فصل: (32/42) باب قتل الخوارج وأهل البغي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار



.[32/42] باب قتل الخوارج وأهل البغي

5021 - عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة» متفق عليه.
5022 - وعن زيد بن وهب «أنه كان في الجيش الذين كانوا مع أمير المؤمنين علي الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي يا أيها الناس إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قرائتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لا تكلوا عن العمل وآية ذلك أن فيهم رجلًا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض، قال: فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله، قال سلمة بن كهيل فنزلني زيد بن وهب منزلًا منزلًا حتى قال مررنا على قنطرة فلما التقينا، وعلى الخوارج يومئذٍ عبد الله بن وهب الرسي، فقال لهم: ألقوا الرماح وسلوا سيوفكم من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء فرجعوا فوحشوا رماحهم وسلوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم، قال وقتل بعض على بعض وما أصيب من الناس يومئذٍ إلا رجلان، فقال علي رضي الله عنه التمسوا فيهم المخدّج فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي بنفسه حتى أتى ناسًا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبّر، ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله، قال فقام إليه عبيدة السلماني، فقال يا أمير المؤمنين! آلله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال أي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثًا وهو يحلف له» رواه أحمد ومسلم.
5023 - وعن أبي سعيد قال: «بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسمًا أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، قال يا رسول الله اعدل، فقال ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم تنظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم تنظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم تنظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود أحد عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن عليًا رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي نعته».
5024 - وعنه قال: «بعث علي بن أبي طالب إلى النبي بذهيبة فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب فغضب قريش والأنصار، وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: إنما أنا أتألفهم فأقبل رجل غاير العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق، فقال اتق الله يا محمد، فقال: «من يطع الله إذا عصيتُ؟ أيأمنني على أهل الأرض فلا تأمنوني؟ فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه فلما ولى قال: «إن من ضئضئ هذا أو من عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» متفق عليهما.
5025 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تكون أمتي فرقتين فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق» وفي لفظ: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلها أولو الطائفتين بالحق» رواهما أحمد ومسلم.
5026 - وعن مروان بن الحكم قال صرخ صارخ لعلي يوم الجمل «لا يقتلن مدبرٌ ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن» رواه سعيد بن منصور وأخرج نحوه ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي من طريق عبد خير عن علي بلفظ «نادى منادي علي يوم الجمل أن لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم»
5027 - وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: «هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة، قال: الله ورسوله أعلم، قال: لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيها»، قال في "بلوغ المرام": رواه البزار والحاكم وصححه فوَهم لأن في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك وصح عن علي من طرق نحوه موقوفًا أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم.
5028 - وعن الزهري قال: «هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون فأجمعوا على أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه» ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به.
5029 - وعن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حمل علينا السلاح فليس منّا» أخرجاه.
5030 - وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تقتل عمار الفئة الباغية» رواه مسلم.
قوله: «حداث الأسنان» بحاء مهملة ودالة مهملة، وبعد الألف مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو صغير السن.
قوله: «سفهاء الأحلام» جمع حلم بكسر أوله وهو العقل والمعنى أن عقولهم ردية.
قوله: «يقولون من قول خير البرية» قيل هو القرآن ويحتمل أن يكون على ظاهره أي القول الحسن في الظاهر والباطن على خلافه كقولهم لا حكم إلا لله.
قوله: «حناجرهم» الحناجر بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حنجرة وهي الحلقوم والبلعوم وكله يطلق على مجرى النفس وهو طرف المري ما يلي الفم، والمراد أن إيمانهم باللسان لا بالقلب.
قوله: «يمرقون من الدين» في رواية للنسائي «يمرقون من الإسلام» وفي رواية له: «يمرقون من الحق».
قوله: «كما يمرق السهم من الرمية» بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتانية أي الشيء الذي يرمى به، وقيل المراد بالرمية الغزالة المرمية.
قوله: «لا تكلوا من العمل» أي تركوا الطاعات واكتفوا بثواب قتلهم.
قوله: «آية ذلك» أي علامته.
قوله: «شعيرات» جمع شعرة، واسم ذي الثدية نافع.
قوله: «في سرح الناس» بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة: وهو المال السالم.
قوله: «فنزلني زيد بن وهب منزلًا منزلًا» بفتح النون من نزلني وتشديد الزاي: أي حكى لي سيرهم منزلًا منزلًا.
قوله: «يوم حروراء» بالمد والقصر: وهو موضع قريب من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج فيه.
قوله: «فوحشوا رماحهم» بالحاء المهملة والشين المعجمة أي رموها بعيدًا.
قوله: «وشجرهم الناس» بفتح الشين المعجمة والجيم الشجر الأمر المختلف والرماح الشواجر المختلف بعضها في بعض والمراد هنا أن الناس اختلفوهم برماحهم وطعنوهم بها.
قوله: «المخدج» بخاء معجمة وجيم أي الناقص.
قوله: «ذو الخويصرة» بضم الخاء المعجمة وسكون الياء التحتية وكسر الصاد المهملة بعدها راء واسمه حرقوض.
قوله: «لا يجاوز تراقيهم» بمثناة فوق وقاف جمع ترقوة بفتح أوله وسكون الراء وضم القاف وهو العظم الذي بين ثغرتي النحر والعاتق، والمعنى إن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، وقال النووي: إنه ليس لهم فيه حظ إلا مروره على ألسنتهم لا يصل إلى حلوقهم فضلًا عن قلوبهم؛ لأن المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب.
قوله: «نصله» أي نصل السهم وهي الحديدة المركبة فيه والمراد أنه ينظر إلى ذلك ليعرف هل أصاب أم أخطأ فإذا لم يره علق به شيء من الدم ولا غيره ظن أنه لم يصبه، والغرض أنه أصابه، وإلى ذلك أشار بقوله: «قد سبق الفرث والدم» أي جاوزهما ولم يتعلق به منهما بشيء بل خرجا بعده.
قوله: رصافة: الرصاف اسم للعقب الذي يلوى فوق الرعظ من السهم، يقال رصف السهم شد على رعظه عقبه.
قوله: «إلى نضيه» بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء في "القاموس" النضي كغني السهم بلا نصل ولا ريش، وفي "الدر النثير" النضي نعل السيف، وقيل ما بين الريش والنصل، وقيل هو السهم قبل أن ينحت.
قوله: «قذذه» جمع قذة بضم القاف وتشديد الذال المعجمة وهو ريش السهم، والمراد أن الرامي إذا أراد أن يعرف هل أصاب أم لا نظر إلى السهم والنصل هل علق بهما شيء من الدم، فقد أصاب أو لم يعلق عرف أنه لم يصب، وهذا مثل ضربه - صلى الله عليه وسلم - للخوارج أراد به أنهم يخرجون من الإسلام لا يعلق بهم منه شيء كما أنه لم يعلق بالسهم من الدم شيء.
قوله: «أو مثل البضعة» بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة القطعة من اللحم.
قوله: «تدردر» بفتح أوله ودالين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة، وآخره راء ومعناه تتحرك وتذهب وتجيء وأصله حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع.
قوله: «على حين فرقة» في كثير من الروايات على حين فرقة بالحاء المهملة المكسورة وآخره نون.
قوله: «ذهيبة» بضم الذال المعجمة وفتح الهاء تصغير ذهبة.
قوله:«علاثة» بضم العين المهملة وبالثاء المثلثة.
قوله: «صناديد» جمع صنديد وهو الشجاع أو الحليم أو الجواد أو الشريف على ما في "القاموس".
قوله: «غاير العينين» بالغين المعجمة المراد أن عينيه منحدرتان عن الموضع المعتاد ووجنتيه مشرفتان أي مرتفعتان عن المكان المعتاد وجبينه ناتٍ أي بارز.
قوله: «محلوق» أي رأسه محلوق جميعه، وقد ورد ما يدل على أن حلق الرأس من علامة الخوارج كما في حديث أبي سعيد عن الطبراني بلفظ: «قيل يا رسول الله ما سيماهم، قال التحليق» وفي رواية «يحلقون رؤوسهم» قوله: «من ضئضئ» بضادين معجمتين مكسورتين بينهما همزة ساكنة وآخره همزة أي من نسله وعقبه.
قوله: «ولا يذفف» بالذال المعجمة المفتوحة بعدها فاء مشددة ثم فاء مخففة على صيغة البناء للمجهول أي لا يجهز على جريحهم.
قوله: «على أن لا يقاد أحد» أي لا يثبت القصاص على قتل في الفتنة ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه المراد أنه لا يغنم منهم إلا ما كان موجودًا عند القتال.

.[32/43] باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف

5031 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراَ فمات فميتته جاهلية»، وفي لفظ: «من كره من أميره شيئًا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية».
5032 - وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» متفق عليهن.
5033 - وعن الحارث بن الحارث الأشعري مرفوعًا «من فارق الجماعة شبرًا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه» رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه.
5034 - ولأبي داود من حديث أبي ذر: «من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» ورواه الحاكم بإبدال لفظة «قدر» «بقيد»، وقال: رواه ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
5035 - وعن عوف بن مالك الأشجعي، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنوهم ويلعنوكم، قال: قلت يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا الصلاة إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة».
5036 - وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع؟ يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».
5037 - وعن عرفجة الأشجعي، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرقها عنكم فاقتلوه» رواهن أحمد ومسلم.
5038 - وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» أخرجه مسلم.
5039 - وعن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وإثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان» متفق عليه.
5040 - وعن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليك بهذا الفيء، قال: والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك، قال: أولا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تصبر حتى تلحقني» رواه أحمد وفي إسناده خالد بن دهنان مجهول وذكره ابن حبان في الثقات.
5041 - وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله» رواه البخاري.
5042 - وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» أخرجاه.
5043 - وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن من أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة» أخرجاه وفي الباب أحاديث.
قوله: «كفرًا بواحًا» بالباء الموحدة والحاء المهملة أي ظاهرًا باديًا.
قوله: «جثمان إنس» بضم الجيم وسكون المثلثة أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الإنس.
قوله: «عرفجة» بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الفاء بعدها جيم هو ابن شريح بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء.
قوله: «منشطنا» بفتح الميم والشين المعجمة وسكون النون التي بينهما أي في حال نشاطنا وحال كراهتنا وعجزنا عن العمل بما نؤمر به.

.[32/44] باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة.

5044 - عن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حد الساحر ضربه بالسيف» رواه الترمذي والدارقطني وضعف الترمذي إسناده وصحح وقفه عن جندب وأخرجه الحاكم والبيهقي.
5045 - وعن بجالة بن عبده، قال «كنت كاتب الحر بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بشهرين: اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانهوهم عن الرمومة، فقتلنا ثلاث سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمه في كتاب الله» رواه أحمد وأبو داود بدون لفظ «ساحرة»، وقال المنذري: أخرجه البخاري والترمذي والنسائي مختصرًا.
5046 - وعن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه: «أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت» رواه مالك في "الموطأ" عنه.
5047 - وعن ابن شهاب: «أنه سئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب» أخرجه البخاري وليس فيه دليل على عدم قتل الساحر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعاقب بما وقع فيه كما في قصة اليهودية التي سمته.
5048 - ويشهد لما قلناه حديث عائشة عند البخاري قالت: «ما انتقم النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله فينتقم».
5049 - وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» أخرجاه.
5050 - وعن عائشة قالت:«سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حق إذا كان ذات يوم وهو عندي دعى الله ودعى، ثم قال: أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني بما أستفتيه، قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق، قال: في ماذا؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة، فقال: والله لكأن ماؤها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين، فقلت: يا رسول الله أفأخرجته، قال: لا أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثير على الناس شرًا فأمر بها فدفنت» متفق عليه، وفي رواية لمسلم: قال: «فقلت يا رسول الله! أفلا أخرجته؟ قال: لا» وفي رواية للبخاري من حديث عائشة: «فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لهذه البئر التي أريتها كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين وكأن مائها نقاعة الحناء فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخرج قالت عائشة: فقلت يا رسول الله! فهلا تعني تنشرت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما الله فقد شفاني وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرًا» انتهى. ذكر ذلك في كتاب الأدب في باب إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وفي البخاري أيضًا في باب الشرك والسحر من الموبقات
أخرج حديث عائشة المذكور وفيه «فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: هذه البئر التي أريتها، قال: فاستخرج ذلك، قالت: فقلت: أفلا تنشرت؟ فقال: أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا» انتهى. وقال في "الفتح": النشر بالضم نوع من العلاج انتهى.
5051 - وعن زيد بن أرقم، قال: «سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيامًا فأتاه جبريل فقال: إن رجلًا من اليهود سحرك عقد لك عقدًا في بئر كذا وكذا فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستخرجها فحلها فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط» أخرجه النسائي.
5052 - وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عقد عقدة، ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق بشيء وكل إليه» أخرجه النسائي من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه عند الجمهور.
5053 - وعن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر» رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه".
5054 - وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وقال العراقي في "أمالية": حديث صحيح.
5055 - وللترمذي وأبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا، فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد» وضعف البخاري إسناده، وقد تقدم في كتاب النكاح.
5056 - وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما قال، فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه البزار بإسناد جيد قوي.
5057 - زاد الطبراني من رواية أنس «من أتاه غير مصدق لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة».
5058 - وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة» رواه أحمد ومسلم، وقال: «أربعين يومًا».
5059 - وعن عائشة قالت: «سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكهانة فقال: ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانًا بشيء فيكون حقًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تلك الكلمة من الحق يخطفها الشيطان فيقرها في أُذن وليه يخلطون معها مائة كذبة» متفق عليه، وفي رواية لمسلم «فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة».
5060 - وعن عائشة قالت: «كان لأبي بكر غلام يأكل من خراجه فجاء بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ قال: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني ذلك فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه» أخرجه البخاري.
5061 - وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ورجال إسناده ثقات.
5062 - وعن معاوية بن الحكم السلمي قال: «قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بالجاهلية وقد جاء الله بالإسلام فإن منا رجالًا يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم، قال: قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبيًا من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك» رواه أحمد ومسلم.
5063 - وعن عمران قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من تطير ولا من تطير له أو تكهن أو تكهن له -أظنه قال-: أو سحر أو سحر له» رواه الطبراني في أكبر معاجيمه وفي إسناده أبو حمزة العطار ضعفه الفلاس وابن عدي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وهو من حديث الحسن عن عمران، وفي سماعه منه اختلاف؛ لكن قال الحاكم: الأكثر على السماع، وقال المنذري بعد أن ساق حديث عمران: رواه البزار بإسناد جيد
5064 - وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بإسناد حسن.
قوله: «الزمزمة» بزائين معجمتين كلام يصدر منهم عند الطعام.
قوله: «مطبوب» بالطاء المهملة وموحدتين اسم مفعول أي مسحور.
قوله: «من بني زريق» بتقديم الزاي.
قوله: «في مُشط ومشاطة» المشط بضم الميم والشين المعجمة وبضم الميم وسكون الشين وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر، والمشاطة بضم الميم هي اشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه بالمشط، ووقع في رواية للبخاري «ومشاقة» بالقاف وهي المشاطة، وقيل مشاقة الكتان.
قوله: «جف طلعة» بالجيم والفاء وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى.
قوله: «في بئر ذروان» هكذا وقع في نسخ من البخاري وفي جميع روايات مسلم أجد وأصح.
قوله: «نقاعة الحناء» بضم النون من نقاعة وهو الماء الذي ينقع فيهه الحناء.
قوله: «كاهنًا» قال في "الدر النثير": الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبلة الزمان ويدعي معرفة الأسرار الجمع كهان وكهنة وفي "النهاية": الكاهن يشمل العراف والمنجم.
قوله: «أو عرافًا» هو المنجم أو الحاذي الذي يدعي علم الغيب ولقد أجاد بعض بني حمدان حيث قال.
دَعِ النُّجومَ لعرَّافٍ يعيش بها ** وانهض بعزم قوي أيها الملك

إن النبي وأصحاب النبي نُهوا ** عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا


وقول الآخر:
لا تركنن إلى مقال منجمٍ ** وكِلِ الأمورَ إلى القضاءِ وسلِّمِ

واعلم بأنك إن جعلت لكوكبٍ ** تدبير حادثة فلست بمسلمِ

قوله: «يخطفها» بفتح الطاء المهملة على المشهور أي استرقها وأخذها بسرعة.
قوله: «فيقرها» بفتح التحتية وضم القاف وتشديد الراء القر ترديد الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه.
قوله: «قرّ الدجاجة» الدجاجة بالدال المهملة هي الحيوان المعروف أي صوتها عند مجاذبتها لصواحبها.
قوله: «زاد ما زاد» أي زاد من علوم النجوم كمثل ما زاد من السحر.
قوله: «يطيرون» بفتح التحتية وتشديد الطاء المهملة وأصله يتطيرون أدغمت التاء في الطاء والطيرة التشاؤم بالشيء المكروه مصدر تطيّر كتحير حيرة ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما.
قوله: «يخطون» الخط هو الذي يخطه الحازي بالحاء المهملة والزاي الذي ينظر في المغيبات يظنه فيأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه شيئًا ثم يأتي الحازي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطًا كثيرة في أربعة أسطر عجلًا ثم يمحو منها على مهل خطين خطين فإن بقي خطان فهو علامة النجاح وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة هكذا في شرح السنن لابن رسلان، قال وهذا علم معروف فيه للناس تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ويستخرجون به الضمير، وقال الحربي: الخط في الحديث هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن ويقول كذا وكذا وهو ضرب من الكهانة.
قوله: «كان نبي من الأنبياء يخط» قيل هو أدريس عليه السلام وفيه إباحة ما كان لمثل خط النبي المذكور ولكن من أين يعرف الموافقة لخطه فلا سبيل إلى ذلك إلا من طريق نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد في ذلك شيء.