فصل: كتاب الآحاد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كتاب الآحاد

*3*باب مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَلَوْ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ دَخَلَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما جاء في إجازة خبر الواحد‏)‏ هكذا عند الجميع بلفظ ‏"‏ باب ‏"‏ إلا في نسخة الصغاني فوقع فيها ‏"‏ كتاب أخبار الآحاد ‏"‏ ثم قال ‏"‏ باب ما جاء ‏"‏ إلى آخرها فاقتضى أنه من جملة ‏"‏ كتاب الأحكام ‏"‏ وهو واضح وبه يظهر أن الأولى في التمني أن يقال باب لا كتاب أو يؤخر عن هذا الباب وقد سقطت البسملة لأبي ذر والقابسي والجرجاني، وثبتت هنا قبل الباب في رواية كريمة والأصيلي، ويحتمل أن يكون هذا من جملة أبواب الاعتصام فإنه من جملة متعلقاته فلعل بعض من بيض الكتاب قدمه عليه، ووقع في بعض النسخ قبل البسملة ‏"‏ كتاب خبر الواحد ‏"‏ وليس بعمدة والمراد ‏"‏ بالإجازة ‏"‏ جواز العمل به والقول بأنه حجة و ‏"‏ بالواحد ‏"‏ هنا حقيقة الوحدة وأما في اصطلاح الأصوليين فالمراد به ما لم يتواتر، وقصد الترجمة الرد به على من يقول‏:‏ إن الخبر لا يحتج به إلا إذا رواه أكثر من شخص واحد حتى يصير كالشهادة، ويلزم منه الرد على من شرط أربعة أو أكثر‏.‏

فقد نقل الأستاذ أبو منصور البغدادي أن بعضهم اشترط في قبول خبر الواحد أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه، واشترط بعضهم أربعة عن أربعة، وبعضهم خمسة عن خمسة، وبعضهم سبعة عن سبعة انتهى‏.‏

وكأن كل قائل منهم يرى أن العدد المذكور يفيد التواتر، أو يرى تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد ومتوسط بينهم، وفات الأستاذ ذكر من اشترط اثنين عن اثنين كالشهادة على الشهادة وهو منقول عن بعض المعتزلة‏.‏

ونقله المازري وغيره عن أبي علي الجبائي ونسب إلى الحاكم أبي عبد الله وأنه ادعى أنه شرط الشيخين، ولكنه غلط على الحاكم كما أوضحته في الكلام على علوم الحديث، وقوله الصدوق قيد لا بد منه وإلا فمقابله وهو الكذوب لا يحتج به اتفاقا، وأما من لم يعرف حاله فثالثها يجوز أن اعتضد وقوله ‏"‏ والفرائض ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ في الأذان والصلاة والصوم ‏"‏ من عطف العام على الخاص، وأفرد الثلاثة بالذكر للاهتمام بها‏.‏

قال الكرماني ليعلم إنما هو في العمليات لا في الاعتقاديات ‏"‏ والمراد بقبول خبره في الأذان ‏"‏ أنه إذا كان مؤتمنا فأذن تضمن دخول الوقت فجازت صلاة ذلك الوقت، وفي ‏"‏ الصلاة ‏"‏ الإعلام بجهة القبلة وفي ‏"‏ الصوم ‏"‏ الإعلام بطلوع الفجر أو غروب الشمس وقوله ‏"‏ والأحكام ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ والفرائض ‏"‏ من عطف العام على عام أخص منه لأن الفرائض فرد من الأحكام‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية‏)‏ وقع في رواية كريمة سياق الآية إلى قوله ‏(‏يحذرون‏)‏ وهو المراد بقوله في رواية غيرها الآية، وهذا مصير منه إلى أن لفظ ‏"‏ طائفة ‏"‏ يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين، وهو منقول عن ابن عباس وغيره كالنخعي ومجاهد نقله الثعلبي وغيره، وعن عطاء وعكرمة وابن زيد أربعة، وعن ابن عباس أيضا من أربعة إلى أربعين، وعن الزهري ثلاثة، وعن الحسن عشرة، وعن مالك أقل الطائفة أربعة كذا أطلق ابن التين ومالك إنما قاله فيمن يحضر رجم الزاني، وعن ربيعة خمسة وقال الراغب‏:‏ لفظ طائفة يراد بها الجمع والواحد طائف، ويراد بها الواحد فيصح أن يكون كراوية وعلامة، ويصح أن يراد به الجمع وأطلق على الواحد‏.‏

وقال عطاء الطائفة اثنان فصاعدا، وقواه أبو إسحاق لزجاج بأن لفظ طائفة يشعر بالجماعة وأقلها اثنان، وتعقب بأن الطائفة في اللغة القطعة من الشيء فلا يتعين فيه العدد، وقرر بعضهم الاستدلال بالآية الأولى على وجه آخر فقال لما قال ‏(‏فلولا نفر من كل فرقة‏)‏ وكان أقل الفرقة ثلاثة‏.‏

وقد علق النفر بطائفة منهم فأقل من ينفر واحد ويبقى اثنان وبالعكس‏.‏

قوله ‏(‏ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى‏:‏ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، فلو اقتتل رجلان‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الرجلان‏"‏‏.‏

‏(‏دخلا في معنى الآية‏)‏ وهذا الاستدلال سبقه إلى الحجة به الشافعي وقبله مجاهد ولا يمنع ذلك قوله ‏(‏وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين‏)‏ لكون سياقه يشعر بأن المراد أكثر من واحد لأنا لم نقل أن الطائفة لا تكون إلا واحدا‏.‏

قوله ‏(‏وقوله إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏)‏ وجه الدلالة منها يؤخذ من مفهومي الشرط والصفة فإنهما يقتضيان قبول خبر الواحد، وهذا الدليل يورد للتقوى لا للاستقلال لأن المخالف قد لا يقول بالمفاهيم واحتج الأئمة أيضا بآيات أخرى وبالأحاديث المذكورة في الباب، واحتج من منع بأن ذلك لا يفيد إلا الظن وأجيب بأن مجموعها يفيد القطع كالتواتر المعنوي، وقد شاع فاشيا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير فاقتضى الاتفاق منهم على القبول، ولا يقال لعلهم عملوا بغيرها أو عملوا بها لكنها أخبار مخصوصة بشيء مخصوص لأنا نقول العلم حاصل من سياقها بأنهم إنما عملوا بها لظهورها لا لخصوصها‏.‏

قوله ‏(‏وكيف بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه واحدا بعد واحد فإن سها أحد منهم رد إلى السنة‏)‏ سيأتي في أواخر الكلام على خبر الواحد ‏"‏ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد ‏"‏ فزاد فيه ‏"‏ بعث الرسل ‏"‏ والمراد بقوله ‏"‏ واحدا بعد واحد ‏"‏ تعدد الجهات المبعوث إليها بتعدد المبعوثين، وحمله الكرماني على ظاهره فقال فائدة بعث الآخر بعد الأول ليرده إلى الحق عند سهوه، ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد وهو استدلال قوي لثبوت خبر الواحد من فعله صلى الله عليه وسلم لأن خبر الواحد لو لم يكف قبوله ما كان في إرساله معنى، وقد نبه عليه الشافعي أيضا كما سأذكره وأيده بحديث ‏"‏ ليبلغ الشاهد الغائب ‏"‏ وهو في الصحيحين، وبحديث ‏"‏ نضر الله امرأ سمع مني حديثا فأداه ‏"‏ وهو في السنن، واعترض بعض المخالفين بأن إرسالهم إنما كان لقبض الزكاة والفتيا ونحو ذلك وهي مكابرة، فإن العلم حاصل بإرسال الأمراء لأعم من قبض الزكاة وإبلاغ الأحكام وغير ذلك، ولو لم يشتهر من ذلك إلا تأمير معاذ بن جبل وأمره له وقوله له ‏"‏ إنك تقدم على قوم أهل كتاب فأعلمهم أن الله فرض عليهم ‏"‏ إلخ والأخبار طافحة بأن أهل كل بلد منهم كانوا يتحاكمون إلى الذي أمر عليهم ويقبلون خبره ويعتمدون عليه من غير التفات إلى قرينة، وفي أحاديث هذا الباب كثير من ذلك واحتج بعض الأئمة بقوله تعالى ‏(‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏)‏ مع أنه كان رسولا إلى الناس كافة ويجب عليه تبليغهم، فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر إبلاغ الشريعة إلى الكل ضرورة لتعذر خطاب جميع الناس شفاها، وكذا تعذر إرسال عدد التواتر إليهم وهو مسلك جيد ينضم إلى ما احتج به الشافعي ثم البخاري، واحتج من رد خبر الواحد بتوقفه صلى الله عليه وسلم في قبول خبر ذي اليدين ولا حجة فيه لأنه عارض علمه ‏"‏ وكل خبر واحد إذا عارض العلم لم يقبل ‏"‏ وبتوقف أبي بكر وعمر في حديثي المغيرة ‏"‏ في الجدة وفي ميراث الجنين ‏"‏ حتى شهد بهما محمد بن مسلمة، وبتوقف عمر في خبر أبي موسى ‏"‏ في الاستئذان ‏"‏ حتى شهد أبو سعيد، وبتوقف عائشة في خبر ابن عمر ‏"‏ في تعذيب الميت ببكاء الحي ‏"‏ وأجيب بأن ذلك إنما وقع منهم إما عند الارتياب كما في قصة أبي موسى فإنه أورد الخبر عند إنكار عمر عليه رجوعه بعد الثلاث وتوعده فأراد عمر الاستثبات خشية أن يكون دفع بذلك عن نفسه، وقد أوضحت ذلك بدلائله في ‏"‏ كتاب الاستئذان ‏"‏ وأما عند معارضة الدليل القطعي كما في إنكار عائشة حيث استدلت بقوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ وهذا كله إنما يصح أن يتمسك به من يقول لا بد من اثنين عن اثنين وإلا فمن يشترط أكثر من ذلك فجميع ما ذكر قبل عائشة حجة عليه لأنهم قبلوا الخبر من اثنين فقط، ولا يصل ذلك إلى التواتر والأصل عدم وجود القرينة إذ لو كانت موجودة ما احتيج إلى الثاني، وقد قبل أبو بكر خبر عائشة في أن ‏"‏ النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الاثنين ‏"‏ وقبل عمر خبر عمرو بن حزم في أن ‏"‏ دية الأصابع سواء ‏"‏ وقبل خبر الضحاك بن سفيان في ‏"‏ توريث المرأة من دية زوجها ‏"‏ وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في ‏"‏ أمر الطاعون، وفي أخذ الجزية من المجوس ‏"‏ وقبل خبر سعد بن أبي وقاص في ‏"‏ المسح على الخفين ‏"‏ وقبل عثمان خبر الفريعة بنت سنان أخت أبي سعيد في ‏"‏ إقامة المعتمد عن الوفاة في بيتها ‏"‏ إلى غير ذلك‏.‏

ومن حيث النظر أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث لتبليغ الأحكام وصدق خبر الواحد ممكن فيجب العمل به احتياطا، وأن إصابة الظن بخبر الصدوق غالبة، ووقوع الخطأ فيه نادر فلا تترك المصلحة الغالبة خشية المفسدة النادرة، وأن مبنى الأحكام على العمل بالشهادة وهي لا تفيد القطع بمجردها وقد رد بعض من قبل خبر الواحد ما كان منه زائدا على القرآن، وتعقب بأنهم قبلوه ‏"‏ في وجوب غسل المرفق في الوضوء ‏"‏ وهو زائد وحصول عمومه بخبر الواحد ‏"‏ كنصاب السرقة ‏"‏ ورده بعضهم بما تعم به البلوى وفسروا ذلك بما يتكرر، وتعقب بأنهم عملوا به في مثل ذلك ‏"‏ كإيجاب الوضوء بالقهقهة في الصلاة وبالقيء والرعاف ‏"‏ وكل هذا مبسوط في أصول الفقه اكتفيت هنا بالإشارة إليه‏.‏

وجملة ما ذكره المصنف هنا اثنان وعشرون حديثا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ

الشرح‏:‏

حديث مالك بن الحويرث بمهملة ومثلثة مصغر ابن حشيش بمهملة ومعجمتين وزن عظيم، ويقال ابن أشيم بمعجمة وزن أحمر من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حجازي سكن البصرة ومات بها سنة أربعة وسبعين بتقديم السين على الصواب‏.‏

قوله ‏(‏عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي ‏"‏ وأيوب ‏"‏ هو السختياني والسند كله بصريون‏.‏

قوله ‏(‏أتينا النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي وافدين عليه سنة الوفود، وقد ذكر ابن سعد ما يدل على أن وفادة بني ليث رهط مالك بن الحويرث المذكور كانت قبل غزوة تبوك وكانت تبوك في شهر رجب سنة تسع قوله ‏(‏ونحن شببة‏)‏ بمعجمة وموحدتين وفتحات جمع شاب وهو من كان دون الكهولة، وتقدم بيان أول الكهولة، في ‏"‏ كتاب الأحكام ‏"‏ وفي رواية وهيب في الصلاة ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي ‏"‏ والنفر عدد لا واحد له من لفظه وهو من ثلاثة إلى عشرة، ووقع في رواية في الصلاة ‏"‏ أنا وصاحب لي ‏"‏ وجمع القرطبي باحتمال تعدد الوفادة وهو ضعيف لأن مخرج الحديثين واحد والأصل عدم التعدد، والأولى في الجمع أنهم حين أذن لهم في السفر كانوا جميعا، فلعل مالكا ورفيقه عاد إلى توديعه فأعاد عليهما بعض ما أوصاهم به تأكيدا، وأفاد ذلك زيادة بيان أقل ما تنعقد به الجماعة‏.‏

قوله ‏(‏متقاربون‏)‏ أي في السن بل في أعم منه، فقد وقع عند أبي داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء ‏"‏ وكنا يومئذ متقاربين في العلم ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ كنا متقاربين في القراءة ‏"‏ ومن هذه الزيادة يؤخذ الجواب عن كونه قدم الأسن، فليس المراد تقديمه على الأقرأ بل في حال الاستواء في القراءة ولم يستحضر الكرماني هذه الزيادة فقال يؤخذ استواؤهم في القراءة من القصة لأنهم أسلموا وهاجروا معا وصحبوا ولازموا عشرين ليلة فاستووا في الأخذ‏.‏

وتعقب بأن ذلك لا يستلزم الاستواء في العلم للتفاوت في الفهم إذ لا تنصيص على الاستواء‏.‏

قوله ‏(‏رقيقا‏)‏ بقافين، وبفاء ثم قاف، ثبت ذلك عند رواة البخاري على الوجهين، وعند رواة مسلم بقافين فقط وهما متقاربان في المعنى المقصود هنا‏.‏

قوله ‏(‏اشتهينا أهلنا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أهلينا ‏"‏ بكسر اللام وزيادة ياء وهو جمع أهل، ويجمع مكسرا على أهال بفتح الهمزة مخففا، ووقع في رواية في الصلاة ‏"‏ اشتقنا إلى أهلنا ‏"‏ بدل ‏"‏ اشتهينا أهلنا ‏"‏ وفي رواية وهيب ‏"‏ فلما رأى شوقنا إلى أهلنا ‏"‏ والمراد بأهل كل منهم زوجته أو أعم من ذلك‏.‏

قوله ‏(‏سألنا‏)‏ بفتح اللام أي النبي صلى الله عليه وسلم سأل المذكورين‏.‏

قوله ‏(‏ارجعوا إلى أهليكم‏)‏ إنما أذن لهم في الرجوع لأن الهجرة كانت قد انقطعت بفتح مكة فكانت الإقامة بالمدينة باختيار الوافد فكان منهم من يسكنها ومنهم من يرجع بعد أن يتعلم ما يحتاج إليه‏.‏

قوله ‏(‏وعلموهم ومروهم‏)‏ بصيغة الأمر ضد النهي، والمراد به أعم من ذلك لأن النهي عن الشيء أمر بفعل خلاف ما نهي عنه اتفاقا، وعطف الأمر على التعليم لكونه أخص منه أو هو استئناف كأن سائلا قال‏:‏ ماذا نعلمهم‏؟‏ فقال مروهم بالطاعات وكذا وكذا‏.‏

ووقع في رواية حماد بن زيد عن أيوب كما تقدم في أبواب الإمامة ‏"‏ مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا ‏"‏ فعرف بذلك المأمور المبهم في رواية الباب، ولم أر في شيء من الطرق بيان الأوقات في حديث مالك بن الحويرث فكأنه ترك ذلك لشهرتها عندهم‏.‏

قوله ‏(‏وذكر أشياء أحفظها ولا أحفظها‏)‏ قائل هذا هو أبو قلابة راوي الخبر، ووقع في رواية أخرى ‏"‏ أو لا أحفظها ‏"‏ وهو للتنويع لا للشك‏.‏

قوله ‏(‏وصلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏ أي ومن جملة الأشياء التي يحفظها أبو قلابة عن مالك قوله صلى الله عليه وسلم هذا، وقد تقدم في رواية وهيب ‏"‏ وصلوا ‏"‏ فقط ونسبت إلى الاختصار وتمام الكلام هو الذي وقع هنا، وقد تقدم أيضا تاما في رواية إسماعيل بن علية في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ قال ابن دقيق العيد استدل كثير من الفقهاء في مواضع كثيرة على الوجوب بالفعل مع هذا القول، وهو ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ قال وهذا إذا أخذ مفردا عن ذكر سببه وسياقه أشعر بأنه خطاب للأمة بأن يصلوا كما كان يصلي، فيقوى الاستدلال به على كل فعل ثبت أنه فعله في الصلاة، لكن هذا الخطاب إنما وقع لمالك بن الحويرث وأصحابه بأن يوقعوا الصلاة على الوجه الذي رأوه صلى الله عليه وسلم يصليه، نعم يشاركهم في الحكم جميع الأمة بشرط أن يثبت استمراره صلى الله عليه وسلم على فعل ذلك الشيء المستدل به دائما حتى يدخل تحت الأمر ويكون واجبا، وبعض ذلك مقطوع باستمراره عليه وأما ما لم يدل دليل على وجوده في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها، فلا نحكم بتناول الأمر له، والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏فإذا حضرت الصلاة‏)‏ أي دخل وقتها‏.‏

قوله ‏(‏فليؤذن لكم أحدكم‏)‏ هو موضع الترجمة وقد تقدم سائر شرحه في ‏"‏ أبواب الأذان ‏"‏ وفي ‏"‏ أبواب الإمامة ‏"‏ بعون الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِي لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَمَدَّ يَحْيَى إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان و ‏"‏ التيمي ‏"‏ هو سليمان بن طرخان و ‏"‏ أبو عثمان ‏"‏ هو النهدي والسند كله إلى ابن مسعود بصريون، وقوله ‏"‏وليس الفجر أن يقول هكذا وجمع يحيى كفيه ‏"‏ يحيى هو القطان راويه، وقد تقدم في ‏"‏ باب الأذان ‏"‏ قبل الفجر من أبواب الأذان من طريق زهير بن معاوية على سليمان، وفيه ‏"‏ وليس الفجر أن تقول هكذا وقال‏:‏ بإصبعيه إلى فوق ‏"‏ وبينت هناك أن أصل الرواية بالإشارة المقرونة بالقول، وأن الرواة عن سليمان تصرفوا في حكاية الإشارة، واستوفيت هناك الكلام على شرحه بحمد الله تعالى‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ من سحوره ‏"‏ وقع في بعض النسخ ‏"‏ من سجوده ‏"‏ بجيم ودال وهو تحريف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في نداء بلال بليل، وقد تقدم شرحه مستوفى في الباب المذكور أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله وهو ابن مسعود في صلاته صلى الله عليه وسلم بهم خمسا والحكم في السند هو ابن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن قيس وقوله ‏"‏ فقيل له أزيد في الصلاة ‏"‏ تقدم إن قائل ذلك جماعتهم، وإنه بعد أن سلم تسارروا فقال ‏"‏ ما شأنكم‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله هل زيد في الصلاة‏؟‏ ‏"‏ ولم أقف على تعيين المخاطب له بذلك، وقد تقدمت سائر مباحثه هناك بحمد الله تعالى‏.‏

قال ابن التين‏:‏ بوب لخبر الواحد وهذا الخبر ليس بظاهر فيما ترجم له لأن المخبرين له بذلك جماعة انتهى، وسيأتي جوابه في الكلام على الحديث الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ ثُمَّ رَفَعَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين في سجود السهو، ومحمد في السند هو ابن سيرين وفيه ‏"‏ فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة ‏"‏ وفيه ‏"‏ فقال أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أبواب سجود السهو أيضا‏.‏

ووجه إيراد هذا الحديث والذي قبله في إجازة خبر الواحد التنبيه على أنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يقنع في الأخبار بسهوه بخبر واحد لأنه عارض فعل نفسه‏.‏

فلذلك استفهم في قصة ذي اليدين، فلما أخبره الجم الغفير بصدقه رجع إليهم، وفي القصة التي قبلها أخبروه كلهم وهذا على طريقة من يرى رجوع الإمام في السهو إلى أخبار من يفيد خبره العلم عنده وهو رأي البخاري، ولذلك أورد الخبرين هنا بخلاف من يحمل الأمر على أنه تذكر فلا يتجه إيراده في هذا المحل والعلم عند الله‏.‏

وقال الكرماني لم يخرج عن كونه خبر الواحد وإن كان قد صار يفيد العلم بسبب ما حفه من القرائن‏.‏

وقال غيره إنما استثبت النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين لأنه انفرد دون من صلى معه بما ذكر مع كثرتهم، فاستبعد حفظه دونهم وجوز عليه الخطأ ولا يلزم من ذلك رد خبر الواحد مطلقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في ‏"‏ تحويل القبلة ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أبواب استقبال القبلة في أوائل ‏"‏ كتاب الصلاة ‏"‏ والحجة منه بالعمل بخبر الواحد ظاهرة لأن الصحابة الذين كانوا يصلون إلى جهة بيت المقدس تحولوا عنه بخبر الذي قال لهم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستقبل الكعبة فصدقوا خبره وعملوا به في تحولهم عن جهة بيت المقدس، وهي شامية إلى جهة الكعبة، وهي يمانية على العكس من التي قبلها، واعترض بعضهم بأن خبر المذكور أفادهم العلم بصدقه لما عندهم من قرينة ارتقاب النبي صلى الله عليه وسلم وقوع ذلك لتكرر دعائه به والبحث إنما هو في خبر الواحد إذا تجرد عن القرينة، والجواب أنه إذا سلم أنهم اعتمدوا على خبر الواحد كفى في صحة الاحتجاج به والأصل عدم القرينة، وأيضا فليس العمل بالخبر المحفوف بالقرينة متفقا عليه فيصح الاحتجاج به على من اشترط العدد وأطلق، وكذا من اشترط القطع‏.‏

وقال إن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ما لم يتواتر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

حديث البراء بن عازب في تحويل القبلة أيضا، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ وفي أبواب استقبال القبلة أيضا وبينت هناك أن الراجح أن الذي أخبر في حديث البراء بالتحويل لم يعرف اسمه، ‏"‏ ويحيى ‏"‏ شيخ البخاري فيه هو ابن موسى البلخي، ‏"‏ وإسرائيل ‏"‏ هو ابن يونس، ‏"‏ وأبو إسحاق ‏"‏ هو السبيعي وهو جد إسرائيل المذكور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَهُوَ تَمْرٌ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ فجاءهم آت فقال‏:‏ إن الخمر قد حرمت ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ كتاب الأشربة ‏"‏ وأن الآتي المذكور لم يسم وأن من جملة ما ورد في بعض طرقه ‏"‏ فوالله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل ‏"‏ وهو حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحا حتى أقدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضى ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ

الشرح‏:‏

حديث حذيفة وأبو إسحاق في السند هو السبيعي وشيخه صلة بكسر المهملة وتخفيف اللام هو ابن زفر يكنى أبا العلاء كوفي عبسي بالموحدة من رهط حذيفة‏.‏

قوله ‏(‏قال لأهل نجران‏)‏ تقدم بيانه في أواخر المغازي مع شرحه، وقوله ‏"‏استشرف ‏"‏ بمعجمة بعد مهملة أي تطلعوا إليها ورغبوا فيها بسبب الوصف المذكور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ لكل أمة أمين ‏"‏ تقدم أيضا مع الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَهُ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عمر ‏"‏ كان رجل من الأنصار ‏"‏ تقدم بيان اسمه في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ والقدر المذكور هنا طرف من حديث ساقه بتمامه في تفسير سورة التحريم ويستفاد منه أن عمر كان يقبل خبر الشخص الواحد، وقوله ‏"‏وإذا غبت وشهد ‏"‏ في رواية الكشميهني والمستملي ‏"‏ وشهده ‏"‏ أي حضر ما يكون عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نقل بعض العلماء لقبول خبر الواحد أن كل صاحب وتابع سئل عن نازله في الدين فأخبر السائل بما عنده فيها من الحكم، أنه لم يشترط عليه أحد منهم أن لا يعمل بما أخبره به من ذلك حتى يسأل غيره، فضلا عن أن يسأل الكواف، بل كان كل منهم يخبره بما عنده فيعمل بمقتضاه ولا ينكر عليه ذلك، فدل على اتفاقهم على وجوب العمل بخبر الواحد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ ادْخُلُوهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ لِلْآخَرِينَ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وأمر عليهم رجلا‏)‏ هو عبد الله بن حذافة، وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر ‏"‏ المغازي ‏"‏ وتقدم القول في وجوب طاعة الأمير فيما فيه طاعة، لا فيما فيه معصية في أوائل ‏"‏ الأحكام‏"‏‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ لا طاعة في المعصية ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ في معصية ‏"‏ وخفيت مطابقة هذا الحديث للترجمة على ابن التين فقال ليس فيه ما بوب له لأنهم لم يطيعوه في دخول النار‏.‏

قلت‏:‏ لكنهم كانوا مطيعين له في غير ذلك وبه يتم المراد‏.‏

الحديث‏:‏

و حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ وَأَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرُدُّوهَا وَأَمَّا ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في ‏"‏ قصة العسيف ‏"‏ أورده من رواية ‏"‏ صالح ‏"‏ وهو ابن كيسان ومن رواية ‏"‏ شعبة ‏"‏ وهو ابن أبي حمزة كلاهما عن الزهري ‏"‏ ويعقوب بن إبراهيم ‏"‏ في السند الأول هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ كتاب المحاربين ‏"‏ وبينت فيه الذي قال ‏"‏ والعسيف الأجير ‏"‏ وأنه مدرج في هذه الطريق قال ابن القيم في الرد على من رد خبر الواحد إذا كان زائدا على القرآن، ما ملخصه‏:‏ السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه أحدها أن توافقه من كل وجه فيكون من توارد الأدلة، ثانيها أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن، ثالثها أن تكون دالة على حكم سكت عنه القرآن، وهذا ثالث يكون حكما مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم فتجب طاعته فيه ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطاع إلا فيما وافق القرآن، لم تكن له طاعة خاصة، وقد قال تعالى ‏(‏من يطع الرسول فقد أطاع الله‏)‏ وقد تناقض من قال‏:‏ إنه لا يقبل الحكم الزائد على القرآن إلا إن كان متواترا أو مشهورا‏.‏

فقد قالوا بتحريم المرأة على عمتها وخالتها، وتحريم ما يحرم من النسب بالرضاعة، وخيار الشرط والشفعة والرهن في الحضر، وميراث الجدة، وتخيير الأمة إذا عتقت، ومنع الحائض من الصوم والصلاة ووجوب الكفارة على من جامع وهو صائم في رمضان، ووجوب إحداد المعتدة عن الوفاة، وتجويز الوضوء بنبيذ التمر، وإيجاب الوتر وأن أقل الصداق عشرة دراهم، وتوريث بنت الابن السدس مع البنت، واستبراء المسببة بحيضة، وأن أعيان بني الأم يتوارثون، ولا يقاد الوالد بالولد، وأخذ الجزية من المجوس، وقطع رجل السارق في الثانية، وترك الاقتصاص من الجرح قبل الاندمال، والنهي عن بيع الكالئ بالكالئ، وغيرهما مما يطول شرحه، وهذه الأحاديث كلها آحاد وبعضها ثابت وبعضها غير ثابت ولكنهم قسموها إلى ثلاثة أقسام ولهم في ذلك تفاصيل يطول شرحها، ومحل بسطها أصول الفقه، وبالله التوفيق‏.‏