فصل: أربع وعشرين وثلاث مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 ثلاث عشرة وثلاث مائة

فيها سار الركب العراقي ومعهم ألف فارس فاعترضهم القرمطي بزبالة وناوشهم القتال فرد الناس ولم يحجوا ونزل القرمطي على الكوفة فقاتلوه فغلب على البلد ونهبه فندب المقتدر مؤنساً وأنفق في الجيش ألف ألف دينار‏.‏

وفيها توفي الإمام اللغوي العلامة أبو القاسم ثابت بن حزم السرقسطي‏.‏

قال ابن الفرضي‏:‏ كان مفتياً بصيراً بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر عاش خمساً وتسعين سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن زيدان قال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ‏:‏ لم تر عيني مثله كان أكثر كلامه في مجلسه‏:‏ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك‏.‏

وروي أنه مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضربه‏.‏وفيها توفي الحافظ أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي مولاهم السراج صاحب التصانيف‏.‏

قال أبو إسحاق المزكي‏:‏ سمعته يقول‏:‏ ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتي عشرة ألف ختمة وضحيت عنه اثنتي عشرة ألف أضحية قال محمد بن أحمد الدقاق‏:‏ رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية ثم يجمع أصحاب الحديث عليها ولقد ألف السراج مستخرجاً على صحيح مسلم وكان أماراً بالمعروف ونهاء عن المنكر عاش سبعاً وتسعين سنة‏.‏

 أربع عشرة وثلاث مائة

لم يحج فيها أحد من العراق خوفاً من القرامطة ونزح أهل مكة عنها خوفاً منهم وفيها توفي خمس عشرة وثلاث مائة فيها نازلت القرامطة الكوفة فسار يوسف ابن أبي الساج فالتقاهم فأسر يوسف وانهزم عسكره وقتل منهم عدة‏.‏

وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار فقطع المسلمون الجسر فأخذ يتحيل في العبور ثم عبر وخرج نصر الحاجب ومؤنس فعسكروا بباب الأنبار وخرج أبو الهيجا ابن حمدان وإخوته ثم رده القرامطة فما صبر العسكر عليهم ووقع عليهم الخذلان وما كانت القرامطة سوى ألف وسبعمائة من فارس وراجل والعسكر كانوا أربعين ألف فارس‏.‏

ثم إن القرمطي قتل ابن أبي الساج وجماعة معه وأشار إلى ‏"‏ هيت ‏"‏ فبارز العسكر ودخل الوزير علي بن عيسى على المقتدر وقال‏:‏ قد تمكنت هيبة هذا الكافر من القلوب فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش وإلا فمالك إلا أقاصي خراسان فأخبر أمه بذلك فأخرجت خمسمائة ألف دينار وأخرج المقتدر ثلاث مائة ألف دينار‏.‏

ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر وجددت على بغداد بخنادق وعدمت هيبة المقتدر من القلوب وشتمته الجند‏.‏

وفيها توفي الحافظ صاحب التصانيف أحمد بن علي بن الحسين الرازي النيسابوري‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن الأخفش الصغير علي بن سليمان البغدادي النحوي أخذ عن ثعلب والمبرد وروى عنه المرزباني وأبو الفرج المعاني وغيرهما‏.‏

وكان ثقة قال المرزباني‏:‏ لم يكن بالمتسع في الرؤية للأخبار والعلم بالنحو وما علمته صنف شيئاً البتة ولا قال شعراً وكان إذا سئل عن مسألة في النحو ضجر وانتهر من يسأله‏.‏

وقال أبو الحسن بن سنان‏:‏ كان يواصل المقام عند أبي علي بن مقلة وأبو علي يراعيه ويبره فشكا في بعض الأيام ما هو فيه من شدة الفاقة فسأله أن يعلم الوزير علي بن عيسى حاله ويسأله إقرار رزق في جملة من يرتزق من أمثاله فعرف الوزير أبو علي اختلال حاله وتعذر الوقوف عليه في أكثر أيامه وسأله أن يجري عليه رزقاً فانتهره الوزير انتهاراً شديداً في مجلس حافل فشق على ابن مقلة ذلك وقام من مجلسه وصار إلى منزله لإيماء نفسه‏.‏

ووقف الأخفش على الصورة المذكورة فاغتنم بها وانتهت به إلى الحال التي أكل الشحم فقيل‏:‏ إنه قبض على فؤاده فمات فجأة في التاريخ المذكور‏.‏

نسأل الله الكريم العفو والعافية واللطف الجميل واليسر الحصين في الدين والدنيا والآخرة وقد تقدم ذكر الأخفش الأكبر والأوسط في سنة خمس عشرة ومائتين‏.‏

فيها دخل القرمطي الزوحية بالسيف واستباحها ثم نازل الرقة وقتل جماعة وتحول إلى هيت فرموه بالحجارة وقتلو صاحبه أبا الدرداء فسار إلى الكوفة ثم انصرف وبني داراً سماها دار الهجرة ودعا إلى المهدي وسار إليه كل مرتب ولم يحج أحد هذه السنة واستعفي ابن عيسى من الوزارة وولي بعده علي بن مقلة وهو كاتب‏.‏

قلت‏:‏ وهذا مشكل وقد تقدم في سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة أن علي بن عيسى سم ولكن يحتمل أنه سم ولم يمت بذلك السم

وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير أبو الحسن بنان الحمال نزيل مصر وشيخها كان ذا منزلة جليلة وأحوال جميلة وكرامات عديدة صحب الجنيد وحدث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعة‏.‏

توفي في رمضان وخرج في جنازته أكثر أهل مصر‏.‏

ومن كراماته أنه جاءه إنسان وذكر أنه ضاع له قرطاس فيه تنزيل له صورة من المال وسأله أن يدعو له بحفظه فقال له‏:‏ أنا رجل كبير وأشتهي الحلواء اشتر لي كذا وكذا منها فذهب واشترى له منها الذي طلب فلما جاءه بها تناول منها شيئاً يسيراً ثم قال‏:‏ اذهب وأطعمها صبيانك فلما ذهب بها إلى بيته وجد ذلك القرطاس هو الذي ضاع له‏.‏

ومنها أنه ألقاه بعض الخلفاء بين يدي الأسد في حال غضبه عليه فصار الأسد يشمه ولم ينله بسوء فقيل له‏:‏ كيف كنت في وقت شم الأسد لك فقال‏:‏ كنت أفكر في اختلاف العلماء في طهارة لعاب السباع‏.‏

ومنها أنه انبسط إلى إخوانه في شراء جارية فقالوا‏:‏ يقدم النفر فإذا قدم اشترينا له جارية تصلح له‏.‏

فلما قدم النفر أجمع رأيهم على جارية أنها تصلح له فكلموا صاحبها في بيعهم إياها فامتنع فألحوا عليه فقال‏:‏ إنها ليست للبيع إنها أهدتها امرأة من سمرقند للشيخ بنان الجمال فحملت إليه‏.‏

وفيها توفي الحافظ عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الأسفرايني صاحب المسند الصحيح رحل إلى الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة والعراق وفارس وأصبهان روى عن يونس بن عبد الأعلى وعلي بن حرب ومحمد بن يحيى الذهلي ومسلم بن الحجاج والمزني والربيع والحسن الزعفراني وغيرهم ممن في طبقتهم‏.‏

وعلى قبره مشهد بأسفرايين وكان مع حفظه فقيهاً شافعياً إماماً روى عنه جماعة منهم أبو بكر الإسماعيلي وحج خمس حجج وقال‏:‏ كتب إلى محمد بن إسحاق‏:‏ فإن نحن التقينا قبل موت سقينا النفس من غصص العناب وقال أبو عبد الله الحاكم‏:‏ أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم ومن الرجالة في أقطار الأرض‏.‏

وفيها توفي محمد بن السري النحوي المعروف بابن السراج كان أحد الأئمة المشاهير مجمعاً على فضله وجلالة قدره في النحو والأدب أخذ الأدب عن أبي العباس المبرد وغيره وأخذ عنه جماعة من الأعيان منهم السيرافي والرماني وغيرهما‏.‏

ونقل عنه الجوهري في الصحاح في مواضع عديدة وله التصانيف المشهورة في النحو منها‏:‏ ‏"‏ كتاب الأصول ‏"‏ وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه‏.‏

‏"‏ وشرح كتاب سيبويه ‏"‏ و ‏"‏ كتاب الشعر والشعراء ‏"‏ و ‏"‏ كتاب الرياح والهواء والنار ‏"‏ مع كتب أخرى ومن الشعر المنسوب إليه‏.‏

ميزت بين جمالها وفعالها فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي حلفت لنا أن لا تخون عهودها وكأنما حلفت لنا أن لا تفي قلت‏:‏ وهذان البيتان يحسن استعارتهما لوصف الدنيا وقيل أنهما لإبن المعتز وقيل‏:‏ لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر معهما بيت ثالث وهو‏:‏ والله لا كلمتها ولو أنها كالبحر أو كالشمس أو كالمكتفي فأنشدها وزير المكتفي له فقال‏:‏ لمن هي قال‏:‏ لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر‏.‏

فأمر له بألف دينار فوصل إليه فقال ابن الزنجي‏:‏ ما أعجب هذه القصة يعمل ابن السراج أبياتاً تكون سبباً لوصول الرزق لإبن طاهر‏.‏

 سبع عشرة وثلاث مائة

فيها هجم مؤنس الخادم وأكثر الجيش على دار الخلافة وأخرج المقتدر وأمه وخالته وحرمه إلى دار مؤنس وأحضروا محمد بن المعتضد من الحبس وبايعوه ولقبوه القاهر بالله وقلدوا لابن مقلة وزارته ووقع النهب في دار الخلافة ببغداد وأشهد المقتدر على نفسه بالخلع وجلس القاهر من الغد وصار ‏"‏ نازوك ‏"‏ حاجبه فجاءت إلى ودخلوا وطلبوا رزق البيعة ورزق سنة وعظم الصياح ثم وثب جماعة على نازوك فقتلوه وقتلوا خادمه ثم صاحوا فالمقتدر يا منصورة فهرب الوزير والحجاب والقاهر وساروا ووصلوا إلى مؤنس ليرد المقتدر وسدت المسالك على القاهر وأبي الهيجاء ثم جاشت نفسه فقال‏:‏ يا آل ثعلب فرمي بسهم فيما بين ثدييه وأخرى في نحره ثم جز رأسه وأحضروا المقتدر وألقي بين يديه الرأس ثم أسر القاهر وأتي به إلى المقتدر فاستدناه وقبل جبينه وقال‏:‏ أنت لا ذنب لك يا أخي وهو يقول الله الله يا أمير المؤمنين في نفسي فقال‏:‏ والله لا ينالك مني سوء فطيف برأس نازوك ورأس أبي الهيجا ثم أتى مؤنس والقضاة وجددوا البيعة للمقتدر فبذل في الجند أموالاً عظيمة وباع في بعضها ضياعاً وأمتعة وماتت القهرمانة التي كانت تجلس للناس بدار العدل‏.‏

وحج بالناس منصور الديلمي فدخلوا مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله تعالى أبو طاهر القرمطي فقتل الحاج قتلاً ذريعاً في المسجد وفي فجاج مكة وقتل أمير مكة ابن محارب وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود فأخذه إلى ‏"‏ هجر ‏"‏ ولم يرد إلا في سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة كما سيأتي وكان معه تسعمائة أنفس فقتلوا في المسجد ألفاً وسبعمائة نسمة وقيل ثلاثة عشر ألفاً وصعد على باب البيت وصاح‏:‏ أنا بالله وبالله أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا وقيل‏:‏ إن الذين قتلوا بفجاج مكة فظاهرها ثلاثون ألفاً وسبي من النساء والصبيان نحو ذلك‏.‏

وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد‏.‏

وقال محمود الأصبهاني‏:‏ دخل القرمطي وهو سكران فصفر لفرسه فبال عند البيت‏.‏

وقتل جماعة‏.‏

ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسر منه ثم قلعه وبقي الحجر الأسود بهجر نيفاً وعشرين سنة‏.‏

ولما قلع الحجر الأسود قال شعراً يدل على عظيم زندقته حيث يقول‏:‏ لأنا حججنا جاهلية محللة لم تبق شرقاً ولا غرباً وإنا تركنا بين زمزم والصفا جبابر لا نبقي سوى ربها رباً وشعر هذا الزنديق مشهور في التواريخ قلت‏:‏ وقد أوضحت في كتاب المرهم ظهور هؤلاء القرامطة الزنادقة في أي السنين وفي أي البلاد ومدة ظهورهم وإمامهم ودعاته‏.‏وكانت فتنتهم قد عمت كثيراً من الآفاق منها اليمن والشام والعراق وكان من دعاتهم في اليمن الشيطان الزنديق علي بن فضل ما زال يدعو إلى مذهبهم سراً مظهراً مذهب الرفض وفي قلبه الكفر المحض ويزعم أنه يدعو إلى مذهب أهل البيت وحبهم إلى أن أفسد خلقاً كثيراً وملك حصون اليمن شيئاً فشيئاً ثم ملك مدنها منها عدن وزبيد وصنعاء‏.‏

فطرد الناصر بن الهادي إمام الزيدية من ‏"‏ صعده ‏"‏ واستولى على جبال اليمن وتهامة وقتل خلائق لا يحصون من أهلها فلما تمهد له الملك وتمكن في الأرض أظهر الزندقة والكفر المحض وأمر جواريه أن يغنين بالدفوف على منبر الجند بشعره الذي تزندق فيه وألحد وأنكر دين الإسلام وجحد وهو‏:‏ خذ الدف يا هذه واضربي وغني هزاريك ثم اطربي توفي نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب إذا الناس صلوا فلا تنهضي وإن صوموا فكلي واشربي ولا تطلبي السعي عند الصفا ولا زورة القبر في يثرب وشعر طويل وكله في إباحة محارم الله تعالى والتحليل وجحد الفروض التي جاء بها محكم التنزيل محرضاً اللعين على نبذ دين الإسلام والتضليل ثم قتل اللعين الشيطان الرجيم وذهب لا رده الله إلا إلى النار الجحيم قتله بعض قبائل اليمن‏:‏ وكان ظهوره في الإبتداء في جبل ‏"‏ مسور ‏"‏ بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء جبل في حراز في بلاد اليمن مشهور وحواليه الإسماعيلية الآن متمسكون بمذهب الضلال والغرور ويشعلون نار الحرب والشرور ويشتغلون للقرامطة في البلدان ذكره يطول ولم يزالوا متظاهرين بمذهب الزندقة والضلال إلى أن ذهب مذهبهم الخبيث وزال وبقيت الإسماعيلية الباطنية بإعتقاد مذهبهم الخبيث يتظاهرون عندنا بالتمسك بأحكام الشرع وعلى تعطيلها في الباطن واستباحة ما حرم الله تعالى يصرون‏.‏وكان ظهور مذهب القرامطة إحدى فتنتين عظيمتين في اليمن‏.‏

والفتنة الثانية‏:‏ أن الشريف الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم لما قام في ‏"‏ صعدة ‏"‏ ومخاليف صنعاء دعا الناس إلى التشيع عند استقراره في صنعاء وهذه الفتنة أهون من الأولى وكل أهل اليمن صنفان‏:‏ إما مفتون بهم وإما مخالف لهم متمسك بأحكام الشريعة‏.‏

وفي السنة المذكورة قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين شيخ الحنفية ببغداد وقد ناظره مرة داود الظاهري فقطع داود ولكنه معتزلي الإعتقاد‏.‏

وفيها توفي الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد بن أبي الحسين الهروي قتل بباب الكعبة‏.‏

وفيها توفي المنجم المشهور الحاسب صاحب الزيج والأعمال العجيبة والأرصاد المتقنة محمد بن جابر الرقي البتاني ‏"‏ بفتح الموحدة وتشديد المثناة من فوق وقيل ياء النسبة نون ‏"‏ وأحد عصره في وقته‏.‏

توفي في موضع يقال له الحضر ‏"‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وبعدها راء ‏"‏ وهي مدينة بالقرب من الموصل وكان صاحبها الساطرون ‏"‏ بالسين والطاء والراء المهملات ‏"‏ فحاصرها أزدشير أول ملوك الفرس وأخذ البلد وقتله وقيل إن الذي قتله سابور ‏"‏ بالسين المهملة والباء الموحدة ‏"‏ ذو الأكتاف وهو الذي ذكره ابن هشام في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا‏:‏ والأول أصح وكان إقامة أزدشير على حصاره أربع سنين ولم يقدر حتى فتحت له ابنة الملك الساطرون ‏"‏ بكسر الطاء ‏"‏ وسبب ذلك أنها كانت عادتهم إذا حاضت المرأة أنزلوها إلى الربض وحاضت ابنة الملك المذكور وكانت في غاية الجمال فأنزلوها إلى الربض فأشرفت ذات يوم فأبصرت أزدشير من أجمل الرجال فهوته وأرسلت إليه أن يتزوجها وتفتح له الحصن واشترطت عليه‏.‏

فألزم لها ما طلبت ثم اختلفوا في السبب الذي دلته عليه حتى فتح الحصن فالذي قاله الطبري أنها دلته على طلسم في الحصن وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى تؤخذ حمامة زرقاء ثم يرسل الحمامة فتنزل على سور الحصن فيقع الطلسم فيفتح الحصن ففعل أزدشير ذلك واستباح الحصن حينئذ وخربه وأباد أهله‏.‏

وسار ببنت الملك وتزوجها‏.‏

فبينا هي نائمة على فراشها ليلاً إذ جعلت تتململ لا يأخذها النوم فقال لها زوجها‏:‏ أراك لا تنامين قالت‏:‏ ما نمت على فراش أحسن من هذا الفراش وأنا أحس شيئاً يؤذيني‏.‏

فأمر بالفراش فأبدل فلم تنم أيضاً حتى أصبحت وهي تشتكي جنبها فنظر إليها فإذا ورقة آس قد لصقت ببعض عكتها وقد عذبتها فعجب من ذلك وقال‏:‏ أهذا الذي أسهرك‏.‏

قالت‏:‏ نعم قال‏:‏ فما كان أبوك يصنع لك‏.‏

قالت‏:‏ كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ والزبد والشهد من أبكار النحل ويسقيني الخمر الصافي‏.‏

قال‏:‏ فكان جزاء أبيك ما صنعت به أنت إلي بذلك أسرع‏.‏ثم أمر بها فشدت دوائبها إلى فرسين جامحين ثم أرسلا فقطعاها‏.‏

قال بعض المؤرخين‏:‏ وإنما ذكرت هذه الحكاية لكونها غريبة‏.‏

وفيها توفي مضر بن أحمد الخبزارزي‏.‏

كان أمياً وكان يخبز خبز الأرز وينشد الأشعار المقصودة على الغزل والناس يزدحمون عليه ويتطرفون باستماع شعره ويتعجبون من حاله وأمره وذكره جماعة من كبار المؤرخين وأوردوا له عدة مقاطع من شعره فمن ذلك قوله‏:‏ خليلي هل أبصرتما أوسمعتما بكرم من مولى يمشي إلى عبد أتي زائراً من غير وعد وقال لي أجلك عن تعليق قلبك بالوعد فما زال نجم الوصل بيني وبينه تدور بأفلاك السعادة والسعد وحكى الخالد بأن الشاعر المشهور في كتاب الهدايا والتحف الخبزارزي المذكور أهدى إلى والي البصرة فصاً وكتب معه‏:‏ أهديت ما لو أن أضعافه مطرح عندك ما بانا كمثل بلقيس التي لم يبن إهداؤها عند سليمانا هذا امتحان لك إن ترضه بان لنا أنك ترضانا والشيء بالشيء يذكره‏.‏

وفي الكتاب المذكور نادرة لطيفة ظريفة وفي ذكرها إتحاف وإظراف لسامعها وهي أن اللبادي الشاعر خرج من بعض مدن أذربيجان يريد أخرى وتحته مهر له راتع وكانت السنة مجدبة فضمه الطريق وغلاماً حدثاً على حمار له قال فحادثته فرأيته أديباً راوية للشعر خفيف الروح حاضر الجواب جيد الحجة

فسرنا بقية يومنا فأمسينا إلى خان على ظهر الطريق وطلبت من صاحبه شيئاً تأكله فامتنع أن يكون عنده شيء فرفقت به إلى أن جاءني برغيفين فأخذت واحداً ودفعت إلى الغلام الآخر‏.‏

وكان غمي على المهر أن يبيت بغير علف أعظم من غمي على نفسي فسألت صاحب الخان عن الشعير فقال‏:‏ ما أقدر منه على حبة واحدة فقلت‏:‏ فاطلب وجعلت له جعلاً على ذلك فمضى وجاءني بعد زمن طويل وقال‏:‏ وجدت مكوكين عند رجل وحلف بالطلاق أنه لا ينقصهما عن مائة درهم فقلت‏:‏ ما بعد يمين الطلاق كلام فدفعت إلى خمسين درهماً فجاءني بمكوك فعلفته على دابتي وجعلت أحادث الفتى وحماره واقف بغير علف فأطرق ملياً ثم قال‏:‏ اسمع أيدك الله أبياتاً حضرت الساعة فقلت‏:‏ هاتها فأنشد‏:‏ يا سيدي شعري نفاية شعركا فلذاك نظمي لا يقوم بنثركا وقد انبسطت إليك في إنشاد ما هو في الحقيقة قطرة من بحركا آنستني وبررتني وقريتني وجعلت أمري من مقدم أمركا وأريد أذكر حاجة إن تقضها لك عند مدحك ما حييت وشكركا أنا في ضيافتك العشية ها هنا فاجعل حماري في ضيافة مهركا فضحكت واعتذرت إليه من إغفال أمر حماره وابتعت المكوك الآخر بخمسين درهماً ثمان عشرة وثلاث مائة فيها توفي الحافظ الحجة محمد بن يحيى بن صاعد البغدادي مولى بني هاشم‏.‏

قال أبو علي النيسابوري‏:‏ لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد أجل في الفهم والحفظ من ابن صاعد وهو فوق أبي بكر بن داود فهماً‏.‏وفيها توفي الحافظ عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفرايني المصنف‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو عروبة الحسن بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحراني وهو في عشر المائة‏.‏

وفيها‏:‏ وقيل في التي تليها توفي الحسن بن علي بن عوف بن العلاف النهرواني الشاعر المشهور‏.‏

حدث عن أبي عمرو الدوري المقرىء وحميد بن مسعدة المصري ونصر بن علي الجهضمي وغيرهم وروى عنه جماعة منهم‏:‏ أبو حفص بن شاهين وغيره وكان ينادم الإمام المعتضد بالله‏.‏

وحكى قال‏:‏ بت ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه فأتانا خادم ليلاً فقال‏:‏ أمير المؤمنين يقول‏:‏ أرقت الله بعد انصرافكم‏.‏

فقلت‏:‏ ولما انتهينا للخيال الذي سرى إذ الدار قفر والمزار بعيد قد أرتج على تمامه فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له الجائزة‏.‏

قال‏:‏ فأرتج على الجماعة وكلهم شاعر فاضل فابتدرت وقلت‏:‏ فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي لعل خيالاً طارقاً سيعود فرجع الخادم ثم عاد فقال‏:‏ أمير المؤمنين يقول‏:‏ قد أحسنت وأمر لك بجائزة‏.‏

 تسع عشرة وثلاث مائة

فيها استوحش مؤنس من المقتدر والوزير وجعل يمقت على المقتدر ويتحكم عليه في إبعاد الناس وتقريب غيرهم ثم خرج بأصحابه إلى الموصل معارضاً فاستولى الوزير على حواصله وفرح المقتدر بالوزير وكتب اسمه على السكة‏.‏

وكان مؤنس في ثمانمائة فحارب جيش الموصل وكانوا ثلاثين ألفاً فهزمهم وملك الموصل في سنة عشرين‏.‏

ولم يحج أحد من بغداد وأخذ الديلمي الدينور ففتك بأهلها ووصل إلى بغداد من الهزم ورفعوا المصاحف على القضيب واستغاثوا وسبوا المقتدر وغلقت الأسواق وخافوا من هجوم القرامطة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي محدث دمشق‏.‏

وفيها توفي الكعبي شيخ المعتزلة أبو القاسم البلخي‏.‏

وفيها أو قبلها توفي أبو عبد الله الزبير بن أحمد الزبيري الفقيه الشافعي المازني والزبيري نسبة إلى الزبير بن العوام كان إمام أهل البصرة في عصره ومدرسها حافظ المذهب مع حظ من الأدب‏.‏

قدم بغداد وحدث بها عن جماعة وروى عنه النقاش صاحب التفسير وآخرون‏.‏

وكان ثقة صحيح الرواية وله مصنفات كثيرة منها‏:‏ ‏"‏ الكافي ‏"‏ في الفقه و ‏"‏ كتاب رياضة المتعلم ‏"‏ و ‏"‏ كتاب النية ‏"‏ و ‏"‏ كتاب الهداية ‏"‏ وغير ذلك من الكتب وله في المذهب وجوه كثيرة‏.‏

 عشرين وثلاث مائة

فيها تجهز مؤنس والعساكر إلى بغداد فأشار الأمراء على المقتدر بالإنفاق على العساكر فعزم على التوجه إلى واسط في الماء ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز فقال له محمد بن ياقوت‏:‏ اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب‏.‏

فلما أصبحوا ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب والقراء والمصاحف حوله والوزير خلفه فسبق بغداد إلى الشماسية وأقبل مؤنس في جيشه وشرع القتال فوقف المقتدر على تل ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلا بن حمدان فقال له‏:‏ تقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف في طائفة قليلة فانكشف أصحابه وأسر منهم جماعة وأبلى ابن ياقوت وهارون بن غريب بلاء حسناً وكان معظم جيش مؤنس خادم البريد فعطف جماعة من البريد على المقتدر فضربه رجل من خلفه ضربة فسقط إلى الأرض وقيل رماه بحربة وجز رأسه بالسيف ورفع على رمح ثم سلب ما عليه وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له حفرة فضمته وعفى أثره وكانت خلافته خمساً وعشرين سنة إلا بضعة عشر يوماً‏.‏

وكان مسرفاً مبذراً ناقص الرأي يمحق الذخائر حتى أنه أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة وزنها ثلاثة مثاقيل يقال أنه ضيع من الذهب ثمانين ألف دينار‏.‏

وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وضعفت‏.‏قالوا‏:‏ وكان جيد العقل والرأي لكنه يؤثر اللعب والشهوات غير ناهض بأعباء الخلافة‏.‏

وكانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار والولايات والحل والعقد‏.‏

ولما حمل رأس المقتدر إلى مؤنس بكى وندم وقال‏:‏ قتلتموه والله لتقتلن كلنا‏.‏

فأظهروا أن قتله كان عن غير قصد ثم بايعوا القاهر بالله الذي قد بايعوه في سنة سبع عشرة فصادر بعض أصحاب المقتدر وعذب أمه وهي مريضة ثم ماتت وهي معلقه بحبل‏.‏

وبالغ في الظلم فمقته القلوب‏.‏

وكان ابن مقلة قد نفي إلى الأهواز فاستحضره واستوزره‏.‏

وفيها توفي الحافظ محدث الشام أبو الحسن محمد بن عمر‏.‏

وفيها أو قبلها أو بعدها توفي القاضي الحافظ محمد بن يحيى المدني قاضي عدن نزيل مكة‏.‏

كان من جملة الحفاظ وأكابر العلماء سمع منه الإمامان الحافظان‏:‏ مسلم بن الحجاج النيسابوري وأبو عيسى محمد بن سورة الترمذي‏.‏

أخذ عن سفيان بن عيينة الهلالي وعبد العزيز المراوردي ووكيع بن الجراح وأبي معاوية وغيرهم وروى عنه الترمذي أنه قال‏:‏ حججت ستين حجة ماشياً على قدمي‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة محمد بن يوسف الأزدي مولاهم وكان من خيار القضاة حلماً وعقلًا وصلابة وذكاء وإصابة‏.‏

وفيها توفي الفقيه الإمام الكبير الشأن المشهور بأبي علي بن خيران الشافعي المذهب‏.‏عرض عليه القضاء ببغداد في خلافة المقتدر فامتنع وختم على بيته وضيق عليه عدة أيام ليقبل فلم يقبل‏.‏

وكان يعاتب ابن شريح على توليته ويقول‏:‏ هذا الأمر لم يكن فينا وإنما كان في أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى وعوتب الوزير علي بن عيسى على تضييقه فقال‏:‏ إنما قصدت ذلك ليقال‏:‏ كان في زماننا من وكل بداره لتقليد القضاء فلم يقبل‏.‏

وفيها توفي أمير المؤمنين المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله بن الموفق بن المتوكل بن وفيها توفي أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي على خلاف فيه يأتي مع بعض أوصافه في سنة أربع وعشرين‏.‏إحدى وعشرين وثلاث مائة فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام فتحيل حتى قبض على مؤنس الخادم وجماعة ثم أمر بذبحهم ثم طيف برؤوسهم ببغداد فاستقامت له بغداد وأطلقت أرزاق الجند وعظمت هيبة القاهر في النفوس ثم أمر بتحريم القينات والخمر وقبض على المغنن ونفى المخنثين وكسر آلات الطرب إلا أنه قيل‏:‏ كان لا يكاد يصبر من السكر ويسمع القينات‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الأزدي الفقيه الحنفي المصري‏.‏

برع في الفقه والحديث وصنف التصانيف المفيدة‏.‏

قال الشيخ أبو إسحاق‏:‏ انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر وقال غيره‏:‏ كان شافعي المذهب يقرأ على المزني فقال له يوماً‏:‏ والله لا جاء منك شيء فغضب أبو جعفر من ذلك‏.‏

وانتقل إلى جعفر بن عمران الحنفي واشتغل عليه فلما صنف مختصره قال‏:‏ رحم الله أبا إبراهيم يعني المزني لو كان حياً لكفر عن يمينه‏.‏

وذكر أبو علي الخليلي في كتاب الإرشاد في ترجمة المزني‏:‏ إن الطحاوي المذكور كان ابن أخت المزني وأن محمد بن أحمد الشروطي قال‏:‏ قلت للطحاوي‏:‏ لم خالفت خالك واخترت مذهب أبي حنيفة‏.‏

فقال‏:‏ لأني كنت أرى خالي يديم النظر في كتب أبي حنيفة فلذلك انتقلت إليه‏.‏

وصنف كتباً مفيدة منها‏:‏ ‏"‏ أحكام القرآن ‏"‏ و ‏"‏ اختلا العلماء ‏"‏ و ‏"‏ معاني الآثار ‏"‏ و ‏"‏ الشروط ‏"‏ وله ‏"‏ تاريخ ‏"‏ كبير وغير ذلك‏.‏

ونسبته إلى ‏"‏ طحا ‏"‏ وهي قرية بصعيد مصر وإلى الأزد وهي قبيلة كبيرة مشهورة من قبائل اليمن‏.‏

وفيها توفي أبو هاشم الجبائي شيخ المعتزلة وابن شيخهم وكان له ولد عامي لا يعرف شيئاً فدخل يوماً على الصاحب بن عباد فظنه عالماً فكرمه ورفع مرتبته سأله عن مسألة فقال‏:‏ لا أدري نصف العلم فقال الصاحب‏:‏ صدقت يا ولدي لأن أباك تقدم بالنصف الآخر‏.‏

‏"‏ والجبائي ‏"‏ بضم الجيم وتشديد الموحدة نسبة إلى جبا قرية من قرى البصرة وقيل كورة ذات قراء‏.‏

وفيها توفي الإمام الحافظ اللغوي العلامة أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري صاحب التصانيف عاش ثمانياً وتسعين سنة‏.‏قال بعضهم‏:‏ ما رأيت أحفظ من ابن دريد ما رأيته قرىء عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته‏.‏

وقال الدارقطني‏:‏ تكلموا فيه وتصانيفه بضع عشرة منها‏:‏ ‏"‏ كتاب الجمهرة ‏"‏ وهو من الكتب المعتبرة في اللغة‏.‏

و ‏"‏ كتاب غريب القرآن ‏"‏ ولم يكمله و ‏"‏ كتاب الوشاح ‏"‏ صغير مفيد وله نظم رائق جداً‏.‏

وقد قال بعضهم‏:‏ ابن دريد أعلم بالشعر وأشعر العلماء‏.‏

ومن مليح شعره قوله‏:‏ عن الوجلت الخدور شعاعها للشمس عند طلوعها لم تشرق غصن على دعص تأود فوقه قمر تألف تحت ليل مطبق لو قيل للحسن احتكم لم يعدها أو قيل خاطب غيرها لم ينطق فكأننا من فرعها في مغرب وكأننا من وجهها في مشرق تبدو فتهف بالعيون ضياؤها الويل حل بمقلة لم تطبق أخذ عن أبي حاتم السجستاني والرياشي وعبد الرحمن بن عبد الله ابن أخي الأصمعي وأبي عثمان سعيد بن هارون وغيرهم وتنقل في البلدان فسكن البصرة وعمان ونواحي فارس وصحب ابني ميكائيل وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما ‏"‏ كتاب الجمهرة ‏"‏ وقلداه ديوان فارس وكانت تصدر كتب فارس عن رأيه ولا ينفذ الأمر إلا بعد توقيعه فأفاد منها أموالاً عظيمة‏.‏وكان مبيداً لا يمسك درهماً شحاً وكرهاً‏.‏

ومدحهما بقصيدته المقصورة فوصلاه بعشرة آلاف درهم وهكذا قال ابن خلكان‏:‏ ابني ميكائيل‏.‏

وقال في موضع آخر من تاريخه في مدح عبد الله بن محمد بن ميكائيل وولده ويقال أنه أحاط فيها بأكثر المقصورة أولها‏:‏ إما تري رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى واشتعل المبيض في مسودة مثل اشتعال النار في جزل الفضا ثم انتقل ابن دريد من فارس إلى بغداد سنة ثمان وثلاثمائة بعد عزل ابني ميكائيل وانفصالهما إلى خراسان فأمر المقتدر أن يجرى عليه كل شهر خمسون ديناراً ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته‏.‏

وكان واسع الرواية وعرض له في رأس تسعين من عمر فالج سقي له الترياق فبرىء وصح ورجع إلى إسماع تلامذته ثم عاوده الفالج فبطلت حركته وكان إذا دخل عليه الداخل ضج وتألم‏.‏

قال تلميذه ابن القالي‏:‏ فكنت أقول في نفسي‏:‏ عاقبه الله تعالى لقوله في مقصورته‏.‏

مارست من لو هوت الأفلاك من جوانب الحق عليه ما شكا وما كان يصيح صياح من يغشى أو يسأل بالمسائل والداخل بعيد منه ومع ذلك ثابت الذهن كامل العقل يرد فيما يسأل عنه رداً صحيحاً وعاش بعد ذلك عامين وكان كثيراً ما يتمثل‏:‏ فواحزني أن لا حياة لذيذة ولا عمل يرضى به الله صالح وتوفي يوم توفي فيه أبو هاشم الجبائي المعتزلي‏.‏

فقال الناس‏:‏ مات اليوم علم والكلام ‏"‏ ودريد ‏"‏ تصغير درد وهو الذي ليس فيه سن كسويد في تصغير أسود‏.‏وكان قد قام مقام الخليل بن أحمد وأورد أشياء وكان يذهب بالشعر كل مذهب ‏"‏ و مقصورته ‏"‏ خلق من المتقدمين والمتأخرين ومن أجود شروحها شرح الفقيه محمد بن أحمد اللخمي السبتي وعارضه جماعة ورثاه بعضهم فقال‏:‏ فقدت بابن دريد كل فائدة لما عدا نالت الأحجار والتراب وكنت أبكي لفقد الجود منفرداً فصرت أبكي لفقد الجود والأدب وفيها توفي مؤنس الخادم الملقب بالمظفر وعمره نحو تسعين سنة وكان معظماً شجاعاً منصوراً وقد تقدم ذكر قتله ولم يبلغ أحد من الخدام منزلته إلا كافور الأخشيدي صاحب مصر‏.‏

وسيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى قلت يعنون ولايات الدنيا ورفعتها عند أهلها‏.‏

 اثنتين وعشرين وثلاث مائة

فيها قبض المماليك القاهر هجموا عليه وهو سكران نائم فقام مرعوباً وهرب فتبعوه إلى السطح وبيده سيف ففوق واحد منهما سهماً وقال‏:‏ انزل وإلا قتلتك فقبضوا عليه بعد أن قال‏:‏ انزل فنحن عبيدك‏.‏

وأخرجوا محمد بن المقتدر ولقبوه الراضي بالله وكحل القاهر ووزر ابن مقلة قال الصولي‏:‏ كان القاهر أهوج سفاكاً للدماء السيرة مدمن الخمر‏.‏

كان له حربة يحملها فلا يضعها حتى يقتل إنساناً ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل‏.‏

وفيها اشتهر محمد بن علي الشلغماني ‏"‏ بالشين والغين المعجمتين وقيل ياء النسبة نون ‏"‏ موضع ببغداد وشاع أنه يدعي الألوهية وأنه يحيي الموتى وكثر أتباعه وأحضره ابن مقلة عند الراضي وسمع كلامه فأنكر الألوهية وقال‏:‏ إن لم ينزل العقوبة بعد ثلاثة وكثره سبعة أيام وإلا فدمي حلال‏.‏

وكان قد أظهر الرفض ثم قال بالتناسخ والحلول‏.‏

وتخرق على الجهال وضل به طائفة‏.‏

وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة‏.‏

فلما طلب هرب إلى الموصل وغاب سنتين ثم عادوا دعى الألوهية فتبعه فيما قيل جماعة منهم إبراهيم بن عون فقبض عليه ابن مقلة وكنس بيته فوجد فيه رقاعاً وكتباً فيما قيل يخاطبونه في الرقاع بما لا يخاطب به البشر وأحضر فأصر على الإنكار فضعفه ابن عبدوس‏.‏

وأما ابن أبي عون فقال‏:‏ إلهي وسيدي ورازقي فقال الراضي‏:‏ للشلغماني‏:‏ أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية فما هذا فقال‏:‏ وما علي من قول ابن أبي عون‏.‏

ثم أحضروه غير مرة وجرت لهم فصول وأحضرت الفقهاء والقضاة ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه فأحرق ثم ضربت رقبة ابن أبي عون ثم أحرق وكان فاضلاً مشهوراً صاحب تصانيف أدبية من رؤساء الكتاب أعني ابن أبي عون وشلغمانة من أعمال واسط‏.‏

ولم يحج أحد إلى سنة سبع وعشرين خوفاً من الفرامطة‏.‏

وفيها توفي حافظ الأندلس أحمد بن خالد قال القاضي عياض‏:‏ كان إماماً في وقته في مذهب مالك وفي الحديث لا ينازع‏.‏

وفيها توفي السيد الكبير الولي الشهير القدوة العارف بحر المعارف أبو الحسين خير النساج البغدادي وكانت له حلقة يتكلم فيها وعمر دهراً قيل إنه لقي سريا السقطي وله أحوال كبيرة وكرامات شهيرة‏.‏

وفيها توفي المهدي عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية المقبري المدعي‏.‏

أنه من ولد جعفر الصادق وكان بسلمية من بلاد الشام فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب وامتدت دولته بضعاً وعشرين سنة ومات بالمهدية التي بناها وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة وقال أبو الحسن القابسي صاحب ‏"‏ الملخص ‏"‏ الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب ما بين عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت‏.‏

ومن ذلك قول بعضهم في قصيدة‏:‏ قلت‏:‏ ولم يزل الباطنية منهم في بعض جبال اليمن وقد جرت لهم هناك أمور وزند وفجور أوضحت ذلك في ‏"‏ كتاب المرهم ‏"‏ وتقدمت الإشارة في سنة سبع عشرة وثلاثين من هذا الكتاب إلى شيء من ذلك‏.‏

وفي السنة المذكور توفي الشيخ العارف أبو بكر محمد بن علي الكتابي شيخ الصوفية نزيل مكة أخذ عن أبي سعيد الخراز وغيره وهو مشهور‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو علي الروذباري البغدادي نزيل مصر من كبار شيوخها في زمانه صحب الجنيد وجماعة وكان إماماً محققاً روي أنه قال‏:‏ أستاذي في التصوف الجنيد وفي الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه ابن سريج وفي الأدب ثعلب‏.‏قلت‏:‏ وناهيك بفضائل هؤلاء الأربعة المذكورين‏:‏ ثلاث وعشرين وثلاث مائة فيها محنة ابن شنبوذ كان يقرأ في المحراب بالشواذ فطلبه الوزير ابن مقله وأحضر القاضي والقراء وفيهم ابن مجاهد فناظروه فأغلظ للحاضرين في الخطاب ونسبهم إلى الجهل فأمر الوزير بضربه لكي يرجع فضرب سبع درر وهو يدعو على الوزير فتوبوه غضباً وكتبوا عليه محضراً وكان مما أنكر عليه‏:‏ فأمضوا إلى ذكر الله وذروا البيع وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً‏.‏

وهذا الأنموذج مما روي ولم يتواتر‏.‏وفيها توفي قتيبة شيخ الحنابلة البرنهاري ‏"‏ بالباء الموحدة والراء المكررتين ‏"‏ فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه وحبس منهم جماعة واختفى هو‏.‏

وفيها أخذ القرمطي أبو طاهر الركب العراقي وانهزم الأمير لؤلؤ وبه ضربات وقتل خلق من الوفد وسبيت الحريم وهلك محمد بن ياقوت في الحبس بعدما طلب الجند أرزاقهم وأغلظوا له وقبض الراضي بالله عليه وعظم شأن الوزير ابن مقلة وتفرد بالأمور‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد الكندي المروزي روى عن محمود ابن آدم وطائفة وهو أحد الوضاعين الكذابين مع كونه محدثاً إماماً في السنة والرد على المبتدعة‏.‏وفيها توفي نفطوية النحوي أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي صاحب التصانيف الحسان في الآداب وكان بارعاً فصيحاً في الخطاب ولا يكاد يخلو ذو فضل من أين يطعن فيه ويعاب ولهذا هجاه بعض الناس ببيتين الثاني منهما‏:‏ أحرقه الله بنصف اسمه وصير الثاني صراخاً عليه وعجز الأول‏:‏ فليجتهد أن لا يرى نفطويه وصدره كرهت ذكره فحذفته روى عن شعيب بن وفيها توفي الحافظ الجوال الفقيه أبو نعيم عبد الملك بن محمد الجرجاني سمع علي بن حرب وعمر بن شبة وطبقتهما قال الحاكم‏:‏ كان من أئمة المسلمين‏.‏

وقال أبو علي النيسابوري‏:‏ ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم كان يحفظ المرفوعات والمراسيل كما نحن نحفظ المسانيد‏.‏

عمر إحدى وثمانين سنة‏.‏

وفيها توفي أبو عبيد المحاملي القاسم بن إسماعيل أخو القاضي حسين‏.‏

 أربع وعشرين وثلاث مائة

فيها قبض على الوزير ابن مقلة وأحرقت داره وضرب وأخذ خطه بألف ألف دينار وجرت عظائم من الضرب والتعليق وغير ذلك وجرت أمور طويلة يخالف فيها أهل الدولة وبطلت الوزارة والدواوين وضعف أمر الخلافة وبقي الراضي بالله صورة‏.‏

وفيها توفي مفتي العراق أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد وكان بصيراً بالقراءة وعللها ورجالها عديم النظير‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي المعروف بجحظة ‏"‏ بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الظاء المعجمة وبعدها هاء ‏"‏ على خلاف فيه تقدم كان صاحب فنون وأخبار ونجوم ونوادر ومنادمة وقد جمع المرزباني أخباره وأشعاره وكان من ظرفاء عصره وله أشعار رائقة منها قوله‏:‏ أيا ابن أناس مول الناس جودهم فأصبحوا حديثاً للنوال المشهد فلم يخل من إحسانهم لفظ مخبر ولم يخل من تقريطهم دفن دفتر وكان مشوه الخلق وفي ذلك يقول ابن الرومي مشيراً إلى قبح صورته وحسن منادمته‏.‏

يا رحمة لمنادمته تحملوا علم العيون للذة الآذان التقريظ مدح الإنسان وهو حي والتأبين مدحه ميتاً‏.‏

وفيها توفي الفقيه الشافعي الحافظ صاحب التصانيف والرحلة الواسعة عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري سمع محمد بن يحيى الذهلي ويونس بن عبد الأعلى‏.‏

قال الحاكم‏:‏ كان إمام عصره للشافعية بالعراق ومن أحفظ الناس للفقهيات واختلاف الصحاب وقال الشيخ أبو إسحاق كان زاهداً يفتي الناس أربعين سنة لم ينم الليل يصلي الصبح بوضوء العشاء وجمع بين الفقه والحديث‏.‏

 خمس وعشرين وثلاث مائة

وفيها توفي الحافظ البارع المصنف أحمد بن أحمد بن محمد بن الحسن تلميذ مسلم‏.‏

 ست وعشرين وثلاث مائة

فيها قبض الراضي بالله على ابن مقلة وقطع يده حين أخذ يكاتب في بعض أمور السلطنة والمضاهاة لبعض أهل الدولة‏.‏ثم بعد أيام قطع ابن واثق لسانه لكونه كاتب بعض الأمراء فأقبل بجيوشه من واسط ودخل بغداد فكرمه الراضي ولقبه أمير الأمراء وولاه الحضرة وضعف عن قتاله ابن واثق‏.‏

فاختفى‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج الناسخ المصري‏.‏

وفيها توفي محمد بن القاسم المحاربي‏.‏

 سبع وعشرين وثلاث مائة

فيها توفي الحافظ العالم عبد الرحمن ابن الحافظ الجامع محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الرازي ‏"‏ بالراء ‏"‏ وقد قارب التسعين وقال أبو يعلى الخليلي‏:‏ أخذ علم أبيه وأبي زرعة وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار قال‏:‏ وكان زاهداً يعد من الأبدال‏.‏

وفيها توفي مبرمان النحوي شرح سيبويه وما أتمه وهو محمد بن علي العسكري أخذ من المبرد‏.‏