فصل: فتوح السند:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.فتوح السند:

1007- أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال: ولى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن أبي العاصي الثقفي البحرين وعمان سنة خمس عشرة.
فوجه أخاه الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان فأقطع جيشا إلى تانه.
فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك.
فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف! حملت دودا على عود.
وإني أحلف بالله إلو أصيبوا لاخذت من قومك مثلهم.
ووجه الحكم أيضا إلى بروص.
ووجه أخاه المغيرة بن أبي العاصي إلى خور الديبل، فلقي العدو فظفر.
فلما ولى عثمان بن عفان رضي الله عنه وولى عبد الله بن عامر بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره.
فوجه حكيم بن جبلة العبدي.
فلما رجع أوفده إلى عثمان، فسأله عن حال البلاد فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفتها وتنحرتها.
قال: فصفها لي: قال: ماؤها وشل، وثمرها دقل، ولصها بطل، إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا.
فقال له عثمان: أخابر أم ساجع؟ قال: بل خابر. فلم يغزها أحدا.
فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدي متطوعا بإذن علي.
فظفر وأصاب مغنما وسبيا، وقسم في يوم واحد ألف رأس.
ثم إنه قتل ومن معه بأرض القيقان، إلا قليلا.
وكان مقتله في سنة اثنتين وأربعين.
والقيقان من بلاد السند مما يلي خراسان.
ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبي صفرة في أيام معاوية سنة أربع وأربعين.
فأتى بنة وألاهو، وهما بين الملتان وكابل.
فلقيه العدو فقاتله ومن معه.
ولقي المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسا من الترك على خيل محذوفة، فقاتلوه فقتلوا جميعا، فقال المهلب: ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا؟ فحذف الخيل فكان أول من حذفها من المسلمين.
وفى بنة يقول الأزدي:
ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا ** ببنة كانوا خير جيش المهلب

ثم ولى عبد الله بن عامر في زمن معاوية بن أبي سفيان عبد الله بن سوار العبدي.
ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند.
فغزا القيقان فأصاب مغنما.
ثم وفد إلى معاوية وأهدى إليه خيلا قيقانية، وأقام عنده، ثم رجع إلى القيقان فاستجاشوا الترك.
فقتلوه، وفيه يقول الشاعر:
وابن سوار على علاته ** موقد النار وقتال السغب

وكان سخيا لم يوقد أحد نارا غير ناره في عسكره.
فرأى ذات ليلة نارا فقال: ما هذه؟ فقالوا: امرأة نفساء يعمل لها خبيص.
فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثا.
وولى زياد بن أبي سفيان في أيام معاوية سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي.
وكان فاضلا متألها.
وهو أول من أحلف الجند بالطلاق.
فأتى الثغر، ففتح مكران عنوة ومصرها، وأقام بها، وضبط البلاد.
وفيه يقول الشاعر:
رأيت هذيلا أحدثت في يمينها ** طلاق نساء ما تسوق لها مهرا

لهان على حلفة ابن محبق ** إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا

وقال ابن الكلبي: كان الذي فتح مكران حكيم بن جبلة العبدي.
ثم استعمل زياد على الثغر راشد بن عمرو الجديدى من الأزد.
فأتى مكران، ثم غزا القيقان فظفر، ثم غزا الميد فقتل.
وقام بأمر الناس سنان ابن سلمة.
فولاه زياد الثغر. فأقام به سنتين.
وقال أعشى همدان في مكران:
وأنت تسير إلى مكران ** فقد شحط الورد والمصدر

ولم تك من حاجتى مكران ** ولا الغزو فيها ولا المتجر

وحدثت عنها ولم آتها ** فما زلت من ذكرها أوجر

بأن الكثير بها جائع ** وأن القليل بها معور

وغزا عباد بن زياد ثغر الهند من سجستان.
فأتى سناروذ.
ثم أخذ على حوى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهندمند.
فنزل كش، وقطع المفازة حتى أتى القندهار، فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم، وفتحها بعد أن أصيب رجال من المسلمين.
ورأى قلانس أهلها طوالا.
فعمل عليها. فسميت العبادية.
وقال ابن مفرغ:
كم بالجروم وأرض الهند من قدم ** ومن سرابيل قتلى لا هم قبروا

بقندهار ومن تكتب منيته ** بقندهار يرجم دونه الخبر

ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدي، ويكنى أبي الأشعث، ثغر الهند.
فغزا البوقان والقيقان. فظفر المسلمون وغنموا. وبث السرايا في بلادهم، وفتح قصدار وسبابها. وكان سنان قد فتحها إلا أن أهلها انتقضوا. وبها مات.
فقال الشاعر:
حل بقصدار فأضحى بها ** في القبر لم يقفل مع القافلين

لله قصدار واعنابها ** أي فتى دنيا أجنت ودين

ثم ولى عبيد الله بن زياد بن حرى الباهلي.
ففتح الله تلك البلاد على يده.
وقاتل بها قتالا شديدا فظفر وغنم.
وقال قوم إن عبيد الله بن زياد ولى سنان بن سلمة.
وكان حرى على سراياه.
وفى حرى بن حرى يقول الشاعر:
لولا طعانى بالبوقان ما رجعت ** منه سرايا ابن حرى بأسلاب

وأهل البوقان اليوم مسلمون.
وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكى بها مدينة سماها البيضاء، وذلك في خلافة المعتصم بالله.
ولما ولى الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي العراق ولى سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر.
فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان، فقتل.
وغلب العلافيان على الثغر.
واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
وهو أبو جرم.
فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر.
فغزا مجاعة فغنم، وفتح طوائف قندابيل.
ثم أتم فتحها محمد بن القاسم.
ومات مجاعة بعد سنة بمكران.
قال الشاعر:
ما من مشاهدك التي شاهدتها ** إلا يزينك ذكرها مجاعا

ثم استعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري.
فأهدى إلى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات أباؤهن، وكانوا تجارا.
فأراد التقرب بهن، فعرض للسفينة التي كن فيها قوم من ميد الديبل في بوارج.
فأخذوا السفينة بما فيها.
فنادت امرأة منهن، وكانت من بنى يربوع، يا حجاج! وبلغ الحجاج ذلك.
فقال: يا لبيك! فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة.
فقال: إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم.
فأغزى الحجاج عبيد الله بن نبهان الديبل، فقتل.
فكتب إلى بديل بن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الدبيل.
فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو فقتلوه.
وقال بعضهم: قتله زط البدهة.
قال: وإنما سميت هذه الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها.
ثم ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل في أيام الوليد بن عبد الملك.
فغزا السند.
وكان محمد بفارس، وقد أمره أن يسير إلى الرى، وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي.
فرده إليه وعقد له على ثغر السند، وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام، وخلقا من غيرهم، وجهزه بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والمسال، وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما أعدله.
وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل.
فقال: إذا صرتم إلى السند فإن الخل بها ضيق، فأنقعوا هذا القطن في الماء ثم اطبخوا به واصطبغوا.
ويقال إن محمدا لما صار إلى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم.
فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل.
فسار محمد بن القسم إلى مكران فأقام بها أياما، ثم أت قنزبور ففتحها، ثم أتى أرمائيل ففتحها.
وكان محمد بن هارون بن ذراع قد لقيه، فانضم إليه وسار معه، فتوفي بالقرب منها، فدفن بقنبل.
ثم سار محمد بن القاسم من أرمائيل ومعه جهم بن زحر الجعفي فقدم الديبل يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة.
فخندق حين نزل الديبل، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الإعلام، وأنزل الناس على راياتهم، ونصب منجنيقا تعرف بالعروس كان يمد فيها خمسمائة رجل.
وكان بالديبل بد عظيم عليه دقل طويل، وعلى الدقل راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة. وكانت تدور.
والبد فيما ذكروا منارة عظيمة يتخذ في بناء هلم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها.
وقد يكون الصنم في داخل المنارة أيضا.
وكل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد. والصنم بد أيضا.
وكانت كتب الحجاج ترد على محمد، وكتب محمد ترد عليه بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام.
فورد على محمد من الحجاج كتاب ان انصب العروس واقصر منها قائمة، ولتكن مما يلي المشرق، ثم ادع صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الذي وصفت لي.
فرمى الدقل فكسر فاشتدت طيرة الكفر من ذلك.
ثم إن محمدا ناهضهم وقد خرجوا إليه، فهزمهم حتى ردهم، وأمر بالسلاليم فوضعت، وصعد عليها الرجال.
وكان أولهم صعودا رجل من مراد من أهل الكوفة. ففتحت عنوة.
ومكث محمد يقتل من فيها ثلاثة أبام، وهرب عامل داهر عنها، وقتل سادنا بيت آلهتهم.
واختط محمد للمسلمين بها وبنى مسجدا وأنزلها أربعة آلاف.
1008- قال احمد بن يحيى: فحدثني منصور بن حاتم النحوي مولى آل خالد بن أسيد أنه رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسورا، وأن عنبسة ابن إسحاق الضبي العامل كان على السند في خلافة المعتصم بالله رحمه الله هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجنا، وابتدأ في مرمة المدينة بما نقض من حجارة تلك المنارة. فعزل قبل استتمام ذلك. وولى بعده هارون بن أبي خالد المروروذى فقتل بها.
1009- قالوا: وأني محمد بن القاسم البيرون.
وكان أهلها بعثوا سمنيين منهم إلى الحجاج فصالحوه. فأقاموا لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم، ووفوا بالصلح. وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها، حتى عبر نهرا دون مهران. فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عن من خلفهم، ووظف عليهم الخراج، وسار إلى سهبان ففتحها. ثم سار إلى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك داهر واستعد لمحاربته.
وبعث محمد بن القاسم محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي إلى سدوسان في خيل وحمارات، فطلب أهلها الأمان والصلح، وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ منهم رهنا، وانصرف إلى محمد ومعه من الزط أربعة آلاف، فصاروا مع محمد. وولى سدوسان رجلا.
ثم إن محمدا احتال لعبور مهران حتى عبره مما يلي بلاد راسل ملك قصة من الهند، على جسر عقده. وداهر مستخف به لاه عنه.
ولقيه محمد والمسلمون وهو على فيل وحوله الفيلة وممه التكاكرة. فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله، وترجل داهر وقاتل، فقتل عند المساء، وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا.
وكان الذي قتله في رواية المدائني رجلا من بنى كلاب وقال:
الخيل تشهد يوم داهر والقنا ** ومحمد بن القاسم بن محمد

أنى فرجت الجمع غير معرد ** حتى علوت عظيمهم بمهند

فتركته تحت العجاج مجدلا ** متعفر الخدين غير مؤسد

1010- فحدثني منصور بن حاتم قال: داهر والذي قتله مصوران ببروص.
وبديل بن طهفة مصور بقند، وقبره بالديبل.
1011- وحدثني علي بن محمد المدائني، عن أبي محمد الهندي، عن أبي الفرج قال: لما قتل داهر غلب محمد بن القاسم على بلاد السند.
وقال ابن الكلبي: كان الذي قتل داهر القاسم بن ثعلبة بن عبد الله بن حصن الطائى.
1012- قالوا: وفتح محمد بن القاسم راور عنوة.
وكانت بها امرأة لداهر، فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها.
ثم أتى محمد بن القاسم برهمناباذ العتيقة، وهي على رأس فرسخين من المنصورة، ولم تكن المنصورة يومئذ، إنما كان موضعها غيضة.
وكان فل داهر ببرهمناباذ هذه فقاتلوه، ففتحها محمد عنوة، وقتل بها ثمانية آلاف، وقبل ستة وعشرين ألفا وخلف فيها عامله وهي اليوم خراب.
وسار محمد يريد الرور وبغرور، فتلقاه أهل ساوندري فسألوه الأمان، إياه، واشترط عليهم ضيافة المسلمين ودلالتهم، وأهل ساوندري اليوم مسلمون.
ثم تقدم إلى بسمد، فصالح أهلها على مثل صلح ساوندري.
وانتهى محمد إلى الرور، وهي من مدائن السند، وهي على جبل.
فحصرهم أشهرا ففتحها صلحا، على أن لا يقتلهم، ولا يعرض لبدهم وقال: ما البد الا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس.
ووضع عليهم الخراج بالرور. وبنى مسجدا.
وسار محمد إلى السكة، وهي مدينة دون بياس ففتحها.
والسكة اليوم خراب.
ثم قطع نهر بياس إلى الملتان.
فقاتله أهل الملتان، فأبلى زائدة بن عمير الطائي، وانهزم المشركون فدخلوا المدينة، وحصرهم محمد، ونفدت أزواد المسلمين، فأكلوا الحمر.
ثم أتاهم رجل مستأمن فدلهم على مدخل الماء الذي منه شربهم، وهو ماء يجرى من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في المدينة، وهم يسمونه البلاح.
فغوره، فلما عطشوا نزلوا على الحكم، فقتل محمد المقاتلة، وسبى الذرية، وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف. وأصابوا ذهبا كثيرا.
فجمعت تلك الأموال في بيت يكون عشرة أذرع في ثمانى أذرع يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة في سطحه.
فسميت الملتان فرج بيت الذهب.
والفرج الثغر.
وكان بد الملتان بدا تهدى إليه الأموال وتنذر له النذور، ويحج إليه السند فيطوفون به ويحلقون رؤسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أن صنما فيه هو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم.
1013- قالوا: ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف، ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف.
فقال: شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر.
ومات الحجاج فأتت محمدا وفاته، فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور، وكان قد فتحها فأعطى الناس، ووجه إلى البيلمان جيشا فلم يقاتلوا، وأعطوا الطاعة.
وسالمه أهل سرست، وهي مغزى أهل البصرة اليوم، وأهلها الميد الذي يقطعون في البحر.
ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله، فانهزم العدو، وهرب دوهر، ويقال قتل.
ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى.
قال الشاعر:
نحن قتلنا داهرا ودوهرا ** والخيل تردى منسرا فمنسرا

ومات الوليد بن عبد الملك وولى سليمان بن عبد الملك.
فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق، وولى يزيد بن أبي كبشة السكسكى السند فحمل محمد بن القاسم مقيدا مع معاوية بن المهلب.
فقال محمد متمثلا:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ** ليوم كريهة وسداد ثغر

فبكى أهل الهند على محمد، وصوروه بالكيرج.
فحبسه صالح بواسط فقال:
فلئن ثويت بواسط وبأرضها ** رهن الحديد مكبلا مغلولا

فلرب فتية فارس قد رعتها ** ولرب قرن قد تركت قتيلا

وقال:
لو كنت أجمعت القرار لوطئت ** إناث أعدت للوغى وذكور

وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ** ولا كان من عك على أمير

ولا كنت للعبد المزونى تابعا ** فيا لك دهر بالكرام عثور

فعذبه صالح في رجال من آل أبى عقيل حتى قتله.
وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح، وكان يرى رأى الخوارج.
وقال حمزة بن بيض الحنفي:
إن المروة والسماحة والندى ** لمحمد بن القاسم بن محمد

ساس الجيوش لسبع عشرة حجة ** يا قرب ذلك سؤددا

من مولد وقال آخر:
ساس الرجال لسبع عشرة حجة ** ولداته عن ذاك في أشغال

ومات يزيد بن أبي كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوما.
واستعمل سليمان بن عبد الملك حبيب بن المهلب على حرب السند.
فقدمها وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم.
فرجع حليشه (كذا) بن داهر إلى برهمناباذ.
ونزل حبيب على شاطئ مهران، فأعطاه أهل الرور الطاعة.
وحارب قوما فظفر بهم.
ثم مات سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز بعده.
فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة، على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشه والملوك، وتسموا بأسماء العرب.
وكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند فظفر.
وهرب بنو المهلب إلى السند في أيام يزيد بن عبد الملك.
فوجه إليهم هلال بن أحوز التميمي، فلقيهم، فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل.
وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومروان ومعاوية بنى المهلب، وقتل معاوية بن يزيد في آخرين.
وولى الجنيد بن عبد الرحمن المري من قبل عمر بن هبيرة الفزاري ثغر السند ثم ولاه إياه هشام بن عبد الملك.
فلما قدم خالد بن عبد الله القسرى العراق كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته.
فأتى الجنيد الديبل، ثم نزل شط مهران، فمنعه حليشه العبور، وأرسل إليه: إني قد أسلمت وولانى الرجل الصالح بلادي، ولست آمنك.
فأعطاه رهنا وأخذ منه رهنا بما على بلاده من الخراج.
ثم انهما ترادا الرهن وكفر حليشه وحارب.
وقيل إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه.
فأتى الهند فجع جموعا وأخذ السفن واستعد للحرب.
فسار إليه الجنيد في السفن، فالتقوا في بطيحة الشرقي، فأخذ حليشه أسيرا وقد جنحت سفينته. فقتله.
وهرب صصه بن داهر وهو يريد أن يمضى إلى العراق فيشكو غدر الجنيد، فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله.
وغزا الجنيد الكيرج، وكانوا قد نقضوا.
فاتخذ كباشا نطاحة فصك بها حائط المدينة حتى ثلمه، ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم. ووجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص.
وكان الجنيد يقول: القتل في الجزع أكبر منه في الصبر.
ووجه الجنيد جيشا إلى أزين.
ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض المالية.
فأغاروا على أزين، وغزوا بهرمد فحرقوا ربضها.
وفتح الجنيد البيلمان والجزر، وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها.
قال جرير:
أصبح زوار الجنيد وصحبه ** يحيون صلت الوجه جما مواهبه

وقال أبو الجويرية:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ** قوم بإحسانهم أو مجدهم قعدوا

محسدون على ما كان من كرم ** لا ينزع الله منهم ماله حسدوا

ثم ولى بعد الجنيد تميم بن زيد العتبى.
فضعف ووهن، ومات قريبا من الديبل بماء يقال له ماء الجواميس.
وإنما سمى ماء الجواميس لأنه يهرب بها إليه من ذباب زرق تكون بشاطئ مهران.
وكان تميم من أسخياء العرب.
وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف ألف درهم طاطرية، فأسرع فيها.
وكان قد شخص معه في الجند فتى من بنى يربوع يقال له خنيس، وأمه من طيئ إلى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في إقفاله، وعاذت بقبر غالب أبيه.
فكتب الفرزدق إلى تميم:
أتتنى فعاذت يا تميم بغالب ** وبالحفرة السافى عليها ترابها

فهب لي خنيسا واتخذ فيه منة ** لحوبة أم ما يسوغ شرابها

تميم بن زيد لا تكونن حاجتى ** بظهر ولا يجفى عليك جوابها

فلا تكثر الترداد فيها فإننى ** ملول لحاجات بطى طلابها

فلم يدر ما اسم الفتى أهو حبيش أم خنيس، فأمر أن يقفل كل من كان اسمه على مثل هذه الحروف.
وفى أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد الهند ورفضوا مراكزهم فلم يعودوا إليها إلى هذه الغاية.
ثم ولى الحكم بن عوانة الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة.
فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه، فبنى من وراء البحيرة مما يلي الهند مدينة سماها المحفوظة، وجعلها مأوى لهم ومعاذا، ومصرها.
وقال لمشايخ كلب من أهل الشام: ما ترون أن نسميها؟ فقال بعضهم: دمشق.
وقال بعضهم: حمص.
وقال رجل منهم: سمها تدمر فقال: دمر الله عليك يا أحمق! ولكني أسميها المحفوظة.
ونزلها.
وكان عمرو بن محمد بن القاسم مع الحكم، وكان يفوض إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله.
فأغزاه من المحفوظة.
فلما قدم عليه وقد ظفر، أمره فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة، فهى التي ينزلها العمال اليوم.
وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما غلبوا عليه، ورضي الناس بولايته.
وكان خالد يقول: واعجبا! وليت فتى العرب فرفض. يعنى تميما. ووليت أبخل الناس فرضي به. ثم قتل الحكم بها.
ثم كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم، ويفتحون الناحية قد نكث أهلها.
فلما كان أول الدولة المباركة ولى أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلسا العبدي ثغر السند، وأخذ على طخارستان، وسار حتى صار إلى منصور بن جمهور الكلبي وهو بالسند.
فلقيه منصور فقتله وهزم جنده.
فلما بلغ أبا مسلم ذلك عقد لموسى بن كعب التميمي ثم وجهه إلى السند، فلما قدمها كان بينه وبين منصور بن جمهور مهران، ثم التقيا فهزم منصورا وجيشه، وقتل منظورا أخاه، وخرج منصور مفلولا هاربا حتى ورد الرمل فمات عطشا.
وولى موسى السند فرم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح.
وولى أمير المؤمنين المنصور رحمه الله هشام بن عمرو التغلبي السند ففتح ما استغلق.
ووجه عمرو ابن جمل في بوارج إلى نارند.
ووجه إلى ناحية الهند، فافتتح قشمير، وأصاب سبايا ورقيقا كثيرا.
وفتح الملتان. وكان بقندابيل متغلبة من العرب فأجلاهم عنها. وأتى القندهار في السفن ففتحها. وهدم البد وبنى موضعه مسجدا. فأخصبت البلاد في ولايته، فتبركوا به. ودوخ الثغر وأحكم أموره.
ثم ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزارمرد، ثم داود بن يزيد بن حاتم، وكان معه أبو الصمة المتغلب اليوم وهو مولى لكندة.
ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيما حتى وليه بشر بن داود في خلافة المأمون، فعصى وخالف.
فوجه إليه غسان بن عباد، وهو رجل من أهل سواد الكوفة، فخرج بشر إليه في الأمان وورد به مدينة السلام.
وخلف غسان على الثغر موسى بن يحيى بن خالد بن برمك.
فقتل باله ملك الشرقي، وقد بذل له خمسمائة ألف درهم على أن يستبقيه.
وكان باله هذا التوى على غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره من الملوك فأبى ذلك.
وأثر موسى أثرا حسنا.
ومات سنة إحدى وعشرين، واستخلف ابنه عمران ابن موسى.
فكتب إليه أمير المؤمنين المعتصم بالله بولاية الثغر.
فخرج إلى القيقان، وهم زظ. فقاتلهم فغلبهم، وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند.
ثم أتى المنصورة وصار منها إلى قندابيل، وهي مدينة على جبل، وفيها متغلب يقال له محمد بن الخليل. فقاتله وفتحها، وحمل رؤساءها إلى قصدار.
ثم غزا الميد، وقتل منهم ثلاثة آلاف، وسكر سكرا يعرف بسكر الميد. وعسكر عمران على نهر الرور، ثم نادى بالزط الذين بحضرته فأتوه، فختم أيديهم وأخذ الجزية منهم وأمرهم بأن يكون مع كل رجل منهم إذا اعترض عليه كلب، فبلغ الكلب خمسين درهما.
ثم غزا الميد ومعه وجوه الزط، فحفر من البحر نهرا أجراه في بطيحتهم حتى ملح ماؤهم، وشن الغارات عليهم.
ثم وقعت العصبية بين النزارية واليمانية، فمال عمران إلى اليمانية.
فسار إليه عمر بن عبد العزيز الهبارى فقتله وهو غار. وكان جد عمر هذا ممن قدم السند مع الحكم بن عوانة الكلبي.
1014- وحدثني منصور بن حاتم قال: كان الفضل بن ماهان مولى بني سامة فتح سندان وغلب عليها.
وبعث إلى المأمون رحمه الله بفيل وكاتبه.
ودعا له في مسجد جامع اتخذه بها.
فلما مات قام محمد بن الفضل بن ماهان مقامه.
فسار في سبعين بارجة إلى ميد الهند، فقتل منهم خلقا، وافتتح فالى.
ورجع إلى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان بن الفضل، وكاتب أمير المؤمنين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجا لم ير مثله عظما وطولا.
وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عليه فقتلوه وصلبوه.
ثم إن الهند بعد، غلبوا على سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون للخليفة.
1015- وحدثني أبو بكر مولى الكريزيين أن بلدا يدعى العسيفان، بين قشمير والملتان وكابل، كان له ملك عاقل.
وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنما قد بنى عليه بيت وأبدوه.
فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت فقال لهم: ادعوا الصنم أن يبرئ ابني.
فغابوا عنه ساعة، ثم أتوه فقالوا: قد دعوناه وقد أجابنا إلى ما سألناه.
فلم يلبث الغلام أن مات.
فوثب الملك على البيت فهدمه، وعلى الصنم فكسره، وعلى السندنة فقتلهم.
ثم دعا قوما من تجار المسلمين فعرضوا عليه التوحيد.
فوحد وأسلم.
وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله.