فصل: أبواب المياه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار


بسم الله الرحمن الرحيم

.المقدمة

أحمد من أَرسل بالبينات أحمد، فرفع أعلام الشريعة وأيّد، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى كافة العالمين، المؤيَّد بالمعجزات والبراهين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه المبلغين لشرائعه وأحكامه، الذين اتصلت بهم أسانيد الأحكام، وعليهم أُسِّست قواعد الإسلام، حتى انشرحت صدورنا بشموس الأدلة المصونة عن الأقوال، وأنارت قلوبنا فسلكت منهج الإنصاف في تطبيق الفروع على الأصول.
وبعد: فيقول الفقير إلى مولاه، الغني به عمن سواه حسن بن أحمد الرُّباعي، عَمَرَ الله قلبه بتقواه، وجعل الجنة مصيره ومأواه.
هذا مختصر جامع لما تفرق في الدفاتر والأسفار، من أحاديث الأحكام المسندة عن نبينا المختار، لم يصنع مثله من سبق من المؤلفين، ولا نسج على منواله أحد من متقدمي المصنفين، جمعتُ فيه أدلة الأحكام، وعكفت على تحريره وتهذيبه مدة من الشهور والأعوام، رجاء أن أكون ممن شمله قول الشارع: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع»، وقوله: «نضر الله امرءاً سمع منّا حديثًا فيبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه»، وأن أكون ممن شمله حديث أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» وأن أكون ممن فاز بنيل نصيب من ميراث خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطاهرين:
العلم ميراث النبيّ كذا أتى ** في النص والعلماء هم وراثه

ما خلف المختار غير حديثه ** فينا فذاك متاعه وأثاثه

فلنا الحديث وراثةً نبويةً ** ولكل محدث بدعة أحداثه

وكنت قد سمعت من مشايخي الأعلام طرفًا من السنة صالحًا، وأشرفت في الفروع على أشياء بَعُدت منها بعدًا واضحًا، ورأيت ما وقع من الخلاف بين الأئمة الأعلام، وأخذ كل طائفةٍ بجانب من سنة خير الأنام، وقد أرشدنا الشارع أن نرجع إليه عند الاختلاف،
وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - متجنبين سلوك طريق الاعتساف، قاصدين الاجتماع والاتفاق والائتلاف، فجمعت أحاديث الأحكام القاطعة للخلاف، وعمدت إلى أجمع كتاب للأحكام، وأنفع تأليف تداولته الأئمة الأعلام، وهو "المنتقى" فجعلته أصلًا لهذا الكتاب، ورتبته أحسن ترتيب، وهذبته أبلغ تهذيب، وحذفت منه أشياء تكررت، وأبدلت منه تراجم صدّرت، وقدمت ما يحتاج إلى التقديم، وأخرت ما تقدم ورُتبَتُه التأخير، وجعلت كل حديث حيث يستحق التصدير، وزدت عليه الجم الغفير من "جامع الأصول"، و"بلوغ المرام"، و"مجمع الزوائد"، و"الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري، ومن "الجامع الصغير وذيله"، ومن "الجامع الكبير"، ومن "البدر المنير"، و"جامع المسانيد"، و"المستدرك" للحاكم، و"تلخيص الحافظ ابن حجر"، و"فتح الباري"، و"خلاصة البدر المنير"، وغير ذلك من الكتب، وراجعت تلك الأصول، ونسبت كل حديث إلى أصله المنقول، وأتبعت كل حديث ما عليه من الكلام من تصحيح وتحسين، أو تضعيف وتهوين، وعزوت كل شيء إلى قائله حسبما وجدته في هذه المصنفات، وإن لم أجد كلامًا لأحد من الأئمة على الحديث نقلت من كتب الرجال ما قيل في راويهِ من التوثيق والتضعيف، وبالغت في العناية في البحث لِمَا يحتاج إليه وإن بعدت طريق الوصول إلا بعد أيام إليه.
(وسمّيته): "فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار".
ومما دعاني إلى تأليفه، واقتحام المشاق إلى تصنيفه أمران:
أحدهما: أني لمّا رحلت عن هذه الديار، وجُبْتُ الفيافي والقفار، وأقمت ببلاد لا يوجد فيها مختصرات المؤلفات فضلًا عن مطولات المصنفات، وكنت كثيرًا ما أحتاج في غالب الحالات إلى البحث عن حال شيء من الأحاديث، فلم أظفر بالمقصود، وكان استصحاب شيء من الكتب يحتاج إلى مشقة زائدة على المجهود، عزمت على صنع هذا المختصر الصغير الحجم، الكبير المقدار، أجعله نديمي في الحضر، ورفيقي في الأسفار، فياله من نديم تشتاق إليه نفوس العارفين، ورفيق لا يُملّ حديثه كل وقت وحين!
الأمر الثاني: ذهاب الكتب من هذه الديار، وتفرق أصول هذا الكتاب في الأنجاد والأمصار، فسارعت إلى جمعه، وكنت عند الشروع أرى نفسي حقيرة لمثل التصدي لهذا الخطب، ورأيت أن الترك لذلك أقرب، فرغبني بعض مشايخي الأعلام، وقال لي: هذه طريقة مدّخرة لدار السلام، ولا زال يحثني على تمام ما وقع به الشروع، فتمثلت بقول الشاعر:
وقد يجتدى فضل الغمام **

ثم إنه رحمه الله وأسكنه بحبوح الجنان، وجعله من كل مخافة في أمان حضني أن أتبع كل حديث بما يحتاج إلى تفسيره من الغريب، حتى لا يحتاج إلى شرح، وتكمل به فائدة الكتاب، فامتثلت أمره، وأتْبَعتُ كل باب ما يحتاج إليه نقلًا من شروح الحديث، و"غريب جامع الأصول"، و"مختصر نهاية ابن الأثير"، و"المُغْرِب"، و"صحاح الجوهري"، و"القاموس"، و"مجمع البحار" وغير ذلك.
ثم إني أتبعتُ هذا الكتاب كتابَ الجامع، اشتمل على عدة أبواب مهمة لا يُستغنى عنها، وقد أكرر الحديث الواحد في مواضع من هذا الكتاب لِمَا فيه من الأحكام المتعددة، واقتديت بأصل هذا الكتاب في جعل العلامة لِمَا رواه البخاري ومسلم أخرجاه، ولما رواه أحمد وأصحاب السنن رواه الخمسة، ولهم جميعًا رواه الجماعة، ولأحمد والبخاري ومسلم متفق عليه، وما سوى ذلك أذكر من أخرجه باسمه.
والله أسأل أن يهدينا إلى الصواب، ويعصمنا عن الخطأ بفضله ومنّه فهو الكريم الوهاب، وأن ينفع به من أراد من خلقه، ويجعلنا من العاملين به.
وكان الشروع في تأليفه غرة شهر المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، بمدينة صنعاء المحمية بالله تعالى، ومنّ الله وله الحمد بالفراغ من تأليفه في ثاني عشر شهر رمضان سنة أربعين ومائتين وألف.

. [1] كتاب الطهارة

.أبواب المياه

.[1/1] باب ما جاء في طهورية ماء البحر وغيره

1 - عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته» رواه الخمسة وابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" وحسنه الترمذي، وقال: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حديث صحيح، وصححه أيضًا ابن عبد البر وابن منده وابن المنذر، وقال البغوي: متفق على صحته، وقال ابن الأثير: حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة في كتبهم واحتجوا به ورجاله ثقات، وقال في "البدر المنير": هذا الحديث صحيح وروى عن الترمذي تصحيحه.
2 - وعن أنس بن مالك قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء، فلم يجدوا ماء، فأُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء، فوضع في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضئوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا عن آخرهم» متفق عليه.
3 - وعن جابر بن عبد الله قال: «وضع يده - صلى الله عليه وسلم - في الركوة، فجعل الماء يثور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، قال: كُنَّا خمس عشرة مائة» متفق عليه.
قوله: «هو الطهور ماؤه» الطُّهور: بالضم للفعل الذي هو المصدر، وبالفتح للماء الذي يتطهر به، هكذا في "النهاية" و"الدر النثير". وأما الطهارة فهي في اللغة: النظافة والتنزه عن الأقذار.
قوله: «فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوَضوء»، الوضوء بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به.
قوله: «ينبع من تحت أصابعه»، بفتح التحتية في أوله، وضم الموحدة.

.[1/2] باب ما جاء في النبيذ

4 - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن: «ما في إداوتك أو ركوتك؟ قلت: نبيذ. قال: ثمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ منه» رواه الترمذي وأنكره، وقال: إنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له رواية غير هذا الحديث. وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم: سفيان الثوري وغيره، وقال بعض أهل العلم: لا يتوضأ بالنبيذ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقول من يقول: لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء:43] انتهى. ورواه أبو داود ولم يذكر فتوضأ منه، وفي إسناده مجهول. وقال أبو زرعة: ليس هذا الحديث بصحيح، وقال أبو أحمد الكرابيسي: لا يثبت هذا الحديث.

.[1/3] باب طهارة الماء المتوضأ به

5 - عن جابر بن عبد الله قال: «جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ وصب عليّ» متفق عليه.
6 - وعن أبي جحيفة قال: «خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة، وأُتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به» رواه البخاري، وفي رواية لهما: «فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، من أصاب منه شيئًا تمسح به، ومن لم يصب منه أخذ من بلل صاحبه».
7 - وعن أبي موسى قال: «دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح فيه ماء، فغسل يده ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال لهما: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما» رواه البخاري.
وضمير «لهما» عائد إلى أبي موسى وبلال.
قوله: «لا أعقل»، أي: لا أفهم من شدة المرض.

.[1/4] باب النهي عن الاغتسال في الماء الدائم وهو جنب

8 - عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقالوا: يا أبا هريرة! كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولًا» رواه مسلم وابن ماجه، ولأحمد وأبي داود: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة».
9 - وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» رواه الجماعة، ولفظ الترمذي: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه»، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه بهذا اللفظ عبد الرزاق وأحمد وابن أبي شيبة وابن حبان، وأخرجه أيضًا ابن حبان والبيهقي والطحاوي بزيادة: «أو يشرب منه» وللنسائي: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه، أو يتوضأ».
قوله: «الدائم»: هو الساكن.

.[1/5] باب ما جاء في فضل وضوء المرأة وغسلها

10 - عن الحكم بن عمرو الغفاري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي فإنهما قالا: «وضوء المرأة» وحسنه الترمذي وابن ماجه، وقال البخاري: حديث الحكم ليس بصحيح، وفي رواية للترمذي أو قال: «بسورها» وقال: حسن صحيح.
11 - وعن رجل صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعًا» رواه أبو داود والنسائي، قال الحافظ في "بلوغ المرام": وإسناده صحيح.
12 - وعن عائشة قالت: «كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة» أخرجاه، ولمسلم قالت: «كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني، حتى أقول: دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان».
13 - وعن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل ميمونة» أخرجه أحمد ومسلم، ولأصحاب السنن: «اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة، فجاء ليغتسل منها فقالت: إني كنت جنبًا، فقال: إن الماء لا يجنب» وصححه الترمذي وابن خزيمة، وفي رواية لهما: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد»، وللنسائي: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين»، وأخرجه ابن ماجه، قال في "تحفة المحتاج": وإسناده على شرط الصحيح إلا عبد الله بن عامر الأشعري شيخ ابن ماجه، فتفرد عنه ولا أعرف حاله، فإن كان هو عبد الله بن مراد الأشعري كما نسبه ابن ماجه مرة أخرى، فهو من رجال الصحيح. انتهى. وقد جمع بين الحديثين بحمل النهي على التنزيه.
قوله: «لا يجنب» بفتح أوله وضمه، قال في "الدر النثير": والثوب لا يجنب والأرض، أي: لا يجب غسله إذا لبسه الجنب.

.[1/6] باب حكم الماء إذا لاقته نجاسة

14 - عن أبي سعيد قال: «قيل: يا رسول الله! أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحِيض ولحوم الكلاب والنَّتْن؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه أبو داود وأحمد والترمذي وحسنه وصححه أحمد ويحيى بن معين وابن حزم والحاكم، وفي رواية لأحمد وأبي داود: «أنه يستقى لك من بئر بضاعة وهي يطرح فيها محايض النساء ولحم الكلاب وعذر الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الماء طهور لا ينجسه شيء» قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها، قلت: أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال: إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة، قال أبو داود: وقدرت بئر بضاعة بردائي فمددته عليها، ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان، فأدخلني إليه: هل غُيِّر بناؤها كما كان عليه؟ فقال: لا. ورأيت فيها ماءً متغير اللون.
15 - وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» أخرجه ابن ماجه، وضعفه أبو حاتم، وللبيهقي: «الماء طهور إلا أن يتغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه» والحديث قد اتفق الحفاظ على ضعفه، ولكنه قد وقع الإجماع على نجاسة الماء إذا تغير بوقوع نجاسة فيه.
16 - وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال:«سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يُسأل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الخمسة، وفي لفظ لابن ماجه ورواية لأحمد: «لم ينجسه شيء» وفي رواية لأبي داود: «إذا كان الماء قلتين، فإنه لا ينجس»، وقال يحيى بن معين: إسنادها جيد، والحاكم صحيح، والبيهقي موصول، وصحح الحديث ابن خزيمة وابن حبان، وقال يحيى بن معين: جيد الإسناد، وقال البيهقي: إسناد صحيح موصول، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.
17 - وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» رواه الجماعة، وقد تقدم قريبًا.
قوله: «بُضاعة»، بضم الموحدة بعدها ضاد معجمة: بئر بالمدينة معروفة، قوله: «النَّتن»، بنون مفتوحة وتاء ساكنة ثم نون هو الشيء الذي له رائحة كريهة.
قوله: «الحِيض»، بكسر الحاء جمع حيضة بكسر الحاء أيضًا، قال في "الدر النثير": الحيضة بالكسر خرقة الحيض، ويُقال لها: المحيضة.
قوله: «عَذِر الناس»، بفتح العين المهملة، وكسر الذال المعجمة جمع عذرة.
قوله: «الخبث»، بفتحتين، قال في "الدر النثير": هو النجس، ونهى عن الدواء الخبيث، أي: النجس كالخمر.

.[1/7] باب حكم الماء إذا ولغت فيه السباع

18 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات» رواه مسلم والنسائي، وفي لفظ: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» وفي لفظ المتفق عليه: «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا».
19 - وعن عبد الله بن مغفل قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب؟ ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب» رواه الجماعة إلا الترمذي والبخاري.
20 - وعن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الهرة: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات» رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة، وصححه أيضًا البخاري والعقيلي وابن حبان والحاكم والدارقطني.
21 - وعن عائشة «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصغي للهرة الإناء حتى تشرب منه، ثم يتوضأ بفضلها» رواه الدارقطني، وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف جدًا.
22 - ولأبي داود من حديث عائشة قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم. وإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفضلها» قال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه. وقد أخرج هذا الطبراني ورجاله ثقات كما في "مجمع الزوائد".
23 - وعن أبي هريرة قال: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة، فقيل: إن الكلاب والسباع ترد عليها، فقال: لها ما أخذت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» أخرجه الدارقطني.
24 - وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة من حديث جابر وقال: له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ: «أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها».
25 - وعن ابن عمر قال: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فسار ليلًا، فمروا على رجل جالس عند مقراةٍ له، وهو الحوض الذي يجتمع فيه الماء، فقال عمر: أولغت السباع عليك الليلة في مقراتك؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا صاحب المقراة! لا تخبره، هذا متكلف، لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور» رواه الدارقطني.
قوله: «وَلغ»، بفتح أوله، أي: شرب.

.[1/8] باب في الماء يقع فيه أحد الدواب التي لا دم لها

26 - عن سلمان أن رسول اللهص قال: «يا سلمان! كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم، فماتت فهو حلال أكله وشربه ووضوءه» رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف، وقال الحاكم: حديث غير محفوظ، وإسناده مجهول.
27 - وسيأتي إن شاء الله في كتاب الأطعمة حديث: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم».. إلخ.

.[1/9] باب ما جاء في الاكتفاء بالحت والقرص بالماء للنجاسة وإن بقي أثرها

28 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: «إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع؟ فقال: تَحتَّه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تُصلي فيه» متفق عليه.
29 - وعن أُمِّ قيس بنت مِحْصَن «أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيضة تصيب الثوب، فقال: حُكِّيْه بضلعٍ واغسليه بماء وسدر» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، قال ابن القطان: إسناده في غاية الصحة، ولا أعلم له علة.
30 - وعن أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت: «يا رسول الله! ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، قال: فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم، ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله! إن لم يخرج أثره؟ قال: يكفيك الماء، ولا يضرك أثره» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وضعف الحافظ في "بلوغ المرام" إسناده، وقال البيهقي: تفرد به ابن لَهيعة وهو ضعيف بإجماعهم.
31 - وعن معاذة قالت: «سألت عائشة عن الحائض يصيب ثوبها الدم، فقالت: تغسله، فإن لم يذهب أثره، فلتغيره بشيء من صفرة، قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث حيض جميعًا لا أغسل لي ثوبًا» رواه أبو داود والدارمي
قوله: «الحيضة» بفتح الحاء هو الحيض، قوله: «تحتَّه» بفتح الفوقانية، وضم المهملة، وتشديد التاء الفوقانية، أي: تحكه، قوله: «تقرصه» بفتح أوله، وإسكان القاف، وضم الراء والصاد المهملتين: أي: تدلكه بأصابعها، قوله: «تنضحه» بفتح الضاد المعجمة، أي: تغسله.

.[1/10] باب تطهير الأرض المتنجسة بالغسل بالماء أو الجفاف

32 - عن أبي هريرة قال: «قام أعرابي فبال في المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعوه وأريقوا على بوله سَجْلًا أو ذنوبًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين» رواه الجماعة إلا مسلمًا.
33 - وعن أنس بن مالك قال: «بينا نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه، فقال: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلوٍ من ماء فشنه عليه» متفق عليه، إلا أن البخاري لم يُخرج لفظ: «إن هذه المساجد إلى تمام الأمر بتنزيهها».
34 - وعن ابن عمر قال: «كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك» رواه البخاري، ولأبي داود وأحمد: «كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولا يرشون شيئًا من ذلك» قال ابن كثير: وإسناده على شرط البخاري.
قوله: «سجلًا»: بفتح المهملة، وسكون الجيم، هو: الدلو المملوء ماء.
قوله: «لا تُزْرِموُه»، بضم الفوقية، وإسكان الزاي، أي: لا تقطعوا عليه بوله.
قوله: «فشنّ»، بالشين المعجمة، وقيل بالسين المهملة، والأول أكثر.

.[1/11] باب ما جاء من الاكتفاء بالتراب للنعل

35 - عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهور»، وفي لفظ آخر: «إذا وطئ الأذى بخفيه، فطهورهما التراب» رواهما أبو داود والحاكم والبيهقي، وفي إسناده مجهول، وصححه ابن حبان وابن خزيمة.
36 - وعن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا جاء أحدكم المسجد، فليقلب نعليه، ولينظر فيهما، فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض، ثم ليصل فيهما» رواه أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان وصححه ابن خزيمة، وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح أبو حاتم في العلل الموصول، وذكر صاحب "الخلاصة" أن الحاكم قال: الحديث صحيح على شرط مسلم. انتهى. قال ابن كثير: وهو كما قال، وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة، وفي الباب أحاديث يقوي بعضها بعضاً.