فصل: باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غزوة الحديبية‏)‏ في رواية أبي ذر عن الكشميهني ‏"‏ عمرة ‏"‏ بدل غزوة‏.‏

والحديبية بالتثقيل والتخفيف لغتان، وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف‏.‏

وقال أبو عبيد البكري‏:‏ أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة‏)‏ الآية‏)‏ يشير إلى أنها نزلت في قصة الحديبية، وقد تقدم شرح معظم هذه القصة في كتاب الشروط، وأذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر هناك، وكان توجهه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست فخرج قاصد إلى العمرة فصده المشركون عن الوصول إلى البيت، ووقعت بينهم المصالحة على أن يدخل مكة في العام المقبل‏.‏

وجاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في رمضان واعتمر في شوال، وشذ بذلك، وقد وافق أبو الأسود عن عروة الجمهور، ومضى في الحج قول عائشة ‏"‏ ما اعتمر إلا في ذي القعدة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي

الشرح‏:‏

حديث زيد بن خالد الجهني في النهي عن قول ‏"‏ مطرنا بنجم كذا ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه في الاستسقاء، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ خرجنا عام الحديبية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر ‏"‏ تقدم شرحه في الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة ‏"‏ انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ‏"‏ هكذا ذكره مختصرا، وقد تقدم بطوله في كتاب الحج مشروحا، ويستفاد منه أن بعض من خرج إلى الحديبية لم يكن أحرم بالعمرة فلم يحتج إلى التحلل منها كما سأشير إليه في الحديث الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا

الشرح‏:‏

حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ذكره من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء، ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة‏.‏

وفي رواية زهير عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر، ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا عشرة مائة، ومن طريق قتادة ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة، فقال سعيد‏:‏ حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة ‏"‏ ومن طريق عمرو بن دينار عن جابر ‏"‏ كانوا ألفا وأربعمائة ‏"‏ ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى ‏"‏ كانوا ألفا وثلاثمائة ‏"‏ ووقع عند ابن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة ‏"‏ كانوا ألفا وخمسمائة ‏"‏ والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألفا وخمسمائة‏.‏

جبر الكسر، ومن قال ألفا وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء ‏"‏ ألفا وأربعمائة أو أكثر ‏"‏ واعتمد على هذا الجمع النووي، وأما البيهقي فمال إلى الترجيح وقال‏:‏ إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح، ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك، ومن رواية معقل بن يساد وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب، ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه‏.‏

قلت‏:‏ ومعظم هذه الطرق عند مسلم، ووقع عند ابن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد‏.‏

وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه، واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، أو العدد الذي ذكره جملة من ابتداء الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم‏.‏

وأما قول ابن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لأنه قاله استنباطا من قول جابر‏:‏ ‏"‏ نحرنا البدنة عن عشرة ‏"‏ وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا‏.‏

وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم، وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف، وحزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة، وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين، وهذا إن ثبت تحرير بالغ‏.‏

ثم وجدته موصولا عن ابن عباس عند ابن مردويه، وفيه رد على ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان‏)‏ يعني قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات، فقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح، وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال‏:‏ لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، وإنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى‏.‏

وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر، وأما قوله تعالى في هذه السورة‏:‏ ‏(‏وأثابهم فتحا قريبا‏)‏ فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين‏.‏

وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال‏:‏ شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ الآية فقال رجل‏:‏ يا رسول الله أو فتح هو‏؟‏ قال‏:‏ أي والذي نفسي بيده إنه لفتح‏.‏

ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية‏.‏

وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ قال‏:‏ صلح الحديبية، وغفر له ما تقدم وما تأخر، وتبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فجعل من دون ذلك فتحا قريبا‏)‏ فالمراد الحديبية، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ فالمراد به فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحديبية بئر‏)‏ يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمي بئر كانت هنالك، هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك، وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزحناها‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في شرح ابن التين ‏"‏ فنزفناها ‏"‏ بالفاء بدل الحاء المهملة قال‏:‏ والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن لا يبقى منه شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم نترك فيها قطرة‏)‏ في رواية ‏"‏ فوجدنا الناس قد نزحوها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ ثم قال‏:‏ ائتوني بدلو من مائها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أنها أصدرتنا‏)‏ أي رجعتنا، يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا‏.‏

وفي رواية زهير ‏"‏ فأرووا أنفسهم وركابهم ‏"‏ والركاب الإبل التي يسار عليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ أَنْبَأَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى الْبِئْرَ وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَالَ ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ دَعُوهَا سَاعَةً فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا

الشرح‏:‏

حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ذكره من وجهين عن أبي إسحاق عن البراء، ووقع في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء كنا أربع عشرة مائة‏.‏

وفي رواية زهير عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر، ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم بن أبي الجعد عنه أنهم كانوا عشرة مائة، ومن طريق قتادة ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة، فقال سعيد‏:‏ حدثني جابر أنهم كانوا خمس عشرة مائة ‏"‏ ومن طريق عمرو بن دينار عن جابر ‏"‏ كانوا ألفا وأربعمائة ‏"‏ ومن طريق عبد الله بن أبي أوفى ‏"‏ كانوا ألفا وثلاثمائة ‏"‏ ووقع عند ابن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة ‏"‏ كانوا ألفا وخمسمائة ‏"‏ والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألفا وخمسمائة‏.‏

جبر الكسر، ومن قال ألفا وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء ‏"‏ ألفا وأربعمائة أو أكثر ‏"‏ واعتمد على هذا الجمع النووي، وأما البيهقي فمال إلى الترجيح وقال‏:‏ إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح، ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك، ومن رواية معقل بن يساد وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب، ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه‏.‏

قلت‏:‏ ومعظم هذه الطرق عند مسلم، ووقع عند ابن سعد في حديث معقل بن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد‏.‏

وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه، واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، أو العدد الذي ذكره جملة من ابتداء الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم‏.‏

وأما قول ابن إسحاق إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لأنه قاله استنباطا من قول جابر‏:‏ ‏"‏ نحرنا البدنة عن عشرة ‏"‏ وكانوا نحروا سبعين بدنة وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلا‏.‏

وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان أنهما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بضع عشرة مائة، فيجمع أيضا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم، وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف، وحزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفا وسبعمائة، وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين، وهذا إن ثبت تحرير بالغ‏.‏

ثم وجدته موصولا عن ابن عباس عند ابن مردويه، وفيه رد على ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد وإنما ذكره بالحدس والتخمين، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان‏)‏ يعني قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات، فقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ المراد بالفتح هنا الحديبية لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح، وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال‏:‏ لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، وإنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف انتهى‏.‏

وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر، وأما قوله تعالى في هذه السورة‏:‏ ‏(‏وأثابهم فتحا قريبا‏)‏ فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين‏.‏

وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال‏:‏ شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ الآية فقال رجل‏:‏ يا رسول الله أو فتح هو‏؟‏ قال‏:‏ أي والذي نفسي بيده إنه لفتح‏.‏

ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية‏.‏

وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله‏:‏ ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ قال‏:‏ صلح الحديبية، وغفر له ما تقدم وما تأخر، وتبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فجعل من دون ذلك فتحا قريبا‏)‏ فالمراد الحديبية، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إذا جاء نصر الله والفتح‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ فالمراد به فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحديبية بئر‏)‏ يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمي بئر كانت هنالك، هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك، وقد مضى بأبسط من هذا في أواخر الشروط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزحناها‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في شرح ابن التين ‏"‏ فنزفناها ‏"‏ بالفاء بدل الحاء المهملة قال‏:‏ والنزف والنزح واحد وهو أخذ الماء شيئا بعد شيء إلى أن لا يبقى منه شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم نترك فيها قطرة‏)‏ في رواية ‏"‏ فوجدنا الناس قد نزحوها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ ثم قال‏:‏ ائتوني بدلو من مائها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ فبصق فدعا ثم قال دعوها ساعة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أنها أصدرتنا‏)‏ أي رجعتنا، يعني أنهم رجعوا عنها وقد رووا‏.‏

وفي رواية زهير ‏"‏ فأرووا أنفسهم وركابهم ‏"‏ والركاب الإبل التي يسار عليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ قَالَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ قَالَ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقُلْتُ لِجَابِرٍ كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن فضيل‏)‏ هو محمد، وحصين هو ابن عبد الرحمن، وسالم هو ابن أبي الجعد، والكل كوفيون كما أن الإسناد الذي بعده إلى قتادة بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه‏)‏ هذا مغاير لحديث البراء أنه صب ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر، وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين، وسيأتي في الأشربة البيان بأن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك، ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها، وقد أخرج أحمد من حديث جابر من طريق نبيح العنزي عنه وفيه ‏"‏ فجاء رجل بإداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن ثم انصرف وترك القدح، قال فتزاحم الناس على القدح، فقال‏:‏ على رسلكم، فوضع كفه في القدح ثم قال‏:‏ أسبغوا الوضوء، قال فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه ‏"‏ ووقع في حديث البراء أن تكثر الماء كان بصب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه في البئر‏.‏

وفي رواية أبي الأسود عن عروة في ‏"‏ دلائل البيهقي ‏"‏ أنه أمر بسهم فوضع في قعر البئر فجاشت بالماء، وقد تقدم وجه الجميع في الكلام على حديث المسور ومروان في آخر الشروط، وتقدم الكلام على اختلافهم في كيفية نبع الماء في علامات النبوة، وأن نبع الماء من بين أصابعه وقع مرارا في الحضر وفي السفر‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً فَقَالَ لِي سَعِيدٌ حَدَّثَنِي جَابِرٌ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَابَعَهُ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ قَتَادَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو داود‏)‏ هو سليمان بن داود الطيالسي ‏(‏قال حدثنا قرة‏)‏ هو ابن خالد ‏(‏عن قتادة‏)‏ ، وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي الفلاس عن أبي داود الطيالسي بهذا الإسناد إلى قتادة قال‏:‏ ‏"‏ سألت سعيد بن المسيب كم كانوا في بيعة الرضوان ‏"‏‏؟‏ فذكر الحديث وقال فيه‏:‏ أوهم يرحمه الله، هو حدثني أنهم كانوا ألفا وخمسمائة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية‏:‏ أنتم خير أهل الأرض‏)‏ هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما، وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ ‏"‏ لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا توقدوا نارا بليل، فلما كان بعد ذلك قال‏:‏ أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم ‏"‏ وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية ‏"‏ وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة ‏"‏ وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث ابن عمر، لكن تقدم في حديث ابن عمر المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة، ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض، واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ، وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر، والثاني جواب ساقط، وعكس ابن التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الأمر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم، وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الأنبياء‏.‏

وأغرب ابن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي، وهو ضعيف أعني كونه حيا، وأما كونه ليس بنبي فنفي باطل ففي القرآن العظيم ‏(‏وإن إلياس لمن المرسلين‏)‏ فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولو كنت أبصر اليوم‏)‏ يعني أنه كان عمي في آخر عمره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الأعمش سمع سالما‏)‏ يعني ابن أبي الجعد ‏(‏سمع جابرا ألفا وأربعمائة‏)‏ أي في قوله ألفا وأربعمائة، وهذه الطريق وصلها المؤلف في آخر كتاب الأشربة وساق الحديث أتم مما هنا، وبين في آخره الاختلاف فيه على سالم ثم على جابر في العدد المذكور، وقد بينت وجه الجمع قريبا‏.‏

وقيل‏:‏ إنما عدل الصحابي عن قوله‏:‏ ألف وأربعمائة إلى قوله‏:‏ أربع عشرة مائة للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى ما بالنسبة إلى القبائل وإما بالنسبة إلى الصفات‏.‏

قال ابن دحية‏:‏ الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين‏.‏

وتعقب بإمكان الجمع كما تقدم‏.‏

حديث عبد الله بن أبي أوفى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله بن معاذ‏)‏ كذا ذكره بصيغة التعليق، وقد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج على مسلم ‏"‏ من طريق الحسن بن سفيان ‏"‏ حدثنا عبيد الله بن معاذ به ‏"‏ وقال مسلم‏:‏ ‏"‏ حدثنا عبيد الله بن معاذ به‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألفا وثلاثمائة‏)‏ في رواية علي بن قادم عن شعبة عن عمرو بن مرة عند ابن مردويه ‏"‏ ألفا وأربعمائة ‏"‏ وهي شاذة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أسلم‏)‏ أي قبيلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثمن المهاجرين‏)‏ بضم المثلثة وسكون الميم وضمها ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الأسلميين، إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل، فعلى هدا كان المهاجرون ثمانمائة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه محمد بن بشار‏)‏ هو بندار ‏(‏حدثنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي، وهذه الطريق وصلها الإسماعيلي عن ابن عبد الكريم عن بندار به، وأخرجه مسلم عن أبي موسى محمد بن المثنى عن أبي داود به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الْأَسْلَمِيَّ يَقُولُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عيسى‏)‏ هو ابن يونس، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، ومرداس الأسلمي هو ابن مالك وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، ولا يعرف أحد روى عنه إلا قيس بن أبي حازم وجزم بذلك البخاري وأبو حاتم ومسلم وآخرون‏.‏

وقال ابن السكن‏:‏ زعم أهل الحديث أن مرداس بن عروة الذي روى عنه زياد بن علاقة هو الأسلمي، قال‏:‏ والصحيح أنهما اثنان‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا تعقب على المزي في قوله في ترجمة مرداس الأسلمي ‏"‏ روى عنه قيس بن أبي حازم وزياد بن علاقة‏"‏، ووضح أن شيخ زياد بن علاقة غير مرداس الأسلمي، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع مرداسا الأسلمي يقول وكان من أصحاب الشجرة‏:‏ يقبض الصالحون‏)‏ كذا ذكره عنه موقوفا هنا، وأورده في الرقاق من طريق بيان عن قيس مرفوعا، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

والغرض منه بيان أنه كان من أصحاب الشجرة، والحفالة بالمهملة والفاء بمعنى الحثالة بالمثلثة، والفاء قد تقع موضع الثاء، والمراد بها الرديء من كل شيء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا أَحْفَظُ مِنْ الزُّهْرِيِّ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ فَلَا أَدْرِي يَعْنِي مَوْضِعَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ أَوْ الْحَدِيثَ كُلَّهُ

الشرح‏:‏

حديث المسور ومروان في قصة الحديبية، ذكره مختصرا جدا من رواية سفيان - وهو ابن عيينة - عن الزهري وقال فيه‏:‏ ‏"‏ لا أحصي كم سمعته من سفيان، حتى سمعته يقول‏:‏ لا أحفظ من الزهري الأشعار والتقليد إلخ ‏"‏ وهذا كلام علي بن المديني، وسيأتي هذا الحديث في هذا الباب من رواية عبيد الله بن محمد الجعفي عن سفيان بن عيينة أتم من رواية علي، ولكن قال فيه‏:‏ ‏"‏ حفظت بعضه وثبتني معمر ‏"‏ وسأذكر ما يتعلق بشرحه، وهو الحديث الخامس والعشرون فيه‏.‏

وأغرب الكرماني فحمل قول علي بن المديني ‏"‏ لا أحصي كم سمعته من سفيان ‏"‏ على أنه شك في العدد الذي سمعه منه هل قال ألف وخمسمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف وثلاثمائة، ويكفي في التعقب عليه أن حديث سفيان هذا ليس فيه تعرض للتردد في عددهم، بل الطرق كلها جازمة بأن الزهري قال في روايته ‏"‏ كانوا بضع عشرة مائة ‏"‏ وكذلك كل من رواه عن سفيان، وإنما وقع الاختلاف في حديث جابر والبراء كما تقدم مبسوطا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن خلف‏)‏ هو الواسطي، ثقة من صغار شيوخ البخاري، وما له عنه في الصحيح سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بشر ورقاء‏)‏ هو ابن عمر اليشكري، وهو مشهور باسمه‏.‏

وابن أبي نجيح اسمه عبد الله واسم أبي نجيح يسار بمهملة، وحديث كعب بن عجرة هذا ذكره المصنف من وجهين عن مجاهد في آخر هذا الباب، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلحقت عمر امرأة شابة‏)‏ لم أقف على اسمها ولا على اسم زوجها ولا اسم أحد من أولادها، وزوجها صحابي لأن من كان له في ذلك الزمان أولاد يدل على أن له دراكا، وهذه بنت صحابي لا يبعد أن يكون لها رؤية، فالذي يظهر أن زوجها صحابي أيضا‏.‏

وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي ‏"‏ فلقينا امرأة قد شبثت بثيابه ‏"‏ وللدار قطني من هذا الوجه ‏"‏ إني امرأة مؤتمة ‏"‏ وله من طريق سعيد بن داود عن مالك ‏"‏ فتعلقت بثيابه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وترك صبية صغارا‏)‏ في رواية سعيد بن داود ‏"‏ وخلف صبيين صغيرين ‏"‏ فيحتمل أن يكون معهما بنت أو أكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت يا أمير المؤمنين‏)‏ زاد الدار قطني من طريق عبد العزيز بن يحيى عن مالك ‏"‏ فقال من معه‏:‏ دعي أمير المؤمنين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما ينضجون‏)‏ بضم أوله وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كراعا‏)‏ بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة، قال الخطابي‏:‏ معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه، ويحتمل أن يكون المراد لا كراع لهم فينضجونه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس لهم ضرع‏)‏ بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء‏:‏ ليس لهم ما يحلبونه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ولا زرع‏)‏ أي ليس لهم نبات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخشيت أن تأكلهم الضبع‏)‏ أي السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم أي تهلكهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا بنت خفاف‏)‏ بضم المعجمة وفاءين الأولى خفيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إيماء‏)‏ بكسر الهمزة ويقال بفتحها وسكون التحتانية والمد، وخفاف صحابي مشهور قيل له ولأبيه ولجده صحبة حكاه ابن عبد البر، قال‏:‏ وكانوا ينزلون غيقة يعني بغين معجمة وتحتانية ساكنة وقاف ويأتون المدينة كثيرا، ولخفاف هذا حديث عند مسلم موصول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال‏:‏ ‏"‏ لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة الغفاري مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا، وبعث بها مع ابنه خفاف، فقبل هديته وفرق الغنم في أصحابه ودعا بالبركة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بنسب قريب‏)‏ يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش، لأن كنانة تجمعهم‏.‏

أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعير ظهير‏)‏ أي قوي الظهر معد للحاجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اقتاديه‏)‏ بقاف ومثناة وفي رواية سعيد بن داود ‏"‏ وقودي هذا البعير‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يأتيكم الله بخير‏)‏ في رواية سعيد بن داود ‏"‏ بالرزق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثكلتك أمك‏)‏ هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا تريد بها حقيقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأرى أبا هذه‏)‏ يعني خفافا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخاها‏)‏ لم أقف على اسمه وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد لكنهما تابعيان فوهم من فسر الأخ الذي ذكره عمر بأحدهما، لأن مقتضى هذه القصة أن يكون الولد المذكور صحابيا، وإذا ثبت ما ذكره ابن عبد البر أن لخفاف وأبيه وجده صحبة اقتضى أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة، وهم ولد خفاف وخفاف وإيماء ورحضة، فتذاكر بهم مع بيت الصديق خلافا لمن زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة لا في بيت الصديق، وقد جمعت من وقع له ذلك ولو من طريق ضعيف فبلغوا عشرة أمثلة، منهم زيد بن حارث وأبوه وولده أسامة وولد أسامة، لأن الواقدي وصف أسامه بأنه تزوج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وولد له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد حاصرا حصنا‏)‏ لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك، ويحتمل احتمالا قريبا أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نستفئ‏)‏ بالمهملة وبالفاء وبالهمز أي نسترجع، يقول هذا المال أخذته فيئا‏.‏

وفي رواية الحموي بالقاف بغير همز‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ سهماننا ‏"‏ أي أنصباؤنا من الغنيمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا

الشرح‏:‏

حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في الشجرة، أورده من طريق قتادة عنه، ومن طريق طارق بن عبد الرحمن عن سعيد من ثلاثة طرق إلى طارق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد رأيت الشجرة‏)‏ أي التي كانت بيعة الرضوان تحتها، ووقع في بعض النسخ ‏"‏ قال محمود ثم أنسيتها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتيتها بعد فلم أعرفها‏)‏ بين رواية طارق أنه أتاها في العام المقبل فلم يعرفها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ مَا هَذَا الْمَسْجِدُ قَالُوا هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمود‏)‏ هو ابن غيلان، وعبيد الله هو ابن موسى وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون‏)‏ لم أقف على اسم أحد منهم، وزاد الإسماعيلي من رواية قيس بن الربيع عن طارق ‏"‏ في مسجد الشجرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نسيناها‏)‏ في رواية الكشميهني والمستملي ‏"‏ أنسيناها ‏"‏ بضم الهمزة وسكون النون أي أنسينا موضعها بدليل ‏"‏ فلم نقدر عليها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال سعيد‏)‏ أي ابن المسيب ‏"‏ إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم‏؟‏ فأنتم أعلم ‏"‏ قال سعيد هذا الكلام منكرا، وقوله‏:‏ ‏"‏ فأنتم أعلم ‏"‏ هو على سبيل التهكم‏.‏

وفي رواية قيس بن الربيع ‏"‏ إن أقاويل الناس كثيرة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا طَارِقٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرجعنا إليها العام المقبل‏)‏ في رواية عفان عن أبي عوانة عند الإسماعيلي ‏"‏ فانطلقنا في قابل حاجين ‏"‏ كذا أطلق، وهم كانوا معتمرين، لكن يطلق عليها الحج كما يقال‏:‏ العمرة الحج الأصغر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعميت علينا‏)‏ أي أبهمت، في رواية عفان ‏"‏ فعمي علينا مكانها ‏"‏ وزاد ‏"‏ فإن كانت بينت لكم فأنتم أعلم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَارِقٍ قَالَ ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ فَضَحِكَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ شَهِدَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكرت عند سعيد بن المسيب الشجرة فضحك فقال‏:‏ أخبرني أبي وكان شهدها‏)‏ زاد الإسماعيلي من طريق أبي زرعة عن قبيصة شيخ البخاري فيه ‏"‏ أنهم أتوها من العام القابل فأنسيناها ‏"‏ وقد قدمت الحكمة في إخفائها عنهم في ‏"‏ باب البيعة على الحرب ‏"‏ من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث ابن عمر في معنى ذلك، لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصلا، فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا ‏"‏ لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ‏"‏ فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره، واستمر هو يعرف موضعها بعينه‏.‏

ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها فقطعت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن أبي أوفى في قوله‏:‏ ‏"‏ اللهم صل على آل أبي أوفى ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الزكاة، وذكر هنا لقوله‏:‏ ‏"‏ وكان من أصحاب الشجرة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ قِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لَا أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أويس، وأخوه أبو بكر عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال، وعمرو بن يحيى هو المازني، وعباد بن تميم أي ابن أبي زيد من عاصم المازني وكلهم مدنيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما كان يوم الحرة‏)‏ أي لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية وبايعوا عبد الله بن حنظلة أي ابن أبي عامر الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ابن زيد‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن حنظلة‏)‏ هو عبد الله، وصرح به الإسماعيلي في روايته، وقوله‏:‏ ‏"‏ يبايع الناس ‏"‏ أي على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية‏.‏

وعكس الكرماني فزعم أنه كان يبايع الناس ليزيد بن معاوية، وهو غلط كبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه إشعار بأنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت وقد تقدم شرح ذلك مستوفي في ‏"‏ باب البيعة على الحرب ‏"‏ من كتاب الجهاد، وذكرت هناك ما وقع للكرماني من الخبط في شرح قوله ابن حنظلة‏.‏

ووقع في رواية الإسماعيلي من الزيادة ‏"‏ وقتل عبد الله بن زيد يوم الحرة ‏"‏ وكان السبب في البيعة تحت الشجرة ما ذكر ابن إسحاق قال‏:‏ ‏"‏ حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن عثمان قد قتل فقال‏:‏ لئن كانوا قتلوه لأناجزنهم، فدعا الناس إلى البيعة فبايعوه على القتال على أن لا يفروا‏.‏

قال‏:‏ فبلغهم بعد ذلك أن الخبر باطل ورجع عثمان‏"‏‏.‏

وذكر أبو الأسود في المغازي عن عروة السبب في ذلك مطولا قال‏:‏ ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بالحديبية أحب أن يبعث إلى قريش رجلا يخبرهم بأنه إنما جاء معتمرا، فدعا عمر ليبعثه فقال‏:‏ والله لا آمنهم على نفسي، فدعا عثمان فأرسله وأمره أن يبشر المستضعفين من المؤمنين بالفتح قريبا، وأن الله سيظهر دينه‏.‏

فتوجه عثمان فوجد قريشا نازلين ببلدح، قد اتفقوا على أن يمنعوا النبي صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، فأجاره أبان بن سعيد بن العاص قال وبعثت قريش بديل بن ورقاء وسهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر القصة التي مضت مطولة في الشروط قال‏:‏ ‏"‏ وآمن الناس بعضهم بعضا، وهم في انتظار الصلح، إذ رمى رجل من الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكانت معاركة، وتراموا بالنبل والحجارة‏.‏

فارتهن كل فريق من عندهم، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، فجاءه المسلمون وهو نازل تحت الشجرة التي كان يستظل بها، فبايعوه على أن لا يفروا، وألقى الله الرعب في قلوب الكفار فأذعنوا إلى المصالحة‏"‏‏.‏

وروى البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من مرسل الشعبي قال‏:‏ ‏"‏ كان أول من انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى البيعة تحت الشجرة أبو سنان الأزدي ‏"‏ وروى مسلم في حديث سلمة بن الأكوع قال‏:‏ ‏"‏ ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى البيعة فبايعه أول الناس ‏"‏ فذكر الحديث قال‏:‏ ‏"‏ ثم إن المشركين راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، قال‏:‏ فاضطجعت في أصل شجرة فأتاني أربعة من المشركين فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحولت عنهم إلى شجرة أخرى، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي‏:‏ يا آل المهاجرين، قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم، ثم جئت بهم أسوقهم، وجاء عمي برجل يقال له مكرز في ناس من المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثنياه، فعفا عنهم، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏(‏وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم‏)‏ وروى مسلم أيضا من حديث أنس أن رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم ليقاتلوه، فأخذهم، فعفا عنهم فأنزل الله الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ

الشرح‏:‏

حديث مسلمة بن الأكوع في وقت صلاة الجمعة، أورده لقوله فيه‏:‏ وكان من أصحاب الشجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي‏)‏ هو كوفي ثقة من قدماء شيوخ البخاري، مات سنة ست عشرة ومائتين، وأبوه يعلى بن الحارث المحاربي ثقة أيضا، مات سنة ثمان وستين ومائة، وما لهما في البخاري لا هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه‏)‏ استدل به لمن يقول بأن صلاة الجمعة تجزئ قبل الزوال، لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال‏.‏

وأجيب بأن النفي إنما تسلط على وجود ظل يستظل به لا على وجود الظل مطلقا، والظل الذي يستظل به لا يتهيأ لا بعد الزوال بمقدار يختلف في الشتاء والصيف، وقد تقدم بسط هذه المسألة ونقل الخلاف فيها في كتاب الجمعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حاتم‏)‏ هو ابن إسماعيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الموت‏)‏ تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب البيعة على الحرب ‏"‏ من كتاب الجهاد، وذكرت كيفية الجمع بينه وبين قول جابر لهم ‏"‏ نبايعه على الموت ‏"‏ وكذا روى مسلم من حديث معقل بن يسار مثل حديث جابر، وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر، والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي‏.‏

وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تئول إليه‏.‏

وجمع الترمذي بأن بعضا بايع على الموت وبعضا بايع على أن لا يفر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْتُ طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن العلاء بن المسيب‏)‏ أي ابن رافع الكوفي، وهو وأبوه ثقتان، وما له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في الدعوات، ولأبيه حديث آخر في الأدب من رواية منصور بن المعتمر عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ غبطه التابعي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مما يغبط به، لكن سلك الصحابي مسلك التواضع في جوابه‏.‏

وطوبى في الأصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها في صفة الجنة في بدء الخلق، وتطلق ويراد بها الخير أو الجنة أو أقصى الأمنية‏.‏

وقيل‏:‏ هي من الطيب أي طاب عيشكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا ابن أخي‏)‏ في رواية الكشميهني يا ابن أخ بغير إضافة، وهي على عادة العرب في المخاطبة، أو أراد أخوة الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنك لا تدري ما أحدثناه بعده‏)‏ يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن منصور، ويحيى بن صالح هو الوحاظي وهو من شيوخ البخاري، وقد يحدث عنه بواسطة كما هنا، ومعاوية بن سلام بالتشديد، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏

ووقع في رواية ابن السكن ‏"‏ عن زيد بن سلام ‏"‏ بدل يحيى بن أبي كثير قال أبو علي الجياني‏:‏ ولم يتابع على ذلك، وقد وقع في رواية النسفي عن البخاري كما قال الجمهور، وكذا هو عند مسلم وأبي داود من طريق معاوية بن سلام عن يحيى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة‏)‏ هكذا أورده مختصرا مقتصرا على موضع حاجته منه، وبقية الحديث قد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن معاوية بهذا الإسناد وزاد ‏"‏ وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال ‏"‏ الحديث، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ قَالَ أَصْحَابُهُ هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ قَالَ شُعْبَةُ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ أَمَّا إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَعَنْ أَنَسٍ وَأَمَّا هَنِيئًا مَرِيئًا فَعَنْ عِكْرِمَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس بن مالك ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا‏)‏ قال‏:‏ الحديبية‏)‏ سيأتي الكلام عليه في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى، وأفاد هنا أن بعض الحديث عن قتادة عن أنس وبعضه عن عكرمة، وقد أورده الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة، وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقا واحدا، وقد أوضحته في ‏"‏ كتاب المدرج‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ قَالَ إِنِّي لَأُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عامر‏)‏ هو عبد الملك بن عمرو العقدي، ووقع في رواية ابن السكن ‏"‏ حدثنا عثمان بن عمرو ‏"‏ بدل أبي عامر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسرائيل‏)‏ كذا في الأصول ولا بد منه، وحكى بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ بإسقاطه‏.‏

قلت‏:‏ ولا أعتقد صحة ذلك، بل إن كان سقط من نسخة فتلك النسخة غير معتمدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مجزأة‏)‏ بفتح الميم والزاي بينهما جيم ساكنة وبهمزة مفتوحة قبل الهاء وقال أبو على الجياني‏:‏ المحدثون يسهلون الهمزة ولا يلفظون بها وقد يكسرون الميم، وأبوه زاهر هو ابن الأسود بن الحجاج، وليس له في البخاري لا هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ كذا للجميع، ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي ‏"‏ عن أنس ‏"‏ بدل قوله عن أبيه وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر‏)‏ يعني يوم خيبر كما سيأتي فيها واضحا، وقد تعقب الداودي ما وقع هنا فقال‏:‏ هذا وهم، فإن النهي عن لحوم الحمر الأهلية لم يكن بالحديبية وإنما كان بخيبر ا هـ‏.‏

وليس في السياق أن ذلك كان في يوم الحديبية، وإنما ساق البخاري الحديث في الحديبية لقوله فيه‏:‏ ‏"‏ وكان ممن شهد الشجرة ‏"‏ ولم يتعرض لمكان النداء بذلك، مع أن غالب من بايع تحت الشجرة شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بعد رجوعهم‏.‏

الحديث‏:‏

وَعَنْ مَجْزَأَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ وَكَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن مجزأة‏)‏ يعني بالإسناد المذكور قبله، وليس لمجزأة في البخاري إلا هذا الحديث والذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن رجل منهم‏)‏ يعني من بني أسلم‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ أي من الصحابة‏.‏

والأول أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اسمه أهبان بن أوس‏)‏ هو بضم الهمزة وسكون الهاء بعدها موحدة، وما له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد ذكره في التاريخ فقال‏:‏ له صحبة، ونزل الكوفة، ويقال له وهبان أيضا‏.‏

ثم ساق من طريق أنيس بن عمرو عن أهبان بن أوس أنه كان في غنم له فكلمه الذئب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان‏)‏ يعني أهبان ‏(‏إذا سجد جعل تحت ركبته وسادة‏)‏ ولعله كان كبر فكان يشق عليه تمكين ركبته من الأرض فوضع تحتها وسادة لينة لا تمنع اعتماده عليها من التمكين لاحتمال أن يبس الأرض كان يضر ركبته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلَاكُوهُ تَابَعَهُ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتوا بسويق فلاكوه‏)‏ هو طرف من حديث تقدم في الطهارة وفي الجهاد، وسيأتي بتمامه قريبا في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه معاذ عن شعبة‏)‏ يعني بالإسناد المذكور، وقد وصلها الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به مختصرا، وزاد فيه ‏"‏ وذلك بعد أن رجعوا من خيبر‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ قَالَ إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع‏)‏ بفتح الموحدة وكسر الزاي بوزن عظيم وآخره مهملة، وشاذان هو الأسود بن عامر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي جمرة‏)‏ بجيم وراء هو نصر بن عمران الضبعي ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالمهملة والزاي وهو تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت عائذ بن عمرو‏)‏ هو بتحتانية مهموز وذال معجمة وهو ابن عمر بن هلال المزني، عاش إلى خلافة معاوية، ما له في البخاري لا هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل ينقض الوتر‏؟‏‏)‏ يعني إذا أوتر المرء ثم نام وأراد أن يتطوع هل يصلي ركعة ليصير الوتر شفعا ثم يتطوع ما شاء ثم يوتر محافظة على قوله‏:‏ ‏"‏ اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ‏"‏ أو يصلي تطوعا ما شاء ولا ينقض وتره ويكتفي بالذي تقدم فأجاب باختيار الصفة الثانية فقال‏:‏ ‏(‏إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره‏)‏ زاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة بهذا الإسناد ‏"‏ إذا أوترت من آخره فلا توتر أوله ‏"‏ وزاد فيه أيضا ‏"‏ وسألت ابن عباس عن نقض الوتر فذكر مثله ‏"‏ وهذه المسألة اختلف فيها السلف فكان ابن عمر ممن يرى نقض الوتر، والصحيح عند الشافعية أنه لا ينقض كما في حديث الباب، وهو قول المالكية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء الحديث‏)‏ هذا صورته مرسل، ولكن بقيه تدل على أنه عن عمر، لقوله في أثنائه ‏"‏ قال عمر‏:‏ فحركت بعيري إلخ ‏"‏ وقد أشبعت القول فيه في المقدمة، وقد أورده الإسماعيلي من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن ملك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ سمعت عمر بن الخطاب ‏"‏ فذكره، وسيأتي شرح المتن في تفسير سورة الفتح إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزرت‏)‏ بنون وزاي ثقيلة أي ألححت‏.‏

وقال أبو ذر الهروي‏:‏ لم أسمعه إلا بالتخفيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ فَقَالَ أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حفظت بعضه وثبتني فيه معمر‏)‏ بين أبو نعيم في مستخرجه القدر الذي حفظه سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبته فيه معمر، فساقه من طريق حامد بن يحيى عن سفيان إلى قوله‏:‏ ‏"‏ فأحرم منها بعمرة ‏"‏ ومن قوله‏:‏ ‏"‏ وبعث عينا له من خزاعة إلخ ‏"‏ مما ثبته فيه معمر، وقد تقدم في هذا الباب من رواية علي بن المديني عن سفيان وفيه قول سفيان ‏"‏ لا أحفظ الإشعار والتقليد فيه ‏"‏ وأن عليا قال‏:‏ ‏"‏ ما أدري ما أراد سفيان بذلك، هل أراد أنه لا يحفظ الإشعار والتقليد فيه خاصة، أو أراد أنه لا يحفظ بقية الحديث ‏"‏ وقد أزالت هذه الرواية الإشكال والتردد الذي وقع لعلي بن المديني، وقد تقدم الكلام على شرح الحديث مستوفى في الشروط، وأنه أورد هنا صدر الحديث واختصره هناك، وساق هناك الحديث بطوله واقتصر منه هنا على البعض، وتقدم بيان ما وقع هنا مما لم يذكره هناك من تسمية عينه الذي بعثه وأنه بشر بن سفيان الخزاعي، وضبط غدير الأشطاط، وذكر الواقدي أنه وراء عسفان‏.‏

ثم أورد المصنف بعضا من الحديث غير ما ذكره من هذه الطريق من طريق أخرى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه، ويعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وامعضوا‏)‏ بتشديد الميم بعدها عين مهملة ثم ضاد معجمة‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ وامتعضوا ‏"‏ بإظهار المثناة والمعنى شق عليهم، وقد سبق بسطه في الشروط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده‏)‏ أي إلى المشركين في تلك المدة وإن كان مسلما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجاءت المؤمنات مهاجرات‏)‏ أي في تلك لمدة أيضا، وقد ذكرت أسماء من سمي منهن في كتاب الشروط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكانت أم كلثوم بنت عقبه بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي من مكة إلى المدينة مهاجرة مسلمة‏.‏

فقوله‏:‏ ‏"‏ وهي عاتق ‏"‏ أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن، وقيل‏:‏ هي الشابة، وقيل‏:‏ فوق المعصر، وقيل‏:‏ استحقت التخدير، وقيل‏:‏ بين البالغ والعانس، وتقدم بسط ذلك في كتاب العيدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم‏)‏ في حديث عبد الله بن أبي أحمد بن جحش ‏"‏ هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم، فنقض العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة، فنزلت الآية ‏"‏ أخرجه ابن مردويه في تفسيره، وبهذا يظهر المراد بقوله في حديث الباب‏:‏ ‏"‏ حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل‏)‏ أي من استثنائهن من مقتضى الصلح على رد من جاء منهم مسلما، وسيأتي بيان ذلك مشروحا في أواخر كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب وأخبرني عروة إلخ‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وقد وصله الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم به وفيه بيان لأن الذي وقع في الشرط من عطف هذه القصة في رواية الزهري عن عروة عن مروان والمسور مدرج وإنما هو عن عروة عن عائشة، ويأتي شرح الامتحان في النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن عمه‏)‏ هو موصل بالإسناد المذكور أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلغنا حين أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم‏)‏ هذا القدر ذكره هكذا مرسلا، وهو موصول من رواية معمر كما أشرنا إليه في الشروط، وسأشبع الكلام على ذلك في النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبلغنا أن أبا بصير فذكره بطوله‏)‏ كذا في الأصل وأشار إلى ما تقدم في قصة أبي بصير في كتاب الشروط؛ وقد ذكرت شرحها مبسوطا هناك حيث ساقها مطولة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر حيث خرج معتمرا في الفتنة‏.‏

الحديث ذكره من طريق، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ باب الإحصار ‏"‏ من كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَفَرَّقُوا فِي ظِلَالِ الشَّجَرِ فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني شجاع بن الوليد‏)‏ أي البخاري المؤدب أبو الليث، ثقة من أقران البخاري، وسمع قبله قليلا، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

وأما شجاع بن الوليد الكوفي فذاك يكنى أم بدر ولم يدركه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع النضر بن محمد‏)‏ هو الجرشي بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة، ثقة متفق عليه، وما له في البخاري لا هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا صخر‏)‏ هو ابن جويرية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع قال‏:‏ إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلخ‏)‏ ظاهر هذا السياق الإرسال، ولكن الطريق التي بعدها أوضحت أن نافعا حمله عن ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند رجل من الأنصار‏)‏ لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه، وقد تقدمت الإشارة إليه في أول كتاب العلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمر يستلئم للقتال‏)‏ أي يلبس اللأمة بالهمز وهي السلاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال هشام بن عمار‏)‏ كذا وقع بصيغة التعليق، وفي بعض النسخ ‏"‏ وقال لي ‏"‏ وقد وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي محيطون به ناظرون إليه بأحد بأحداقهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ يا عبد الله‏)‏ القائل يا عبد الله هو عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أحدقوا‏)‏ كذا للكشميهني وغيره وهو الصواب‏.‏

ووقع للمستملي ‏"‏ قال أحدقوا ‏"‏ جعل بدل قد قال وهو تحريف، وهذا السبب الذي هنا في أن ابن عمر بايع قبل أبيه غير السبب الذي قبله، ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس، ورأى الناس مجتمعين فقال له انظر ما شأنهم، فبدأ بكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع، وتوجه إلى الفرس فأحضرها وأعاد حينئذ الجواب على أبيه، وأما ابن التين فلم يظهر له وجه الجمع بينهما فقال‏:‏ هذا اختلاف، ولم يسند نافع إلى ابن عمر ذلك في شيء من الروايتين، كذا قال، والثانية ظاهرة في الرد عليه فإن فيها عن ابن عمر كما بيناه‏.‏

ثم زعم أن المبايعة المذكورة إنما كانت حين قدموا إلى المدينة مهاجرين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس فمر به ابن عمر وهو يبايع، الحديث‏.‏

قلت‏:‏ وبمثل ذلك لا ترد الروايات الصحيحة‏.‏

فقد صرح في الرواية الأولى بأن ذلك كان يوم الحديبية، والقصة التي أشار إليها تقدمت من وجه آخر في الهجرة، وليس فيما نقل فيها ما يمنع التعدد، بل يتعين ذلك لصحة الطريقين‏.‏

والله المستعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع‏)‏ هكذا أورده مختصرا، وتوضحه الرواية التي قبله وهو أن ابن عمر لما رأى الناس يبايعون بيع ثم رجع إلى عمر فأخبره بذلك فخرج وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يُصِيبُهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثتا ابن نمير‏)‏ هو محمد بن عبد الله بن نمير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعلى‏)‏ هو ابن عبيد، وإسماعيل هو ابن أبي خالد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يصيبه أحد بشيء‏)‏ أي لئلا يصيبه، وهذا كان في عمرة القضاء وقد تقدم أن عبد الله بن أبي أوفى كان ممن بايع تحت الشجرة وهو في عمرة الحديبية، وكل من شهد الحديبية وعاش إلى السنة المقبلة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ قَالَ أَبُو وَائِلٍ لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن‏)‏ بفتح المهملتين أي ابن إسحاق بن زياد الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه يكنى أبا علي، وثقه النسائي، ولم يعرفه أبو حاتم وعرفه غيره، قال ابن حبان في الثقات‏:‏ كان من أصحاب ابن المبارك ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، وما له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

ومحمد بن سابق من شيوخ البخاري، وقد يروي عنه بواسطة كما هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يسد منه خصم‏)‏ بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة أي جانب، وقد تقدم هذا الحديث في آخر الجهاد‏.‏

وزعم المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أن المصنف أخرج هذه الطريق في فرض الخمس، وليس كذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً قَالَ أَيُّوبُ لَا أَدْرِي بِأَيِّ هَذَا بَدَأَ

الشرح‏:‏

حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ قَالَ وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتْ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ

الشرح‏:‏

حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك‏.‏