتوقف ومن المتوقفين سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمر بن الخطاب وأسامة بن زيد ومحمد بن سلمة وآخرون رضي الله عنهم وكان عمار رضي الله عنه من السابقين المهاجرين من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وممن عذب في الله فلم يصده ذلك عن دين الله ومناقبه كثيرة جليلة شهيرة‏.‏

وقتل مع علي أيضاً ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري ويقال إنه بدري‏.‏

وأبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن المعروف بابن أبي ليلى‏.‏

ومن غير الصحابة عبيدالله بن عمر الخطاب رضي الله عنه العدوي قتل مع معاوية وكان على جيل الشام يومئذ ولما طعن والده سل سيفه ووثب على الهرمزان صاحب تستر فقتله‏.‏

قلت ويحتمل أن ذلك بسبب كون قاتل عمر له به تعلق والله أعلم‏.‏

وذكر أهل التواريخ أشياء أخرى في قتال صفين ما لا ينبغي أن يذكر وقتل مع علي أيضاً‏:‏ هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المعروف بالمرقال والسيرحال راوية علي يومئذ ويقال إنه من أصحابه‏.‏

وعبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وكان على رجالة علي وأبو حسناء قيس بن المكشوح المرادي‏.‏

احد الأبطال وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي‏.‏

وجندب بن زهير الغامدي الكوفي ويقال له صحبة‏.‏

وقيل وجد في قتلى أصحاب علي رضي الله عنه السيد الجليل العارف بالله الذي ملأ فضله الآفاق واشتهر دنوه صلى الله عليه وآله وسلم بفضله في البدو والحضر الولي الكبير المفضل على سائر التابعين من غير شك فيه ولأمراء بشهادة إمام المرسلين وسيد الورى صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ اويس بن عامر اليمني المرادي‏.‏

ومناقبه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر ويكفيه من ذلك أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خير التابعين في صحيح مسلم وقد ذكرت شيئاً من فضائله في كتاب روض الرياحين وفيه وفي سائر من سقى شراب المحبة من الساسات قلت هذه الأبيات‏.‏

سقى الله قوماً من شراب وداده فهاموا به ما بين باد وحاضر سكارى عن الأكوان غابوا فما يرى سوى واله فى حب مولاه ذاكر يناجونه في ظلمة الليل عندما به قد خلوا منهم أويس بن عامر شهير يماني حوى المجد والعلى لنا فيه عالي الفجرعند التفاخر وقتل أيضا مع معاوية‏:‏ حابس الطائي قاضي حمص وكان على رجالة معاوية وقتل من أمراء معاوية ذو الكلاع الحميري نزيل حمص وهو أحد من شهد اليرموك وكان على ميمنة معاوية وكان من أعظم أصحابه خطر الشرفة ودينه وطلب منه معاوية أن يخطب الناس ويحضهم على القتال‏.‏

قال الجوهري في الصحاح‏:‏ ذو الكلاع بالفتح اسم ملك من ملوك اليمن وقال يزيد بن هارون‏:‏ سمعت الجراح بن المباهل يقول‏:‏ كان عند ذي الكلاع اثنا عشر ألف بيت من المسلمين يعني تحت ملكه فبعث إليه عمر فقال‏:‏ نشتري ونستعين بهم على عدوهم فقال‏:‏ لا هم أحرار‏.‏

فأعتقهم في ساعة واحدة‏.‏

قال بعض من له اطلاع على علم الحد يث‏:‏ الجراح متروك الحد يث وكان جيش معاوية سبعين ألفاً وجيش علي قيل مائة ألف وقيل تسعين وقيل خمسين ألفاً وذكر الزبير بن بكار أن جيش معاوية كان خمسة وثلاثين ومائة ألف وكان جيش علي عشرين أو ثلاثين ومائة ألف وأنشد في ذلك بعض أصحاب معاوية‏.‏

غداة أتى أهل العراق كأنهم من البحر لجج موجه متراكب وجئناهم نمشي كأن صفوفنا شهاب حريق رفعتها الجنائب فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا علياً فقلنا بل نرى أن تضاربوا فطارت إلينا بالرماح كماتهم وطرنا إليهم بالأكف قواضب إذانحن قلنا استهزموا عرضت لنا كتائب منهم وأزحجت كتائب فلاهم مولون الظهور فيدبروا فراراً كفعل الجاذرات الذرائب يعني بالذرايب الضواري‏:‏ يقال ذرب على الشيء إذا تعوده‏.‏

قال ابن شهاب فأنشدت عائشة رضي الله تعالى عنها أبياته هذه فقالت ما سمعت شاعراً أصدق شعراً منه‏.‏

قال أهل التاريخ وصح عن أبي وائل عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أنه قال رأيت كأن قبابا في رياض فقيل هذه لعمار بن ياسر وأصحابه فقلت‏:‏ وكيف وقد قتل بعضهم بعضأ قال انهم وجدوا الله واسع المغفرة‏.‏وممن قتل يومئذ مع معاوية أيضاً كريب بن صباح الحميري أحد الأبطال المذكورين قتل جماعة بارزة ثم بازرعلياً فقتله علي رضي الله عنه‏.‏

وذكر أن علياً واجه في بعض تلك المعارك معاوية فقال له علي‏:‏ هلك المسلمون بيني وبينك ابنزلي فإذا قتل أحدنا صاحبه استراحوا من القتل والقتال او كما قال فسكت معاوية ثم ذكر ذلك لوزيره عمرو بن العاص فقال‏:‏ انصفك الرجل‏.‏

فقال له معاوية‏:‏ ما أظنك إلا طمعت فيها قلت يعني إنك تعلم أني ما أنا له بمقاتلة فإذا قتلني أخذ الخلافة بعدي‏.‏

وقال بعض أصحاب التواريخ‏:‏ بلغنا أن الأشعث بن قيس الكندي برز في ألفين وبرز أبو الأعور السلمي في خمسة آلاف ثم اقتتلوا فغلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه‏.‏

التقى أصحاب علي وأصحاب معاوية يوم الأربعاء سابع صفر ويوم الخميس ويوم الجمعة وليلة السبت ثم لما خاف أهل الشام الكثرة رفعوا المصاحف بإشارة عمرو بن العاص ودعوا إلى الحكم بما في كتاب الله فأجاب علي رضي الله عنه إلى تحكيم الحكمين فاختلفت عليه جيشه وخرجت الخوارج وقالوا لا حكم إلا لله وكفروا علياً ثم حاربهم‏.‏

فقتل منهم جمعاً كثيراً‏.‏

ورجع إليه منهم جمع كثير وبقي منهم على الخلاف جمع‏.‏ولهم قصص طويلة في القتال والمقال‏.‏

اوضحتها في كتاب المرهم ففيه لذكرها مجال‏.‏

و سيأتي ذكر شيء منها في سنة أربعين في ترجمة علي رضي الله عنه‏.‏

وفي تحكيم الحكمين هو ما روي أنه اجتمع في رمضان أبو موسى الأشعري ومن معه من الوجوه وعمرو بن العاص ومن معه كذلك بدومة الجندل للتحكيم فخلى عمرو بأبى موسى وخدعه وقال له‏:‏ تكلم قبلي فأنت أفضل وأكبر سابقة وأرى أن تخلع علياً ومعاوية ويختار المسلمون لهم رجلاً يجتمعون عليه فوافقه على هذا ولم يشعر يخدعه فلما خرجا وتكلم أبو موسى وحكم بخلعهما قام عمرو بن العاص وقال‏:‏ اما بعد فإن أبا موسى قد خلع علياً كما سمعتم وقد وافقته على خلعه ووليت معاوية‏.‏

وقيل إنهما اتفقا على أن يصعد أبو موسى على المنبر وينادي‏:‏ يا معشر المسلمين اشهدوا علي أن قد خلعت علياً من الخلافة كما خلعت خاتمي هذا‏.‏

ففعل ذلك وأخرج خاتمه من اصبعه ورمى به إليهم ثم صعد عمرو وأخرج خاتمه أولاً وقال أشهدوا علي أني قد أدخلت معاوية في الخلافة كما أدخلت خاتمي هذا في اصبعي وأدخله في اصبعه‏.‏

قالوا‏:‏ ثم سار الشاميون وقد بنوا على هذا الظاهر ورجع أصحاب علي إلى الكوفة عارفين أن الذي فعله عمرو حيلة وخديعة لا يعبأ بها‏.‏

 سنة ثمان وثلائين

في شعبان قتلت الخوارج عبدالله بن خباب فيها كانت وقعة النهروان بين علي والخوارج فقتل رأس الخوارج عبدالله بن وهب الشيباني وقال بعضهم الراسبي وقتل أكثر أصحابه وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلأ ويقال كانت هذه الوقعة في العام القابل وتوفي صهيب بن سنان المعروف بالرومي في شوال بالمدينة الشريفة وكان من السابقين الأولين وسهل بن حنيف الأوسي في الكوفة وكان بدرياً ذا علم وعقل ورياسة وفضل صلى عليه علي رضي الله عنهم‏.‏

وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصديق وكان قد سار إلى مصر واليا عليها لعلي وبعث معاوية عسكراً وأمرعليهم معاوية بن خديج الكندي فالتقى هو ومحمد فانهزم عسكرمحمد واختفى هو في بيت امرأة فدلت عليه فقال‏:‏ احفظوني في أبي بكر فقال معاوية بن خديج قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان وأتركك وأنت صاحبه فقتله وصيره في بطن حمار وأحرقه بالنار‏.‏

يعني بقوله وأنت صاحبه‏:‏ اي صاحب قتله اشارة إلى ما يقال إن محمد بن أبي بكر من جملة قتلته والله أعلم ولا ينبغي آن يعتقد السوء في السلف إلاما صح والصحيح يلتمس له محامل ومخارج مع القطع بأن عثمان قتل شهيداً مظلوماً ولم يكن له قاتل إلا رعاء اجتمعوا عليه وأراذل‏.‏

وقال شعبة عن عمرو بن دينار إن عمراً هو الذي قتل محمد بن أبي بكر قلت هكذا أطلق‏:‏ عمراً‏.‏

والله أعلم من أراد به عمرو بن العاص أم عمرو بن عثمان أم غيرهما‏.‏

وفيها مات الأشتر النخعي وكان قد بعثه علي أميراً على مصر وهلك في الطريق فيقال إنه سم وإن عبد العثمان لقيه فسقاه عسلاً مسموماً وكان الأشتر من الأبطال وكان سيد قومه وخطيبهم وفارسهم‏.‏

وقد ذكر بعض إنه شارك في قتل عثمان رضي الله عنه قلت وقد قيل‏:‏ ان دهاة العرب أربعة عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وعروة بن مسعود الثقفي والأشتر النخعي اسمه مالك بن الحارث وكأنهم يعنون بالدهاء الكيد والرأي والمكر‏.‏

وقال في الصحاح الداهية الأمر العظيم والدهى بسكون الهاء الفكر وجودة الرأي يقال رجل داهية بين الدهى بسكون الهاء والدهاء ممدود والهمزة فيه منقلبة من الياء لا من الواو وهما دهيا وإن وما دهاك أي ما أصابك‏.‏

 سنة تسع وثلاثين

فيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية بسرف في الموضع الذي بنى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه وذلك من الاتفاقات العجيبة وقبرها هنالك معروف بين مكة وبطن مر وفيها تنازع أصحاب علي وأصحاب معاوية رضي الله عنهما في إقامة الحج فمشى في الصلح أبو سعيد الخدري على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان الحجبي أي من أهل حجابة الكعبة‏.‏

 سنة أربعين

فيها توفي خوات بن جبير الأنصاري البدري أحد الشجعان المذكورين وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري‏.‏

نزل بماء وقيل على ماء بدر فقيل له البدري وهو ممن شهد العقبة‏.‏

وأبو أسيد الساعدي مالك بن ربيعة بدري مشهور وقيل بقي إلى سنة ستين ومعيقيب الدوسي هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً على اختلاف‏.‏

وفيها مات الأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة وكان شريفاً مطاعاً جواداً شجاعاً وله صحبة ثم إنه ارتد ثم أسلم فحسن إسلامه وكان من أجل أمراء علي رضي الله عنه وتزوج أخت أبي بكر الصديق وأمر غلمانه أن ينحروا ويذبحوا ما وجدوا من البهائم في شوارع المدينة ففعلوا ذلك فصاح الناس وقالوا‏:‏ ارتد الآشعث اشرف عليهم من الدار فقال‏:‏ يا أيها الناس إني قد تزوجت عندكم ولو كنت في بلادي لأولمت وليمة مثلي ولكن قلت‏:‏ اقتلوا ما حضر من هذه البهائم وكل من له منها شيءفليأتني أسلم له قيمته‏.‏

وكان في أول الإسلام ممن هاجر من أهل اليمن في ثمانين رجلاً من قومه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه عمرو بن معد يكرب الزبيدي من زبيد رتدا معا بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أسلما في أيام أبي بكر وحسن إسلامهما وشهد المشاهد المشهورة بهما هكذا ذكر الإمام ابن سمرة في كتابه الموسوم بطبقات فقهاء اليمن وعيون من أخبار رؤساء الزمن‏.‏

وفي السنة المذكورة استشهد أمير المؤمنين سامي المفاخر والمناقب أبو الحسن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ولا زالت نفحات رحمته واصلة إليه وثب عليه أشقى من أجرم عبد الرحمن بن ملجم الخارجي فضربه في يافوخه بخنجر فبقي يوما ثم قتل ابن ملجم وأحرق وما كان كفوءاً لشجاعة علي رضي الله عنه ولا عليه من ذوي الاقتدار لولا مساعدة الأقدار ولقد صدق فيه الذي قال‏:‏ وما كنت من أنداده يا ابن ملجم ولولا قضاء ما أطقت له عينا وليس في الخلفاء الأربعة ولا في غيرهم من الصحابة من هو أقرب نسباً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواه فإنه يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عبد المطلب بين كل واحد منهما وبينه أب واحد‏.‏

فهو صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب وهو علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم الرسول وزوج البتول وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أول هاشمية ولدت الهاشمي ويكنى أبا الحسن وكناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا تراب لما وجده نائماً في المسجد وقد علق التراب بجسمه فأيقظه صلى الله عليه وآله وسلم وقال‏:‏ ‏"‏ قم أبا تراب ‏"‏ ويلقب أيضاً حيدرة كانت أمه قد أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة فخلع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قميصه وألبسه إياها وتولى دفنها وقال‏:‏ ‏"‏ كانت أحسن خلق الله صنيعاً إلي بعد أبي طالب ‏"‏ وكان قتله رضي الله عنه صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان وقد نيف على ستين‏.‏

وقيل ابن ثلاث وستين‏.‏

وقيل ثمان وخمسين وصلى عليه ابنه الحسن ودفن في قصر الإمارة عند الجامع وغيب قبره وكانت خلافته أربع سنين وأربعة أشهر وأياماً وكان إسلامه وهو ابن ثمان سنين‏.‏

وقيل تسع وقيل غير ذلك‏.‏

ومن مناقبه رضي الله عنه‏:‏ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر‏:‏ ‏"‏ لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يجب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ‏"‏ الحديث الصحيح‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم له‏:‏ ‏"‏ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ‏"‏ الحديث الصحيح وفيه خلف رسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك قال يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان فقال‏:‏ ‏"‏ أما ترضى ‏"‏ الحديث‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ‏"‏‏.‏رواه الإمام أحمد‏.‏

وروى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال له‏:‏ ما منعك إن تسب أبا تراب فقال‏:‏ اما ما ذكرت ثلاث قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن أسبه لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ وذكر ما تقدم من تخليف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏ يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ‏"‏‏.‏

ولما نزلت هذه الآية ‏"‏ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ‏"‏ - آل عمران‏:‏ 61 - دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم هؤلاء أهلي ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ وأقضاكم علي ‏"‏ ودعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم له لما بعثه إلى اليمن قاضياً ففي رواية عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم اهد قلبه ولسانه ‏"‏ فقال علي‏:‏ فما شككت في قضاء قضيته بين اثنتين‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه له‏:‏ ‏"‏ اللهم ادر الحق معه حيث دار ‏"‏ رواه الترمذي‏.‏

قلت وناهيك بفضائله ما اشتهر به من براعته في الشجاعة والعلوم واهتمامه بنصرة الحق واظهار شعائر الإسلام على العموم وفيه أقول في هذا المنظوم‏.‏

ورابع السادة المولى أبو حسن سيف القضاء وبحر العلم زخار ومعدن الجود والدنيا مطلقها بتاً ثلاثاً فتى بالفضل مشهار قلت ومناقبه رضي الله عنه وماله من المفاخر يخرج في التعداد عن حصر الحاضر وإلى شيء من فضائله الشهيرات أشرت أيضاً في بعض القصيدات بهذه الأبيات‏.‏

ونائب وارث علم النبوة عن رسوله البدر ماحي الظلمة الجالي وحامل الراية البيضا لسنته الغراء و البدعة العوجا لها قالي و كاشف عن محيا كل غامضة خمارها المجتلي للحسن والحال وعاء مكنون أسرار مخدرة ذي المنهل المستطاب المشرب الحالي ان قيل من ذابلته قل أبوحسن عالي المعالي على الضيغم الكالي مع أنت مني يحب الله ثالثها أو لا في أهل ولا يؤتي بأمثال يكفيك في فضائله ما صح مسنده فنسجه العالي لم ينسج بأمثال من بعد تفضيلنا الشيخين معتقدي نفضله قبل في النورين في بال تفضيل صحب لعثمان عليه أتى حال البداية لا في طول آجال ففي النهاية كم حازت محاسنه فضائل كان عنها قبلها خال كالروض من بعد محل يانع خضر مذيح الوشى بسيفي ويل هطال هذا اعتقادي الذي ما شابه غرض ولا تعصب بدعات وإضلال والأكثرون من الأعلام مذهبهم تفضيل عثمان عن إطلاق إجمال ومال جمع كبار من أئمتنا إلى علي بترجيح وإجلال وفيها من التفاضل بعض قدوتنا توافقوا عن شكوك ذات اشكال فاروقهم مسند يروي توقفه في ستة في البخاري إسنادها عال والظاهر الآن عندي ما أقول به والله أعلم ما في باطن الحال ليست فضائل ذي النورين مذكرة لكن كم قوم حاوى لفضل مفضال ليس الذي ينفق الأموال محتسباً في نصرة الدين سمحا فيه بالمال كباذل نفسه في الله محتسباً في كل هيجا جنود الكفر قتال كل حميد ولكن ليس جود فتى بالمال كالجود بالروح الزكي الغالي وليس تالي كتاب الله جامعه كناشر لمعالم دينه العالي وبعد هذه الأبيات قولي‏:‏ ونائب وارث علم النبوة عن رسوله البدر ماحي الظلمة الجال الأبيات المتقدمة إلى قول بدعات وإضلال لأني بديت من وسط أبيات القصيدة الموسومة بحادي الأظغان في تفضيل علي على عثمان رضي الله تعالى عنهما و مطلعها‏:‏ يا سائق الظعن تحدوها بترحال ارفق بها أنت بين الشيخ والضال انزل بروض الحمى ما بين ذي سلم وبين سلع بقرب المنهل الحال واقرأ السلام على أهل الخيام وبح بحب سلما وباهي حسنها الغال وعم بالحب والمدح ولا تحب بعضاً وبعضاً مبغضاً قالي أما الإمامان رأس القوم بعدهما ففيهما من خلاف بعض أقوال وبعد هذه الأبيات ما تقدم من قولي والأكثرون من الأعلام مذهبهم إلى آخر ما تقدم ثم ختمت القصيدة بقوله‏:‏ ثم الصلاة على أعلى الأنام علي المرتضى دون قاب المنصب العالي وآله الغر والصحب الكرام معاً ما غنت الورق أو ناحت بأطلال وقد أفهمت ترتيبها كل من أراد أن يكتبها كلها جملتها خمسة وثلاثون بيتاً‏.‏

وفي قتل علي رضي الله تعالى عنه قصة مشهورة وذلك أن الخوارج اجتمعوا وقالوا‏:‏ إن علياً ومعاوية وعمرو بن العاص قد أفسدوا أمر هذه الأمة فلو قتلناهم لعاد الأمر إلى حقه وزال كل فساد لاحقه فالتمسوا حيلة يتوصلون بها إلى قتلهم ودبروا أمرهم بأن يكون قتل الثلاثة في ليلة واحدة ثم تراجعوا في ثلاثة رجال ينتدبون لقتل الثلاثة فقال عبد الرحمن بن ملجم‏:‏ انا أقتل علياً قالوا‏:‏ وكيف لك بذلك قال‏:‏ اغتاله‏.‏

وقال الحجاج بن عبدالله الضميري‏:‏ وأنا أقتل معاوية‏.‏

وقال دادويه العنبري‏:‏ انا أقتل عمراً واتفقوا على أن يكون ذلك في سبع عشرة من رمضان فدخل ابن ملجم الكوفة وعلي رضي الله تعالى عنه بها فاشترى سيفاً بألف درهم وسقاه السم وكمن لعلي رضي الله تعالى عنه فلما خرج علي رضي الله عنه لصلاة الصبح ضربه على رأسه وقيل كان ذلك في صلاة الجمعة‏.‏

وأما الذي تكفل بقتل معاوية فدخل دمشق وضربه وهو في الصلاة فجرح إليته ويقال إنه قطع عرق النسل فما أحبل بعدها‏.‏

وأما رفيق عمرو بن العاص فإنه دخل مصر وأراد قتله وكان من قضاء الله في سلامة عمرو أنه استخلف خارجة بن حذافة في صلاة الصبح وظن دادويه الخارجي أنه عمرو فقتله فأخذ وأدخل على عمرو بن العاص‏.‏

فقال‏:‏ من هذا الذي أدخلتموني عليه فقالوا عمرو بن العاص‏.‏

فقال‏:‏ فمن قتلت قالوا خارجة فقال‏:‏ اردت عمراً وأراد الله خارجة‏.‏

وقيل إن عمراً هو الذي قال ذا القول فصار هذا مثلاً لمن أراد شيئاً ففعل غيره غلطاً وذكر أهل النسب والأخبار أن عمرو بن العاص أرسل من مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستمده بثلاثة آلاف فارس فأمده بالزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وخارجة بن حذافة المذكور وذكر شجاعة الثلاثة مشهور وهذا الذي قتل خارجة أعني دادويه على وزن خالويه يل‏:‏ هو من بني العنبر بن عمرو بن تميم وقيل مولى لهم‏.‏

وقيل إن خارجة الذي قتله الخارجي على ظن أنه عمرو بن العاص نه من بني سهم رهط عمرو بن العاص‏.‏

وقيل ليس بصحيح وقيل إن عمرو بن العاص إنما تخلف عن الصلاة واستنابه لأجل وجع أصابه في بطنه وكان عمرو يقول‏:‏ ما نفعني وجع بطني قط إلا تلك الليلة وإلى قتل خارجة وسلامة عمرو أشار عبد الحميد بن عبدون الأندلسي في قصيدة من جملتها هذا البيت‏:‏ وكان عمرو بن العاص من دهاة العرب وشجعانها‏.‏

وأما شجاعة علي رضي الله عنه فشائعة في كل مصر وريف ولا يحتاج في شهرتها إلى تعريف وكم له من مشاهد يستوجب فيها عظيم الثناء وجميل المحامد عند اضطرام الملاحم وانتهام المعالم فهو هزبر غاياتها وحبر غامضاتها صارف عن وغاها نارها وكاشف عن حلاها خمارها‏.‏

قلت‏:‏ وقد أوضحت في كتاب المرهم في علم الأصول كيفية صفة بيعة أبي بكر واستخلافه عمر وصفة قتل عمر بطعن الشيطان أبي لؤلؤة له وهو إمام في صلاة الصبح في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعله الأمر بعده شورى بين ستة عثمان وعلي وطلحة - والزبير - وسعد - وعبد الرحمن بن عوف رجوع الأمر إلى تقديم عثمان وصفة والبيعة له وكذلك صفة البيعة لعلي بعد قتل عثمان وكذلك صفة خروج عائشة رضي تعالى الله تعالى عنها وطلحة والزبير إلى البصرة وخروج علي بعدهم ونباح كلاب الحوأب وهمها بالرجوع عند ذلك لذكرها ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك على ما هو معروف في الحديث‏.‏

وكذلك صفة خروج الخوارج على علي رضي الله تعالى عنه وقتاله وقتله لهم بعد إرساله ابن عباس إليهم ومناظرته إياهم ورجوع الخوارج بعضهم وذكر عددهم وها أنا أشير إلى شيء من ذلك‏.‏

وما جرى بينهم وبين علي رضي الله تعالى عنه ذكر بعض أهل التواريخ أنهم لما استقروا في حروراء وهم في ستة آلاف مقاتل وقيل ثمانية آلاف مضى إليهم علي بنفسه وخطبهم متوكئاً على قوسه وقال هذا يوم من فلح فيه يعني من ظهرت حجته فلح يوم القيامة انشدكم الله هل تعلمون أن لا أحد أكره مني للحكومة قالوا‏:‏ اللهم نعم‏:‏ قال‏:‏ فهل علمتم أنكم أكرهتموني عليها قالوا‏:‏ اللهم نعم‏:‏ قال‏:‏ فعلام خالفتموني ونابذتموني قالوا‏:‏ اتينا ذنباً عظيماً فتبنا إلى الله تعالى منه فتب أنت إليه منه واستغفر نعد إليك قال‏:‏ فإني أستغف الله من كل ذنب فرجعوا معه فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن علياً رجع عن التحكيم وتاب منه ورآه ضلالاً فأتاه الأشعث بن قيس وقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا أنك قد رأيت الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كفراً وأنك قد بدا لك ورجعت عنها فخطب الناس وقال‏:‏ من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالاً فهو أضل منها فلما سمعت الخوارج منه هذا خرجت من المسجد فقيل إنهم خارجون فقال‏:‏ لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون فوجه إليهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فلما أتاهم رحبوا به وأكرموه وقالوا ما جاء بك يا ابن عباس قال‏:‏ جئتكم من عند صهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه وأعلمنا بربه وسنة نبيه ومن عند المهاجرين والأنصار‏.‏

قالوا‏:‏ يا ابن عباس إنا أتينا ذنباً عظيماً حين حكمنا الرجال في دين الله تعالى فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدونا رجعنا إليه فقال لهم ابن عباس‏:‏ انشدكم الله إلا ما صدقتم اما علمتم أن الله تعالى أمر بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم يصاد في الحرم فقال عز من قائل‏:‏ ‏"‏ يحكم به ذو عدل منكم هدياً بالغ الكعبة ‏"‏‏.‏- المائدة‏:‏ 95 - وكذا في شقاق رجل امرأته بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما ‏"‏ - النساء‏:‏ 35 - فقالوا‏:‏ اللهم نعم‏.‏

قال‏:‏ فأنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين قريش في الحديبية قالوا اللهم نعم ولكن علياً سما نفسه عن الخلافة بالتحكيم‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ ليس ذلك يزيلها عنه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محا اسم النبوة يوم الصحيفة فلم يزل ذلك عنه اسم النبوة حيث قال لعلي‏:‏ ‏"‏ اكتب الشرط بيننا بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏ هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال المشركون‏:‏ لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فأمر علياً أن يمحوها فقال غلي‏:‏ والله لا أمحوها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أرني مكانها ‏"‏ فأراه مكانها فمحاها وكتب‏:‏ ابن عبدالله فلما سمع الخوارج منه ذلك رجع منهم ألفان وبقي أربعة آلاف أو ستة على الخلاف فأجمع رأيهم على البيعة لعبدالله بن وهب الراسبي فبايعوه وخرج بهم إلى النهروان فتبعهم علي رضي الله عنه فأوقع بهم فقتل منهم ألفين وثمان مائة رجل‏.‏

ومنهم ذو الثدية الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علامة على الفرقة التي تمرق مروق السهم من الرمية بعد أن قال لهم علي رضي الله عنه‏:‏ ارجعوا أو ادفعوا إلينا قاتل عبدالله بن خباب قالوا‏:‏ كلنا قتله وشرك في دمه‏:‏ وذلك أنهم لما خرجوا إلى النهروان لقوا مسلماًونصرانياً فقتلوا المسلم وأطلقوا النصراني وأوصوا به خيراً وقالوا احفظوا وصية نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ثم لقوا بعده عبدالله بن خباب بن الأرت صاحب رسول صلى الله عليه وآله وسلم أعني خباباً وفي عنقه المصحف ومعه جاريته وهي حامل قالوا‏:‏ ان هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك فقال‏:‏ احيوا ما أحيا القرآن وأميتوا ما أمات القرآن‏.‏

قلت‏.‏

يعني أحيوا ما حكم القرآن بإحيائه وأميتوا ما حكم بإماتته فقالوا حدثنا عن أبيك قال لهم نعم حدثني أبي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول تكون فتنة بموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمناً ويصبح كافراً فكن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل قالوا‏:‏ فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيراً قالوا‏:‏ فما تقول في علي قبل التحكيم وفي عثمان قبل الحديث فأثنى خيراً أيضاً قالوا‏:‏ فما تقول في الحكومة والتحكيم قال‏:‏ اقول‏:‏ ان علياً أعلم بالله منكم وأشد توقياً على دينه قالوا‏:‏ انك لست بمتبع الهدى فأخذوه وقربوه إلى شاطىء النهر فذبحوه فاندفق دمه على الماء يجري مستقيماً وقتلوا جاريته رحمة الله عليهما وكانت خلافة علي في الظاهر كلها خلاف وكدر وخلافة عمر على عكس ذلك كلها اتفاق وصفاء وأول خلافة أبي بكر كدر وآخرها صفاء وعلى عكس ذلك خلافة عثمان أولها صفاء وآخرها كدر على ما جرى به القلم و سبق به القدر‏.‏

ومن الأجوبة المعجبة المقحمة ما روي أنه قيل لعلي رضي الله عنه‏:‏ ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية وخلافتك أنت وعثمان منكدرة فقال‏:‏ رضي الله عنه للسائل‏:‏ لأني كنت أنا وعثمان من أعوان أبي بكر وعمر وكنت أنت وأمثالك من أعوان عثمان وأعواني‏.‏

ومنها أنه لما قال له بعض اليهود‏:‏ ما أتي عليكم يا معشر المسلمين بعد موت نبيكم إلا كذا وكذا من زمان ذكره حتى علا بعضكم بالسيف رأس بعض‏.‏

قال له علي رضي الله عنه‏:‏ فإنكم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم معشر اليهود يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة‏.‏

ثم بعد وفاة علي بويع لابنه الحسن رضي الله عنهما وتمت بخلافته ثلاثون سنة وتحقق ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً ‏"‏ الحديث‏.‏

 سنة إحدى وأربعين

في ربيع الآخر منها سار أمير المؤمنين الحسن بن علي في جيوشه وسار معاوية في جيوشه يقصد كل منهما صاحبه للقتال فالتقوا في ناحية الأنبار فوفق الله تعالى الحسن لحقن الدماء‏.‏

والتحقيق بما أشار إليه جده المطلع على الأنباء صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين ‏"‏‏.‏

فصالح معاوية فأخرج نفسه عن أمر الخلافة بعد أن شرط عليه شروطاً وبرز بين الصفين وقال‏:‏ اني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لك فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان لك فما ينبغي لي أن أنازعك فكبر الناس واختلطوا في تلك الساعة وسميت تلك السنة سنة الجماعة‏.‏

فقيل له‏:‏ يا مذل المؤمنين فقال‏:‏ بل أنا معز المؤمنين‏.‏

هكذا نقل بعض أهل العالم‏.‏

وروينا في صحيح البخاري عن الحسن البصري قال‏:‏ سمعت أبا موسى يقول‏:‏ استقبل والله الحسن بن علي إلى معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص‏:‏ اني لأرى كتائب لا تتولى حتى تقتل أقرانها فقال معاوية‏:‏ وكان والله خير الرجلين اي عمر وإن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين من لي بنسائهم من لي بضعفتهم فبعث معاوية رجلين من قريش من بني عبد شمس عبدالله بن سمرة وعبدالله بن عامر فقال‏:‏ اذهبوا إلى هذا الرجل فاعرضوا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتيا فدخلا عليه وتكلما فقالا له وتطلبا إليه فقال الحسن بن علي‏:‏ انا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال‏:‏ فمن لي بهذا قالا‏:‏ نحن لك به‏.‏

فما سألهما شيئاً إلا قالا نحن لك به فصالحه‏.‏

قال الحسن‏:‏ ولقد سمعت أبا بكرة يقول‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس تارة وعليه أخرى ويقول‏:‏ ‏"‏ إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين ‏"‏‏.‏

قلت فهذا الحديث الصحيح كما نرى‏.‏

ورووا في التواريخ‏:‏ ان أهل العراق بايعوا الحسن وسار بهم نحو الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد وأقبل معاوية حتى نزل منبج فبينما الحسن بالمداين إذ نادى مناد في عسكره‏:‏ قتل قيس بن سعد فشد الناس على خيمة الحسن فنهبوها وطعنه رجل بخنجر فتحول إلقصر الأبيض وسبهم وقال‏:‏ لا خير فيكم قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا‏.‏

ثم ذكروا أمورأ أخرى في الصلح رأيت حذفها أصلح ومن إثباتها أملح‏.‏

وفي السنة المذكورة توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر‏.‏

وقيل توفيت سنه خمس وأربعين‏.‏

وصفوان بن أمية الجمحي وكان قد شهد اليرموك أميراً وله رواية في صحيح مسلم‏.‏

فهو من أشراف قريش وأعيانهم قيل ملك قنطاراً من الذهب‏.‏

وقيل توفي فيها لبيد بن ربيعة العامري الشاعر المشهور الذي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ أصلق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد ألاكل شيء ما خلا الله باطل ‏"‏ وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسن إسلامه‏.‏

وقيل‏:‏ مات في إمرة عثمان بالكوفة ابن مائة وخمسين سنة‏.‏

 سنة اثنتين وأربعين

فيها توفي عثمان الحجبي وغزا عبد الرحمن بن سمرة سجستان فافتتح بعضها وسار راشد بن عمرو وشن الغارات وتوغل في بلاد السند‏.‏

 سنة ثلاث وأربعين

فيها افتتح عقبة بن نافع بعض بلاد السودان وسبي بسر بن أبي أرطأة بأرض الروم وتوفي عمرو بن العاص السهمي أمير مصر ليلة عيد الفطر وكان من الدهاة أولي الحزم والرأي وولي امرة جيش ذات السلاسل‏.‏

وذكر أبو العباس المبرد في كتاب الكامل أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة دخل عليه ابن عباس رضي الله عنهم فقال‏:‏ يا أبا عبدالله كنت أسمعك كثيراً ما تقول‏:‏ وددت لو رأيت رجلاً حضرته الوفاة حتى أسأله عن ما يجد‏.‏

فكيف تجد قال‏:‏ اجد كأن السماء مطبقة على الأرض وكأني بينهما وكأنما وأتنفس من خرم ابنة ثم قال‏:‏ اللهم خذ مني حتى ترضى فدخل عليه ولده عبدالله فقال له‏:‏ يا ولدي خذ ذلك الصندوق‏.‏

فقال‏:‏ لا حاجة لي به‏.‏

فقال‏:‏ انه مملوء مالاً‏.‏

فقال‏:‏ لا حاجة لي به ليته مملوء بعراً ثم رفع يده وقال‏:‏ اللهم إنك أمرت فعصينا ونهيت فارتكبنا فلا بري فاعتذر ولا قوي فانتصر ولكن لا إله إلا أنت‏.‏

ثم فاضت روحه‏.‏

وتوفي عبدالله بن سلام الإسراتيلي رضي الله عنه الذي شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

والذي قالت فيه اليهود قبل أن تعلم إسلامه‏:‏ خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا‏.‏

والمرجوع إلى ما قال في أحكام التوراة‏.‏

والمراد عند بعض المفسرين بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ومن عنده علم الكتاب ‏"‏ - الرعد‏:‏ 43 -‏.‏

وتوفي محمد بن مسلمة الأنصاري بالمدينة في صفر وكان بدرياً اعتزل الفتنة واتخذ سيفاً من خشب‏.‏

 سنة أربع وأربعين

في ذي الحجة منها توفي أبو موسى الأشعري اليمني المقري الأمير عبدالله بن قيس‏.‏

استعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عدن واستعمله عمر على الكوفة والبصرة وفتحت على يديه عدة أمصار وهو الذي استمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قراءته وقال‏:‏ ‏"‏ لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود ‏"‏ وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي قومه الأشعريين‏:‏ ‏"‏ هم مني وأنا منهم ‏"‏ بعد أن وصفهم بأوصاف جميلة وأبو موسى المذكور ممن هاجر من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع اثنين وخمسين رجلاً من قومه من أهل زمع وزبيد فوافى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فقسم لهم ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرهم وغير أصحاب السفينة التي قدموا فيها مع جعفر بن أبي طالب وكان أبو موسى قد ركب هو وأصحابه في البحر فألقتهم الريح إلى بلاد الحبشة وكانوا مع جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين إلى أن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جميعاً فوجدوه قد افتتح خيبر ووصف عمر أبا موسى فقال‏:‏ كيس ووصفه علي فقال‏:‏ صبغ بالعلم صبغة وكان قد بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ومعاذاً إلى اليمن ثم قال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا‏.‏

وفي السنة المذكورة افتتح عبد الرحمن بن سمرة مدينة كابل‏.‏

وغزا المهلب في أرض الهند والتقى العدو فهزمهم وفيها توفيت أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها‏.‏

 سنة خمس وأربعين

وفيها غزا معاوية بن خديج إفريقية وتوفي أبو خارجة بن ثابت الأنصاري المقري الفرضي الكاتب رضي الله عنه وله ست وخمسون سنة وكان عمر رضي الله عنه يستخلفه على المدينة إذا حج وقيل بقي إلى سنة أربع وخمسين ومن مناقبه قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أفرضكم زيد ‏"‏ وكونه من الأربعة الذين حفظوا القرآن من الأنصار وما اجتمع له من شرف العلم والصحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يأتي بابه وينتظره حتى يخرج ليسمع منه العلم فإذا خرج قال‏:‏ يا ابن عباس هلا كنت لتيك أنا فيقول‏:‏ العلم يؤتى ولا يأتي فإذا ركب أخذ بركابه فيقول‏:‏ ما هذا يا ابن عباس فيقول‏:‏ هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فأخذ زيد كفه ويقبلها ويقول‏:‏ هكذا أمرنا وعلى الجملة فزيد بن ثابت غصن مجده في أعلى ذروة المعالي نابت‏.‏

وفيها توفي عاصم بني عدي سيد بني العجلان وكان قد رده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بدر في شغل وضرب له بسهم وقتل أخوه معن يوم اليمامة‏.‏

 سنة ست وأربعين

فيها ولي الربيع بن زياد الحارثي سجستان زحف كابل شاه في جمع من الترك وغيرهم فالتقوا فهزمهم وفيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان شريفاً جواداً محدوحاً مطاعاً وعليه

 سنة سبع وأربعين

فيها غزا رويفع بن ثابت الأنصاري أمراء طرابلس المغرب إفريقية فدخلها ثم انصرف وفيها حج بالناس عنبسة بن أبي سفيان‏.‏

 سنة ثمان وأربعين

فيها استشهد عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي مات الحارث بن قيس الجعفي صاحب ابن مسعود رضي الله عنه‏.‏

 سنة تسع وأربعين

في ربيع الأول منها توفي سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي رضي الله تعالى عنهما على ما ذكره الواقدي وغيره‏.‏

والأكثرون قالوا في سنة خمسين‏.‏

ومن مناقبه رضي الله تعالى عنه‏:‏ قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين ‏"‏ وحمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له على عاتقه وهو صغير‏.‏

وإعلامه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه وأخاه ريحانتاه وقطعه صلى الله عليه وآله وسلم الخطبة ونزوله إليهما ورفعه لهما ووضعه بين يديه قلت ومن أعظمهما قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما ‏"‏‏.‏

 سنة خمسين

فيها توفي الحسن بن علي المذكور رضي الله تعالى عنهما على الخلاف المذكور في المدينة الشريفة وعمره سبع وأربعون سنة قلت ومناقبه بالأنساب والاكتساب والقرابة والنجابة والمحاسن في الظاهر والباطن معروفة مشهورة وفي تعدادها غير محصورة وكان مع نهاية الشرف والارتفاع في غاية التلطف والاتضاع ومن ذلك ما روي أنه حج ماشياً على رجليه والنجائب تقاد بين يديه خمساً وعشرين عمرة وحجة‏.‏

ومن زهده ما روي أنه خرج لله تعالى عن ماله ثلاث مرات وشاطره مرتين حتى في نبله‏.‏

ومن جوده أنه سأله إنسان فأعطاه خمسين ألف درهم وخمس مائة دينار وقال‏:‏ ابيت بجمال يحمل لك فأتي بجمال فأعطاه طيلسانه قال يكون كراء الجمال من قبلي‏.‏

ومن جوده أيضاً وشدة تواضعه‏:‏ ما ذكره جماعة من العلماء في تصانيفهم أنه مر بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل من فرسه فأكل معهم ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم وقال اليد لهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني وأنا نجد أكثر منه‏.‏

ومن توكله ما روي أنه بلغه أن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنا والسقم أحب من الصحة فقال‏:‏ رحم الله أبا ذر أما أنا فأقول‏:‏ من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يختر غير ما اختار الله له ويروى أيضاً أن هذا الكلام قول أخيه الحسين رضي الله تعالى عنهما‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن سمرة بن جندب بن ربيعة العبسي كعب بن مالك السلمي أحد الثلاثة الذين خلفوا والمغيرة بن شعبة الثقفي وكان من رجال العزم والحزم والرأي والدهاء ويقال‏:‏ انه أحصن ثلاث مائة امرأة وقيل ألف امرأة‏.‏

وفيها توفيت أم المؤمنين صفرة بنت حيي رضي الله عنها‏.‏

 سنة إحدى وخمسين

فيها توفى سعيد بن زيد بالمدينة يعني سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي المجاب الدعوة في القصة المشهورة في المرأة التي ادعت عليه أنه غصب شيئاً من أرضها احد العشرة الكرام المشهود لهم بالجنة على لسان سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام اسلم قبل عمر وهو ابن عمه وتحته أخته فاطمة بنت الخطاب وبسببها كان إسلام عمر رضي الله عنه وعن الجميع وضرب صلى الله عليه وآله وسلم له ولطلحة سهميهما يوم بدر وكان قد أرسلهما إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار ذكر ذلك الواقدي‏.‏

وفي السنة المذكورة وقيل في التي تليها توفي أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد كان عقبياً بدرياً كثير المناقب رضي الله عنه‏.‏

قلت ومن أعظمها قدراً وأشرفها فخراً انه نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيته أول قدومه المدينة وناهيك بها مكرمة ومنقبة معظمة‏.‏

وفي منزله المذكور بنيت المدرسة المعروفة بالشهابية وفيها بيت يقال له المبروكة وبه يتبرك ويذكر أنه موضع مبرك ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبروك ناقته صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المكان من أعظم الدلائل على فضله وفضل من حوله من السكان‏:‏ وفيها توفيت ميمونة قلت هكذا قال بعضهم ميمونة وأطلق وقد تقدم وفاة ميمونة أم المؤمنين في سنة سبع وثلاثين‏.‏

وفيها قتل حجر بن عدي الكندي وأصحابه يقال بأمر معاوية‏.‏

وله صحبة ووفادة وجهاد وعبادة وفيها توفي زيد بن ثابت بخلف‏.‏

 سنة اثنتين وخمسين

فيها توفي عمران بن حصين الخزاعي عثه عمر رضي الله عنهما يفقه أهل البصرة وولي قضاءها وكان الحسن البصري يحلف ما قدم البصرة خير لهم من عمران وكان يسمع تسليم الملائكة عليه حتى يكتوي بالنار فانحبس ذلك عنه عاماً ثم أكرم الله تعالى برد ذلك عليه وهو الراوي لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف المتوكلين‏:‏ ‏"‏ الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ‏"‏‏.‏

وفيها توفي كعب بن عجرة الأنصاري من أهل بيعة الرضوان ومعاوية بن خديج الكندي التجيبي الأمير له صحبة ورواية وفيها توفي أبو بكرة الثقفي نفيع بن الحارث وقيل‏:‏ ابن مشروح تدلى من حصن الطائف ببكرة فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلماً وفيها توفي سيد بجيلة جرير بن عبدالله البجلي على القول الأصح من كرام قومه‏.‏

ومن مناقبه دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له‏:‏ ‏"‏ اللهم اجعله هادياً مهدياً ‏"‏ وقوله ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم وندبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتخريب الكعبة اليمانية وهو بيت أصنام يقال له ذو الخلصة فخربها وحرقها حتى صارت كما قال‏:‏ كأنها جمل أجرب يعني مطلياً بالقطران وكان معه من جيل من أحمس مائة وخمسون دعا لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في انتدابهم لما أمرهم به صلى الله عليه وآله وسلم عما حكاه بقوله وبرك على جيل أحمس خمس مرات وكان جرير جميلاً باهج الحسن سماه عمر يوسف هذه الأمة وكان يخضب لحيته بالزعفران وقد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ستة عشر وأسلم وسكن الكوفة إلى خلافة علي رضي الله عنه وكان

 سنة ثلاث وخمسين

توفي فيها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وكان من الزهاد الشجعان قتل يوم اليمامة سبعة وفيها توفي الأمير زياد ابن أبيه الذي استلحقه معاوية وزعم أنه ولد أبي سفيان قالوا‏:‏ وكان لبيباً فاضلاً يضرب المثل بدهائه جمع له معاوية إمرة العراقين‏.‏

وفيها وقيل قبلها توفي عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي لي العمل على نجران وله سبع عشرة سنة‏.‏

وفيها توفي فيروز الديلمي قاتل الأسود العنسي له صحبة ورواية وفيها عند بعضهم توفي فضالة بن عبيد الأنصاري قاضي دمشق لمعاوية وخليفته عليها وقيل توفي سنة تسع‏.‏

 سنة أربع وخمسين

توفي فيها أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن حبه ومن مناقبه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمه أميراً على جيش فيهم الأكابن والسادات من المهاجرين والأنصار وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحمص وفيها توفي جبير بن مطعم بن عبدالله بن نوفل بن عبد مناف وكان من سادة قريش وحلمائها فيها توفي حسان بن ثابت الشاعر الأنصاري وله مائة وعشرون سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام قيل‏:‏ وكذا أبوه وجده عاش كل منهما هذا القدر‏.‏

ومن مناقبه قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ اهجم وجبرائيل معك ‏"‏ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله يؤيد حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو فاخر ‏"‏‏.‏

وكان ينصب المنبر له في المسجد ومن شعره يخاطب أبا سفيان بن الحارث في قصيدة طويلة منها قوله شعراً‏:‏ هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء اتهجوه ولست له بكفر فشر كما لخير كما فداء فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ومنها‏:‏ عدمنا خيلنا إن لم نراها تثير النقع موردها كداء يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء ولم يزل يقول إلى أن قال‏:‏ وكان الفتح وانكشف الغطاء‏.‏

وكان كما قال‏:‏ وفيها توفي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد يخلف تقدم وكان أحد الأشراف الأجواد باع داراً بستين ألفاً من معاوية فتصدق بها وأعتق مائة نسمة في الجاهلية ومائة في الإسلام ثم دخل الكعبة المعظمة المباركة‏.‏

وقال لابن الزبير‏:‏ كم ترك أبوك من الدين قال ألف ألف درهم قال علي‏.‏

صحيح مسلم نصفها وكانت والدته ولدته داخل الكعبة المعظمة المباركة وفيها توفي أبو قتادة الأنصاري السلمي الحارث بن ربيع فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد أحداً والمشاهد وفيها توفي مخرمة بن نوفل الزهري‏.‏

 سنة خمس وخمسين

فيها توفي أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي أحد العشرة ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق وأول من رمى بسهم في سبيل الله تعالى ومناقبه كثيرة شهيرة‏.‏

ومن مناقبه أنه كان مجاب الدعوة من ذلك قول الذي دعا عليه‏:‏ اصابني دعوة سعد في الحديث الصحيح‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ ليت رجلاً صالحاً يحرسني الليلة ‏"‏ فوفق الله تعالى سعداً لذلك فجاء وبات يحرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قبل نزول قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ والله يعصمك من الناس ‏"‏ - المائدة‏:‏ 67 -‏.‏

ومنها ما روي عن علي رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ما جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك فإنه جعل يقول ‏"‏ ارم فداك أبي وأمي ‏"‏‏.‏

وتوفي أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري السلمي الذي أسر العباس يوم بدر وتوفي الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي أحد السابقين وقيل توفي في سنة ثلاث

 سنة ست وخمسين

فيها استشهد قثم بن العباس بن عبد المطلب في جهة سمرقند مع سعيد بن عثمان بن عفان المولى على خراسان بتولية معاوية بن أبي سفيان وكان قثم يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خلق صورته وهو آخر من طلع من لحد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيها توفيت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنها‏.‏

 سنة سبع وخمسين

فيها عزل سعيد بن عثمان بن عفان عن خراسان وأضيفت إلى عبدالله بن زياد وتوفي عبدالله بن السعدي العمري له صحبة وفيها وقيل في ثمان وخمسين وفي رمضان توفيت أم المؤمنين الصديقة ابنة الصديق الفقيهة المحدثة الفصيحة ذات التحقيق‏.‏

ومن مناقبها نزول القرآن الكريم في براءتها ونزول جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في لحافها وكونها أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في الحديث الصحيح‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الأطعمة ‏"‏ وعرضها في الحرير على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يتزوجها‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله لابنته فاطمة رضي الله عنها‏:‏ ‏"‏ إن كنت تحبيني فأحبي هذه ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إنها ابنة أبي بكر ‏"‏ يعني في فهمها وحسن نظرها وقولها قبضه الله بين سحري ونحري تعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومات صلى الله عليه وآله وسلم في يومها‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم لها‏:‏ ‏"‏ إن جبرائيل يقرىء عليك السلام ‏"‏ ونزول آية التيمم عند انحباس الناس عن السفر بسببها لالتماس عقدها حين ضاع ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكراً غيرها‏.‏

وفيها آيات الكتاب المبين تتلى إلى يوم الدين وإلى ذلك أشرت بقولي في بعض القصائد مخصصاً لابنة الصديق عائشة رضي الله تعالى عنهما من صورة النور تعلو تلك الأنوار ذات المحاسن الحميدة والمناقب العديدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما‏.‏

وتوفي أبو هريرة الدوسي الحافظ عند بعضهم وعند جماعة في سنة ثمان وعند آخرين في سنة

 تسع وخمسين

وكان كثير الذكر والعبادة حسن الأخلاق ولي امرة المدينة في أيام معاوية وتحمل يوماً حزمة حطب على ظهره وقال طرقوا للأمير‏.‏

وروي عنه أنه كان يصلي خلف علي رضي الله عنه ويأكل من سماط معاوية ويعتزل القتال فسأل عن ذلك وقال‏:‏ الصلاة خلف علي أفضل وسماط معاوية إذ سم وترك القتال أسلم هكذا حكي عنه رضي الله عنه‏.‏

توفي جبير بن مطعم عند بعضهم وشداد بن أوس الأنصاري نزيل بيت المقدس وعقبة بن عامر الجهني الأمير بمصر لمعاوية وكان مقرئاً فصيحاً مفوهاً من فقههاء الصحابة وعبيدالله بن عباس بن عبد المطلب وله صحبة ورواية وكان أحد الأجواد لي اليمن العلي رضي الله عنه‏.‏

ومن جوده أنه كاده بعض الناس وأشاع عنه بأنه يدعو الناس إلى وليمة فحضر الناس وامتلأت داره فقال‏:‏ ما الخبر فأخبر أنه قيل إنك دعوتهم فأمر غلمانه أن تهيؤوا طعاماً ويحضروه فأحضروه حتى تغدى جميع من حضر ثم التفت إلى غلمانه وقال‏:‏ ايمكن أن تهيؤوا لنا كل يوم مثل هذا فقالوا‏:‏ نعم فأمر أن ينادي في الناس أن يحضروا عنده كل يوم للغداء‏.‏

 سنة تسع وخمسين

توفي أبو محذورة الجمحي المؤذن وله صحبة ورواية وفيها وقيل في التي قبلها توفي شيبة بن عثمان الحجبي العبدري المتولي فتح الكعبة‏.‏

وتوفي سعيد بن العاص التي ولي إمرة الكوفة لعثمان رضي الله عنه وافتتح طبرستان وكان ممدوحاً كريماً عاقلاً حليماً اعتزل يوم الجمل وصفين‏.‏

وتوفي أبو عبد الرحمن بن عامر بن كريز العبشمي أمير عثمان رضي الله عنهما‏.‏

 سنة ستين

توفي معاوية بن أبي سفيان في رجب منها بدمشق وله ثمان وسبعون سنة ولي الشام لعمر ولعثمان رضي الله عنه عشرين سنة وولي الملك بعد علي رضي الله عنه عشرين سنة أخرى‏.‏

وتوفي سمرة بن جندب الفزاري في أولها وبلال بن الحارث المزني وعبدالله بن المغفل المزني من أهل بيعة الرضوان وفيها أوفى ما قبلها أبو حميد الساعدي‏.‏

 سنة إحدى وستين

استشهد فيها يوم عاشوراء ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبطه وسلالة النبوة مقر المحاسن والمناقب والفتوة أبو عبدالله الحسين بن علي بكربلاء عمره خمس وستون سنة وكان قد أنف من إمرة يزيد بن معاوية فلم يبايعه وكان قد بايعه المسلمون كلهم إلا أربعة‏:‏ عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وهو رابعهم رضي الله عنهم وجاءته كتب أهل الكوفة يحضونه على القدوم عليهم فاغتر وسار في أهل بيته حتى بلغ كربلاء فعرض له أعداء الله وقتلوه في قصة طويلة وقتل معه ولداه علي الأكبر وعبدالله وإخوته جعفر ومحمد وعتيق والعباس الكبير‏.‏

وابن أخيه قاسم بن الحسن‏.‏

وأولاد عمه محمد وعون وابنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وابناه عبدالله وعبد الرحمن فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

قلت هذا ما نقل بعضهم على وجه الإجمال وها أنا أذكر ما فصل بعضهم على وجه الاختصار وحاصل ما ذكروا أن يزيد أرسل إلى الوليد بن عتبة أن يأخذ له البيعة على الناس فأرسل إلى الحسين بن علي وإلى عبدالله بن الزبير ليلاً فأتى بهما فقال‏:‏ بايعا فقالا مثلنا لا يبايع سراً ولكن نبايع على رؤوس الأشهاد إذا أصبحنا فرجعا إلى بيوتهما وخرجا من ليلتهما إلى مكة وذلك لليليتين بقيتا من رجب فأقام الحسين بمكة شهر شعبان ورمضان وشوال وفي القعدة وخرج يوم التروية يريد الكوفة فبعث عبيدالله بن زياد ابن أبيه خيلاً وأمرعليهم أميراً سموه من أولاد بعض الصحابة أكره ذكره فأدركه بكربلاء وما زال عبيدالله بن زياد يزيد العساكر إلى أن بلغوا

اثنين وعشرين الفاً ووعد الأمير المذكور أن يملكه مدينة الري فباع الفاسق الرشد بالغي وفيه يقول‏:‏ أأترك ملك الري والري بغيتي وارجع مأثوماً بقتل حسين قلت ولو قال‏:‏ أأترك ملك الري بل هو بغيتي وإن عدت مأثوماً يقتل حسين لكان هذا الإنشاد أدل على المراد فضيق عليه الفاسق أشد تضييق وسد بين يديه واضح الطريق إلى أن قتله يوم الجمعة وقيل يوم السبت وقيل يوم الأحد واتفقوا على أنه يوم عاشوراء بقرب الكوفة بموضع يقال له كربلاء وعليه جبة خز بعد أن حموه عن الماء وفي ذلك يقول الشاعر‏.‏

فدونك يا ماء العذيب تعرضت مياه رحيمات عن الوصل صدت حميت كما كان الحسين بكربلا عن الماء يحمي مثل حالته التي وقتل معه اثنان وثمانون من أصحابه مبارزة ثم قتل جميع بنيه إلا علي بن الحسين المعروف بزين العابدين فإنه كان مريضاً وأخذ أسيراً بعد قتل أبيه وقتل أكثر إخوة الحسين وأقاربه وفيهم يقول القائل‏:‏ عيني أبكي بعبرة وعويل أو اندبي إن ندبت آل رسول سبعة كلهم لصلب علي قد أصيبوا وستة لعقيل ورووا عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه وجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة واختلفوا في قاتله رضي الله تعالى عنه اختلافاً كثيراً وذكر بعضهم أنه قتل معه من أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنها سبعة عشر رجلاً‏.‏

وذكر أبو عمر بن عبد البر عن الحسن البصري قال أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم شبيه وقيل إنه قتل مع الحسين بن علي من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً غير من قتل منهم من غيرهم كما تقدم وقيل إن ابن زياد كان قد بعث على الجيش أميراً وهو الحارث بن يزيد التميمي لما حقت له الحقائق ورأى الأمر يؤول إلى ما آل تاب وانحاز إلى فئة الحسين وقاتل معهم حتى قتل وجز رأس الحسين بعض الفجرة الفاسقين وحمله إلى ابن زياد ودخل به عليه وهو يقول‏:‏ أقر ركابي فضة وذهباً أنا قتلت الملك الحمجبا قتلت خير الناس أماً وأباً وخيرهم إذ يذكرون النسبا فغضب ابن زياد من قوله وقال‏:‏ اذا علمت أنه كذلك فلم قتلته والله لا نلت مني خيرا أبداً ولألحقنك به ثم قدمه فضرب عنقه وقيل إن يزيد بن معاوية هو الذي قتل القاتل‏.‏

وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال‏:‏ اتي عبيدالله بن زياد برأس الحسين فجعل في طست فجعل ينكت فني فيه وقال في حسنه شيئاً قال أنس كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مخضوباً بالوسمة قلت وهذا الفعل يدل على عظيم الزندقة والفجور‏.‏

وذكر الإمام القرطبي في كتاب التذكرة عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصف النهار أشعث أغبر ومعه قارورة فيها دم يلتقطه قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله ما هذا قال ‏"‏ دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم ‏"‏ قال عمار‏:‏ فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل في ذلك اليوم‏.‏

وأخرج الإمام أحمد أيضاً في مسنده بسنده إلى أنس رضي الله عنه أن مالك المطر استأذن أن يأتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له فقال لأم سلمة املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال‏:‏ وجاءه الحسين ليدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ وعلى منكبيه وعلى عاتقه قال فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اتحبه قال‏:‏ نعم قال أما أن أمتك ستقتله وإن شئت لأريتك المكان الذي يقتل فيه فضرب بيده فجاء بطينة حمراء فأخذتها أم سلمة فصيرتها في خمارها‏.‏

وقيل وضعتها في قارورة فلما قرب وقت قتل الحسين نظرت في القارورة فإذا الطين قد استحال دماً‏.‏

ولما قتل الحسين وأصحابه سيقت حريمهم كما تساق الأسارى قاتل الله فاعل ذلك وفيهن جمع من بنات الحسين وبنات علي رضي الله عنهما وعن الجميع ومعهن زين العابدين مريضاً‏.‏

روي أنه لما قتل السادة الأخيار مال الفجرة الأشرار إلى خيام الحريم المصؤنة وهكتوا الأستار فقال بعض من حضر‏:‏ ويلكم إن لم تكونوا أتقياء في دينكم فكونوا إحراراً في دنياكم وذكروا مع ذلك ما يعظم من الزندقة والفجور وهو أن عبيدالله بن زياد أمر أن يقور الرأس المشرف المكرم حتى ينصب في الرمح فتحامى الناس عن ذلك فقام من بين الناس رجل يقال له طارق بن المبارك بل هو ابن المشؤم المذموم فقوره ونصبه بباب المسجد الجامع وخطب خطبة لا يحل ذكرها‏.‏

ثم دعا بزياد بن حر بن قيس الجعفي فسلم إليه رأس الحسين ورؤوس اخوته وبنيه وأصحابه ودعا بعلي بن الحسين فحمله وحمل عماته وأخواته إلى يزيد على محامل بغير وطاء والناس يخرجون إلى لقائهم في كل بلد ومنزل حتى قدموا دمشق ودخلوا من باب توما وأقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي ثم وضع الرأس المكرم بين يدي يزيد فأمر أن يجعل في طست من ذهب وجعل ينظر إليه ويقول مفتخراً بما إليه من الخزي نقل يؤول‏.‏

صبرنا وكان الصبر منا عزيمة ** وأسيافنا يقطعن كفاً ومعصما

يعلق هاماً من رجال أعزة ** علينا وهم كانوا أغر وأظلما

وأمر بالرأس أن يصاب بالشام واختلف الناس أين حمل الرأس المكرم من البلاد وأين دفن فذكر الحافظ أبو العلاء الهمداني أن يزيد حين قدم عليه رأس الحسين بعث إلى المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم وضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث ينتقل رأس الحسين ومن بقي من أهله وجهزهم بكل شيء ولم يدع لهم حاجة إلا أمر لهم بها وبعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة فقال عمرو‏:‏ وددت أنه لم يبعث به إلي ثم أمر عمرو بن سعيد برأس الحسين رضوان‏.‏

الله عليه فكفن ودفن في البقيع عند قبر أمه فاطمة رضي الله عنها‏.‏

قال‏:‏ هذا أصح ما قيل فيه وكذلك قال الزبير بن بكار وأن الرأس حمل إلى المدينة‏.‏

وما ذكر أنه نقل إلى عسقلان أو القاهرة لا يصح وقد قتل الله تعالى قاتله صبرأ ولقي حزناً طويلاً وذعراً ووضع رأس الخبيث المذمم حيث وضع رأس الحسين الطيب المكرم‏.‏

وروى الترمذي بسنده إلى عمارة بن عمير قال‏:‏ لما جيء برأس عبيدالله بن زياد وأصحابه نصبت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليه وهم يقولون قد جاءت قد جاءت فإذا حية يتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيدالله فمكثت هنية ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت قد جاءت فدخلت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً‏.‏

قال العلماء وذلك مكإفأة لفعله برأس الحسين رضي الله عنه وهي من آيات العذاب الظاهرة عليه‏.‏

قلت هذا تلخيص ما ذكروا في ذلك مختصرأ وأما حكم قاتل الحسين والأمر بقتله فمن استحل منها قتله فهو كافر وإن لم يستحل ففاسق فاجر وكان الحسين رضي الله تعالى عنه يفرعن مبايعة معاوية فضلاً عن مبايعة يزيد‏.‏

وقد ذكروا أنه لما حج معاوية وأراد الرجوع إلى الشام كلم الحسن أخاه الحسين رضي الله عنهما أن يذهبا إليه ويودعاه فامتنع الحسين من ذلك وذهب إليه الحسن وودعه وأعطاه مالاً جزيلاً وقد علم أنه صالحه على شروط وحقن دماء المسلمين فتحقق بما أشار إليه سيد المرسلين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين‏"‏‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي حمزة بن عمرو الأسلمي وله صحبة ورواية وكذلك أم المؤمنين هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية المعروفة بأم سلمة رضي الله عنها‏.‏

وقيل توفيت سنة تسع وخمسين رضي الله عنها وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة‏.‏

ومن مناقبها أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطبها فاعتذرت بأعذار كونها كبيرة السن وذلت أولاد وفيها الغيرة فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها أنه أيضاً كبير وذو أولاد‏.‏

وأما المغيرة فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أنا أدعو الله أن يذهبها عنك ‏"‏ وكانت امرأة عاقلة جميلة امرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية أن ينحر ويحلق وقالت له‏:‏ اذا فعلت ذلك تابعك أصحابك‏.‏

قالت له ذاك لما امتنعوا منه ودخل عليها وهومغضب لما فعل ما أشارت بادر الصحابة إلى فعل ذلك‏.‏

ومن مناقبها أيضاً رؤيتها جبرائيل عليه السلام في صورة دحية الكلبي المذكورات من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه التواريخ سبع ولم أرهم تعرضوا لتاريخ موت اثنين منهن وهما أم حبيبة وسودة رضي الله تعالى عنهما‏.‏

 سنة اثنتين وستين

فيها توفي بريدة بن الحصيب الأسلمي وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي وله صحبة ورواية وكذلك على الأصح علقمة بن قيس النخعي الكوفي الفقيه صاحب ابن مسعود وكان يشبهه في هدية ودله وسمته وكان غير واحد من الصحابة يستفتونه‏.‏

وتوفي أبو مسلم الخولاني بن مخلد السيد الجليل ذو المناقب والمحاسن في الظاهر واالباطن والكرامات العديدة والسيرة الحميدة اليمني من سادات التابعين لا يكاد يوجد له منهم نظير إلا نادراً جداً قليلاً وقد اشتهر أن الأسود العنسي أمر بنار عظيمة وألقى أبا مسلم فيها فلم يضره فنفاه لئلا يضطرب اتباعه ويحصل فيهم ارتياب ويرجع بهم الشكل في أمره عن متابعته‏.‏

وفد رضي الله عنه على أبي بكر مسلماً فقال‏:‏ الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من فعل به مثل ما فعل بابناهيم الخليل عليه السلام وله كرامات أخرى منها أنه لما استبطأ السرية في بعض الغزوات بينما هو يصلي راكز رمحه جاء طير فوقع على رأس الرمح وخاطبه مبشراً له أن السرية سالمة غانمة وهي تقدم في وقت كذا وكذا وكان الأمر كذلك‏.‏

 سنة ثلاث وستين

فيها كانت وقعة الحرة‏:‏ وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه لحربهم جيشاً أميره مسلم بن عقبة فالتقوا بظاهر المدينة لثلاث بقين من ذي الحجه فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار ما نيف على ثلاث مائة وقتل من الصحابة معقل بن سنان الأشجعي وعبدالله بن خنظلة بن الغسيل الأنصاري وعبدالله بن زيد بن عاصم المازني الذي حكى وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وممن قتل يومئذ محمد بن ثابت بن قيس بن شماس ومحمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن أبي جهم بن حذيفة ومحمد بن أبي كعب ومعاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري الذي أقامه عمر يصلي التراويح بين الناس ويعقوب من نسل طلحة بن عبيدالله التيمي وكثير بن أفلح أحد كتاب المصاحف الذي أرسلها عثمان وأبوه أفلح مولى أبي أيوب‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي مسروق بن الأجدع الهمداني الفقيه العابد المشهور المحمود صاحب عبدالله بن مسعود وكان يصلي حتى تورم قدماه وحج فما نام إلا ساجداً‏.‏

وعن الشعبي قال ما رأيت أطلب للعلم منه كان أعلم بالفتوى من شريح‏.‏

 سنة أربع وستين

في أولها هلك مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة عجل الله قصمه والعجب أنه شهد الوقعة وهو مريض في محفة كأنه مجاهد في سبيل الله وكذلك عجل الله تعالى يزيد بن معاوية فمات بعد نيف وسبعين يوماً منها وله ثمان وثلاثون سنة بايع له أبوه الناس في حياته ويقال إنه قال له‏:‏ قد أسست لك الأمر ومهدته وبايعت لك الناس ولم يبق منهم إلا أربعة‏:‏ الحسين بن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر‏.‏

فأما الحسين فاستوص به خيراً المكانة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وأما عبدالله بن عمر فقد وقذته العبادة فليس له في الملك حاجة‏.‏

وأما عبد الرحمن بن أبي بكر فمغرم بالنساء فأرغبه في المال‏.‏

وأما الذي يكمن لك ويثب عليك وثبة الأسد فكذا وكذا وذكروا كلاماً معناه التحذير منه والتحريض على قتاله والله أعلم بصحة ذلك‏.‏

وكانت مدة ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر وعهد بالأمر من بعده إلى ابنه معاوية بن يزيد فبقي في الولاية شهرين آو أقل ومات وكان يذكر فيه الخير عاش إحدى وعشرين سنة ولما احتضر قالوا له ألا تستخلف فامتنع وقال‏:‏ لم أصب حلاوتها فلا أتحمل مرارتها وقد تقدم أن عبدالله بن الزبير لم يبايع ليزيد وكان قد آوى إلى مكة فحاصره عسكر يزيد فنصبوا المنجنيق على الكعبة ورموها بالأحجار وبالنار قيل ومما احترق بالنار فيها قرناً كبش إسماعيل عليه السلام‏.‏

وقتل في الحصار بحجر المنجنيق المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري له صحبة ورواية وشرف وجاء نعي يزيد فترحل عسكره وبايع أهل الحرمين ابن الزبير ثم أهل العراق وأهل اليمن وغيرهم حتى كاد تجتمع الأمة عليه وغلب على دمشق الضحاك بن قيس الفهري في صحبته خلاف فدعا إلى ابن الزبير م تركه ودعا إلى نفسه وانحاز عنه مروان بن الحكم في بني أمية إلى أرض حوران فوإفاهم عبيدالله بن زياد ابن أبيه من الكوفة منهزماً من أهلها فوفى عزم مروان على طلب الملك الذي ذكره صلى الله عليه وآله وسلم بعد الثلاثين وسموهم خلافة فالتقى هو والضحاك بعد أن جرت قصة طويلة فقتل الضحاك وقتل معه نحو ثلاثة آلاف وانتصر مروان سار أمير حمص يومئذ النعمان بن بشير الأنصاري الصحابي لينصر الضحاك فقتله أصحاب مروان‏.‏

وفيها توفي بالطاعون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب وقد كان جواداً حليماً عين للخلافة بعد يزيد وولي امرة المدينة غير مرة‏.‏

وفيها توفي ربيعة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين المعجمة وكان فقيه الناس في زمن معاوية‏.‏

وفيها نقض أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير الكعبة وبناها على قواعد ابناهيم صلى الله عليه وآله وسلم وأدخل الحجر في البيت وكان قد تشقق أيضاً من المنجنيق واحترق سقفه‏.‏

 سنة خمس وستين

فيها توجه مروان إلى مصر فتملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز ومهد قواعده ثم عاد إلى دمشق ومات في رمضان فعهد إلى ابنه عبد المللك بن مروان وكان مروان من الفقهاء وكان كاتب السر لابن عمه عثمان وفيها ولي خراسان المهلب بن أبي صفرة لابن الزبير‏.‏

وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب الفزاري صاحب علي في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين وكان مروان قد جهز ستين ألفاً مع عبيدالله بن زياد ليأخذ العراق فالتقى مقدمة عبيدالله وعليهم شرحبيل بن ذي الكلاع هم وأولئك بالجزيرة فانكسروا وقتل سليمان والمسيب وطائفة وكان لسليمان صحبة ورواية رضي الله عنه‏.‏

وفيها مات على الصحيح عبدالله بن عمرو بن العاص السهمي وكان أصغر من أبيه بإحدى عشرة سنة وكان دينا صالحاً كبير القدر ذا عبادة واجتهاد وورع يلوم أباه على القيام في الفتنة‏.‏

وفيها توفي الحارث بن عبدالله الهمداني الكوفي الأعور الفقيه صاحب علي وابن مسعود رضي الله عنهم وحديثه في السنن الأربعة‏.‏

 سنة ست وستين

فيها توفي جابر بن سمرة السوائي بالكوفة وقيل بل في سنة أربع وسبعين وأبوه صحابي أيضاً وزيد بن أرقم الأنصاري‏.‏

وقيل في سنة ثمان وقد غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع عشرة غزوة وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص والذين قتلوا الحسين بن علي قاتلهم الله وجهز المختار بن أبي عبيد جيشاً ضخماً مع ابناهيم بن الأشتر النخعي وكانوا ثمانية آلاف لحرب عبيدالله بن زياد وكانت وقعة الجارز بأرض الموصل وقيل كانت في سبع وستين وصححه بعض المعتمدين وكان ملحمة عظيمة‏.‏

وفي السنة المذكورة قويت شوكة الخوارج واستولى نجدة الحروري على اليمامة والبحرين‏.‏

 سنة سبع وستين

قيل كانت وقعة الجارز في المحرم وفيه الخلاف المقدم‏.‏

وفيها حصل الاصطلام لعسكر أهل الشام وكانوا أربعين ألفاً ظفر بهم ابناهيم بن الأشتر فقتلت امراؤهم عبيدالله بن زياد ابن أبيه وحصين بن نمير السكوني الذي حاصر ابن الزبير رضي الله عنهما وشرحبيل بن ذي الكلاع وقيل قتلوا في السنة التي قبلها وبعث برؤوسهم فنصبت بمكة والمدينة‏.‏

وفيها وقيل في التي قبلها توفي عدي بن حاتم الطائي رئيس طيىء وله مائة وعشرون سنة رضي الله عنه ولما أسلم سنة سبع أكرمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألقى إليه وسادة وقال‏:‏ ‏"‏ إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ‏"‏‏.‏

ولما تحقق عبدالله بن الزبير كذب المختار بن أبي عبيد الثقفي بعث أخاه مصعب بن الزبير على العراق فدخل البصرة وتاهب منها وسار على ميمنته المهلب بن أبي صفرة وعلى ميسرته عمرو بن عبدالله التيمي فجهز المختار لحربهم جيشاً عليهم احمر بن شميط بالشين المعجمة والمثناة من تحت بين الميم والطاء المهملة وأبو عمرة كيسان فهزمهم مصعب‏.‏

وقتل احمر وكيسان وقتل من عسكر مصعب محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ابن أخت الصديق وعبيدالله بن علي بن أبي طالب وقتل من جند المختار عمر الأكبر ابن علي بن أبي طالب ثم ساق عسسكر مصعب بن الزبير فدخلوا الكوفة وحصروا المختار بقصر الإمارة أياماً إلى أن قتله الله تعالى في رمضان وكان كذاباً يزعم أن جبرائيل عليه السلام ينزل عليه وصفت العراق لمصب رحمة الله عليه‏.‏

 سنة ثمان وستين

توفي فيها بحر العلوم حبر الأمة على العموم الذي دعا له صلى الله عليه وآله وسلم بالفقه والدين وعلم التأويل‏:‏ عبدالله بن العباس الهاشمي الفقيه المحدث المفسمر البارع في العلوم وكان وفاته رضي الله عنه بالطائف وله إحدى وسبعون سنة رضي الله عنه‏.‏

ومن مناقبه دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالفقه وعلم التأويل وادخال عمر له مع المشايخ الكبار الجلة وما تميز به من العلوم والفضائل والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان قد ذهب بصره في آخر عمره فقال فيما نقل بعضهم عنه‏.‏

قلبي زكي وذهني غير ذي دخل وفي فمي صارم كارم كالسيف مطرور وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعباً وولى ابنه حمزة وفيها توفي أبو شريح الخزاعي وأبو واقد الليثي وكان ممن شهد فتح مكة وعاش بضعاً وسبعين سنة وفيها قتل عبدالله بن عمر وزيد بن أرقم وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهم‏.‏

 سنة تسع وستين

فيها كان طاعون الجارف بالبصرة وكان ثلاثة أيام مات في كل يوم نحو من سبعين ألفاً على ما رواه المدائني عمن أدرك ذلك‏.‏

وروى غيره قال مات لأنس بن مالك رضي الله عنه في الجارف سبعون ابناً وقيل مات في طاعون الجارف عشرون ألف عروس وأصبح الناس في اليوم الرابع ولم يبق منهم إلا اليسير وصعد ابن عامر يوم الجمعة وما في الجامع إلا سبعة ومن النساء امرأة فقال ما فعلت الوجوه فقالت المرأة‏:‏ تحت التراب أيها الأمير‏.‏

وفيها قتل نجدة الحروري تله أصحابه واختلفوا عليه وقيل بل ظفروا به أصحاب ابن الزبير قيل وفيها مات بطاعون الجارف قاضي البصرة أبو الأسود الديلي صاحب النحو انشاء وترتيباً بعد اشارة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتأسيسه رضي الله عنه على ما ذكر بعض أئمة النحو وكان من سادات التابعين وأعيانهم وقيل بل مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة تسع وتسعين وهناك تبسط الكلام فيما يتعلق بترجمته مما هو من صفته‏.‏

وفيها مات قبيصة بن جابر الأسدي كان فصيحاً مفوهاً روى عبد الملك بن عمير عنه قال‏:‏ قال لي عمر أراك شاباً فصيح اللسان فسيح الصدر وفيها أعاد ابن الزبير مصعباً على الفراق وعزل ابنه حمزة بن عبدالله فقصد هو وعبد الملك كل منهما الآخر ثم فصل بينهما الشتاء فوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق مريداً للغلافة جاء عبد الملك وجرى بينهما قتال وحصار ثم نزل إليه بالإيمان‏.‏

 سنة سبعين

فيها قيل غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد وذبحه صبراً بعد أن آمنه وحلف له وجعله ولي عهده من بعده وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي وكان مولده في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيها مات ملك السكسك صاحب معاذ رضي الله عنه‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ وفيها ثارت الروم وقووا على المسلمين فصالح عبد الملك بن مروان ملك الروم على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفاً منه على المسلمين قيل‏:‏ وهذا أول وهن دخل على الإسلام وما ذاك إلا لاختلاف الكلمة ولكون الوقت فيه خليفتان يتنازعان الأمر وما شاء الله

 سنة إحدى وسبعين

فيها توفي عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي أحد من بايع تحت الشجرة وله روايات أحاديث في غير الكتب الستة‏.‏

 سنة اثنتين وسبعين

فيها توفي البراء بن عازب أبو عمارة الأنصاري الحارثي وكان من أقران ابن عمر استصغر يوم بدر ومعبد بن خالد الجهني وكان صاحب لواء جهينة يوم الفتح له حديث عن أبي بكررضي الله عنهم‏.‏

وفيها على الصحيح عند الذهبي وقال ابن خلكان في سبع وستين على الأشهر توفي أبو البحر الضحاك بن قيس التميمي المعروف بالأحنف أحد الأشراف ومن يضرب بحلمه المثل المتفق على جلالته بلا خلاف كان من سادات التابعين ادرك عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصحبه وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف‏:‏ لما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني تميم يدعوهم إلى الإسلام كان الأحنف فيهم فلم يجيبوا إلى اتباعه فقال الأحنف‏:‏ انه ليدعوكم إلى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملاءئمها أسلموا وأسلم الأحنف ولم يفد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان زمان عمر وفد عليه قلت ما ذكره من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي بني تميم يدعوهم إلى الإسلام يوهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم سافر إليهم وهذا غير معروف ومعروف أنه خرج إليهم بعد ما وفدوا عليه وقالوا‏:‏ يا محمد اخرج إلينا‏:‏ فإن مدحنا زين وذمنا شين فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ ذلكم الله ‏"‏ الحديث وفي ذلك نزل قوله تعالى ‏"‏ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ‏"‏ - الحجرات‏:‏ 4 - وكان الأحنف المذكور من جلة التابعين وأكابرهم سيد قومه موصوفاً بالعقل والدهاء والحلم روى عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم‏.‏

وروى عن الحسن البصري وأهل البصرة وشهد مع علي رضي الله عنه وقعة صفين ولم يشهد وقعة الجمل مع أحد من الفريقين ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه يوماً فقال له معاوية‏:‏ والله يا أحنف ما أذكر يوم صفين إلا كانت حزارة في قلبي إلى يوم القيامه‏.‏

وقال له الأحنف‏:‏ والله يا معاوية إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وإن السيوف اك قاتلناك بها لفي أغمادنا وإن تدن من الحرب فتدانونا منها شبراً وإن تمش إليها نهرول نحوها او قال إليها ثم قام وخرج‏.‏

وكانت أخت معاوية من وراء الحجاب تسمع كلامه فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين من هذا الذي يتهدد ويتوعد فقال‏:‏ هذا الذي إذا غضب غضب لغضبه مائة ألف فارس من بني تميم لا يدرون فيهم غضب‏.‏

وروي أن معاوية لما نصب ولده يزيد في ولاية العهد اقعده في قبة حمراء فجعل الناس يسلمون على معاوية‏:‏ ثم يميلون إلى يزيد حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها‏.‏

والأحنف بن قيس جالس‏.‏

فقال له معاوية‏:‏ ما بالك لا تقول يا أبا بحر فقال‏:‏ اخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت فقال له معاوية‏:‏ جزاك الله خيراً عن الطاعة وأمر له بألوف فلما خرج لقيه ذلك الرجل فقال‏:‏ يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذم يزيد ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والاقفال فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت فقال الأحنف‏:‏ ان ذ الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجهياً او قال‏:‏ لا يكون له عند الله وجه‏.‏

وقال الأحنف كثرة الضحك تذهب الهيبة وكثرة المزاح تذهب المروة من لزم شيئاً عرف به قلت كلامه هذا من الحكمة الغريبة وذمه كثرة الضحك مع تلقيه بالضحاك دليل على أنه لقب معروف يعرف به لا صفة متصف بها‏.‏

وسئل عن الحلم ما هو فقاك‏:‏ العفو عن الذل مع الصبر وكان يقول إذا عجب الناس من حلمه‏.‏

اني لأجد ما تجدون ولكني صبور وقال‏:‏ ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم المنقري‏.‏

قيل‏:‏ وما بلغ من حلمه قال‏:‏ قتل ابن أخ له بعض بنيه فأتي بالقاتل مكتوفاً يقاد إليه قال‏:‏ ذعرتم الفتى‏:‏ ثم أقبل عليه وقال‏:‏ يا بني بئس ما صنعت نقصت عددك وأوهنت عضدك وأشمت عدوك وأسأت بقومك‏.‏

خلوا سبيله واحملوا إلى أم المقتول ديته فإنها غريبة‏.‏

فانصرف القاتل وما حل قيس حبوته ولا تغير وجهه قلت وقيس هذا هو الذي قال فما كان قيسى هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وروي أنه دخل الأحنف بن قيس على أمير العراق في زمانه وجلس معه على سريره فغضب الأمير من ذلك فقال الأحنف عجباً لمن يغسل القذرة بيده كل يوم مرتين كيف يتكبر‏!‏ ومناقبه رحمه الله كثيرة أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر‏.‏

وررى الحسن البصري أنه قال‏:‏ ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف‏.‏

وقد يتوهم بعض الناس أن الأحنف بن قيس أخ الأشعث بن قيس وهو غلط فإن الأحنف من تميم والأشعث كندي كما هو مشهور في ترجمة كل واحد منهما وكل منهما شريف رئيس في قومه ولكن الأحنف متميز بفضل الحلم وغيره من المحاسن الدينية‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي عبيدة السلماني المرادي الفقيه المفتي فيها على الصحيح تفقه بعلي وابن مسعود‏.‏

قال الشعبي‏:‏ كان يوازي شريحأ في القضاء‏:‏ وفيها وقعة دير الجاثليق بالجيم ثم المثلثة بين الألف واللام ثم المثناة من تحت ثم القاف تجهز عبد الملك ومصعب كل منهما يطلب صاحبه فالتقى الجمعان هناك فخان مصعباً بعض جيشه ولحقوا بعبد الملك وكان عبد الملك قد كتب إليهم يمنيهم ويعدهم حتى أفسدهم وجعل مصعب كلما قال لمقدم من امرأته‏:‏ تقدم‏.‏

لا يطيعه فاستظهر عبد الملك ثم أرسل إلى مصعب يبذل له الأمان فقال إن مثلي لا ينصرف عن هذا الموطن إلا غالباً أو مغلوباً ثم إنهم أثخنوه بالرمي ثم شد عليه زياد بن عمرو - وكان من جيشه - فخانه وطعنه وقال بالثارات المختار وذهب إلى عبد الملك وقتل مع مصعب ولداه عيسى وعروة وإبراهيم بن الأشتر سيد النخع وفارسها ومسلمة بن عمر الباهلي استولى عبد الملك على العراق وما يليها فأقر أخاه بشراً على العراق وبعث الأمراء على الأعمال وجهز الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة لحرب بن الزبير قلت وفي ولاية بشر المذكور ينشد البيت المشهور‏:‏ تد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق سنة ثلاث وسبعين فيها توفي عوف بن مالك الأشجعي المشهور المشكور وأبو سعيد بن العلاء الأنصاري وله صحبة ورواية وربيعة بن عبدالله التميمي عم محمد بن المنكدر‏.‏

وفيها نازل الحجاج ابن الزبير فحاصره ونصب المنجنيق على أبي قبيس ودام القتال أشهراً إلى أن قتل عبدالله بن الزبير بن العوام الأسدي أمير المؤمنين فارس قريش وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله رسلم وأول مولود ولد فى الإسلام بعد الهجرة وحنكه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان اول ما دخل بطنه ريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسماه عبدالله وكان قيل‏:‏ كان حجر المنجنيق يصيب ثوبه وهو ساجد فلا يرفع رأسه ويأكل أكلة واحدة ما بين مكة والمدينة ولما طال الحصار على أصحابه وتفرقوا عنه دخل على أمه أسماء بنت الصديق رضي الله عنهم فأخبرها أن أصحابه قد تفرقوا عنه وأن خصومه قالوا له‏:‏ ان شئت سلم نفسك لعبد الملك بن مروان يرى فيك رأيه ولك الأمان واستشارها في ذلك فقالت له‏:‏ يا ولدي إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قاتلت لله فلا تسلم نفسك لبني أمية يلعبون بك فإن قلت‏:‏ لم يبق معي معين على القتال فلعمري إنك معذور ولكن شأن الكرام أن يموتوا على ما عاشوا عليه فخرج من عندها حينئذ إلى أن التقى جيوش عبد الملك في أعلى مكة فحمل عليهم‏.‏وقال رضوان الله تعالى عليه ولو كان قرني واحداً لكفيته فأجابه واحد منهم نعم وألفاً يا غلام ولم يزل يقاتل إلى أن أصابه في رأسه رمية فراخ رأسه ووقع فصاحت مولاة لآل الزبير واأميراه‏!‏ فعرفوه ولم يكونوا عرفوه في ذلك الحال لما عليه من لباس الحرب فقصدوه في كل مكان فقتلوه قاتلهم الله ثم وقف عليه أميرهم الحجاج وأمير آخر معه قال ذلك الأمير‏:‏ ما ولدت بنات آدم أذكر من هذا الرجل يعني أفحل منه فقال له الحجاج‏:‏ اتقول فيه هذا القول وقد خالف أمير المؤمنين وخرج عن طاعته يعني عبد الملك بن مروان‏.‏

فقال‏:‏ ان هذا لا عذر لنا عند أمير المؤمنين وإلا فما عذرنا في قتلنا له اشهراً وهو يربي علينا فيها بالغلبة‏.‏

قال الشيخ محيي الدين النواوي رحمة الله عليه في شرح مسلم فذهب لحل الحق‏:‏ ان ابن الزبير كان مظلوماً وإن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه وروي أنه لما ولد كبر الصحابة ولما قتل كبر أهل الشام فقال ابن عمر‏:‏ الذين كبروا على مولده خير من الذين كبروا على قتله وكان قد ملك الحجاز واليمن والعراق‏.‏

وقال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ بويع على الخلافة ولا يبايع على الخلافة إلا من كان فقيها ‏"‏ مجتهدا ‏"‏ واستعمل ابن الزبير على اليمن الضحاك بن فيروز سنة ثم عزله وولى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي على صنعاء ثم استعمل جماعة واحداً بعد واحد‏.‏

ولما قتله الحجاج صلبه بين القبور في موضع هناك معروف إلى الآن ببناء بني هناك علامة ثم أرسل الحجاج إلى أمه أسماء بنت أبي بكر أعوانه وقال لهم قبحه الله‏:‏ هاتوها فكلموها في أن تمشي معهم إليه فأبت وقالت‏:‏ ان كان أمركم أن تسحبوني فاسحبوني فلما رجعوا إليه بغير مطلوبه لبس نعليه ومشى حتى جاءها فقال لها‏:‏ كيف رأيت ما صنعت با بنك فقالت‏:‏ يا مسكين أي شيء صنعت افسدت عليه دنياه وأفسد عليك أخرتك وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أن في ثقيف كذاباً ومبيرأً ‏"‏ فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا أخالك إلا إياه تعني بقولها‏:‏ رأيناه المختار بن أبي عبيد‏.‏

والمراد بالمبير المهلك‏.‏

يقال أباه الله أي أهلكه ويقال أيضاً رجل جائر بائر‏.‏قال في الصحاح‏:‏ البور بضم الباء الموحدة‏:‏ الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه‏.‏

قلت ومن هذا قوله تعالى ‏"‏ وكنتم قوماً بوراً ‏"‏ - الفتح‏:‏ 12 - وقد اتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا هو المختار بن أبي عبيد والمبير هو الحجاج بن يوسف وكان المختار المذكور شديد الكذب يزعم أن جبرائيل عليه السلام ينزل عليه كما تقدم ذكر ذلك‏.‏

وقتل مع ابن الزبير عبدالله بن صفوان بن أمية الجمحي من رؤوس مكة لما حج معاوية قدم له ابن صفوان المذكور ألفي شاة وقيل قتل معه بحجر المنجنيق عبدالله بن مطيع بن الأسد العدوي وقتل معه أيضاً عبد الرحمن بن عثمان بن عبيدالله التيمي ممن أسلم يوم الحديبية‏.‏

وتوفيت أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبدالله بن الزبير بعد مصاب ابنها بيسير وهي في عشر المائة وهي من المهاجرات الأول وتلقبت بذات النطاقين وسبب ذلك معروف في الحديث وهو أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شقت نطاقها نصفين فربطت بأحدهما وعاء زاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر رضي الله عنه‏.‏

وفي السنة المذكورة قوي سلطان عبد الملك بن مروان لقتل ابن الزبير وأنشد لسان حاله‏:‏

خلا لك الجو فبيضي واصفري

وولي الحجاج إمرة الحجاز فنقض من الكعبة جهة الحجر وأعادها إلى ما كانت عليه من بناء قريش فسد بابها الغربي ورفع الشرقي وصيرها على ما هي عليه الآن مخرجاً من الحجر ما جاء في الحديث أنه من البيت وهو ستة أذرع أو ستة ونصف أو جميعه على اختلاف روايات وردت في الحديث الصحيح‏.‏

قلت هذا هو الصواب الذي ذكره العلماء أنه إنما نقض الحجاج من جهة الحجر خاصة وأما قول الذهبي‏:‏ فنقض الكعبة وأعادها إلى بنائها في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فظاهره أنه نقض الكعبة كلها وليس بصحيح‏.‏

قلت وقد روي أن عبد الملك بن مروان لما حج طاف وهو متكىء على كتف بعض من عنده معروف جناء الكعبة حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فقال‏:‏ ما أظن أبا خبيب‏:‏ يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما يزعم أنه سمع منها‏.‏

فقال‏:‏ انا سمعت ذلك منها فقال سمعتها تقول ماذا قال قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي‏:‏ ‏"‏ إن قومك استقصروا في النفقة ولولا حدثان وروى حداثة عهد قومك بالكفر لأعدت البيت على ما كان عليه من زمن إبراهيم ‏"‏ قال فنكت عبد الملك بعود كان بيده في الأرض وقال‏:‏ وددت أني تركته وما تحمل وكان قد كتب إليه الحجاج أن أبا خبيب قد أحدث في البيت او قال في الكعبة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم استأذنه في ردها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له في ذلك وكان ابن الزبير قد استشار أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء لما توهن بناء قريش بما تقدم ذكره من الرمي بالمنجنيق وقيل جمرت فطارت الشرور واحترق بعض خشبها فتوهنت وأشار عليه أكثرهم أن لا يفعل ذلك ومنهم ابن عباس وغيره من كبارهم وقالوا‏:‏ تخشى أن يفعل ذلك كل من ولي الأمر فيما بعد ويذهب حرمة هذا البيت من قلوبهم ونحو ذلك من المقال وأشار عليه القليل منهم بنقضها فلما عزم على ذلك خرجوا من مكة خشية أن ينزل بهم عقوبة بسبب ذلك بعضهم خرج إلى الطائف وبعضهم إلى منى وأنكر العمال عن نقضها فعلاها ابن الزبير بنفسه وأخذ في هدمها‏.‏

قيل واستعمل في ذلك عبداً حبشياً دقيق الساقين بأن يكون ذلك هو ما جاء في الحديث من كونها ‏"‏ يهدمها ذو السويقين من الحبشة ‏"‏ ولم يرجع من خرج من مكة إليها حتى أخذ في بنائها وبعضهم حتى أكمل بناؤها وكان أراد أن يجعل طينها من الورس قيل له‏:‏ انه لا يقيم ولا يستمسك البناء كالجص فأرسل في جص فبعث به إليه من صنعاء اليمن‏.‏

فلما فرع من بنائها قال من لي عليه طاعة فليخرج يعتمر شكراً لله عز وجل فخرج في السابع والعشرين من رجب ماشياً وخرج الناس معه فلم يروا يوم أكثرعتقاً ونحراً وذبحاً وصدقة من ذلك اليوم قيل نحرهو فيه مائة من الإبل كل ذلك في جهة التنعيم وطرف الحل الذي يحرم منه للحمرة ومن هاهنا صار كثير من الناس يعتمرون في اليوم المذكور من كل سنة ولا بأس بذلك إذا سلم من بدع قد أحدثوها في هذه الأزمان من الأجتماع هنالك على وجه التنزه وخروج النسوان متزينات باللباس والحلي واختلاف الألوان وقد أوضحت ذلك في ‏"‏ الدررالمستحسنة في استحباب العمرة في سائر السنة ‏"‏‏.‏

وأما سبب اخراج الحجرمن البيت في بناء قريش فإنه قصر ما عندهم من الحلال عن اكمال بنائها بادخال الحجر فيها وذلك إن بناءها كان قد توهن في زمانهم فزموا علىنقضها وبناءها فمنعتهم الحية المشهورة وهي حية كانت تحرس البيت خمس مائة سنة رأسها مثل رأس الجدي وسببها أن أربعة من جرهم تسلقوا جدار الكعبة ليأخذوا ما يهدى إليها من الجواهرولم يكن لها سقف يومئذ فأصابتهم عقوبة في ذلك الوقت بعضهم سقط فاندقت عنقه فمات فبعث الله من يومئذ تلك الحية تمنع الناس من دخول الكعبة لا تزال على بابها فلما منعت قريشاً من نقضها اجتمع عقلاؤهم وقالوا‏:‏ اللهم إنا لا نريد ببيتك إلا خيراً فان كانت الخيرة في ذلك فاصرف هذه الحية عنا فانقض في ذلك الوقت طائر من الجو فاحتملها ورمى بها في أجياد ويقال إنه الدابة التي تخرج عند اقتراب الساعة والله أعلم بذلك‏.‏

ثم إن قريشاً اجتمعوا وقالوا‏:‏ لا ينبغي أن يبنى بيت الله إلا بالحلال فجمعوا ما عندهم من الحلال فلم يف بإكمالها على ما كانت عليه من زمن ابراهيم صلى الله عليه وآله وسلم و أخرجوا الحجر منها كما أشار إليه في الحديث‏.‏

واختلفوا في الكعبة كم بنيت من مرة فقيل‏:‏ سبعاً وقيل‏:‏ خمساً ومنشأ الخلاف هل بنيت قبل بناء ابراهيم أم هو أول من بنائها واحتج للقول الأول بما روي أنه لما حج آدم صلى الله عليه وآله وسلم قالت الملائكة عليهم السلام‏:‏ حجك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وللقول الثاني بظاهرالقرآن وما ورد أن ابراهيم قال لإسماعيل عليهما السلام‏:‏ ان الله قد أمرني أن أبني له بيتاً فهل أنت معين لي على ذلك فقال‏:‏ نعم او كما قال‏:‏ وكان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة‏.‏

قلت قد أطلت الكلام في بيان ما يتعلق ببناء الكعبة لاستشراف كثير من الناس إلى معرفة ذلك ولم أرالاقتصارعلى ما ذكروا في التاريخ من قولهم بناها ابن الزبير وهدمها الحجاج ولم أرلهم زيادة على هذا وهذا الذي ذكرته اعتمادي في إملائه على ما في ذهني مما رويناه في كتاب الأزرقي وغيره عمن بالعلم تقدم والله سبحانه بكل شيء عليم رجعنا إلى ذكر أن الزبير قتل في جمادى الأولى نيف برأسه في مصر وغيرها‏.‏