فصل: بَاب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب الصلاة في الثياب، وقول الله تعالى‏:‏ خذوا زينتكم عند كل مسجد‏)‏ يشير بذلك إلى ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فنزلت خذوا زينتكم ‏"‏ ووقع في تفسير طاوس قال في قوله تعالى ‏(‏خذوا زينتكم‏)‏ قال‏:‏ الثياب، وصله البيهقي، ونحوه عن مجاهد، ونقل ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر العورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد‏)‏ هكذا ثبت للمستملي وحده هنا، وسيأتي قريبا في باب مفرد، وعلى تقدير ثبوته هنا فله تعلق بحديث سلمة المعلق بعده كما سيظهر من سياقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن سلمة‏)‏ قد بين السبب في ترك جزمه به بقوله‏:‏ ‏(‏وفي إسناده نظر‏)‏ ‏.‏

وقد وصله المصنف في تاريخه وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال ‏"‏ قلت يا رسول الله إني رجل أتصيد، أفأصلي في القميص الواحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم، زره ولو بشوكة ‏"‏ ورواه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة، زاد في الإسناد رجلا، ورواه أيضا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال حدثنا موسى بن إبراهيم قال حدثنا سلمة‏.‏

فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو يكون التصريح في رواية عطاف وهما‏.‏

فهذا وجه النظر في إسناده‏.‏

وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها، وطريق عطاف أخرجها أيضا أحمد والنسائي، وأما قول ابن القطان‏:‏ إن موسى هو ابن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبي حاتم وأبي داود وأنه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم، لأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميا وهو غير التيمي بلا تردد‏.‏

نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظا فيحتمل على بعد أن يكونا جميعا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي وإلا فذكر محمد فيه شاذ، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يزره‏)‏ بضم الزاي وتشديد الراء، أي يشد إزاره ويجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته، ولو لم يمكنه ذلك إلا بأن يغرز في طرفيه شوكة يستمسك بها‏.‏

وذكر المؤلف حديث سلمة هذا إشارة إلى أن المراد بأخذ الزينة في الآية السابقة لبس الثياب لا تحسينها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى في الثوب‏)‏ يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان أنه ‏"‏ سأل أخته أم حبيبة‏:‏ هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه‏؟‏ قالت نعم، إذا لم ير فيه أذى‏"‏‏.‏

وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما لم ير فيه أذى‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ فيه ‏"‏ من رواية المستملي والحموي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمر النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة في بعث علي في حجة أبي بكر بذلك، وقد وصله بعد قليل لكن ليس فيه التصريح بالأمر، وروى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي بكر الصديق نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ‏"‏ لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ‏"‏ الحديث‏.‏

ووجه الاستدلال به للباب أن الطواف إذا منع فيه التعري فالصلاة أولى، إذ يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة، وقد ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة، وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة‏.‏

واحتج بأنه لو كان شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية، ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود‏.‏

والجواب عن الأول النقض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها، وعن الثاني باستقبال القبلة فإنه لا يفتقر للنية، وعن الثالث على ما فيه بالعاجز عن القراءة ثم عن التسبيح فإنه يصلي ساكتا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ قَالَتْ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن إبراهيم‏)‏ هو التستري، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون، وكذا المعلق بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا‏)‏ بضم الهمزة، ولمسلم من طريق هشام عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد تقدم هذا الحديث في الطهارة بأتم من هذا السياق في باب شهود الحائض العيدين، وتقدم الكلام عليه ثم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم العيدين‏)‏ وفي رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ يوم العيد ‏"‏ بالإفراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويعتزل الحيض عن مصلاهن‏)‏ أي النساء اللاتي لسن بحيض، وللمستملي ‏"‏ عن مصلاهم ‏"‏ على التغليب، وللكشميهني ‏"‏ عن المصلى ‏"‏ والمراد به موضع الصلاة‏.‏

ودلالته على الترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فيكون ذلك للفريضة أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن رجاء‏)‏ و الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون، هكذا في أكثر الروايات، ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبي زيد بمكة ‏"‏ حدثنا عبد الله بن رجاء قال ‏"‏ وفي بعض النسخ عن أبي زيد ‏"‏ وقال عبد الله بن رجاء ‏"‏ كما قال الباقون‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو الذي اعتمده أصحاب الأطراف والكلام على رجال هذا الكتاب، وعمران المذكور هو القطان، وفائدة التعليق عنه تصريح محمد ابن سيرين بتحديث أم عطية له، فبطل ما تخيله بعضهم من أن محمدا إنما سمعه من أخته حفصة عن أم عطية‏.‏

وقد رويناه موصولا في الطبراني الكبير ‏"‏ حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن رجاء ‏"‏ والله أعلم‏.‏

*3*باب عَقْدِ الْإِزَارِ عَلَى الْقَفَا فِي الصَّلَاةِ

وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عقد الإزار على القفا‏)‏ هو بالقصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حازم‏)‏ هو ابن دينار، وقد ذكره بتمامه موصولا بعد قليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلوا‏)‏ بلفظ الماضي أي الصحابة و ‏(‏عاقدي‏)‏ جمع عاقد وحذفت النون للإضافة وهو في موضع الحال‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ عاقدو ‏"‏ وهو خبر مبتدأ محذوف أي وهم عاقدو، وإنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وسجد، وهذه الصفة صفة أهل الصفة كما سيأتي في ‏"‏ باب نوم الرجال في المسجد‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ قَالَ لَهُ قَائِلٌ تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ فَقَالَ إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني واقد‏)‏ هو أخو عاصم بن محمد الراوي عنه، ومحمد أبوهما هو ابن زيد بن عبد الله ابن عمر، وواقد ومحمد بن المنكدر مدنيان تابعيان من طبقة واحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قبل‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة، أي من جهة قفاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المشجب‏)‏ بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم بعدها موحدة، هو عيدان تضم رءوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها‏.‏

وقال ابن سيده‏:‏ المشجب والشجاب خشبات ثلاث يعلق عليها الراعي دلوه وسقاءه، ويقال في المثل ‏"‏ فلان كالمشجب من حيث قصدته وجدته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له قائل‏)‏ وقع في رواية مسلم أنه عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وسيأتي قريبا أن سعيد بن الحارث سأله عن هذه المسألة، ولعلهما جميعا سألاه، وسيأتي عند المصنف في ‏"‏ باب الصلاة بغير رداء ‏"‏ من طريق ابن المنكدر أيضا ‏"‏ فقلنا يا أبا عبد الله ‏"‏ فلعل السؤال تعدد‏.‏

وقال في جواب ابن المنكدر ‏"‏ فأحببت أن يراني الجهال مثلكم ‏"‏ وعرف به أن المراد بقوله هنا ‏"‏ أحمق ‏"‏ أي جاهل‏.‏

والحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، قاله في النهاية‏.‏

والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل، فكأنه قال‏:‏ صنعته عمدا لبيان الجواز إما ليقتدي بي الجاهل ابتداء أو ينكر علي فأعلمه أن ذلك جائز‏.‏

وإنما أغلظ لهم في الخطاب زجرا عن الإنكار على العلماء، وليحثهم على البحث عن الأمور الشرعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأينا كان له‏)‏ أي كان أكثرنا في عهده صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا الثوب الواحد، ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلي فيه، فدل على الجواز‏.‏

وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون بيان الجواز به أوقع في النفس، لكونه أصرح في الرفع من الذي قبله‏.‏

وخفي ذلك على الكرماني فقال‏:‏ دلالته - أي الحديث الأخير - على الترجمة وهي عقد الإزار على القفا إما لأنه مخروم من الحديث السابق - أي هو طرف من الذي قبله - وإما لأنه يدل عليه بحسب الغالب إذ لولا عقده على القفا لما ستر العورة غالبا، ا ه‏.‏

ولو تأمل لفظه وسياقه بعد ثمانية أبواب لعرف اندفاع احتماليه فإنه طرف من الحديث المذكور هناك لا من السابق، ولا ضرورة إلى ما ادعاه من الغلبة، فإن لفظه ‏"‏ وهو يصلي في ثوب ملتحفا به ‏"‏ وهي قصة أخرى فيما يظهر كان الثوب فيها واسعا فالتحف به، وكان في الأولى ضيقا فعقده، وسيأتي ما يؤيد هذا التفصيل قريبا‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما، روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال ‏"‏ لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض ‏"‏ ونسب ابن بطال ذلك لابن عمر ثم قال‏:‏ لم يتابع عليه، ثم استقر الأمر على الجواز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مطرف‏)‏ هو ابن عبد الله بن سليمان الأصم صاحب مالك، مدني هو وباقي رجال إسناده وقد شارك أبا مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري في صحبة مالك‏.‏

وفي رواية الموطأ عنه، وفي كنيته‏.‏

لكن أحمد مشهور بكنيته أكثر من اسمه، ومطرف بالعكس‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ

قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ الْتَحَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به‏)‏ لما كانت الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص بحال الضيق، أو بحال بيان الجواز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الزهري في حديثه‏)‏ أي الذي رواه في الالتحاف، والمراد إما حديثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه وهو عند ابن أبي شيبة وغيره، أو عن سعيد عن أبي هريرة وهو عند أحمد وغيره، والذي يظهر أن قوله‏:‏ ‏(‏وهو المخالف‏.‏

إلخ‏)‏ من كلام المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت أم هانئ‏)‏ سيأتي حديثها موصولا في أواخر الباب، لكن ليس فيه ‏"‏ وخالف بين طرفيه ‏"‏ وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي مرة عنها، ورواه أحمد من ذلك الوجه بلفظ المعلق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا هشام بن عروة‏)‏ هذا الإسناد له حكم الثلاثيات وإن لم تكن له صورتها، لأن أعلى ما يقع للبخاري ما بينه وبين الصحابي فيه اثنان، فإن كان الصحابي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ توجد فيه صورة الثلاثي، وإن كان يرويه عن صحابي آخر فلا، لكن الحكم من حيث العلو واحد لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين‏.‏

وهكذا تقول بالنسبة إلى التابعي إذا لم يقع بينه وبينه إلا واحد، فإن رواه التابعي عن صحابي فعلى ما تقدم، وإن رواه عن تابعي آخر فله حكم العلو لا صورة الثلاثي كهذا الحديث، فإن هشام بن عروة من التابعين، لكنه حدث هنا عن تابعي آخر وهو أبوه، فلو رواه عن صحابي ورواه ذلك الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان ثلاثيا‏.‏

والحاصل أن هذا من العلو النسبي لا المطلق والله أعلم‏.‏

ثم أورد المصنف الحديث المذكور بنزول درجة من رواية يحيى القطان عن هشام وهو ابن عروة المذكور، وفائدته ما وقع فيه من التصريح بأن الصحابي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما نقل عنه أولا بالصورة المحتملة، وفيه تعيين المكان وهو بيت أم سلمة وهي والدة الصحابي المذكور عمر ابن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه زيادة كون طرفي الثوب على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم على أن الإسماعيلي قد أخرج الحديث المذكور من طريق عبيد الله بن موسى وفيه جميع الزيادة فكأن عبيد الله حدث به البخاري مختصرا‏.‏

وفائدة إيراد المصنف الحديث المذكور ثالثا بالنزول أيضا من رواية أبي أسامة عن هشام تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره‏.‏

ووقع في الروايتين الماضيتين بالعنعنة‏.‏

وفيه أيضا ذكر الاشتمال وهو مطابق لما تقدم من التفسير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشتملا به‏)‏ بالنصب للأكثر على الحال‏.‏

وفي رواية المستملي والحموي بالجر على المجاورة أو الرفع على الحذف‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي النضر‏)‏ هو المدني، وأبو مرة تقدم ذكره في العلم، وعرف هنا بأنه مولى أم هانئ وهناك بأنه مولى عقيل، وهو مولى أم هانئ حقيقة، وأما عقيل فلكونه أخاها فنسب إلى ولائه مجازا بأدنى ملابسة، أو لكونه كان يكثر ملازمة عقيل كما وقع لمقسم مع ابن عباس‏.‏

وقد تقدم الكلام على أوائل هذا الحديث في الغسل في باب التستر، ويأتي الكلام عليه أيضا في صلاة الضحى‏:‏ وموضع الحاجة منه هنا أن أم هانئ وصفت الالتحاف المذكور في هذه الطريق الموصولة بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين في الرواية المعلقة قبل، فطابق التفسير المتقدم في الترجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زعم ابن أمي‏)‏ هو علي بن أبي طالب‏.‏

وفي رواية الحموي ‏"‏ ابن أبي ‏"‏ وهو صحيح في المعنى فإنه شقيقها، و ‏"‏ زعم ‏"‏ هنا بمعنى ادعى، وقولها ‏(‏قاتل رجلا‏)‏ فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلان بن هبيرة‏)‏ بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف، وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أم هانئ ‏"‏ إني أجرت حموين لي ‏"‏ قال أبو العباس بن سريج وغيره‏:‏ هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان، فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة كذا قال، وجعدة معدود فيمن له رؤية ولم تصح له صحبة، وقد ذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا حتى يحتاج إلى الأمان‏؟‏ ثم لو كان ولد أم هانئ لم يهتم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها، وجوز ابن عبد البر أن يكون ابنا لهبيرة من غيرها، مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا لهبيرة ولدا من غير أم هانئ، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان‏.‏

وروى الأزرق بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة، وحكى بعضهم أنهما الحارث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب، وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات، كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ‏.‏

وقال الكرماني قال الزبير بن بكار‏:‏ فلان ابن هبيرة هو الحارث بن هشام‏.‏

انتهى‏.‏

وقد تصرف في كلام الزبير وإنما وقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان ابن هبيرة ‏"‏ الحارث بن هشام‏"‏، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفا، كأنه كان فيه ‏"‏ فلان ابن عم هبيرة ‏"‏ فسقط لفظ عم أو كان فيه ‏"‏ فلان قريب هبيرة ‏"‏ فتغير لفظ قريب بلفظ ابن، وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه، لكون الجميع من بني مخزوم‏.‏

وسيأتي الكلام على ما يتعلق بأمان المرأة في آخر كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن سائلا سأل‏)‏ لم أقف على اسمه، لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه ‏"‏ المبسوط ‏"‏ أن السائل ثوبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لكلكم‏)‏ قال الخطابي لفظه استخبار ومعناه الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوي، كأنه يقول‏:‏ إذا علمتم أن ستر العورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة‏؟‏ أي مع مراعاة ستر العورة به‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ معناه لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبا واحدا‏.‏

انتهى‏.‏

وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى ابن حبان هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب، لكن قال في الجواب ‏"‏ ليتوشح به ثم ليصل فيه ‏"‏ فيحتمل أن يكونا حديثين، أو حديثا واحدا فرقه الرواة وهو الأظهر، وكأن المصنف أشار إلى هذا لذكره التوشح في الترجمة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه‏)‏ أي بعضه، في رواية ‏"‏ عاتقه ‏"‏ بالإفراد‏.‏

والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق، وهو مذكر وحكى تأنيثه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يصلي‏)‏ قال ابن الأثير‏:‏ كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء، ووجهه أن ‏"‏ لا ‏"‏ نافية، وهو خبر بمعنى النهي‏.‏

قلت‏:‏ ورواه الدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق الشافعي عن مالك بلفظ ‏"‏ لا يصل ‏"‏ بغير ياء، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ ‏"‏ لا يصلين ‏"‏ بزيادة نون التأكيد، ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس على عاتقيه شيء‏)‏ زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد ‏"‏ منه شيء ‏"‏ والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُهُ أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعته‏)‏ أي قال يحيى سمعت عكرمة، ثم تردد هل سمعه ابتداء أو جواب سؤال منه‏.‏

هذا ظاهر هذه الرواية‏.‏

وأخرجه الإسماعيلي عن مكي بن عبدان عن حمدان السلمي عن أبي نعيم بلفظ ‏"‏ سمعته أو كتب به إلى ‏"‏ فحصل التردد بين السماع والكتابة، قال الإسماعيلي‏:‏ ولا أعلم أحدا ذكر فيه سماع يحيى من عكرمة، يعني بالجزم‏.‏

قال‏:‏ وقد رويناه من طريق حسين بن محمد عن شيبان بالتردد في السماع أو الكتابة أيضا‏.‏

قلت‏:‏ قد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هرون عن شيبان نحو رواية البخاري قال ‏"‏ سمعته ‏"‏ أو ‏"‏ كنت سألته فسمعته ‏"‏ أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشهد‏)‏ كره تأكيدا لحفظه واستحضاره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من صلى في ثوب‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ واحد‏"‏‏.‏

ودلالته على الترجمة من جهة أن المخالفة بين الطرفين لا تتيسر إلا بجعل شيء من الثوب على العاتق، كذا قال الكرماني‏.‏

وأولى من ذلك أن في بعض طرق هذا الحديث التصريح بالمراد فأشار إليه المصنف كعادته، فعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه ‏"‏ فليخالف بين طرفيه على عاتقيه ‏"‏ وكذا للإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حسين عن شيبان، وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنهي في الذي قبله على التنزيه‏.‏

وعن أحمد ‏"‏ لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه ‏"‏ جعله من الشرائط، وعنه ‏"‏ تصح ويأثم ‏"‏ جعله واجبا مستقبلا‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ ظاهر النهي يقتضي التحريم لكن الإجماع منعقد على جواز تركه‏.‏

كذا قال وغفل عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية ما نقلناه عن أحمد، وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي عدم الجواز، وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضا، وقد تقدم ذلك قبل بباب، وعقد الطحاوي له بابا في شرح المعاني ونقل المنع عن ابن عمر ثم عن طاوس والنخعي، ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير، وجمع الطحاوي بين أحاديث الباب بأن الأصل أن يصلي مشتملا فإن ضاق اتزر‏.‏

ونقل الشيخ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره، لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه‏.‏

واستدل الخطابي على عدم الوجوب بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، قال‏:‏ ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه، وفيما قاله نظر لا يخفى، والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعا فيجب، وبين ما إذا كان ضيقا فلا يجب وضع شيء منه على العاتق، وهو اختيار ابن المنذر، وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه بباب إذا كان الثوب ضيقا‏.‏

*3*بَاب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَا السُّرَى يَا جَابِرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ قُلْتُ كَانَ ثَوْبٌ يَعْنِي ضَاقَ قَالَ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بعض أسفاره‏)‏ عينه مسلم في روايته من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر ‏"‏ غزوة بواط ‏"‏ وهو بضم الموحدة وتخفيف الواو وهي من أوائل مغازيه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لبعض أمري‏)‏ أي حاجتي‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله هو وجبار ابن صخر لتهيئة الماء في المنزل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما السرى‏)‏ أي ما سبب سراك أي سيرك في الليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما هذا الاشتمال‏)‏ كأنه استفهام إنكار، قال الخطابي‏:‏ الاشتمال الذي أنكره هو أن يدير الثوب على بدنه كله لا يخرج منه يده‏.‏

قلت‏:‏ كأنه أخذه من تفسير الصماء على أحد الأوجه، لكن بين مسلم في روايته أن الإنكار كان بسبب أن الثوب كان ضيقا وأنه خالف بين طرفيه وتواقص - أي انحنى - عليه، كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترا فانحنى ليستتر، فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعا، فأما إذا كان ضيقا فإنه يجزئه أن يتزر به، لأن القصد الأصلي ستر العورة وهو يحصل بالائتزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاير للاعتدال المأمور به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان ثوب‏)‏ كذا لأبي ذر وكريمة بالرفع على أن كان تامة، ولغيرهما بالنصب أي كان المشتمل به ثوبا، زاد الإسماعيلي‏:‏ ضيقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وأبو حازم هو ابن دينار، وسهل هو ابن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجال‏)‏ التنكير فيه للتنويع وهو يقتضي أن بعضهم كان بخلاف ذلك وهو كذلك، ووقع في رواية أبي داود ‏"‏ رأيت الرجال ‏"‏ واللام فيه للجنس فهو في حكم النكرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عاقدي أزرهم على أعناقهم‏)‏ في رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري‏:‏ عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر‏.‏

ويؤخذ منه أن الثوب إذا أمكن الالتحاف به كان أولى من الائتزار لأنه أبلغ في التستر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال للنساء‏)‏ قال الكرماني‏:‏ فاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم كذا جزم به، وقد وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ويقال للنساء ‏"‏ وفي رواية وكيع ‏"‏ فقال قائل يا معشر النساء ‏"‏ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يقول لهن ذلك، ويغلب على الظن أنه بلال، وإنما نهى النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رءوسهن من السجود شيئا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم‏.‏

وعند أحمد وأبي داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي بكر ولفظه ‏"‏ فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال ‏"‏ ويؤخذ منه أنه لا يجب التستر من أسفل‏.‏