فصل: أمر نصارى بني تغلب بن وائل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.أمر نصارى بني تغلب بن وائل:

479- حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين، ولحقت طائفة منهم ببعد من الأرض.
فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان: أنشدك الله في بني تغلب! فإنهم قوم من العرب يأنفون من الجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم فلا تعن عدوك عليك بهم.
فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة.
480- حدثنا شيبان قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا ليث عن رجل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لا تؤكل ذبائح نصارى بني تغلب ولا تنكح نساؤهم. ليسوا منا ولا من أهل الكتاب.
481- حدثنا عباس بن هشام عن أبيه، عن عوانة بن الحكم وأبي مخنف قالا: كتب عمير بن سعد إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي، ففتح عانات وسائر حصون الفرات، وأنه أراد من هناك من بني تغلب على الإسلام فأبوه وهموا باللحاق بأرض الروم.
وقبلهم أراد من في الشق الشرقي على ذلك فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء، واستطلع رأيه فيهم.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض، وإن أبوا ذلك حاربهم حتى تبيدهم أو يسلموا.
فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا: أما إذ لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا.
482- حدثني عمرو الناقد قال: حدثني أبو معاوية عن الشيباني عن السفاح، عن داود بن كردوس قال: صالح عمر بن الخطاب بني تغلب، بعد ما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم، على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوه على دينهم، وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة.
قال: وكان داود بن كردوس يقول: ليست لهم ذمة لأنهم قد صبغوا في دينهم، يعنى المعمودية.
483- فحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس ابن يزيد الأيلي، عن الزهري قال: ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة، إلا نصارى بني تغلب، أو قال نصارى العرب، الذين عامة أموالهم المواشي، فإن عليهم ضعف ما على المسلمين.
484- حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح بن المثنى، عن زرعة بن النعمان أنه كان كلم عمر في نصارى بني تغلب وقال: قوم عرب يأنفون من الجزية، وإنما هم أصحاب حروث ومواش.
وكان عمر قد هم أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا في البلاد.
فصالحهم على أن أضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين من صدقاتهم في الأرض والماشية، واشترط عليهم أن لا ينصروا أولادهم.
قال مغيرة: فكان على عليه السلام يقول: لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأى.
لأقتلن مقاتلتهم ولاسبين ذريتهم، فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.
485- وحدثني أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله عن إبراهيم ابن مهاجر، عن زياد بن حدير الأسدي قال: بعثني عمر إلى نصارى بني تغلب آخذ منهم نصف عشر أموالهم، ونهاني أن أعشر مسلما أو ذميا يؤدي الخراج.
486- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الملك بن نوفل، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن عثمان أمر أن لا يقبل من بني تغلب في الجزية إلا دهيك الذهب والفضة.
فجاءه الثبت أن عمر أخذ منهم ضعف الصدقة.
فرجع عن ذلك.
قال الواقدي: وقال سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وابن أبي ليلى، وابن أبي ذئب، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: يؤخذ من التغلبي ضعف ما يؤخذ من المسلم في أرضه وماشيته وماله.
فأما الصبى والمعتوه منهم فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من ماشيته شيئا.
قال أهل الحجاز: يؤخذ ذلك من ماشيته وأرضه.
وقالوا جميعا: إن سبيل ما يؤخذ من أموال بني تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدل من الجزية.

.الثغور الجزرية:

487- قالوا: لما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى معاوية بولايته الشام.
وولى عمير بن سعد الأنصاري الجزيرة ثم عزله.
وجمع لمعاوية الشام والجزيرة وثغورهما، وأمره أن يغزو شمشاط، وهي أرمينية الرابعة، أو يغزيها.
فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن معطل السلمي ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها على مثل صلح الرها.
وأقام صفوان بها، وبها توفي في آخر خلافة معاوية.
ويقال بل غزاها معاوية نفسه، وهذان معه.
فولاها صفوان فأوطنها وتوفي بها.
488- قالوا: وقد كان قسطنطين الطاغية أناخ عليها بعد نزوله في ملطية في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فلم يمكنه فيها شيء فأغار على ما حولها، ثم انصرف.
ولم تزل شمشاط خراجية حتى صيرها المتوكل على الله رحمه الله عشرية أسوة غيرها من الثغور.
489- وقالوا: غزا حبيب بن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط، فلم يقدر عليه.
وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه.
ثم غزاه في سنة تسع وخمسين، وهي السنة التي مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمي.
فعلا عمير سوره ولم يزل يجالد عليه وحده حتى كشف الروم وصعد المسلمون، ففتحه لعمير بن الحباب، وبذلك كان يفخر ويفخر له.
ثم إن الروم غلبوا عليه ففتحه مسلمة بن عبد الملك.
ولم يزل يفتح وتغلب الروم عليه.
فلما كانت سنة تسع وأربعين ومائة شخص المنصور عن بغداد حتى نزل حديثة الموصل، ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد ابن الأشعث، وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزو بهم كمخ.
فمات محمد ابن الأشعث بآمد، وسار العباس والحسن حتى صارا إلى ملطية فحملا منها الميرة ثم أناخا على كمخ، وأمر العباس بنصب المنجنيق عليه، فجعلوا على حصنهم خشب العرعر لئلا تضربه حجارة المنجنيق، ورموا للمسلمين فقتلوا منهم بالحجارة مائتي رجل، فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالا شديدا حتى فتحوه، وكان مع العباس بن محمد بن علي في غزاته هذه مطر الوراق.
ثم إن الروم أغلقوا كمخ.
فلما كانت سنة سبع وسبعين ومائة غزا محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، وهو عامل عبد الملك بن صالح على شمشاط، ففتحه ودخله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
فلم يزل مفتوحا حتى كان هيج محمد بن الرشيد، فهرب أهله وغلبت عليه الروم.
ويقال إن عبيد الله بن الأقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه، وكان أسيرا عندهم.
ثم إن عبد الله بن طاهر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدي المسلمين، حتى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بن أشوط بطريق خلاط، في دفعه إلى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم في عمل شمشاط.

.ملطية:

490- وقالوا: وجه عياض بن غنم حبيب بن مسلمة الفهري من شمشاط إلى ملطية ففتحها، ثم أغلقت.
فلما ولي معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب بن مسلمة ففتحها عنوة، ورتب فيها رابطة من المسلمين مع عاملها.
وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة وغيرهما، فكانت طريق الصوائف.
ثم إن أهلها انتقلوا عنها في أيام عبد الله ابن الزبير، وخرجت الروم فشعثتها ثم تركتها.
فنزلها قوم من النصارى من الأرمن والنبط.
491- وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي في إسناده قال: كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عبد الله بن عبد الملك سنة ثلاث وثمانين، وبنوا بها مساكن.
وهي من ملطية على ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم.
وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة من الأرمن وغيرهم.
فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف، فيقيمون بها إلى أن ينزل الشتاء وتسقط الثلوج، فإذا كان ذلك قفلوا.
فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون، وذلك لإشفاقه عليهم من العدو، واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابى الخل والزيت، ثم أنزلهم ملطية وأخرب طرندة، وولى على ملطية جعونة بن الحارث أحد بني عامر ابن صعصعة.
492- قالوا: وخرج عشرون ألفا من الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائة فنزلوا على ملطية. فأغلق أهلها أبوابها، وظهر النساء على السور عليهن العمائم فقاتلن.
وخرج رسول لأهل ملطية مستغيثا. فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة. فندب هشام الناس إلى ملطية. ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها، فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها.
وغزا هشام نفسه، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت، فكان ممره بالرقة، دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه.
493- قال الواقدي: لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية، وگمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بنى سليم.
فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل ملطية.
فخرج إلى الروم منهم ثماني مائة فارس، فواقعتهم خيل الروم فهزمتهم.
ومال الرومي فأناخ على ملطية فحصر من فيها، والجزيرة يومئذ مفتونة، وعاملها موسى بن كعب بحران.
فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم.
وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم: يا أهل ملطية! إني لم آتكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم.
انزلوا على الأمان واخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم.
فأبوا عليه، فوضع عليها المجانيق.
فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل.
ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم، وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم في الآبار والمخابى، ثم خرجوا.
وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم مخترطي السيوف، طرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأنها عقد قنطرة، ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها.
وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا، فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا، وهدموا حصن قلوذية.
فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة كتب المنصور إلى صالح بن علي يأمره ببناء ملطية وتحصينها.
ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام واليا على الجزيرة وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومائة ومعه الحسن قحطبة في جنود أهل خراسان.
فقطع البعوث على أهل الشام والجزيرة، فتوافى معه سبعون ألفا.
فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها.
وكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء.
وجعل يغدى الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه.
فغاظ ذلك عبد الوهاب فكتب إلى أبي جعفر يعلمه أنه يطعم الناس.
وأن الحسن يطعم أضعاف ذلك التماسا لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء، وأن له منادين ينادون الناس إلى طعامه.
فكتب إليه أبو جعفر: يا صبي! يطعم الحسن من ماله، وتطعم من مالي.
ما أتيت إلا من صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك.
وكتب إلى الحسن: أطعم ولا تتخذ مناديا.
فكان الحسن يقول: من سبق إلى شرفة فله كذا.
فجد الناس في العمل حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر، وبنى للجند الذين أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما واصطبل، والعرافة عشرة نفر إلى خمسة عشر رجلا.
وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلا منها، ومسلحة على نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات.
وأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم، على زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل ومعونة مائة دينار، سوى الجعل الذي يتجاعله القبائل بينها.
ووضع فيها شحنتها من السلاح، وأقطع الجند المزارع، وبنى حصن قلوذية.
وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مائة ألف فنزل جيحان، فبلغه كثرة العرب فأحجم عنها.
494- وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب في هذه الغزاة نصر بن مالك الخزاعى ونصر بن سعد الكاتب مولى الأنصار.
فقال الشاعر:
تكنفك النصران نصر بن مالك ** ونصر بن سعد عز نصرك من نصر

وفى سنة إحدى وأربعين ومائة أغزى محمد بن إبراهيم ملطية في جند من أهل خراسان وعلى شرطته المسيب بن زهير.
فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو، فتراجع إليها من كان باقيا من أهلها.
وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد فلم تقدر عليها، وغزاهم الرشيد رحمه الله فأشجاهم وقمعهم.
495- وقالوا: وجه أبو عبيدة بن الجراح وهو بمنبج خالد بن الوليد إلى ناحية مرعش، ففتح حصنها على أن جلا أهله ثم أخربه.
وكان سفيان بن عوف الغامدي لما غزا الروم في سنة ثلاثين رحل من قبل مرعش فساح في بلاد الروم.
وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جند، فلما كان موت يزيد بن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها.
وصالح عبد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بن الحكم وطلبه الخلافة على شيء كان يؤديه إليهم.
فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا محمد بن مروان الروم وانتقض الصلح.
ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا محمد بن مروان.
وخرجت الروم في جمادى الأولى من قبل مرعش إلى الأعماق.
فزحف إليهم المسلمون وعليهم أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ومعه دينار بن دينار مولى عبد الملك بن مروان، وكان على قنسرين وكورها.
فالتقوا بعمق مرعش، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.
وكان دينار لقي في هذا العام جماعة من الروم بحسر يغرا، وهو من شمشاط على نحو من عشرة أميال، فظفر بهم.
ثم إن العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها، وبنى لها مسجدا جامعا.
وكان يقطع في كل عام على أهل قنسرين بعثا إليها.
فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم وحصرت مدينة مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء، فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم، ثم أخربوها.
وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي.
وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون.
ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت.
فخرجت الروم في فتنته فأخربتها، فبناها صالح بن علي في خلافة أبى جعفر المنصور وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء.
واستخلف المهدي فزاد في شحنتها وقوى أهلها.
496- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: خرج ميخائيل من درب الحدث في ثمانين ألفا، فأتى عمق مرعش، فقتل وأحرق وسبى من المسلمين خلقا، وصار إلى باب مدينة مرعش وبها عيسى بن علي، وكان قد غزا في تلك السنة، فخرج إليه موالى عيسى وأهل المدينة ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام، فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن المدينة كر عليهم فقتل من موالى عيسى ثمانية نفر، واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها. ثم انصرف حتى نزل جيحان.
وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي وهو بدابق، وكان قد ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومائة، فوجه إليه خيلا كثيفة فأصيبوا إلا من نجا منهم، فأحفظ ذلك المهدي، واحتفل لاغزاء الحسن بن قحطبة في العام المقبل وهو سنة اثنتين وستين ومائة.
497- قالوا: وكان حصن الحدث مما فتح أيام عمر، فتحه حبيب بن مسلمة من قبل عياض بن غنم.
وكان معاوية يتعهده بعد ذلك وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة، لأن المسلمين كانوا أصيبوا به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس.
وقال قوم: لقي المسلمين غلام حدث على الدرب فقاتلهم في أصحابه، فقيل درب الحدث.
ولما كان زمن فتنة مروان بن محمد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية.
ثم لما كانت سنة إحدى وستين ومائة خرج ميخائيل إلى عمق مرعش، ووجه المهدي الحسن بن قحطبة ساح في بلاد الروم فثقلت وطأته على أهلها حتى صوروه في كنائسهم.
وكان دخوله من درب الحدث، فنظر إلى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه، فارتاد الحسن موضع مدينته هناك، فلما انصرف كلم المهدي في بنائها وبناء طرسوس، فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث.
وكان في غزاة الحسن هذه مندل العنزي المحدث الكوفي، ومعتمر بن سليمان البصري، فأنشأها علي بن سليمان بن علي وهو على الجزيرة وقنسرين، وسميت المحمدية، وتوفي المهدي مع فراغهم من من بنائها فهي المهدية والمحمدية.
وكان بناؤها باللبن، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة.
واستخلف موسى الهادي ابنه فعزل علي بن سليمان وولى الجزيرة وقنسرين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي.
وقد كان علي بن سليمان فرغ من بناء مدينة الحدث، وفرض محمد لها فرضا من أهل الشام والجزيرة وخراسان في أربعين دينارا من العطاء، وأقطعهم المساكن، وأعطى كل امرئ ثلاثمائة درهم.
وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومائة.
وقال أبو الخطاب: فرض علي بن سليمان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها، ونقل إليها من ملطية وشمشاط وكيسوم ودلوك ورعبان ألفي رجل.
498- قال الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج وكثرت الأمطار، ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاط فيه، فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم، فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم.
وبلغ الخبر موسى فقطع بعثا مع المسيب بن زهير وبعثا مع روح بن حاتم وبعثا مع حمزة بن مالك فمات قبل أن ينفذا.
ثم ولى الرشيد الخلافة فأمر ببنائها وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع.
499- وقال غير الواقدي: أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم في جمع كثيف على مدينة الحدث حين بنيت، وكان بناؤها بلبن قد حمل بعضه على بعض، وأضرت به الثلوج.
وهرب عاملها ومن فيها، ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها، فبناها الرشيد حين استخلف.
500- وحدثني بعض أهل منبج قال: إن الرشيد كتب إلى محمد بن إبراهيم بإقراره على عمله، فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد على يده ثم عزله.
501- قالوا: وكان مالك بن عبد الخثعمي الذي يقال (مالك الصوائف)، وهو من أهل فلسطين، غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة، ثم قفل.
فلما كان من درب الحدث على خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة أقام فيها ثلاثا.
فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة، فسميت تلك الرهوة رهوة مالك.
502- قالوا: وكان مرج عبد الواحد حمى لخيل المسلمين.
فلما بنى الحدث وزبطرة استغنى عنه فازدرع.
قالوا: وكانت زبطرة حصنا قديما روميا ففتح مع حصن الحدث القديم، فتحه حبيب بن مسلمة الفهري، وكان قائما إلى أن أخربته الروم في أيام الوليد ابن يزيد، فبنى بناء غير محكم.
فأناخت الروم عليه في أيام فتنة مروان بن محمد فهدمته، فبناه المنصور.
ثم خرجت إليه فشعثته، فبناه الرشيد على يدي محمد بن إبراهيم وشحنه.
فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعثوه وأغاروا على سرح أهله فاستاقوا لهم مواشي، فأمر المأمون بمرمته وتحصينه.
وقدم وفد طاغية الروم في سنة عشر ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه، وكتب إلى عمال الثغور فساحوا في بلاد الروم فأكثروا فيها القتل ودوخوها وظفروا ظفرا حسنا، إلا أن يقظان بن عبد الأعلي بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي أصيب.
ثم خرجت الروم إلى زبطرة في خلافة المعتصم بالله أبى إسحاق بن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها، فأحفظه ذلك وأغضبه فغزاهم حتى بلغ عمورية وقد أخرب قبلها حصونا، فأناخ عليها حتى فتحها، فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ثم أخربها، وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها.
503- وحدثني أبو عمرو الباهلي وغيره قالوا: نسب حصن منصور إلى منصور بن جعونة بن الحارث العامري من قيس، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته، وكان مقيما به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة.
وكان منصور هذا على أهل الرها حين امتنعوا في أول الدولة، فحصرهم المنصور وهو عامل أبى العباس على الجزيرة وأرمينية، فلما فتحها هرب منصور ثم أمن فظهر، فلما خلع عبد الله بن علي أبا جعفر المنصور ولاه شرطته، فلما هرب عبد الله إلى البصرة استخفى، فدل عليه في سنة إحدى وأربعين ومائة، فأتى المنصور به فقتله بالرقة منصرفه من بيت المقدس.
وقوم يقولون إنه أمن بعد هرب ابن علي، فظهر.
ثم وجدت له كتب إلى الروم بغش الإسلام.
فلما قدم المنصور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى وأربعين ومائة وجه من أتاه به فضرب عنقه بالرقة، ثم انصرف إلى الهاشمية بالكوفة.
وكان الرشيد بنى حصن منصور وشحنه في خلافة المهدي.