فصل: حول دمشق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح الشام (نسخة منقحة)



.حول دمشق:

قال الواقدي: حدثني مسلمة بن عوف عن سالم بن عبد الله عن حجاج الأنصاري قال قلت لجدي رفاعة بن عاصم وكان ممن قاتل بدمشق وكان في خيل أبي عبيدة فقلت: يا جداه ما منع أبا عبيدة أن ينصب له قبة من بعض قبب الروم مما أخذه من اجنادين ومن بصرى فقد كان عندهم الوف من ذلك فقال: يا بني منعهم من ذلك التواضع ولم يتنافسوا في زينة الدنيا وملكها حتى ينظر الروم إنهم لا يقاتلون طلبا للملك وإنما يقاتلون رجاء ثواب الله تعالى وطلب الاخرة ونصرة للدين ولقد كنا ننزل فننصب خيامنا وخيام الروم بالبعد قال فلما نزل أبو عبيدة على باب الجابية أمر أصحابه بالقتال ثم أن خالدا استدعى بيزيد بن أبي سفيان وقال له: يا يزيد خذ صاحبك وانزل على الباب الصغير واحفظ قومك وأن خرج إليكأحد لا يكون لك به طاقة فابعث الي حتى انجدك أن شاء الله تعالى ثم استدعى بشرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: انزل على باب توما ثم توجه بقومه واستدعى بعمرو بن العاص وأمره أن يسير إلى باب الفراديس ثم استدعي بعده بقيس بن هبيرة وقال له: اذهب بقومك إلى باب الفرج ثم نزل خالد إلى الباب الشرقي ودعا بضرار بن الأزور رضي الله عنه وضم إليه ألفي فارس وقال له: تطوف حول المدينة بعسكرك وأن دهمك أمر أو لاحت لك عيون القوم فأرسل إلينا قال ثم سار ضرار واتبعه قومه وبقي خالد على الباب الشرقي ثم قدم عبد الرحمن بن حميد من المدينة بكتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعدل إلى ناحية خالد بن الوليد على الباب الشرقي وقد تقدم للقتال طائفة من أصحابه مع رافع بن عميرة فلما رفع إليه الكتاب فرح بعد أن قرأه على المسلمين واستبشر بقدوم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وأبي سفيان بن حرب قال: وشاع الخبر.
عند جميع الناس وبعث خالد كتاب أبي بكر إلى كل باب فقرىء على الناس متأهين وبات الناس متأهبين للحرب يتحارسون إلى الصباح وضرار يطوف حولهم ولا يقف في مكان واحد مخافة أن يكبس بهم العدو.
قال الواقدي: ولقد بلغني أن أهل دمشق اجتمعوا إلى كبارهم من البلد وتشاوروا فيما بينهم فقال بعضهم ما لنا إلا الصلح ونعطي العرب جميع ما طلبوه منا وقال اخرون ما نحن بأكثر من جموع اجنادين فقال لهم بطريق من الروم: اطلبوا لنا صهر الملك توما نتشاور في هذا الأمر لنسمع ما يقول: ونطلب منه أن يكشف عنا ما نحن فيه فاما أن يصالحهم واما أن يحامي عنا قال فمضى القوم إلى توما وعليه رجال موكلون بالسلاح فقالوا: لهم ما الذي تريدون فقالوا: نريد صهر الملك توما نشاوره في هذا الأمر قال فأذنوا لهم فدخلوا عليه وقبلوا الأرض بين يديه فقال لهم: ما الذي تريدون فقالوا: أيها السيد انظر ما نزل ببلادنا وقد جاءنا ما لا طاقة لنا به فاما أن نصالح العرب على ما طلبوا واما أن نرسل إلى الملك فينجدنا أو يمانع عنا فقد أشرفنا على الهلاك فلما سمع ذلك منهم تبسم ضاحكا وقال: يا ويلكم أطمعتم العرب فيكم وحق راس الملك ما أرى القوم أهلا للقتال ولا هم خاطرون لي على بال فلو فتح لهم الباب ما جسروا أن يدخلوا فقالوا: أيها السيد أن أكبرهم وأصغرهم يقاتل العشرة والمائة وصاحبهم داهية لا تطاق فإن كان ولا بد فاخرج بنا لقتالهم فقال لهم توما: إنكم أكثر منهم ومدينتنا حصينة ولكم مثل هذا العدد والسلاح وأما القوم فهم حفاة عراة فقالوا له: أيها السيد أن معهم من عددنا واسلحتنا كثيرا مما أخذوه من واقعة فلسطين ومما أخذوه من بصرى ومن يوم لقائهم بكلوس وعزازير ومما أخذوه من أجنادين وأيضا أن نبيهم قال لهم: أن من قتل منا صار إلى الجنة فلاجل ذلك يبقون عراة الأجساد ليصلوا إلى ما قال لهم: نبيهم قال فضحك من قولهم وقال لهم: لاجل ذلك أطمعتم العرب فينا ولو صدقتم في الحرب والصدام لقتلتموهم لانكم اضعافهم مرارا.
فقالوا: أيها السيد اكفنا مؤونتهم كيف شئت واعلم إنك أن لم تمنعهم عنا فتحنا لهم الأبواب وصالحناهم فلما سمع توما كلامهم فكر طويلا وخشي أن تفعل القوم ذلك فقال أنا أصرف عنكم هؤلاء العرب واقتل اميرهم وأريد منكم أن تقاتلوا معي قالوا: نحن معك وبين يديك نقاتل حتى نهلك عن أخرنا فقال لهم: باكروا القوم بالقتال فانصرفوا عنه وهم له شاكرون ولامره منتظرون وباتوا بقية ليلتهم على الحصن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضعهم ولهم ضجة بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وخالد بن الوليد عند الدير ومعه النساء والعيال والأموال والغنائم التي غنموها من أعدائهم ورافع بن عميرة على الباب الشرقي في عسكر الزحف وغيرهم ولم يزل الناس.
في الحرس إلى أن برق الصباح وصلى كل أمير بمن معه من قومه وصلى أبو عبيدة بمن معه ثم أمر أصحابه بالزحف وقال لهم: لا تخلوا عن القتال واركبوا الخيل.
حدثني رفاعة بن قيس قال سألت والدي قيسا وكان ممن حضر فتوح دمشق الشام فقلت له: أكنتم تقاتلون في دمشق خيالة أو رجالة يوم حصار المسلمين فقال: ما كان أحد منا فارسا إلا زهاء الفي فارس مع ضرار بن الأزور وهو يطوف بهم حول العسكر وحول المدينة وكلما أتى بابا من الأبواب وقف عنده وحرض أهله على القتال وهو يقول: صبرا صبرا لاعداء الله قال: وأقبل توما صهر الملك هرقل من بابه الذي يدعى باسمه وكان عندهم عابدا راهبا ولم يكن في بلاد الشرك أعبد منه ولا أزهد في دينهم وكان معظما عند الروم فخرج ذلك اليوم من قصره والصليب الأعظم على رأسه وعلا به فوق البرج وأوقف البطارقة حوله والإنجيل تحمله ذوو المعرفة قال: ونصبوه بالقرب من الصليب ورفع القوم أصواتهم وتقدم توما ووضع يده على أسطر من الإنجيل وقال اللهم أن كنا على الحق فانصرنا ولا تسلمنا لاعدائنا واخذل الظالم منا فانك به عليم اللهم اننا نتقرب إليك بالصليب ومن صلب على دينه وأظهر الايات الربانية والأفعال اللاهوتية انصرنا على هؤلاء الظالمين قال: وأمن الناس على دعائه قال رفاعة بن قيس هكذا حدثني شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي فسر لنا هذا الكلام روماس صاحب بصرى وكان في جيش شرحبيل بن حسنة يقاتل على باب توما وكلما قال الروم شيئا بلغتهم فسره لنا قال ونهض شرحبيل وقصد الباب بحملته وقد عظم عليه قول توما اللعين وقال له: يا لعين لقد كذبت أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابأحياه متى شاء ورفعه متى شاء ثم أن روماس ناوشه بالقتال فقاتل توما قتالا شديدا وهشم الناس بالحجارة ورمى النشاب رميا متداركا فجرح رجالا وكان ممن جرح أبان بن سعيد بن العاص أصابته نشابة وكانت مسمومة فأحس بلهيب السم في بدنه فتأخر وحمله اخوانه إلى أن أتوا به إلى العسكر فأرادوا حل العمامة فقال: لا تحلوها فإن حللتم جرحي تبعتها روحي أما والله لقد رزقني الله ما كنت أتمناه قال فلم يسمعوا قوله وحلوا عمامته فلما حلوها شخص إلى السماء وصار يشير باصبعيه أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون فما استتمها حتى توفي إلى رحمة الله تعالى.

.بطولة المرأة:

وكانت زوجته بنت عمه وكان قد تزوجها باجنادين وكانت قريبة العهد من العرس ولم يكن الخصاب ذهب من يدها ولا العطر من رأسها وكانت من المترجلات البازلات من أهل بيت الشجاعة واليراعة فلما سمعت بموت بعلها أتته تتعثر في أذيالها.
إلى أن وقعت عليه فلما نظرته صبرت واحتسبت ولم يسمع منها غير قولها هنئت بما أعطيت ومضيت إلى جوار ربك الذي جمع بيننا ثم فرق ولاجهدن حتى الحق بك فاني لمتشوقة إليك حرام علي أن يمسني بعدك أحد وإني قد حبست نفسي في سبيل الله عسى أن الحق بك وأرجو أن يكون ذلك عاجلا ثم حفر له ودفن مكانه فقبره معروف وصلى عليه خالد بن الوليد فلما غيب في التراب لم تقف على قبره دون أن أتت إلى سلاحه ولحقت الجيش من غير أن تعلم خالدا بذلك وقالت: على أي باب قتل بعلي فقيل لها على باب توما والذي قتله هو صهر الملك قال فسارت إلى أصحاب شرحبيل بن حسنة فاختلطت بهم وقاتلت مع الناس قتالا لم ير مثله وكانت أرمى الناس بالنبل وكان قد جعل لها قوس وكنانة قال شرحبيل بن حسنة رايت يوم حصار دمشق رجلا على باب توما يحمل الصليب وهو أمام توما وهو يشير إليه اللهم انصر هذا الصليب ومن لاذ به اللهم اظهر له نضرته وأعل درجته قال شرحبيل بن حسنة وأنا دائما أنظر إليه إذ رمته زوجة ابان بنبلة فلم تخطىء رميتها وإذا بالصليب قد سقط من يده وهوى إلينا وكأني أنظر لمعان الجوهر من جوانبه فما فينا إلا من بادر إليه ليأخذه وقد استتر بالدرق وتزاحم بعضنا على بعض كل منا يسبق إليه ليأخذه ونظر عدو الله توما إلى ذلك من تنكس الصليب الأعظم واهوائه إلى المسلمين فعند ذلك كفر وعظم عليه الأمر وقال يبلغ الملك أن الصليب الأعظم أخذ مني وملكته العرب لا كان ذلك أبدا ثم إنه حرم وسطه وأخذ سيفه وقال من شاء منكم فليتبعني ومن شاء فليقعد فلابد لي من القوم عسى أن أشفي صدري ثم انحدر مسرعا وأمر بفتح الباب وكان هو أول مبادر فلما نظرت الروم إلى ذلك لم يكن فيهم إلا من انحدر في أثره لما يعلمون من شجاعته وخرجوا كالجراد المنتشر هذا والمسلمون محيطون بالصليب فلما خرج الروم ووقع صياحهم حذر الناس بعضهم بعضا فلما نظر المسلمون إلى الروم سلموا الصليب إلى شرحبيل بن حسنة وانفردا لاعدائهم وحملوا في أعراضهم وأخذهم النشاب والحجارة ومن كل مكان من أعلى الباب فصاح شرحبيل بن حسنة معاشر المسلمين تقهقروا إلى ورائكم لتأمنوا النشاب من أعداء الله العالين على الباب قال فتقهقر الناس إلى ورائهم إلى أن أمنوا من ضرب النشاب فاتبعهم عدو الله توما وهو يضرب يمينا وشمالا وحوله أبطال المشركين من قومه وهو يهدر كالجمل فلما نظر شرحبيل بن حسنة ذلك صرخ بقومه وقال معاشر الناس كونوا آيسين من آجالكم طالبين جنة ربكم وأرضوا خالقكم بفعلكم فإنه لا يرضى منكم بالفرار ولا أن تولوا الأدبار فاحملوا عليهم واقربوا إليهم بارك الله فيكم قال فحمل الناس حملة منكرة واختلط الناس بعضهم ببعض وعملت بينهم السيوف وتراموا بالنبل وتسامع أهل دمشق أن توما خرج إلى العرب من بابه وأن صليبه الأعظم سقط إليهم من كف حامله فجعلوا يهرعون إلى أن تزايد أمرهم وجعل عدو.
الله ينظر يمينا وشمالا وينظر الصليب فحانت منه التفاتة فنظر فرآه مع شرحبيل بن حسنة فلما نظر إليه لم يكن له صبر دون أن حمل وصاح هات الصليب لا أم لك فقد لحقتك بواثقة.
قال ونظر شرحبيل بن حسنة إلى عدو الله وهو مقبل فرمى الصليب من يده وصادمه فلما رأى عدو الله الصليب مرميا على الأرض صرخ بأصحابه صرخة هائلة ونظرت زوجة أبان ابن سعيد إلى حملة عدو الله على شرحبيل فقالت: من هذا قيل هو صهر الملك وهو قاتل بعلك أبان بن سعيد فلما سمعت ذلك منهم حملت حملة منكرة إلى أن قاربته ورمته بنبلة وكان الروم أرهبوها فلم تلتفت إليهم دون أن حققت نبلتها على صاحبها وقالت: بسم الله وبركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أطلقتها وكان عدو الله واصلا إلى شرحبيل إذ جاءته النبلة فأصابت عينه اليمنى فسكنت النبلة فيها فتقهقر إلى ورائه صارخا وهمت بأن ترميه بأخرى فتبادرت إليها الرجال واستتروا بالطوارق وتبادر إليها قوم من المسلمين يحامون عنها فلما أمنت من شر الأعداء أخذت ترمي بالنبل ثم إنها رمت علجا من الروم فأصابت صدره فسقط هاويا إلى الأرض وكان عدو الله أول من تقهقر ذلك اليوم هاربا من شدة حرارة النبلة وصرخ صرخة عظيمة إلى أن دخل الباب ونظر شرحبيل إلى ذلك فصرخ بأصحابه يا ويلكم دونكم وكلب الروم احملوا على الكلاب عسى أن تدركوا عدو الله قال فحمل الناس على الروم إلى أن أوصلوهم إلى الباب فحماهم قومهم من أعلى الباب بالحجارة والنشاب قال فتراجع الناس إلى مواضعهم وقد قتلوا من الروم مقتلة عظيمة وأخذوا أسلابهم وأموالهم وصليبهم ودخل عدو الله توما إلى المدينة وأغلقوا الأبواب وجاء الحكماء يعالجون في قلع النبلة من عينه فلم تطلع فجذبوها فلم تنجذب وهو يضج بالصراخ فلما طال على القوم ذلك ولم يجدوا حيلة في اخراجها نشروها وبقي النصل في عينه ولم تزل في مكانها وسألوه المسير إلى منزله فأبى وجلس داخل الباب إلى أن سكن ما به وخف عنه الألم فقالوا له: عد إلى منزلك بقية ليلتك فقد نكبنا في يومنا هذا نكبتين نكبة الصليب ونكبة عنيك كل هذا مما وصل إلينا من النبال وقد علمنا أن القوم لا يصطلي لهم بنار وقد سألناك أن نصالح القوم على ما طلبوه منا قال فغضب توما من قولهم وقال: يا ويلكم يؤخذ الصليب الأعظم وأصاب بعيني وأغفل عن هذا ويبلغ الملك عني ذلك فينسبني للوهن والعجز ولا بد من طلبهم على كل حال وآخذ صليبي وآخذ في عيني ألف عين منهم وسأوقع حيلة أصل بها إلى كبيرهم وآخذ جميع ما غنموه وبعد ذلك اسير إلى صاحبهم الذي هو في الحجاز وأقطع آثاره وأخرب دياره وأهدم مساكنه وأجعل بلده مسكنا للوحوش ثم أن الملعون سار إلى أعلى السور وهو معصوب العين وصار يحرض الناس لكي يزيل عن قلوبهم الرعب وأقبل يقول لهم: لا تفزعوا ولا تجزعوا مما ظهر.
لكم من العرب ولا بد للصليب أن يرميهم وأنا الضامن لكم قال فثبت القوم من قومه وحاربوا حربا شديدا وبعث شرحبيل بن حسنة إلى خالد بن الوليد يخبره بما صنع مع القوم فقال الرسول أن عدو الله توما قد ظهر لنا منه ما لم يكن في الحساب ونطلب منك رجالا لأن الحرب عندنا أكثر من كل باب فلما سمع خالد ذلك الخبر حمدالله وقال كيف أخذتم الصليب من الروم فقال الرسول كان يحمل صليب الروم رجل وهو أمام توما صهر الملك فرمته زوجة أبان بنبلة فوقع الصليب إلينا وخرج عدو الله فرمته زوجة أبان بنبلة فاشتبكت في عين توما اليمنى.
فقال خالد: أن توما عند الملك معظم وهو الذي يمنعهم عن الصلح ونرجو من الله أن يكفينا شره ثم قال للرسول عد إلى شرحبيل وقل له كن حافظا ما أمرتك به فكل فرقة مشغولة عنك ولم تؤت من قبلهم وأنا بالقرب منك وهذا ضرار بن الأزور يطوف حول المدينة وكل وقت عندك قال فرجع الرسول فأخبره بذلك فصبر وقاتل بقية يومه ووصل الخبر إلى أبي عبيدة بما نزل بشرحبيل بن حسنة من توما وبما غنم من صليبه فسر بذلك قال ولما أصبح الصباح بعث توما إلى أكابر دمشق وأبطالهم فلما حضروا بين يديه قال لهم: يا أهل دين النصراينة إنه قد طاف عليكم قوم لا أمان لهم ولا عهد لهم وقد أتوا يسكنون بلادكم فكيف صبركم على ذلك وعلى هتك الحريم وسبي الأولاد وتكون نساؤكم جواري لهم وأولادكم عبيدا لهم وما وقع الصليب إلا غضبا عليكم مما اضمرتم لهذا الدين من مصالحة المسلمين واذلالكم للصليب وأنا قد خرجت ولولا إني أصبت بعيني لما عدت حتى أفرغ منهم ولا بد من أخذ ثأري وأن اقلع ألف عين من العرب ثم لابد أن أصل إلى الصليب وأطالبهم به عن قريب فلما سمعوا كلامه قالوا له: ها نحن بين يديك وقد رضينا بما رضيت لنفسك فإن امرتنا بالخروج خرجنا معك وأن أمرتنا بالقتال قاتلنا فقال توما اعلموا أن من خاض الحروب لم يخف من شيء وإني قد عزمت على أن أهجم هذه الليلة واكبسهم في أماكنهم فإن الليل مهيب وانتم أخبر بالبلد من غيركم فلم يبق الليلة فيكم أحد حتى يتأهب للحرب ويخرج من الباب وأرجو أن لا أعود حتى تنقضي الاشغال فإذا فرغت من القوم أخذت أميرهم اسيرا وأحمله إلى الملك يأمر فيه بأمره فقالوا: حبا وكرامة فعند ذلك فرق القوم على الباب الشرقي فرقة وعلى باب الجابية فرقة وعلى كل باب جماعة وقال لهم: لا تجزعوا فإن أمير القوم متباعد عنكم وليس هناك إلا الأراذل والموالي فاطحنوهم طحن الحصيد قال ودعا بفرقة أخرى إلى باب الفراديس إلى عمرو بن العاص وخرج توما من بابه واخذ معه أبطال القوم ولم يترك بطلا يعرف بالشجاعة إلا أخذه معه ورتب على الباب ناقوسا وقال لهم: إذا سمعتم الناقوس فهي العلامة التي بيننا فافتحوا الأبواب واخرجوا مسرعين إلى اعدائكم ولا تجدوا رجالا نياما إلا وتطعون السيف فيهم فإن فعلتم ذلك فرقتم جمعهم.
في هذه الليلة وانكسروا كسرة لا يجبرون بعدها أبدا قال ففرح القوم بذلك وخرجوا إلى حيث أمرهم وقعدت كل فرقة على بابها وأقاموا ينتظرون صوت الناقوس ليبادروا إلى المسلمين قال ودعا توما برجل من الروم قال له: خذ ناقوسا واعل به على الباب فإذا رأيتنا قد فتحنا الباب فاضرب الناقوس ضربة خفيفة يسمعها قومنا وقد سار توما بقطعة من جيشه عليهم الدروع وبأيديهم السيوف وتوما في أوائلهم وبيده صفيحة هندية والقى على رأسه بيضة كسروية كان هرقل قد أهداها له وكانت لا تعمل فيها السيوف القواطع حتى وصل إلى الباب ثم وقف حتى تكامل القوم فلما نظر إليهم قال: يا قوم فتحنا لكم الباب فأسرعوا إلى عدوكم وجدوا في سعيكم إلى أن تصلوا إلى القوم فإذا وصلتم إليهم فاحملوا ومكنوا السيوف فيهم ومن صاح منهم بالأمان فلا تبقوا عليه إلا أن يكون أمير القوم ومن أبصر منكم الصليب فليأخذه فقالوا: حبا وكرامة.