فصل: أمر الأسود العنسى ومن ارتد معه باليمن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.ردة بني وليعة والأشعث بن قيس بن معدي كرب ابن معاوية الكندي:

288- قالوا: ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي من الأنصار حضرموت، ثم ضم إليه كندة.
ويقال إن الذي ضم إليه كندة أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وكان زياد بن لبيد رجلا حازما صليبا، فأخذ في الصدقة من بعض كندة قلوصا، فسأله الكندي ردها عليه وأخذ غيرها.
وكان قد وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك، وكلمه الأشعث بن قيس فيه فلم يجبه، وقال: لست براد شيئا قد وقع الميسم عليه.
فانتقضت عليه كندة كلها، إلا السكون فإنهم كانوا معه، فقال شاعرهم:
ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا ** شقاء وشايعنا ابن أم زياد

ولم نبغ عن حق الباضى مزحلا ** وكان تقى الرحمن أفضل زاد

وجمع له بنو عمرو بن معاوية بن الحارث الكندي، فبيتهم فيمن معه من المسلمين فقتل منهم بشرا فيهم مخوس ومشرح وحمد وأبضعة بنو معدي كرب ابن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد، والقرد الجواد في كلامهم، ابن الحارث بن الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث.
وكانت لهؤلاء الاخوة أودية يملكونها، فسموا الملوك الاربعة.
وكانوا وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا، وقتلت أخت لهم يقال لها العمردة، وقاتلها يحسبها رجلا.
ثم إن زيادا أقبل بالسبي والاموال فمر على الأشعث بن قيس وقومه، فصرخ النساء والصبيان وبكوا، فحمى الأشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومن معه.
فأصيب ناس من المسلمين، ثم هزموهم.
فاجتمعت عظماء كندة إلى الأشعث بن قيس.
فلما رأى زياد ذلك كتب إلى أبي بكر يستمده، وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية يأمره بإنجاده.
فلقيا الأشعث بن قيس فيمن معهما من المسلمين، ففضا جمعه وأوقعها بأصحابه، فقتلا منهم مقتلة عظيمة.
ثم إنهم لجأوا إلى النجير، وهو حصن لهم، فحصرهم المسلمون حتى جهدوا.
فطلب الأشعث الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه من العدة.
وذلك إن الجفشيش الكندي- واسمه معدان بن الأسود بن معدي كرب- أخذ بحقوه وقال: أجعلني من العدة.
فأدخله وأخرج نفسه.
ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فبعثا به إلى أبي بكر الصديق، فمن عليه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة.
فولدت له محمدا وإسحاق وقريبة وحبابة وجعدة.
وبعضهم يقول: زوجه أخته قريبة.
ولما تزوجها أتى السوق فلم ير بها جزورا إلا كسف عرقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس.
وأقام بالمدينة، ثم سار إلى الشام والعراق غازيا، ومات بالكوفة وصلى عليه الحسن بن علي بن أبي طالب بعد صلحه معاوية.
وكان الأشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار.
286- وقال بعض الرواة: ارتد بنو وليعة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما بلغت زياد بن لبيد وفاته صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى بيعة أبي بكر، فبايعوه خلا بني وليعة، فبيتهم وقتلهم.
وارتد الأشعث وتحصن في النجير، فحاصره يزاد بن لبيد والمهاجر، اجتمعا عليه وأمدهما أبو بكر رضي الله عنه بعكرمة بن أبي جهل بعد انصرافه من عمان.
فقدم عليهما وقد فتح النجير.
فسأل أبو بكر المسلمين أن يشركوه في الغنيمة ففعلوا.
290- قالوا: وكان بالنجير نسوة شمتن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكتب أبو بكر رضي الله عنه في قطع أيديهن وأرجلهن، منهن الثبجاء الحضرمية، وهند بنت يامين اليهودية.
291- وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثني عبد الرزاق بن همام اليماني، عن مشايخ حدثوه من أهل اليمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى خالد بن سعيد بن العاصي صنعاء، فأخرجه العنسي الكذاب عنها، وأنه ولى المهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد الأنصاري على حضرموت والصدف- وهم ولد مالك بن مرتع بن معاوية بن كندة- وإنما سمى صدفا لأن مرتعا تزوج حضرمية وشرط لها أن تكون عنده، فإذا ولدت ولدا لم يخرجها من دار قومها.
فولدت له مالكا.
فقضى الحاكم عليه بأن يخرجها إلى أهلها.
فلما خرج مالك عنه معها قال: صدف عنى مالك.
فسمى الصدف.
وقال عبد الرزاق: فأخبرني مشايخ من أهل اليمن قالوا: كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد والمهاجر بن أبي أمية المخزومي، وهو يومئذ على كندة، يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدا وأمرهما واحدا، فيأخذا له البيعة ويقاتلا من امتنع من أداء الصدقة.
وأن يستعينا بالمؤمنين على الكافرين وبالمطيعين على المعاصين والمخالفين.
فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة من الابل، فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبى زياد إلا أخذها وقال: ما كنت لأردها بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة.
فجمع بنو عمرو بن معاوية جمعا.
فقال زياد بن لبيد للمهاجر: قد ترى هذا الجمع، وليس الرأي أن نزول جميعا عن مكاننا، ولكن أنفصل عن العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للامر وأستر.
ثم أبيت هؤلاء الكفرة.
وكان زياد حازما صليبا.
فصار إلى بني عمرو وألفاهم في الليل فبيتهم فأتى على أكثرهم، وجعل بعضهم يقتل بعضا.
ثم اجتمع والمهاجر ومعهما السبي والأسارى، فعرض لهما الأشعث بن قيس ووجوه كندة فقاتلاهم قتالا شديدا.
ثم إن الكنديين تحصنوا بالنجير، فحاصراهم حتى جهدهم الحصار، وأضربهم.
ونزل الأشعث على الحكم.
292- قالوا: وكانت حضرموت أتت كندة منجدة لها، فواقعهم زياد والمهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان، فوجه إليهم أبو بكر يعلي بن منية فقاتلهم حتى أذعنوا وأقروا بالصدقة، ثم أتى المهاجر كتاب أبي بكر بتوليته صنعاء ومخاليفها، وجمع عمله لزياد إلى ما كان في يده.
فكانت اليمن بين ثلاثة: المهاجر وزياد ويعلى.
وولى أبو سفيان بن حرب ما بين آخر حد الحجاز وآخر حد نجران.
293- وحدثني أبو التمار قال: حدثني شريك قال: أنبأنا إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي قال: ارتد الأشعث بن قيس الكندي في ناس من كندة فحوصروا، فأخذ الأمان لسبعين منهم ولم يأخذه لنفسه، فأتى به أبو بكر فقال: إنا قاتلوك، لأنه لا أمان لك إذ أخرجت نفسك من العدة.
فقال: بل تمن علي يا خليفة رسول الله وتزوجني.
ففعل وزوجه أخته.
294- وحدثني القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ابن سعد عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي بكر الصديق أنه قال: ثلاث تركتهن ووددت أنى لم أفعل.
وددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس ضربت عنقه، فإنه تخيل إلى أنه لا يرى شرا إلا سعى فيه وأعان عليه.
وودت أني يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه.
ووددت أني حين وجهت خالدا إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يمينى وشمالي جميعا في سبيل الله.
295- أخبرني عبد الله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن فراس أو بنان، عن الشعبي أن أبا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربعمائة درهم، وأن الأشعث بن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثم رده لهم.
وقال الأشعث بن قيس يرثى بشر بن الأودح، وكان ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، ويزيد بن أماناة، ومن قتل يوم النجير:
لعمري وما عمرى على بهين ** لقد كنت بالقتلى أحق ضنين

فلا غرو ألا يوم يقسم سبيهم ** وما الدهر عند بعدهم بأمين

وكنت كذات البو ريعت فأقبلت ** على بوها إذ طربت بحنين

عن ابن أماناة الكريم وبعده ** بشير الندى فليجر دمع عيون

.أمر الأسود العنسى ومن ارتد معه باليمن:

296- قالوا: كان الأسود بن كعب بن عوف العنسى قد تكهن وادعى النبوة فاتبعه عنس، واسم عنس زيد بن مالك بن أدد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وعنس أخو مراد بن مالك وخالد ابن مالك وسعد العشيرة بن مالك.
واتبعه أيضا قوم من غير عنس، وسمى نفسه رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة.
وكان له حمار معلم يقول له: اسجد لربك.
فيسجد، ويقول له: ابرك، فيبرك.
فسمى ذا الحمار.
وقال بعضهم: هو ذوالحمار لأنه كان متخمرا معتما أبدا.
297- وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كان أسود الوجه، فسمى الأسود للونه وأن اسمه عيهلة.
298- قالوا: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي في السنة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وفيها كان إسلام جرير، إلى الأسود يدعوه إلى الإسلام فلم يجبه، وبعض الرواة ينكر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جريرا إلى اليمن.
299- قالوا: وأتى الأسود صنعاء فغلب عليها وأخرج خالد بن سعيد بن العاصي عنها، ويقال أنه إنما أخرج المهاجر بن أبي أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد البياضى، وكان عنده، حتى أتاه كتاب أبي بكر يأمره بمعاونة زياد فلما فرغ من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها.
وكان الأسود متجبرا، فاستذل الأبناء وهم أولاد أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع ابن ذي يزن وعليهم وهرز، واستخدمهم فأضر بهم، وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم، وعامل أبرويز عليهم.
فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن هبيرة المكشوح المرادى لقتاله.
وإنما سمى المكشوح لأنه كوى على كشحه من داء كان به، وأمره باستمالة الأبناء.
وبعث معه فروة بن مسيك المرادى.
فلما صار إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظهر قيس للأسود أنه على رأيه حتى خلى بينه وبين دخول صنعاء، فدخلها في جماعة من مذحج وهمدان وغيرهم.
ثم استمال فيروز بن الديلمى أحد الأبناء.
وكان فيروز قد أسلم.
ثم أتيا باذام رأس الأبناء، ويقال إن باذام قد كان مات ورأس الأبناء بعده خليفة له يسمى داذويه، وذلك أثبت.
فأسلم داذويه.
ولقي قيس باب بن ذي الجرة الحميرى فاستماله، وبث داذويه دعاته في الأبناء فأسلموا، فتطابق هؤلاء جميعا على قتل الأسود واغتياله، ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذي هم عليه.
وكانت شانئة له.
فدلتهم على جدول يدخل إليه منه.
فدخلوا سحرا، ويقال بل نقبوا جدار بيته بالخل نقبا، ثم دخلوا عليه في السحر، وهو سكران نائم، فذبحه قيس ذبحا.
فجعل يخور خوار الثور حتى أفزع ذلك حرسه فقالوا: ما شأن رحمان اليمن؟ فبدرت امرأته فقالت: إن الوحي ينزل عليه.
فسكنوا وأمسكوا.
واحتز قيس رأسه ثم علا سور المدينة حين أصبح فقال: الله أكبر! الله أكبر!.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأن الأسود كذا عدو الله.
فاجتمع أصحاب الأسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا، وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب العنسي السيف، فلم ينج إلا من أسلم منهم.
وذكر بعض الرواة أن الذي قتل الأسود العنسى فيروز بن الديلمى، وأن قيسا أجاز عليه واحتز رأسه.
وذكر بعض أهل العلم أن قتل الأسود كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام.
فقال في مرضه: قد قتل الله الأسود العنسي.
قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمي، وأن الفتح ورد على أبي بكر بعد ما استخلف بعشر ليال.
300- وأخبرني بكر بن الهيثم قال: حدثني ابن أنس اليماني عمن أخبره، عن النعمان بن برزج أحد الأبناء أن عامل النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بن سعيد بن العاصي، وأن الذي قتل الأسود العنسى فيروز بن الديلمى، وأن قيسا وفيروز ادعيا قتله وهما بالمدينة.
فقال عمر: قتله هذا الاسد يعنى فيروز.
301- قالوا: ثم إن قيسا اتهم بقتل داذويه، وبلغ أبا بكر أنه على إجلاء الأبناء عن صنعاء، فأغضبه ذلك، وكتب إلى المهاجر بن أبي أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله.
فلما قدم به عليه أحلفه خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما قتل داذويه فحلف، فخلى سبيله ووجهه إلى الشام مع من انتدب لغزو الروم من المسلمين.