فصل: ثمان وخمسين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سبع وخمسين ومائتين

فيها وثب العلوي قائد الزنج والسودان على الأيلة فاستباحها وأحرقها وقتل بها نحو ثلاثين ألفاً فساق العسكر لحربه سعيد لحاجب فالتقوا فانهزم سعيد واستحر القتل بأصحابه ثم دخلت الزنج البصرة وخربوا الجامع وقتلوا بها اثني عشر ألفاً وهرب باقي أهلها بأسوأ حال فخربت‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ المعمر أبو علي الحسن بن عرفة العبدي البغدادي المؤذن وله مائة وسبع سنين‏.‏

‏"‏ والحافظ ‏"‏ زهير بن محمد المروزي ثم البغدادي كان من أولياء الله قال البغوي‏:‏ ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه كان يختم في رمضان تسعين ختمة رحمة الله عليهم‏.‏

وفيها توفي الحافظ صاحب التصانيف أبو سعيد الأشجع الكندي الكوفي‏.‏

 ثمان وخمسين ومائتين

فيها توفي الإمام أبو جعفر الباقي اليامي قاضي الكوفة ثم قاضي همدان وكان صالحاً عادلاً في أحكامه وكان يسمى راهب الكوفة بعبادته‏.‏

وفيها توفي الحافظ أحمد بن الفرات أحد الأعلام صنف المسند والتفسير وقال‏:‏ وفيها توفي الإمام الحافظ أحد الأعلام محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري سمع عبد الرحمن بن مهدي وطبقته وأكثر الترحال وصنف التصانيف وكان الإمام أحمد يجله ويعظمه وقال أبو حاتم‏:‏ كان إمام أهل زمانه‏.‏

وفيها توفي الشيخ العارف بحر الحكم والمعارف واعظ عصره وحكيم زمانه بحيى بن معاذ الرازي ومن كلامه‏:‏ كيف يكون زاهداً من لا ورع له‏.‏

تورع عما ليس لك ثم أزهد في مالك‏.‏وكان يقول‏:‏ الجوع للمريدين رياضة وللتائبين تجربة وللزهاد سياسة وللعارفين مكرمة‏.‏

وقال‏:‏ من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل الجليل من العطاء‏.‏

وفي هذا المعنى قلت‏:‏ جليل العطايا في دقيق التورع فدقق تنل عالي المقام المرفع وتسلم من المحظور في كل حالة وتغنم من الخيرات في كل موضع وتحمد جميل السعي بالفوز في غد فسارع إليه اليوم مع كل مسرع ولا تك مثلي وابناً متخلقاً لجوهر عمر عن شر مضيع

 تسع وخمسين ومائتين

فيها استفحل أمر يعقوب بن الليث الصفار واستولى على اقليم خراسان وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان وفيها توفي الإمام الحافظ محمد بن يحيى الأسفرائني شيخ الحافظ أبي عوانة‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن موسى بن شاكر أحد الإخوة الثلاثة الذين ينسب إليهم حيل بني موسى وهم مشهورون بها وأسماء إخوانه أحمد والحسن وكانت لهم إليهم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكتب الأوائل‏.‏

وأتعبوا أنفسهم في شأنها وكان الغالب عليهم من علوم الهندسة والحيل والحركات والموسيقى والنجوم وهو الأقل‏.‏

ولهم في الخيل كتاب عجيب نادر يشتمل على كل غريبة وهو مجلد واحد وصفه ابن خلكان بكونه ممتعاً ومما اختصوا به في ملة الإسلام وأخرجوه من القوة إلى الفعل وإن كان أرباب الأرصاد المتقدمون قد فعلوه لكنه لم ينقل أن أحداً من أهل هذه الملة تصدى له وفعله الأهم وهو ما سيأتي ذكره في ترجمة الصولي في سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة وهو إيضاح مساحة كرة الأرض أربعة وعشرين ألف ميل استخراجاً من ارتفاع القطب وكون كل درجة من درج الفلك يقابلها من سطح الأرض ستة وستون ميلاً وثلثا ميل بالعمل ومشيهم في الأرض المستوية في جهة الشمال كما سيأتي واضحاً في السنة المذكورة إن شاء الله تعالى‏.‏

فيها صال يعقوب بن الليث وجال وهزم الشجعان والأبطال وترك الناس بأسوأ حال‏.‏

ثم قصدا الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان فالتقوا فانهزم العلوي وتبعه يعقوب في تلك الجبال فنزل على أصحاب يعقوب بلاء سماوي نزل عليهم ثلج عظيم أهلكهم مات فيه أربعون ألفاً فذهب عامة خيله وأمواله‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني الفقيه الحافظ صاحب الإمام الشافعي‏.‏

روى عن ابن عيينة وطبقته مثل وكيع بن الجراح ويزيد بن هارون وروى عنه البخاري في صحيحه وأبو داود السجستاني والترمذي وغيرهم‏.‏

والزعفراني بفتح الزاي وسكون العين المهملة وفتح الفاء والراء نسبة إلى الزعفرانة وهي قرية بقرب بغداد‏.‏

ودرب الزعفراني في بغداد منسوب إلى الإمام المذكور قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء‏:‏ وفيه مسجد الشافعي وهو المسجد الذي كنت أدرس فيه ولله الحمد والمنة يعني في درب الزعفراني وكان الزعفراني‏:‏ يتولى كتب الشافعي وهو أحد رواة أقواله القديمة‏.‏

ورواتها أربعة هو والإمام أحمد بن حنبل وأبو ثور والكرابيسي ورواة أقواله الجديدة ستة المزني والبويطي وحرملة ويونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي وكان الزعفراني من أذكياء العلماء وبرع في الفقه والحديث وصنف فيها كتباً ولزم الإمام وفيها توفي الشريف العسكري أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق أحد الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية وهو والد المنتظر عندهم صاحب السرداب ويعرف بالعسكري وأبوه أيضاً يعرف بهذه النسبة‏.‏

توفي في يوم الجمعة سادس ربيع الأول وقيل ثامنه‏.‏وقيل غير ذلك من السنة المذكورة ودفن بجنب قبر أبيه بسر من رأى وقد تقدم ذكر سبب هذه النسبة‏.‏

وفيها توفي حنين بن إسحاق العبادي الطبيب المشهور كان إمام وقته في صناعة الطب وكان يعرف لغة اليونانيين معرفة تامة وهو الذي عرب كتاب إقليدس ونقله من لغة اليونانيين إلى لغة العرب ثم نقحه ثابت بن قرة وهذبه كما تقدم في ترجمته وكذلك كتاب المجسطي وأكثر كتب الحكماء والأطباء كانت بلغة اليونانيين فعربت وكان حنين المذكور أشد اعتناء بتعريبها من غيره وعرب غيره أيضاً بعض الكتب ولولا ذلك التعريب لما انتفع أحد بتلك الكتب لعدم المعرفة بلسان اليونان‏.‏

لا جرم كل كتاب لم يعربوه باق على حالا لا ينتفع به إلا من عرف تلك اللغة وكان المأمون مغرياً بتعريبها وتحريرها وإصلاحها ومن قبله جعفر البرمكي وجماعة أهل بيته أيضاً لهم بها اعتناء‏.‏

لكن عناية المأمون كانت أتم وأوفر ولحنين المذكور مصنفات في الطب مفيدة‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ورأيت في كتاب أخبار الأطباء أن حنيناً كان في كل يوم عند نزوله من الركوب يدخل الحمام فيصب على رأسه الماء ويخرج فيلتف قطيفة ويشرب قدح شراب يعني من شراب الفساق ويأكل كعكة ويتكىء حتى ينشف عرقه وربما نام ثم يقوم ويتبخر ويقدم له طعام فروج كبير مسمن قد طبخ بزبرباج ورغيف وزنه مائتا درهم فيحس من المرقة ويأكل الفروج والخبز وينام‏.‏

فإذا انتبه شرب أربعة أرطال شراباً عتيقاً يعني من الشراب المصحح للأبدان الهادم للأديان فإذا اشتهى الفاكهة الرطبة أكل التفاح الشامي والسفرجل وكان ذلك دأبه إلى أن مات‏.‏

 إحدى وستين ومائتين

فيها توفي الحافظ أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي نزيل طرابلس المغرب صاحب التاريخ والجرح والتعديل‏.‏

وفيها توفي أبو شعيب السوسي صالح بن زياد مقرىء أهل الرقة وعالمهم قرأ على يحيى اليزيدي وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة وتصدر للإقراء وحمل عنه طائفة‏.‏وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله الخبير صاحب المقام العالي المشكور والحال الحالي المشهور أبو يزيد المسمى بطيفور بن عيسى ذو الفضل السامي الفتى المعروف بالبسطامي قيل له‏:‏ بأي شيء وجدت هذه المعرفة قال ببطن جائع وبدن عار‏.‏

وقيل‏:‏ ما أشد ما لقيته في سبيل الله فقال‏:‏ لا يمكن وصفه‏.‏

فقيل‏:‏ ما أهون ما لقيت نفسك منك‏.‏

فقال‏:‏ أما هذا فنعم دعوتها إلى شيء من الطاعات فلم تجب فمنعتها الماء سنة‏.‏

وكان يقول‏:‏ لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهوى فلا تعتبروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة‏.‏

وله مقالات علية وكرامات سنية ومجاهدات عظيمة وشيم كريمة‏.‏

توفي سنة إحدى وقيل أربع وستين ومائتين‏.‏

وبسطام بفتح الموحدة وسكون السين وبالطاء المهملتين وبعد الألف ميم بلدة مشهورة من أعمال قومس‏.‏

ويقال أنه أول بلاد خراسان من جهة العراق والله أعلم ومن جلالته وعظم هيبته قضية مشهورة مع الشاب الذي قال له أبو تراب‏:‏ لو رأيت أبا يزيد وقد ذكرتها في غير هذا الكتاب ومختصرها أنه لما رآه وقد خرج من غيضة مات الشاب فقال أبو تراب لأبي يزيد‏:‏ قتلت صاحبنا‏.‏

فقال‏:‏ لا بل كان صاحبكم صادقاً وكان مستوراً عنه حاله فلما رآنا تجلى له حاله في مرآتنا فلم يطق حمل بطاقة فمات‏.‏

فقال أبو يزيد‏:‏ أقمت في الزهد ثلاثة أيام زهدت في اليوم الأول في الدنيا وزهدت في اليوم الثاني في الآخرة وزهدت في اليوم الثالث فيما سوى الله تعالى‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الإمام الحافظ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري أحد أركان الحديث وصاحب الصحيح وغيره‏.‏

ومناقبه مشهورة وسيرته مشكورة‏.‏

رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن حنبل‏.‏وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن مسلمة القعنبي وغيرهم وقدم بغداد غير مرة وروى عنه أهلها وروي عنه أنه قال‏:‏ صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة‏.‏

وقد اختلف أئمة الحديث المتأخرون في تفضيل الصحيحين فالأكثرون منهم فضلوا صحيح البخاري على صحيح مسلم وبعضهم فضلوا صحيح مسلم حتى قال أبو علي النيسابوري‏:‏ ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث‏.‏

قلت‏:‏ والمعروف أن كتاب البخاري أفقه وكتاب مسلم أحسن سياقاً للروايات‏.‏

وقال الخطيب البغدادي‏:‏ كان مسلم يناضل البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ‏:‏ لما استوطن البخاري بنيسابور أكثر مسلم من الإختلاف إليه فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ نادى عليه ومنع الناس من الإختلاف إليه حتى هجر وخرج من نيسابور‏.‏

في تلك المحنة قطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زيارته فأنهي إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديماً وحديثاً لم يرجع عنه‏.‏

فقال‏:‏ في مجلسه إلا من قال باللفظ‏:‏ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا‏.‏

وأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس وخرج من مجلسه‏.‏

وجمع كل ما كان كتب منه وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحيى فاستحكمت بذلك الوحشة وتخفف عنه وعن زيارته‏.‏

 اثنتين وستين ومائتين

فيها لما عجز المعتمد على الله عن يعقوب بن الليث كتب إليه بولاية خراسان وجرجان فلم يرض يوافي باب الخليفة وأضمر في نفسه الإستيلاء على العراق‏.‏

وخاف المعتمد فتحول عن سامراء إلى بغداد وجمع أطرافه وتهيأ للملتقى‏.‏

وجاء يعقوب في سبعين ألف فارس فنزل واسط فتقدم المعتمد وقصده يعقوب وقدم المعتمد أخاه الموفق يجهز الجيش فالتقيا في رجب‏.‏

واشتد القتال فوقعت الهزيمة على الموفق ثم ثبت وشرعت الكسرة على أصحاب يعقوب فولاه الأدبار واستبيح عسكرهم‏.‏

وكسب أصحاب الخليفة ما لا يحد ولا يوصف وخلصوا محمد بن طاهر الذي كان مع يعقوب في القيود ودخل يعقوب إلى فارس وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير خراسان ورده على عمله وأعطاه خمسمائة ألف درهم‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أحد الأعلام يعقوب بن شيبة الدوسي صاحب المسند المعلل الذي ما صنف أحد أكبر منه ولم يتمه‏.‏

 ثلاث وستين ومائتين

فيها توفي الحافظ محمد بن علي بن ميمون الرقي العطار‏.‏

قال الحاكم‏:‏ كان إمام أهل الجزيرة في عصره‏.‏والحسن بن أبي الربيع الجرجاني الحافظ‏.‏

والوزير عبد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل‏.‏

 أربع وستين ومائتين

وفيها أغارت الزنج على واسط وهرب أهلها حفاة عراة ونهبت ديارهم وأحرقت فسار لحربهم الموفق‏.‏

وفيها غزا المسلمون الروم وكانوا أربعة آلاف عليهم ابن كافور فلما نزلوا بعض المنازل تبعهم البطارقة وأخدقوا بهم فلم ينج منهم إلا خمسمائة واستشهد الباقون‏.‏

وفيها توفي أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري الحافظ‏.‏

كان ممن رحل إلى اليمن وأكثر عن وفيها توفي أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة‏.‏

رحل وسمع من أبي نعيم والقعنبي وطبقتهما‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ لم يخلف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانة وصدقاً‏.‏

وهذا ممن لا يرتاب فيه ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله‏.‏

وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ ‏"‏ حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو موسى يونس بن عبد الأعلى المصري الفقيه المقرىء المحدث‏.‏

روى عن ابن عيينة وابن وهب وتفقه على الشافعي وأخذ عنه الحديث‏.‏

وكان الشافعي يصف عقله ويقول‏:‏ ما رأيت بمصر أعقل منه وقرأ القرآن على ورش وتصدر للإقراء والفقه وكان ورعاً صالحاً عابداً كبير الشأن وروى القراءة عنه من الأئمة جماعة منهم محمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن جرير الطبري الإمامان الجليلان وغيرهما وكان محدثاً جليلاً من أفاضل أهل زمانه وكان من العقلاء ذكر ذلك عنه أبو عبد الله القضاعي وروى غير القضاعي أن يونس روى عنه الإمام مسلم بن الحجاج القشيري وأبو عبد الرحمن النيسابوري وأبو عبد الله بن ماجة وغيرهم من أئمة الحديث الكبار‏.‏

وقال قاضي مصر محمد بن الليث‏:‏ لما عزم القاضي بكار لما ولي وقد استشاره في من يشاوره عليك برجلين‏:‏ أحدهما عاقل وهو يونس بن عبد الأعلى فإني سعيت في دمه فقدر فحقن دمي‏.‏

والآخر أبو هارون موسى بن عبد الرحمن بن القاسم فإنه رجل زاهد فقال بكار‏:‏ صف لي الرجلين فوصفهما فلما دخل مصر ودخل عليه الناس عرفهما فرفهما وقيل‏:‏ إن موسى المذكور اختص به القاضي بكار وكان يتبرك به لزهده فقال له يوماً‏:‏ أبا هارون من أين المعيشة‏.‏

فقال‏:‏ من وقف وقفه أبي فقال له بكار‏:‏ يكفيك قال‏:‏ تكفيت به‏.‏وقال‏:‏ قد سألني القاضي فأريد أن أسأله قال‏:‏ سل قال‏:‏ هل ركب القاضي دين بالبصرة حتى تولى بسببه القضاء قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فهل رزق ولداً أحوجه إلى ذلك قال‏:‏ لا ما نكحت قط‏.‏

قال‏:‏ فلك عيال كثير‏.‏قال‏:‏ لا قال‏:‏ فهل أجبرك السلطان وعرض عليك العذاب وخوفك قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فضربت آباط الإبل من البصرة لغير حاجة ولا ضرورة‏.‏

قال‏:‏ لله علي لا دخلت عليك أبداً فقال‏:‏ يا أبا هارون أقلني قال‏:‏ أنت بدأت بالمسألة ولو سكت لسكت ثم انصرف عنه ولم يعد إليه بعدها‏.‏

وقال يونس‏:‏ قال لي الشافعي‏:‏ دخلت بغداد فقلت‏:‏ لا فقال‏:‏ ما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس‏.‏

‏.‏

وتوفي يونس بمصر ودفن بالقرافة‏.‏وفيها توفي الفقيه الإمام أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي‏.‏

وكان زاهداً عابداً مجتهداً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة اشتغل عليه خلق كثير وقال الشافعي في صفة المزني‏:‏ ناصر مذهبي‏.‏

وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطريق الشافعي وفتاواه وما ينقله عنه‏.‏

صنف كتباً كثيرة منها‏:‏ ‏"‏ الجامع الكبير ‏"‏ و ‏"‏ الجامع الصغير ‏"‏ و ‏"‏ مختصر المختصر ‏"‏ و ‏"‏ المنثور ‏"‏ و ‏"‏ المسائل المعتبرة ‏"‏ و ‏"‏ الترغيب في العلم ‏"‏ ‏"‏ وكتاب الوثائق ‏"‏ وغير ذلك‏.‏

وكان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره قام إلى المحراب وصلى ركعتين شكراً لله تعالى‏.‏

وقال أبو العباس بن شريح‏:‏ يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفتض‏.‏

وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي وعلى مثاله رتبوا وبكلامه فسروا وشرحوا‏.‏

ولما ولي القضاء بكار بن قتيبة بمصر وجاءها من بغداد وكان حنفي المذهب توقع الإجتماع بالمزني مئة فلم يتفق واجتمعا يوماً في صلاة جنازة فقال القاضي بكار لبعض أصحابه‏:‏ سل المزني شيئاً حتى أسمع كلامه فقال له ذلك الشخص‏:‏ يا أبا إبراهيم قد جاء في الحديث تحريم النبيذ وجاء تحليله فلم قدمتم التحريم على التحليل‏.‏

فقال المزني‏:‏ لم يذهب أحد من العلماء إلى أن النبيذ كان حراماً في الجاهلية ثم حلل ووقع الإتفاق على أنه كان حلالاً فهذا يعضد صحة الأحاديث بالتحريم فاستحسن ذلك منه وقيل‏:‏ وهذا من الأدلة القاطعة‏.‏

وكان في غاية من الورع وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس فقيل له في ذلك فقال‏:‏ بلغني أنهم يستعملون السرجين في الكيزان والنار لا بطهر ذلك وقيل‏:‏ إنه إذا كان فاته الصلاة في جماعة صلى منفرداً خمساً وعشرين صلاة استدراكاً لفضيلة الجماعة مستنداً في ذلك إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة ‏"‏ وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة وكان مجاب الدعوة ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدث نفسه قدم عليه في شيء من الأشياء وهو الذي تولى غسل الشافعي وقيل‏:‏ كان معه أيضاً الربيع ومناقبه كثيرة‏.‏

والمزني نسبة إلى مزينة بنت كلب وفاته لست بقين من رمضان ودفن بالقرب من تربة الشافعي بالقرافة الصغرى رحمة الله عليهما‏.‏

 خمس وستين ومائتين

فيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو حفص الحداد النيسابوري شيخ خراسان‏.‏

كان كبير الشأن صاحب أحوال وكرامات وسمو في المقامات وكان عجباً في الجود والسماحة‏.‏ويقول‏:‏ ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه بقلبه‏.‏

وقد نفد مرة بضعة عشر ألف دينار يستفك بها أسارى وبات وليس له عشاء ومن كلامه‏:‏ حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن‏.‏

والفتوة أداء الإنصاف وترك مطالبة الإنتصاف‏.‏

وقال‏:‏ من لم يزن أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة بالحجة وبالقائم وبالمهدي وبالمنتظر وبصاحب الزمان‏.‏

وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب وهو عندهم خاتم الأثني عشر الإمام‏.‏

وضلال الرافضة ما عليه مزيد فإنهم يزعمون أنه داخل السرداب الذي بسر من رأى وأمه تنظر إليه فلم يخرج إليها وذلك في سنة خمس وستين وقيل ست وخمسين ومائتين وهو الأصح فاختفى إلى الآن وكان عمره لما عدم تسع سنين وقيل أربع سنين وقيل غير ذلك في سنه وفي السنة التي عدم فيها‏.‏

وهم ينتظرون ضالته منذ خمس مائة سنة وما وجدوها ولا يجدونها‏.‏

قلت‏:‏ والمهدي الذي وردت به الأخبار اسمه محمد بن عبد الله كما قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ يواطي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ‏"‏ وقد أوضحت فساد مذهبهم وما هم عليه من الضلالة والخرافات والمحال في ‏"‏ كتاب المرهم في علم الأصول ‏"‏‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الإمام العلامة محمد بن سحنون المغربي المالكي مفتي القيروان تفقه على أبيه وكان بارعاً مناظراً كثير التصانيف معظماً بالقيروان خرج له عدة أصحاب وما خلف بعده مثله‏.‏

وفيها توفي يعقوب بن الليث الصفار الذي غلب على بلاد المشرق وهزم الجيوش‏.‏

وقام بعده أخوه عمرو بن ليث وكانا شابين صفارين فيهما شجاعة مفرطة فصحبا صالح بن النضر الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان فآل أمرهما إلى الملك ولما مات يعقوب قام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة وامتدت أيامه‏.‏

وكان موت يعقوب بالقولنج‏.‏

وكتب على قبره‏:‏ هذا قبر يعقوب المسكين‏.‏

وقيل أن الطبيب قال‏:‏ لا دواء لك إلا الحقنة فامتنع منها وخلف أموالاً عظيمة من الذهب ألف ألف دينار ومن المراهم خمسين ألف درهم‏.‏

 ست وستين ومائتين

فيها توفي الحافظ أحد أذكياء المحدثين أبو إسحاق إبراهيم بن أرومة الأصفهاني‏.‏

وفيها توفي محمد بن شجاع فقيه العراق وشيخ الحنفية‏.‏

تفقه بالحسن بن زياد اللؤلؤي وصنف واشتغل وتوفي ساجداً في صلاة العصر وله نحو من تسعين سنة رحمة الله عليه‏.‏

 سبع وستين ومائتين

فيها برز قائد الزنج في ثلاثمائة ألف فارس وراجل والمسلمون في خمسين ألفاً وفصل النهر بين الجيشين فلم يقع بينهم واقعة‏.‏

وكان قبل ذلك قد هزم الموفق الزنج وقائدهم العلوي غائب عنهم فلما جاءته الأخبار بهزيمة جنوده إختلف إلى الكنيف مراراً وتقطعت كبده‏.‏

وفيها توفي يحيى بن محمد بن عبد الله الذهلي الحافظ شيخ نيسابور بعد أبيه وكان أمير المطوعة المجاهدين‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو بشر إسماعيل بن عبد الله العبدي الأصفهاني‏.‏

 ثمان وستين ومائتين

فيها توفي الحافظ أبو الحسن أحمد بن سيار المروزي مصنف تاريخ مرو وكان يشبه في عصره بابن المبارك علماً وزهداً وكان صاحب وجه في مذهب الشافعي أوجب الأذان للجمعة والحافظ عيسى بن أحمد العسقلاني‏.‏

وفيها توفي الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري مفتي الديار المصرية تفقه بالشافعي وأشهب وروى عن ابن وهب وغيره من أصحاب الإمام مالك فلما قدم الإمام الشافعي مصر صحبه وتفقه عليه وحمل في المحنة إلى القاضي أحمد بن أبي دؤاد الإيادي في بغداد فلم يجب إلى ما طلب منه فرد إلى مصر وانتهت إليه الرئاسة بها‏.‏روى عنه أبو عبد الرحمن النسائي في سننه‏.‏

وقال المزني‏:‏ قال الشافعي‏:‏ رددت لو أن لي ولداً مثله وعلي ألف دينار لا أجد لها قضاء‏.‏

وحكى عن محمد المذكور قال‏:‏ كنت أتردد إلى الشافعي فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي وكان على مذهب مالك فقالوا‏:‏‏.‏يا أبا محمد إن محمداً ينقطع إلى هذا الرجل ويتردد إليه الناس إن هذا رغبة عن مذهب أصحابنا فجعل أبي يلاطفهم ويقول‏:‏ هو حدث ويحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك ويقول‏:‏ لي في السر‏:‏ يا بني الزم هذا الرجل فإنك لو جاوزت هذا البلد فتكلمت في مسائل فقلت فيها‏:‏ قال أشهب لقيل لك من أشهب‏.‏

قال‏:‏ فلزمت الشافعي فلما قدمت بغد قلت في مسألة‏:‏ قال أشهب عن مالك فقال القاضي بحضرة جلسائه كالمنكر‏:‏ ما أعرف أشهب قال‏:‏ ابن خزيمة ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه‏.‏

وقال غيره‏:‏ له مصنفات كثيرة‏.‏

 تسع وستين ومائتين

توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري صاحب ابن وهب وتوفي الأمير عيسى بن شيخ الذهلي وكان قد ولي دمشق فأظهر الخلاف وأخذ الخزائن وغلب على دمشق فجاء عسكر المعتمد فالتقاهم ابنه ووزيره فهزموا فقتل ابنه وصلب وزيره وهزم عيسى ثم استولي على آمل وديار بكر مدة‏.‏

 سبعين ومائتين

فيها التقى المسلمون وقائد الزنج الخبيث واجتمع مع الموفق نحو ثلاث ألف مقاتل فالتقى الخبيث إلى جبل ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم فحاربهم المسلمون فانهزم الخبيث وأصحابه وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون ثم استقبل هو وفرسانه وحملوا على الناس فأزالوهم فحمل عليه الموفق والتحم القتال فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده فلم يصدقه الموفق فعرفه جماعة من الناس فحينئذ ترتجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء فخروا سجداً لله وكبروا وسار الموفق فدخل بالرأس بغداد وعملت القباب ‏"‏ بالموحدة أو قال القنان بالنون ‏"‏ وكان يوماً مشهوداً وشرعوا يتراجعون الأمصار التي أخذها الخبيث‏.‏

وكانت أيامه خمس عشرة سنة قال بعض المؤرخين‏:‏ قتل من المسلمين ألف ألف وخمس مائة ألف وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف وكان الخبيث خارجياً يسب عثمان وعلياً ومعاوية وفي السنة المذكورة توفي أمير الديار المصرية والشامية‏:‏ أبو العباس أحمد بن طولون وكان له أربعة عشر ألف مملوك وكان كريماً جواداً شجاعاً مهيباً حازماً لبيباً كان المعتز بالله قد ولاه مصر ثم استولي على دمشق والشام أجمع وأنطاكية والثغور في مدة استعمال الموفق ابن المتوكل وكان نائباً عن أخيه المعتمد على الله‏.‏

وكان ابن طولون المذكور حسن السيرة ناقد البصيرة يباشر الأمور بنفسه ويعمر البلاد ويتفقد أحوال الرعايا ويصلح الفساد ويحب أهل العلم ويحسن فيهم الإعتقاد‏.‏

وكانت له مائدة يحضرها الخاص والعام في كل يوم من الأيام وكان له في كل شهر ألف دينار للصدقة فقال له وكيله‏:‏ تأتيني المرأة وعليها الإزار وفي يدها خاتم الذهب فتطلب مني فأعطيها فقال من مد يده إليه فاعطه قال القضاعي‏:‏ وكان طائش السيف فأحصي من قتله صبراً ومن مات في سجنه فكان عددهم ثمانية عشر ألفاً وكان يحفظ القرآن الكريم وكان كثير التلاوة حسن الصوت وكان أبوه من مماليك المأمون‏.‏

ملك أبو العباس المذكور الديار المصرية ست عشرة سنة وبنى الجامع المنسوب إليه بين القاهرة ومصر في