فصل: باب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الولد للفراش حرة كانت‏)‏ أي المستفرشة ‏(‏أو أمة‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن عروة‏)‏ في رواية شعيب عن الزهري في العتق ‏"‏ حدثني عروة ‏"‏ وكذا وقع في رواية عبد الله ابن مسلمة عن مالك في المغازي لكن أخرجه في الوصايا بلفظ عن عروة‏.‏

قوله ‏(‏كان عتبة عهد إلى أخيه‏)‏ في رواية يحيى بن قزعة عن مالك في أوائل البيوع ابن أبي وقاص في الموضوعين وكذا في رواية شعيب والليث وغيرهما عن الزهري وفي رواية ابن عيينة عن الزهري الماضية في الأشخاص‏:‏ أوصاني أخي إذا قدمت يعني مكة أن أقبض إليك ابن أمة زمعة فإنه ابني‏.‏

قوله ‏(‏أن ابن وليدة زمعة‏)‏ في رواية ابن عيينة عن ابن شهاب الماضية في المظالم ابن أمة زمعة، والوليدة في الأصل المولودة وتطلق على الأمة وهذه الوليدة لم أقف على اسمها لكن ذكر مصعب الزبيري وابن أخيه الزبير في ‏"‏ نسب قريش ‏"‏ أنها كانت أمة يمانية، والوليدة فعيلة من الولادة بمعنى مفعولة، قال الجوهري‏:‏ هي الصبية والأمة والجمع ولائد، وقيل إنها اسم لغير أم الولد‏.‏

وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم وقد تحرك، قال النووي‏:‏ التسكين أشهر‏.‏

وقال أبو الوليد الوقشي‏:‏ التحريك هو الصواب‏.‏

قلت‏:‏ والجاري على ألسنة المحدثين التسكين في الاسم والتحريك في النسبة، وهو ابن قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد بن زمعة بغير إضافة، ووقع في ‏"‏ مختصر ابن الحاجب ‏"‏ عبد الله وهو غلط، نعم عبد الله بن زمعة آخر، وفي بعض الطرق من غير رواية عائشة عند الطحاوي في هذا الحديث عبد الله بن زمعة ونبه على أنه غلط وأن عبد الله بن زمعة هو ابن الأسود ابن المطلب بن أسد بن عبد العزي آخر‏.‏

قلت‏:‏ وهو الذي مضى حديثه في تفسير ‏(‏والشمس وضحاها‏)‏ وقد وقع لابن منده خبط في ترجمة عبد الرحمن بن زمعة فإنه زعم أن عبد الرحمن وعبد الله وعبدا إخوة ثلاثة أولاد زمعة بن الأسود، وليس كذلك بل عبد بغير إضافة وعبد الرحمن أخوان عامريان من قريش، وعبد الله ابن زمعة قرشي أسدي من قريش أيضا، وقد أوضحت ذلك في ‏"‏ الإصابة في تمييز الصحابة ‏"‏ والابن المذكور اسمه عبد الرحمن وذكره ابن عبد البر في الصحابة وغيره، وقد أعقب بالمدينة‏.‏

وعتبة بن أبي وقاص أخو سعد مختلف في صحبته فذكره في الصحابة العسكري وذكر ما نقله الزبير بن بكار في النسب أنه كان أصاب دما بمكة في قريش فانتقل إلى المدينة ولما مات أوصى إلى سعد، وذكره ابن منده في الصحابة ولم يذكر مستندا إلا قول سعد ‏"‏ عهد إلى أخي أنه ولده ‏"‏ واستنكر أبو نعيم ذلك وذكر أنه الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، قال وما علمت له إسلاما، بل قد روى عبد الرزاق من طريق عثمان الجزري عن مقسم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بأن لا يحول على عتبة الحول حتى يموت كافرا فمات قبل الحول ‏"‏ وهذا مرسل، وأخرجه من وجه آخر عن سعيد بن المسيب بنحوه‏.‏

وأخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق صفوان بن سليم عن أنس أنه سمع حاطب بن أبي بلتعة يقول ‏"‏ إن عتبة لما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم ما فعل تبعته فقتلته‏"‏، كذا قال وجزم ابن التين والدمياطي بأنه مات كافرا‏.‏

قلت‏:‏ وأم عتبة هند بنت وهب بن الحارث بن زهرة، وأم أخيه سعد حمنة بنت سفيان بن أمية‏.‏

قوله ‏(‏فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي‏)‏ في رواية يونس عن الزهري في المغازي ‏"‏ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح‏.‏

وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد وهي لمسلم لكن لم يسق لفظها ‏"‏ فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنه وقال ابن أخي ورب الكعبة ‏"‏ وفي رواية الليث ‏"‏ فقال سعد يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أنه ابنه ‏"‏ وعتبة بالجر بدل من لفظ أخي أو عطف بيان، والضمير في أخي لسعد لا لعتبة‏.‏

قوله ‏(‏فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فجاء عبد بن زمعة فقال بل هو أخي ولد على فراش أبي من جاريته ‏"‏ وفي رواية يونس ‏"‏ يا رسول الله هذا أخي هذا ابن زمعة ولد على فراشه ‏"‏ زاد في رواية الليث ‏"‏ انظر إلى شبهه يا رسول الله ‏"‏ وفي رواية يونس ‏"‏ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص ‏"‏ وفي رواية الليث ‏"‏ فرأى شبها بينا بعتبة ‏"‏ وكذا لابن عيينة عند أبي داود وغيره، قال الخطابي وتبعه عياض والقرطبي وغيرهما‏:‏ كان أهل الجاهلية يقتنون الولائد ويقررون عليهن الضرائب فيكتسبن بالفجور، وكانوا يلحقون النسب بالزناة إذا ادعوا الولد كما في النكاح، وكانت لزمعة أمة وكان يلم بها فظهر بها حمل زعم عتبة بن أبي وقاص أنه منه وعهد إلى أخيه سعد أن يستلحقه، فخاصم فيه عبد بن زمعة، فقال لي سعد‏:‏ هو ابن أخي على ما كان عليه الأمر في الجاهلية‏.‏

وقال عبد‏:‏ هو أخي على ما استقر عليه الأمر في الإسلام، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الجاهلية وألحقه بزمعة، وأبدل عياض قوله إذا ادعوا الولد بقوله إذا اعترفت به الأم، وبنى عليهما القرطبي فقال‏:‏ ولم يكن حصل إلحاقه بعتبة في الجاهلية إما لعدم الدعوى وإما لكون الأم لم تعترف به لعتبة‏.‏

قلت‏:‏ وقد مضى في النكاح من حديث عائشة ما يؤيد أنهم كانوا يعتبرون استلحاق الأم في صورة وإلحاق القائف في صورة ولفظها ‏"‏ إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ يجتمع الرهط ما دون العشر فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومضت ليال أرسلت إليهم فاجتمعوا عندها فقالت‏:‏ قد ولدت فهو ابنك يا فلان، فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع ‏"‏ إلى أن قالت ‏"‏ ونكاح البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن فوضعت جمعوا لها القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرى القائف لا يمتنع من ذلك ‏"‏ انتهي‏.‏

واللائق بقصة أمة زمعة الأخير، فلعل جمع القافة لهذا الولد تعذر بوجه من الوجوه، أو أنها لم تكن بصفة البغايا بل أصابها عتبة سرا من زنا وهما كافران فحملت وولدت ولدا يشبهه فغلب على ظنه أنه منه فبغته الموت قبل استلحاقه فأوصى أخاه أن يستلحقه، فعمل سعد بعد ذلك تمسكا بالبراءة الأصلية قال القرطبي‏:‏ وكان عبد بن زمعة سمع أن الشرع ورد بأن الولد للفراش وإلا فلم يكن عادتهم الإلحاق به، كذا قاله، وما أدري من أين له هذا الجزم بالنفي، وكأنه بناه على ما قال الخطابي أمة زمعة كانت من البغايا اللاتي عليهن من الضرائب، فكان الإلحاق مختصا باستلحاقها على ما ذكر، أو بإلحاق القائف على ما في حديث عائشة، لكن لم يذكر الخطابي مستندا لذلك، والذي يظهر من سياق القصة ما قدمته أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة فاتفق أن عتبة زنى بها كما تقدم، وكانت طريقة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استلحقه لحقه وإن نفاه انتفى عنه وإذا ادعاه غيره كان مرد ذلك إلى السيد أو القافة، وقد وقع في حديث ابن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيد ما قلته، وأما قوله‏:‏ إن عبد بن زمعة سمع أن الشرع إلخ ففيه نظر، لأنه يبعد أن يسمع ذلك عبد بن زمعة وهو بمكة لم يسلم بعد ولا يسمعه سعد بن أبي وقاص وهو من السابقين الأولين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حين إسلامه إلى حين فتح مكة نحو العشرين سنة، حتى ولو قلنا إن الشرع لم يرد بذلك إلا في زمن الفتح فبلوغه لعبد قبل سعد بعيد أيضا، والذي يظهر لي أن شرعية ذلك إنما عرفت من قوله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ وإلا فما كان سعد لو سبق علمه بذلك ليدعيه، بل الذي يظهر أن كلا من سعد وعتبة بني على البراءة الأصلية، وأن مثل هذا الولد يقبل النزاع، وقد أخرج أبو داود تلو حديث الباب بسند حسن إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‏"‏ قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله إن فلانا ابني عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش وللعاهر الحجر ‏"‏ وقد وقع في بعض طرقه أن ذلك وقع في زمن الفتح وهو يؤيد ما قلته، واستدل بهذه القصة على أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للأخ أن يستلحق وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزا أو يوافقه باقي الورثة وإمكان كونه من المذكور وأن يوافق على ذلك إن كان بالغا عاقلا وأن لا يكون معروف الأب، وتعقب بأن زمعة كان له ورثة غير عبد، وأجيب بأنه لم يخلف وارثا غيره إلا سودة، فإن كان زمعة مات كافرا فلم يرثه إلا عبد وحده، وعلى تقدير أن يكون أسلم وورثته سودة فيحتمل أن تكون وكلت أخاها في ذلك أو ادعت أيضا، وخص مالك وطائفة الاستلحاق بالأب، وأجابوا بأن الإلحاق لم ينحصر في استلحاق عبد لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بوجه من الوجوه كاعتراف زمعة بالوطء، ولأنه إنما حكم بالفراش لأنه قال بعد قوله هو لك ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ لأنه لما أبطل الشرع إلحاق هذا الولد بالزاني لم يبق صاحب الفراش‏.‏

وجرى المزني على القول بأن الإلحاق يختص بالأب فقال‏:‏ أجمعوا على أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره، والذي عندي في قصة عبد بن زمعة أنه صلى الله عليه وسلم أجاب عن المسألة فأعلمهم أن الحكم كذا بشرط أن يدعي صاحب الفراش لا أنه قبل دعوى سعد عن أخيه عتبة ولا دعوى عبد بن زمعة عن زمعة بل عرفهم أن الحكم في مثلها يكون كذلك‏.‏

قال ولذلك قال ‏"‏ احتجبي منه يا سودة ‏"‏ وتعقب بأن قوله لعبد بن زمعة ‏"‏ هو أخوك ‏"‏ يدفع هذا التأويل، واستدل به على أن الوصي يجوز له أن يستلحق ولد موصيه إذا أوصى إليه بأن يستلحقه ويكون كالوكيل عنه في ذلك، وقد مضى التبويب بذلك في كتاب الأشخاص وعلى أن الأمة تصير فراشا بالوطء، فإذا اعترف السيد بوطء أمته أو ثبت ذلك بأي طريق كان ثم أتت بولد لمدة الإمكان بعد الوطء لحقه من غير استلحاق كما في الزوجة، لكن الزوجة تصير فراشا بمجرد العقد فلا يشترط في الاستلحاق إلا الإمكان لأنها تراد الموطء فجعل العقد عليها كالوطء‏.‏

بخلاف الأمة فإنها تراد لمنافع أخرى فاشترط في حقها الوطء ومن ثم يجوز الجمع بين الأختين بالملك دون الوطء وهذا قول الجمهور، وعن الحنفية لا تصير الأمة فراشا إلا إذا ولدت من السيد ولدا ولحق به فمهما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه، وعن الحنابلة من اعترف بالوطء فأتت منه لمدة الإمكان لحقه وإن ولدت منه أولا فاستلحقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف على الراجح عندهم، وترجيح المذهب الأول ظاهر لأنه لم ينقل أنه كان لزمعة من هذه الأمة ولد آخر، والكل متفقون على أنها لا تصير فراشا إلا بالوطء، قال النووي‏:‏ وطء زمعة أمته المذكورة علم إما ببينة وإما باطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وفي حديث ابن الزبير ما يشعر بأن ذلك كان أمرا مشهورا وسأذكر لفظه قريبا، واستدل به على أن السبب لا يخرج ولو قلنا إن العبرة بعموم اللفظ‏.‏

ونقل الغزالي تبعا لشيخه والآمدي ومن تبعه عن الشافعي قولا بخصوص السبب تمسكا بما نقل عن الشافعي أنه ناظر بعض الحنفية لما قال إن أبا حنيفة خص الفراش بالزوجة وأخرج الأمة من عموم ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ فرد عليه الشافعي بأن هذا ورد على سبب خاص، ورد ذلك الفخر الرازي على من قاله بأن مراد الشافعي أن خصوص السبب لا يخرج، والخبر إنما ورد في حق الأمة فلا يجوز إخراجه، ثم رفع الاتفاق على تعميمه في الزوجات لكن شرط الشافعي والجمهور الإمكان زمانا ومكانا، وعن الحنفية يكفي مجرد العقد فتصير فراشا ويلحق الزوج الولد، وحجتهم عموم قوله ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ لأنه لا يحتاج إلى تقدير وهو الولد لصاحب الفراش لأن المراد بالفراش الموطوءة، ورده القرطبي بأن الفراش كناية عن الموطوءة لكون الواطئ يستفرشها أي يصيرها بوطئه لها فراشا له يعني فلا بد من اعتبار الوطء حتى تسمى فراشا وألحق به إمكان الوطء فمع عدم إمكان الوطء لا تسمى فراشا‏.‏

وفهم بعض الشراح عن القرطبي خلاف مراده فقال‏:‏ كلامه يقتضي حصول مقصود الجمهور بمجرد كون الفراش هو الموطوءة وليس هو المراد فعلم أنه لا بد من تقدير محذوف لأنه قال إن الفراش هو الموطوءة والمراد به أن الولد لا يلحق بالواطئ، قال المعترض‏:‏ وهذا لا يستقيم إلا مع تقدير الحذف‏.‏

قلت‏:‏ وقد بينت وجه استقامته بحمد الله، ويؤيد ذلك أيضا أن ابن الأعرابي اللغوي نقل أن الفراش عند العرب يعبر به عن الزوج وعن المرأة والأكثر إطلاقه على المرأة، ومما ورد في التعبير به عن الرجل قول جرير فيمن تزوجت بعد قتل زوجها أو سيدها‏:‏ باتت تعانقه وبات فراشها خلق العباءة بالبلاء ثقيلا وقد يعبر به عن حالة الافتراش ويمكن حمل الخبر عليها فلا يتعين الحذف، نعم لا يمكن حمل الخبر على كل واطئ بل المراد من له الاختصاص بالوطء كالزوج والسيد، ومن ثم قال ابن دقيق العيد‏:‏ معنى ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ تابع للفراش أو محكوم به للفراش أو ما يقارب هذا، وقد شنع بعضهم على الحنفية بأن من لازم مذهبهم إخراج السبب مع المبالغة في العمل بالعموم في الأحوال، وأجاب بعضهم بأنه خصص الظاهر القوي بالقياس، وقد عرف من قاعدته تقديم القياس في مواضع على خبر الواحد وهذا منها، واستدل به على أن القائف إنما يعتمد في الشبه إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه لأن الشارع لم يلتفت هنا إلى الشبه والتفت إليه في قصة زيد بن حارثة، وكذا لم يحكم بالشبه في قصة الملاعنة لأنه عارضه حكم أقوى منه وهو مشروعية اللعان، وفيه تخصيص عموم ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ وقد تمسك بالعموم الشعبي وبعض المالكية وهو شاذ، ونقل عن الشافعي أنه قال‏:‏ لقوله ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ معنيان أحدهما هو له ما لم ينفه فإذا نفاه بما شرع له كاللعان انتفى عنه، والثاني إذا تنازع رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش‏.‏

قلت‏:‏ والثاني منطبق على خصوص الواقعة والأول أعم‏.‏

قوله ‏(‏فتساوقا‏)‏ أي تلازما في الذهاب بحيث أن كلا منهما كان كالذي يسوق الآخر‏.‏

قوله ‏(‏هو لك يا عبد بن زمعة‏)‏ كذا للأكثر، وقد تقدم ضبط عبد وأنه يجوز فيه الضم والفتح، وأما ابن فهو منصوب على الحالين، ووقع في رواية للنسائي ‏"‏ هو لك عبد بن زمعة ‏"‏ بحذف حرف النداء، وقرأه بعض المخالفين بالتنوين وهو مردود فقد وقع في رواية يونس المعلقة في المغازي ‏"‏ هو لك، هو أخوك يا عبد ‏"‏ ووقع لمسدد عن ابن عيينة عند أبي داود ‏"‏ هو أخوك يا عبد ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ تثبت الأمة فراشا عند أهل الحجاز إن أقر سيدها أنه كان يلم بها، وعند أهل العراق إن أقر سيدها بالولد‏.‏

وقال المازري‏:‏ يتعلق بهذا الحديث استلحاق الأخ لأخيه، وهو صحيح عند الشافعي إذا لم يكن له وارث سواه، وقد تعلق أصحابه بهذا الحديث لأنه لم يرد أن زمعة ادعاه ولدا ولا اعترف بوطء أمه فكان المعول في هذه القصة على استلحاق عبد بن زمعة، قال‏:‏ وعندنا لا يصح استلحاق الأخ، ولا حجة في هذا الحديث لأنه يمكن أن يكون ثبت عند النبي صلى الله عليه وسلم أن زمعة كان يطأ أمته فألحق الولد به لأن من ثبت وطؤه لا يحتاج إلى الاعتراف بالوطء، وإنما يصعب هذا على العراقيين ويعسر عليهم الانفصال عما قاله الشافعي لما قررناه أنه لم يكن لزمعة ولد من الأمة المذكورة سابق، ومجرد الوطء لا عبرة به عندهم فيلزمهم تسليم ما قال الشافعي، قال‏:‏ ولما ضاق عليهم الأمر قالوا الرواية في هذا الحديث ‏"‏ هو لك عبد بن زمعة ‏"‏ وحذف حرف النداء بين عبد وابن زمعة والأصل يا ابن زمعة، قالوا والمراد أن الولد لا يلحق بزمعة بل هو عبد لولده لأنه وارثه ولذلك أمر سودة بالاحتجاب منه لأنها لم ترث زمعة لأنه مات كافرا وهي مسلمة، قال وهذه الرواية التي ذكروها غير صحيحة ولو وردت لرددناها إلى الرواية المشهورة وقلنا بل المحذوف حرف النداء بين لك وعبد كقوله تعالى حكاية عن صاحب يوسف حيث قال ‏(‏يوسف أعرض عن هذا‏)‏ انتهى‏.‏

وقد سلك الطحاوي فيه مسلكا آخر فقال‏:‏ معنى قوله ‏"‏ هو لك ‏"‏ أي يدك عليه لا أنك تملكه ولكن تمنع غيرك منه إلى أن يتبين أمره كما قال لصاحب اللقطة ‏"‏ هي لك ‏"‏ وقال له ‏"‏ إذا جاء صاحبها فأدها إليه ‏"‏ قال ولما كانت سودة شريكة لعبد في ذلك لكن لم يعلم منها تصديق ذلك ولا الدعوى به ألزم عبدا بما أقر به على نفسه ولم يجعل ذلك حجة عليها فأمرها بالاحتجاب، وكلامه كله متعقب بالرواية الثانية المصرح فيها بقوله ‏"‏ هو أخوك ‏"‏ فإنها رفعت الإشكال وكأنه لم يقف عليها ولا على حديث ابن الزبير وسودة الدال على أن سودة وافقت أخاها عبدا في الدعوى بذلك‏.‏

قوله ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ تقدم في غزوة الفتح تعليقا من رواية يونس عن ابن شهاب ‏"‏ قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الولد إلخ ‏"‏ وهذا منقطع، وقد وصله غيره عن ابن شهاب، ووقع في رواية يونس أيضا، قال ابن شهاب‏:‏ وكان أبو هريرة يصيح بذلك، وقد قدمت هناك أن مسلما أخرجه موصولا من رواية ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وأبي هريرة، وقوله ‏"‏وللعاهر الحجر ‏"‏ أي للزاني الخيبة والحرمان، والعهر بفتحتين الزنا، وقيل يختص بالليل، ومعنى الخيبة هنا حرمان الولد الذي يدعيه، وجرت عادة العرب أن تقول لمن خاب ‏"‏ له الحجر وبفيه الحجر والتراب ‏"‏ ونحو ذلك، وقيل المراد بالحجر هنا أنه يرجم، قال النووي‏:‏ وهو ضعيف لأن الرجم مختص بالمحصن، ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد، والخبر إنما سيق لنفي الولد‏.‏

وقال السبكي‏:‏ والأول أشبه بمساق الحديث لتعم الخيبة كل زان، ودليل الرجم، مأخوذ من موضع آخر فلا حاجة للتخصيص من غير دليل‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد الأول أيضا ما أخرجه أبو أحمد الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعة ‏"‏ الولد للفراش وفي فم العاهر الحجر ‏"‏ وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان ‏"‏ الولد للفراش وبفي العاهر الأثلب ‏"‏ بمثلثة ثم موحدة بينهما لام وبفتح أوله وثالثه ويكسران قيل هو الحجر وقيل دقاقه وقيل التراب‏.‏

قوله ‏(‏ثم قال لسودة احتجبي منه‏)‏ في رواية الليث ‏"‏ واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فما رآها حتى لقي الله‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ قالت عائشة فوالله ما رآها حتى ماتت ‏"‏ وفي رواية الليث ‏"‏ فلم تره سودة قط ‏"‏ يعني في المدة التي بين هذا القول وبين موت أحدهما، وكذا لمسلم من طريقه‏.‏

وفي رواية ابن جريج في صحيح أبي عوانة مثله‏.‏

وفي رواية الكشميهني الآتية في حديث الليث أيضا ‏"‏ فلم تره سودة بعد ‏"‏ وهذه إذا ضمت إلى رواية مالك ومعمر استفيد منها أنها امتثلت الأمر وبالغت في الاحتجاب منه حتى إنها لم تره فضلا عن أن يراها، لأنه ليس في الأمر المذكور دلالة على منعها من رؤيته‏.‏

وقد استدل به الحنفية على أنه لم يلحقه بزمعة لأنه لو ألحقه به لكان أخا سودة والأخ لا يؤمر بالاحتجاب منه، وأجاب الجمهور بأن الأمر بذلك كان للاحتياط لأنه وإن حكم بأنه أخوها لقوله في الطرق الصحيحة ‏"‏ هو أخوك يا عبد ‏"‏ وإذا ثبت أنه أخو عبد لأبيه فهو أخو سودة لأبيها، لكن لما رأى الشبه بينا بعتبة أمرها بالاحتجاب منه احتياطا، وأشار الخطابي إلى أن في ذلك مزية لأمهات المؤمنين لأن لهن في ذلك ما ليس لغيرهن، قال‏:‏ والشبه يعتبر في بعض المواطن لكن لا يقضي به إذا وجد ما هو أقوى منه، وهو كما يحكم في الحادثة بالقياس ثم يوجد فيها نص فيترك القياس، قال‏:‏ وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث وليس بالثابت ‏"‏ احتجبي منه يا سودة فإنه ليس لك بأخ ‏"‏ وتبعه النووي فقال‏:‏ هذه الزيادة باطلة مردودة، وتعقب بأنها وقعت في حديث عبد الله بن الزبير عند النسائي بسند حسن ولفظه‏:‏ كانت لزمعة جارية يطؤها وكان يظن بآخر أنه يقع عليها فجاءت بولد يشبه الذي كان يظن به فمات زمعة، فذكرت ذلك سودة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏ الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ ‏"‏ ورجال سنده رجال الصحيح إلا شيخ مجاهد وهو يوسف مولى آل الزبير‏.‏

وقد طعن البيهقي في سنده فقال‏:‏ فيه جرير وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وفيه يوسف وهو غير معروف، وعلى تقدير ثبوته فلا يعارض حديث عائشة المتفق على صحته، وتعقب بأن جريرا هذا لم ينسب إلى سوء حفظ وكأنه اشتبه عليه بجرير بن حازم، وبأن الجمع بينهما ممكن فلا ترجيح‏.‏

وبأن يوسف معروف في موالي آل الزبير، وعلى هذا فيتعين تأويله، وإذا ثبتت هذه الزيادة تعين تأويل نفي الأخوة عن سودة على نحو ما تقدم من أمرها بالاحتجاب منه، ونقل ابن العربي في ‏"‏ القوانين ‏"‏ عن الشافعي نحو ما تقدم وزاد، ولو كان أخاها بنسب محقق لما منعها كما أمر عائشة أن لا تحتجب من عمها من الرضاعة‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ معنى قوله ‏"‏ ليس لك بأخ ‏"‏ إن ثبت ليس لك بأخ شبها فلا يخالف قوله لعبد ‏"‏ هو أخوك‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ أو معنى قوله ‏"‏ ليس لك بأخ ‏"‏ بالنسبة للميراث من زمعة لأن زمعة مات كافرا وخلف عبد بن زمعة والولد المذكور وسودة فلا حق لسودة في إرثه بل حازه عبد قبل الاستلحاق فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الإرث دون سودة فلهذا قال لعبد ‏"‏ هو أخوك ‏"‏ وقل لسودة ‏"‏ ليس لك بأخ ‏"‏ وقال القرطبي بعد أن قرر أن أمر سودة بالاحتجاب للاحتياط وتوقي الشبهات‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق أمهات المؤمنين كما قال ‏"‏ أفعمياوان أنتما ‏"‏ فنهاهما عن رؤية الأعمى مع قوله لفاطمة بنت قيس ‏"‏ اعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى ‏"‏ فغلظ الحجاب في حقهن دون غيرهن، وقد تقدم في تفسير الحجاب قول من قال‏:‏ إنه كان يحرم عليهن بعد الحجاب إبراز أشخاصهن ولو كن مستترات إلا لضرورة بخلاف غيرهن فلا يشترط، وأيضا فإن للزوج أن يمنع زوجته من الاجتماع بمحارمها فلعل المراد بالاحتجاب عدم الاجتماع به في الخلوة‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ لا يجب على المرأة أن يراها أخوها بل الواجب عليها صلة رحمها، ورد على من زعم أن معنى قوله ‏"‏ هو لك ‏"‏ أي عبد، بأنه لو قضى بأنه عبد لما أمر سودة بالاحتجاب منه إما لأن لها فيه حصة وإما لأن من في الرق لا يحتجب منه على القول بذلك، وقد تقدم جواب المزني عن ذلك قريبا، واستدل به بعض المالكية على مشروعية الحكم بين حكمين وهو أن يأخذ الفرع شبها من أكثر من أصل فيعطى أحكاما بعدد ذلك، وذلك أن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة في النسب والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة فأعطى الفرع حكما بين حكمين فروعي الفراش في النسب والشبه البين في الاحتجاب، قال‏:‏ وإلحاقه بهما ولو كان من وجه أولى من إلغاء أحدهما من كل وجه‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويعترض على هذا بأن صورة المسألة ما إذا دار الفرع بين أصلين شرعيين وهنا الإلحاق شرعي للتصريح بقوله ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ فبقي الأمر بالاحتجاب مشكلا لأنه يناقض الإلحاق فتعين أنه للاحتياط لا لوجوب حكم شرعي وليس فيه إلا ترك مباح مع ثبوت المحرمية‏.‏

واستدل به على أن حكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطن كما لو حكم بشهادة فظهر أنها زور لأنه حكم بأنه أخو عبد وأمر سودة بالاحتجاب بسبب الشبه بعتبة، فلو كان الحكم يحل الأمر في الباطن لما أمرها بالاحتجاب، واستدل به على أن لوطء الزنا حكم وطء الحلال في حرمة المصاهرة وهو قول الجمهور، ووجه الدلالة أمر سودة بالاحتجاب بعد الحكم بأنه أخوها لأجل الشبه بالزاني‏.‏

وقال مالك في المشهور عنه والشافعي‏:‏ لا أثر لوطء الزنا بل للزاني أن يتزوج أم التي زنى بها وبنتها، وزاد الشافعي ووافقه ابن الماجشون‏:‏ والبنت التي تلدها المزني بها ولو عرفت أنها منه، قال النووي‏:‏ وهذا احتجاج باطل لأنه على تقدير أن يكون من الزنا فهو أجنبي من سودة لا يحل لها أن تظهر له سواء ألحق بالزاني أم لا فلا تعلق له بمسألة البنت المخلوقة من الزنا، كذا قال وهو رد للفرع برد الأصل، وإلا فالبناء الذي بنوه صحيح، وقد أجاب الشافعية عنه بما تقدم أن الأمر بالاحتجاب للاحتياط ويحمل الأمر في ذلك إما على الندب وإما على تخصيص أمهات المؤمنين بذلك، فعلى تقدير الندب فالشافعي قائل به في المخلوقة من الزنا وعلى التخصيص فلا إشكال والله أعلم‏.‏

ويلزم من قال بالوجوب أن يقول به في تزويج البنت المخلوقة من ماء الزنا فيجيز عند فقد الشبه ويمنع عند وجوده، واستدل به على صحة ملك الكافر الوثني الأمة الكافرة وإن حكمها بعد أن تلد من سيدها حكم القن لأن عبدا وسعدا أطلقا عليها أمة ووليدة ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، كذا أشار إليه البخاري في كتاب العتق عقب هذا الحديث بعد أن ترجم له ‏"‏ أم الولد ‏"‏ ولكنه ليس في أكثر النسخ، وأجيب بأن عتق أم الولد بموت السيد ثبت بأدلة أخرى، وقيل إن غرض البخاري بإيراده أن بعض الحنفية لما ألزم أن أم الولد المتنازع فيه كانت حرة رد ذلك وقال بل كانت عتقت، وكأنه قد ورد في بعض طرقه أنها أمة فمن ادعى أنها عتقت فعليه البيان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان ومحمد بن زياد هو الجمحي‏.‏

قوله ‏(‏الولد لصاحب الفراش‏)‏ كذا في هذه الرواية، وزاد آدم عن شعبة ‏"‏ وللعاهر الحجر ‏"‏ وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة، ولهذا الحديث سبب غير قصة ابن زمعة فقد أخرجه أبو داود وغيره من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏"‏ قام رجل فقال لما فتحت مكة‏:‏ إن فلانا ابني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش وللعاهر الأثلب‏.‏

قيل‏:‏ ما الأثلب‏؟‏ قال‏:‏ الحجر‏"‏‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ حديث ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ قال ابن عبد البر هو من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عن بضعة وعشرين نفسا من الصحابة فذكره البخاري في هذا الباب عن أبي هريرة وعائشة‏.‏

وقال الترمذي عقب حديث أبي هريرة‏:‏ وفي الباب عن عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو وأبي أمامة وعمرو بن خارجة والبراء وزيد بن أرقم، وزاد شيخنا عليه معاوية وابن عمر، وزاد أبو القاسم بن منده في تذكرته معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب والحسين ابن علي وعبد الله بن حذافة وسعد بن أبي وقاص وسودة بنت زمعة، ووقع لي من حديث ابن عباس وأبي مسعود البدري وواثلة بن الأسقع وزينب بنت جحش، وقد رقمت عليها علامات من أخرجها من الأئمة فطب علامة الطبراني في الكبير وطس علامته في الأوسط وبز علامة البزار وص علامة أبي يعلى الموصلي وتم علامة تمام في فوائده وجميع هؤلاء وقع عندهم ‏"‏ الولد للفراش وللعاهر الحجر ‏"‏ ومنهم من اقتصر على الجملة الأولى وفي حديث عثمان قصة وكذا علي وفي حديث معاوية قصة أخرى له مع نصر بن حجاج وعبد الرحمن ابن خالد بن الوليد فقال له نصر‏:‏ فأين قضاؤك في زياد‏؟‏ فقال‏:‏ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من قضاء معاوية‏.‏

وفي حديث أبي أمامة وابن مسعود وعبادة أحكام أخرى، وفي حديث عبد الله بن حذافة قصة له في سؤاله عن اسم أبيه، وفي حديث ابن الزبير قصة نحو قصة عائشة باختصار وقد أشرت إليه، وفي حديث سودة نحوه ولم تسم في رواية أحمد بل قال ‏"‏ عن بنت زمعة ‏"‏ وفي حديث زينب قصة ولم يسم أبوها بل فيه ‏"‏ عن زينب الأسدية ‏"‏ وبالله التوفيق‏.‏

وجاء من مرسل عبيد بن عمير وهو أحد كبار التابعين أخرجه ابن عبد البر بسند صحيح إليه‏.‏

*3*باب الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ

وَقَالَ عُمَرُ اللَّقِيطُ حُرٌّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إنما الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط‏.‏

وقال عمر‏:‏ اللقيط حر‏)‏ هذه الترجمة معقودة لميراث اللقيط فأشار إلى ترجيح قول الجمهور أن اللقيط حر وولاؤه في بيت المال، وإلى ما جاء عن النخعي أن ولاءه للذي التقطه واحتج بقول عمر لأبي جميلة في الذي التقطه ‏"‏ اذهب فهو حر وعلينا نفقته ولك ولاؤه ‏"‏ وتقدم هذا الأثر معلقا بتمامه في أوائل الشهادات وذكرت هناك من وصله، وأجبت عنه بأن معنى قول عمر ‏"‏ لك ولاؤه ‏"‏ أي أنت الذي تتولى تربيته والقيام بأمره فهي ولاية الإسلام لا ولاية العتق، والحجة لذلك صريح الحديث المرفوع ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ فاقتضى أن من لم يعتق لا ولاء له لأن العتق يستدعي سبق ملك واللقيط من دار الإسلام لا يملكه الملتقط لأن الأصل في الناس الحرية إذ لا يخلو المنبوذ أن يكون ابن حرة فلا يسترق أو ابن أمة قوم فميراثه لهم فإذا جهل وضع في بيت المال ولا رق عليه للذي التقطه، وجاء عن علي أن اللقيط مولى من شاء وبه قال الحنفية إلى أن يعقل عنه فلا ينتقل بعد ذلك عمن عقل عنه، وقد خفي كل هذا على الإسماعيلي فقال‏:‏ ‏"‏ ذكر ميراث اللقيط ‏"‏ في ترجمة الباب وليس له في الحديث ذكر ولا عليه دلالة، يريد أن حديث عائشة وابن عمر مطابق لترجمة ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ وليس في حديثهما ذكر ميراث اللقيط، وقد جرى الكرماني على ذلك فقال‏:‏ فإذ قلت فأين ذكر ميراث اللقيط‏؟‏ قلت‏:‏ هو ما ترجم به ولم يتفق له إيراد الحديث فيه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا كله إنما هو بحسب الظاهر، وأما بحسب تدقيق النظر ومناسبة إيراده في أبواب المواريث فبيانه ما قدمت والله أعلم‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن اللقيط حر إلا رواية عن النخعي، وعنه كالجماعة، وعنه كالمنقول عن الحنفية، وقد جاء عن شريح نحو الأول وبه قال إسحاق بن راهويه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُهْدِيَ لَهَا شَاةٌ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ قَالَ الْحَكَمُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأَيْتُهُ عَبْدًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏الحكم‏)‏ هو ابن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر، وإبراهيم هو النخعي، والأسود هو ابن يزيد والثلاثة تابعيون كوفيون‏.‏

قوله ‏(‏قال الحكم وكان زوجها حرا‏)‏ هو موصول إلى الحكم بالإسناد المذكور، ووقع في رواية الإسماعيلي من رواية أبي الوليد عن شعبة مدرجا في الحديث، ولم يقل ذلك الحكم من قبل نفسه فسيأتي في الباب الذي يليه من طريق منصور عن إبراهيم أن الأسود قاله أيضا فهو سلف الحكم فيه‏.‏

قوله ‏(‏وقول الحكم مرسل‏)‏ أي ليس بمسند إلى عائشة راوية الخبر فيكون في حكم المتصل المرفوع‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس رأيته عبدا‏)‏ زاد في الباب الذي يليه ‏"‏ وقول الأسود منقطع ‏"‏ أي لم يصله بذكر عائشة فيه وقول ابن عباس أصح لأنه ذكر أنه رآه، وقد صح أنه حضر القصة وشاهدها فيترجح قوله على قول من لم يشهدها، فإن الأسود لم يدخل المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحكم فولد بعد ذلك بدهر طويل، ويستفاد من تعبير البخاري قول الأسود منقطع جواز إطلاق المنقطع في موضع المرسل خلافا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه من أثناء السند واحد إلا في صورة سقوط الصحابي بين التابعي والنبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يسمى عندهم المرسل، ومنهم من خصه بالتابعي الكبير فيستفاد من قول البخاري أيضا ‏"‏ وقول الحكم مرسل ‏"‏ أنه يستعمل في التابعي الصغير أيضا لأن الحكم من صغار التابعين، واستدل به لإحدى الروايتين عن أحمد أن من أعتق عن غيره فالولاء للمعتق والأجر للمعتق عنه، وسيأتي البحث فيه في ‏"‏ باب ما يرث النساء من الولاء‏"‏‏.‏

*3*باب مِيرَاثِ السَّائِبَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث السائبة‏)‏ بمهملة وموحدة بوزن فاعلة وتقدم بيانها في تفسير المائدة، والمراد بها في الترجمة العبد الذي يقول له سيده لا ولاء لأحد عليك أو أنت سائبة يريد بذلك عتقه وأن لا ولاء لأحد عليه، وقد يقول له أعتقتك سائبة أو أنت حر سائبة، ففي الصيغتين الأوليين يفتقر في عتقه إلى نية وفي الأخريين يعتق، واختلف في الشرط فالجمهور على كراهيته وشذ من قال بإباحته، واختلف في ولائه، وسأبينه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُسَيِّبُونَ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن هزيل‏)‏ في رواية يزيد بن أبي حكيم العدني عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ حدثني هزيل بن شرحبيل ‏"‏ وهو بالزاي مصغر، ووهم من قاله بالذال المعجمة وقد تقدم ذلك قريبا، وأن سفيان في السند هو الثوري وأن أبا قيس هو عبد الرحمن‏.‏

قوله ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله ‏(‏إن أهل الإسلام لا يسبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يسبون‏)‏ هذا طرف من حديث أخرجه الإسماعيلي بتمامه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بسنده هذا إلى هزيل قال‏:‏ ‏"‏ جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات فترك مالا ولم يدع وارثا، فقال عبد الله ‏"‏ فذكر حديث الباب وزاد ‏"‏ وأنت ولي نعمته فلك ميراثه، فإن تأثمت أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال ‏"‏ وفي رواية العدني ‏"‏ فإن تحرجت ‏"‏ ولم يشك وقال‏:‏ ‏"‏ فأرنا نجعله في بيت المال ‏"‏ ومعنى ‏"‏ تأثمت ‏"‏ بالمثلثة قبل الميم خشيت أن تقع في الإثم، وتحرجت بالحاء المهملة ثم الجيم بمعناه، وبهذا الحكم في السائبة قال الحسن البصري وابن سيرين والشافعي وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن سيرين ‏"‏ أن سالما مولى أبي حذيفة الصحابي المشهور أعتقته امرأة من الأنصار سائبة وقالت له وال من شئت، فوالى أبا حذيفة، فلما استشهد باليمامة دفع ميراثه للأنصارية أو لابنها ‏"‏ وأخرج ابن المنذر من طريق بكر بن عبد الله المزني ‏"‏ أن ابن عمر أتى بمال مولى به مات فقال إنا كنا أعتقناه سائبة فأمر أن يشتري بثمنه رقابا فتعتق ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون فعله على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب، وقد أخذ بظاهره عطاء فقال‏:‏ إذا لم يخلف السائبة وارثا دعي الذي أعتقه فإن قبل ماله وإلا ابتيعت به رقاب فأعتقت، وفيه مذهب آخر أن ولاءه للمسلمين يرثونه ويعقلون عنه، قاله عمر ابن عبد العزيز والزهري، وهو قول مالك، وعن الشعبي والنخعي والكوفيين‏:‏ لا بأس ببيع ولاء السائبة وهبته، قال ابن المنذر‏:‏ واتباع ظاهر قوله ‏"‏ الولاء لمن أعتق ‏"‏ أولى‏.‏

قلت‏:‏ وإلى ذلك أشار البخاري بإيراد حديث عائشة في قصة بريرة وفيه ‏"‏ فإنما الولاء لمن أعتق، وفيه قول الأسود إن زوج بريرة كان حرا، وقد تقدم الكلام على ذلك في الباب الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لِأُعْتِقَهَا وَإِنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ وَلَاءَهَا فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَوْ قَالَ أَعْطَى الثَّمَنَ قَالَ فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا قَالَ وَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وَكَذَا مَا كُنْتُ مَعَهُ قَالَ الْأَسْوَدُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأَيْتُهُ عَبْدًا أَصَحُّ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة بريرة وفيه ‏"‏ فإنما الولاء لمن أعتق، وفيه قول الأسود إن زوج بريرة كان حرا، قد تقدم الكلام على ذلك في الباب الذي قبله‏.‏

*3*باب إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إثم من تبرأ من مواليه‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث‏.‏

أخرجه أحمد والطبراني من طريق سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن لله عبادا لا يكلمهم الله تعالى ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم ‏"‏ وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه عند أحمد ‏"‏ كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق ‏"‏ وله شاهد عن أبي بكر الصديق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَأَسْنَانِ الْإِبِلِ قَالَ وَفِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ

الشرح‏:‏

حديث الباب لفظه ‏"‏ من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ‏"‏ ومثله لأحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان عن ابن عباس، ولأبي داود من حديث أنس ‏"‏ فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة ‏"‏ وقد مضى شرح حديث الباب في فضل المدينة وفي الجزية ويأتي في الديات، وفي معنى حديث علي في هذا حديث عائشة مرفوعا ‏"‏ من تولى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ‏"‏ صححه ابن حبان، ووالد إبراهيم التيمي الراوي له عن علي اسمه يزيد بن شريك، وقد رواه عن علي جماعة منهم أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي ومضى في كتاب العلم، وذكرت هناك وفي فضائل المدينة اختلاف الرواة عن علي فيما في الصحيفة وأن جميع ما رووه من ذلك كان فيها، وكان فيها أيضا ما مضى في الخمس من حديث محمد بن الحنفية أن أباه علي بن أبي طالب أرسله إلى عثمان بصحيفة فيها فرائض الصدقة، فإن رواية طارق بن شهاب عن علي في نحو حديث الباب عند أحمد أنه كان في صحيفته فرائض الصدقة، وذكرت في العلم سبب تحديث علي بن أبي طالب بهذا الحديث وإعراب قوله‏:‏ ‏"‏ إلا كتاب الله ‏"‏ وتفسير الصحيفة وتفسير العقل، ومما وقع فيه في العلم ‏"‏ لا يقتل مسلم بكافر ‏"‏ وأحلت بشرحه على كتاب الديات، والذي تضمنه حديث الباب مما في الصحيفة المذكورة أربعة أشياء‏:‏ أحدها الجراحات وأسنان الإبل، وسيأتي شرحه في الديات، وهل المراد بأسنان الإبل المتعلقة بالخراج أو المتعلقة بالزكاة أو أعم من ذلك‏.‏

ثانيها ‏"‏ المدينة حرم ‏"‏ وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه في فضل المدينة في أواخر الحج، وذكرت فيه ما يتعلق بالسند، وبيان الاختلاف في تفسير الصرف والعدل‏.‏

ثالثها ‏"‏ ومن والي قوما ‏"‏ هو المقصود هنا وقوله فيه ‏"‏ بغير إذن مواليه ‏"‏ قد تقدم هناك أن الخطابي زعم أن له مفهوما وهو أنه إذا استأذن مواليه منعوه، ثم راجعت كلام الخطابي وهو ليس إذن الموالي شرطا في ادعاء نسب وولاء ليس هو منه وإليه، وإنما ذكر تأكيدا للتحريم ولأنه إذا استأذنهم منعوه وحالوا بينه وبين ما يفعل من ذلك انتهى، وهذا لا يطرد لأنهم قد يتواطئون معه على ذلك لغرض ما، والأولى ما قال غيره إن التعبير بالإذن ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه وإنما ورد الكلام بذلك على أنه الغالب انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون قول ‏"‏ من تولى ‏"‏ شاملا للمعنى الأعم من الموالاة وأن منها مطلق النصرة والإعانة والإرث، ويكون قوله ‏"‏ بغير إذن مواليه ‏"‏ يتعلق بمفهومه بما عدا الميراث، ودليل إخراجه حديث ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

وكأن البخاري لحظ هذا فعقب الحديث بحديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وعن هبته، فإنه يؤخذ منه عدم اعتبار الإذن في ذلك بطريق الأولى، لأنه إذا منع السيد من بيع الولاء مع ما تحصل له من العوض ومن هبته مع ما يحصل له من المانة بذلك فمنعه من الإذن بغير عرض ولا مانة أولى، وهو مندرج في الهبة‏.‏

وفي الحديث أن انتماء المولى من أسفل إلى غير مولاه من فوق حرام لما فيه من كفر النعمة وتضييع حق الإرث بالولاء والعقل وغير ذلك، وبه استدل مالك على ما ذكره عنه ابن وهب في موطئه قال‏:‏ سئل عن عبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء فقال لا يجوز ذلك واحتج بحديث ابن عمر ثم قال‏:‏ فتلك الهبة المنهي عنها، وقد شذ عطاء ابن أبي رباح بالأخذ بمفهوم هذا الحديث فقال فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه‏:‏ إن أذن الرجل لمولاه أن يوالي من شاء جاز، واستدل بهذا الحديث، قال ابن بطال‏:‏ وجماعة الفقهاء على خلاف ما قال عطاء، قال‏:‏ ويحمل حديث علي على أنه جرى على الغالب مثل قوله تعالى ‏(‏ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق‏)‏ وقد أجمعوا على أن قتل الولد حرام سواء خشي الإملاق أم لا، وهو منسوخ بحديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته‏.‏

قلت‏:‏ قد سبق عطاء إلى القول بذلك عثمان، فروى ابن المنذر أن عثمان اختصموا إليه في نحو ذلك فقال للعتيق‏:‏ وال من شئت، وأن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولده، والحديث الصحيح مقدم على جميع ذلك فلعله لم يبلغ هؤلاء أو بلغهم وتأولوه وانعقد الإجماع على خلاف قولهم‏.‏

قال ابن بطال، وفي الحديث لأنه لا يجوز للعتيق أن يكتب فلان ابن فلان ويسمي نفسه ومولاه الذي أعتقه، بل يقول فلان مولى فلان، ولكن يجوز له أن ينتسب إلى نسبه كالقرشي وغيره، قال والأولى أن يفصح بذلك أيضا كأن يقول‏:‏ القرشي بالولاء أو مولاهم‏.‏

قال‏:‏ وفيه أن من علم ذلك وفعله سقطت شهادته لما ترتب عليه من الوعيد ويجب عليه التوبة والاستغفار‏.‏

وفيه جواز لعن أهل الفسق عموما ولو كانوا مسلمين‏.‏

رابعها ‏"‏ وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجزية، وأما حديث الباب الثاني فقد مضى في كتاب العتق وأحلت بشرحه على ما هنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله ‏(‏عن عبد الله بن دينار‏)‏ هكذا قال الحفاظ من أصحاب سفيان الثوري عنه، منهم عبد الرحمن بن مهدي ووكيع وعبد الله بن نمير وغيرهم‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة وسفيان عن ابن دينار ‏"‏ سمعت ابن عمر ‏"‏ وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في صحيحه‏:‏ الناس في هذا الحديث عيال عليه‏.‏

وقال الترمذي بعد تخريجه‏:‏ حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار رواه عنه سعيد وسفيان ومالك، ويروى عن شعبة أنه قال وددت أن عبد الله ابن دينار لما حدث بهذا الحديث أذن لي حتى كنت أقوم إليه فأقبل رأسه‏.‏

قال الترمذي‏:‏ وروى يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار‏.‏

قلت‏:‏ وصل رواية يحيى بن سليم ابن ماجه، ولم ينفرد به يحيى بن سليم فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض ويحيى بن سعيد الأموي كلاهما عن عبيد الله بن عمر أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقهما لكن قرن كل منهما نافعا بعبد الله بن دينار، وأخرجه ابن حبان في الثقات في ترجمة أحمد بن أبي أوفى وساقه من طريقه عن شعبة عن عبد الله بن دينار وعمرو بن دينار جميعا عن ابن عمر وقال عمرو بن دينار غريب، وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا ممن حدث به عن عبد الله ابن دينار منهم من الأكابر يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن عقبة ويزيد بن الهاد وعبيد الله العمري وهؤلاء من صغار التابعين وممن دونهم مسعر والحسن بن صالح بن حي وورقاء وأيوب بن موسى وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار‏.‏

وعبد العزيز بن مسلم وأبو أويس، وممن لم يقع له ابن جريج وهو عند أبي عوانة وسليمان ابن بلال وهو عند مسلم وأحمد بن حازم المغافري في جزء الهروي من طريق الطبراني‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ في رواية أبي داود الحفري عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ سمعت ابن عمر ‏"‏ وكذا مضى في العتق من رواية شعبة وفي مسند الطيالسي عن شعبة ‏"‏ قلت لعبد الله بن دينار أنت سمعت هذا من ابن عمر‏؟‏ قال‏:‏ نعم، سأله ابنه عنه، وذكره أبو عوانة عن بهز بن أسيد عن شعبة ‏"‏ قلت لابن دينار أنت سمعته من ابن عمر‏؟‏ قال‏:‏ نعم وسأله ابنه حمزة عنه، وكذا وقع في رواية عفان عن شعبة عند أبي نعيم، وأخرجه من وجه آخر أن شعبة قال ‏"‏ قلت لابن دينار‏:‏ والله لقد سمعت ابن عمر يقول هذا‏؟‏ فيحلف له ‏"‏ وقيل لابن عيينة إن شعبة يستحلف عبد الله بن دينار، قال لكنا لم نستحلفه سمعته منه مرارا رويناه في مسند الحميدي عن سفيان، وأخرجه الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق الحسن بن زياد اللؤلؤي عن مالك عن ابن دينار عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سأل أباه عن شراء الولاء فذكر الحديث، فهذا ظاهره أن ابن دينار لم يسمعه من ابن عمر وليس كذلك‏.‏

وقال ابن العربي في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏‏:‏ تفرد بهذا الحديث عبد الله بن دينار وهو من الدرجة الثانية من الخبر لأنه لم يذكر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نقل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ قلت‏:‏ ويؤيده أن ابن عمر روى هذا الحديث عن عائشة في قصة بريرة كما مضى في العتق، لكن جاءت عنه صيغة الحديث من وجه آخر أخرجه النسائي وأبو عوانة من طريق الليث عن يحيى بن أيوب عن مالك ولفظه ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن بيع الولاء وعن هبته ‏"‏ ووقع في رواية محمد بن أبي سليمان التي أشرت إليها بلفظ ‏"‏ الولاء لا يباع ولا يوهب ‏"‏ وفي رواية عتبان بن عبيد عن شعبة مثله ذكره أبو نعيم، وزاد محمد بن سليمان الخراز في السند عن ابن عمر ‏"‏ عن عمر ‏"‏ فوهم أخرجه الدار قطني أيضا وضعفه، واتفق جميع من ذكرنا على هذا اللفظ وخالفهم أبو يوسف القاضي فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ الولاء لحمة كلحمة النسب ‏"‏ أخرجه الشافعي ومن طريقه الحاكم ثم البيهقي، وأدخل بشر بن الوليد بين أبي يوسف وبين ابن دينار عبيد الله بن عمر أخرجه أبو يعلى في مسنده عنه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، وأخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن جعفر بن أعين عن بشر فزاد في المتن ‏"‏ لا يباع ولا يوهب ‏"‏ ومن طريق عبد الله بن نافع عن عبد الله بن دينار ‏"‏ إنما الولاء نسب لا يصح بيعه ولا هبته ‏"‏ والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد ابن المسيب موقوفا عليه ‏"‏ الولاء لحمة كلحمة النسب ‏"‏ وكذا ما أخرجه البزار والطبراني من طريق سليمان ابن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده رفعه ‏"‏ الولاء ليس بمنتقل ولا متحول ‏"‏ وفي سنده المغيرة بن جميل وهو مجهول، نعم عن ابن عباس من قوله الولاء لمن أعتق لا يجوز بيعه ولا هبته‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب فإذا كان حكم الولاء حكم النسب فكما لا ينتقل النسب لا ينتقل الولاء، وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهى الشرع عن ذلك‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ اتفق الجماعة على العمل بهذا الحديث إلا ما روي عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء يجوز للسيد أن يأذن لعبده أن يوالي من شاء‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم البحث فيه في الباب الذي قبله‏.‏

وقال ابن بطال وغيره‏:‏ جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة، وجاء عن ميمونة جواز هبة الولاء وكذا عن ابن عباس ولعلهم لم يبلغهم الحديث، قلت‏:‏ قد أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول‏:‏ أيبيع أحدكم نسبه‏؟‏ ومن طريق علي‏:‏ الولاء شعبة من النسب، ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته، ومن طريق عطاء أن ابن عمر كان ينكره، ومن طريق عطاء عن ابن عباس لا يجوز وسنده صحيح ومن ثم فصلوا في النقل عن ابن عباس بين البيع والهبة‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ معنى ‏"‏ الولاء لحمة كلحمة النسب ‏"‏ أن الله أخرجه بالحرمة إلى النسب حكما كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد، فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها، فلما شابه حكم النسب أنيط بالمعتق فلذلك جاء ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ وألحق برتبة النسب فنهى عن بيعه وهبته‏.‏

وقال القرطبي استدل للجمهور بحديث الباب، ووجه الدلالة أنه أمر وجودي لا يتأتى الانفكاك عنه كالنسب، فكما لا تنتقل الأبوة والجدودة فكذلك لا ينتقل الولاء، إلا أنه يصح في الولاء جرما يترتب عليه من الميراث كما لو تزوج عبد معتقة آخر فولد له منها ولد فإنه ينعقد حرا لحرية أمه فيكون ولاؤه لمواليها لو مات في تلك الحالة، ولو أعتق السيد أباه قبل موت الولد فإن ولاءه ينتقل إذا مات لمعتق أبيه اتفاقا انتهى‏.‏

وهذا لا يقدح في الأصل المذكور أن ‏"‏ الولاء لحمة كلحمة النسب ‏"‏ لأن التشبيه لا يستلزم التسوية من كل وجه، واختلف فيمن اشترى نفسه من سيده كالمكاتب فالجمهور على أن ولاءه لسيده وقيل لا ولاء عليه، وفي ولاء من أعتق سائبة وقد تقدم قريبا‏.‏

*3*باب إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ

وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى لَهُ وِلَايَةً وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قَالَ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا أسلم على يديه‏)‏ كذا للنسفي، وزاد الفربري والأكثر ‏"‏ رجل ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ الرجل ‏"‏ وبالتنكر أولى‏.‏

قوله ‏(‏وكان الحسن لا يرى له ولاية‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ولاء ‏"‏ بالهمز بدل الياء، من الولاء وهو المراد بالولاية، وأثر الحسن هذا وهر البصري وصله سفيان الثوري في جامعه عن مطرف عن الشعبي وعن وهو ابن عبيد عن الحسن قالا في الرجل يوالي الرجل قالا‏:‏ هو بين المسلمين وقال سفيان‏:‏ وبذلك أقول‏.‏

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان، وكذا رواه الدارمي عن أبي نعيم عن سفيان، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق يونس عن الحسن‏:‏ لا يرثه، إلا إن شاء أوصى له بماله‏.‏

قوله ‏(‏ويذكر عن تميم الداري رفعه‏:‏ هو أولى الناس بمحياه ومماته‏)‏ هذا الحديث أغفله من صنف في الأطراف وكذا من صنف في رجال البخاري، لم يذكروا تميما الداري فيمن أخرج له، وهو ثابت في جميع النسخ هنا‏.‏

وذكر البخاري من روايته حديثا في الإيمان لكن جعله ترجمة باب وهو ‏"‏ الدين النصيحة ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من حديثه وليس له عنده غيره، وقد تكلمت عليه هناك، وذكرته من حديث أبي هريرة وغيره أيضا فلم تعين المراد في تميم، وهو ابن أوس بن خارجة بن سواد اللخمي ثم الداري نسب إلى بنى الدار بن لخم، وكان من أهل الشام ويتعاطى التجارة في الجاهلية، وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم فيقبل منه، وكان إسلامه سنة تسع من الهجرة، وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو على المنبر عن تميم بقصة الجساسة والدجال وعد ذلك في مناقبه‏.‏

وفي رواية الأكابر عن الأصاغر، وقد وجدت رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن غير تميم، وذلك فيما أخرجه أبو عبد الله بن منده في ‏"‏ معرفة الصحابة ‏"‏ في ترجمة زرعة بن سيف بن ذي يزن فساق بسنده إلى زرعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه كتابا وفيه ‏"‏ وأن مالك بن مزرد الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت وقاتلت المشركين فأبشر بخير، الحديث‏.‏

وكان تميم الداري من أفاضل الصحابة وله مناقب، وهو أول من أسرج المساجد وأول من قضى على الناس أخرجهما الطبراني، وسكن تميم بيت المقدس وكان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون وغيرها إذا فتحت ففعل فتسلمها بذلك لما فتحت في زمن عمر، ذكر ذلك ابن سعد وغيره، ومات تميم سنة أربعين‏.‏

وقوله ‏"‏رفعه ‏"‏ هو في معنى قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوها، وقد وصله البخاري في تاريخه وأبو داود‏.‏

وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في ‏"‏ مسند عمر بن عبد العزيز ‏"‏ بالعنعنة كلهم من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال ‏"‏ سمعت عبيد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال‏:‏ قلت يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي رجل من المسلمين‏؟‏ قال‏:‏ هو أولى الناس بمحياه ومماته ‏"‏ قال البخاري قال بعضهم عن ابن موهب سمع تميما ولا يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الولاء لمن أعتق ‏"‏ وقال الشافعي‏:‏ هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب، وابن موهب ليس بالمعروف ولا نعلمه لقي تميما ومثل هذا لا يثبت‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ ضعف أحمد هذا الحديث‏.‏

وأخرجه أحمد والدارمي والترمذي والنسائي من رواية وكيع وغيره عن عبد العزيز عن ابن موهب عن تميم‏.‏

وصرح بعضهم بسماع ابن موهب من تميم‏.‏

وأما الترمذي فقال‏:‏ ليس إسناده بمتصل‏.‏

قال‏:‏ وأدخل بعضهم بين ابن موهب وبين تميم قبيصة رواه يحيى بن حمزة‏.‏

قلت‏:‏ ومن طريقه أخرجه من بدأت بذكره‏.‏

وقال بعضهم إنه تفرد فيه بذكر قبيصة، وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن ابن موهب بدون ذكر تميم أخرجه النسائي أيضا‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ هذا الحديث مضطرب‏:‏ هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة‏؟‏ وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله بن موهب وبعضهم ابن موهب وعبد العزيز راويه ليس بالحافظ‏.‏

قلت‏:‏ هو من رجال البخاري كما تقدم في الأشربة ولكنه ليس بالمكثر، وأما ابن موهب فلم يدرك تميما، وقد أشار النسائي إلى أن الرواية التي وقع التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ ولكن وثقه بعضهم، وكان عمر بن عبد العزيز ولاه القضاء، ونقل أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند له صحيح عن الأوزاعي أنه كان يدفع هذا الحديث ولا يرى له وجها، وصحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي وقال ‏"‏ هو حديث حسن الخرج متصل ‏"‏ وإلى ذلك أشار البخاري بقوله واختلفوا في صحة هذا الخبر، وجزم في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ بأنه لا يصح لمعارضته حديث ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ ويؤخذ منه أنه لو صح سنده لما قاوم هذا الحديث، وعلى التنزل فتردد في الجمع هل يخص عموم الحديث المتفق على صحته بهذا فيستثنى منه من أسلم أو تؤول الأولوية في قوله ‏"‏ أولى الناس ‏"‏ بمعنى النصرة والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه‏؟‏ جنح الجمهور إلى الثاني ورجحانه ظاهر، وبه جزم ابن القصار فيما حكاه ابن بطال فقال‏:‏ لو صح الحديث لكان تأويله أنه أحق بموالاته في النصر والإعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك، ولو جاء الحديث بلفظ أحق بميراثه لوجب تخصيص الأول والله أعلم‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ قال الجمهور بقول الحسن في ذلك‏.‏

وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن النخعي أنه يستمر إن عقل عنه، وإن لم يعقل عنه فله أن يتحول لغيره واستحق الثاني وهلم جرا، وعن النخعي قول آخر‏:‏ ليس له أن يتحول، وعنه إن استمر إلى أن مات تحول عنه وبه قال إسحاق وعمر بن عبد العزيز، ووقع ذلك في طريق الباغندي التي أسلفتها، وفي غيرها أنه أعطى رجلا أسلم على يديه رجل فمات وترك مالا وبنتا نصف المال الذي بقي بعد نصيب البنت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث ابن عمر في قصة بريرة من أجل قوله فيه ‏"‏ فإن الولاء لمن أعتق، لأن اللام فيه للاختصاص أي الولاء مختص بمن أعتق، وقد تقدم توجيهه‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ لا يمنعك ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ لا يمنعك ‏"‏ بالتأكيد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ قَالَتْ فَأَعْتَقْتُهَا قَالَتْ فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا بِتُّ عِنْدَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَالَ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا

الشرح‏:‏

حديث عائشة في ذلك مختصرا وقال في آخره ‏"‏ قال وكان زوجها حرا ‏"‏ وقد تقدم قبل باب من وجه آخر عن منصور أن قائل ذلك هو الأسود راويه عن عائشة، وفي الباب الذي قبله من طريق الحكم عن إبراهيم أنه الحكم، ومضى الكلام على ذلك مستوفى بحمد الله تعالى، ومحمد المذكور في أول السند الثاني قال أبو علي العساني هو ابن سلام إن شاء الله، وجرير هو ابن عبد الحميد‏.‏

قلت‏:‏ وقد وقع في الاستقراض ‏"‏ حدثنا محمد حدثنا جرير ‏"‏ كذا عند الأكثر غير منسوب ووقع في رواية أبي علي بن شبوية عن الفربري ‏"‏ محمد بن سلام ‏"‏ وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني ‏"‏ محمد بن يوسف ‏"‏ يعني البيكندي، وليس في الكتاب محمد عن جرير سوى هذين الموضعين والمرجح أنه ابن سلام، وقد أغرب أبو نعيم فأخرج الحديث من طريق عثمان ابن أبي شيبة عن جرير ثم قال‏:‏ أخرجه البخاري عن عثمان، كذا وجدته وما أظنه إلا ذهولا‏.‏