فصل: باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة‏)‏ تقدم بيان الاختلاف فيه في آخر شرح حديث عائشة الطويل في شأن الهجرة، ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعليهما ثياب بيض شامية، فمر على عبد الله بن أبي فوقف عليه ليدعوه إلى النزول عنده، فنظر إليه فقال‏:‏ انظر أصحابك الذين دعوك فانزل عليهم، فنزل على سعد بن خيثمة‏.‏

قال الحاكم‏:‏ الأول أرجح، وابن شهاب أعرف بذلك من غيره‏.‏

قلت‏:‏ ويقوي قول ابن شهاب ما أخرجه أبو سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ من طريق الحاكم من طريق ابن مجمع ‏"‏ لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال كلثوم‏:‏ يا نجيح - لمولى له - فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنجحت‏"‏‏.‏

وذكر محمد بن الحسن بن زبالة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ أنه نزل على كلثوم وهو يومئذ مشرك، ويؤيد قول التيمي ما أخرجه أبو سعيد أيضا ومن طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ‏"‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين فنزل على سعد بن خيثمة ‏"‏ وجمع بين الخبرين بأنه نزل على كلثوم وكان يجلس مع أصحابه عند سعد بن خيثمة لأنه كان أعزب، وإن ثبت قول ابن زبالة فكأن منزل كلثوم يختص بالمبيت وسائر إقامته عند سعد لكونه كان أسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو إسحاق سمع البراء‏)‏ حذف قوله‏:‏ ‏"‏ إنه ‏"‏ كما حذف ‏"‏ قال ‏"‏ من الطريق الثاني ‏"‏ عن أبي إسحاق سمعت البراء ‏"‏ وكان شعبة يرى أن أنبأنا وأخبرنا وحدثنا واحد، وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أول من قدم علينا مصعب‏)‏ في رواية عن شعبة عند الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ عن عبد الله بن رجاء في روايته ‏"‏ من المهاجرين ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏مصعب بن عمير‏)‏ زاد ابن أبي شيبة ‏"‏ أول من قدم علينا المدينة ‏"‏ زاد في رواية عبد الله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عند الإسماعيلي ‏"‏ أخو بني عبد الدار بن قصي والده عمير ‏"‏ هو ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، زاد عبد الله بن رجاء ‏"‏ فقلنا له ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال‏:‏ هو مكانه وأصحابه على أثري ‏"‏ وذكر موسى بن عقبة أنه لما قدم المدينة نزل على حبيب بن عدي، وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل مصعبا مع أهل العقبة يعلمهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وابن أم مكتوم‏)‏ هو عمرو - ويقال عبد الله - العامري من بني عامر بن لؤي، ووقع في رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ ثم أتانا بعده عمرو ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر، فقلنا‏:‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏؟‏ قال‏.‏

هم على أثري ‏"‏ وفي رواية عبد الله بن رجاء ‏"‏ من وراءك ‏"‏ زاد في رواية غندر عن شعبة ‏"‏ ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة ‏"‏ وهي أول مهاجرة، وقيل‏:‏ بل أول مهاجرة أم سلمة لقولها لما مات أبو سلمة ‏"‏ أول بيت هاجر ‏"‏ ويجمع بأن أولية أم سلمة بقيد البيت وهو ظاهر من إطلاقها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال‏)‏ في رواية غندر ‏"‏ فقدم ‏"‏ وقد تقدم الاختلاف في عمار هل هاجر إلى الحبشة أم لا، فإن يكن فقد كان ممن تقدمهما إلى مكة، ثم هاجر إلى‏:‏ المدينة‏.‏

وأما بلال فكان لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر‏.‏

لكن تقدمهما بإذن وتأخر معهما عامر بن فهيرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَعَلَ الْإِمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فِي سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الثانية عن غندر عن شعبة ‏(‏وكانوا يقرئون الناس‏)‏ في رواية الأصيلي وكريمة ‏"‏ فكانا يقرئان الناس ‏"‏ وهو أوجه، ويوجه الأول إما على أن أقل الجمع اثنان، وإما على أن من كان يقرئانه كان يقرأ معهما أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسعد‏)‏ زاد في رواية الحاكم ‏"‏ ابن مالك ‏"‏ وهو ابن أبي وقاص، وروى الحاكم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال‏:‏ ‏"‏ وزعموا أن من آخر من قدم سعد بن أبي وقاص في عشرة فنزلوا على سعد بن خيثمة ‏"‏ وقد تقدم في أول الهجرة ‏"‏ أن أول من قدم المدينة من المهاجرين عامر بن ربيعة ومعه امرأته أم عبد الله بنت أبي حثمة، وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وشماس بن عثمان بن الشريد، وعبد الله بن جحش، فيجمع بينه وبين حديث البراء بحمل الأولية في أحدهما على صفة خاصة، فقد جزم ابن عقبة بأن أول من قدم المدينة من المهاجرين مطلقا أبو سلمة بن عبد الأسد، وكان رجع من الحبشة إلى مكة فأوذي بمكة فبلغه ما وقع للاثني عشر من الأنصار في العقبة الأولى فتوجه إلى المدينة في أثناء السنة، فيجمع بين ذلك وبين ما وقع هنا بأن أبا سلمة خرج لا لقصد الإقامة بالمدينة بل فرارا من المشركين، بخلاف مصعب بن عمير فإنه خرج إليها للإقامة بها، وتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلكل أولية من جهة‏.‏

قوله في الرواية الثانية ‏(‏ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية عبد الله بن رجاء ‏"‏ في عشرين راكبا ‏"‏ وقد سمي ابن إسحاق منهم زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد بن عمرو وعمرو بن سراقة وأخاه عبد الله وواقد بن عبد الله وخالدا وإياسا وعامرا وعاقلا بني البكير وخنيس بن حذافة - بمعجمة ونون ثم سين مصغر - وعياش بن ربيعة وحولي بن أبي خولي وأخاه، هؤلاء كلهم من أقارب عمر وخلفائهم، قالوا‏:‏ فنزلوا جميعا على رفاعة بن عبد المنذر، يعني بقباء‏.‏

قلت‏:‏ فلعل بقية العشرين كانوا من أتباعهم‏.‏

وروى ابن عائذ في المغازي بإسناد له عن ابن عباس قال‏:‏ خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن ربيعة في طائفة، فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام ا هـ‏.‏

فهؤلاء ثلاثة عشر من ذكر ابن إسحاق، وذكر موسى بن عقبة أن أكثر المهاجرين نزلوا على بني عمرو بن عوف بقباء إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه نزل على سعد بن الربيع وهو خزرجي وسيأتي في كتاب الأحكام أن سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة كان يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء، منهم أبو سلمة بن عبد الأسد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى جعل الإماء يقلن‏:‏ قدم رسول الله‏)‏ في رواية عبد الله بن رجاء ‏"‏ فخرج الناس حين قدم المدينة في الطرق وعلى البيوت، والغلمان والخدم جاء محمد رسول الله، الله أكبر، جاء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس ‏"‏ فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن‏:‏ نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار وأخرج أبو سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ ورويناه في ‏"‏ فوائد الخلعي ‏"‏ من طريق عبيد الله ابن عائشة منقطعا‏:‏ لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل الولائد يقلن‏:‏ طلع البدر علينا من ثنية الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما قدم حتى حفظت سبح اسم ربك الأعلى في سور من المفصل‏)‏ أي مع سور‏.‏

وفي رواية الحسن بن سفيان عن بندار شيخ البخاري فيه ‏"‏ وسورا من المفصل ‏"‏ ومقتضاه أن ‏(‏سبح اسم ربك الأعلى‏)‏ مكية، وفيه نظر لأن ابن أبي حاتم أخرج من طريق حيدة أن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى‏)‏ نزلت في صلاة العيد وزكاة الفطر، وسنده حسن‏.‏

وكل منهما شرع في السنة الثانية، فيمكن أن يكون نزول هاتين منها وقع بالمدينة‏.‏

وأقوى منه أن يتقدم نزول السورة كلها بمكة‏.‏

ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بصلى صلاة العيد وبتزكى زكاة الفطر، فإن تأخير البيان عن وقت الخطاب جائز، والجواب عن الإشكال من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ احتمال أن تكون السورة مكية إلا هاتين الآيتين، وثانيهما‏:‏ - وهو أصحهما - فيه يجوز نزولها كلها بمكة‏.‏

ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بقوله‏:‏ ‏(‏قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى‏)‏ صلاة العيد وزكاة الفطر، فليس من الآية إلا الترغيب في الذكر والصلاة من غير بيان للمراد، فبينته السنة بعد ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدمنا المدينة‏)‏ في رواية أبي أسامة عن هشام ‏"‏ وهي أوبأ أرض الله ‏"‏ وفي رواية محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة نحوه وزاد ‏"‏ قال هشام وكان وباؤها معروفا في الجاهلية، وكان الإنسان إذا دخلها وأراد أن يسلم من وبائها قيل له انهق، فينهق كما ينهق الحمار، وفي ذلك يقول الشاعر‏:‏ لعمري لئن غنيت خيفة الردى نهيق حمار إنني لمروع قوله‏:‏ ‏(‏وعك‏)‏ بضم أوله وكسر ثانيه أي أصابه الوعك وهي الحمى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كيف تجدك‏)‏ أي تجد نفسك أو جسدك، وقوله‏:‏ ‏"‏ مصبح ‏"‏ بمهملة ثم موحدة وزن محمد، أي مصاب بالموت صباحا، وقيل‏:‏ المراد أنه يقال له وهو مقيم بأهله صبحك الله بالخير، وقد يفجأه الموت في بقية النهار وهو مقيم بأهله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أدنى‏)‏ أي أقرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شراك‏)‏ بكسر المعجمة وتخفيف الراء‏:‏ السير الذي يكون في وجه النعل، والمعنى أن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقلع عنه‏)‏ بفتح أوله أي الوعك وبضمها، والإقلاع الكف عن الأمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرفع عقيرته‏)‏ أي صوته ببكاء أو بغناء، قال الأصمعي‏:‏ أصله أن رجلا انعقرت رجله فرفعها على الأخرى وجعل يصيح فصار كل من رفع صوته يقال‏:‏ رفع عقيرته، وإن لم يرفع رجله‏.‏

قال ثعلب‏:‏ وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بواد‏)‏ أي بوادي مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجليل‏)‏ بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مياه مجنة‏)‏ بالجيم موضع على أميال من مكة وكان به سوق، تقدم بيانه في أوائل الحج‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ يبدون ‏"‏ أي يظهر، وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ كنت أحسب أنهما جبلان حتى ثبت عندي أنهما عينان، وقوله‏:‏ ‏"‏ أردن ويبدون ‏"‏ بنون التأكيد الخفيفة، وشامة بالمعجمة والميم مخففا، وزعم بعضهم أن الصواب بالموحدة بدل الميم والمعروف بالميم، وزاد المصنف آخر كتاب الحج من طريق أبي أسامة - عن هشام به ‏"‏ ثم يقول بلال‏:‏ اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم حبب إلينا المدينة ‏"‏ الحديث‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ كما أخرجونا ‏"‏ أي أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا، وزاد ابن إسحاق في روايته عن هشام وعمرو بن عبد الله بن عروة جميعا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها ‏"‏ فقلت والله ما يدري أبي ما يقول‏"‏‏.‏

قالت‏:‏ ‏"‏ ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة - وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب - فقلت‏:‏ كيف تجدك يا عامر‏؟‏ فقال‏:‏ لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مجاهد بطوقه كالثور يحمي جسمه بروقه وقالت في آخره‏:‏ ‏"‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى‏"‏‏.‏

والزيادة في قول عامر بن فهيرة رواها مالك أيضا في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا، وسيأتي بقية ما يتعلق بهذا الحديث في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى، وقد تقدم في الباب الذي قبله من حديث البراء أن عائشة أيضا وعكت، وكان أبو بكر يدخل عليها، وكان وصول عائشة إلى المدينة مع آل أبي مكر، هاجر بهم أخوها عبد الله، وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع ببنتي النبي فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وسودة بنت زمعة، وكانت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم له سبقت مع زوجها عثمان، وأخرجت زينب وهي الكبرى عند زوجها أبي العاص بن الربيع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ وَنِلْتُ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَابَعَهُ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو ابن يوسف الصنعاني، ذكر حديث عثمان في شأن الوليد بن عقبة، وقد تقدم شرحه في مناقب عثمان مستوفى، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ وهاجرت الهجرتين ‏"‏ وكان عثمان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومنه زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏وقال بشر بن شعيب إلخ‏)‏ وصله أحمد بن حنبل في مسنده عنه بتمامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه إسحاق الكلبي‏)‏ وصله أبو بكر بن شاذان فيما رويناه من طريقه بإسناده إلى يحيى بن صالح عن إسحاق الكلبي عن الزهري فذكره بتمامه وفيه‏:‏ ‏"‏ أنه جلد الوليد أربعين ‏"‏ وقد تقدم البحث في ذلك في مناقب عثمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَوَجَدَنِي فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ وَالسَّلَامَةِ وَتَخْلُصَ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ قَالَ عُمَرُ لَأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

ذكر طرفا من قصة عبد الرحمن بن عوف مع عمر، وفيه خطبة عمر، الغرض منه قول عبد الرحمن ‏"‏ حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ والسلامة ‏"‏ بدل السنة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ قَالَتْ قُلْتُ لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ قَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّه مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ قَالَتْ فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَنِمْتُ فَرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ذَلِكِ عَمَلُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أم العلاء‏)‏ هي والدة خارجة بن زيد بن ثابت الراوي عنها، وقد روى سالم أبو النضر هذا الحديث عن خارجة بن زيد عن أمه نحوه ولم يسم هذه، فكأن اسمها كنيتها، وهي بنت الحارث بن ثابت بن خارجة الأنصارية الخزرجية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طار لهم‏)‏ أي خرج في القرعة لهم، وتقدم بيانه آخر الشهادات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين قرعت‏)‏ بالقاف، كذا وقع ثلاثيا، والمعروف ‏"‏ أقرعت ‏"‏ من الرباعي وتقدم في الجنائز بلفظ ‏"‏ اقترعت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبا السائب‏)‏ هي كنية عثمان بن مظعون المذكور، وكان عثمان من فضلاء الصحابة السابقين، وقد تقدم خبره مع لبيد في أول المبعث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يوم بعاث‏)‏ تقدم بيانه في مناقب الأنصار، ووقع عند ابن سعد في قصة العقبة الأولى ما يدل على أن يوم بعاث كان بعد المبعث بعشر سنين، وتقدم نحوه في ‏"‏ باب وفود الأنصار ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ في دخولهم ‏"‏ متعلق بقوله‏:‏ ‏"‏ قدمه الله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بما تعازفت‏)‏ بالمهملة والزاي أي قالته من الأشعار في هجاء بعضهم بعضا وألقته على المغنيات فغنين به، والمعازف آلات الملاهي الواحدة معزفة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ يحتمل أن يكون من عزف اللهو وهو ضرب المعازف على تلك الأشعار المحرضة على القتال، ويحتمل أن يكون المراد بالعزف أصوات الحرب شبهها بعزيف الرياح وهو ما يسمع من دويها‏.‏

وفي رواية ‏"‏ تقاذقت ‏"‏ بالقاف والذال المعجمة أي ترامت به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ح و حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ قَالَ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ قَالَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا فَقَالُوا لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ قَالَ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ قَالَ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً قَالَ قَالَ جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَانْصُرْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنبأنا عبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث بن سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في علو المدينة‏)‏ كل ما في جهة نجد يسمى العالية، وما في جهة تهامة يسمى السافلة، وقباء من عوالي المدينة، وأخذ من نزول النبي صلى الله عليه وسلم التفاؤل له ولدينه بالعلو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال لهم بنو عمرو بن عوف‏)‏ أي ابن مالك بن الأسود بن حارثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر ردفه‏)‏ تقدم ما فيه في الباب الذي قبله في الحديث الثامن عشر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وملأ بني النجار‏)‏ أي جماعتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ألقى‏)‏ أي نزل أو المراد ألقى رحله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بفناء‏)‏ بكسر الفاء وبالمد ما امتد من جوانب الدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبي أيوب‏)‏ هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من بني مالك بن النجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم إنه أمر‏)‏ تقدم ضبطه في أوائل الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثامنوني‏)‏ أي قرروا معي ثمنه، أو ساوموني بثمنه، تقول ثامنت الرجل في كذا إذا ساومته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بحائطكم‏)‏ أي بستانكم وقد تقدم في الباب قبله أنه كان مربدا، فلعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا، ويؤيده قوله‏:‏ ‏"‏ إنه كان فيه نخل وخرب ‏"‏ وقيل‏:‏ كان بعضه بستانا وبعضه مربدا، وقد تقدم في الباب الذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور، ووقع عند موسى بن عقبة عن الزهري أنه اشتراه منهما بعشرة، دنانير، وزاد الواقدي أن أبا بكر دفعها لهما عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان فيه‏)‏ فسره بعد ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرب‏)‏ بكسر المعجمة وفتح الراء والموحدة، وتقدم توجيه آخر في أوائل الصلاة بفتح أوله وكسر ثانيه، قال الخطابي‏:‏ أكثر الرواة بالفتح ثم الكسر، وحدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح، ثم حكى احتمالات‏:‏ منها الخرب بضم أوله وسكون ثانيه قال‏:‏ هي الخروق المستديرة في الأرض، والجرف بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض، والحدب بالمهملة وبالدال المهملة أيضا المرتفع من الأرض، قال وهذا لائق بقوله‏:‏ ‏"‏ فسويت ‏"‏ لأنه إنما يسوى المكان المحدوب، وكذا للذي جرفته السيول، وأما الخراب فيبني ويعمر دون أن يصلح ويسوى‏.‏

قلت‏:‏ وما المانع من تسوية الخراب بأن يزال ما بقي منه ويسوى أرضه، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ لم أجد في نبش قبور المشركين لتتخذ مسجدا نصا عن أحد من العلماء، نعم اختلفوا هل تنبش بطلب المال‏؟‏ فأجازه الجمهور ومنعه الأوزاعي، وهذا الحديث حجة للجواز، لأن المشرك لا حرمة له حيا لا ميتا، وقد تقدم في المساجد البحث فيما يتعلق بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبالنخل فقطع‏)‏ هو محمول على أنه لم يكن يثمر‏.‏

ويحتمل أن يثمر لكن دعت الحاجة إليه لذلك، وقوله‏:‏ ‏"‏ فصفوا النخل ‏"‏ أي موضع النخل، وقوله‏:‏ ‏"‏ عضادتيه ‏"‏ بكسر المهملة وتخفيف المعجمة تثنية عضادة، وهي الخشبة التي على كتف الباب، ولكل باب عضادتان، وأعضاد كل شيء ما يشد جوانبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرتجزون‏)‏ أي يقولون رجزا، وهو ضرب من الشعر على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانصر الأنصار والمهاجرة‏)‏ كذا رواه أبو داود بهذا اللفظ، وسبق ما فيه في أبواب المساجد، واحتج من أجاز بيع غير المالك بهذه القصة لأن المساومة وقعت من غير الغلامين، وأجيب باحتمال أنهما كانا من بني النجار فساومهما وأشرك معهما في المساومة عمهما الذي كانا في حجره كما تقدم في الحديث الثاني عشر‏.‏