فصل: باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى‏)‏ ذكر فيه حديث عمر بلفظ ‏"‏ العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب، وما ترجم به من الهجرة منصوص في الحديث، ومن عمل الخير مستنبط لأن الهجرة من جملة أعمال الخير، فكما عمم في الخير في شق المطلوب وتممه بلفظ ‏"‏ فهجرته إلي ما هاجر إليه ‏"‏ فكذلك شق الطلب يشمل أعمال الخير هجرة أو حجا مثلا أو صلاة أو صدقة، وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والآجري في كتاب الشريعة بغير إسناد، ويدخل في قوله ‏"‏ أو عمل خيرا ‏"‏ ما وقع من أم سليم في امتناعها من التزويج بأبي طلحة حتى يسلم، وهو في الحديث الذي أخرجه النسائي بسند صحيح عن أنس قال ‏"‏ خطب أبو طلحة أم سليم فقالت‏:‏ والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري، فأسلم فكان ذلك مهرها ‏"‏ الحديث‏.‏

ووجه دخوله أن أم سليم رغبت في تزويج أبي طلحة ومنعها من ذلك كفره، فتوصلت إلى بلوغ غرضها ببذل نفسها فظفرت بالخيرين، وقد استشكله بعضهم بأن تحريم المسلمات على الكفار إنما وقع في زمن الحديبية وهو بعد قصة تزوج أبي طلحة بأم سليم بمدة، ويمكن الجواب بأن ابتداء تزوج الكافر بالمسلمة كان سابقا على الآية، والذي دلت عليه الآية الاستمرار، فلذلك وقع التفريق بعد أن لم يكن، ولا يحفظ بعد الهجرة أن مسلمة ابتدأت بتزوج كافر، والله أعلم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى‏)‏ ذكر فيه حديث عمر بلفظ ‏"‏ العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب، وما ترجم به من الهجرة منصوص في الحديث، ومن عمل الخير مستنبط لأن الهجرة من جملة أعمال الخير، فكما عمم في الخير في شق المطلوب وتممه بلفظ ‏"‏ فهجرته إلي ما هاجر إليه ‏"‏ فكذلك شق الطلب يشمل أعمال الخير هجرة أو حجا مثلا أو صلاة أو صدقة، وقصة مهاجر أم قيس أوردها الطبراني مسندة والآجري في كتاب الشريعة بغير إسناد، ويدخل في قوله ‏"‏ أو عمل خيرا ‏"‏ ما وقع من أم سليم في امتناعها من التزويج بأبي طلحة حتى يسلم، وهو في الحديث الذي أخرجه النسائي بسند صحيح عن أنس قال ‏"‏ خطب أبو طلحة أم سليم فقالت‏:‏ والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهري، فأسلم فكان ذلك مهرها ‏"‏ الحديث‏.‏

ووجه دخوله أن أم سليم رغبت في تزويج أبي طلحة ومنعها من ذلك كفره، فتوصلت إلى بلوغ غرضها ببذل نفسها فظفرت بالخيرين، وقد استشكله بعضهم بأن تحريم المسلمات على الكفار إنما وقع في زمن الحديبية وهو بعد قصة تزوج أبي طلحة بأم سليم بمدة، ويمكن الجواب بأن ابتداء تزوج الكافر بالمسلمة كان سابقا على الآية، والذي دلت عليه الآية الاستمرار، فلذلك وقع التفريق بعد أن لم يكن، ولا يحفظ بعد الهجرة أن مسلمة ابتدأت بتزوج كافر، والله أعلم

*3*باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ

فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام‏.‏

فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يعني حديث سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها‏.‏

وما ترجم به مأخوذ من قوله ‏"‏ التمس ولو خاتما من حديد ‏"‏ فالتمس فلم يجد شيئا ومع ذلك زوجه‏.‏

قال الكرماني‏:‏ لم يسق حديث سهل هنا لأنه ساقه قبل وبعد اكتفاء بذكره، أو لأن شيخه لم يروه له في سياق هذه الترجمة ا ه‏.‏

والثاني بعيد جدا فلم أجد من قال إن البخاري يتقيد في تراجم كتابه بما يترجم به مشايخه، بل الذي صرح به الجمهور أن غالب تراجمه من تصرفه فلا وجه لهذا الاحتمال، وقد لهج الكرماني به في مواضع وليس بشيء‏.‏

ثم ذكر طرفا من حديث ابن مسعود ‏"‏ كنا نغزو وليس لنا نساء، فقلنا‏:‏ يا رسول الله نستخصي‏؟‏ فنهانا عن ذلك‏.‏

وقد تلطف المصنف في استنباطه الحكم كأنه يقول‏:‏ لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء - وهم مع ذلك لا شيء لهم كما صرح به في نفس هذا الخبر كما سيأتي تاما بعد باب واحد - وكان كل منهم لا بد وأن يكون حفظ شيئا من القرآن، فتعين التزويج بما معهم من القرآن، فحكمة الترجمة من حديث سهل بالتنصيص، ومن حديث ابن مسعود بالاستدلال‏.‏

وقد أعرب المهلب فقال‏:‏ في قوله تزويج المعسر دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزوج الرجل على أن يعلم المرأة القرآن، إذ لو كان كذلك ما سماه معسرا‏.‏

قال‏:‏ وكذلك قوله ‏"‏ والإسلام ‏"‏ لأن الواهبة كانت مسلمة ا ه‏.‏

والذي يظهر أن مراد البخاري المعسر من المال بدليل قول ابن مسعود ‏"‏ وليس لنا شيء ‏"‏ والله أعلم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام‏.‏

فيه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يعني حديث سهل بن سعد في قصة التي وهبت نفسها‏.‏

وما ترجم به مأخوذ من قوله ‏"‏ التمس ولو خاتما من حديد ‏"‏ فالتمس فلم يجد شيئا ومع ذلك زوجه‏.‏

قال الكرماني‏:‏ لم يسق حديث سهل هنا لأنه ساقه قبل وبعد اكتفاء بذكره، أو لأن شيخه لم يروه له في سياق هذه الترجمة ا ه‏.‏

والثاني بعيد جدا فلم أجد من قال إن البخاري يتقيد في تراجم كتابه بما يترجم به مشايخه، بل الذي صرح به الجمهور أن غالب تراجمه من تصرفه فلا وجه لهذا الاحتمال، وقد لهج الكرماني به في مواضع وليس بشيء‏.‏

ثم ذكر طرفا من حديث ابن مسعود ‏"‏ كنا نغزو وليس لنا نساء، فقلنا‏:‏ يا رسول الله نستخصي‏؟‏ فنهانا عن ذلك‏.‏

وقد تلطف المصنف في استنباطه الحكم كأنه يقول‏:‏ لما نهاهم عن الاختصاء مع احتياجهم إلى النساء - وهم مع ذلك لا شيء لهم كما صرح به في نفس هذا الخبر كما سيأتي تاما بعد باب واحد - وكان كل منهم لا بد وأن يكون حفظ شيئا من القرآن، فتعين التزويج بما معهم من القرآن، فحكمة الترجمة من حديث سهل بالتنصيص، ومن حديث ابن مسعود بالاستدلال‏.‏

وقد أعرب المهلب فقال‏:‏ في قوله تزويج المعسر دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزوج الرجل على أن يعلم المرأة القرآن، إذ لو كان كذلك ما سماه معسرا‏.‏

قال‏:‏ وكذلك قوله ‏"‏ والإسلام ‏"‏ لأن الواهبة كانت مسلمة ا ه‏.‏

والذي يظهر أن مراد البخاري المعسر من المال بدليل قول ابن مسعود ‏"‏ وليس لنا شيء ‏"‏ والله أعلم

*3*باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ انْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ حَتَّى أَنْزِلَ لَكَ عَنْهَا

رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الرجل لأخيه‏:‏ انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع‏.‏

قوله ‏(‏رواه عبد الرحمن بن عوف‏)‏ وصله في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال عبد الرحمن بن عوف‏.‏

وأورده في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم وقال في روايته ‏"‏ انظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها ‏"‏ وهو معنى ما ساقه موصولا في الباب عن أنس بلفظ ‏"‏ فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ‏"‏ ويأتي في الوليمة من حديث أنس بلفظ ‏"‏ أقاسمك مالي، وأنزل لك عن إحدى امرأتي‏"‏، وسيأتي بقية شرح الحديث المذكور في أبواب الوليمة‏.‏

وفيه ما كانوا عليه من الإيثار حتى بالنفس والأهل‏.‏

وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها، وجواز المواعدة بطلاق المرأة، وسقوط الغيرة في مثل ذلك، وتنزه الرجل عما يبذل له من مثل ذلك، وترجيح الاكتساب بنفسه بتجارة أو صناعة‏.‏

وفيه مباشرة الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيل وغيره‏.‏

وقد أخرج الزبير بن بكار في ‏"‏ الموفقيات ‏"‏ من حديث أم سلمة قالت ‏"‏ خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ما منع أبا بكر حبه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منع النبي صلى الله عليه وسلم حبه لقرب أبي بكر عن ذلك لمحبتهم في التجارة ‏"‏ هذا أو معناه، وبقية الحديث في قصة سويبط بن حرملة والنعمان وأصلها عند ابن ماجه، وقد تقدم بيان البحث في أفضل الكسب بما يغني عن إعادته، والله أعلم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ وَعِنْدَ الْأَنْصَارِيِّ امْرَأَتَانِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ فَأَتَى السُّوقَ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ تَزَوَّجْتُ أَنْصَارِيَّةً قَالَ فَمَا سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الرجل لأخيه‏:‏ انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع‏.‏

قوله ‏(‏رواه عبد الرحمن بن عوف‏)‏ وصله في البيوع عن عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال عبد الرحمن بن عوف‏.‏

وأورده في فضائل الأنصار عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم وقال في روايته ‏"‏ انظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها ‏"‏ وهو معنى ما ساقه موصولا في الباب عن أنس بلفظ ‏"‏ فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ‏"‏ ويأتي في الوليمة من حديث أنس بلفظ ‏"‏ أقاسمك مالي، وأنزل لك عن إحدى امرأتي‏"‏، وسيأتي بقية شرح الحديث المذكور في أبواب الوليمة‏.‏

وفيه ما كانوا عليه من الإيثار حتى بالنفس والأهل‏.‏

وفيه جواز نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها، وجواز المواعدة بطلاق المرأة، وسقوط الغيرة في مثل ذلك، وتنزه الرجل عما يبذل له من مثل ذلك، وترجيح الاكتساب بنفسه بتجارة أو صناعة‏.‏

وفيه مباشرة الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيل وغيره‏.‏

وقد أخرج الزبير بن بكار في ‏"‏ الموفقيات ‏"‏ من حديث أم سلمة قالت ‏"‏ خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرا إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ما منع أبا بكر حبه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منع النبي صلى الله عليه وسلم حبه لقرب أبي بكر عن ذلك لمحبتهم في التجارة ‏"‏ هذا أو معناه، وبقية الحديث في قصة سويبط بن حرملة والنعمان وأصلها عند ابن ماجه، وقد تقدم بيان البحث في أفضل الكسب بما يغني عن إعادته، والله أعلم

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من التبتل‏)‏ المراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة‏.‏

وأما المأمور به في قوله تعالى ‏(‏وتبتل إليه تبتيلا‏)‏ فقد فسره مجاهد فقال‏:‏ أخلص له إخلاصا، وهو تفسير معنى، وإلا فأصل التبتل الانقطاع، والمعنى انقطع إليه انقطاعا‏.‏

لكن لما كانت حقيقة الانقطاع إلى الله إنما تقع بإخلاص العبادة له فسرها بذلك، ومنه ‏"‏ صدقة بتلة ‏"‏ أي منقطعة عن الملك، ومريم البتول لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة وقيل لفاطمة البتول إما لانقطاعها عن الأزواج غير على أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف‏.‏

قوله ‏(‏والخصاء‏)‏ هو الشق على الأنثيين وانتزاعهما، وإنما قال ‏"‏ ما يكره من التبتل والخصاء للإشارة إلى أن الذي يكره من التبتل هو الذي يفضي إلى التنطع وتحريم ما أحل الله وليس التبتل من أصله مكرها، وعطف الخصاء عليه لأن بعضه يجوز في الحيوان المأكول، ثم أورد المصنف ثلاثة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ لَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَلَوْ أَجَازَ لَهُ التَّبَتُّلَ لَاخْتَصَيْنَا

الشرح‏:‏

حديث سعد بن أبي وقاص في قصة عثمان بن مظعون أورده من طريقين إلى ابن شهاب الزهري، وقد أورده مسلم من طريق عقيل عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فعرف أن معنى قوله ‏"‏ رد على عثمان ‏"‏ أي لم يأذن له بل نهاه‏.‏

وأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه ‏"‏ أنه قال يا رسول الله إني رجل يشق على العزوبة، فأذن لي في الخصاء‏.‏

قال‏:‏ لا، ولكن عليك بالصيام ‏"‏ الحديث‏.‏

ومن طريق سعيد ابن العاص ‏"‏ أن عثمان قال‏:‏ يا رسول الله ائذن لي في الاختصاء، فقال‏:‏ إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة ‏"‏ فيحتمل أن يكون الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقة فعبر عنه الراوي بالتبتل لأنه ينشأ عنه، فلذلك قال ‏"‏ ولو أذن له لاختصينا ‏"‏ ويحتمل عكسه وهو أن المراد بقول سعد ‏"‏ ولو أذن له لاختصينا ‏"‏ لفعلنا فعل من يختصي وهو الانقطاع عن النساء‏.‏

قال الطبري‏:‏ التبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب وكل ما يلتذ به، فلهذا أنزل في حقه ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم‏)‏ وقد تقدم في الباب الأول من كتاب النكاح تسمية من أراد ذلك مع عثمان بن مظعون ومن وافقه، وكان عثمان من السابقين إلى الإسلام، وقد تقدمت قصته مع لبيد بن ربيعة في كتاب المبعث، وتقدمت قصة وفاته في كتاب الجنائز، وكانت في ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة، وهو أول من دفن بالبقيع‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ ولو أذن له لاختصينا ‏"‏ كان الظاهر أن يقول ولو أذن له لتبتلنا، لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله ‏"‏ لاختصينا ‏"‏ لإرادة المبالغة، أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء، ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام، وقيل بل هو على ظاهره، وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء، ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما، وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتلي لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة، موجود الشهوة ينافي المراد من التبتل، فيتعين الخصاء طريقا إلى تحصيل المطلوب، وغايته أن فيه ألما عظيما في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به الآجل، فهو كقطع الإصبع إذا وقعت في اليد الأكلة صيانة لبقية اليد، وليس الهلاك بالخصاء محققا بل هو نادر، ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها، وعلى هذا فلعل الراوي عبر بالخصاء عن الجب لأنه هو الذي يحصل المقصود‏.‏

والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ فَقُلْنَا أَلَا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَقَالَ أَصْبَغُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏

وقد تقدم قبل بباب من وجه آخر عن إسماعيل بلفظ ‏"‏ عن ابن مسعود ‏"‏ ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بلفظ ‏"‏ سمعت عبد الله‏"‏، وكذا لمسلم من وجه آخر عن إسماعيل‏.‏

قوله ‏(‏ألا نستخصي‏)‏ أي ألا نستدعي من يفعل لنا الخصاء أو نعالج ذلك أنفسنا‏.‏

وقوله ‏(‏فنهانا عن ذلك‏)‏ هو نهى تحريم بلا خلاف في بني آدم، لما تقدم‏.‏

وفيه أيضا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك‏.‏

وفيه إبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة، لأن خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال‏.‏

قال القرطبي‏:‏ الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان إلا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه‏.‏

وقال النووي‏:‏ يحرم خصاء الحيوان غير المأكول مطلقا، وأما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره‏.‏

وما أظنه يدفع ما ذكره القرطبي من إباحة ذلك في الحيوان الكبير عند إزالة الضرر‏.‏

قوله ‏(‏ثم رخص لنا‏)‏ في الرواية السابقة في تفسير المائدة ‏"‏ ثم رخص لنا بعد ذلك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أن ننكح المرأة بالثوب‏)‏ أي إلى أجل في نكاح المتعة‏.‏

قوله ‏(‏ثم قرأ‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ ثم قرأ علينا عبد الله ‏"‏ وكذا وقع عند الإسماعيلي في تفسير المائدة‏.‏

قوله ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم‏.‏

الآية‏)‏ ساق الإسماعيلي إلى قوله ‏(‏المعتدين‏)‏ وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة، فقال القرطبي‏:‏ لعله لم يكن حينئذ بلغه الناسخ، ثم بلغه فرجع بعد‏.‏

قلت‏:‏ يؤيده ما ذكره الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ‏"‏ ففعله ثم ترك ذلك ‏"‏ قال‏:‏ وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل ‏"‏ ثم جاء تحريمها بعد ‏"‏ وفي رواية معمر عن إسماعيل ‏"‏ ثم نسخ ‏"‏ وسيأتي مزيد البحث في حكم المتعة بعد أربعة وعشرين بابا‏.‏

و قوله ‏(‏وقال أصبغ‏)‏ كذا في جميع الروايات التي وقفت عليها، وكلام أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ يشعر بأنه قال فيه حديثا، وقد وصله جعفر الفريابي في كتاب القدر والجوزقي في ‏"‏ الجمع بين الصحيحين ‏"‏ والإسماعيلي من طرق عن أصبغ، وأخرجه أبو نعيم من طريق حرملة عن ابن وهب، وذكر مغلطاي أنه وقع عند الطبري رواه البخاري عن أصبغ بن محمد وهو غلط، هو أصبغ بن الفرج ليس في آبائه محمد‏.‏

قوله ‏(‏إني رجل شاب وأنا أخاف‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإني أخاف ‏"‏ وكذا في رواية حرملة‏.‏

قوله ‏(‏العنت‏)‏ بفتح المهملة والنون ثم مثناة هو الزنا هنا، ويطلق الإثم والفجور والأمر الشاق والمكروه‏.‏

وقال ابن الأنباري‏:‏ أصل العنت الشدة‏.‏

قوله ‏(‏ولا أجد ما أتزوج النساء، فسكت عني‏)‏ كذا وقع‏.‏

وفي رواية حرملة ‏"‏ ولا أجد ما أتزوج النساء، فائذن لي أختصي ‏"‏ وبهذا يرتفع الإشكال عن مطابقة الجواب للسؤال‏.‏

قوله ‏(‏جف القلم بما أنت لاق‏)‏ أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافا لا مداد فيه لفراغ ما كتب به، قال عياض‏:‏ كتابة الله ولوحه وقلمه من غيب علمه الذي نؤمن به ونكل علمه إليه‏.‏

قوله ‏(‏فاختص على ذلك أو ذر‏)‏ في رواية الطبري وحكاها الحميدي في الجمع ووقعت في المصابيح ‏"‏ فاقتصر على ذلك أو ذر ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ معناه اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل ما ذكرت من الخصاء ا ه‏.‏

وأما اللفظ الذي وقع في الأصل فمعناه فافعل ما ذكرت أو اتركه واتبع ما أمرتك به، وعلى الروايتين فليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد، وهو كقوله تعالى ‏(‏وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‏)‏ والمعنى إن فعلت أو لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر، وليس فيه تعرض لحكم الخصاء‏.‏

ومحصل الجواب أن جميع الأمور بتقدير الله في الأزل، فالخصاء وتركه سواء، فإن الذي قدر لا بد أن يقع‏.‏

وقوله ‏"‏على ذلك ‏"‏ هي متعلقة بمقدر أي اختص حال استعلائك على العلم بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، وليس إذنا في الخصاء، بل فيه إشارة إلى النهى عن ذلك، كأنه قال إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله فلا فائدة في الاختصاء، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عثمان بن مظعون لما استأذنه في ذلك‏.‏

وكانت وفاته قبل هجرة أبي هريرة بمدة‏.‏

وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس قال ‏"‏ شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العزوبة فقال ألا أختصي‏؟‏ قال‏:‏ ليس منا من خصى أو اختصى ‏"‏ وفي الحديث ذم الاختصاء، وقد تقدم ما فيه وأن القدر إذا نفذ لا تنفع الحيل‏.‏

وفيه مشروعية شكوى الشخص ما يقع له للكبير ولو كان مما يستهجن ويستقبح‏.‏

وفيه إشارة إلى أن من لم يجد الصداق لا يتعرض للتزويج‏.‏

وفيه جواز تكرار الشكوى إلى ثلاث، والجواب لمن لا يقنع بالسكوت، وجواز السكوت عن الجواب لمن يظن به أنه يفهم المراد من مجرد السكوت‏.‏

وفيه استحباب أن يقدم طالب الحاجة بين يدي حاجته عذره في السؤال‏.‏

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به‏:‏ ويؤخذ منه أن مهما أمكن المكلف فعل شيء من الأسباب المشروعة لا يتوكل إلا بعد عملها لئلا يخالف الحكمة، فإذا لم يقدر عليه وطن نفسه على الرضا بما قدره عليه مولاه ولا يتكلف من الأسباب ما لا طاقة به له‏.‏

وفيه أن الأسباب إذا لم تصادف القدر لا تجدي‏.‏

فإن قيل‏:‏ لم لم يؤمر أبو هريرة بالصيام لكسر شهوته كما أمر غيره‏؟‏ فالجواب أن أبا هريرة كان الغالب من حاله ملازمة الصيام لأنه كان من أهل الصفة‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ‏"‏ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‏"‏ الحديث، لكنه إنما سأل عن ذلك في حال الغزو كما وقع لابن مسعود، وكانوا في حال الغزو يؤثرون الفطر على الصيام للتقوى على القتال، فأداه اجتهاده إلى حسم مادة الشهوة بالاختصاء كما ظهر لعثمان فمنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك‏.‏

وإنما لم يرشده إلى المتعة التي رخص فيها لغيره لأنه ذكر أنه لا يجد شيئا، ومن لم يجد شيئا أصلا لا ثوبا ولا غيره فكيف يستمتع والتي يستمتع بها لا بد لها من شيء

*3*باب نِكَاحِ الْأَبْكَارِ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ لَمْ يَنْكِحْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا غَيْرَكِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب نكاح الأبكار‏)‏ جمع بكر، وهي التي لم توطأ واستمرت على حالتها الأولى‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن أبي مليكة قال ابن عباس لعائشة‏:‏ لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المصنف في تفسير سورة النور‏.‏

وقد تقدم الكلام عليه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ قَالَ فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني أخي‏)‏ هو عبد الحميد، وسليمان هو ابن بلال‏.‏

قوله ‏(‏فيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرا لم يؤكل منها‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ ووجدت شجرة ‏"‏ وذكره الحميدي بلفظ ‏"‏ فيه شجرة قد أكل منها ‏"‏ وكذا أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ بصيغة الجمع وهو أصوب لقوله بعد ‏"‏ في أيها ‏"‏ أي في أي الشجر، ولو أراد الموضعين لقال في أيهما‏.‏

قوله ‏(‏ترتع‏)‏ بضم أوله، أرتع بعيره إذا تركه يرعى ما شاء ورتع البعير في المرعى إذا أكل ما شاء ورتعه الله أي أنبت له ما يرعاه على سعة‏.‏

قوله ‏(‏قال في التي لم يرتع منها‏)‏ في رواية أبي نعيم ‏"‏ قال في الشجرة التي ‏"‏ وهو أوضح‏.‏

وقوله ‏"‏يعني إلخ ‏"‏ زاد أبو نعيم قبل هذا ‏"‏ قالت فأنا هيه ‏"‏ بكسر الهاء وفتح التحتانية فسكون الهاء وهي للسكت، وفي هذا الحديث مشروعية ضرب المثل وتشبيه شيء موصوف بصفة بمثله مسلوب الصفة، وفيه بلاغة عائشة وحسن تأتيها في الأمور، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏في التي لم يرتع منها ‏"‏ أي أوثر ذلك في الاختيار على غيره، فلا يرد على ذلك كون الواقع منه أن الذي تزوج من الثيبات أكثر، ويحتمل أن تكون عائشة كنت بذلك عن المحبة بل عن أدق من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث عائشة ‏"‏ أريتك في المنام ‏"‏ سيأتي شرحه بعد ستة وعشرين بابا، ووقع في رواية الترمذي أن الملك الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها جبريل

*3*باب تَزْوِيجِ الثَّيِّبَاتِ

وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تزويج الثيبات‏)‏ جمع ثيبة بمثلثة ثم تحتانية ثقيلة مكسورة ثم موحدة، ضد البكر‏.‏

قوله ‏(‏وقالت أم حبيبة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن‏)‏ هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد عشرة أبواب، واستنبط المصنف الترجمة من قوله ‏"‏ بناتكن ‏"‏ لأنه خاطب بذلك نساءه فاقتضى أن لهن بنات من غيره فيستلزم أنهن ثيبات كما هو الأكثر الغالب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا يُعْجِلُكَ قُلْتُ كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ قَالَ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ ثَيِّبًا قَالَ فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ قَالَ فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا أَيْ عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث جابر في قصة بعيره، وقد تقدم شرحه في الشروط فيما يتعلق بذلك‏.‏

قوله ‏(‏ما يعجلك‏)‏ بضم أوله، أي ما سبب إسراعك‏؟‏ قوله ‏(‏كنت حديث عهد بعرس‏)‏ أي قريب عهد بالدخول على الزوجة‏.‏

وفي رواية عطاء عن جابر في الوكالة ‏"‏ فلما دنونا من المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام - أخذت أرتحل، قال‏:‏ أين تريد‏؟‏ قلت‏:‏ تزوجت ‏"‏ وفي رواية أبي عقيل عن أبي المتوكل عن جابر ‏"‏ من أحب أن يتعجل إلى أهله فليتعجل ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

قوله ‏(‏قال أبكرا ثيبا‏؟‏ قلت‏:‏ ثيبا‏)‏ هو منصوب بفعل محذوف تقديره أتزوجت وتزوجت، وكذا وقع في ثاني حديث الباب ‏"‏ فقلت تزوجت ثيبا ‏"‏ في رواية الكشميهني في الوكالة من طريق وهب بن كيسان عن جابر قال أتزوجت‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال بكرا أم ثيبا‏؟‏ قلت ثيبا‏.‏

وفي المغازي عن قتيبة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بلفظ ‏"‏ هل نكحت يا جابر‏؟‏ قلت نعم قال‏:‏ ماذا، أبكرا أم ثيبا‏؟‏ قلت‏:‏ لا بل ثيبا ‏"‏ ووقع عند أحمد عن سفيان في هذا الحديث ‏"‏ قلت‏:‏ ثيب ‏"‏ وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره التي تزوجتها ثيب، وكذا وقع لمسلم من طريق عطاء عن جابر‏.‏

قوله ‏(‏فهلا جارية‏)‏ في رواية وهب بن كيسان ‏"‏ أفلا جارية ‏"‏ وهما بالنصب أي فهلا تزوجت‏؟‏ وفي رواية يعقوب الدورقي عن هشام بإسناد حديث الباب ‏"‏ هلا بكرا ‏"‏‏؟‏ وسيأتي قبيل أبواب الطلاق، وكذا لمسلم من طريق عطاء عن جابر، وهو معنى رواية محارب المذكورة في الباب بلفظ ‏"‏ العذارى ‏"‏ وهو جمع عذراء بالمد‏.‏

قوله ‏(‏تلاعبها وتلاعبك‏)‏ زاد في رواية النفقات ‏"‏ وتضاحكها وتضاحكك ‏"‏ وهو مما يؤيد أنه من اللعب ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ‏"‏ فذكر نحو حديث جابر وقال فيه ‏"‏ وتعضها وتعضك ‏"‏ ووقع في رواية لأبي عبيدة ‏"‏ تداعبها وتداعبك ‏"‏ بالذال المعجمة بدل اللام، وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن جابر ثاني حديثي الباب بلفظ ‏"‏ مالك وللعذارى ولعابها ‏"‏ فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام وهو مصدر من الملاعبة أيضا، يقال لاعب لعابا وملاعبة مثل قاتل قتالا ومقاتلة‏.‏

ووقع في رواية المستملي بضم اللام والمراد به الريق، وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل، وليس هو ببعيد كما قال القرطبي، ويؤيد أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول قول شعبة في الباب أنه عرض ذلك على عمرو بن دينار فقال اللفظ الموافق للجماعة وفي رواية مسلم التلويح بإنكار عمرو رواية محارب بهذا اللفظ ولفظ ‏"‏ إنما قال جابر تلاعبها وتلاعبك ‏"‏ فلو كانت الروايتان متحدتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك لأنه كان ممن يجيز الرواية بالمعنى، ووقع في رواية وهب بن كيسان من الزيادة ‏"‏ قلت كن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن ‏"‏ أي في غير ذلك من مصالحهن، وهو من العام بعد الخاص‏.‏

وفي رواية عمرو عن جابر الآتية في النفقات ‏"‏ هلك أبي وترك سبع بنات - أو تسع بنات - فتزوجت ثيبا، كرهت أن أجيئهن بمثلهن‏.‏

فقال‏:‏ بارك الله لك ‏"‏ أو ‏"‏ قال خيرا ‏"‏ وفي رواية سفيان عن عمرو في المغازي ‏"‏ وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن، ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن‏.‏

قال‏:‏ أصبت ‏"‏ وفي رواية ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر ‏"‏ فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها، قال فذلك ‏"‏ وقد تقدم التوفيق بين مختلف الروايات في عدد أخوات جابر في المغازي، ولم أقف على تسميتهن‏.‏

وأما امرأة جابر المذكورة فاسمها سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية ذكره ابن سعد‏.‏

قوله ‏(‏فلما ذهبنا لندخل قال‏:‏ امهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء‏)‏ كذا هنا، ويعارضه الحديث الآخر الآتي قبل أبواب الطلاق ‏"‏ لا يطرق أحدكم أهله ليلا ‏"‏ وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضا، ويجمع بينهما أن الذي في الباب لمن علم مجيئه والعلم بوصوله، والآتي لمن قدم بغتة‏.‏

ويؤيده قوله في الطريق الأخرى ‏"‏ يتخونهم بذلك ‏"‏ وسيأتي مزيد بحث فيه هناك‏.‏

وفي الحديث الحث على نكاح البكر، وقد ورد بأصرح من ذلك عند ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده بلفظ ‏"‏ عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما ‏"‏ أي أكثر حركة، والنتق بنون ومثناة الحركة، ويقال أيضا للرمي، فلعله يريد أنها كثيرة الأولاد‏.‏

وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود نحوه وزاد ‏"‏ وأرضى باليسير ‏"‏ ولا يعارضه الحديث السابق، ‏"‏ عليكم بالولود ‏"‏ من جهة أن كونها بكرا لا يعرف به كونها كثيرة الولادة، فإن الجواب عن ذلك أن البكر مظنة فيكون المراد بالولود من هي كثيرة الولادة بالتجربة أو بالمظنة، وأما من جربت فظهرت عقيما وكذا الآيسة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما‏.‏

وفيه فضيلة لجابر لشفقته على أخواته وإيثاره مصلحتهن على حظ نفسه‏.‏

ويؤخذ منه أنه إذا تزاحمت مصلحتان قدم أهمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل جابر ودعا له لأجل ذلك‏.‏

ويؤخذ منه الدعاء لمن فعل خيرا وإن لم يتعلق بالداعي‏.‏

وفيه سؤال الإمام أصحابه عن أمورهم، وتفقده أحوالهم، وإرشاده إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة ولو كان في باب النكاح وفيما يستحيا من ذكره‏.‏

وفيه مشروعية خدمة المرأة زوجها ومن كان منه بسبيل من ولد وأخ وعائلة، وأنه لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته وإن كان ذلك لا يجب عليها، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك، فلذلك لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقوله في الرواية المتقدمة ‏"‏ خرقاء ‏"‏ بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها قاف، هي التي لا تعمل بيدها شيئا، وهي تأنيث الأخرق وهو الجاهل بمصلحة نفسه وغيره‏.‏

قوله ‏(‏تمتشط الشعثة‏)‏ بفتح المعجمة وكسر العين المهملة ثم مثلثة، أطلق عليها ذلك لأن التي يغيب زوجها في مظنة عدم التزين‏.‏

قوله ‏(‏تستحد‏)‏ بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى‏.‏

والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة مفتوحة أي التي غاب عنها زوجها، والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالاستحداد لأنه الغالب استعماله في إزالة الشعر، وليس في ذلك منع إزالته بغير الموسى، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَارِبٌ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ تَزَوَّجْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَزَوَّجْتَ فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا فَقَالَ مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏تزوجت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما تزوجت‏)‏ ‏؟‏ هذا ظاهره أن السؤال وقع عقب تزوجه، وليس كذلك لما دل عليه سياق الحديث الذي قبله، وقد تقدم في الكلام على حديث جمل جابر في كتاب الشروط في آخره أن بين تزوجه والسؤال الذي دار بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك مدة طويلة

*3*باب تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنْ الْكِبَارِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تزويج الصغار من الكبار‏)‏ أي السن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَائِشَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ فَقَالَ أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَهِيَ لِي حَلَالٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب، وعراك بكسر المهملة وتخفيف الراء ثم كاف هو ابن مالك تابعي شهير، وعروة هو ابن الزبير‏.‏

قوله ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ ليس في الرواية ما ترجم به الباب، وصغر عائشة عن كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم من غير هذا الخبر، ثم الخبر الذي أورده مرسل، فإن كان يدخل مثل هذا في الصحيح فيلزمه في غيره من المراسيل‏.‏

قلت‏:‏ الجواب عن الأول يمكن أن يؤخذ من قول أبي بكر ‏"‏ إنما أنا أخوك ‏"‏ فإن الغالب في بنت الأخ أن تكون أصغر من عمها، وأيضا فيكفي ما ذكر في مطابقة الحديث للترجمة ولو كان معلوما من خارج‏.‏

وعن الثاني أنه وإن كان صورة سياقه الإرسال فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لأمه أبي بكر، فالظاهر أنه حمل ذلك عن خالته عائشة أو عن أمه أسماء بنت أبي بكر، وقد قال ابن عبد البر‏:‏ إذا علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه ولو لم يأت بصيغة تدل على ذلك، ومن أمثلة ذلك رواية مالك عن ابن شهاب عن عروة في قصة سالم مولى أبي حذيفة، قال ابن عبد البر‏:‏ هذا يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم وللقائه سهلة زوج أبي حذيفة أيضا‏.‏

وأما الإلزام فالجواب عنه أن القصة المذكورة لا تشتمل على حكم متأصل، فوقع فيها التساهل في صريح الاتصال، فلا يلزم من ذلك إيراد جميع المراسيل في الكتاب الصحيح‏.‏

نعم الجمهور على أن السياق المذكور مرسل، وقد صرح بذلك الدار قطني وأبو مسعود وأبو نعيم والحميدي‏.‏

وقال ابن بطال‏.‏

يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد، لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء، فرمز بهذا إلى أن لا فائدة للترجمة لأنه أمر مجمع عليه‏.‏

قال‏:‏ ويؤخذ من الحديث أن الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها‏.‏

قلت‏:‏ كأنه أخذ ذلك من عدم ذكره، وليس بواضح الدلالة، بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر، فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة‏.‏

وقول أبي بكر ‏"‏ إنما أنا أخوك ‏"‏ حصر مخصوص بالنسبة إلى تحريم نكاح بنت الأخ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الجواب ‏"‏ أنت أخي في دين الله وكتابه ‏"‏ إشارة إلى قوله تعالى ‏(‏إنما المؤمنون إخوة‏)‏ ونحو ذلك، وقوله ‏"‏وهي لي حلال ‏"‏ معناه وهي مع كونها بنت أخي يحل لي نكاحها لأن الأخوة المانعة من ذلك أخوة النسب والرضاع لا أخوة الدين‏.‏

وقال مغلطاي‏:‏ في صحة هذا الحديث نظر، لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قوله ‏"‏ إنما أنا أخوك‏"‏‏.‏

وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما باشر الخطبة بنفسه كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة، فقال لها أبو بكر‏:‏ وهل تصلح له‏؟‏ إنما هي بنت أخيه، فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها‏:‏ أرجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال‏:‏ ادعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأنكحه ‏"‏ قلت‏:‏ اعتراضه الثاني يرد الاعتراض الأول من وجهين، إذ المذكور في الحديث الأخوة وهي أخوة الدين، والذي اعترض به الخلة وهي أخص من الأخوة‏.‏

ثم الذي وقع بالمدينة إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لو كنت متخذا خليلا ‏"‏ الحديث الماضي في المناقب من رواية أبي سعيد، فليس فيه إثبات الخلة إلا بالقوة لا بالفعل‏.‏

الوجه الثاني أن في الثاني إثبات ما نفاه في الأول، والجواب عن اعتراضه بالمباشرة إمكان الجمع بأنه خاطب بذلك بعد أن راسله

*3*باب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إلى من ينكح، وأي النساء خير‏؟‏ وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب‏)‏ اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام، وتناول الأول والثاني من حديث الباب واضح، وأن الذي يريد التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش لأن نساءهن خير النساء وهو الحكم الثاني، وأما الثالث فيؤخذ منه بطريق اللزوم لأن من ثبت أنهن خير من غيرهن استحب تخيرهن للأولاد، وقد ورد في الحكم الثالث حديث صريح أخرجه ابن ماجة وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعا ‏"‏ تخيروا لنطفكم‏.‏

وانكحوا الأكفاء ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏خير نساء ركبن الإبل‏)‏ تقدم في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر مريم عليها السلام قول أبي هريرة في آخره ‏"‏ ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط ‏"‏ فكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل لأنها لم تركب بعيرا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها، ولا يشك أن لمريم فضلا وأنها أفضل من جميع نساء قريش إن ثبت أنها نبية أو من أكثرهن إن لم تكن نبية، وقد تقدم بيان ذلك في المناقب في حديث ‏"‏ خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة ‏"‏ وأن معناها أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، ويحتمل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله ‏"‏ ركبن الإبل ‏"‏ لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد فرد منها، فإن قوله ‏"‏ ركبن الإبل ‏"‏ إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل، وقد عرف أن العرب خير من غيرهم مطلقا في الجملة فيستفاد منه تفضيلهن مطلقا على نساء غيرهن مطلقا، ويمكن أن يقال أيضا‏:‏ إن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات، فليس فيه التعرض لمريم ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن‏.‏

قوله ‏(‏صالح نساء قريش‏)‏ كذا للأكثر بالإفراد‏.‏

وفي رواية غير الكشميهني ‏"‏ صلح ‏"‏ بضم أوله وتشديد اللام بصيغة الجمع، وسيأتي في أواخر النفقات من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ نساء قريش ‏"‏ والمطلق محمول على المقيد‏.‏

فالمحكوم له بالخيرية الصالحات من نساء قريش لا على العموم، والمراد بالصلاح هنا صلاح الدين، وحسن المخالطة مع الزوج ونحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏أحناه‏)‏ بسكون المهملة بعدها نون‏:‏ أكثره شفقة، والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية قاله الهروي؛ وجاء الضمير مذكرا وكان القياس أحناهن، وكأنه ذكر باعتبار اللفظ والجنس أو الشخص أو الإنسان، وجاء نحو ذلك في حديث أنس ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا، بالإفراد في الثاني وحديث ابن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالإفراد في الثاني أيضا، قال أبو حاتم السجستاني‏:‏ لا يكادون يتكلمون به إلا مفردا‏.‏

قوله ‏(‏على ولده‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ على ولد ‏"‏ بلا ضمير وهو أوجه، ووقع في رواية لمسلم ‏"‏ على يتيم ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ على طفل ‏"‏ والتقييد باليتم والصغر يحتمل أن يكون معتبرا من ذكر بعض أفراد العموم، لأن صفة الحنو على الولد ثابتة لها، لكن ذكرت الحالتان لكونهما أظهر في ذلك قوله ‏(‏وأرعاه على زوج‏)‏ أي أحفظ وأصون لماله بالأمانة فيه والصيانة له وترك التبذير في الإنفاق‏.‏

قوله ‏(‏في ذات يده‏)‏ أي في ماله المضاف إليه، ومنه قولهم فلان قليل ذات اليد أي قليل المال، وفي الحديث الحث على النكاح الأشراف خصوصا القرشيات، ومقتضاه أنه كلما كان نسبها أعلى تأكد الاستحباب‏.‏

ويؤخذ منه اعتبار الكفاءة في النسب، وأن غير القرشيات ليس كفأ لهن، وفضل الحنو والشفقة وحسن التربية والقيام على الأولاد وحفظ مال الزوج وحسن التدبير فيه‏.‏

ويؤخذ منه مشروعية إنفاق الزوج على زوجته، وسيأتي في أواخر النفقات بيان سبب هذا الحديث

*3*باب اتِّخَاذِ السَّرَارِيِّ وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب اتخاذ السراري‏)‏ جمع سرية بضم السين وكسر الراء الثقيلة ثم تحتانية ثقيلة وقد تكسر السين أيضا سميت بذلك لأنها مشتقة من التسرر، وأصله من السر وهو من أسماء الجماع، ويقال له الاستسرار أيضا، أو أطلق عليها ذلك لأنها في الغالب يكتم أمرها عن الزوجة‏.‏

والمراد بالاتخاذ الاقتناء، وقد ورد الأمر بذلك صريحا في حديث أبي الدرداء مرفوعا ‏"‏ عليكم بالسراري فإنهن مباركات الأرحام ‏"‏ أخرجه الطبراني وإسناده واه ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا ‏"‏ انكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة ‏"‏ وإسناده أصلح من الأول‏.‏

لكنه ليس بصريح في التسري‏.‏

قوله ‏(‏ومن أعتق جارية ثم تزوجها‏)‏ عطف هذا الحكم على الاقتناء لأنه قد يقع بعد التسري وقبله، وأول أحاديث الباب منطبق على هذا الشق الثاني‏.‏

ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ قَالَ الشَّعْبِيُّ خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَصْدَقَهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى، قد تقدم شرحه في كتاب العلم‏.‏

وقوله في هذه الطريق ‏"‏ أيما رجل كانت عنده وليدة ‏"‏ أي أمة، وأصلها ما ولد من الإماء في ملك الرجل، ثم أطلق ذلك على كل أمة‏.‏

قوله ‏(‏فله أجران‏)‏ ذكر ممن يحصل لهم تضعيف الأجر مرتين ثلاثة أصناف‏:‏ متزوج الأمة بعد عتقها، ومؤمن أهل الكتاب وقد تقدم البحث فيه في كتاب العلم، والمملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه وقد تقدم في العتق‏.‏

ووقع في حديث أبي أمامة رفعه عند الطبراني ‏"‏ أربعة يؤتون أجرهم مرتين ‏"‏ فذكر الثلاثة كالذي هنا وزاد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم في التفسير حديث الماهر بالقرآن، والذي يقرأ وهو عليه شاق، وحديث زينب امرأة ابن مسعود في التي تتصدق على قريبها لها أجران أجر الصدقة وأجر الصلة، وقد تقدم في الزكاة‏.‏

وحديث عمرو بن العاص في الحاكم إذا أصاب له أجران وسيأتي في الأحكام؛ وحديث جرير ‏"‏ من سن سنة حسنة ‏"‏ وحديث أبي هريرة ‏"‏ من دعا إلى هدى ‏"‏ وحديث أبي مسعود ‏"‏ من دل على خير ‏"‏ والثلاثة بمعنى وهن في الصحيحين‏.‏

ومن ذلك حديث أبي سعيد في الذي تيمم ثم وجد الماء فأعاد الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لك الأجر مرتين ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏

وقد يحصل بمزيد التتبع أكثر من ذلك‏.‏

وكل هذا دال على أن لا مفهوم للعدد المذكور في حديث أبي موسى‏.‏

وفيه دليل على مزيد فضل من أعتق أمته ثم تزوجها سواء أعتقها ابتداء لله أو لسبب‏.‏

وقد بالغ قوم فكرهوه فكأنهم لم يبلغهم الخبر، فمن ذلك ما وقع في رواية هشيم عن صالح بن صالح الراوي المذكور وفيه قال ‏"‏ رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال‏:‏ إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته‏.‏

فقال الشعبي ‏"‏ فذكر هذا الحديث‏.‏

وأخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن ابن مسعود أنه كان يقول ذلك‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله‏:‏ وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أنس أنه سئل عنه فقال ‏"‏ إذا أعتق أمته لله فلا يعود فيها ‏"‏ ومن طريق سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي أنهما كرها ذلك‏.‏

وأخرج أيضا من طريق عطاء والحسن أنهما كانا لا يريان بذلك بأسا‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو بكر‏)‏ هو ابن عياش بتحتانية وآخره معجمة، وأبو حصين هو عثمان بن عاصم ‏(‏عن أبي بردة‏)‏ هو ابن أبي موسى‏.‏

وهذا الإسناد مسلسل بالكوفيين وبالكنى‏.‏

قوله ‏(‏عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها ثم أصدقها‏)‏ كأنه أشار بهذه الرواية إلى أن المراد بالتزويج في الرواية الأخرى أن يقع بمهر جديد سوى العتق، لا كما وقع في قصة صفية كما سيأتي في الباب الذي بعده، فأفادت هذه الطريق ثبوت الصداق، فإنه لم يقع التصريح به في الطريق الأولى بل ظاهرها أن يكون العتق نفس المهر‏.‏

وقد وصل طريق أبي بكر بن عياش هذه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه فقال ‏"‏ حدثنا أبو بكر الخياط ‏"‏ فذكره بإسناده بلفظ ‏"‏ إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرا جديدا كان له أجران، وكأن أبا بكر كان يتعانى الخياطة في وقت، وهو أحد الحفاظ المشهورين في الحديث، والقراء المذكورين في القراءة، وأحد الرواة عن عاصم وله اختيار‏.‏

وقد احتج به البخاري ووصله من طريقه أيضا الحسن بن سفيان وأبو بكر البزار في مسنديهما عنه، وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن ولفظه عنده ‏"‏ ثم تزوجها بمهر جديد ‏"‏ وكذا أخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبي بكر بهذا اللفظ، ولم يقع لابن حزم إلا من رواية الحماني فضعف هذه الزيادة به ولم يصب‏.‏

وذكر أبو نعيم أن أبا بكر تفرد بها عن أبي حصين، وذكر الإسماعيلي أن فيه اضطرابا على أبي بكر بن عياش، كأنه عنى في سياق المتن لا في الإسناد، وليس ذلك الاختلاف اضطرابا لأنه يرجع إلى معنى واحد وهو ذكر المهر، واستدل به على أن عتق الأمة لا يكون نفس الصداق، ولا دلالة فيه، بل هو شرط لما يترتب عليه الأجران المذكوران، وليس قيدا في الجواز‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى ‏"‏ والصواب ما عند الجماعة ‏"‏ عن أبيه أبي موسى ‏"‏ بحذف عن التي قبل أبي موسى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ قَالَتْ كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْكَافِرِ وَأَخْدَمَنِي آجَرَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا سعد بن تليد‏)‏ بفتح المثناة وكسر اللام الخفيفة وسكون التحتانية بعدها مهملة، مصري مشهور، وكذا شيخه، وبقية الإسناد إلى أبي هريرة من أهل البصرة، ومحمد هو ابن سيرين‏.‏

وقوله في الرواية الثانية ‏"‏ عن أيوب عن محمد ‏"‏ كذا للأكثر، ووقع لأبي ذر بدله ‏"‏ عن مجاهد ‏"‏ وهو خطأ، وقد تقدم في أحاديث الأنبياء ‏"‏ عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد ‏"‏ على الصواب لكنه ساقه هناك موقوفا، واختلف هنا الرواة‏:‏ فوقع في رواية كريمة والنسفي موقوفا أيضا، ولغيرهما مرفوعا، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه موقوفا، وكذا ذكر أبو نعيم أنه وقع هنا للبخاري موقوفا، وبذلك جزم الحميدي، وأظنه الصواب في رواية حماد عن أيوب، وأن ذلك هو السر في إيراد رواية جرير بن حازم مع كونها نازلة، ولكن الحديث في الأصل ثابت الرفع، لكن ابن سيرين كان يقف كثيرا من حديثه تخفيفا‏.‏

وأغرب المزي فعزا رواية حماد هذه هنا إلى رواية ابن رميح عن الفربري، وغفل عن ثبوتها في رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما من الرواة من طريق الفربري حتى في رواية أبي الوقت، وهي ثابتة أيضا في رواية النسفي‏.‏

فما أدرى ما وجه تخصيص ذلك برواية ابن رميح‏.‏

قوله ‏(‏لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات الحديث‏)‏ ساقه مختصرا هنا، وقد تقدم شرحه مستوفى في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، قال ابن المنير‏:‏ مطابقة حديث هاجر للترجمة أنها كانت مملوكة، وقد صح أن إبراهيم أولدها بعد أن ملكها فهي سرية‏.‏

قلت‏:‏ إن أراد أن ذلك وقع صريحا في الصحيح فليس بصحيح، وإنما الذي في الصحيح أن سارة ملكتها وأن إبراهيم أولدها إسماعيل، وكونه ما كان بالذي يستولد أمة امرأته إلا بملك مأخوذ من خارج الحديث غير الذي في الصحيح، وقد ساقه أبو يعلي في مسنده من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره ‏"‏ فاستوهبها إبراهيم من سارة، فوهبتها له ‏"‏ ووقع في حديث حارثة بن مضرب عن علي عند الفاكهي ‏"‏ إن إبراهيم استوهب هاجر من سارة فوهبتها له وشرطت عليه أن لا يسرها فالتزم ذلك، ثم غارت منها فكان ذلك السبب في تحويلها مع ابنها إلى مكة ‏"‏ وقد تقدم شيء من ذلك في أحاديث الأنبياء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ أُمِرَ بِالْأَنْطَاعِ فَأَلْقَى فِيهَا مِنْ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ

الشرح‏:‏

حديث أنس قال ‏(‏أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا‏)‏ الحديث، وفيه ‏(‏فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه‏)‏ ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم ‏"‏ فقال الناس‏:‏ لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد ‏"‏ وشاهد الترجمة منه تردد الصحابة في صفية هل هي زوجة أو سرية فيطابق أحد ركني الترجمة، قال بعض الشراح‏:‏ دل تردد الصحابة في صفية هل هي زوجة أو سرية على أن عتقها لم يكن نفس الصداق، كذا قال‏:‏ وهو متعقب بأن التردد إنما كان في أول الحال ثم ظهر بعد ذلك أنها زوجة، وليس فيه دلالة لما ذكر‏.‏

واستدل به على صحة النكاح بغير شهود لأنه لو حضر في تزويج صفية شهود لما خفي عن الصحابة حتى يترددوا، ولا دلالة فيه أيضا لاحتمال أن الذين حضروا التزويج غير الذين ترددوا، وعلى تسليم أن يكون الجميع ترددوا فذلك مذكور من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يتزوج بلا ولي ولا شهود كما وقع في قصة زينب بنت جحش، وقد سبق شرح أول الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي، ويأتي ما يتعلق بالعتق في الذي بعده