فصل: ثلاث ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 ثلاث ومائتين

فيها استوثقت الممالك للمأمون وقدم بغداد في رمضان من خراسان واتخذها سكناً‏.‏

وتوفي الإمام المقرىء الحافظ حسين بن علي الجعفي مولاهم الكوفي روى عن الأعمش وجماعة قال أحمد‏:‏ ما رأيت أفضل منه ومن سعد بن عامر الضبعي وقال يحيى بن يحيى النيسابوري‏:‏ إن بقي أحد من الأبدال فحسين الجعفي وقال بعضهم‏:‏ كان مع تقدمة في العلم رأساً في الزهد والعبادة‏.‏

وفيها‏:‏ توفي زيد بن الحباب أبو الحسين الكوفي كان حافظاً صاحب حديث واسع الدخل صابراً على الفقر والفاقة‏.‏وفيها توفي محمد بن بشر العبدي الكوفي الحافظ قال أبو داود‏:‏ هو أحفظ ممن كان بالكوفة في وقته‏.‏

وفيها‏:‏ توفي أبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي مولاهم الكوفي قال أبو حاتم‏:‏ كان ثقة حافظاً عابداً مجتهداً‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر محمد بن جعفر الصادق الملقب بالديباج مات بجرجان ونزل المأمون في لحده‏.‏

وكان عاقلاً شجاعاً متنسكاً‏.‏

كان الديباج يصوم يوماً ويفطر يوماً‏.‏

وفيها‏:‏ توفي الإمام أبو الحسن النضر بن شميل المازني البصري‏.‏

كان رأساً في الحديث واللغة والنحو والفقه والغريب والشعر وأيام العرب صاحب سنة‏.‏وهو من أصحاب الخليل بن أحمد‏.‏

ذكره أبو عبيدة وقال‏:‏ ضاقت المعيشة على النضر بن شميل البصري بالبصرة فخرج يريد خراسان فتبعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف رجل ما فيهم إلا محدث أو نحوي أو لغوي أو عروضي أو اخباري فلما صار بالمربد جلس فقال‏:‏ يا أهل البصرة يعز علي فراقكم والله لو وجدت كل يوم كيلجة باقلاً ما فارقتكم‏.‏

قال‏:‏ فلم يكن فيهم أحد يتكلف ذلك وسار حتى وصل خراسان وجمع بها مالاً وكانت إقامته بمرو ونظير ضيق المعيشة عنه على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في ترجمة القاضي عبد الوهاب المالكي وضيق معيشته ببغداد وانتقاله إلى مصر سمع النضر بن هشام بن عروة واسماعيل بن أبي خالد وحميد الطويل وعبد الله بن عون وهشام بن حسان وغيرهم من التابعين‏.‏وروى عنه يحيى بن معين وعلي بن المديني وكل من أدركه من أئمة عصره‏.‏

ودخل نيسابور فسمع عليه أهلها وله مع المأمون نوادر منها‏:‏ أن المأمون روى عن هشيم بسنده المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إنه إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من عود‏.‏ورواه بفتح السين من سداد فرواه النضر من طريق آخر عن عوف بن أبي جميلة بسنده المتصل‏:‏ سداد بكسر السين فقال له المأمون تلحنني فقال‏:‏ إنما لحن هشيم‏.‏

قال‏:‏ فما الفرق بينهما‏.‏

قال‏:‏ السداد‏:‏ بالفتح‏:‏ القصد في الدينه والسبيل‏.‏

والسداد بالكسر‏:‏ العرجى يقول‏:‏ أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر فقال المأمون‏:‏ قبح الله من لا أدب له‏.‏

ثم أخذ القرطاس وكتب ولا يدري ماذا كتب ثم قال‏:‏ إذا أمرت أن تترب يعني الكتاب كيف تقول قال‏:‏ أترب‏.‏

قال‏:‏ فهو ماذا قلت‏:‏ مترب‏.‏قال‏:‏ فمن الطين قال‏:‏ طين‏.‏

قال‏:‏ فهو ماذا قال‏:‏ مطين‏:‏ فقال هذه أحسن من الأولى‏.‏

ثم قال‏:‏ يا غلام أتربه وطينه ثم أرسل بالكتاب إلى وزيره الفضل بن سهيل مع غلامه وبعث معه النضر بن شميل فلما قرأ الفضل الكتاب قال‏:‏ يا نضر‏:‏ إن أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم فما كان السبب فيه فأخبره فقال‏:‏ لحنت أمير المؤمنين قال‏:‏ كلا إنما لحن هشيم فتبع أمير المؤمنين لحانه‏.‏

فأمر له بثلاثين ألف درهم أخرى فأخذ ثمانين ألف درهم بحرف استفيد منه‏.‏

والبيت الذي استشهد به هو لعبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي العرجي الشاعر المشهور وهو من جملة أبيات منها قوله‏:‏ أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر وصبر عند معترك المنايا وقد شرعت أسنتها بنحر وسبب عمله لهذه الأبيات أنه حبسه محمد بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك وكان والياً على مكة‏.‏

وأقام في حبسه تسع سنين حتى مات في الحبس من أجل أنه كان يشبب بأمه ولم يكن ذلك عن محبة له فيها بل ليفضح ولدها المذكور وعاش ثمانين سنة‏.‏

وفيها‏:‏ توفي الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرىء الحافظ الفقيه صاحب التصانيف‏.‏

وفيها‏:‏ توفي أزهر بن سعد الباهلي مولاهم البصري‏.‏

روى الحديث عن حميد الطويل وروى عنه أهل العراق وكان صحب أبا جعفر المنصور قبل أن يلي الخلافة فلما وليها جاءه مهنئاً فحجبه المنصور فترصد له في يوم جلوسه العام وسلم عليه فقال له المنصور‏:‏ ما جاء بك قال‏:‏ جئت مهنئاً بالأمر فقال المنصور‏:‏ أعطوه ألف دينار وقولوا له‏:‏ قد سمعت أنك مريض فجئت عائداً فقال‏:‏ أعطوه ألف درهم وقال‏:‏ قد قضيت وظيفة العيادة فلا تعد إلي فإني قليل الأمراض‏.‏

فمضى وعاد في قابل فحجبه فدخل عليه في مثل ذلك المجلس فسلم عليه فقال له المنصور‏:‏ ما جاء بك فقال‏:‏ سمحت منك دعاء فجئت لأتعلمه منك فقال له‏:‏ يا هذا إنه غير مستجاب إني في كل سنة أدعو الله تعالى به أن لا تأتيني وأنت تأتيني‏.‏

وله وقائع وحكايات مشهورة قلت‏:‏ وهذا من المنصور حلم وطول روح وهو غريب بالنسبة إلى سطوته ولو وقع مثل هذا التكرار والمعاودة مع الحجاج لكان يفضي إلى قتل أو عقوبة وفيها‏:‏ توفي الإمام الجليل المعظم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أحد الأئمة الأثني عشر أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم وقصروا بناء مذهبهم عليه‏.‏

وكان المأمون قد زوجه ابنته أم حبيية وجعله ولي عهده وضرب اسمه على الدينار والدرهم‏.‏

وكان السبب في ذلك أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفاً بين كبير وصغير واستدعى علياً المذكور فأنزله أحسن منزل وجمع خواص الأولياء وأخبرهم أنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب فلم يجد أحداً في وقته أفضل ولا أحق بالخلافة من علي الرضا فبايعه وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام وإبدال ذلك بالخضرة‏.‏ونمي الخبر إلى من بالعراق من أولاد العباس فعلموا إن في ذلك خروج الأمير عليهم فخلعوا المأمون وبايعوا منصور بن المهدي عم المأمون ولقبوه بالمرتضى فضعف عن الأمر وقال‏:‏ إنما أنا خليفة المأمون‏.‏

فتركوه وعدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهدي بايعوه بالخلافة ولقبوه بالمبارك وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم من السنة المذكورة وقيل سنة اثنتين وثلاث مائة‏.‏

وجرت بالعراق حروب شديدة وأمور مزعجة والشرح في ذلك يطول‏.‏

وكانت ولادة علي الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة وقيل‏:‏ بل ولد في سابع شوال وقيل‏:‏ ثامنه وقيل سادسه سنة إحدى وخمسين ومائة وتوفي‏:‏ خامس ذي الحجة وقيل‏:‏ ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وقيل‏:‏ في آخر يوم من صفر سنة اثنتين ومائتين بمدينة طوس وصلى عليه المأمون ودفنه ملتصق قبر أبيه الرشيد‏.‏

وكان سبب موته على ما حكوا أنه كل عنباً فكثر منه وقيل‏:‏ بل مات مسموماً وفيه يقول أبو نواس لما عتب عليه بعض أصحابه وقال له‏:‏ ما رأيت أوقح منك ما تركت خمراً ولا معنى إلا قلت فيه شيئاً هذا علي بن موسى الرضا في عصرك ما قلت فيه شيئاً فقال‏:‏ والله ما تركت ذلك إلا إعظاماً له وليس قدر مثلي يستحسن أن يقول في مثله ثم أنشد بعد ساعة‏:‏ قيل لي أنت أحسين الناس طراً قي فنون من المقال النبيه لك من جيد القريض مديح يثمر الدر في يدي مجتنيه فعلى ما تركت مدح ابن موسى والخصال التي ذهبت هي فيه قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادماً لأبيه قلت‏:‏ وفي هذه الأبيات لفظان أصلحتهما لاختلال وزنهما من جهة الكاتب‏.‏

وقال فيه أيضاً أبو نواس‏:‏ من لم يكن علوياً حين تنسبه فما له في قديم الدهر مفتخر الله لما برا خلقاً فأتقنه صفاكم واصطفاكم أيها البشر فأنتم الملأ الأعلى وعندكم علم الكتاب وما جاءت به السور وقال المأمون يوماً لعلي بن موسى المذكور‏:‏ ما يقول بنو أبيك في جدنا العباس بن عبد المطلب فقال‏:‏ ما يقولون رجل فرض الله طاعة بنيه على خلقه فأمر له بألف ألف درهم‏.‏

وكان قد خرج أخوه زيد بن موسى بالبصرة على المأمون وفتك بأهلها فأرسل إليه المأمون أخاه علياً المذكور يرده عن ذلك فجاءه وقال له‏:‏ ويلك يا زيد فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت وتزعم أنك ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لأشد الناس عليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطي به فبلغ كلامه المأمون فبكى وقال‏:‏ فكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

قيل‏:‏ هذا الكلام مأخوذ من كلام زين العابدين فقد قيل‏:‏ إنه كان إذا سافر كتم نسبه فقيل له في ذلك فقال‏:‏ أنا أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا أعطي به‏.‏

فيها توفي إمام الأنام وحيد الدهر وفقيه العصر أبو عبد الله محمد بن إدريس بن فأسر العباس بن العثمان بن شلفع بن السائب بن عبيد بن يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القريشي المطلبي الشافعي يجتمع نسبه مع نسب رسول الله عليه وسلم في عبد مناف وهو رابع آباء رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاشر آباء الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف والشافعي نسبه كما تقدم قريباً وكونه مطلبياً هو من جهة الأب وهو أيضاً هاشمي من جهات أمهات أجداده وأزدي من جهة أمة‏.‏

وقد أوضحت ذلك في اختصار مناقبه منقولاً عن العلماء الأعلام الأئمة الحفاظ منهم الحاكم أبو عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وذلك لأن أم السائب هي الشفا بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف وأم الشفا هي خليدة ‏"‏ بفتح الخاء المعجمة والدال المهمله وكسر اللام وسكون المثناة من تحت بينها وبين الدال ‏"‏ ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف وأم عبد يزيد هي الشفا بنت هاشم بن عبد مناف وذلك أن المطلب زوج ابنه هاشماً الشفا بنت هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد يزيد فالشافعي ابن عم رسول الله عليه وسلم وابن عمته لأن المطلب عم رسول الله عليه وسلم والشفا بنت هاشم بن عبد مناف وأيضاً قد نقل عن الشافعي أنه كان يقول‏:‏ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ابن عمي وابن خالتي‏.‏

وأما كونه ابن عم له فواضح لكونه ثبت أنه مطلبي من طريق عديدة منها قول الإمام ابن دريد في الأبيات الآتي ذكرها‏.‏

ترى ابن إدريس ابن عم محمد ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع وقول الإمام المسلم بن الحجاج القشيري قال‏:‏ عبد الله بن السائب والي مكة هو أخو شافع بن الشائب جد محمد بن إدريس الشافعي‏.‏

قال بعض الأمة‏:‏ ولا أن عبد الله بن السائب كان من بني المطلب وقال الإمام داود بن علي الأصفهاني وقد ذكر بعض أقوال الشافعي قال‏:‏ هذا قول المطلبي الذي علا الناس بنكته وقهرهم بأدلته وباينهم بشهامته وظهر عليهم بديانته التقي في دينه النقي في حسبه الفاضل في نفسه المتمسك بكتاب ربه المقتدي بسنة رسوله الماحي لأرباب أهل البدع الذاهب بخبرهم الطامس لسيرهم حتى أصبحوا كما قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأصبح هشيماً تذروه الرياح ‏"‏‏.‏

ومن ذلك إقرار الخليفة هارون الرشيد في ذلك قوله‏:‏ أما علم محمد بن الحسن أنه إذا ناظر رجلاً من قريش أنه يقطعه لما بلغله أن الشافعي قطعه وقوله أيضاً‏:‏ ألا إن بني المطلب ما فارقوا آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرف ولا في سخاء حين بلغه أن الشافعي فرق جميع ما أعطاه من الدنانير الألف وقول الرشيد لأبي يوسف أيضاً‏:‏ ومحمد لن توازياه ولن تعادلاه والله قد أثبت الله له حق القرابة من رسوله صلى الله عليه وسلم وحق الشرف وحق القرآن وحق العلم وقوله أيضاً للشافعي‏:‏ كثر الله في أهلي مثلك‏.‏

كل هذا مما نقله العلماء في مناقبه‏.‏

ومن ذلك شيوع ذلك واستفاضته قالوا‏:‏ وقد ثبت بالتواتر أن الشافعي كان يفتخر بهذا النسب وأما كونه ابن خاله علي فلأنه قد تقدم أن أم السائب بن عبيد جد الشافعي هي الشفا بنت الأرقم بن عبد مناف وأم هذه المرأة هي خليدة بنت أسد بن هاشم وأم علي هي فاطمة بنت أسد بن هاشم‏.‏قلت‏:‏ وقد رويت السند الصحيح المتصل إلي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ما مات الشافعي حتى قطب‏.‏

رواه الشيخ الأمام العارف بالله شهاب الدين بن المليق عن الشيخ الفقيه الأمام العارف بالله تاج الدين بن عطاء الله عن شيخه الشيخ الكبير المعظم ذي النون القدسي العارف بالله أبي العباس المرسي عن شيخه الشيخ الكبير العارف بالله ذي المقام العالي المشهود له بالقطبية أبي الحسن الشاذلي قدس الله أرواح الجميع‏.‏

وسبب رواية الشيخ ابن المليق لذلك أنه قال‏:‏ قد جئت إلي الشيخ إمام تاج الدين بن عطاء الله الشاذلي المالكي يا سيدي أريد أن أصحبك بشرط أن تتركني على مذهبي فإني أحب مذهب الشافعي فقال‏:‏ نعم وأزيدك زويدة وهي أنه‏:‏ ما مات الشافعي حتى قطب روى ذلك بالسند المذكور إلى الشيخ القطب أبي الحسن الشاذلي رحمه الله‏.‏

قلت‏:‏ وأرى لهذه القطبية احتمالين‏:‏ أحدهما‏:‏ القطبية التي تنتقل من واحد إلى واحد وإليها الإشارة بقول بعضهم‏:‏ محجوبة لن يراها اثنان في زمن‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون للعلماء قطب للأولياء قطب والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ ومن المشهور المذكور في رسالة الأستاذ أبي القاسم القشيري وغيرها عن الشيخ الكبير العارف بالله الشهير ببلال الخواص رضي الله عنه أنه سأل الخضر عليه السلام عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فقال‏:‏ هو من الأوتاد‏.‏

قلت‏:‏ وذلك قبل أن يرتقي إلي مقام القطبية‏.‏

رجعنا‏:‏ إلى ذكر نسب الشافعي رضي الله عنه قال العلماء‏:‏ وجده ‏"‏ شافع ‏"‏ لقي رسول الله عليه وسلم وهو متزعزع وكان السائب صاحب راية بني هاشم يوم بدر فأسر وفدى نفسه ثم أسلم فقيل له‏:‏ لم لم تسلم قبل أن تفدي نفسك فقال‏:‏ ما كنت لأحرم المؤمنين طمعاً لهم في‏.‏

وباقي نسب الشافعي إلى معد بن عدنان معروف وكان الشافعي رضي الله عنه كثير المناقب جم المفاخر عديم النظير منقطع القرين اجتمع فيه العلوم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم وآثارهم واختلاف أقاويل العلماء وكلام العرب من النحو واللغة والشعر وغير ذلك ما لم يجتمع في غيره حتى أن الأصمعي مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه أشعار الهذليين وحتى أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وعن الجميع قال‏:‏ ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست الشافعي‏.‏

وقال له إسحاق بن راهويه وهو بمكة أكثر من عشر مرات‏:‏ تعال أريك رجلاً ما رأت عيناك مثله فأوقفه على الشافعي قلت‏:‏ وحتى الزمخشري من أئمة المعتزلة أثنى على الإمام الشافعي وعظمه ورجح قوله وقوى حجته وجعله من أئمة اللغة المعتبرين ومدحه مدحاً حسناً كما سيأتي ذكره‏.‏

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام‏:‏ كا رأيت رجلاً قط أكمل من الشافعي وقال الإمام أحمد‏:‏ الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن هل لهذين من خلف أو عنهما عوض‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ كان الإمام أحمد نهانا عن الشافعي ثم استقبلته يوماً والشافعي راكب بغلته وهو يمشي خلفه فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله تنهي عنه وتمشي خلفه قال‏:‏ اسكت لو لزمت البغلة انتفعت‏.‏

وحكى الخطيب في تاريخ بغداد عن ابن الحكم أنه قال‏:‏ لما حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري قد خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظية فتأؤل أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق سائر البلدان‏.‏

وذكر الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله في مناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه أول من صنف في أصول الفقه وقال‏:‏ اتفق الناس على ذلك وأنه الذي رتب أبوابه وميز بعض أقسامه عن بعض وشرح مراتبها في الضعف والقوة قيل وما مثل الشافعي ومثل غيره إلا كما قال القائل‏:‏ نزلوا بمكة في قبائل نوفل ونزلت بالبيداء أبعد منزل وذكر هو وغيره من الأئمة ما هو مشهور في مناف الشافعي وهو أن إمام الحديث في زمانه المشكور المشهور عبد الرحمن بن مهدي التمس من الإمام الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً يذكر فيه شرائط الإستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص فوضع الشافعي له كتاب الرسالة وبعثها إليه فلما قرأها قال‏:‏ ما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل قلت‏:‏ يعني من أئمة العلماء‏.‏

وكان الإمام أحمد يقول في الشافعي‏:‏ فيلسوف في أربعة أشياء‏:‏ في اللغة وإختلاف الناس والمعاني والفقه‏.‏

وقال في الحديث الوارد‏:‏ في أحداث الله من يجدد لهذه الأمة دينها على رأس كل مائة سنة إنه كان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وعلى رأس المائة الثانية محمد بن الحرشي الشافعي وقد أوضحت في ‏"‏ كتاب المرهم في الأصول ‏"‏ من ذكر الأئمة المعتبرين من بعده على رؤوس المئين يكونون‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ رأيت في زمان الصبا بمكة رجلاً ذا هيئة يؤم الناس في المسجد الحرام فلما فرع أقبل على الناس يعلمهم قال‏:‏ فدنوت منه وقلت‏:‏ علمني فأخرج ميزاناً من كمه فأعطانيه وقال‏:‏ هذا لك‏.‏

قال‏:‏ وكان هناك معبر فعرضت عليه الرؤيا فقال‏:‏ إنك ستصير إماماً في العلم وتكون على السنة لأن إمام المسجد الحرام أفضل الأئمة كلهم وأما الميزان فإنك تعلم حقيقة الشيء في نفسه‏.‏

قلت‏:‏ لا جرم أن الإمام الشافعي استنبط علوماً لم يستبق إليها كاستنباطه علم أصول الفقه وتلخيصه باب القياس تلخيصاً سنياً ووضعه للخلق قانوناً كلياً يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع كما سيأتي ذكر ذلك فهو كما ذكر بعض العلماء أن نسبته إلى علم الأصول كنسبة أرسطا طاليس الحكيم إلى وضع المنطق في معرفة تركيب الحدود والبراهين وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض والأصول في معرفة وزن الشعر والتمييز بين صحيحه وفاسده وسيأتي ذكر مقامات أخرى له رضي الله تعالى عنه‏.‏

وقال محمد بن عبد الحكم‏:‏ ما رأيت مثل الشافعي كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لا يقومون إلا وهم مذعنون له وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه‏.‏

وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل بإعرابها ومعانيها وكان من أعرف الناس بالتواريخ وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى‏.‏وكان لمزني يقول‏:‏ لو وزن عقل الشافعي بعقل نصف أهل الأرض رجح‏.‏

قلت‏:‏ هكذا قال‏:‏ أرض بالتنكير فليعلم ذلك وقال‏:‏ لو رأيتم الشافعي لقلتم في كتبه أنها ليست من تصانيفه والله إن لسانه كان أكثر من كتبه‏.‏

وقال القاسم بن سلام‏:‏ ما رأيت رجلاً قط أضل ولا أورع ولا أفصح ولا أبسل من الشافعي وكان أبو حاتم الرازي يقول‏:‏ لولا الشافعي لكان أصحاب الحديث في عمى‏.‏

وقال بعض الأئمة‏:‏ كان أئمة الحديث مأسورين في أيدي المعتزلة‏.‏

حتى ظهر الإمام الشافعي وقال الحسن بن محمد الزعفراني‏:‏ إن محمد بن الحسن يعني صاحب الإمام أبي حنيفة قال‏:‏ إن تكلم أصحاب الحديث يوماً فبلسان الشافعي‏.‏

وقال بشر المريسي من أئمة المبتدعة لما رجع من مكة إلى بغداد‏:‏ رأيت شاباً بمكة من قريش ما أخاف على مذهبنا إلا منه وكان الجاحظ من أئمتهم يقول‏:‏ نظرت في كتب هؤلاء التابعة الذين اتبعوا في العلم يعني أهل السنة فلم أر أحسن تأليفاً من المطلبي أن لسانه ينظم الدرر وكذلك الزمخشري من أئمتهم ومكانه من علم العربية معروف صدر منه الإعتراف في كتابه ‏"‏ الكشاف ‏"‏ للشافعي‏:‏ بالتقدم في علم العربية وإرتقائه في الفضل لدرجة العلية في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ذلك أدنى أن لا تعولوا ‏ـ ‏‏النساء‏:‏ 13‏ ـ وذكر فيه الوجوه المروية عن الشافعي ثم بين وجه تصحيحها ثم قال‏:‏ وكلام مثل الشافعي من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين حقيق بأن يحمل على الصحة والسداد‏.‏

قال‏:‏ كفى بكتابنا المترجم ‏"‏ كتاب شافي العي من كلام الشافعي ‏"‏ شاهداً بأنه كان أعلى كعباً أطول باعاً في كلام العرب من أن يخفى عليه مثل هذا‏.‏

قلت‏:‏ يعى في قول الشافعي معناه‏:‏ يكثر عيالكم وقول المفسرين معناه تعيلوا وتجوروا وإنه يقال‏:‏ أعال لا عال إذا أريد كثرة العيال‏.‏

قيل‏:‏ إلا أن يحمل على العقبى لأن المعيل قد يعول‏.‏

وميزان حق لا يعول شعيره ووزان صدق وزنه غير عائل وأنشد أيضاً على قول الشافعي‏:‏ وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أثرى وعالاً وقال الأصمعي‏:‏ قرأت شعر الشنفري ‏"‏ بفتح الشين المعجمة وسكون النون وفتح الفاء والراء ‏"‏ الأزدي على محمد بن إدريس الشافعي‏.‏

وقال المازني‏:‏ قول محمد بن إدريس حجة في اللغة وذكر نحوه عن ثعلب والأزهري ولما استدعى به هارون الرشيد قال‏:‏ بعد قصص كثيرة‏:‏ ما علمك بكتاب الله قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن علوم القرآن كثيرة أفتسألني عن محكمه ومتشابهه‏.‏

أو عن تقديمه وتأخيره أو عن ناسخه ومنسوخه‏.‏

أو عما ثبت حكمه وارتفعت تلاوته‏.‏

أو عن عكس ذلك‏.‏

أو عما ضرب الله به مثلاً‏.‏

أو عن ما جعله الله اعتباراً‏.‏

أو عن أخباره أو عن أحكامه أو عن مكية ومدنية‏.‏

أو عن ليلية ونهارية أو عن سفرية وحضرية‏.‏

أو عن تنسيق رصفه أو تسوية سوره‏.‏

أو نظائره أو إعرابه‏.‏

أو وجوه قراءته أو حروفه أو معاني لغاته أو عدد آياته‏.‏

قال الراوي‏:‏ فما زال الشافعي يعدد هذه حتى عدد ثلاثة وسبعين نوعاً من أنواع علوم القرآن‏.‏

قال هارون‏:‏ لقد أوعيت من القرآن علماً عظيماً فقال‏:‏ المحنة على الرجل كالنار على الذهب‏.‏

وكذلك سأله عن السنة فأجابه أنه يعرف منها ما خرج على وجه الإيجاب وعلى وجه الخطر وعلى وجه الخصوص وعلى وجه العموم وما خرج جواب سائل وما خرج لإزدحام العلوم في صدره صلى الله عليه وآله وسلم وما فعله فاقتدى به غيره وما خص به صلى الله عليه وآله وسلم فقال الرشيد أجدت ووضعت كل قسم في مكانه فقال‏:‏ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس فقال‏:‏ كيف بصرك بالعربية فقال‏:‏ هي مبدأنا طباعنا وألسنتنا فقال‏:‏ كيف معرفتك بالشعر‏.‏

فقال‏:‏ إني لأعرف الجاهلي منه والمخضرم والمحدث وطويله ومديده وكامله وسريعه ومجتثه ومنسرحة وخفيفه ورجزه وهزجه ومتقاربه وغزله وحكمته وكذلك سأله عن الطب فأجابه بأنه يعرف ما قاله علماؤه وعددهم وغير ذلك من العلوم‏.‏

وكان شيوخ مكة يصفون الشافعي من أول صغره بالذكاء والعقل والصيانة ويقولون‏:‏ لم يعرف له صبوة‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ قدمت على مالك بن أنس وقد حفظت الموطأ فقال لي‏:‏ أحضر من يقرأ لك فقلت‏:‏ أنا القارىء فقرأت عليه الموطأ حفظاً فقال‏:‏ إن يك أحد يفلح فهذا الغلام‏.‏

وروى الإمام أبو نعيم الأصفهاني أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تؤموا قريشاً وأتموا بها الحديث ‏"‏ قال فيه فإن عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً وكان سفيان بن عيينة إذا جاء شيء من التفسير أو من الفتيا التفت إلى الشافعي فقال‏:‏ سلوا هذا‏.‏

وقال الحميدي‏:‏ سمعت مسلم بن خالد الزنجي يعني شيخ الشافعي يقول للشافعي‏:‏ أفت يا أبا عبد الله فقد والله لآن لك أن تفتي‏.‏

وهو إذاك ابن‏.‏

خمس عشرة سنة‏.‏

وقال محفوظ بن أبي توبة البغدادي‏:‏ رأيت الإمام أحمد عند الإمام الشافعي في لمسجد الحرام فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله هذا سفيان بن عيينة في ناحية المسجد يحدث قال‏:‏ إن هذا يفوت وذلك لا يفوت‏.‏

وقال أبو حسان الزيادي‏:‏ ما رأيت محمد بن الحسن يعظم أحداً من أهل العلم تعظيمه للشافعي‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي‏:‏ يا غلام من أنت‏.‏

قلت‏:‏ من رهطك يا رسول الله فقال‏:‏ ادن مني فدنوت منه فأخذ من ريقه المبارك فتحت فمي فأمر من ريقه على لساني وفمي وشفتي وقال‏:‏ امض بارك الله فيك‏.‏

قال‏:‏ ورأيت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في النوم أيضاً فسلم فصافحني وخلع خاتمه وجعله في إصبعي وكان لي عم ففسرها لي فقال‏:‏ أما مصافحتك لعلي فهو أمان من العذاب قلت‏:‏ ومن التحدث بنعم الله مما يقرب من مناسبته هذا ما رأيت والحمد لله كأني أطوف بالكعبة ومعي الملك الناصر وفي إصبعي خاتم علي فعسى أن يكون تأويلها إن شاء الله تعالى البركة والهدى والنصر والعلو في الدين‏.‏

وكذلك رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراراً عديدة دعا لي في بعضها وفي بعضها أعطاني من ثمار الفاكهة الخضراء وفي بعضها شكوت عليه شيئاً بلسان الحال فتبسم وقال‏:‏ أنا ظهرك وأنا سندك وسماني شيخاً وإماماً وفقيهاً وأكلت من طبق رطب بين يديه وحرص بعض الأخيار على حضور مجلس وحملني صلى الله عليه وآله وسلم فوضعني على منبر وأركبت فرساً وحملت الغاشية بين يدي‏.‏

رأى كل هذا لي جماعة من الأولياء السادات‏.‏

ورأيت بعضه ورأى بعضهم أني جالس على سجادة بيضاء مفروشة تجاه وجهه صلى الله عليه وآله وسلم وناس من خلفي والحمد لله على جميع الآلاء والأفضال وعلى كل حال من الأحوال‏.‏

رجعنا إلى ذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه وذكر غير واحد من الأئمة ما تقدم من إن الشافعي أول من تكلم عن أصول الفقه وهو الذي استنبطه وأول من علل الحديث وكان حاذقاً في الرمي يصيب تسعة من عشرة وروي عنه أنه قال‏:‏ استعملت اللبان سنة وقال يونس بن عبد الأعلى‏:‏ لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب كان منقطع القرين في حياته فلما مضى لسبيله لم يعتض منه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة‏.‏

وقال الزعفراني‏:‏ كان أصحاب الحديث رقوداً حتى جاء الشافعي فأيقظهم فتيقظوا وفضائله أكثر من أن تعد ومناقبه أجل من أن تحد فقد صنف الأئمة الجلة كالبيهقي وفخر الدين الرازي وداود الظاهري وغيرهم من العلماء فيها تصانيف قيل‏:‏ ثلاثاً عشر مصنفاً‏.‏

وقد ذكرت نبذة مختصرة من مناقبه وما جرى له في العراق من المناظرات وغيرها بحضرة الرشيد وتصنيف كتبه المشتملة على قوله القديم في العراق وفي مصر المشتملة على فتيا ‏"‏ القول الجديد الموسوم بمنهل الفهوم ‏"‏ المروي من صدى الجهل المذموم في شر ألسنة العلوم عند ذكر المراجعة في فن البديع بقولي‏:‏ فقلت لها‏:‏ ما العلم‏.‏

قالت‏:‏ دراية وما ذاك في محض الروايات مسمعاً وما الفقه‏.‏

قالت‏:‏ وصفا الفهم ليس في مجرد ثقل صادق من له وعى ويكفيك قول المصطفى رب حامل دليلاً إذا ما فيه نودي‏:‏ وتوزع ومن جهة الإجمال علم أصوله دعا الله خيراً ذلك النهج أبدعا إمام الهدى السامي على أو براعة ونور الوجود الباهج المتشعشعا وبحر العلوم الزاخر الطامي الخضم تاج العلى الراقي المقام المرفعا فتى نجل إدريس الرضا لأئمة بدور الدياجي قدوة الدين متبعا فضائله تزهو الوجود بحسنها بها سارت الركبان غرباً ومطلعا وما لخصال المدح في ذكر بعضها مجال نعتها الكتب ضاقت لها وعا إلى ذكره أتجر الكلام ولم أرم مناقب ذي العلياء أمدح متبعا ترى هل حصاني حين أرخى عنانه عتيقاً جواداً شافع السر سلفعا ترى قاطعاً في شاوة من مساحة تطول لفضل الشافعي القطب إصبعا كذاك بإسناد صحيح مقطب له قبل ما ناعى منيته نعى عن الشاذلي المشهور شيخ زمانه إمام الهدى القطب الرضي المتورعا وأيضاً من الأوتاد من قبل ذا إلى شهير روايات عن الخضر مسمعا عليه سلام الله أكرم سيد حضيض اصطفى في قلبه السر أودعا قلت‏:‏ وبيننا وبين الحنفية مقاولة على سمبيل المزاح فهم يقولون إمامكم كان مخفياً حتى ذهب إمامنا ونحن نقول‏:‏ لما ظهر إمامنا هرب إمامكم‏.‏

وكان مولده رضي الله تعالى عنه في بلاد غزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن والأول أصح‏.‏

وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بها وقرأ القران الكريم‏.‏

وحديث رحلته مشهور فلا نطول بذكره وقدم بغداد فأقام بها سنتين وصنف بها كتبه القديمة ووقع بينه وبين محمد بن الحسن مناظرات كثيرة وبارتفاع شأن الشافعي عند هارون الرشيد شهير وقد أوضحت ذلك في غير هذا الكتاب‏.‏

وذكر بعضهم‏:‏ أنه لما ظهر عليه الإمام الشافعي في بعض مناظراته أمر الرشيد الشافعي بجر رجل محمد بن الحسن فأخذ الشافعي عند ذلك يمدح محمد بن الحسن ويقول‏:‏ يا أمير المؤمنين ما رأيت سمينا أفقه منه فخلع الخليفة عليهما وحمل كل واحد منهما على مركوب وأمر للإمام الشافعي بخمسين ألف درهم فما وصل الشافعي بيته حتى تصدق بجميع ذلك ووصل به الناس‏.‏

ثم رجع إلى مكة ثم عاد إلى بغداد فأقام بها شهراً ثم خرج إلى مصر وصنف بها كتبه الجديدة ولم يزل بها إلى أن توفي في اليوم الجمعة آخر يوم من رجب ودفن بعد العصر من يومه بالقرافة الكبرى وقبره يزار بها وعليه ضربت قبة عظيمة‏.‏

قال‏:‏ الربيع المزادي‏:‏ رأيت هلال شعبان وأنا راجع من جنازته قال‏:‏ ورأيت في المنام قبل موت الشافعي بأيام كأن آدم صلى الله عليه وآله وسلم مات والناس يريدون أن يخرجوا بجنازته فلما أصبحت سألت بعض أهل العلم عن ذلك فقال‏:‏ هذا موت أعلم أهل الأرض لأن الله تعالى علم آدم الأسماء كلها فما كان إلا يسيراً حتى مات الشافعي رحمه الله عليه‏.‏

قال‏:‏ ورأيته بعد موته في المنام فقلت له‏:‏ يا أبا عبد الله ما صنع الله بك‏.‏

فقال‏:‏ أجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب‏.‏وقال شيخنا الكبير العارف بالله الخبير نور الدين علي بن عبد الله المعروف بالطواشي نسباً الشافعي ثم الصوفي مذهباً قدس الله روحه‏:‏ رأيت الشافعي رضي الله تعالى عنه تحت سدرة المنتهى وأشك هل ذلك في المتام‏.‏

أو في حال ورد عليه‏.‏

وقد اتفق العله قاطبة من أهل الفقه والحديث والأصول واللغة والنحو وغير ذلك على جلالته وبراء وفضيلته وإمامته وتقواه وديانته وورعه وزهادته وجوده وسماحته ومروؤته ونزاهته وحسن سيرته ولطافته‏.‏

وله من الأشعار ما يخرج عن حيز الإنحصار وقد ذكرت شيئاً من ذلك كتابي المذكور قريباً ومن القول المنسوب إليه‏:‏ بقدر الكد تكتب المعالى ومن رام العلى سهر الليالي تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة علم وآداب وصحبة ماجد وقوله‏:‏ أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن مكنونها بيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ وطول زمان ولما مات رثاه خلق كثير بمرات كثيرة‏.‏

من ذلك قول بعض أئمة اللغة وهو ابن دريد‏:‏ ألم تر آثار ابن إدريس بعده دلائلها في المشكلات لوامع معالم يفنى الدهر وهي خوالد وتنخفض الأعلام وهي قوارع مناهج فيها للورى متصرف موارد فيها للرشاد شرائع ظواهرها حكم ومستنبطاتها لما حكم التفريق فيها جوامع ترى ابن إدريس ابن عم محمد ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع إذا المعضلات المشكلات تشابهت سما منه نور في دجاهن لامع وقول نفطويه‏:‏ مثل الشافعي في العلماء مثل البدر في نجوم السماء‏.‏

أحمد الترمذي رحمه الله تعالى رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام المدينة في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم عام حج فسأله عمن يأخذ بقوله من أئمة المذاهب في كلام طويل قال في آخره‏:‏ قلت‏:‏ فأخذ يقول‏:‏ الشافعي قال ما هو له يقول‏:‏ إنه أخذ بسنتي ورد على من خالفها‏.‏

فكذلك ذكر الإمام الشيخ أبو إسحاق أيضاً في الطبقات عن الإمام أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي أنه كان قاعداً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأغفى إغفاءة فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عمن يأخذ بقوله كما تقدم فعد إماماً بعد أمام حتى جاء إلى الإمام الشافعي قال‏:‏ فقلت كتب رأي الشافعي فطأطأ صلى الله عليه وآله وسلم رأسه‏.‏

شبه الغضبان وقال‏:‏ تقول رأي ليس بالرأي وهو رد على من خالف سنتي‏.‏

وشيوخ الشافعي الذين أخذ عنهم جماعة منهم‏:‏ مسلم بن خالد الزنجي وسفيان بن عيينة كلاهما في مكة ومالك بن أنس في المدينة‏.‏

وأما أصحابه الذين أخذوا عنه فمنهم الذين رووا كتبه القديمه في العراق وهم جماعة منهم‏:‏ الإمام أحمد بن حنبل والزعفراني والكرابيسي وأبو ثور ومنهم الذين رووا كتبه الجديدة بمصر وهم جماعة أيضاً منهم المزني والبويطي وحرملة وابن عبد الأعلى وابن عبد الحكم والربيعان المرادي والحيري‏.‏

ثم رجع ابن عبد الحكم بعد موت الشافعي إلى مذهب أبيه وكان مالكياً قيل‏:‏ إنما فعل ذلك لما عدل الشافعي عن استخلافه وتقديمه في حلقته بعد موته وقد كان استشرف بها إلى يعقوب البويطي فإن الشافعي سئل‏:‏ من يخلفك فقال‏:‏ سبحان الله أيشك في هذا يخلفني أبو يعقوب البويطي فراعى الشافعي النصيحة والمصلحة محافظة على الدين ولم يمل عن ذلك إلى محمد بن عبد الحكم مع كونه محبباً ومحسناً إليه‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي فقيه الديار المصرية أشهب بن عبد العزيز العامري صاحب الأمام مالك وكان ذا مال وحشمة وجلالة‏.‏

قال الشافعي‏:‏ ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيها وذكروا أن المناقشة كانت بينه وبين ابن القاسم وانتهت الرئاسة بمصر بعد ابن القاسم‏.‏

وقال ابن عبد الحكم‏:‏ سمعت أشهب يدعو على الشافعي بالموت فذكر ذلك للشافعي فقال متمثلاً‏:‏ تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تزود بأخرى غيرها وكأن قد‏.‏

‏.‏

قال‏:‏ فلما مات الشافعي اشترى أشهب من تركته عبداً ثم مات أشهب فاشتريت أنا ذلك العبد وذكروا أنه كان موت أشهب بعد الشافعي بشهر وقيل بثمانية عشر يوماً‏.‏

وفيها‏:‏ توفي الإمام أبو علي الحسن بن زياد اللؤلؤي قاضي الكوفة صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما وكان يقول‏:‏ كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث وكان رأساً في الفقه‏.‏

وفيها‏:‏ توفي الإمام أبو داود الطيالسي سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند وكان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث‏.‏

وفيها‏:‏ توفي شجاع بن الوليد أبو بدر السكوني الكوفي كان من صلحاء المحدثين وعلمائهم‏.‏

وفيها‏:‏ وقيل في سنة ست توفي هشام بن محمد بن السائب الحلبي الأخباري النسابة صاحب كتاب الجمهرة في النسب وكان حافظاً علامة إلا أنه متروك الحديث عند المحدثين قيل فيه رفض وتصانيفه تزيد على مائة وخمسين تصنيفاً في التاريخ والأخبار وأحسنها وأنفعها كتاب الجمهرة في معرفة الأنساب لم يصنف في بابه مثله‏.‏