فصل: ثلاث وثمانين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 إحدى وثمانين ومائتين

فيها توفي الإمام أبو بكر محمد بن عبيد بن أبي الدنيا القرشي مولاهم البغدادي صاحب التصانيف والإمام أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي الحافظ سمع أبا معمر وأبا نعيم وطبقتهما وصنف التصانيف وكان محدث الشام في زمانه‏.‏

وفيها توفي العلامة محمد بن إبراهيم الإسكندراني المالكي صاحب التصانيف كان إليه المنتهى في تفريع المسائل‏.‏

 اثنتين وثمانين ومائتين

فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه وتزوج المعتضد بابنة خمارويه على مهر مبلغه ألف ألف درهم فأرسلت إلى بغداد وبني بها المعتضد وقدم جهازها بألف ألف دينار وأعطت الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الطوسي سمع يحيى بن يحيى التميمي فمن بعده وكان محدث الوقت وزاهده بعد محمد بن أسلم بطوس صنف المسند الكبير في مائتي جزء‏.‏

وفيها توفي العلامة أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي سمع مولاهم البصري الفقيه المالكي مات ببغداد فجأة وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

سمع الأنصاري ومسلم بن إبراهيم وطبقتهما وصنف التصانيف في القراءة والحديث والفقه وأحكام القرآن والأصول وتفقه على أحمد بن المعدل وأخذ علم الحديث عن ابن المديني وكان إماماً في العربية حتى قال المبرد‏:‏ هو أعلم بالتصريف مني‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو الفضل جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي في رمضان سمع عفان وطبقته وكان ثقة متحرياً إلى الغاية‏.‏

وفيها توفي الحارث أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله ست وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور كان آية في معاني القرآن صاحب فنون متعبداً قيل إنه كان يصلي في اليوم والليلة ست مائة ركعة وعاش مائة وأربع سنين‏.‏

روى عن يزيد بن هارون والكبار‏.‏

وفيها توفي أبو الجيش خمارويه ‏"‏ بضم الخاء المعجمة وفتح الميم وبعدها ألف ثم راء ثم واو مفتوحتان ثم مثناة من تحت ثم هاء مكسورة ‏"‏ ابن أحمد بن طولون‏.‏

لما كان سنة ست وسبعين ومائتين تحرك الأفشين بن محمد صاحب أرمينية والجبال في جيش عظيم وقصد مصر فلقيه خمارويه في بعض عمال دمشق فانهزم الأفشين واستأمن أكثر عسكره وسار خمارويه حتى بلغ الفرات ودخل أصحابه الرقة ثم عادوا وقد ملك من الفرات إلى بلاد النوبة ولما مات المعتمد وتولى المعتضد الخلافة بادر إليه خمارويه بالهدايا والتحف فأقره المعتضد على عمله وسأل خمارويه المعتضد أن يزوج ابنته أسماء الملقبة بقطر الندى للمكتفي بالله بن المعتضد وهو إذ ذلك ولي العهد فقال المعتضد‏:‏ بل أنا أتزوجها فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين ودخل بها في هذه السنة وقيل في سنة اثنتين وثمانين ومائتين والله أعلم‏.‏

وكان صداقها ألف ألف درهم وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل حكي أن المعتضد خلى بها يوماً للأنس في مجلس أفرده لها ما حضره سواها فأخذت منه الكأس فنام على فخذها فلما استثقلته وضعت رأسه على وسادة وخرجت فجلست في ساحة القصر فاستيقظ ولم يجدها فاستشاط غضباً ونادى بها فأجابته على قرب فقال‏:‏ لم أجلل إكراماً لك ألم أدفع إليك بهجتي دون سائر خصائصي فتضعين رأسي على وسادة فتذهبين‏.‏

فقالت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما جهلت قدر ما أنعمت به علي ولكن فيما أدبني به أبي إذ قال لا تنامي مع الجلوس ولا تجلسي مع النيام‏.‏

ويقال إن المعتضد أراد بنكاحها إفتقار الطولونية وكذا كان فإن أباها جهزها بجهاز لم يعمل مثله حتى قيل‏:‏ إنه كان لها ألف هاون ذهباً وشرط عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجنادها مائتي ألف دينار فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه وعمره اثنتان وثلاثون سنة‏.‏وكان شهماً صارماً وقيل قتل قاتلوه أجمعون وحمل تابوته إلى مصر ودفن عند أبيه بسفح المقطم وكان من أحسن الناس خطاً‏.‏

ولفا حملت قطر الندى ابنة خمارويه إلى المعتضد خرجت معها عمتها العباسية ابنة أحمد بن طولون مشيعة لها إلى آخر أعمال مصر من جهة الشام ونزلت هناك وضربت فساطيطها وبنت هناك قرية فسميت بإسمها وقيل لها ‏"‏ العباسية ‏"‏ قال ابن خلكان‏:‏ وهي عامرة إلى الآن وبها جامع حسن وسوق قائم‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أبو محمد الفضل بن محمد الشعراني طوف الأقاليم وكتب الكثير وجمع وصنف‏.‏

وفيها توفي العلامة أبو العيناء محمد بن القاسم البصري الضرير اللغوي الأخباري صاحب النوادر والشعر والأدب‏.‏

سمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري والعتبي وغيرهم وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لساناً ومن ظرفاء العالم وفيه من اللسن وسرعة الجواب والذكاء ما ليس في أحد من نظرائه وله أخبار حسان وأشعار ملاح وها أنا أذكر شيئاً يسيراً من ذلك‏.‏

حضر يوماً مجلس بعض الوزراء فجرى حديث البرامكة وما كانوا عليه من الجود فقال الوزير لأبي العيناء وقد بالغ في وصفهم‏:‏ قد أكثرت من ذكرهم وإنما هذا تصنيف الوراقين وكذب المؤلفين فقال له أبو العيناء‏:‏ فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير فكذبه الوزير وعجب الحاضرون من إقدامه عليها‏.‏

وشكا إلى الوزير عبيد الله بن سليمان سوء الحال فقال له‏:‏ أليس قد كتبت إلى فلان من أمرك قال‏:‏ نعم قد كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر وذل الأسر ومعاناة الدهر فأخفق سعي وخاب طلبي فقال عبيد الله‏:‏ أنت اخترته فقال‏:‏ وما علي أيها الوزير في ذلك وقد اختار موسى من قومه سبعين رجلاً فما كان فيهم رشد واختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي سرح كاتباً فرجع إلى المشركين مرتداً واختار علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أبا موسى الأشعري حاكماً له فحكم عليه‏.‏

وقوله‏:‏ ذل الأسر يعني أنه أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة وسجنه فنقب السجن وهرب‏.‏

ودخل أبو العيناء يوماً على الوزير أبي الصفر فقال‏:‏ ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء‏.‏

فقال‏:‏ سرق حماري قال‏:‏ وكيف سرق ‏"‏ قال‏:‏ لم أكن مع اللص فأخبرك قال‏:‏ فهل أتيتنا على غيره فقال‏:‏ أقعدني عن السير قلة يساري وكرهت ذلة المكاري ومنة العواري‏.‏

وخاصم علوياً فقال العلوي‏:‏ أتخاصمني وأنت تقول‏:‏ اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد فقال‏:‏ لكنني أقول الطيبين الطاهرين ولست منهم‏.‏

ووقف عليه رجل من العامة فقال‏:‏ من هذا قال‏:‏ رجل من بني آدم فقال‏:‏ مرحباً بك أطال الله بقاءك ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع‏.‏

ومر بباب بعض من بغضه وهو مريض فقال لغلامه‏:‏ كيف حاله‏.‏

فقال‏:‏ كما تحب فقال‏:‏ مالي لا أسمع الصراخ عليه وذكر له أن المتوكل قال‏:‏ لولا أنه ضرير لنا دمناه فقال‏:‏ إن عفاني من روية الأهلة وقراءة نقش القصوص فأنا أصلح للمنادمة‏.‏

وقال له ابن مكرم يوماً يعرض به‏:‏ كم عدة المكذبيين بالبصرة فقال‏:‏ مثل عدد البغائين ببغداد‏.‏

وقال له المتوكل يوماً‏:‏ ما تقول في دارنا هذه فقال‏:‏ الناس بنوا الدار في الدنيا

 ثلاث وثمانين ومائتين

فيها ظفر المعتضد برأس الخوارج هارون الشاري ‏"‏ بالشين المعجمة ‏"‏ وجيء به راكباً فيلاً وزينت بغداد‏.‏وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام وإبطال دواوب المواريث في ذلك وكثر الدعاء له‏.‏

وكان قبل ذلك قد أبطل النيروز وقيد النيران وأمات ستة المجوس‏.‏

وفيها توفي أبو العباس علي بن العباس المعروف بابن الرومي مولى عبيد الله بن عيسى بن أبي جعفر المنصور العباسي الشاعر المجيد المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب يغوص على المعاني النادرة ويستخرجها من مكامنها ويبرزها بأحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية وكان شعره غير مرتب فرتبه أبو بكر الصولي على الحروف وجمعه وراق بن عبدوس من جميع النسخ فزاد على كل نسخة مما هو على الحروف وغيرها نحو ألف بيت وله القصائد المطولة والمقاطيع البديعة وله في الهجاء والمديح كل طريق ومليح من ذلك قوله‏:‏ كم ضن بالمال أقوام وعندهم وفر وأعطى العطايا وهو يدان منها معالم للهدى ومصالح تجلو الدجى والأخريات رجوم منها معالم للهدى ومصالح تجلو الدجى والأخريات رجوم لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد وإلا فما يبكيه منها وإنها لأوسع مما كان فيه وأرغد وله من المعاني البديعة قوله‏:‏ وإذا امرؤ مدح أمرأ لنواله وأطال فيه فقد أراه هجاءه لو لم يقدر فيه بعد المستقى عند الورود لما أطال رشاءه وكذلك قوله في ذم الخضاب‏:‏ إذا دام للمرء السواد فما خلت شبيبة ظن السواد خضابا فكيف يروم الشيخ أن خضابه يظن سواداً أو يخال شبابا قال بعض علماء الأدب‏:‏ ما سبقه إلى هذا المعنى أحد‏.‏

وله في بغداد وقد غاب عنها‏.‏

بلد صحبت به الشبيبة والصبا ولبست ثوب العيش وهو جديد فإذا تمثل في الضمير رأيته وعليه أغصان الشباب تميد وكان سبب موته في بغداد أن الوزير القاسم بن عبد الله وزير المعتضد كان يخاف من هجوه فقال له الوزير‏:‏ إلى أين تذهب‏.‏

فقال إلى الموضع الذي بعثتني إليه‏.‏

فقال‏:‏ سلم لي على والدي فقال‏:‏ ما طريقي على النار‏.‏

فخرج من مجلسه وأتى منزله و أياماً ثم مات‏.‏

وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط عليه في بعض العقاقير‏.‏

قال إبراهيم بن محمد المعروف بنفطويه‏:‏ رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت‏:‏ ما حالك‏.‏

فأنشد‏:‏ غلط الطبيب على غلط مورده عجزت موارده عن الإصدار والناس يلجون الطبيب وإنما غلط الطبيب إصابة المقدار وكان الوزير المذكور سفاكاً للدماء الصغير والكبير منه على وجل لا يعرف أحد من أرباب الأموال منه نعمة فلما توفي سنة إحدى وسبعين في خلافة المكتفي وقد نيف الثلاثين قال فيه عبد الله بن الحسين بن سعد‏.‏

شربنا عشية مات الوزير سروراً ونشرب في ثالثه فلا رحم الله تلك العظام ولا بارك الله في وارثه وفيها توفي قدوة السالكين وحجة الله على العارفين كريم المقامات وعظيم الكرامات الولي الكبير المعظم الشهير أبو محمد سهل بن عبد الله التستري قدس الله روحه في شهر المحرم وله نحو من ثمانين سنة وله كلام جليل في السلوك والمواعظ وكان سبب سلوكه للطريق خاله محمد بن سوار فإنه قال‏:‏ كنت ابن ثلاث سنين وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار وكان يقوم بالليل وكان يقول‏:‏ يا سهل اذهب ونم فقد شغلت قلبي‏.‏

وقال ليس يوماً خالي‏:‏ ألا تذكر الله الذي خلقك‏.‏

فقلت‏:‏ كيف أذكر‏.‏فقال‏:‏ قل بقلبك في الليل في فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسان‏:‏ الله معي الله ناظري الله شاهدي فقلت ذلك عشر ليالي ثم أعلمته فقال‏:‏ قلها كل سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته فقال‏:‏ قلها كل يوم إحدى عشرة مرة‏.‏كذا قال بعضهم وقال في الرسالة‏:‏ قل في كل ليلة إحدى عشرة‏.‏

وأرى هذا أصح وأنسب إذ الليل وقت الغفلة والذكر فيه أفضل‏.‏

قال‏:‏ فقلت ذلك فوقع في قلبي حلاوته‏.‏فلما كان بعد سنة قال لي‏:‏ احفظ ما علمتك‏.‏

ثم دم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه سينفعك في الدنيا والآخرة قال‏:‏ فلم يزل على ذلك سنين فوجدت له حلاوة في سري ثم قال لي يوماً خالي‏:‏ كان الله معه وهو ناظره وشاهده كيف يعصيه إياك والمعصية‏.‏قال‏:‏ فبعثوا بي إلى الكتاب فقلت‏:‏ إني أخشى أن يفرق علي همي ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم وأرجع‏.‏فحفظت القرآن وأنا ابن ست أو سبع وكنت أصوم الدهر وقوتي خبز الشعير اثنتي عشرة سنة فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فسألت أن يبعثوا بي إلى بصرة أسأل عنها‏.‏

فجئت البصرة وسألت علماءها فلم يشفني ما سمعت فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العبادي‏.‏

فسألته عنها فأجابني أقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بأدبه‏.‏

ثم رجعت إلى تستر فجعلت قوتي اقتصاراً على أن يشتري لي بدرهم فرق من الشعير فيطحن ويختبز فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بغير ملح ولا أدام‏.‏

وكان يكفيني ذلك الدرهم سنة ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال ثم جعلتها خمساً ثم سبعاً حتى بلغت خمسة وعشرين ليلة وكنت على ذلك عشرين سنة ثم خرجت أسيح في الأرض سنين ثم عدت إلى ‏"‏ تستر ‏"‏ وكنت أقوم الليل كله‏.‏

قلت‏:‏ وله من الكرامات الشهيرات ما يطول ذكره بل يشق ويتعذر حصره من ذلك قصته المشهورة مع يعقوب بن الليث حين أصابته علة أعضلت الأطباء فقيل له‏:‏ ولايتك رجل صالح يقال له سهل بن عبد الله فلو استدعيت به لعلة يدعو لك فاستدعى به فلما حضر قال‏:‏ ادع لي فقال‏:‏ كيف يستجاب دعائي فيك وفي سجنك محبوسون‏.‏

فأطلق كل من في السجن فقال سهل‏:‏ اللهم كما أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة فعوفي في وقته فعرض مالاً على سهل فأبى أن يقبل فقيل له‏:‏ لو قبلته وفرقته على الفقراء‏.‏

فنظر إلى الحصى في الصحراء فإذا هي وفيها توفي قاضي القضاه أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الشوارب الأموي بصري‏.‏

وكان رئيساً معظماً ديناً خيراً روى عن أبي الوليد الطيالسي‏.‏