فصل: أمر الأساورة والزط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.أمر الأساورة والزط:

927- حدثني جماعة من أهل العلم قالوا: كان سياه الأسواري على مقدمة يزدجرد.
ثم إنه بعث به إلى الأهواز فنزل الكلبانية، وأبو موسى الأشعري محاصر السوس.
فلما رأى ظهور الإسلام وعز أهله وأن السوس قد فتحت، والامداد متتابعة إلى أبي موسى، أرسل إليه: إنا قد أحببنا الدخول معكم في دينكم، على أن نقاتل عدومكم من العجم معكم، وعلى أنه إن وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه إن قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا من البلدان ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الذي بعثكم.
فقال أبو موسى: بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا.
قالوا: لا نرضى.
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر.
فكتب إليه عمر: أن أعطهم جميع ما سألوا.
فخرجوا حتى لحقوا بالمسلمين.
وشهدوا مع أبى موسى حصار تستر، فلم يظهر منهم نكاية.
فقال لسياه: يا عون! ما أنت وأصحابك كما كنا نظن.
فقال له: أخبرك أنه ليست بصائرنا كبصائركم، ولا لنا فيكم حرم نخاف عليها ونقاتل، وإنما دخلنا في هذا الدين في بدء أمرنا تعوذا وإن كان الله رزق خيرا كثيرا.
ثم فرض لهم في شرف العطاء.
فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الاحياء أقرب نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقيل: بنو تميم.
وكانوا على أن يحالفوا الأزد، فتركوهم وحالفوا بني تميم.
ثم خطت لهم خططهم فنزلوا، وحفروا نهرهم، وهو يعرف بنهر الأساورة.
ويقال إن عبد الله بن عامر حفره.
928- وقال أبو الحسن المدائني: أراد شيرويه الأسواري أن ينزل في بكر بن وائل مع خالد بن المعمر وبني سدوس، فأبى سياه ذلك.
فنزلوا في بني تميم.
ولم يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عبد شمس.
قال: فانضم إلى الأساورة السيابجة، وكانوا قبل الإسلام بالسواحل، وكذلك الزط، وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلا.
فلما اجتمعت الأساورة والزط والسيابجة تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم.
فصارت الأساورة في بني سعد، والزط والسيابجة في بني حنظلة.
فأقاموا معهم يقاتلون المشركين، وخرجوا مع ابن عامر إلى خراسان، ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين، ولا شيئا من حروبهم، حتى كان يوم مسعود.
ثم شهدوا بعد يوم مسعود الربذة، وشهدوا أمر ابن الأشعث معه.
فأضر بهم الحجاج فهدم دورهم، وحط أعطياتهم، وأجلى بعضهم.
وقال: كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا على بعض.
وقد روى أن الأساورة لما انحازوا إلى الكلبانية وجه أبو موسى إليهم الربيع بن زياد الحارثي فقاتلهم.
ثم إنهم استأمنوا على أن يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاؤا وينزلوا بحيث أحبوا.
929- قالوا: وانحاز إلى هؤلاء الأساورة قوم من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له، فلحقوا بهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها في النواحي، فصاروا معهم ودخلوا في الإسلام.
930- وقال المدائني: لما توجه يزدجرد إلى إصبهان دعا سياه فوجهه إلى اصطخر في ثلاثمائة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم، وأمره أن ينتخب من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته.
ثم اتبعه يزدجرد.
فلما صار باصطخر وجهه إلى السوس، وأبو موسى محاصر لها.
ووجه الهرمزان إلى تستر.
فنزل سياه الكلبانية.
وبلغ أهل السوس أمر يزدجرد وهربه فسألوا أبا موسى الصلح، فصالحهم.
فلم يزل سياه مقيما بالكلبانية حتى سار أبو موسى إلى تستر، فتحول سياه فنزل بين رامهرمز وتستر، حتى قدم عمار.
فجمع سياه الرؤساء الذين خرجوا معه من إصبهان فقال: قد علمتم بما كنا نتحدث به من أن هؤلاء القوم سيغلبون على هذه المملكة، ويروث دوابهم في إيوان اصطخر.
وأمرهم في الظهور على ما ترون.
فانظروا لأنفسكم وادخلوا في دينهم.
فأجابوه إلى ذلك.
فوجه شيرويه في عشرة إلى أبي موسى، فأخذوا ميثاقا على ما وصفنا من الشرط وأسلموا.
931- وحدثني غير المدائني، عن عوانة قال: حالفت الأساور الأزد.
ثم سألوا عن أقرب الحيين من الأزد وبني تميم نسبا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء، وأقربهم مددا.
فقيل: بنو تميم. فحالفوهم.
وسيد بني تميم يومئذ الأحنف بن قيس.
وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة من الأساورة، فقتلوا خلقا بعدتهم من النشاب ولم يخطئ لاحد منهم رمية.
أما السيابجة والزط والاندغار فإنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند.
ومن كان سبيا من أولى الغزاة.
فلما سمعوا بما كان من أمر الأساورة أسلموا وأتوا أبا موسى، فأنزلهم البصرة كما أنزل الأساورة.
932- وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني يعقوب بن الحضرمي، عن سلام قال: أتي الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها من الأمم، معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم، فأسكنهم بأسافل كسكر.
قال روح: فغلبوا على البطيحة وتناسلوا بها.
ثم إنه ضوى إليهم قوم من أباق العبيد، وموالى باهلة، وخولة محمد بن سليمان بن علي، وغيرهم فشجعوهم على قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية.
وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن يسألوا الشيء الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفينة، فيتناولوا منها ما أمكنهم اختلاسه.
وكان الناس في بعض أيام المأمون قد تحاموا الاجتياز بهم، وانقطع عن بغداذ جميع ما كان يحمل إليها من البصرة في السفن.
فلما استخلف المعتصم بالله تجرد لهم، وولى محاربتهم رجلا من أهل خراسان يقال له عجيف بن عنبسة، وضم إليه من القواد والجند خلقا، ولم يمنعه شيئا طلبه من الأموال، فرتب بين البطائح ومدينة السلام خيلا مضمرة مهلوبة الاذناب.
وكانت أخبار الزط تأتيه بمدينة السلام في ساعات من النهار، أو أول الليل.
وأمر عجيفا فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حتى أخذوا، فلم يشذ منهم أحد.
وقدم بهم إلى مدينة السلام في الزواريق، فجعل بعضهم بخانقين، وفرق سائرهم في عين زربة والثغور.
933- قالوا: وكانت جماعة من السيابجة موكلين ببيت مال البصرة، يقال إنهم أربعون، ويقال أربعمائة.
فلما قدم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام البصرة، وعليها من قبل علي بن أبي طالب عثمان بن حنيف الأنصاري، أبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم علي رضي الله عنه. فأتوهم في السحر فقتلوهم.
وكان عبد الله بن الزبير المتولي لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه.
وكان على السيابحة يومئذ أبو سالمة الزطى، وكان رجلا صالحا.
وقد كان معاوية نقل من الزط والسيابجة القدماء إلى سواحل الشام وأنطاكية بشرا.
وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل قوما من الزط إلى أنطاكية وناحيتها.
934- قالوا: وكان عبيد الله بن زياد سبى خلقا من أهل بخارى.
ويقال بل نزلوا على حكمه، ويقال بل دعاهم إلى الأمان والفريضة فنزلوا على ذلك ورغبوا فيه. فأسكنهم البصرة.
فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا منهم إليها.
فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خالد الشاطر المعروف بابن مارقلى.
قال: والاندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان.

.كور الأهواز:

935- قالوا: غزا المغيرة بن شعبة سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بن غزوان من البصرة في آخر سنة خمس عشرة أو أول سنة ست عشرة.
فقاتله البيرواز دهقانها، ثم صالحه على مال.
ثم إنه نكث، فغزاها أبو موسى الأشعري حين ولاه عمر بن الخطاب البصرة بعد المغيرة.
فافتتح سوق الأهواز عنوة، وفتح نهر تيرى عنوة، وولى ذلك بنفسه فس سنة سبع عشرة.
936- وقال أبو مخنف والواقدى في روايتهما: قدم أبو موسى البصرة فاستكتب زيادا، وأتبعه عمر بن الخطاب بعمران بن الحصين الخزاعى وصيره على تعليم الناس الفقه والقرآن وخلافة أبى موسى إذا شخص عن البصرة.
فسار أبو موسى إلى الأهواز، فلم يزل يفتح رستاقا رستاقا، ونهرا نهرا، والأعاجم تهرب من بين يديه، فغلب على جميع أرضها إلا السوس وتستر ومناذر ورامهرمز.
937- وحدثني الوليد بن صالح قال: حدثني مرحوم العطار، عن أبيه، عن شويس العدوي قال: أتينا الأهواز وبها ناس من الزط والأساورة فقاتلناهم قتالا شديدا، فظهرنا عليهم وظفرنا بهم، فأصبنا سبيا كثيرا اقتسمناهم.
فكتب إلينا عمر: إنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلوا ما في أيديكم من السبي، واجعلوا عليهم الخراج.
فرددنا السبي ولم نملكهم.
938- قالوا: وسار أبو موسى إلى مناذر فحاصر أهلها، فاشتد قتالهم.
فكان المهاجر بن زياد الحارثي أخو الربيع بن زياد بن الديان في الجيش.
فأراد أن يشري نفسه، وكان صائما، فقال الربيع لأبي موسى: إن المهاجر عزم على أن يشري نفسه وهو صائم.
فقال أبو موسى: عزمت على كل صائم أن يفطر أو لا يخرج إلى القتال.
فشرب المهاجر شربة ماء وقال: قد أبررت عزمة أميري! والله ما شربتها من عطش.
ثم راح السلاج فقاتل حتى استشهد، وأخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه على قصرهم بين شرفتين.
وله يقول القائل:
وفى مناذر لما جاش جمعهم ** راح المهاجر في حل بأجمال

والبيت بيت بنى الديان نعرفه ** في آل مذحج مثل الجوهر الغالى

واستخلف أبو موسى الأشعري الربيع بن زياد على مناذر وسار إلى السوس، ففتح الربيع مناذر عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية وصارت مناذر الكبرى والصغرى في أيدي المسلمين، فولاهما أبو موسى عاصم بن قيس بن الصلت السلمي.
وولى سوق الأهواز سمرة بن جندب الفزاري حليف الأنصار.
وقال قوم: إن عمر كتب إلى أبي موسى وهو محاصر مناذر يأمره أن يخلف عليها ويسير إلى السوس، فخلف الربيع بن زياد.
939- حدثني سعدويه قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة قال: حاصرنا مناذر فأصبنا سبيا فكتب عمر: إن مناذر كقرية من قرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم.
940- قالوا: وسار أبو موسى إلى السوس فقاتل أهلها، ثم حاصرهم حتى نفد ما عندهم من الطعام، فضرعوا إلى الأمان.
وسأل مرزبانهم أن يؤمن ثمانون منهم على أن يفتح باب المدينة ويسلمها.
فسمى الثمانين، وأخرج نفسه منهم.
فأمر به أبو موسى فضربت عنقه، ولم يعرض للثمانين، وقتل من سواهم من المقاتلة، وأخذ الأموال وسبى الذرية.
ورأى أبو موسى في قلعتهم بيتا وعليه ستر، فسأل عنه فقيل: إن فيه جثة دانيال النبي، عليه السلام، وعلى أنبياء الله ورسله، فإنهم كانوا أقحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا.
وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به بابل، فقبض بها.
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر.
فكتب إليه عمر: أن كفنه وادفنه.
فسكر أبو موسى نهرا حتى إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه.
941- حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن حميد الطويل، عن حبيب، عن خالد بن زيد المزني، وكانت عينه أصيبت بالسوس قال: حاصرنا مدينتها وأميرنا أبو موسى، فلقينا جهدا.
ثم صالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ويؤمن له مائة من أهله، ففعل وأخذ عهد أبى موسى.
فقال له: اعزلهم.
فجعل يعزلهم، وأبو موسى يقول لأصحابه: إني لأرجو أن يغلبه الله على نفسه.
فعزل المائة وبقى عدو الله. فأمر به أبو موسى أن يقتل.
فنادى: رويدك أعطيك مالا كثيرا! فأبى وضرب عنقه:
942- قالوا: وهادن أبو موسى أهل رامهرمز، ثم انقضت هدنتهم فوجه إليهم أبا مريم الحنفي فصالحهم على ثمانمائة ألف درهم.
942- حدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني يعقوب، عن أبي عاصم الرامهرمزى، وكان قد بلغ المائة أو قاربها قال: صالح أبو موسى أهل رامهرمز على ثمانمائة ألف أو تسعمائة ألف.
ثم إنهم غدروا، ففتحت بعد عنوة، فتحها أبو موسى في آخر أيامه.
943- قالوا: وفتح أبو موسى سرق على مثل صلح رامهرمز.
ثم إنهم غدروا، فوجه إليها حارثة بن بدر الغدانى في جيش كثيف فلم يفتحها.
فلما قدم عبد الله بن عامر فتحها عنوة.
وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك.
وفيه يقول أبو الأسود الدؤلي.
أحار بن بدر قد وليت أمارة ** فكن جرذا فيها تخون وتسرق

فإن جميع الناس إما مكذب ** يقول بما تهوى وإما مصدق

يقولون أقوالا بظن وشبهة ** فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا

ولا تعجزن فالعجز أسوأ عادة ** فحظك من مال العراقين سرق

فلما بلغ الشعر حارثة قال:
جزاك إله الناس خير جزائه ** فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا

أمرت بحزم لو أمرت بغيره ** لألفيتني فيه لأمرك عاصيا

944- قالوا: وسار أبو موسى إلى تستر وبها شوكة العدو وحدهم.
فكتب إلى عمر يستمده.
فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره بالمسير إليه في أهل الكوفة.
فقدم عمار جرير بن عبد الله البجلي وسار حتى أتى تستر، وعلى ميمنته- يعني ميمنة أبي موسى- البراء بن مالك، أخو أنس بن مالك، وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي، وعلى الخيل أنس بن مالك، وعلى ميمنة عمار البراء بن عازب الأنصاري، وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي، وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصاري، وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني فقاتلهم أهل تستر قتالا شديدا.
وحمل أهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر.
فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد رحمه الله، ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال، وقد قتل منهم في المعركة تسعمائة ضربت أعناقهم بعد.
وكان الهرمزان من أهل مهر جانقذف، وقد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم.
ثم إن رجلا من الأعاجم استأمن إلى المسلمين على أن يدلهم على عورة المشركين.
فأسلم، واشترط أن يفرض لولده ويفرض له.
فعاقده أبو موسى على ذلك، ووجه معه رجلا من شيبان يقال له أشرس بن عوف فخاض به دجيل على عرق من حجارة، ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان، ثم رده إلى العسكر.
فندب أبو موسى أربعين رجلا مع مجزأة بن ثور وأتبعهم مائتي رجل، وذلك في الليل، والمستأمن يقدمهم.
فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس، وكبروا على سور المدينة.
فلما سمع الهرمزان هرب إلى قلعته، وكانت موضع خزانته وأمواله.
وعبر أبو موسى حين أصبح حتى دخل المدينة فاحتوى عليها.
وقال الهرمزان: ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وإدبار أمرنا.
وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل خوفا من أن يظفر بهم العرب.
وطلب الهرمزان الأمان وأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك، إلا على حكم عمر.
فنزل على ذلك.
وقتل أبو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له، وحمل الهرمزان إلى عمر فاستحياه، وفرض له.
ثم إنه اتهم بممالاة أبى لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة على قتل عمر رضي الله عنه، فقال عبيد الله بن عمر: امض بنا ننظر إلى فرس لي.
فمضى وعبيد الله خلفه، فضربه بالسيف وهو غافل فقتله.
945- حدثنا أبو عبيدة قال: ثنا مروان بن معاوية، عن حميد، عن أنس قال: حاصرنا تستر، فنزل الهرمزان فكنت الذي أتيت به إلى عمر، بعث بي أبو موسى.
فقال له عمر: تكلم.
فقال: أكلام حي أم كلام ميت؟ فقال: تكلم لا بأس.
فقال الهرمزان: كنا معشر العجم ما خلى الله بيننا وبينكم نقصيكم ونقتلكم.
فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان.
فقال عمر: ما تقول يا أنس؟ قلت: تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا كلبا.
فإن قتلته يئس القوم من الحياة فكان أشد لشوكتهم، وإن استحييته طمع القوم في الحياة.
فقال عمر: يا أنس! سبحان الله.
قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور السدوسي.
قلت: فليس لك إلى قتله سبيل.
قال: ولم؟ أعطاءك أصبت منه؟ قلت: لا، ولكنك قلت له: لا بأس.
فقال: متى؟ لتجيئن معك بمن شهد، وإلا بدأت بعقوبتك.
قال: فخرجت من عنده فإذا الزبير بن العوام قد حفظ الذي حفظت. فشهد لي. فخلى سبيل الهرمزان. فأسلم وفرض له عمر.
946- وحدثني إسحاق بن أبي إسرائيل قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء الخرساني قال: كفيتك أن تستر كانت صلحا فكفرت.
فسار إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري، فلم يزالو في أيدي سادتهم حتى كتب عمر: خلوا ما في أيديكم.
قال: وسار أبو موسى إلى جند يسابور وأهلها منخوبون، فطلبوا الأمان، فصالحهم على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه، ولا يعرض لأموالهم، سوى السلاح.
ثم إن طائفة من أهلها توجهوا إلى الكلبانية، فوجه إليهم أبو موسى الربيع بن زياد فقتلهم، وفتح الكلبانية.
واستأمنت الأساورة فآمنهم أبو موسى فأسلموا.
ويقال إنهم استأمنوا قبل ذلك، فلحقوا بأبي موسى وشهدوا تستر. والله أعلم.
947- وحدثني عمر بن حفص العمرى، عن أبي حذيفة، عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء قال: فتح الربيع بن زياد الثيبان من قبل أبي موسى عنوة.
ثم غدروا ففتحها منجوف بن ثور السدوسي.
قال: وكان مما فتح عبد الله بن عامر سنبيل والزط.
وكان أهلهما قد كفروا.
فاجتمع إليهم أكراد من هذه الأكراد.
وفتح أيذج بعد قتال شديد.
وفتح أبو موسى السوس وتستر ودورق عنوة.
وقال المدائني: فتح ثابت بن ذي الحرة الحميرى قلعة ذي الرناق.
948- حدثني المدائني، عن أشياخه، وعمر بن شبة، عن مجالد بن يحيى أن مصعب بن الزبير ولى مطرف بن سيدان الباهلي أحد بنى جئآوة شرطته في بعض أيام ولايته العراق لأخيه عبد الله بن الزبير.
فأتى مطرف بالنابي بن زياد بن ظبيان، أحد بني عائش بن مالك بن تيم الله ابن ثعلبة بن عكابة، وبرجل من بني نمير قطعا الطريق، فقتل النابي وضرب النميري بالسياط وتركه.
فلما عزل مطرف عن الشرطة وولى الأهواز جمع عبيد الله بن زياد بن ظبيان له جمعا وخرج يريده.
فالتقيا، فتواقفا وبينهما نهر، فعبر مطرف بن سيدان، فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله.
فبعث مصعب مكرم بن مطرف في طلبه.
فسار حتى صار إلى الموضع الذي يعرف اليوم بعسكر مكرم، فلم يلق ابن ظبيان.
ولحق ابن ظبيان بعبد الملك بن مروان، وقاتل معه مصعبا، فقتله واحتز رأسه.
ونسب عسكر مكرم إلى مكرم بن مطرف هذا.
قال البعيث السكري:
سقينا ابن سيدان بكأس روية ** كفتنا وخير الأمر ما كان كافيا

ويقال أيضا إن عسكر مكرم إنما نسب إلى مكرم بن الفزر أحد بنى جعونة بن الحارث بن نمير.
وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بن باس حين عصى ولحق بأيذج وتحصن في قلعة تعرف به.
فلما طال عليه الحصار نزل مستخفيا متنكرا ليلحق بعبد الملك.
فظفر به مكرم ومعه درتان في قلنسوته، فأخذه وبعث به إلى الحجاج فضرب عنقه.
949- وذكروا أنه كانت عند عسكر مكرم قرية قديمة وصل بها البناء بعد، ثم لم يزل يزاد فيه حتى كثر.
فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم وهو اليوم مصر جامع.
950- وحدثني أبو مسعود، عن عوانة قال: ولى عبد الله بن الزبير البصرة حمزة بن عبد الله بن الزبير.
فخرج إلى الأهواز، فلما رأى جبلها قال: كأنه قعيقعان.
951- وقال الثوري: الأهواز سمى بالفارسية هوز مسير.
وإنما سميت الأخواز فغيرها الناس فقالوا: الأهواز.
وأنشد لاعرابي:
لا ترجعني إلى الأخواز ثانية ** وقعقعان الذي في جانب السوق

ونهر بط الذي أمسى يؤرقني ** فيه البعوض بلسب غير تشفيق

فما الذي وعدته نفسه طمعا ** من الحصينى أو عمرو بمصدوق

وقال: نهر البط نهر كانت عنده مراع للبط، فقالت العامة.
نهر بط، كما قالوا: دار بطيخ.
وسمعت من يقول: إن النهر كان لامرأة تسمى البطئة، فنسب إليها ثم حذف.
952- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: افتتح عمر السواد والأهواز عنوة.
فسئل عمر قسمة ذلك.
فقال: فما لمن جاء من المسلمين بعدنا؟ فأقرهم على منزلة أهل الذمة.
953- وحدثني المدائني، عن علي بن حماد وسحيم بن حفص وغيرهما قالوا: قال أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق كلمة رفع فيها على عمال الأهواز وغيرهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ** فأنت أمين الله في النهى والأمر

وأنت أمين الله فينا ومن يكن ** أمينا لرب العرش يسلم له صدري

فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى ** يسيغون مال الله في الادم الوفر

فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه ** وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر

ولا تنسين النافعين كليهما ** ولا ابن غلاب من سراة بنى نصر

وما عاصم منها بصفر عيابه ** وذاك الذي في السوق مولى بنى بدر

وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه ** وصهر بنى غزوان إني لذو خبر

وشبلا فسله المال وابن محرش ** فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر

فقاسمهم أهلي فداؤك إنهم ** سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

ولا تدعوني للشهادة إننى ** أغيب ولكني أرى عجب الدهر

نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا ** فأنى لهم وفر ولسنا أولى وفر

إذا التاجر الدارى جاء بفارة ** من المسك راحت في مفارقهم تجرى

فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم، حتى أخذ نعلا وترك نعلا.
وكان فيهم أبو بكرة فقال: إني لم أل لك شيئا.
فقال له: أخوك على بيت المال وعشور الأبلة وهو يعطيك المال تتجر به.
فأخذ منه عشرة آلاف.
ويقال: قاسمه شطر ماله.
وقال: الحجاج الذي ذكره الحجاج بن عتيك الثقفي، وكان على الفرات.
وجزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق.
وبشر بن المحتفز كان على جند يسابور.
والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة أخوه.
وابن غلاب خالد بن الحارث من بنى دهمان كان على بيت المال بإصبهان.
وعاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر.
والذي في السوق سمرة بن جندب على سوق الأهواز.
والنعمان بن عدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان أحد بني عدي بن كعب بن لؤي، كان على كور دجلة.
وهو الذي يقول:
من مبلغ الحسناء أن خليلها ** بميسان يسقى في زجاج وحنتم

إذا شئت غنتني دهاقين قرية ** وصناجة تجذو على كل منسم

لعل أمير المؤمنين يسوءه ** تنادمنا بالجوسق المتهدم

فلما بلغ عمر شعره قال: أي والله إنه ليسوءني ذلك.
وعزله.
وصهر بنى غزوان مجاشع بن مسعود السلمي.
كانت عنده بنت عتبة بن غزوان وكان على أرض البصرة وصدقاتها.
وشبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم.
وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز.
قال عوسجة بن زياد الكاتب: أقطع الرشيد أمير المؤمنين عبيد الله بن المهدي مزارعة أرض الأهواز.
فدخل فيها شبهة، فرفع في ذلك قوم إلى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها، فما لم تكن فيه شبهة أنفذ، وما شك فيه سمى المشكوك فيه. وذلك معروف بالأهواز.