فصل: باب لُبْسِ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اشتمال الصماء‏)‏ تقدم ضبطه وتفسيره وشرح حديث أبي سعيد في هذا الباب فيما يتعلق بالاشتمال والاحتباء في ‏"‏ باب ما يستر من العورة ‏"‏ من كتاب الصلاة، وقيل في اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب على شقه الأيسر فيصير جانبه الأيسر مكشوفا ليس عليه من الغطاء شيء فتنكشف عورته إذا لم يكن عليه ثوب آخر، فإذا خالف بين طرفي الثوب الذي اشتمل به لم يكن صماء، وتقدم الكلام أيضا على اختلاف الرواة عن الزهري في شيخه فيه وعلى الليث أيضا، وأما شرح البيعتين فتقدم أيضا في البيوع، وأما النهي عن الصلاة بعد العصر والصبح فتقدم في أواخر أبواب المواقيت من كتاب الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ وَأَنْ يَحْتَبِيَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي جزم به المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وقال في ‏"‏ التهذيب ‏"‏ وقع في بعض النسخ ‏"‏ عبد الوهاب بن عطاء ‏"‏ وفيه نظر لأن ابن عطاء لا تعرف له رواية عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري، ولم يذكر أحد في رجال البخاري عبد الوهاب بن عطاء، وقد أخرج أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ هذا الحديث من رواية ابن خزيمة حدثنا بندار وهو محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ‏"‏ حدثنا عبد الوهاب به ‏"‏ ولم ينسبه أيضا‏.‏

وأخرجه عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب به ولم ينسبه أيضا وهو الثقفي بلا ريب، وسيأتي بعد قليل نظير هذا، وجزم الإسماعيلي بأنه الثقفي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ وَاللِّبْسَتَيْنِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

‏"‏ أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ‏"‏ أي يظهر‏.‏

*3*باب الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاحتباء في ثوب واحد‏)‏ ذكر فيه حديثين تقدم شرحهما أيضا في الباب المشار إليه من كتاب الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنِي مَخْلَدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله في أول الإسناد ‏"‏ حدثنا محمد ‏"‏ غير منسوب هو ابن سلام، وشيخه مخلد بسكون المعجمة هو ابن يزيد‏.‏

*3*باب الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخميصة السوداء‏)‏ تقدم تفسير الخميصة في أوائـل كتاب الصلاة، قال الأصمعي‏:‏ الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة وهي سود كانت من لباس الناس‏.‏

وقال أبو عبيد هو كساء مربع له علمان، وقيل‏:‏ هي كساء رقيق من أي لون كان، وقيل‏:‏ لا تسمى خميصة حتى تكون سوداء معلمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ فُلَانٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ فَقَالَ مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ فَسَكَتَ الْقَوْمُ قَالَ ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ أَبْلِي وَأَخْلِقِي وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَاهْ وَسَنَاهْ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه سعيد ابن فلان ابن سعيد بن العاص‏)‏ كذا قال البخاري عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد عن أبيه فأبهم والد سعيد، وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب عن الفضل بن دكين وهو أبو نعيم ‏"‏ حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن العاص عن أبيه ‏"‏ وسيأتي بعد أبواب في ‏"‏ باب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا ‏"‏ عن أبي الوليد عن إسحاق وفيه سياق نسب إسحاق إلى العاص مثل هذا، وفيه التصريح بالتحديث من أبيه وبتحديث أم خالد أيضا، وكذا أخرجه ابن سعد عن أبي نعيم وأبي الوليد جميعا عن إسحاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم خالد بنت خالد‏)‏ هي أمة بفتح الهمزة والميم مخففا كنيت بولدها خالد بن الزبير بن العوام، وكان الزبير تزوجها فكان لها منه خالد وعمرو ابنا الزبير، وذكر ابن سعد أنها ولدت بأرض الحبشة وقدمت مع أبيها بعد خيبر وهي تعقل‏.‏

وأخرج من طريق أبي الأسود المدني عنها قالت‏:‏ ‏"‏ كنت ممن أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم من النجاشي السلام ‏"‏ وأبوها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية أسلم قديما ثالث ثلاثة أو رابع أربعة واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر أو عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب‏)‏ لم أقف على تعيين اسم الجهة التي حضرت منها الثياب المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ من ترون أن نكسو هذه فسكت القوم‏)‏ لم أقف على تعيين أسمائهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتي بها تحمل‏)‏ كذا فيه، وفيه التفات أو تجريد، ووقع في رواية أبي الوليد ‏"‏ فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفيه إشارة إلى صغر سنها إذ ذاك، ولكن لا يمنع ذلك أن تكون حينئذ مميزة‏.‏

ووقع في أول رواية سفيان بن عيينة الماضية في هجرة الحبشة ‏"‏ قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية ‏"‏ ووقع في رواية خالد بن سعيد ‏"‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر ‏"‏ ولا معارضة بينهما لأنه يجوز أن يكون حين طلبها أتته مع أبيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فألبسها‏)‏ في رواية أبي الوليد ‏"‏ فألبسنيها ‏"‏ على منوال ما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبلي وأخلقي‏)‏ في رواية أبي الوليد ‏"‏ وقال ‏"‏ بزيادة واو قبل قال، وقوله‏:‏ ‏"‏ أبلي ‏"‏ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء، وكذا قوله‏:‏ ‏"‏ أخلقي ‏"‏ بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق وهما بمعنى، والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق، قال الخليل‏:‏ أبل وأخلق معناه عش وخرق ثيابك وارقعها، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته‏.‏

ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري ‏"‏ وأخلفي ‏"‏ بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف لأن الأولى تستلزم التأكيد إذ الإبلاء والإخلاق بمعنى، لكن جاز العطف لتغاير اللفظين، والثانية تفيد معنى زائدا وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره، وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد، لكن التي بالفاء أيضا أولى، ويؤيدها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال‏:‏ ‏"‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له‏:‏ تبلي ويخلف الله ‏"‏ ووقع في رواية أبي الوليد ‏"‏ أبلي وأخلقي ‏"‏ مرتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان فيها علم أخضر أو أصفر‏)‏ وقع في رواية أبي النضر عن إسحاق بن سعيد عند أبي داود ‏"‏ أحمر ‏"‏ بدل أخضر، وكذا عند ابن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا أم خالد هذا سناه، وسناه بالحبشية‏)‏ كذا هنا أي وسناه لفظة بالحبشية ولم يذكر معناها بالعربية؛ وفي رواية أبي الوليد ‏"‏ فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إلي ويقول‏:‏ يا أم خالد هذا سنا ويا أم خالد هدا سنا، والسنا بلسان الحبشة الحسن‏"‏‏.‏

ووقع في رواية خالد بن سعيد الماضية في الجهاد ‏"‏ فقال سنه سنه ‏"‏ وهي بالحبشية حسن، وقد تقدم ضبطها وشرحها هناك‏.‏

ووقع في رواية ابن عيينة المذكورة ‏"‏ ويقول سناه سناه ‏"‏ قال الحميدي‏:‏ يعني حسن حسن‏.‏

وتقدم - في الجهاد - أن ابن المبارك فسره بذلك‏.‏

ووقع في رواية ابن سعد التصريح بأنه من تفسير أم خالد، ووقع في رواية خالد بن سعيد في الجهاد من الزيادة ‏"‏ وذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني أبي ‏"‏ وسيأتي بيان ذلك وبقية شرح ما اشتمل عليه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي يَا أَنَسُ انْظُرْ هَذَا الْغُلَامَ فَلَا يُصِيبَنَّ شَيْئاً حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَنِّكُهُ فَغَدَوْتُ بِهِ فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّةٌ وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عون‏)‏ هو عبد الله، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الإسناد في آخر ‏"‏ باب تسمية المولود ‏"‏ من كتاب العقيقة، وتقدم حديث أنس في تسمية الصبي المذكور وتحنيكه في كتاب الزكاة من طريق إسحاق بن أبي طلحة، وتقدمت له طريق أخرى عن إسحاق أتم منها في كتاب الجنائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعليه خميصة حريثية‏)‏ بمهملة وراء ومثلثة مصغر وآخره هاء تأنيث قال عياض‏:‏ كذا لرواة البخاري، وهي منسوبة إلى حريث رجل من قضاعة، ووقع في رواية أبي السكن ‏"‏ خيبرية ‏"‏ بالخاء المعجمة والموحدة نسبة إلى خيبر البلد المعروف، قال‏:‏ واختلف رواة مسلم فقيل كالأول؛ ولبعضهم مثله لكن بواو بدل الراء ولا معنى لها، ولبعضهم ‏"‏ جونية ‏"‏ بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون نسبة إلى بني الجون أو إلى لونها من السواد أو الحمرة أو البياض فإن العرب تسمي كل لون من هذه جونا، ولبعضهم بالتصغير، ولبعضهم بضم الحاء المهملة والباقي مثله ولا معنى له، ولبعضهم كذلك لكن بمثناة نسبة إلى الحويت فقبل هي قبيلة، وقيل‏:‏ شبهت بحسب الخطوط الممتدة التي في الحوت‏.‏

قلت‏:‏ والذي يطابق الترجمة من جميع هذه الروايات ‏"‏ الجونية ‏"‏ بالجيم والنون فإن الأشهر فيه أنه الأسود، ولا يمنع ذلك وروده في حديث الباب بلفظ ‏"‏ الحريثية ‏"‏ لأن طرق الحديث يفسر يعضها بعضا، فيكون لونها أسود وهي منسوبة إلى صانعها، وقد أخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث عائشة أنها ‏"‏ صنعت لرسـول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف سوداء فلبسها ‏"‏ قال في النهاية‏:‏ المحفوظ المشهور جونية بالجيم والنون أي سوداء، وأما ‏"‏ حريثية ‏"‏ فلا أعرفها وطالما بحثت عنها فلم أقف لها على معنى‏.‏

وفي رواية ‏"‏ حوتكية ‏"‏ ولعلها منسوبة إلى القصر فإن الحوتكي الرجل القصير الخطو، أو هي منسوبة إلى رجل يسمى حوتكا‏.‏

وقال النووي‏:‏ وقع لجميع رواة البخاري ‏"‏ حونبية ‏"‏ بفتح المهملة وسكون الواو وفتح النون بعدها موحدة ثم تحتانية ثقيلة؛ وفي بعضها بضم المعجمة وفتح الواو وسكون التحتانية بعدها مثلثة، وساق بعض ما تقدم، ونقل عن صاحب ‏"‏ التحرير ‏"‏ شارح مسلم ‏"‏ حوتية ‏"‏ نسبه إلى الحوت وهي قبيلة أو موضع، ثم قال القاضي عياض في ‏"‏ المشارق ‏"‏‏:‏ هذه الروايات كلها تصحيف إلا الجونية بالجيم والنون فهي منسوبة إلى بني الجون قبيلة من الأزد، أو إلى لونها من السواد، وإلا الحريثية بالراء والمثلثة‏.‏

ووقع في نسخة الصغاني في الحاشية مقابل حريثية‏:‏ هذا تصحيف، والصواب حوتكية، وكذا وقع في رواية الإسماعيلي أي قصيرة وهي في معنى الشملة، ومنه حديث العرباض بن سارية ‏"‏ كان يخرج علينا في الصفة وعليه حوتكية‏"‏‏.‏

*3*باب ثِيَابِ الْخُضْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الثياب الخضر‏)‏ كذا للكشمهيني، وللمستملي والسرخسي ‏"‏ ثياب الخضر كقولهم مسجد الجامع‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ الثياب الخضر من لباس الجنة، وكفى بذلك شرفا لها‏.‏

قلت وأخرج أبو داود من حديث أبي رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة أنه ‏"‏ رأى على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيُّ قَالَتْ عَائِشَةُ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضاً قَالَتْ عَائِشَةُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا قَالَ وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا فَقَالَ كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ أَوْ لَمْ تَصْلُحِي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ قَالَ وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ فَقَالَ بَنُوكَ هَؤُلَاءِ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ فَوَاللَّهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي وصرح به الإسماعيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة‏)‏ في رواية أبي يعلى ‏"‏ حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد الوهاب الثقفي ‏"‏ بسنده وزاد فيه ‏"‏ عن ابن عباس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة‏:‏ وعليها خمار أخضر فشكت إليها‏)‏ أي إلى عائشة وفيه التفات وتجريد‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ قالت عائشة ‏"‏ ما يبين وهم رواية سويد وأن الحديث من رواة عكرمة عن عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنساء ينصر بعضهن بعضا‏)‏ جملة معترضة، وهي من كلام عكرمة، وقد صرح وهيب بن خالد في روايته عن أيوب بذلك فقال بعد قوله لجلدها أشد خضرة من خمارها ‏"‏ قال عكرمة والنساء ينصر بعضهن بعضا ‏"‏ رويناه في ‏"‏ فوائد أبي عمرو بن السماك ‏"‏ من طريق عفان عن وهيب‏.‏

قال الكرماني‏:‏ خضرة جلدها يحتمل أن تكون لهزالها أو من ضرب زوجها لها‏.‏

قلت‏:‏ وسياق القصة رجح الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمع أنها قد أتت‏)‏ في رواية وهيب ‏"‏ قال‏:‏ فسمع بذلك زوجها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعه ابنان‏)‏ لم أقف على تسميتهما، ووقع في رواية وهيب بنون له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تحلي أو لم تصلحي له‏)‏ كذا بالشك، وهو من الراوي‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لا تحلين له ولا تصلحين له ‏"‏ وذكر الكرماني أنه وقع في بعض الروايات ‏"‏ لم تحلين ‏"‏ ثم أخذ في توجيهه، وعرف بهذا الجواب وجه الجمع بين قولها ‏"‏ ما معه إلا مثل الهدبة ‏"‏ وبين صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ حتى تذوقي عسيلته ‏"‏ وحاصله أنه رد عليها دعواها، أما أولا فعلى طريق صدق زوجها فيما زعم أنه ينفضها نفض الأديم، وأما ثانيا فللاستدلال على صدقه بولديه اللذين كانا معه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبصر معه ابنين له فقال‏:‏ بنوك هؤلاء‏)‏ فيه جواز إطلاق اللفظ الدال على الجمع على الاثنين، لكن وقع في رواية وهيب بصيغة الجمع فقال‏:‏ ‏"‏ بنون له‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تزعمين ما تزعمين‏)‏ في رواية وهيب ‏"‏ هذا الذي تزعمين أنه كذا وكذا ‏"‏ وهو كناية عما ادعت عليه من العنة، وقد تقدمت مباحث قصة رفاعة وامرأته في كتاب الطلاق، وقوله لأنفضها نفض الأديم كناية بليغة في الغاية من ذلك لأنها أوقع في النفس من التصريح، لأن الذي ينفض الأديم يحتاج إلى قوة ساعد وملازمة طويلة، قال الداودي‏:‏ يحتمل تشبيهها بالهدية انكساره وأنه لا يتحرك وأن شدته لا تشتد، ويحتمل أنها كنت بذلك عن نحافته، أو وصفته بذلك بالنسبة للأول، قال‏:‏ ولهذا يستحب نكاح البكر لأنها تظن الرجال سواء، بخلاف الثيب‏.‏

*3*باب الثِّيَابِ الْبِيضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الثياب البيض‏)‏ كأنه لم يثبت عنده على شرطه فيها شيء صريح، فاكتفى بما وقع في الحديثين اللذين ذكرهما، وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث سمرة رفعه ‏"‏ عليكم بالثياب البيض فالبسوها فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم ‏"‏ وأخرج أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وصححه الترمذي وابن حبان من حديث ابن عباس بمعناه وفيه‏:‏ ‏"‏ فإنها من خير ثيابكم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ رَأَيْتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَمِينِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ

الشرح‏:‏

حديث سعد وهو ابن أبي وقاص، تقدم في غزوة أحد وفيه تسمية الرجلين وأنهما جبريل وميكائيل، ولم يصب من زعم أن أحدهما إسرافيل‏.‏

*3*باب لُبْسِ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه‏)‏ أي في بعض الثياب‏.‏

ووقع في ‏"‏ شرح ابن بطال ‏"‏ و ‏"‏ مستخرج أبي نعيم ‏"‏ زيادة افتراشه في الترجمة، والأولى ما عند الجمهور، وقد ترجم للافتراش مستقلا كما سيأتي بعد أبواب‏.‏

والحرير معروف، وهو عربي سمي بذلك لخلوصه يقال لكل خالص محرر، وحررت الشيء خلصته من الاختلاط بغيره‏.‏

وقيل‏:‏ هو فارسي معرب، والتقييد بالرجال يخرج النساء، وسيأتي في ترجمة مستقلة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ اختلف في الحرير فقال قوم‏:‏ يحرم لبسه في كل الأحوال حتى على النساء، نقل ذلك عن علي وابن عمر وحذيفة وأبي موسى وابن الزبير، ومن التابعين عن الحسن وابن سيرين‏.‏

وقال قوم يجوز لبسه مطلقا وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه على من لبسه خيلاء أو على التنزيه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الثاني ساقط لثبوت الوعيد على لبسه‏.‏

وأما قول عياض‏:‏ حمل بعضهم النهي العام في ذلك على الكراهة لا على التحريم، فقد تعقبه ابن دقيق العيد فقال‏:‏ قد قال القاضي عياض ‏(‏إن الإجماع انعقد بعد ابن الزبير ومن وافقه على تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء، ذكر ذلك في الكلام على قول ابن الزبير في الطريق التي أخرجها مسلم ‏"‏ ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر ‏"‏ فذكر الحديث الآتي في الباب، قال‏:‏ فإثبات قول بالكراهة دون التحريم إما أن ينقض ما نقله من الإجماع وإما أن يثبت أن الحكم العام قبل التحريم على الرجال كان هو الكراهة ثم انعقد الإجماع على التحريم على الرجال والإباحة للنساء، ومقتضاه نسخ الكراهة السابقة، وهو بعيد جدا‏.‏

وأما ما أخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ لقي عمر عبد الرحمن بن عوف فنهاه عن لبس الحرير فقال‏:‏ لو أطعتنا للبسته معنا، وهو يضحك ‏"‏ فهو محمول على أن عبد الرحمن فهم من إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له في لبس الحرير نسخ التحريم ولم ير تقييد الإباحة بالحاجة كما سيأتي، واختلف في علة تحريم الحرير عل رأيين مشهورين‏:‏ أحدهما الفخر والخيلاء، والثاني‏:‏ لكونه ثوب رفاهية فيليق بزي النساء دون شهامة الرجال‏.‏

ويحتمل علة ثالثة وهي التشبه بالمشركين‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا قد يرجع إلى الأول لأنه من سمة المشركين، وقد يكون المعنيان معتبرين إلا أن المعنى الثاني لا يقتضي التحريم لأن الشافعي قال في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ ولا أكره لباس اللؤلؤ إلا للأدب فإنه زي النساء‏.‏

واستشكل بثبوت اللعن للمتشبهين من الرجال بالنساء فإنه يقتضي منع ما كان مخصوصا بالنساء في جنسه وهيئته‏.‏

وذكر بعضهم علة أخرى وهي السرف والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَ قَالَ فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الْأَعْلَامَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا عثمان النهدي قال‏:‏ أتانا كتاب عمر‏)‏ كذا قال أكثر أصحاب قتادة وشذ عمر بن عامر فقال عن قتادة عن أبي عثمان عن عثمان فذكر المرفوع، وأخرجه البزار وأشار إلى تفرده به، فلو كان ضابطا لقلنا سمعه أبو عثمان من كتاب عمر ثم سمعه من عثمان بن عفان، لكن طرق الحديث تدل على أنه عن عمر لا عن عثمان، وقد ذكره أصحاب الأطراف في ترجمة أبي عثمان عن عمر، وفيه نظر لأن المقصود بالكتابة إليه هو عتبة بن فرقد، وأبو عثمان سمع الكتاب يقرأ، فإما أن تكون روايته له عن عمر بطريق الوجادة وإما أن يكون بواسطة المكتوب إليه وهو عتبة بن فرقد، ولم يذكروه في رواية أبي عثمان عن عتبة، وقد نبه الدار قطني على أن هدا الحديث أصل في جواز الرواية بالكتابة عند الشيخين، قال ذلك بعد أن استدركه عليهما، وفي ذلك رجوع منه عن الاستدراك عليه، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونحن مع عتبة بن فرقد‏)‏ صحابي مشهور سمي أبوه باسم النجم، واسم جده يربوع من بن حبيب بن مالك السلمي، ويقال إن يربوع هو فرقد وأنه لقب له، وكان عتبة أميرا لعمر في فتوح بلاد الجزيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأذربيجان‏)‏ تقدم ضبطها في أوائل كتاب فضائل القرآن، وذكر المعافي في ‏"‏ تاريخ الموصل ‏"‏ أن عتبة هو الذي افتتحها سنة ثماني عشرة‏.‏

وروى شعبة عن حصين بن عبد الرحمن السلمي عن أم عاصم امرأة عتبة ‏"‏ أن عتبة غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين ‏"‏ وأما قول المعافي إنه شهد خيبر وقسم له رسوله الله صلى الله عليه وسلم منها فلم يوافق على ذلك، وإنما أول مشاهده حنين روينا في ‏"‏ المعجم الصغير للطبراني ‏"‏ من طريق أم عاصم امرأة عتبة عن عتبة قال‏:‏ ‏"‏ أخذني الشرى على عهد رسول الله، فأمرني فتجردت فوضع يده على بطني وظهري فعبق بي الطيب من يومئذ ‏"‏ قالت أم عاصم‏:‏ كنا عنده أربع نسوة فكنا نجتهد في الطيب وما كان هو يمسه وإنه كان لأطيبنا ريحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد الإسماعيلي فيه من طريق علي بن الجعد عن شعبة بعد قوله مع عتبة بن فرقد ‏"‏ أما بعد فاتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف والسراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعم وزي العجم، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب، وتمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا واقطعوا الركب وانزوا نزوا وارموا الأغراض، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن الحرير‏)‏ أي عن لبس الحرير كما في الرواية التي تلي هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا هكذا‏)‏ زاد الإسماعيلي في روايته من هذا الوجه‏:‏ وهكذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأشار بإصبعيه اللتين تليان الإبهام‏)‏ المشير بذلك يأتي في رواية عاصم ما يقتضي أنه النبي صلى الله عليه وسلم كما سأبينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ اللتين تليان الإبهام ‏"‏ يعني السبابة والوسطى، وصرح بذلك في رواية عاصم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيما علمنا أنه يعني الأعلام‏)‏ بفتح الهمزة جمع علم بالتحريك أي الذي حصل في علمنا أن المراد بالمستثنى الأعلام وهو ما يكون في الثياب من تطريف وتطريز ونحوهما‏.‏

ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي ‏"‏ فما ‏"‏ بفتح الفاء بعدها حرف نفي ‏"‏ عتمنا ‏"‏ بمثناة بدل اللام أي ما أبطأنا ‏"‏ في معرفة ذلك لما سمعناه ‏"‏ قال أبو عبيد العاتم البطيء، يقال عتم الرجل القرى إذا أخره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا وَصَفَّ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِصْبَعَيْهِ وَرَفَعَ زُهَيْرٌ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن يونس‏)‏ هو ابن عبد الله بن يونس نسب لجده وهو بذلك أشهر، وشيخه زهير بن معاوية أبو خيثمة الجعفي، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس هذا فبين جميع ذلك في سياقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتب إلينا عمر‏)‏ كذا للأكثر وكذا لمسلم، وللكشميهني ‏"‏ كتب إليه ‏"‏ أي إلى عتبة بن فرقد، وكلتا الروايتين صواب فإنه كتب إلى الأمير لأنه هو الذي يخاطبه وكتب إليهم كلهم بالحكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد فيه مسلم قبل هذا ‏"‏ يا عتبة بن فرقد؛ إنه ليس من كدك ولا كد أبيك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبس الحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ‏"‏ فذكر الحديث، وبين أبو عوانة في صحيحه من وجه آخر سبب قول عمر ذلك فعنده في أوله ‏"‏ أن عتبة بن فرقد بعث إلى عمر مع غلام له بسلال فيها خبيص عليها اللبود فلما رآه عمر قال‏:‏ أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

فقال عمر‏:‏ لا أريده‏.‏

وكتب إلى عتبة‏:‏ إنه ليس من كدك ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورفع زهير الوسطى والسبابة‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ وضمهما‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُلْبَسُ الْحَرِيرُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لَمْ يُلْبَسْ فِي الْآخِرَةِ مِنْهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ وَأَشَارَ أَبُو عُثْمَانَ بِإِصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن التيمي‏)‏ هو سليمان بن طرخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عثمان قال‏:‏ كنا مع عتبة فكتب إليه عمر‏)‏ في رواية مسلم من طريق جرير عن سليمان التيمي ‏"‏ فجاءنا كتاب عمر ‏"‏ وكذا عند الإسماعيلي من طريق معتمر بن سليمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يلبس الحرير في الدنيا إلا لم يلبس منه شيء في الآخرة‏)‏ كذا للمستملي والسرخسي ‏"‏ يلبس ‏"‏ بضم أوله في الموضعين، وكذا للنسفي وقال‏:‏ ‏"‏ في الآخرة منه ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ لا يلبس الحرير في الدنيا إلا لم يلبس منه شيئا في الآخرة ‏"‏ بفتح أوله على البناء للفاعل، والمراد به الرجل المكلف، وأورده الكرماني بلفظ ‏"‏ إلا من لم يلبسه ‏"‏ قال وفي أخرى ‏"‏ إلا من ليس يلبس منه ‏"‏ ا هـ‏.‏

وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ لا يلبس الحرير إلا من ليس له منه شيء في الآخرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأشار أبو عثمان بإصبعيه المسبحة والوسطى‏)‏ وقع هذا في رواية المستملي وحده، وهو لا يخالفه ما في رواية عاصم، فيجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار أولا ثم نقله عنه عمر فبين بعد ذلك بعض رواته صفة الإشارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن عمر‏)‏ أي ابن شقيق الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبو علي البلخي، كذا جزم به الكلاباذي وآخرون، وشذ ابن عدي فقال‏:‏ هو ابن عمر بن إبراهيم العبدي‏.‏

قلت‏:‏ ولم أقف لهذا العبدي على ترجمة، إلا أن ابن حبان قال في الطبقة الرابعة من الثقات الحسن بن عمر بن إبراهيم روى عن شعبة، فلعله هذا‏.‏

وقد جزم صاحب ‏"‏ المزهر ‏"‏ أنه يكنى أبا بصير وأنه من شيوخ البخاري وأنه أخرج له حديثين وأنه أخرج للحسن بن عمر بن شبة وأكثر من ذلك‏.‏

قلت ولم أر في جميع البخاري بهذه الصورة إلا أربعة أحاديث أحدها في ‏"‏ باب الطواف بعد العصر ‏"‏ من كتاب الحج قال فيه‏:‏ ‏"‏ حدثنا الحسن بن عمر البصري حدثنا يزيد بن زريع ‏"‏ وهذا وآخر مثل هذا في الاستئذان، والرابع في كتاب الأحكام فساقه كما في سياق الحج سواء فتعين أنه هو‏.‏

وأما هذا والذي في الاستئذان فعلى الاحتمال والأقرب أنه كما قال الأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معتمر‏)‏ هو ابن سليمان التيمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأشار أبو عثمان بإصبعيه المسبحة والوسطى‏)‏ يريد أن معتمر بن سليمان رواه عن أبيه عن أبي عثمان عن كتاب عمر وزاد هذه الزيادة، وهذا مما يؤيد أن رواية الأكثر في الطريق التي قبلها التي خلت عن هذه الزيادة أولى من رواية المستملي التي أوردها فيه، فإن هذا القدر زاد معتمر بن سليمان في روايته عن أبيه، ثم ظهر لي أن الذي زاده معتمر تفسير الإصبعين، فإن الإسماعيلي أخرجه من روايته ومن رواية يحيى القطان جميعا عن سليمان التيمي وقال في سياقه ‏"‏ كنا مع عتبة بن فرقد فكتب إليه عمر يحدثه بأشياء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وفيما كتبه إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ألا لا يلبس الحرير في الدنيا من له في الآخرة منه شيء، إلا، وأشار بإصبعيه ‏"‏ فعرف أن زيادة معتمر تسمية الإصبعين‏.‏

وقد أخرجه مسلم والإسماعيلي أيضا من طريق جرير عن سليمان وقـال فيه ‏"‏ بإصبعيه اللتين تليان الإبهام فرأيناها أزرار الطيالسة حين رأينا الطيالسة ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ الأزرار جمع زر بتقديم الزاي‏:‏ ما يزرر به الثوب بعضه على بعض، والمراد به هنا أطراف الطيالسة، والطيالسة جمع طيلسان وهو الثوب الذي له علم وقد يكون كساء، وكان للطيالسة التي رآها أعلام حرير في أطرافها‏.‏

قلت‏:‏ وقد أغفل صاحب ‏"‏ المشارق ‏"‏ و ‏"‏ النهاية ‏"‏ في مادة ط ل س ذكر الطيالسة وكأنهما تركا ذلك لشهرته، لكن المعهود الآن ليس على الصفة المذكورة هنا، وقد قال عياض في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ المراد بأزرار الطيالسة أطرافها‏.‏

ووقع في حديث أسماء بنت أبي بكر عند مسلم أنها ‏"‏ أخرجت جبة طيالسة كسروانية فقالت‏:‏ هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهذا يدل على أن المراد بالطيالسة في هذا الحديث ما يلبس فيشمل الجسد، لا المعهود الآن‏.‏

ولم يقع في رواية أبي عثمان في الصحيحين في استثناء ما يجوز من لبس الحرير إلا ذكر الإصبعين، لكن وقع عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة ‏"‏ ولمسلم من طريق سويد بن غفلة بفتح المعجمة والفاء واللام الخفيفتين ‏"‏ أن عمر خطب فقال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع ‏"‏ و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا للتنويع والتخيير، وقد أخرجه ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا يعني أصبعين وثلاثا وأربعا ‏"‏ وجنح الحليمي إلى أن المراد بما وقع في رواية مسلم أن يكون في كل قدر إصبعين، وهو تأويل بعيد من سياق الحديث، وقد وقع عند النسائي في رواية سويد ‏"‏ لم يرخص في الديباج إلا في موضع أربعة أصابع‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحكم‏)‏ هو ابن عتيبة بمثناة ثم موحدة مصغر؛ وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن، ووقع في رواية القابسي عن أبي ليلى وهو غلط لكن كتب في الهامش‏:‏ الصواب ابن أبي ليلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان حذيفة‏)‏ هو ابن اليمان وقد مضى شرح حديثه هذا في كتاب الأشربة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة‏)‏ تمسك به من منع استعمال النساء للحرير والديباج، لأن حذيفة استدل به على تحريم الشرب في إناء الفضة وهو حرام على النساء والرجال جميعا فيكون الحرير كذلك‏.‏

والجواب أن الخطاب بلفظ لكم للمذكر، ودخول المؤنث فيه قد اختلف فيه؛ والراجح عند الأصوليين عدم دخولهن‏.‏

وأيضا فقد ثبت إباحة الحرير والذهب للنساء كما سيأتي التنبيه عليه في ‏"‏ باب الحرير للنساء ‏"‏ قريبا، وأيضا فإن هذا اللفظ مختصر وقد تقدم بلفظ ‏"‏ لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ‏"‏ والخطاب في ذلك للذكور، وحكم النساء في الافتراش سيأتي في باب افتراش الحرير قريبا، وقوله‏:‏ ‏"‏ هي لهم في الدنيا ‏"‏ تمسك به من قال إن الكافر ليس مخاطبا بالفروع‏.‏

وأجيب بأن المزاد هي شعارهم وزيهم في الدنيا، ولا يدل ذلك على الإذن لهم في ذلك شرعا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ شُعْبَةُ فَقُلْتُ أَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ شَدِيداً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة‏:‏ فقلت أعن النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ شديدا عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وقع في رواية علي بن الجعد عن شعبة ‏"‏ سألت عبد العزيز بن صهيب عن الحرير فقال‏:‏ سمعت أنسا‏.‏

فقلت‏:‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ شديدا ‏"‏ وهذا الجواب يحتمل أن يكون تقريرا لكونه مرفوعا إنما حفظه حفظا شديدا، ويحتمل أن يكون إنكارا أي جزمي برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقع شديدا علي، وأبعد من قال‏:‏ المراد أنه رفع صوته رفعا شديدا‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لفظة ‏"‏ شديدا ‏"‏ صفة لفعل محذوف وهو الغضب أي غضب عبد العزيز من سؤال شعبة غضبا شديدا، كذا قال ووجهه غير وجيه، والاحتمال الأول عندي أوجه، ولكنه يؤيد الثاني أن أحمد أخرجه عن محمد بن جعفر عن شعبة فقال فيه‏:‏ ‏"‏ سمعت أنسا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأخرجه أيضا عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأخرجه مسلم أيضا من طريق إسماعيل هذا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثابت‏)‏ هو البناني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت ابن الزبير يخطب‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ وهو على المنبر ‏"‏ أخرجه عن قتيبة عن حماد بن زيد به‏.‏

وأخرجه أحمد عن عفان عن حماد بلفظ ‏"‏ يخطبنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا من مرسل ابن الزبير، ومراسيل الصحابة محتج بها عند جمهور من لا يحتج بالمراسيل، لأنهم إما أن يكون عند الواحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر، واحتمال كونها عن تابعي لوجود رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين نادر، لكن تبين من الروايتين اللتين بعد هذه أن ابن الزبير إنما حمله عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة عمر، ومع ذلك فلم أقف في شيء من الطرق المتفقة عن عمر أنه رواه بلفظ ‏"‏ لن ‏"‏ بل الحديث عنه في جميع الطرق بلفظ ‏"‏ لم ‏"‏ والله أعلم‏.‏

وابن الزبير قد حفظ من النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، منها حديثه ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة فرفع يديه ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏

ومنها حديثه ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا وعقد ابن الزبير ‏"‏ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

ومنها حديثه أنه ‏"‏ سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن نبيذ الجر ‏"‏ أخرجه أحمد أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لن يلبسه في الآخرة‏)‏ كذا في جميع الطرق عن ثابت، وهو أوضح في النفي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي ذِبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ قَالَتْ مُعَاذَةُ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي ذبيان‏)‏ - بكسر المعجمة ويجوز ضمها بعدها موحدة ساكنة ثم تحتانية - هو التميمي البصري، ما له في البخاري سوى هذا الموضع، وقد وثقه النسائي‏.‏

ووقع في رواية أبي علي بن السكن عن الفربري ‏"‏ عن أبي ظبيان ‏"‏ بظاء مشالة بدل الذال وهو خطأ، وأشد خطأ منه ما وقع قي رواية أبي زيد المروزي عن الفربري ‏"‏ عن أبي دينار ‏"‏ بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة ونون ثم راء، نبه على ذلك أبو محمد الأصيلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت ابن الزبير يقول سمعت عمر يقول‏)‏ وقع في رواية النضر بن شميل عن شعبة ‏"‏ حدثنا خليفة بن كعب سمعت عبد الله بن الزبير يقول‏:‏ لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر ‏"‏ أخرجه النسائي‏.‏

وقد أخرجه النسائي أيضا من طريق جعفر بن ميمون عن خليفة بن كعب فلم يذكر عمر في إسناده، وشعبة أحفظ من جعفر بن ميمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لن يلبسه ‏"‏ والمحفوظ من هذا الوجه ‏"‏ لم ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم والنسائي، وزاد النسائي في رواية جعفر بن ميمون في آخره ‏"‏ ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏ولباسهم فيها حرير‏)‏ ‏"‏ وهذه الزيادة مدرجة في الخبر، وهي موقوفة على ابن الزبير، بين ذلك النسائي أيضا من طريق شعبة فذكر مثل سند حيث الباب وفي آخره ‏"‏ قال ابن الزبير ‏"‏ فذكر الزيادة، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق علي بن الجعد عن شعبة ولفظه ‏"‏ فقال ابن الزبير من رأيه‏:‏ ومن لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولباسهم فيها حرير‏)‏ ‏"‏ وقد جاء مثل ذلك عن ابن عمر أيضا أخرجه النسائي من طريق حفصة بنت سيرين عن خليفة بن كعب قال‏:‏ ‏"‏ خطبنا ابن الزبير ‏"‏ فذكر الحديث المرفوع وزاد ‏"‏ فقال قال ابن عمر إذا والله لا يدخل الجنة، قال الله‏:‏ ‏(‏ولباسهم فيها حرير‏)‏ ‏"‏ وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من طريق داود السراج عن أبي سعيد فذكر الحديث المرفوع مثل حديث عمر هذا في الباب وزاد ‏"‏ وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون أيضا مدرجا، وعلى تقدير أن يكون الرفع محفوظا فهو من العام المخصوص بالمكلفين من الرجال للأدلة الأخرى بجوازه للنساء، وستأتي الإشارة إلى معنى الوعيد فيه قريبا من طريق أخرى لرواية ابن الزبير عن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو معمر‏)‏ هو عبد الله بن معمر بن عمرو بن الحجاج، وقد أكثر عنه البخاري، ولم يصرح ف هذا الموضع عنه بالتحديث، وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق يعقوب بن سفيان، زاد الإسماعيلي ويحيى بن معلى الرازي ‏"‏ قالا حدثنا أبو معمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد ويزيد هو الضبعي المعروف بالرشك بكسر الراء وسكون المعجمة، ومعاذة هي العدوية، والإسناد من مبتدئه إلى معاذة بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرتني أم عمرو بنت عبد الله‏)‏ جزم أبو نصر الكلاباذي ومن تبعه بأنها بنت عبد الله بن الزبير، ولم أرها منسوبة فيما وقفت عليه من طرق هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت عبد الله بن الزبير سمع عمر‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ سمعت من عبد الله بن الزبير يقول في خطبته أنه سمع من عمر بن الخطاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحوه‏)‏ ساقه الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ فإنه لا يكساه في الآخرة ‏"‏ وله من طريق شيبان بن فروخ عن عبد الوارث ‏"‏ فلا كساه الله في الآخرة ‏"‏ طريق أخرى لحديث عمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْحَرِيرِ فَقَالَتْ ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَلْ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ فَقُلْتُ صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا حَرْبٌ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي عِمْرَانُ وَقَصَّ الْحَدِيثَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن بشار‏)‏ هو بندار، وعثمان هو ابن عمر بن فارس، والسند كله إلى عمران بن حطان بصريون، وعمران هو السدوسي كان أحد الخوارج من العقدية بل هو رئيسهم وشاعرهم، وهو الذي مدح ابن ملجم قاتل علي بالأبيات المشهورة، وأبوه حطان بكسر المهملة بعدها طاء مهملة ثقيلة، وإنما أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صامد اللهجة متدينا؛ وقد قيل إن عمران تاب من بدعته وهو بعيد، وقيل‏:‏ إن يحيى بن أبي كثير حمله عنه قبل أن يبتدع، فإنه كان تزوج امرأة من أقاربه تعتقد رأي الخوارج لينقلها عن معتقدها فنقلته هي إلى معتقدها، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وهو متابعة، وآخر في ‏"‏ باب نقض الصور‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت عائشة عن الحرير فقالت‏:‏ ائت ابن عباس فسله، قال فسألته فقال‏:‏ سل ابن عمر‏)‏ كذا في هذه الطريق‏.‏

وفي رواية حرب بن شداد التي تذكر عقب هذه بالعكس أنه سأل ابن عباس فقال‏.‏

سل عائشة، فسألها فقالت‏:‏ سل أبو عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو حفص يعني عمر بن الخطاب‏)‏ كذا في الأصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت صدق وما كذب أبو حفص‏)‏ هو قول عمران بن حطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن رجاء‏)‏ هو الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة، وهو من شيوخ البخاري أيضا لكن لم يصرح في هذا بتحديثه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حرب‏)‏ هو ابن شداد، وزعم الكرماني أنه ابن ميمون، ونسبه لصاحب الكاشف وهو عجيب فإن صاحب الكاشف لم يرقم لحرب بن ميمون علامة البخاري، وإنما قال في ترجمة عبد الله بن رجاء روى عن حرب بن ميمون، ولا يلزم من كون عبد الله بن رجاء روى عنه أن لا يروي عن حرب بن شداد، يل روايته عن حرب بن شداد موجودة في غير هذا ويحيى هو ابن أبي كثير، وأراد البخاري بهذه الرواية تصريح يحيى بتحديث عمران له بهذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقص الحديث‏)‏ ساقه النسائي موصولا عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد بلفظ ‏"‏ من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة ‏"‏ وقد ذكر الدار قطني أن هذا اللفظ في حديث عمر خطأ، ولعل البخاري لم يسق اللفظ لهذا المعنى‏.‏

وفي هذه الأحاديث بيان واضح لمن قال يحرم على الرجال لبس الحرير للوعيد المذكور، وقد تقدم شرح معناه في كتاب الأشربة في شرح أول حديث منه، فإن الحكم فيها واحد وهو نفي اللبس ونفي الشرب في الآخرة وفي الجنة‏.‏

وحاصل أعدل الأقوال أن الفعل المذكور مقتض للعقوبة المذكورة، وقد يتخلف ذلك لمانع كالتوبة والحسنات التي توازن والمصائب التي تكفر، وكدعاء الولد بشرائط، وكذا شفاعة من يؤذن له في الشفاعة، وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين‏.‏

وفيه حجة لمن أجاز لبس العلم من الحرير إذا كان في الثوب، وخصه بالقدر المذكور وهو أربع أصابع، وهذا هو الأصح عند الشافعية، وفيه حجة على من أجاز العلم في الثوب مطلقا ولو زاد على أربعة أصابع، وهو منقول عن بعض المالكية، وفيه حجة على من منع العلم في الثوب مطلقا، وهـو ثابت عن الحسن وابن سيرين وغيرهما، لكن يحتمل أن يكونوا منعوه ورعا وإلا فالحديث حجة عليهم فلعلهم لم يبلغهم، قال النووي وقد نقل مثل ذلك عن مالك وهو مذهب مردود، وكذا مذهب من أجاز بغير تقدير والله أعلم‏.‏

واستدل به على جواز لبس الثوب المطرز بالحرير، وهو ما جعل عليه طراز حرير مركب، وكذلك المطرف وهو ما سجفت أطرافه بسجف من حرير بالتقدير المذكور، وقد يكون التطريز في نفس الثوب بعد النسج، وفيه احتمال ستأتي الإشارة إليه‏.‏

واستدل به أيضا على جواز لبس الثوب الذي يخالطه من الحرير مقدار العلم سواء كان ذلك القدر مجموعا أو مفرقا وهو قوي، وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب القسي ‏"‏ بعد بابين‏.‏

*3*باب مَسِّ الْحَرِيرِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ

وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من مس الحرير من غير لبس، ويروى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ ذكر المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أنه أراد بهذا التعليق ما أخرجه أبو داود والنسائي من رواية بقية عن الزبيدي بهذا الإسناد إلى أنس أنه ‏"‏ رأى على أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم بردا سيراء ‏"‏ كذا قال، وليس هذا مراد البخاري، والرؤية لا يقال لها مس، وأيضا فلو كان هذا الحديث مراده لجزم به لأنه صحيح عنده على شرطه، وقد أخرجه في ‏"‏ باب الحرير للنساء ‏"‏ من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي قريبا، وإنما أراد البخاري ما رويناه في ‏"‏ المعجم الكبير ‏"‏ للطبراني وفي ‏"‏ فوائد تمام ‏"‏ من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عن الزبيدي عن الزهري عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم حلة من استبرق، فجعل ناس يلمسونها بأيديهم ويتعجبون منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعجبكم هذه‏؟‏ فوالله لمناديل سعد في الجنة أحسن منها ‏"‏ قال الدار قطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ لم يروه عن الزبيدي إلا عبد الله بن سالم‏.‏

ومما يؤكد ما قلته أن البخاري لما أخرج في المناقب حديث البراء بن عازب في قصة سعد بن معاذ في هذا المعنى موصولا قال بعده‏:‏ ‏"‏ رواه الزهري عن أنس ‏"‏ ولما صدر بحديث الزهري عن أنس - المعلق هنا - عقبه بحديث البراء الموصول بعينه والله أعلم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبُ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمُسُهُ وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا قُلْنَا نَعَمْ قَالَ مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا

الشرح‏:‏

قوله في حديث البراء ‏"‏ فجعلنا نلمسه ‏"‏ جزم في ‏"‏ المحكم ‏"‏ بأنه بضم الميم في المضارع، وقوله‏:‏ ‏"‏ مناديل سعد ‏"‏ قيل‏:‏ خص المناديل بالذكر لكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى، قال ابن بطال‏:‏ النهي عن لبس الحرير ليس من أجل نجاسة عينه بل من أجل أنه ليس من لباس المتقين، وعينه مع ذلك طاهرة فيجوز مسه وبيعه والانتفاع بثمنه، وقد تقدم شيء مما يتعلق بالحديث المذكور في كتاب الهبة‏.‏

*3*باب افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَقَالَ عَبِيدَةُ هُوَ كَلُبْسِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب افتراش الحرير‏)‏ أي حكمه في الحل والحرمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيدة‏)‏ هو ابن عمرو السلماني بسكون اللام وهو بفتح العين المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو كلبسه‏)‏ وصله الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سيرين قال‏:‏ ‏"‏ قلت لعبيدة افتراش الحرير كلبسه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هو ابن المديني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا وهب بن جرير‏)‏ أي ابن أبي حازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها‏)‏ تقدم البحث فيه في الأطعمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه‏)‏ وقد أخرج البخاري ومسلم حديث حذيفة من عدة أوجه ليس فيها هذه الزيادة، وهي قوله‏:‏ ‏"‏ وأن نجلس عليه ‏"‏ وهي حجة قوية لمن قال بمنع الجلوس على الحرير وهو قول الجمهور، خلافا لابن الماجشون والكوفيين وبعض الشافعية‏.‏

وأجاب بعض الحنفية بأن لفظ ‏"‏ نهى ‏"‏ ليس صريحا في التحريم، وبعضهم باحتمال أن يكون النهي ورد عن مجموع اللبس والجلوس لا عن الجلوس بمفرده وهذا يرد على ابن بطال دعواه أن الحديث نص في تحريما الجلوس على الحرير، فإنه ليس بنص بل هو ظاهر، وقد أخرج ابن وهب في جامعه من حديث سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ لأن أقعد على جمر الغضا أحب إلي من أن أقعد على مجلس من حرير‏.‏

وأدار بعض الحنفية الجواز والمنع على اللبس لصحة الأخبار فيه، قالوا‏:‏ والجلوس ليس بلبس، واحتج الجمهور بحديث أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس‏.‏

ولأن لبس كل شيء بحسبه‏.‏

واستدل به على منع النساء من افتراش الحرير وهو ضعيف لأن خطاب الذكور لا يتناول المؤنث على الراجح، ولعل الذي قال بالمنع تمسك فيه بالقياس على منع استعمالهن آنية الذهب مع جواز لبسهن الحلي منه، فكذلك يجوز لبسهن الحرير ويمنعن من استعماله، وهذا الوجه صححه الرافعي وصحح النووي الجواز واستدل به على منع افتراش الرجل الحرير مع امرأته في فراشها، ووجهه المجيز لذلك من المالكية بأن المرأة فراش الرجل فكما جاز له أن يفترشها وعليها الحلي من الذهب والحرير كذلك يجوز له أن يجلس وينام معها على فراشها المباح لها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الذي يمنع من الجلوس عليه هو ما منع من لبسه وهو ما صنع من حرير صرف أو كان الحرير فيه أزيد من غيره كما سبق تقريره‏.‏

*3*باب لُبْسِ الْقَسِّيِّ

وَقَالَ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيٍّ مَا الْقَسِّيَّةُ قَالَ ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنْ الشَّأْمِ أَوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ وَفِيهَا أَمْثَالُ الْأُتْرُنْجِ وَالْمِيثَرَةُ كَانَتْ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ الْقَطَائِفِ يُصَفِّرْنَهَا وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ الْقَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الْحَرِيرُ وَالْمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ عَاصِمٌ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ فِي الْمِيثَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لبس القسي‏)‏ بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ياء نسبة، وذكر أبو عبيد في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ أن أهل الحديث يقولونه بكسر القاف وأهل مصر يفتحونها، وهي نسبة إلى بلد يقال لها القس رأيتها ولم يعرفها الأصمعي، وكذا قال الأكثر هي نسبة للقس بمصر منهم الطبري وابن سيده‏.‏

وقال الحازمي هي من بلاد الساحل وقال المهلب هي على ساحل مصر وهي حصن بالقرب من الفرما من جهة الشام، وكذا وقع في حديث ابن وهب أنها تلي الفرما والفرما بالفاء وراء مفتوحة‏.‏

وقال النووي‏:‏ هي بقرب تنيس وهو متقارب، وحكى أبو عبيد الهروي عن شمر اللغوي أنها بالزاي لا بالسين نسبة إلى القز وهو الحرير فأبدلت الزاي سينا‏.‏

وحكى ابن الأثير في ‏"‏ النهاية ‏"‏ أن القس الذي نسب إليه هو الصقيع سمي بذلك لبياضه، وهو والذي قبله كلام من لم يعرف القس القرية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عاصم عن أبي بردة قال‏:‏ قلنا لعلي ما القسية‏؟‏ الخ‏)‏ هذا طرف من حديث وصله مسلم من طريق عبد الله بن إدريس سمعت عاصم بن كليب عن أبي بردة وهو ابن أبي موسى الأشعري عن علي قال‏:‏ ‏"‏ نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي وعن المياثر، قال فأما القسي فثياب مضلعة ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرج مسلم من وجهين آخرين عن علي النهي عن لباس القسي، لكن ليس فيه تفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثياب أتتنا من الشام أو من مصر‏)‏ في رواية مسلم‏:‏ من مصر والشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مضلعة فيها حرير‏)‏ أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع، وحكى المنذري أن المراد بالمضلع ما نسج بعضه وترك بعضه، وقوله‏:‏ ‏"‏ فيها حرير ‏"‏ يشعر بأنها ليست حريرا صرفا، وحكى النووي عن العلماء أنها ثياب مخلوطة بالحرير، وقيل‏:‏ من الخز وهو رديء الحرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيها أمثال الأترنج‏)‏ أي أن الأضلاع التي فيها غليظة معوجة؛ ووقع في رواية مسلم فيها ‏"‏ شبه كذا ‏"‏ على الإبهام، وقد فسرته رواية البخاري المعلقة‏.‏

ووقع لنا موصولا في ‏"‏ أمالي المحاملي ‏"‏ باللفظ الذي علقه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والميثرة‏)‏ هي بكسر الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز فيها، وأصلها من الوثارة أو الوثرة بكسر الواو وسكون المثلثة، والوثير هو الفراش الوطيء وامرأة وثيرة كثيرة اللحم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف يصفونها‏)‏ أي يجعلونها كالصفة، وحكى عياض في رواية ‏"‏ يصفرنها ‏"‏ بكسر الفاء ثم راء وأظنه تصحيفا وإنما قال ‏"‏ يصفونها ‏"‏ بلفظ المذكر للإشارة إلى أن النساء يصنعن ذلك والرجال هم الذين يستعملونها في ذلك‏.‏

وقال الزبيدي اللغوي‏:‏ والميثرة مرفقة كصفة السرج‏.‏

وقال الطبري‏:‏ هو وطاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير كانت النساء تصنعه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر ومن الديباج، وكانت مراكب العجم، وقيل‏:‏ هي أغشية للسروج من الحرير، وقيل هي سروج من الديباج، فحصلنا على أربعة أقوال في تفسير الميثرة هل هي وطاء للدابة، أو لراكبها، أو هي السرج نفسه، أو غشاوة‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ المياثر الحمر كانت من مراكب العجم من حرير أو ديباج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جرير عن يزيد في حديثه‏:‏ القسية الخ‏)‏ هو طرف أيضا من حديث وصله إبراهيم الحربي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ له عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل قال‏:‏ ‏"‏ القسية ثياب مضلعة ‏"‏ الحديث‏.‏

ووهم الدمياطي فضبط يزيد في حاشية نسخته بالموحدة والراء مصغر، فكأنه لما رأى التعليق الأول من رواية أبي بردة بن أبي موسى ظن أن التعليق الثاني من رواية حفيده بريد بن عبد الله بن أبي برده، وزعم الكرماني - وتبعه بعض من لقيناه - أن يزيد هذا هو ابن رومان، قال وجرير هو ابن حازم، وليس كما قال، والفيصل في ذلك رواية إبراهيم الحربي، وقد أخرج ابن ماجه أصل هذا الحديث من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم‏.‏

قال يزيد قلت للحسن بن سهيل‏:‏ ما المقدم‏؟‏ قال المسبغ بالعصفر ‏"‏ هذا القدر الذي ذكر ابن ماجه منه وبقيته هو هذا الموقوف على الحسن بن سهيل، وهو المراد بقول البخاري ‏"‏ قال جرير عن يزيد في حديثه ‏"‏ يريد أنه ليس من قول يزيد بل من روايته عن غيره والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والميثرة جلود السباع‏)‏ قال النووي‏:‏ هو تفسير باطل مخالف لما أطبق عليه أهل الحديث‏.‏

قلت‏:‏ وليس هو بباطل، بل يمكن توجيهه، وهو ما إذا كانت الميثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت، والنهي حينئذ عنها إما لأنها من زي الكفار، وإما لأنها لا تعمل فيها الذكاة، أو لأنها لا تذكى غالبا فيكون فيه حجة لمن منع لبس ذلك ولو دبغ، لكن الجمهور على خلافه، وأن الجلد يطهر بالدباغ‏.‏

وقد اختلف أيضا في الشعر هل يطهر بالدباغ‏؟‏ لكن الغالب على المياثر أن لا يكون فيها شعر، وقد ثبت النهي عن الركوب على جلود النمور أخرجه النسائي من حديث المقدام بن معد يكرب، وهو مما يؤيد التفسير المذكور‏.‏

ولأبي داود ‏"‏ لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ عاصم أكثر وأصح في الميثرة‏)‏ يعني رواية عاصم في تفسير الميثرة أكثر طرقا وأصح من رواية يزيد، وهذا الكلام لم يقع في رواية أبي ذر ولا النسفي، وأطلق في حديث علي المياثر وقيدها في حديث البراء بالحمر، وسيأتي الكلام على ذلك في ‏"‏ باب الثوب الأحمر ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ أخبرنا عبد الله ‏"‏ هو ابن المبارك وسفيان هو الثوري، وقوله‏:‏ ‏"‏ نهانا ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ نهى‏"‏، وقوله‏:‏ ‏"‏ عن المياثر الحمر وعن القسي ‏"‏ هو طرف من حديث أوله ‏"‏ أمرنا بسبع ونهانا عن سبع ‏"‏ وسيأتي بتمامه في ‏"‏ باب المياثر الحمر ‏"‏ بعد أبواب‏.‏

واستدل بالنهي عن لبس القسي على منع لبس ما خالطه الحرير من الثياب لتفسير القسي بأنه ما خالط غير الحرير فيه الحرير، ويؤيده عطف الحرير على القسي في حديث البراء، ووقع كذلك في حديث علي عند أبي داود والنسائي وأحمد بسند صحيح على شرط الشيخين من طريق عبيدة بن عمرو عن علي قال‏:‏ ‏"‏ نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القسي والحرير ‏"‏ ويحتمل أن تكون المغايرة باعتبار النوع فيكون الكل من الحرير كما وقع عطف الديباج على الحرير في حديث حذيفة الماضي قريبا، ولكن الذي يظهر من سياق طرق الحديث في تفسير القسي أنه الذي يخالط الحرير لا أنه الحرير الصرف، فعلى هذا يحرم لبس الثوب الذي خالطه الحرير‏.‏

وهو قول بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين، وذهب الجمهور إلى جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب، وعمدتهم في ذلك ما تقدم في تفسير الحلة السيراء وما انضاف إلى ذلك من الرخصة في العلم في الثوب إذا كان من حرير كما تقدم تقريره في حديث عمر، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو قياس في معنى الأصل، لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط، وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة لجميع الثوب فيكون المنع من لبس الحرير شاملا للخالص والمختلط، وبعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة، ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة، قال‏:‏ وقد توسع الشافعية في ذلك، ولهم طريقان‏:‏ أحدهما‏:‏ وهو الراجح اعتبار الوزن، فإن كان الحرير أقل وزنا لم يحرم أو أكثر حرم، وإن استويا فوجهان اختلف الترجيح فيهما عندهم‏.‏

والطريق الثاني‏:‏ الاعتبار بالقلة والكثرة بالظهور، وهذا اختيار القفال ومن تبعه، وعند المالكية في المختلط أقوال ثالثها الكراهة، ومنهم من فرق بين الخز وبين المختلط بقطن ونحوه فأجاز الخز ومنع الآخر، وهذا مبني على تفسير الخز، وقد تقدم في بعض تفاسير القسي أنه الخز؛ فمن قال إنه رديء الحرير فهو الذي يتنزل عليه القول المذكور؛ ومن قال إنه ما كان من وبر فخلط بحرير لم يتجه التفصيل المذكور، واحتج أيضا من أجاز لبس المختلط بحديث ابن عباس ‏"‏ إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به ‏"‏ أخرجه الطبراني بسند حسن هكذا، وأصله عند أبي داود، وأخرجه الحاكم بسند صحيح بلفظ ‏"‏ إنما نهى عن المصمت إذا كان حريرا ‏"‏ وللطبراني من طريق ثالث ‏"‏ نهى عن مصمت الحرير فأما ما كان سداه من قطن أو كتان فلا بأس به ‏"‏ واستدل ابن العربي للجواز أيضا بأن النهي عن الحرير حقيقة في الخالص، والإذن في القطن ونحوه صريح، فإذا خلطا بحيث لا يسمى حريرا بحيث لا يتناوله الاسم ولا تشمله علة التحريم خرج عن الممنوع فجاز، وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم، قال أبو داود‏:‏ لبسه عشرون نفسا من الصحابة وأكثر، وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جياد، وأعلى ما ورد في ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن سعد الدشتكي عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ رأيت رجلا على بغلة وعليه عمامة خز سوداء وهو يقول‏:‏ كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال‏:‏ ‏"‏ أنت مروان بن الحكم مطارف خز، فكساها أصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال‏:‏ ‏"‏ أتت مروان بن الحكم مطارف خز، فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره، وقيل‏.‏

تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه، وقيل‏:‏ أصله اسم دابة يقال لها الخز سمي الثوب المتخذ من وبره خزا لنعومته ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير والله أعلم‏.‏

وأجاز الحنفية والحنابلة لبس الخز ما لم يكن فيه شهرة، عن مالك الكراهة، وهذا كله في الخز، وأما القز بالقاف بدل الخاء المعجمة فقال الرافعي‏:‏ عد الأئمة القز من الحرير وحرموه على الرجال ولو كان كمد اللون، ونقل الإمام الاتفاق عليه لكن حكى المتولي في ‏"‏ التتمة ‏"‏ وجها أنه لا يحرم لأنه ليس من ثياب الزينة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ إن كان مراده بالقز ما نطلقه نحن الآن عليه فليس يخرج عن اسم الحرير فيحرم، ولا اعتبار بكمودة اللون ولا بكونه ليس من ثياب الزينة فإن كلا منهما تعليل ضعيف لا أثر له بعد انطلاق الاسم عليه ا هـ كلامه‏.‏

ولم يتعرض لمقابل التقسيم؛ وهو وإن كان المراد به شيئا آخر فيتجه كلامه، والذي يظهر أن مراده به رديء الحرير، وهو نحو ما تقدم في الخز، ولأجل ذلك وصفه بكمودة اللون‏.‏

والله أعلم‏.‏