فصل: سبع وثلاث مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 ست وثلاث مائة

فيها أو قبلها‏:‏ أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركالة حال ابنها فإنه لم يركب للناس ظاهراً منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلاث مائة ثم ولي ابنه علياً إمرة مصر وغيرها وهو ابن أربع سنين وهذا من الوهن والخلل الذي دخل على الأمة‏.‏

ولما كان في السنة المذكورة أمرت أمه القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة وكانت تبرز التواقيع عليها خطها‏.‏

وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد ثم رجع‏.‏

وفيها توفي القاضي الفقيه الإمام علم الأعلام الطراز المذهب الملقب بالباز الأشهب حامل لواء مذهب الشافعي وناشره ومؤيده في زمانه وناصره أبو العباس أحمد بن عمر بن شريح شيخ الشافعية فقيه في زمانه صاحب التصانيف الكثيرة والفضائل الشهيرة‏.‏

يشمل فهرست كتبه على أربعمائة مصنف أخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي عن المزني والمزني عن الشافعي‏.‏

قيل وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني‏.‏

قال أهل الطبقات‏:‏ وعنه أخذ فقهاء الإسلام من الشافعية واشتهر مذهب الشافعي في الآفاف‏.‏

وانتشر وقام بنصرة المذهب والرد على المخالفين وفرع على كتب محمد بن الحسن الحنفي وكان شيخ طريقة العراق أبو حامد الأسفراييني يقول‏:‏ نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه‏.‏

قلت‏:‏ وسمعت من بعض شيوخنا أنه سأله إنسان‏:‏ كيف يلبي المحرم‏.‏

فقال‏:‏ يقول لبيك اللهم لبيك اللهم لبيك إلى آخر التلبية المعروفة فقال السائل‏.‏

صرت محرماً فقال ابن سريج ‏"‏ تزببت حصرماً ‏"‏ قلت‏:‏ قاله تحكماً لأن الحصرم لا يجيء منه زبيب وإنما قال السائل‏:‏ صرت محرماً لأنه قيل أن ابن سريج كان يقول‏:‏ يلزم الحكم بالحكا والله أعلم وكان يناظر محمد بن داود الظاهري‏.‏

حكى أنه قال له ابن داود يوماً‏:‏ أبلعني ريقي قال ابن سريج أبلعتك دجلة‏.‏

وقال له يوماً‏:‏ أمهلني ساعة فقال‏:‏ أمهلتك الساعة إلى أن تقوم الساعة وقال له يوماً‏:‏ أكلمك وقال الشيخ الإمام المعروف بالفقه والإتقان أبو علي بن خيران‏:‏ سمعت أبا العباس سريج يقول‏:‏ رأيت كأنا مطرنا كبريتاً أحمر فملأت أكمامي وحجري منه فعبر لي أن أرزق علماً عزيزا كعزة الكبريت الأحمر‏.‏

وكان يقال له في عصره‏:‏ إن الله تعالى بعث عمر عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة ومن الله تعالى على رأس المائتين بالإمام الشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة‏.‏

ومن الله تعالى رأس الثلاثمائة بك حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر في التاريخ ولكن الذي صرح به الحافظ الإمام أبو القاسم عساكر أن الصحيح أنه كان على رأس الثلاثمائة الإمام أبو الحسن الأشعري لأنه الذي على أئمة المبتدعة ونصر مذهب أهل الحق والسنة‏.‏

والناس في ذلك الزمان إلى إقامة الحق والذب عن السنة وإبطال مذاهب البدعة بقواطع الأدلة والبراهين المقحمة المقررة في علم الأصول أحوج منهم إلى معرفة الفروع‏.‏وكان الشيخ أبو الحسن الأشعري أولى بأن يكون من المجددين الذين على رأس كل مائة سنة المشار إليهم في الحديث على وجه الإبهام دون التعيين‏.‏

وسيأتي ذكر من على رأس المائتين اللاتي بعد إن شاء تعالى‏.‏

ولابن سريج المذكور مع فضائله نظم حسن وفهم مشكور‏.‏

عاش سبعاً وخمسين سنة وستة أشهر‏.‏

وكان جده سريج رجلاً مشهوراً بالصلاح الوافر‏.‏وهو سريج بن يونس بن إبراهيم بن الحارث المروزي الزاهد العابد صاحب الكرامات‏.‏

وقد تقدم تاريخ موته في سنة خمس وثلاثين ومائتين روى الحديث عن الحسن بن محمد الزعفراني‏.‏وفي السنة المذكورة توفي الفقيه الإمام أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي المصري الفقيه الشافعي الضرير‏.‏

أصله من ‏"‏ رأس عين ‏"‏ البلدة المشهورة بالجزيرة وأخذ الفقه عن أصحاب الإمام الشافعي وعن أصحاب أصحابه وله مصنفات من المذهب مليحة منها الواجب والمستعجل والمسافر والهداية وغير ذلك من الكتب‏.‏

وله شعر جيد ذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء وأنشد له‏:‏ عاب التفقه قوم لا عقول لهم وما عليه إذا عابوه من ضرر ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر وحكي أنه أصابته مسغبة في سنة شديدة القحط فرقي سطح داره ونادى بأعلى صوته‏:‏ الغياث الغياث نحن خلجاً لكم وأنتم تجار وإنما يحسن المواساة في الشدة لا حين ترخص الأسعار‏.‏

فسمعه جيرانه فأصبح على بابه مائة جمل بر‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير أبو عبد الله بن الجلاء أحمد بن يحيى‏.‏

من أجل شيوخ الصوفية صحب ذا النون المصري والكبار‏.‏

كان قدوة أهل الشام قال لأبويه‏:‏ اشتهي أن تهباني لله عز وجل فقال‏:‏ قد وهبناك له فغاب عنهما مدة من الزمان ثم جاء في ليلة ذات مطر وبرد فقرع عليهما الباب فقالا‏:‏ من هذا‏.‏

قال‏:‏ ولدكما‏.‏

قالا‏:‏ ليس لنا ولد وهبناه لله عز وجل ونحن قوم عرب إذا وهبنا شيئاً لا نرجع فيه‏.‏

وفيها توفي الإمام الحافظ صاحب التصانيف أبو محمد عبدان بن أحمد الأهوازي الجوالقي‏.‏

 سبع وثلاث مائة

فيها توفي أبو يعلى الموصلى التميمى الحافظ صاحب المسند‏.‏

والحافظ الكبير أبو بكر محمد بن هارون الروياني صاحب المسند وله تصانيف في الفقه‏.‏

 ثمان وثلاث مائة

فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وخشيت الفتنة ببغداد فركبت الجند وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس فقصد العامة داره فحاربتهم غلمانه وكان له مماليك كثيرة ودام القتال أياماً فقتل خلق كثير ثم استفحل البلاء ووقع النهب ببغداد‏.‏

وجرت فتن وحروب بمصر وملك العبيديون جيزة الفسطاط وخرج الخلق وشرعوا الحرب والحفل‏.‏

وفيها توفي الفقيه الصالح راوي صحيح مسلم إبراهيم بن محمد بن س النيسابوري‏.‏

قيل كان مجاب الدعوة‏.‏

وفيها توفي الحافظ الكبير أبو محمد عبد الله بن محمد الدينوري سمع الكثير وطوف الأقاليم‏.‏

وفيها توفي أبو الطيب محمد بن المفضل الضبي الفقيه الشافعي من كبار الفقهاء ومتقدميهم‏.‏

أخذ الفقه عن أبي العباس سريج وكان موصوفاً بفرط الذكاء وله تصانيف وله في المذهب وجوه حسنة وأبوه أبو طالب المفضل الضبي اللغوي صاحب التصانيف المشهورة في فنون الأدب ومعاني القرآن‏.‏

وجده سلمة بن عاصم صاحب الفراء وراويته وهم أهل بيت كلهم علماء نبلاء مشاهير رحمهم الله تعالى وقيل أن ابن الرومي هجا المفضل المذكور فقال‏:‏ لو تلففت في كساء الكسائي وتفريت فروة الفراء وتخللت بالخليل وأضحى سيبويه لديك رهن ضياء وتلونت من سواد أبي الأسود شخصاً يكنى أبا السوداء إلا بالله أن يعدك أهل العلم إلا في جملة الأغبياء فلما بلغ هذا الهجاء الوزير إسماعيل بن بلبل شق عليه وحرم ابن الرومي عطاياه لأن المفضل وفيها توفي الحافظ أبو العباس الوليد بن أبان بأصبهان صاحب المسند والتفسير‏.‏

وفيها توفي المفضل الجندي ‏"‏ بفتح الجيم والنون ‏"‏ اليمني‏.‏

وفيها توفي أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن إبراهيم وزير العزيز بن المعتز العبيدي صاحب مصر قالوا‏:‏ وكان يعقوب أولاً يهودياً يزعم أنه من أولاد هارون بن عمران أخي موسى صلوات الله عليهما وقيل بل يزعم أنه من ولد السموأل بن عاديا اليهودي صاحب الحصن المعروف بالأبلق القائل على ما ذكره بعضهم نسبة إليه‏:‏ وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل في أبيات له منها‏:‏ إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل وإن هو لم يجمل على النفس ضمها فليس إلى حسن الثناء سبيل وكان يعقوب قد قدم به أبوه من بغداد إلى مصر وقد تعلم الكتاب والحساب فجعله كافور الأخشيدي على عمارة داره ثم لما رأى كافور نجابته وشهامته وصيانته ونزاهته وحسن إدراكه ولم يقبل سوى قوته فتقدم كافور إلى سائر الدواوين أن لا يمضي دينار ولا درهم إلا بتوقيعه فوقع في كل شيء وكان يبر ويصل من اليسير الذي يأخذه‏.‏

كل هذا وهو على دينه ثم إنه أسلم يوم اثنين لثماني عشرة ليلة مضت من شعبان سنة ست وخمسين وثلاثمائة ولزم الصلاة ودراسة القرآن ورتب لنفسه رجلاً من أهل العلم شيخاً عارفاً بالقرآن والنحو حافظاً الكتاب السير في مكان يبيت عندي ويصلي به ويقرأ عليه ولم يزل حاله يتزايد مع كافور إلى أن توفي كافور في التاريخ المذكور وكان ابن الفرات وزير كافور يحسده ويعاديه‏.‏

ولما مات كافور قبض ابن الفرات على جميع الكتاب وأصحاب الدواوين وقبض على يعقوب في جملتهم ولم يزل يتوصل ويبذل المال حتى أفرج عنه‏.‏

فلما خرج من الإعتقال توجه إلى بلاد المغرب فلقي جوهراً الخادم وهو متوجه بالعساكر والخزائن إلى الديار المصرية ليملكها فرجع في صحبته وقيل بل استمر على قصده وانتهى إلى إفريقية وتعلق بخدمة المعز ثم رجع إلى الديار المصرية فلم يزل يترقى إلى أن تولى الوزارة للعزيز وعظمت منزلته ومهد قواعد الدولة‏.‏

وكان يعقوب يحب أهل العلم ويجتمع عنده العلماء ويقرأ عنده مصنفاته في ليلة كل جمعة ويحضره القضاة والفقهاء والقراء وأصحاب الحديث والنحاة وجميع أرباب الفضائل وأعيان العدول وغيرهم من وجوه الدولة فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح‏.‏

وكان في داره قوم يتلون القرآن الكريم وآخرون يتلون الحديث والفقه والأدب حتى الطب وينصب كل يوم خواناً للخاصة وموائد عديدة لمن عداهم من أهل مجلسه‏.‏

وكان يجلس كل يوم بعد صلاة الصبح ويعرض عليه رقاع الناس في الحوائج والظلامات‏.‏

وكان في خدمته قواد من جملتهم القائد أبو الفتوح فضل بن صالح الذي تنسب إليه ‏"‏ منية لا القائد ‏"‏ وهي بليدة من أعمال الجزيرة من الديار المصرية وكانت هيبته عظيمة وجوده وافراً‏.‏

وأكثر الشعراء من مدائحه وكان له طيور سابقة وللعزيز كذلك طيور سابقة فسابقه يوماً ببعض طيوره بعض طيور العزيز فسبق طائر الوزير فعز ذلك على العزيز فقيل له‏:‏ إنه قد اختار من كل شيء أجوده لنفسه وأعلاه ولم يبق منه إلا أدناه حتى الحماموقصدوا بذلك الإغراء به حسداً منهم لعله يتغير عليه فاتصل ذلك بالوزير فكتب إلى العزيز‏:‏ قل لأمير المؤمنين الذي له العلا والنسب الثاقب طائرك السابق لكنه جاء وفي خدمته حاجب فأعجبه ذلك منه وسرى عنه ما كان وجده عليه‏.‏

ذكر بعضهم أن هذين البيتين له وذكر بعضهم أنهما لولي الدولة المعروف بابن خيران‏.‏

ولما مرض عاده العزيز‏.‏

وقال له‏:‏ لو كنت تشترى اشتريتك بملكي وفديتك بولدي هل من حاجة توصي بها فبكى وقبل يده وقال‏:‏ أما فيما تحضني فأنت أرعى لحقي من أن أسترعيك إياه وأرأف علي من أن أوصيك به ولكني أنصح لك مما يتعلق بدولتك سالم الروم ما سالموك واقنع من الحمداني بالدعوة والسكة ولا تبق على مفرح بن دغفل إن عرضت لك فيه فرصة ومات فأمر العزيز أن يدفن في داره وهي المعروفة بدار الوزارة بالقاهرة داخل باب النصر في قبة كان بناها وصلى عليه العزيز وألحده بيده في قبره وانصرف حزيناً لفقده وأمر بغلق الدواوين أياماً بعده‏.‏

وكان إقطاعه من العزيز في كل سنة مائة ألف دينار وذكر بعضهم أنه كفن خمسين ثوباً ويقال أنه كفن وحنط بما مبلغه عشر آلاف دينار‏.‏

 تسع وثلاث مائة

فيها أخذت الإسكندرية واستردت إلى نواب الخليفة ورجع العبيدي إلى المغرب‏.‏

وفيها قضية الحسين بن منصور الحلاج وهو من أهل ‏"‏ البيضاء ‏"‏ بلدة بفارس ونشأ بواسط والعراق وصحب سهل بن عبد الله ثم صحب أبا الحسين النوري وأبا القاسم الجنيد وغيرهم والناس مختلفون فيه فمنهم من يبالغ في تعظيمه ومنهم من يبالغ في تكفيره ومنهم من يتوقف فيه‏.‏

والمحققون اعتذروا عنه وأجابوا عما صدر عنه بتأويلات ومنهم القطب أستاذ العارفين الأكابر الذي خضعت لقدمه رقاب كل ولي من باد وحاضر الشيخ الشريف الحسيب النسيب محي الدين عبد القادر الجيلي والشيخ الكبير العارف بالله الشهير إمام الطريقة ولسان الحقيقة الشيخ شهاب الدين السهروردي والإمام رفيع المقام حجة الإسلام أبو حامد محمد الغزالي وغيرهم ممن يطول ذكرهم بل يتعذر حصرهم‏.‏وممن قال به وقبله وصحح حاله وجعله أحد المحققين ولم يخرجه عن أئمة الصوفية العارفين السالكين المرشدين الشيوخ الجلة العارفين بالله الأئمة الشيخ أبو العباس بن عطا والشيخ أبو القاسم النصر أبادي والشيخ أبو عبد الله بن خفيف المذكور بالحسين بن منصور عالم رباني‏.‏

فمن كلام الشيخ عبد القادر رحمه الله فيه مما روى الشيخ أبو القاسم عمر البزار بالإسناد في مناقبه قال‏:‏ سمعت سيدي الشيخ محمد الدين عبد القادر الجيلي رضي الله تعالى عنه يقول‏:‏ عثر الحسين الحلآج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ولو كنت في زمنه لأخذت بيده وأنا لكل من عثر مركوبه من أصحابي ومريدي ومحبي إلى يوم القيامة آخذ‏:‏ ومن كلامه فيه أيضاً قوله‏:‏ فمن مناقبه المروية عنه‏:‏ طار طائر عقل بعض العارفين عن وكره سحره صورته وعلا إلى السماء خارقاً صفوف الملائكة‏.‏

كان بازياً من بزاة الملك مخيط العينين بخيط وخلق الإنسان ضعيفا فلم يجد في السماء ما يحاول من الصيد فلما لاحت له فريسة رأيت ربي زاد تحيره في قول مطلوبه‏:‏ ‏"‏ فأينما تولوا فثم وجه الله ‏"‏ ‏"‏ البقرة‏:‏ 115 ‏"‏ عادها بطاً إلى حظيرة خطة الأرض طلب ما هو أعز من وجود النار في قعر البحار تلفت بعين عقله فما شاهد سوى الآثار فكر فلم يجد في الدارين مطلوباً سوى محبوبه فطرب فقال بلسان شكر قلبه‏:‏ أنا الحق ترنم بلحن غير معهود من البشر صغر في روضة الوجود صغراً لا يليق ببني آدم لحن بصوته لحناً عرضه فخفقه نودي في سره يا حلاج اعتقدت أن قوتك بك قال‏:‏ لأن نيابته عن جميع العارفين حسب الواحد إفراد الواحد‏.‏

قل يا محمد أنت سلطان الحقيقة أنت إنسان عين الوجود على عتبة باب معرفتك تخضع أعناق العارفين في حمى جلالتك توضع جباه الخلائق أجمعين‏.‏

ومن كلام الشيخ عبد القادر أيضاً في الحلاج مسطوراً عنده في مناقبه المروية بالأسانيد قال رضي الله تعالى عنه‏:‏ طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة أنا الحق رأى روض الأبدية خالياً عن الحسيس والأنيس صفر بغير لغة تعريضاً لخيفة ظهر عليه عقاب الملك من مكمن أن الله لغني عن العالمين أنشب في إهابه مخلاب كل نفس ذائقة الموت‏.‏

قال له‏:‏ شرع سليمان الزمان لم تكلمت بغير لغتك ثم ترنمت بلحن غير معهود من مثلك‏.‏

ادخل الآن إلى قفص وجودك ارجع من طريق غيرة القدم إلى مضيق ذلة الحديث قل بلسان اعترافك ليسمعك أرباب الدعاوى‏:‏ حسب الواحد إفراد الواحد مناط خفض الطريق إقامة وظائف خدمة الشرع‏.‏

ومن كلام الشيخ شهاب الدين السهروردي ما روينا عنه في كتابه ‏"‏ عوارف المعارف ‏"‏ بإسنادنا العالي أنه قال‏:‏ وما يحكى عن أبي يزيد رحمه الله قوله‏:‏ سبحاني حاشا أن يعتقد في أبي يزيد أنه يقول ذلك إلا على معنى الحكاية عن الله تعالى‏.‏

قال‏:‏ وهكذا ينبغي أن يعتقد في الحلآج رحمه الله قوله‏:‏ أنا الحق‏.‏

وأما كلام الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي فقد ذكر في ‏"‏ كتاب مشكاة الأنوار ‏"‏ فصلاً طويلاً في الإعتذار عن الألفاظ التي كانت تصدر عن الحلاج مثل قوله‏:‏ أنا الحق وقوله‏:‏ ما في الجبة إلا الله‏.‏

وأمثال هذه الإطلاقات التي تنئو السمع عنها وعن ذكرها‏.‏قال ابن خلكان‏:‏ وحملها كلها على محامل حسنة وأولها قال‏:‏ وقال هذا من فرط المحبة وشدة الوجد‏.‏

قال‏:‏ وجعل هذا مثل قول القائل‏:‏

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ** نحن روحان قد حللنا بدنا

فإذا أبصرته أبصرتني ** وإذا أبصرتني أبصرتنا

قلت‏:‏ وهكذا اعتذر عنه وعن ما يصدر من الصوفية من الألفاظ الموهمة للحلول والإتحاد في كتابه ‏"‏ المنقذ من الضلال ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وأكثر المحققين حملوا على ما يقع منهم مخالفاً لظواهر الشرع من الأقوال على صدوره في حال سكرهم بواردات الأحوال‏.‏

وإلى ذلك أشرت بالقصيدة المسماة بالدر المنضد في جيد وقتل الحلاج وما منه في ظاهر الشرع يستباح وكونه شهيداً عند المشايخ لأن الغائب بالحال ما عليه جناح‏:‏ وبعض عن الأكوان فإن بعضهم به جاوز الإسكار حداً فعربدا فسل عليه الشرع سيفاً حمى به حدوداً فرى الحلاج ماض محددا فمات شهيداً عندكم من محقق وكم عندهم يخرج من النهج ملحدا ولكن فتى بسطام رفقاً بحاله حمى عن عنايات عزيزاً ممجدا أشرت في هذا إلى أن الحلاج ظفر به سلطان الشرع الظاهر وأبو يزيد تحصن بدرع حال الذي هو عن سلاح تسلط السلطان ساتر‏.‏

قلت‏:‏ وما أحسن ما أشار بعض أرباب الأحوال في وقوع الحلاج دون أبي يزيد حيث قال‏:‏ الحلاج خرج من بحر الحقيقة إلى الساحل وظفر به فأسر وأقيم عليه الحد‏.‏

وأما أبو يزيد فإنه لم يخرج من بحر الحقيقة والتحقيق فلم يكن لهم إلى الظفر به طريق هذا معنى كلامه والإشارة وإن اختلف منا العبارة‏.‏

ومن كلام الشيخ العارف بالله تعالى السيد الجليل أبي الشموس أبي الغيث ابن جميل قدس الله روحه فيما نحن بصدده من السكر لمحبة الله تعالى والفناء عما سوى الله تعالى لإشارة إلى من صدر منه مثل المقال في سكر وواردات الأحوال قوله‏:‏ هداك الله إلى شراب ماء عين من حسا منها حسوة واحدة عدم عقله فإن أكثر مما ذكرناه ادعى الربوبية ودل على ضعفه لأن من كان قبلنا كان بهذا الوصف لكن لباس ثوب العبودية لنا أكمل وأجمل وذلك أقصى ما نروم ونطلب‏.‏

فقد صرح في كلامه هذا بأن مثل هذا إنما يقع عمن سكر بالمشرب المذكور وضعف عن احتمال تجلي الجمال والنور‏.‏

قلت‏:‏ ومما يختشى من مثل هذا الضعف ما يروى عن غير واحد منهم أنهم كانوا يدافعون الأحوال الواردة عليهم لئلا يقعوا في مثل هذا‏.‏

وكان بعضهم إذا ورد عليه الحال يدخل السوق ويسمع كلام الناس وما هو فيه من اللفظ‏.‏

وبعضهم كان يأتي زوجته عن ذلك وبعضهم كان يركب الفرس ويركض ويلهو به وغير ذلك من اللهو في الأفعال التي تنافي الأحوال‏.‏

رجعنا إلى ذكر الحلاج‏:‏ قيل أنه سئل عن التصوف وهو مصلوب فقال‏:‏ هي نفسك إن لم تشغلها شغلتك‏.‏

قلت‏:‏ في لا بد لها من أن تشغل فإن لم تشغلها بالطاعات ووظائف العبادات شغلتك بالخواطر المذمومات الموقعات في الهوى والآفات‏.‏

ومن الشعر المنسوب إليه على اصطلاحهم‏:‏ سكوت ثم صمت ثم خرس وعلم ثم وجد ثم رمس وحزن ثم سهل ثم قفر ونهر ثم بحر ثم يبس وسكر ثم صحو ثم شوق وقرب ثم وصل ثم أنس وقبض ثم بسط ثم محو وفرق ثم جمع ثم طمس وأخذ ثم رد ثم جذب ووصف ثم كسف ثم لبس عبارات لأقوام تساوت لديهم هذه الدنيا وقلس وأصوات وراء الباب لكن عبارات الورى في القرب همس وآخر ما يؤول إليه عبد إذا بلغ المداحيض نفس لأن الخلق خدام الأماني وحق الحق في التحقيق قدس ومما نظمه أيضاً على اصطلاحهم وإشاراتهم قوله‏:‏ لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن أرسلت تسأل عني كيف بت وما لاقيت بعدك من هم ومن حزن كتبت ولم أكتب إليك وإنما كتبت إلى نفسي بغير كتاب وذاك لأن الروح لا فرق بينها وبين محبيها بفصل خطاب وكل كتاب صادر منك وارد إليك فلا يحتاج رد جواب وغير ذلك مما يجري هذا المجرى‏:‏ ومن كلام الحلاج‏:‏ المدبر وهو الخارج عن أسباب الدارين‏.‏

وقال‏:‏ من أسكرته أنوار التوحيد حجبت عن عبادة التجريد بل من أسكرته حقائق التجريد نطق عن حقائق التجريد‏.‏لأن السكران هو الذي ينطق لكل مكتوم وقال بعضهم‏:‏ لقيت الحلاج يوماً في حال رثة فقلت له‏:‏ كيف حالك‏.‏

فأنشأ يقول‏:‏ لئن أمسيت في ثوب عديم لقد بلي على حر كريم فلا يحزنك أن أبصرت حالاً يغيرني عن الحال القديم فلي نفس ستتلف أو سترقى لعمر الله في أمر جسيم قال بعضهم‏:‏ سمعت الحسين بن منصور وهو على الخشبة يقول‏:‏ طلبت المستقر بكل أرض فلم أر لي بأرض مستقراً أطعت مطامعي فاستعبدتني فلو أتي قنعت لكنت حراً قلت‏:‏ وله كلام فائق وشعر رائق فيهما الكثير من الناس في مسألك المؤاخذة مضائق وإيراد كل ذلك في هذا المختصر غير لائق وحاصل الأمر أنه أفتى كثر علماء عصره بإباحة دمه‏.‏

ويقال‏:‏ أن العباس بن سريج كان إذا سئل عنه يقول‏:‏ هذا رجل خفي عليه حاله وما أقول فيه شيئاً‏.‏

قلت‏:‏ هكذا قيل مع ابن سريج توفي قبل قتل الحلاج بثلاث سنين‏.‏

ويحتمل أن يكون قال ذلك في حياته لما سئل عنه قبل أن يقتل بمدة طويلة‏.‏

وكذلك ما قيل أن الجنيد وابن داود الظاهري من جملة من أفتى بقتله لا يصح لأن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين قبل قتل الحلاج بإحدى عشرة سنة‏.‏

ومحمد بن داود توفي قبل قصة الحلاج باثنتي عشرة سنة‏.‏

رجعنا إلى ذكر الحلاج‏.‏قالوا‏:‏ وكان قد جرى منه كلام في مجلس حامد بن العباس وزير المقتدر بحضرة القاضي أبي عمر فأفتى بحل دمه وكتب خطه بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء‏.‏

وقال لهم الحلاج‏:‏ ظهري حمى ودمي حرام وما يحل لك أن تناولوا علي بما يبيده وأنا اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين فالله الله في دمي‏.‏

ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه‏.‏

وانفضوا من المجلس وحمل الحلاج إلى السجن‏.‏

وكتب الوزير إلى المقتدر بخبره بما جرى في المجلس وسير الفتوى فعاد جواب المقتدر بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله فليسلم إلى صاحب الشرطة وليتقدم فليضربه ألف سوط فإن مات وإلا اضربه ألف سوط أخرى ثم يضرب عنقه فسلمه الوزير إلى الشرطي وقال له ما رسم به المقتدر وقال له‏:‏ إن لم يتلف بالضرب فبقطع يدى ثم رجله ثم تجز رقبته وتحرق جثته‏.‏

وإن خدعك وقال لك‏:‏ أنا أجري لك الفرات ودجلة ذهباً وفضة فلا تقبل ذلك منه ولا ترفع العقبربة عنه فتسلمه الشرطي ليلاً وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة فأخرجه إلى عند ‏"‏ باب الطاق ‏"‏ وهو يتبختر في قيوده‏.‏

واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم وضربه الجلاد ألف سوط ولم يتأوه بل قال للشرطي لما بلغ الستمائة‏:‏ ادع لي عندك فإن لك عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية‏.‏

فقال له‏:‏ قد قيل لي عنك أنك تقول هذا وكثر منه وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل‏.‏

ولما فرغ من ضربه قطع أطرافه الأربعة‏.‏

ثم جز رأسه ثم أحرقت جثته‏.‏

ولما صار رماداً ألقاه في الدجلة ونصب الرأس ببغداد على الجسر‏.‏

وقيل‏:‏ أن أصحابه جعلوا يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوماً‏.‏

واتفق أن دجلة زاد تلك السنة زيادة وافرة فادعى أصحابه أن ذلك سبب إلقاء رماده فيها وادعى بعض أنه لم يقتل ولكن ألقي شبهه على عدو من أعداء الله‏.‏

وشرح هذه القصة يطول وفيما ذكرناه كفاية وعبرة لأولي العقول‏.‏

قلت وقد اقتصرت مع ما ذكرت عن المشايخ في هذه القضية على نقل ابن خلكان وهو أهون وكلامه في الصوفية أقرب وأنسب لما ذكرناه من تأويل أكابر المشايخ عنه‏.‏

على المحامل التي تقدم ذكرها‏.‏

وأما ما نقل الذهبي فذكر فيه أشياء فظيعة وكثر التشنيع عليه وبالغ مبالغة لا يناسب ما قدمنا عن المشايخ بل يناسب اعتقاد الطاعنين عليه في شطحيات الصوفية وما يصدر ‏"‏ عنهم من الأحوال مشتبهاً بمضمون العقيدة التفاشية وما يناسبه من عقائد الحشوية في السادات من أولي الأحوال السيئة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو العباس بن عطاء وكان من أجلاء المشايخ أكابر الجامعين بين علمي الباطن والظاهر‏.‏

 عشر وثلاث مائة

فيها ببغداد توفي الحبر البحر الإمام أحد العلماء الأعلام صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير والمصنفات العديدة والأوصاف الحميدة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كان مجتهداً لا يقلد أحداً‏.‏

قال إمام الأئمة المعروف بابن خزيمة‏:‏ ما أعلم على وجه الأرض أفضل من محمد بن جرير ولقد ظلمته الحنابلة‏.‏

وقال الفقيه الإمام مفتي الأنام أبو حامد الأسفراييني‏:‏ لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً‏.‏

قلت‏:‏ وناهيك بهذا الثناء العظيم والمدح الكريم من هذين الإمامين الجليلين البارعين النبيلين‏.‏

ومولده بطبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين ركان ذا زهد وقناعة‏.‏

توفي في أواخر شوال من السنة المذكورة وكان إماماً في فنون كثيرة منها التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغير ذلك وله مصنفات مليحة في فنون عديدة يدل على سعة علمه وغزارة فضله وكان ثقة في نقله وتاريخه‏.‏

قيل‏:‏ تاريخه أصح التواريخ وأثبتها وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء من جملة المجتهدين‏.‏

وفيها أو في التي قبلها توفي الفقيه الكبير الإمام الشهير محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري كان فقيهاً مطلعاً ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء ومال‏:‏ صنف في اختلاف العلماء كتباً لم يصنف أحد مثلها واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف ومن كتبه المشهورة قي اختلاف العلماء ‏"‏ كتاب الأشراف ‏"‏ وهو كتاب كبير يدل على كثرة وقوفه على مذاهب الأثمة وهو من أحسن الكتب وأنفعها‏.‏

وفيها‏:‏ وقيل في إحدى عشرة وقيل في ست عشرة وثلاث مائة توفي أبو إسحاق الزجاج إبراهيم بن محمد النحوي كان من أهل العلم بالأدب والدين المتين وله من التصانيف في معاني القرآن وعلوم الأدب والعربية والنوادر وغير ذلك بضع عشرة مصنفاً‏.‏

أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وكان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب ونسب إليه وعنه أخذ أبو علي الفارسي النحوي وإليه ينسب أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي صاحب كتاب الجمل في النحو‏.‏

وفيها توفي الإمام النحوي محمد بن العباس اليزيدي كان إماماً في النحو والأدب ونقل النوادر وكلام العرب‏.‏

ومما رواه أن أعرابياً هوى أعرابية فأهوى إليها ثلاثين شاة وزقاً من خمر مع عبد له أسود فأخذ العبد شاة في الطريق فذبحها وأكل منها وشرب بعض الزق‏.‏

فلما جاءها بالباقي عرفت أنه خانها في الهدية فلما عزم على الإنصراف سألها‏:‏ هل لك حاجة‏.‏

فأرادت إعلام سيده بما فعله فقالت له‏:‏ اقرأ عليه السلام وقل له‏:‏ إن المرثوم كان عندنا محاقاً وإن شحيماً راعي غنمنا جاء مرثوماً‏.‏

فلم يدر العبد ما أرادت بهذه الكتابة‏.‏

فلما بلغ سيده ذلك فطن لما أرادت فدعا له بالهراوة وقال‏:‏ لتصدقني وإلا ضربتك بهذه ضرباً فأخبره الخبر فعفا عنه وهذه من لطيف الكنايات وظريف الإشارات‏.‏

والمرثوم بفتح الميم وسكون الراء وضم المثلثة‏:‏ الملطخ بالدم وهو في الزق مستعمل على وجه الإستعارة‏.‏

والمحاق بكسر الميم‏:‏ ثلاث ليالي من آخر الشهر‏.‏

وفيها توفي الطبيب الماهر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي المشهور ألف في الطب كتباً كثيرة وكان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر متقناً لهذه الصناعة يشد إليه الرحال في أخذها عنه‏.‏ومن تصانيفه‏:‏ ‏"‏ كتاب الحاوي ‏"‏ وهو من الكتب النافعة و ‏"‏ كتاب الأقطاب ‏"‏ و ‏"‏ كتاب المنصور ‏"‏‏:‏ وهو على صغر حجمه نافع جمع فيه بين العلم والعمل‏.‏

وغير ذلك من التصانيف المحتاج إليه‏.‏

ومن كلامه‏:‏ مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بمركب‏.‏

عالج في أول العلة بما لا يسقط القوة‏.‏

وحكي أن غلاماً من بغداد قدم الري وكان ينفث الدم وكان قد لحقه ذلك في طريقه‏.‏

فاستدعى أبا بكر الرازي الطبيب وأراه ما ينفث ووصف له ما يجد فأخذ الرازي مجسة ورأى قارورة واستوصف حاله فنظر فيه أبو بكر الرازي فأفكر فلم يظهر له دليل على علته فاستنظره لقيام دليل يظهر فقامت على العليل القيامة ويئس من الحياة فولد الفكر للرازي‏:‏ سؤاله عن المياه التي شربها في طريقه فأخبره أنه شرب من مستنقعات وصهاريج فقال في نفس الرازي نجدة حذمه وجودة فطنته أن علقة علقت به من شرب بعض تلك المياه وأن ذلك الدم بسببها وقال له‏:‏ إذا جئت غداً بيتك عالجتك بما يكون سبباً لبرئك بشرط أن تأمر غلمانك بطاعتي قال‏:‏ نعم فانصرف الرازي وجمع له مركنين من طحلب وأحضرهما من الغد معه وقال له‏:‏ ابلع فامتنع فأمر غلمانه أن يضجعوه فألقوه على قفاه وفتحوا فمه فجعل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبساً شديداً ويطالبه ببلعه ويهدده بالضرب إلى أن بلع ما في أحد المركنين ثم قذف ما ابتلعه وتأمل الرازي فإذا بالعلقة في الطحلب الذي قذفه فنهض العليل معافى فلم يزل رئيس هذا الشأن‏.‏

وكان اشتغاله به بعد الأربعين من عمره‏.‏

فيها دخل أبو طاهر القرمطي البصرة في الليل في ألف وسبعمائة فارس نصب السلاليم على السور ونزلوا فوضعوا السيف في البلد وأحرقوا الجامع وهرب خلق إلى الماء فغرقوا وسبوا الحريم‏.‏

قاتل الله تعالى كل شيطان رجيم‏.‏

وفيها توفي الحافظ الزاهد المجاب الدعوة أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان النيسابوري مصنف الصحيح على شرط مسلم والفقيه الحبر أبو بكر الخلال البغدادي ونحوي العراق أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج‏.‏

وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف‏.‏

رحل إلى الحجاز والشام والعراق ومصر وتفقه على المزني وغيره‏.‏

قال أبو علي الحافظ‏:‏ كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارىء السورة‏.‏

وقال ابن حبان‏:‏ لم أر مثل ابن خزيمة في حفظ الأسناد والمتن وقال الدارقطني‏:‏ كان إماماً معموم النظير‏.‏

 اثنتي عشرة وثلاث مائة

فيها عارض أبو طاهر القرمطى ركب العراق ومعه ألف فارس وألف راجل فوضعوا السيف واستباحوا الحجيج وساقوا الجمال بالأموال والحريم وهلك الناس جوعاً وعطشاً ونجا من نجا بأسوأ حال ووقع النوح والبكاء ببغداد وغيرها وامتنع الناس من الصلوات في المساجد ورجم الناس الوزير ابن الفرات وصاحوا عليه أنت القرمطي الكبير‏.‏

فأشار على المقتدر أن يكاتب مؤنساً الخادم وهو على الرقة قد سعى ابن الفرات في إعادته إليها خوفاً منه فقدم مؤنس الخادم فركب إلى دار ابن الفرات للسلام عليه ولم يتم مثل هذا من وزير أو قال الوزير‏:‏ فأسرع مؤنس إلى باب داره وقبل يده وخضع‏.‏

وكان في حبس المحسن ولد الوزير جماعة في المصادرة فخاف العزل وأن يظهر عليه ما أخذ منهم فسم علي بن عيسى وذبح مؤنساً خادم حامد بن العباس وعبد الوهاب ابن ما شاء الله فكثر الضجيج من المقتولين على بابه ثم قبض المقتدر على ابن الفرات وسلمه إلى مؤنس فعاتبه مؤنس وتذلل هو له فقال له مؤنس‏:‏ الساعة تخاطبني بالأستاذ وأمس تبعدني إلى الرقة واختفى المحسن ثم ظفر به في زي امرأة قد خضبت يديها بالحناء فعذب وأخذ خطه بثلاثة آلاف دينار‏.‏

وولي الوزارة عبد الله بن محمد الخاقاني فعذب ابن الفرات واصطفى أموالهم فيقال أخذ منهم ألفي دينار ثم ألح مؤنس ونصر الخادم وهارون ابن خال المقتدر على المقتدر حتى أذن في قتل ابن الفرات وولده المحسن فذبحا‏.‏

عاش ابن الفرات إحدى وسبعين سنة وكان جباراً فاتكاً سائساً كريماً متمولاً يقدر على عشرة آلاف دينار وقد ورد للمقتدر ثلاث مرات وقتل وكان يدخل عليه من أملاكه في العام ألف ألف دينار‏.‏

فكان القرمطي قد أسر طائفة من الحجاج منهم الأمير أبو الهيجا عبد الله بن حمدان فأطلقه وأرسل معه يطلب من المقتدر البصرة والأهواز فذكر أبو الهيجاء أن القرمطي قتل من الحجاج ألفي رجل ومائتين ومن النساء ثلاثمائة وفي الأسر مثلهم بهجر‏.‏

وفي السنة المذكورة ذبح ابن الفرات وولده المذكوران ويقال عنه أنه كانت الأعراب كبسوا بغداد ولما ولي الوزارة في سنة أربع وثلاثمائة خلع عليه سبع خلع كان يوماً مشهوداً بحيث أته سقى من داره في ذلك اليوم والليلة أربعين ألف رطل ثلج‏.‏

وفيها توفي سلمة بن عاصم الضبي الفقيه صاحب ابن سريج أحد الأذكياء‏.‏

صنف الكتب وهو صاحب وجه وكان يرى تكفير تارك الصلاة‏.‏

وأبوه وجده من أئمة العربية‏.‏