فصل: خبر ردة العرب في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.خبر ردة العرب في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

277- قالوا: لما استخلف أبو بكر رحمه الله ارتدت طوائف من العرب ومنعت الصدقة.
وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لو منعوني عقالا لقاتلتهم.
وبعض الرواة يقول: لو منعوني عناقا والعقل صدقة السنة.
278- وحدثني عبد الله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن عوانة بن الحكم عن جرير بن يزيد، عن الشعبي قال قال عبد الله بن مسعود: لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما كدنا نهلك فيه، لولا أن الله من علينا بأبي بكر.
اجتمع رأينا جميعا على أن لا نقاتل علي بنت مخاض وابن لبون، وأن نأكل قرى عربية، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين.
وعزم الله لأبي بكر رضي الله عنه على قتالهم، فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية.
فأما الخطة المخزية فأن أقروا بأن من قتل منهم في النار، وأن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا.
وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم.
279- حدثنا إبراهيم بن محمد عن عرعرة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قدم وفد بزاخة على أبي بكر فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية.
فقالوا: قد عرفنا الحرب المجلية، فما السلم المخزية؟ قال: أن ننزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم، وتردوا إلينا ما أصبتم منا، وتدوا قتلانا، ويكون قتلاكم في النار.
280- حدثنا شجاع بن مخلد الفلاس قال: حدثنا بشر بن المفضل مولى بنى رقاش قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد عن القاسم بن محمد ابن أبي بكر، عن عمته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها.
اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في واحدة إلا طار بحظها وغنائها عن الإسلام.
281- قالوا: فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى القصة من أرض محارب لتوجيه الزحوف إلى أهل الردة، ومعه المسلمون.
فصار إليهم خارجة بن حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري ومنظور بن زبان بن سيار الفزاري أحد بني العشراء في غطفان، فقاتلوهم قتالا شديدا.
فانهزم المشركون، واتبعهم طلحة بن عبيد الله التيمي فلحقهم بأسفل ثنايا عوسجة، فقتل منهم رجلا، وفاته الباقون فأعجزوه هربا، فجعل خارجة بن حصن يقول: ويل للعرب من ابن أبي قحافة.
ثم عقد أبو بكر وهو بالقصة لخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على الناس، وجعل على الأنصار ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وهو أحد من استشهد يوم اليمامة، إلا أنه كان من تحت يد خالد، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد ادعى النبوة، وهو يومئذ ببزاخة، وبزاخة ماء لبني أسد ابن خزيمة.
فسار إليه خالد وقدم أمامه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس، وثابت بن أقرم البلوى حليف الأنصار.
فلقيهما حبال ابن خويلد فقتلاه، وخرج طليحة وسلمة أخوه، وقد بلغهما الخبر، فلقيا عكاشة وثابتا فقتلاهما.
فقال طليحة:
ذكرت أخي لما عرفت وجوههم ** وأيقنت أنى ثائر بحبال

عشية غادرت ابن أقرم ثاويا ** وعكاشة الغنمى عند مجال

ثم التقى المسلمون وعدوهم، واقتتلوا قتالا شديدا، وكان عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة.
فلما رأى سيوف المسلمين قد استلحمت المشركين، أتاه فقال له: أما ترى ما يصنع جيش أبي الفصيل؟ فهل جاءك جبريل بشيء؟ قال: نعم.
جاءني فقال: إن لك رحا كرحاه ويوما لا تنساه.
فقال عيينة: أرى أن لك يوما لا تنساه.
يا بني فزارة! هذا كذاب.
وولى عن عسكره فانهزم الناس، وظهر المسلمون، وأسر عيينة ابن حصن.
فقدم به المدينة فحقن أبو بكر دمه، وخلى سبيله.
وهرب طليحة ابن خويلد فدخل خباء له فاغتسل، وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة، ثم مضى إلى مكة، ثم أتى المدينة مسلما.
وقيل بل أتى الشام، فأخذه المسلمون ممن كان غازيا وبعثوا به إلى أبي بكر بالمدينة فأسلم، وأبلى بعد في فتح العراق ونهاوند.
وقال له عمر: أقتلت العبد الصالح عكاشة بن محصن؟ فقال: إن عكاشة ابن محصن سعد بي وشقيت به، وأنا استغفر الله.
282- وأخبرني داود بن حبال الأسدي، عن أشياخ من قومه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لطليحة: أنت الكاذب على الله حين زعمت أنه أنزل عليك أن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا.
فاذكروا الله أعفة قياما، فإن الرغوة فوق الصريح.
فقال: يا أمير المؤمنين! ذلك من فتن الكفر الذي هدمه الإسلام كله، فلا تعنيف على ببعضه.
فأسكت عمر.
283- قالوا: وأتى خالد بن الوليد رمان وأبانين، وهناك فل بزاخة، فلم يقاتلوه، وبايعوه لأبي بكر.
وبعث خالد بن الوليد هشام بن العاصي بن وائل السهمي أخا عمرو بن العاصي، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة، إلى بني عامر بن صعصعة، فلم يقاتلوه وأظهروا الإسلام والأذان، فانصرف عنهم.
وكان قرة بن هبيرة القشيرى امتنع من أداء الصدقة، وأمد طليحة، فأخذه هشام بن العاصي وأتى به خالدا، فحمله إلى أبي بكر فقال: والله ما كفرت مذ آمنت، ولقد مر بي عمرو بن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته.
فسأل أبو بكر عمرا رضي الله عنهما عن ذلك فصدقه.
فحقن أبو بكر دمه.
ويقال: إن خالدا كان سار إلى بلاد بني عامر فأخذ قرة وبعث به إلى أبي بكر.
284- قال: ثم سار خالد بن الوليد إلى الغمر، وهناك جماعة من بني أسد وغطفان وغيرهم، وعليهم خارجة بن حصن بن حذيفة.
ويقال إنهم كانوا متسايدين، قد جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم، قاتلوا خالدا والمسلمين، فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون.
وفى يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي:
ألا كل أرماح قصار أذلة ** فداء لا رماح الفوارس بالغمر

ثم أتي خالد جو قراقر، ويقال أتي النقرة، وكان هناك جمع لبنى سليم، عليهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزى السلمي وأمه الخنساء، فقاتلوه.
فاستشهد رجل من المسلمين، ثم فض الله جمع المشركين.
وجعل خالد يومئذ يحرق المرتدين.
فقيل لأبي بكر في ذلك.
فقال: لا أشيم سيفا سله الله على الكفار.
وأسلم أبو شجرة فقدم على عمر وهو يعطى المساكين فاستعطاه، فقال له: ألست القائل:
ورويت رمحي من كتيبة خالد ** وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

وعلاه بالدرة.
فقال: قد محا الإسلام ذلك يا أمير المؤمنين.
285- قالوا: وأتى الفجاءة، وهو بجير بن إياس بن عبد الله السلمي، أبا بكر فقال: احملني وقوني أقاتل المرتدين.
فحمله وأعطاه سلاحا.
فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعا.
فكتب أبو بكر إلى طريفة بن حاجزة أخي معن بن حاجزة يأمره بقتاله.
فقاتله وأسره ابن حاجزة.
فبعث به إلى أبي بكر، فأمر أبو بكر بإحراقه في ناحية المصلى.
ويقال: إن أبا بكر كتب إلى معن في أمر الفجاءة، فوجه معن إليه طريفة أخاه فأسره.
ثم سار خالد إلى من بالبطاح والبعوضة من بني تميم فقاتلوه، ففض جمعهم وقتل مالك بن نويرة أخا متمم بن نويرة.
وكان مالك عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني حنظلة.
فلما قبض صلى الله عليه وسلم خلى ما كان في يده من الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم يا بني حنظلة.
وقد قيل إن خالدا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدا، ولكنه بث السرايا في بني تميم، وكان منها سرية عليها ضرار بن الأزور الأسدي، فلقي ضرار مالكا فاقتتلوا وأسره وجماعة معه، فأتى بهم فضربت أعناقهم، وتولى ضرار ضرب عنق مالك.
ويقال إن مالكا قال لخالد: إني والله ما ارتددت.
وشهد أبو قتادة الأنصاري أن بني حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا.
فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما: بعثت رجلا يقتل المسلمين ويعذب بالنار.
وقد روى أن متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له: ما بلغ من وجدك على أخيك مالك؟ قال: بكيته حولا حتى أسعدت عينى الذاهبة عينى الصحيحة، وما رأيت نارا إلا كدت أنقطع لها أسفا عليه، لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف فلا يعرف مكانه.
قال: فصفه لي.
قال: كان يركب الفرس الجرور، ويقود الجمل الثفال، وهو بين المزادتين النضوحين في الليلة القرة، وعليه شملة فلوت، معتقلا رمحا خطلا، فيسرى ليلته ثم يصبح، وكان وجهه فلقة قمر.
قال: فأنشدني بعض ما قلت فيه.
فأنشده مرثيته التي يقول فيها:
وكنا كندمانى جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فقال عمر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدا.
فقال: متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين! لو كان أخي صرع مصرع أخيك ما بكيته.
فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتنى.
286- قالوا: وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة ابن الغنيز بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ويقال هي سجاح بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة، وتكهنت.
فاتبعها قوم من بني تميم وقوم من أخوالها بني تغلب.
ثم إنها سجعت ذات يوم فقالت: إن رب السحاب، يأمركم أن تغزوا الرباب.
فغزتهم فهزموها، ولم يقاتلها أحد غيرهم، فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجر فتزوجته، وجعلت دينها ودينه واحدا.
فلما قتل صارت إلى إخوانها فماتت عندهم.
وقال ابن الكلبي: أسلمت سجاح وهاجرت إلى البصرة وحسن إسلامها.
وقال عبد الأعلي بن حماد النرسي: سمعت مشايخ من البصريين يقولون: إن سمرة بن جندب الفزاري صلى عليها وهو يلي البصرة من قبل معاوية، قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة.
وقال ابن الكلبي: كان مؤذين سجاح الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط الرياحي، وقوم يقولون: إن شبث بن ربعي الرياحي كان يؤذن لها.
287- قالوا: وارتدت خولان باليمن، فوجه أبو بكر إليهم يعلي بن منية وهي أمه، وهي من بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر، وأبوه أمية بن أبي عبيدة، من ولد مالك بن حنظلة بن مالك، حليف بنى نوفل بن عبد مناف، فظفر بهم وأصاب منهم غنيمة وسبايا.
ويقال لم يلق حربا فرجع القوم إلى الإسلام.