فصل: باب فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الصوم في سبيل الله‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ سبيل الله طاعة الله، فالمراد من صام قاصدا وجه الله‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون ما هو أعم من ذلك‏.‏

ثم وجدته في ‏"‏ فوائد أبي الطاهر الذهلي ‏"‏ من طريق عبد الله بن عبد العزيز الليثي عن المقبري عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوما في سبيل الله ‏"‏ الحديث‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ العرف الأكثر استعماله في الجهاد، فإن حمل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين، قال‏:‏ ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت، والأول أقرب، ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى لأن الصائم يضعف عن اللقاء كما تقدم تقريره في ‏"‏ باب من اختار الغزو على الصوم ‏"‏ لأن الفضل المذكور محمول على من لم يخش ضعفا، ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من الأمور النسبية، فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين، وقد تقدم مزيد لذلك في كتاب الصيام في الكلام على الصوم في السفر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري، وسهيل بن أبي صالح لم يخرج له البخاري موصولا إلا هذا، ولم يحتج به لأنه قرنه بيحيى بن سعيد، وقد اختلف في إسناده على سهيل فرواه الأكثر عنه هكذا، وخالفهم شعبة فرواه عنه عن صفوان بن يزيد عن أبي سعيد أخرجه النسائي، ولعل لسهيل فيه شيخين‏.‏

وأخرجه النسائي أيضا من طريق أبي معاوية عن سهيل عن المقبري عن أبي سعيد، ووهم فيه أبو معاوية، وإنما يرويه المقبري عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد، وإنما رواه سهيل من حديث أبي هريرة عن أبيه عنه لا عن المقبري‏.‏

كذلك أخرجه النسائي من طريق سعيد بن عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه، وكذا أخرجه أحمد عن أنس بن عياض عن سهيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سبعين خريفا‏)‏ الخريف زمان معلوم من السنة، والمراد به هنا العام، وتخصيص الخريف بالذكر دون بقية الفصول - الصيف والشتاء والربيع - لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجني فيه الثمار‏.‏

ونقل الفاكهاني أن الخريف يجتمع فيه الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة دون غيره، ورد بأن الربيع كذلك‏.‏

قال القرطبي‏.‏

ورد ذكر السبعين لإرادة التكثير كثيرا انتهى‏.‏

ويؤيده أن النسائي أخرج الحديث المذكور عن عقبة بن عامر والطبراني عن عمرو بن عبسة وأبو يعلى عن معاذ بن أنس فقالوا جميعا في رواياتهم ‏(‏مائة عام‏)‏ ‏.‏

*3*باب فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل النفقة في سبيل الله‏)‏ ذكر فيه حديثين

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ أَيْ فُلُ هَلُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَاكَ الَّذِي لَا تَوَى عَلَيْهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ

الشرح‏:‏

عن أبي هريرة ‏"‏ من أنفق زوجين في سبيل الله ‏"‏ وقد تقدم في أول الصوم من وجه آخر، وقوله في هذا الإسناد عن أبي سلمة يأتي الكلام عليه وعلى قوله ‏"‏ أي فل ‏"‏ في فضل أبي بكر، وأن الخطابي جزم أنه ترخيم من فلان، وجزم غيره بأنه لغة فيه، وتقدم في ‏"‏ باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين ‏"‏ التنبيه على وهم القابسي في قوله ‏"‏ سعيد بن حفص ‏"‏ وقوله ‏"‏ زوجين ‏"‏ أي شيئين من أي نوع كان مما ينفق، والزوج يطلق على الواحد وعلى الاثنين وهو هنا على الواحد جزما، وقوله ‏"‏كل خزنة باب ‏"‏ كأنه من المقلوب لأن المراد خزنة كل باب، قال المهلب‏.‏

في هذا الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال، لأن المجاهد يعطي أجر المصلى والصائم والمتصدق وإن لم يفعل ذلك، لأن باب الريان للصائمين، وقد ذكر في هذا الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بإنفاق قليل المال في سبيل الله انتهى‏.‏

وما جرى فيه على ظاهر الحديث يرده ما قدمته في الصيام من زيادة في الحديث لأحمد حيث قال فيه ‏"‏ لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل ‏"‏ وهذا يدل على أن المراد بسبيل الله ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة، وقوله ‏"‏لا توى عليه ‏"‏ بالمثناة والأكثر أنه مقصور، وحكى ابن فارس المد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالْأُخْرَى فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أو يأتي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا يُوحَى إِلَيْهِ وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرَ ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا أَوَخَيْرٌ هُوَ ثَلَاثًا إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ وَإِنَّهُ كُلَّمَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ كُلَّمَا أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد ‏"‏ إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفى في الرقاق إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا قوله، ‏"‏ فجعله في سبيل الله ‏"‏ فإنه مطابق لما ترجم له، وقد روى النسائي وصححه ابن حبان من حديث خريم بالراء مصغر ابن فاتك بفاء ومثناة مكسورة رفعه ‏"‏ من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف ‏"‏ قلت‏:‏ وهو موافق لقوله تعالى ‏"‏ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ‏"‏ الآية‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ وإنه كل ما ينبت الربيع يقتل أو يلم ‏"‏ بضم أوله وكسر اللام وتشديد الميم أي يقرب من القتل‏.‏

وقوله ‏"‏أكلت حتى إذا امتدت ‏"‏ وقع في السياق حذف تقديره إلا آكله الخضر أكلت، وقد بين في الرواية الأخرى، وكذا أثبته الأصيلي هنا وسقط للباقين، وكذا سقط قوله ‏"‏ حبطا ‏"‏ وهو بفتح المهملة والموحدة، وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ بِخَيْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من جهز غازيا‏)‏ أي هيأ له أسباب سفره ‏(‏أو خلفه‏)‏ بفتح المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسين‏)‏ هو المعلم نسبه الطبراني عن حفص بن عمر عن أبي معمر، وكذا صرح به مسلم في روايته من وجه آخر عنه، ويحيى هو ابن أبي كثير، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق هو وأبو سلمة وبسر وهو بضم الموحدة وسكون المهملة، وقد سمع أبو سلمة من زيد بن خالد وحدث عنه هنا بواسطة وحدث عنه بلا واسطة في غير هذا عند أبي داود والترمذي وصححه وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد غزا‏)‏ قال ابن حبان‏:‏ معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة‏.‏

ثم أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ ‏"‏ كتب له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجره شيء ‏"‏ ولابن ماجه وابن حبان من حديث عمر نحوه بلفظ ‏"‏ من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع ‏"‏ وأفادت فائدتين إحداهما أن الوعد المذكور مرتب على تمام التجهيز، وهو المراد بقوله ‏"‏ حتى يستقل‏"‏‏.‏

ثانيهما أنه يستوي معه في الأجر إلى أن تنقضي تلك الغزوة‏.‏

وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وقال‏:‏ ليخرج من كل رجلين رجل والأجر بينهما ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ ثم قال للقاعد‏:‏ وأيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ‏"‏ ففيه إشارة إلى أن الغازي إذا جهز نفسه أو قام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ لفظة ‏"‏ نصف ‏"‏ يشبه أن تكون مقحمة، أي مزيدة من بعض الرواة، وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف، وأن التضعيف يختص بمن باشر العمل، قال القرطبي‏:‏ ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين‏:‏ أحدهما أنه لا يتناول محل النزاع لأن المطلوب إنما هو أن الدال على الخير مثلا هل له مثل أجر فاعله ثم التضعيف أو بغير تضعيف، وحديث الباب إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا‏.‏

ثانيهما ما تقدم من احتمال كون لفظة ‏"‏ نصف ‏"‏ زائدة‏.‏

قلت‏:‏ ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح؛ والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر فلا تعارض بين الحديثين‏.‏

وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كانت له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد، وصرف الخبر عن ظاهره يحتاج إلى مستند، وكأن مستند القائل أن العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه، لكن من يجهز الغازي بماله مثلا وكذا من يخلفه فيمن يترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضا، فإن الغازي لا يتأتى منه الغزر إلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو، بخلاف من اقتصر على النية مثلا والله أعلم‏.‏

وستكون لنا عودة إلى البحث في هذا الكلام على قوله ‏"‏ قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ‏"‏ في شرح فضائل القرآن إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسحاق بن عبد الله‏)‏ أي ابن أبي طلحة‏.‏

وفي رواية عمرو بن عاصم عن همام ‏"‏ أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ‏"‏ أخرجه ابن سعد عنه، وعند الإسماعيلي من طريق حبان بن هلال عن همام ‏"‏ حدثنا إسحاق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يكن يدخل بالمدينة بيتا غير بيت أم سليم‏)‏ قال الحميدي‏:‏ لعله أراد على الدوام، وإلا فقد تقدم أنه كان يدخل على أم حرام‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يريد أنه كان يكثر الدخول على أم سليم، وإلا فقد دخل على أختها أم حرام، ولعلها أي أم سليم كانت شقيقة المقتول أو وجدت عليه أكثر من أم حرام‏.‏

قلت‏:‏ لا حاجة إلى هذا التأويل فإن بيت أم حرام وأم سليم واحد، ولا مانع أن تكون الأختان في بيت واحد كبير لكل منهما فيه معزل فنسب تارة إلى هذه وتارة إلى هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل له‏)‏ لم أقف على اسم القائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني أرحمها، قتل أخوها معي‏)‏ هذه العلة أولى من قول من قال‏:‏ إنما كان يدخل عليها لأنها كانت محرما له، وسيأتي بيان ما في هذه القصة في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى‏.‏

والمراد بقوله ‏"‏ أخوها ‏"‏ حرام بن ملحان الذي تقدم ذكره في ‏"‏ باب من ينكب في سبيل الله ‏"‏ وستأتي قصة قتله في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي، والمراد بقوله ‏"‏ معي ‏"‏ أي مع عسكري أو على أمري وفي طاعتي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد بئر معونة وإنما أمرهم بالذهاب إليها، وغفل القرطبي فقال‏:‏ قتل أخوها معه في بعض حروبه وأظنه يوم أحد، ولم يصب في ظنه، والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال ابن المنير‏:‏ مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة قوله ‏"‏ أو خلفه في أهله ‏"‏ لأن ذلك أعم من أن يكون في حياته أو بعد موته، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجبر قلب أم سليم بزيارتها، ويعلل ذلك بأن أخاها قتل معه، ففيه أنه خلفه في أهله بخير بعد وفاته، وذلك من حسن عهده صلى الله عليه وسلم‏.‏

*3*باب التَّحَنُّطِ عِنْدَ الْقِتَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التحنط عند القتال‏)‏ أي استعمال الحنوط، وهو ما يطيب به الميت، وقد تقدم بيانه في كتاب الجنائز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَالَ وَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهُوَ يَتَحَنَّطُ فَقَالَ يَا عَمِّ مَا يَحْبِسُكَ أَنْ لَا تَجِيءَ قَالَ الْآنَ يَا ابْنَ أَخِي وَجَعَلَ يَتَحَنَّطُ يَعْنِي مِنْ الْحَنُوطِ ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ انْكِشَافًا مِنْ النَّاسِ فَقَالَ هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا حَتَّى نُضَارِبَ الْقَوْمَ مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن موسى بن أنس‏)‏ أي ابن مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر‏)‏ كذا للحموي وللباقين ‏"‏ وذكره ‏"‏ بزيادة الواو وهي للحال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم اليمامة‏)‏ أي حين حاصرت المسلمون مسيلمة الكذاب وأتباعه في خلافة أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى أنس بن مالك ثابت بن قيس‏)‏ بالنصب على المفعولية، قال الحميدي كذا قال، لم يقل عن أنس، وأخرجه البرقاني من وجه آخر فقال ‏"‏ عن موسى بن أنس عن أبيه قال أتيت ثابت بن قيس‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وصله الطبري والإسماعيلي من طريق ابن أبي زائدة عن ابن عون‏.‏

وقال ابن سعد في الطبقات ‏"‏ حدثنا الأنصاري حدثنا ابن عون حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال‏:‏ لما كان يوم اليمامة جئت إلى ثابت بن قيس بن شماس ‏"‏ فذكره، وأخرجه الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق أخرى عن الأنصاري كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد حسر‏)‏ بمهملتين مفتوحتين أي كشف وزنه ومعناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا عم‏)‏ إنما دعاه بذلك لأنه كان أسن منه، ولأنه من قبيلة الخزرج، قوله‏:‏ ‏(‏ما يحبسك‏)‏ أي يؤخرك‏.‏

وفي رواية الأنصاري ‏"‏ فقلت يا عم ألا ترى ما يلقى الناس ‏"‏ زاد معاذ بن معاذ عن ابن عون عند الإسماعيلي ‏"‏ ألا تجئ ‏"‏ وكذا أخرجه خليفة في تاريخه عن معاذ وقال في جوابه ‏"‏ بلى يا ابن أخي الآن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا‏)‏ بالتشديد وتجيء بالنصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعل يتحنط يعني من الحنوط‏)‏ كذا في الأصل، وكأن قائلها أراد دفع من يتوهم أنها من الحنطة، ولم يقع ذلك في رواية الأنصاري المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكر من الناس انكشافا‏)‏ في رواية ابن أبي زائدة ‏"‏ فجاء حتى جلس في الصف، والناس ينكشفون ‏"‏ أي ينهزمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ هكذا عن وجوهنا‏)‏ أي افسحوا لي حتى أقاتل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي بل كان الصف لا ينحرف عن موضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بئس ما عودتم أقرانكم‏)‏ كذا للأكثر، ووقع في رواية المستملي ‏"‏ عودكم أقرانكم ‏"‏ أي نظراؤكم، وهو جمع قرن بكسر القاف، وهو الذي يعادل الآخر في الشدة، والقرن بكسر القاف من يعادل في السن، وأراد ثابت بقوله هذا توبيخ المنهزمين، أي عودتم نظراءكم في القوة من عدوكم القرار منهم حتى طمعوا فيكم، وزاد معاذ بن معاذ الأنصاري وابن أبي زائدة في روايتهما ‏"‏ فتقدم فقاتل حتى قتل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه حماد‏)‏ أي ابن أبي سلمة ‏(‏عن ثابت عن أنس‏)‏ كذا قال، وكأنه أشار إلى أصل الحديث، وإلا فرواية حماد أتم من رواية موسى بن أنس، وقد أخرجه ابن سعد والطبراني والحاكم من طرق عنه ولفظه ‏"‏ أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما وقد انهزم القوم، فقال‏:‏ اللهم أني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون واعتذر إليك مما صنع هؤلاء - ثم قال - بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم، خلوا بيننا وبينهم ساعة، فحمل فقاتل حتى قتل، وكانت درعه قد سرقت، فرآه رجل فيما يرى النائم فقال‏:‏ أنها في قدر تحت إكاف بمكان كذا، فأوصاه بوصايا، فوجدوا الدرع كما قال، وأنفذوا وصاياه‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم قصة الدرع والوصية مطولة من وجه آخر عن بنت ثابت بن قيس المذكورة وفيها ‏"‏ أنه أوصى بعتق بعض رقيقه‏"‏، وسمى الواقدي في كتاب الردة من وجه آخر من أوصى بعتقه وهم سعد وسالم، وأفاد الواقدي أن رائي المنام هو بلال المؤذن، قال المهلب وغيره‏:‏ فيه جواز استهلاك النفس في الجهاد وترك الأخذ بالرخصة، والتهيئة للموت بالتحنط والتكفين، وفيه قوة ثابت بن قيس وصحة يقينه ونيته، وفيه التداعي إلى الحرب والتحريض عليها وتوبيخ من يفر، وفيه الإشارة إلى ما كان الصحابة عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والثبات في الحرب، واستدل به على أن الفخذ ليست عورة، وقد مضى البحث فيه في أوائل كتاب الصلاة‏.‏

*3*باب فَضْلِ الطَّلِيعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الطليعة‏)‏ أي من يبعث إلى العدو ليطلع على أحوالهم، وهو اسم جنس يشمل الواحد فما فرقه، وقد تقدم في كتاب الشروط في حديث المسور الطويل بيان ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ قَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ قَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب‏)‏ في رواية وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي ‏"‏ لما اشتد الأمر يوم بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يأتينا بخبرهم ‏"‏ الحديث، وفيه أن الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات، ومنه يظهر المراد بالقوم في رواية ابن المنكدر، وسيأتي بيان ذلك في المغازي، وأن الأحزاب من قريش وغيرهم لما جاءوا إلى المدينة وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق بلغ المسلمين أن بني قريظة من اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشا على حرب المسلمين، وسيأتي الكلام على شرح ‏"‏ الحواري ‏"‏ في المناقب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب هَلْ يُبْعَثُ الطَّلِيعَةُ وَحْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يبعث الطليعة وحده‏)‏ ذكر فيه حديث جابر المذكور من رواية سفيان بن عيينة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ قَالَ صَدَقَةُ أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ

الشرح‏:‏

وقوله ‏"‏ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قال صدقة أظنه يوم الخندق ‏"‏ صدقة هو ابن الفضل شيخ البخاري فيه، وما ظنه هو الواقع فقد رواه الحميدي عن ابن عيينة فقال فيه ‏"‏ يوم الخندق ‏"‏ ولم يشك، في الحديث جواز استعمال التجسس في الجهاد، وفيه منقبة للزبير وقوة قلبه وصحة يقينه، وفيه جواز سفر الرجل وحده، وأن النهي في السفر وحده إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك، وسيأتي مزيد بحث في ذلك في أواخر الجهاد في ‏"‏ باب السير وحده‏"‏‏.‏

واستدل به بعض المالكية علي أن طليعة اللصوص المحاربين يقتل وإن كان لم يباشر قتلا ولا سلبا، وفي أخذه من هذا الحديث تكلف‏.‏

*3*باب سَفَرِ الِاثْنَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سفر الاثنين‏)‏ أي جوازه، والمراد سفر الشخصين لا سفر يوم الاثنين، بخلاف ما فهمه الداودي ثم اعترض على البخاري، ورده ابن التين بأن البخاري أورد فيه حديث مالك بن الحويرث ‏"‏ أذنا وأقيما ‏"‏ وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما ذلك حين أرادا السفر إلى قومهما، فيؤخذ الجواز من إذنه لهما‏.‏

قلت‏:‏ وكأنه لمح بضعف الحديث الوارد في الزجر عن سفر الواحد والاثنين، وهو ما أخرجه أصحاب السنن من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ الراكب شيطان والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهو حديث حسن الإسناد، وقد صححه ابن خزيمة والحاكم، وأخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه وترجم له ابن خزيمة ‏"‏ النهي عن سفر الاثنين وأن ما دون الثلاثة عصاة ‏"‏ لأن معنى قوله شيطان أي عاص‏.‏

وقال الطبري‏:‏ هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة، وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف، والحق أن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك، وقع لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك‏.‏

وقيل في تفسير قوله ‏"‏ الراكب شيطان ‏"‏‏:‏ أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في فعله، وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه، بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن تلك الخشية‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي الإلمام بشيء من هذا بعد أبواب كثيرة في ‏"‏ باب السير وحده‏"‏، ومضى شرح حديث مالك بن الحويرث في كتاب الصلاة‏.‏

*3*باب الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة‏)‏ هكذا ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد، وقد استنبط منه ما يأتي في الباب بعده وذكر فيه ثلاثة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر قوله‏:‏ ‏(‏الخيل في نواصيها الخير‏)‏ كذا في الموطأ ليس فيه ‏"‏ معقود ‏"‏ ووقع بإثباتها عند الإسماعيلي من رواية عبد الله بن نافع عن مالك، وسيأتي في علامات النبوة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بإثباتها وذلك في رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ وَابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ تَابَعَهُ مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ

الشرح‏:‏

حديث عروة بن الجعد قوله‏:‏ ‏(‏عن حصين‏)‏ بالتصغير هو ابن عبد الرحمن، وابن أبي السفر بفتح المهملة والفاء هو عبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة بن الجعد‏)‏ في رواية زكريا عن الشعبي ‏"‏ حدثنا عروة ‏"‏ وهو في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سليمان‏)‏ هو ابن حرب ‏(‏عن شعبة عن عروة بن أبي الجعد‏)‏ يعني أن سليمان بن حرب خالف حفص بن عمر في اسم والد عروة فقال حفص ‏"‏ عروة بن الجعد ‏"‏ وقال سليمان ‏"‏ عروة بن أبي الجعد، وطريق سليمان وصلها الطبراني عن أبي مسلم الكجي عنه، وأخرجها أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن أبي مسلم، قال الإسماعيلي‏:‏ قال أكثر الرواة عن شعبة ‏"‏ عروة بن الجعد ‏"‏ إلا سليمان وابن أبي عدي‏.‏

قلت‏:‏ رواية ابن أبي عدي عند النسائي وتابعهما مسلم بن إبراهيم أخرجه ابن أبي خيثمة عنه، ولشعبة فيه إسناد آخر فقال فيه ‏"‏ عروة بن الجعدي ‏"‏ أيضا أخرجه مسلم من طريق غندر عنه عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه مسدد عن هشيم عن حصين إلخ‏)‏ هكذا رويناه موصولا في مسند مسدد رواية معاذ في المثنى عنه وقال فيه ‏"‏ عروة بن أبي الجعد ‏"‏ كما قال البخاري، ولكن رواه أحمد في مسنده عن هشيم فقال ‏"‏ عروة البارقي ‏"‏ وكذا قال زكريا في الباب الذي بعده، وكذا أخرجه مسلم من طريق ابن فضيل وابن إدريس عن حصين، وأخرجه من طريق جرير عن حصين فقال ‏"‏ عروة بن الجعد ‏"‏ وصوب ابن المديني أنه ‏"‏ عروة بن أبي الجعد ‏"‏ وذكر ابن أبي حاتم أن اسم أبي الجعد سعد، وأما الرشاطي فقال‏:‏ هو عروة بن عياض بن أبي الجعد نسب في الرواية إلى جده، قال‏:‏ وكان ممن شهد فتوح الشام ونزلها، ثم نقله عثمان إلى الكوفة‏.‏

قلت‏:‏ ويأتي في علامات النبوة أنه كان يربط الخيل الكثيرة حتى قال الراوي‏:‏ رأيت في داره سبعين فرسا‏.‏

ولمسدد في هذا الحديث شيخ آخر سيأتي في ‏"‏ باب حل الغنائم ‏"‏ عنه عن خالد وهو الطحان عن حصين وقال فيه أيضا عروة البارقي، ووقع في رواية ابن إدريس عن حصين في هذا الحديث من الزيادة ‏"‏ والإبل عز لأهلها والغنم بركة ‏"‏ أخرجه البرقاني في مستخرجه ونبه عليه الحميدي‏.‏

والبارقي بالموحدة وكسر الراء بعدها قاف نسبة إلى بارق جبل باليمن، وقيل ماء بالسراة نزله بنو عدي بن حارثة بن عمر‏.‏

وقبيلة من الأزد، ولقب به منهم سعد بن عدي وكان يقال له بارق، وزعم الرشاطي أنه منسوب إلى ذي بارق قبيلة من ذي رعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وأبو التياح بمثناة وتحتانية ثقيلة وآخره مهملة، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏البركة في نواصي الخيل‏)‏ كذا وقع، ولا بد فيه من شيء محذوف يتعلق به المجرور وأولى ما يقدر ما ثبت في رواية أخرى فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي بن شعبة بلفظ ‏"‏ البركة تنزل في نواصي الخيل ‏"‏ وأخرجه من طريق ابن مهدي عن شعبة بلفظ ‏"‏ الخير معقود في نواصي الخيل ‏"‏ وسيأتي في علامات النبوة من طريق خالد بن الحارث عن شعبة بلفظ حديث عروة البارقي إلا أنه ليس فيه ‏"‏ إلى يوم القيامة ‏"‏ قال عياض إذا كان في نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها شؤم، فيحتمل أن يكون الشؤم الآتي ذكره في غير الخيل التي ارتبطت للجهاد وأن الخيل التي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة، فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم، ولا يمنع ذلك أن يكون ذلك الفرس مما يتشاءم به‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب، قوله‏:‏ ‏(‏الخيل‏)‏ المراد بها ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو يرتبط للأجل ذلك لقوله في الحديث الآتي بعد أربعة أبواب ‏"‏ الخيل ثلاثة ‏"‏ الحديث، فقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا ‏"‏ الخيل في نواصيها الخير معقود إلى يوم القيامة، فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليه احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمؤها وأرواثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة ‏"‏ الحديث، ولقوله في رواية زكريا كما في الباب الذي يليه ‏"‏ الأجر والمغنم ‏"‏ وقوله الأجر بدل من قوله الخير، أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم، ووقع عند مسلم من رواية جرير عن حصين ‏"‏ قالوا‏:‏ بم ذاك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ الأجر والمغنم ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره وملازمته، وخص الناصية لرفعة قدرها وكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على مكان مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريدا للاستعارة، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قاله الخطابي وغيره‏.‏

قالوا‏:‏ ويحتمل أنما يكون كني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية، ويبعده لفظ الحديث الثالث، وقد روى مسلم من حديث جرير قال ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بإصبعه ويقول ‏"‏ فذكر الحديث، فيحتمل أن تكون الناصية خصت بذلك لكونها المقدم منها، إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدو دون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الأدبار، واستدل به على أن الذي ورد فيها من الشؤم على غير ظاهره، لكن يحتمل أن يكون المراد هنا جنس الخيل، أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير، فأما من ارتبطها لعمل غير صالح فحصول الوزر لطريان ذلك الأمر العارض، وسيأتي مزيد لذلك في مكانه بعد أبواب‏.‏

قال عياض‏:‏ في هذا الحديث مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن، مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير‏.‏

قال الخطابي‏:‏ وفيه إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأطيبها، والعرب تسمى المال خيرا كما تقدم في الوصايا في قوله تعالى ‏(‏إن ترك خيرا الوصية‏)‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب، لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء غيرها مثل هذا القول، وفي النسائي عن أنس بن مالك ‏"‏ لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل‏"‏‏.‏

*3*باب الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهاد ماض مع البر والفاجر‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أبي هريرة، ولا بأس برواته، إلا أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة‏.‏

وفي الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا وفي إسناده ضعف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود إلخ‏)‏ سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، المغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلا فدل على أن لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر‏.‏

وفي الحديث الترغيب في الغزو على الخيل، وفيه أيضا بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون، وهو مثل الحديث الآخر ‏"‏ لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ‏"‏ الحديث‏.‏

واستنبط منه الخطابي إثبات سهم للفرس يستحقه الفارس من أجله، فإن أراد السهم الزائد للفارس على الراجل فلا نزاع فيه، وإن أراد أن للفرس سهمين غير سهم راكبه فهو محل النزاع ولا دلالة من الحديث عليه، وسيأتي القول فيه قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏‏:‏ حكى ابن التين أنه وقع في رواية أبي الحسن القابسي في لفظ الترجمة ‏"‏ الجهاد ماض على البر والفاجر ‏"‏ قال‏:‏ ومعناه أنه يجب على كل أحد‏.‏

قلت‏:‏ إلا أنه لم يقع في شيء من النسخ التي وقفنا عليها، وقد وجدته في نسخة قديمة من رواية القابسي كالجماعة، والذي يليق بلفظ الحديث ما وقع في سائر الأصول بلفظ ‏"‏ مع ‏"‏ بدل ‏"‏ على ‏"‏ والله أعلم‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ روى حديث ‏"‏ الخيل معقود في نواصيها الخير ‏"‏ جمع من الصحابة غير من تقدم ذكره، وهم ابن عمر وعروة وأنس وجرير، وممن لم يتقدم سلمة بن نفيل وأبو هريرة عند النسائي وعتبة بن عبد عند أبي داود وجابر وأسماء بنت يزيد وأبو ذر عند أحمد والمغيرة وابن مسعود عند أبي يعلى وأبو كبشة عند أبي عوانة وابن حبان في صحيحيهما وحذيفة عند البزار وسوادة بن الربيع وأبو أمامة وعريب - وهو بفتح المهلة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة - المليكي والنعمان بن بشير وسهل بن الحنظلية عند الطبراني وعن علي عند ابن أبي عاصم في الجهاد‏.‏

وفي حديث جابر من الزيادة في نواصيها الخير والنيل ‏"‏ وهو بفتح النون وسكون التحتانية بعدها لام وزاد أيضا ‏"‏ وأهلها معانون عليها، فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة‏"‏، وقوله ‏"‏وأهلها معانون عليها ‏"‏ في رواية سلمة بن نفيل أيضا‏.‏

*3*باب مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من احتبس فرسا في سبيل الله لقوله عز وجل‏:‏ ومن رباط الخيل‏)‏ أي بيان فضله، وروى ابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس في هذه الآية قال ‏"‏ إن الشيطان لا يستطيع ناصية فرس‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن حفص‏)‏ هو المروزي، قال البخاري في التاريخ‏:‏ لقيته بعسقلان سنة سبع عشرة‏.‏

قلت‏:‏ وما أخرج عنه غير هذا الحديث وآخر في مناقب الزبير موقوفا وآخر في آخر كتاب القدر قرنه وفيه ببشر بن محمد، وقد تعقب ابن أبي حاتم تسميته على البخاري في الجزء الذي جمع فيه أوهامه وقال‏:‏ الصواب أنه ابن الحسين بن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بوزن عظيم قال‏:‏ وقد لقيه أبي بعسقلان سنة سبع عشرة‏.‏

قلت‏:‏ فيحتمل أن يكون حفص اسم جده، وقد وقع للبخاري نسبة بعض مشايخه إلى أجدادهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا طلحة بن أبي سعيد‏)‏ هو المصري نزيل الإسكندرية وكان أصله من المدينة، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، بل قال أبو سعيد بن يونس‏:‏ ما روى حديثا مسندا غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتصديقا بوعده‏)‏ أي الذي وعد به من الثواب على ذلك، وفيه إشارة إلى المعاد كما أن في لفظ الإيمان إشارة إلى المبدأ‏.‏

وقوله ‏"‏شبعه ‏"‏ بكسر أوله أي ما يشبع به، وكذا قوله ‏"‏ ريه ‏"‏ بكسر الراء وتشديد التحتانية ووقع في حديث أسماء بنت يزيد الذي أشرت إليه في الباب الماضي ‏"‏ ومن ربطها رياء وسمعة ‏"‏ الحديث وقال فيه ‏"‏ فإن شبعها وجوعها إلخ خسران في موازينه ‏"‏ قال المهلب وغيره‏:‏ في هذا الحديث جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين، ويستنبط منه جواز وقف غير الخيل من المنقولات ومن غير المنقولات من باب الأولى‏.‏

وقوله ‏"‏وروثه ‏"‏ يريد ثواب ذلك لا أن الأرواث بعينها توزن، وفيه أن المرء يؤجر بنيته كما يؤجر العامل، وأنه لا بأس بذكر الشيء المستقذر بلفظه للحاجة لذلك‏.‏

وقال ابن أبي جمرة‏:‏ يستفاد من هذا الحديث أن هذه الحسنات تقبل من صاحبها لتنصيص الشارع على أنها في ميزانية، بخلاف غيرها فقد لا تقبل فلا تدخل الميزان، وروى ابن ماجه من حديث تميم الداري مرفوعا ‏"‏ من ارتبط فرسا في سبيل الله ثم عالج علفه بيده كان له بكل حبة حسنة‏"‏‏.‏

*3*باب اسْمِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اسم الفرس والحمار‏)‏ أي مشروعية تسميتهما، وكذا غيرهما من الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها‏.‏

وقد اعتنى من ألف في السيرة النبوية بسرد أسماء ما ورد في الأخبار من خيله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من دوابه، وفي الأحاديث الواردة في هذا الباب ما يقوي قول من ذكر أنساب بعض الخيول العربية الأصيلة لأن الأسماء توضع للتمييز بين أفراد الجنس‏.‏

وذكر البخاري في هذا الباب أربعة أحاديث

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخَلَّفَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَتَنَاوَلَهُ فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة في قصة صيد الحمار الوحشي، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج، والغرض منه قوله فيه ‏"‏ فركب فرسا يقال له الجرادة ‏"‏ وهو بفتح الجيم وتخفيف الراء، والجراد اسم جنس‏.‏

ووقع في السيرة لابن هشام أن اسم فرس أبي قتادة الحزوة أي بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها واو، فإما أن يكون لها اسمان، وإما أن أحدهما تصحف والذي في الصحيح هو المعتمد‏.‏

ومحمد بن أبي بكر شيخ البخاري فيه هو المقدمي، وحكى أبو علي الجياني أنه وقع في نسخة أبي زيد المروزي ‏"‏ محمد بن بكر ‏"‏ وهو غلط‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ اللُّخَيْفُ

الشرح‏:‏

حديث سهل وهو ابن سعد الساعدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال له اللحيف‏)‏ يعني بالمهملة والتصغير، قال ابن قرقول‏:‏ وضبطوه عن ابن سراج بوزن رغيف‏.‏

قلت‏:‏ ورجحه الدمياطي، وبه جزم الهروي وقال‏:‏ سمي بذلك لطول ذنبه، فعيل بمعنى فاعل، وكأنه يلحف الأرض بذنبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم اللخيف‏)‏ بالخاء المعجمة، وحكوا فيه الوجهين، وهذه رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو أخو أبي بن عباس، ولفظه عند ابن منده ‏"‏ كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن سعد والد سهل ثلاثة أفراس، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسميهن لزاز - بكسر اللام وبزايين الأولى خفيفة - والظرب بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة، واللخيف ‏"‏ وحكى سبط ابن الجوزي أن البخاري قيده بالتصغير والمعجمة قال‏:‏ وكذا حكاه ابن سعد عن الواقدي وقال‏:‏ أهداه له ربيعة بن أبي البراء مالك بن عامر العامري وأبوه الذي يعرف بملاعب الأسنة انتهى‏.‏

ووقع عند ابن أبي خيثمة‏:‏ أهداه له فروة بن عمرو‏.‏

وحكى ابن الأثير في النهاية أنه روى بالجيم بدل الخاء المعجمة، وسبقه إلى ذلك صاحب المغيث ثم قال‏:‏ فإن صح فهو سهم عريض النصل كأنه سمي بذلك لسرعته‏.‏

وحكى ابن الجوزي أنه روى بالنون بدل اللام من النحافة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا

الشرح‏:‏

حديث معاذ بن جبل قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن ميمون‏)‏ هو الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو من كبار التابعين، وسيأتي أنه أدرك الجاهلية في أخبار الجاهلية‏.‏

وأبو إسحاق الراوي عنه هو السبيعي‏.‏

والإسناد كله كوفيون إلا الصحابي، وأبو الأحوص شيخ يحيى بن آدم فيه كنت أظن أنه سلام بالتشديد وهو ابن سليم وعلى ذلك يدل كلام المزي، لكن أخرج هذا الحديث النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي عن يحيى بن آدم شيخ شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق ‏"‏ والبخاري أخرجه ليحيى بن آدم عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، وكنية عمار بن زريق أبو الأحوص فهو هو، ولم أر من نبه على ذلك‏.‏

وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وأبو داود عن هناد بن السري كلاهما عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، وأبو الأحوص هذا هو سلام بن سليم فإن أبا بكر وهنادا أدركاه ولم يدركا عمارا والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير‏)‏ بالمهملة والفاء مصغر مأخوذ من العفر وهو لون التراب كأنه سمي بذلك للونه والعفرة حمرة يخالطها بياض، وهو تصغير أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود، ووهم من ضبطه بالغين المعجمة وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له يعفور، وزعم ابن عبدوس أنهما واحد وقواه صاحب الهدي، ورده الدمياطي فقال‏:‏ عفير أهداه المقوقس ويعفور أهداه فروة بن عمرو وقيل بالعكس‏.‏

ويعفور بسكون المهملة وضم الفاء هو اسم ولد الظبي كأنه سمي بذلك لسرعته‏.‏

قال الواقدي‏:‏ نفق يعفور منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، وبه جزم النووي عن ابن الصلاح، وقيل طرح نفسه في بئر يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقع ذلك في حديث طويل ذكره ابن حبان في ترجمة محمد بن مرثد في الضعفاء، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غنمه من خيبر، وأنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له أنه كان ليهودي وأنه خرج من جده ستون حمارا لركوب الأنبياء فقال‏:‏ ولم يبق منهم غيري، وأنت خاتم الأنبياء، فسماه يعفورا‏.‏

وكان يركبه في حاجته ويرسله إلى الرجل فيقرع بابه برأسه فيعرف أنه أرسل إليه، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر أبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره، قال ابن حبان‏:‏ لا أصل له، وليس سنده بشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تعبدوه ولا تشركوا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أن تعبدوا ‏"‏ بحذف المفعول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيتكلوا‏)‏ بتشديد المثناة‏.‏

وفي رواية الكشميهني بسكون النون، وقد تقدم شرح ذلك في أواخر كتاب العلم، وسيأتي هذا الحديث في الرقاق من طريق أنس بن مالك عن معاذ ولم يسم فيه الحمار، ونستكمل بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وتقدم في العلم من حديث أنس بن مالك أيضا لكن فيما يتعلق بشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا فيما يتعلق بحق الله على العباد فهما حديثان، ووهم الحميدي ومن تبعه حيث جعلوهما حديثا واحدا‏.‏

نعم وقع في كل منهما منعه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بذلك الناس لئلا يتكلموا، ولا يلزم من ذلك أن يكونا حديثا واحدا‏.‏

وزاد في الحديث الذي في العلم ‏"‏ فأخبر بها معاذ عند موته تأثما ‏"‏ ولم يقع ذلك هنا والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَقَالَ مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا

الشرح‏:‏

حديث أنس في فرس أبي طلحة، وقد تقدم في أواخر الهبة مع شرحه، وهو ظاهر فيما ترجم به هنا‏.‏