فصل: باب لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏كتاب الأيمان والنذور‏)‏ الأيمان بفتح الهمزة جمع يمين، وأصل اليمين في اللغة اليد وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه، وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء فسمى الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه، وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها‏.‏

ويجمع اليمين أيضا على أيمن كرغيف وأرغف‏.‏

وعرفت شرعا بأنها توكيد الشيء بذكر اسم أو صفة لله وهذا أخصر التعاريف وأقربها‏.‏

والنذور جمع نذر وأصله الإنذار بمعنى التخويف‏.‏

وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر‏.‏

*3*باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ

وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قول الله تعالى‏)‏ كذا للجميع بغير لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وهو مقدر، وثبت لبعضهم كالإسماعيلي‏.‏

قوله ‏(‏لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم الآية‏)‏ وفي نسخة بدل الآية ‏"‏ إلى قوله تشكرون ‏"‏ وساق في رواية كريمة الآية كلها، والأول أولى فإن المذكور من الآية هنا إلى قوله ‏(‏بما عقدتم الأيمان‏)‏ وأما بقية الآية فقد ترجم به في أول كفارات الأيمان فقال‏:‏ ‏"‏ لقوله‏:‏ فكفارته إطعام عشرة مساكين ‏"‏ نعم يحتمل أن يكون ساق الآية كلها أولا ثم ساق بعضها حيث احتاج إليه‏.‏

قوله ‏(‏باللغو‏)‏ قال الراغب هو في الأصل ما لا يعتد به من الكلام، والمراد به في الأيمان ما يورد عن غير روية فيجري مجرى اللغاء وهو صوت العصافير، وقد سبق الكلام عليه في باب مفرد في تفسير المائدة‏.‏

قوله ‏(‏عقدتم‏)‏ قرئ بتشديد القاف وتخفيفها، وأصله العقد وهو الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل في الأجسام ويستعار للمعاني نحو عقد البيع والمعاهدة، قال عطاء‏:‏ معنى قوله عقدتم الأيمان‏:‏ أكدتم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ قَطُّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَقَالَ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتُ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله ‏(‏أن أبا بكر الصديق‏)‏ في رواية عبد الله بن نمير عن هشام بسنده ‏"‏ عن أبي بكر الصديق أنه كان ‏"‏ أخرجه أبو نعيم، وهذا يقتضي أنه من رواية عائشة عن أبيها، وقد تقدم في تفسير المائدة ذكر من رواه مرفوعا، وقد ذكر الترمذي في ‏"‏ العلل المفرد ‏"‏ وقال‏:‏ سألت محمدا يعني البخاري عنه فقال‏:‏ هذا خطأ والصحيح ‏"‏ كان أبو بكر ‏"‏ وكذلك رواه سفيان ووكيع عن هشام بن عروة‏.‏

قوله ‏(‏لم يكن يحنث في يمين قط حتى أنزل الله كفارة اليمين إلخ‏)‏ قيل‏:‏ إن قول أبي بكر ذلك وقع منه عند حلفه أن لا يصل مسطحا بشيء فنزلت ‏(‏ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة‏)‏ الآية، فعاد إلى مسطح ما كان ينفعه به، وقد تقدم بيان ذلك في شرح حديث الإفك في تفسير النور، ولم أقف على النقل المذكور مسندا، ثم وجدته في تفسير الثعلبي نقلا عن ابن جريج قال‏:‏ ‏"‏ حدثت أنها نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه في الإفك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إلا أتيت الذي هو خير وكفرت‏)‏ وافقه وكيع‏.‏

وقال ابن نمير في روايته ‏"‏ إلا كفرت عن يميني وأتيت ‏"‏ ووافقه سفيان‏.‏

وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب الكفارة قبل الحنث ‏"‏ من كتاب كفارات الأيمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏الحسن‏)‏ هو ابن أبي الحسن البصري، وعبد الرحمن بن سمرة يعني ابن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وقيل بين حبيب وعبد شمس ربيعة، وكنية عبد الرحمن أبو سعيد وهو من مسلمة الفتح، وقيل كان اسمه قبل الإسلام عبد كلال بضم أوله والتخفيف، وقد شهد فتوح العراق وكان فتح سجستان على يديه، أرسله عبد الله بن عامر أمير البصرة لعثمان على السرية ففتحها وفتح غيرها‏.‏

وقال ابن سعد‏:‏ مات سنة خمسين وقيل بعدها بسنة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

قوله ‏(‏يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة‏)‏ بكسر الهمزة أي الولاية، وسيأتي شرح ذلك مستوفي في كتاب الأحكام‏.‏

قوله ‏(‏وإذا حلفت على يمين‏)‏ يأتي شرحه أيضا في ‏"‏ باب الكفارة قبل الحنث‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعْضُنَا وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُذَكِّرُهُ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلْ اللَّهُ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏غيلان‏)‏ بغين معجمة ثم تحتانية ساكنة هو ابن جرير الأزدي الكوفي من صغار التابعين، وأبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري، وسيأتي شرحه أيضا في ‏"‏ باب الكفارة قبل الحنث‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، وقد روى البخاري عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر عن عبد الرزاق عدة أحاديث‏.‏

قوله ‏(‏هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ والله لأن يلج‏)‏ هكذا في رواية الكشميهني، ولغيره ‏"‏ فقال ‏"‏ بالفاء والأول أوجه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ‏"‏ طرف من حديث تقدم بتمامه في أول كتاب الجمعة، لكن من وجه آخر عن أبي هريرة، وقد كرر البخاري منه هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من رواية معمر عنه؛ والسبب فيه أن حديث نحن الآخرون هو أول حديث في النسخة وكان همام يعطف عليه بقية الأحاديث بقوله‏:‏ ‏"‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فسلك في ذلك البخاري ومسلم مسلكين أحدهما هذا والثاني مسلك مسلم فإنه بعد قول همام ‏"‏ هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يقول ‏"‏ فذكر عدة أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثم استمر على ذلك في جميع ما أخرجه من هذه النسخة وهو مسلك واضح، وأما البخاري فلم يطرد له في ذلك عمل، فإنه أخرج من هذه النسخة في الطهارة وفي البيوع وفي النفقات وفي الشهادات وفي الصلح وقصة موسى والتفسير وخلق آدم والاستئذان وفي الجهاد في مواضع وفي الطب واللباس وغيرهما فلم يصدر شيئا من الأحاديث المذكورة بقوله‏:‏ ‏"‏ نحن الآخرون السابقون ‏"‏ إنما ذكر ذلك في بعض دون بعض، وكأنه أراد أن يبين جواز كل من الأمرين، ويحتمل أن يكون ذلك من صنيع شيخ البخاري‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في نسق واحد فحدث بهما جميعا كما سمعهما، ويحتمل أن يكون الراوي فعل ذلك لأنه سمع من أبي هريرة أحاديث في أوائلهما ذكرها على الترتيب الذي سمعه‏.‏

قلت‏:‏ ويعكر عليه ما تقدم في أواخر الوضوء وفي أوائل الجمعة وغيرها‏.‏

الحديث‏:‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏والله لأن يلج‏)‏ بفتح اللام وهي اللام المؤكدة للقسم ويلج بكسر اللام ويجوز فتحها بعدها جيم من اللجاج وهو أن يتمادى في الأمر ولو تبين له خطؤه، وأصل اللجاج في اللغة هو الإصرار على الشيء مطلقا، يقال لججت ألج بكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع ويجوز العكس‏.‏

قوله ‏(‏أحدكم بيمينه في أهله‏)‏ سقط قوله ‏"‏ في أهله ‏"‏ من رواية محمد بن حميد المعمري عن معمر عند ابن ماجه‏.‏

قوله ‏(‏آثم‏)‏ بالمد أي أشد إثما‏.‏

قوله ‏(‏من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه‏)‏ في رواية أحمد عن عبد الرزاق ‏"‏ من أن يعطي كفارته التي فرض الله ‏"‏ قال النووي‏:‏ معنى الحديث أن من حلف يمينا تتعلق بأهله بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه فينبغي أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه، فإن قال لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره على عدم الحنث وإقامة الضرر لأهله أكثر إثما من الحنث، ولا بد من تنزيله على ما إذا كان الحنث لا معصية فيه‏.‏

وأما قوله ‏"‏ آثم ‏"‏ بصيغة أفعل التفضيل فهو لقصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف أو توهمه فإنه يتوهم أن عليه إثما في الحنث مع أنه لا إثم عليه، فيقال له‏:‏ الإثم في اللجاج أكثر من الإثم في الحنث‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ المراد أن الرجل إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كان أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث لأنه جعل الله عرضة ليمينه وقد نهى عن ذلك، قال‏:‏ وآثم اسم تفضيل وأصله أن يطلق للاج في الإثم فأطلق لمن يلج في موجب الإثم اتساعا، قال‏:‏ وقيل معناه أنه كان يتحرج من الحنث خشية الإثم ويرى ذلك، فاللجاج أيضا إثم على زعمه وحسبانه‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ لا يبعد أن تخرج أفعل عن بابها كقولهم الصيف أحر من الشتاء ويصير المعنى أن الإثم في اللجاج في بابه أبلغ من ثواب إعطاء الكفارة في بابه، قال‏:‏ وفائدة ذكر ‏"‏ أهل ‏"‏ في هذا المقام للمبالغة وهي مزيد الشفاعة لاستهجان اللجاج فيما يتعلق بالأهل لأنه إذا كان في غيرهم مستهجنا ففي حقهم أشد‏.‏

وقال القاضي عياض‏:‏ في الحديث أن الكفارة على الحانث فرض، قال‏:‏ ومعنى يلج أن يقيم على ترك الكفارة، كذا قال والصواب على ترك الحنث لأنه بذلك يقع التمادي على حكم اليمين وبه يقع الضرر على المحلوف عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا لِيَبَرَّ يَعْنِي الْكَفَّارَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ جزم أبو علي الغساني بأنه ابن منصور، وصنيع أبي نعيم في المستخرج يقضي أنه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله، ويحيى بن صالح هو الوحاظي بتخفيف الحاء المهملة بعد الألف ظاء مشالة معجمة، وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في الحج، وشيخه معاوية هو ابن سلام بتشديد اللام، ويحيى هو ابن أبي كثير، وعكرمة هو مولى ابن عباس‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ كذا أسنده معاوية بن سلام، وخالفه معمر فرواه عن يحيى بن أبي كثر فأرسله ولم يذكر فيه أبا هريرة أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن معمر لكنه ساقه بلفظ رواية همام عن أبي هريرة، وهو خطأ من معمر، وإذا كان لم يضبط المتن فلا يتعجب من كونه لم يضبط الإسناد‏.‏

قوله ‏(‏من استلج‏)‏ استفعل من اللجاج، وذكر ابن الأثير أنه وقع في رواية استلجج بإظهار الإدغام وهي لغة قريش‏.‏

قوله ‏(‏فهو أعظم إثما ليبر يعنى الكفارة‏)‏ وكذا وقع في رواية ابن السكن، وكذا لأبي ذر عن الكشميهني بلام مكسورة بعدها تحتانية مفتوحة ثم راء مشددة واللام لام الأمر بلفظ أمر الغائب من البر أو الإبرار ويعني بفتح التحتانية وسكون المهملة وكسر النون تفسير البر، والتقدير ليترك اللجاج ويبر، ثم فسر البر بالكفارة والمراد أنه يترك اللجاج فيما حلف ويفعل المحلوف عليه ويحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه إذا حنث، ومعنى قوله ‏"‏ في أهله ‏"‏ ما تقدم في الطريق التي قبلها من تصويره بأن يحلف أن يضر أهله مثلا فيلج في ذلك اليمين ويقصد إيقاع الإضرار بهم لتنحل يمينه، فكأنه قيل له دع اللجاج في ذلك واحنث في هذا اليمين واترك إضرارهم ويحصل لك البر فإنك إن أصررت على الإضرار بهم كان ذلك أعظم إثما من حنثك في اليمين‏.‏

ووقع في رواية النسفي والأصيلي ‏"‏ ليس تغني الكفارة ‏"‏ بفتح اللام وسكون التحتانية بعدها سين مهملة وتغني بضم المثناة الفوقانية وسكون الغين المعجمة كسر النون والكفارة بالرفع، والمعنى أن الكفارة لا تغني عن ذلك، وهو خلاف المراد، والرواية الأولى أوضح‏.‏

ومنهم من وجه الثانية بأن المفضل عليه محذوف والمعنى أن الاستيلاج أعظم إثما من الحنث والجملة استئناف، والمراد أن ذلك الإثم لا تغني عنه كفارة‏.‏

وقال ابن الأثير في النهاية وفيه ‏"‏ إذا استيلج أحدكم بيمينه فإنه آثم له عند الله من الكفارة ‏"‏ وهو استفعل من اللجاج، ومعناه أن من حلف على شيء ويرى أن غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث فيكفر فذلك آثم له، وقيل هو أن يرى أنه صادق فيها مصيب فيلج ولا يكفرها انتهى‏.‏

وانتزع ذلك كله من كلام الخطابي‏.‏

وقد قيد في رواية الصحيح بالأهل ولذلك قال النووي ما تقدم في الطريق الأولى وهو منتزع أيضا من كلام عياض، وذكر القرطبي في مختصر البخاري أنه ضبط في بعض الأمهات تغني بالتاء المضمومة والغين المعجمة وليس بشيء وفي الأصل المعتمد عليه بالتاء الفوقانية المفتوحة والعين المهملة وعليه علامة الأصيلي وفيه بعد ووجدناه بالياء المثناة من تحت وهو أقرب، وعند ابن السكن يعني ليس الكفارة وهو عندي أشبهها إذا كانت ليس استثناء بمعنى إلا أي إذا لج في يمينه كان أعظم إثما إلا أن يكفر‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أحسن لو ساعدته الرواية، إنما الذي في النسخ كلها بتقديم ليس على يعني، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن يحيى بن صالح بحذف الجملة الأخيرة وآخر الحديث عنده ‏"‏ فهو أعظم إثما ‏"‏ وقال ابن حزم‏:‏ لا جائز أن يحمل على اليمين الغموس لأن الحالف بها لا يسمى مستلجا في أهله بل صورته أن يحلف أن يحسن إلى أهله ولا يضرهم ثم يريد أن يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم، ومعنى قوله لا تغني الكفارة، أن الكفارة لا تحط عنه إثم إساءته إلى أهله ولو كانت واجبة عليه، وإنما هي متعلقة باليمين التي حلفها‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ قوله ‏"‏ ليس تغني الكفارة ‏"‏ كأنه أشار إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر ولا يفعل الخير، فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد، وبعضهم ضبطه بفتح نون ‏"‏ يغني ‏"‏ وهو بمعنى يترك أي أن الكفارة لا ينبغي أن تترك‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ ليس تغني الكفارة ‏"‏ بالمعجمة يعني مع تعمد الكذب في الأيمان، قال‏:‏ وهذا على رواية أبي ذر، كذا قال‏.‏

وفي رواية أبي الحسن يعني القابسي ‏"‏ ليس يعني الكفارة ‏"‏ بالعين المهملة قال‏:‏ وهذا موافق لتأويل الخطابي أنه يستديم على لجاجه ويمتنع من الكفارة إذا كانت خيرا من التمادي وفي الحديث أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة، ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة والتمادي واجب والحنث معصية وعكسه بالعكس، وإن حلف على فعل نفل فيمينه أيضا طاعة والتمادي مستحب والحنث مكروه، وإن حلف على ترك مندوب فبعكس الذي قبله، وإن حلف على فعل مباح فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك كما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما ففيه عند الشافعية خلاف‏.‏

وقال ابن الصباغ وصوبه المتأخرون‏:‏ إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، وإن كان مستوي الطرفين فالأصح أن التمادي أولى والله أعلم‏.‏

ويستنبط من معنى الحديث أن ذكر الأهل خرج مخرج الغالب وإلا فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة والله أعلم‏.‏

وإذا تقرر هذا وعرف معنى الحديث فمطابقته بعد تمهيد تقسيم أحوال الحالف أنه إن لم يقصد به اليمين كأن لا يقصدها أو يقصدها لكن ينسى أو غير ذلك كما تقدم بيانه في لغو اليمين فلا كفارة عليه ولا إثم، وإن قصدها وانعقدت ثم رأى أن المحلوف عليه أولى من الاستمرار على اليمين فليحنث وتجب عليه الكفارة، فإن تخيل أن الكفارة لا ترفع عنه إثم الحنث فهو تخيل مردود، سلمنا لكن الحنث أكثر إثما من اللجاج في ترك فعل ذلك الخير كما تقدم، فللآية المذكورة التفات إلى التي قبلها فإنها تضمنت المراد من هذا الحديث حيث جاء فيها ‏(‏ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا‏)‏ والمراد لا تجعل اليمين الذي حلفت أن لا تفعل خيرا سواء كان ذلك من عمل أو ترك سببا يعتذر به عن الرجوع عما حلفت عليه خشية من الإثم المرتب على الحنث، لأنه لو كان إثما حقيقة لكان عمل ذلك الخير رافعا له بالكفارة المشروعة ثم يبقى ثواب البر زائدا على ذلك، وحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي قبله يؤكد ذلك لورود الأمر فيه بفعل الخير وكذا الكفارة‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَايْمُ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم وايم الله‏)‏ بكسر الهمزة وبفتحها والميم مضمومة، وحكى الأخفش كسرها مع كسر الهمزة، وهو اسم عند الجمهور وحرف عند الزجاج وهمزته همزة وصل عند الأكثر وهمزة قطع عند الكوفيين ومن وافقهم لأنه عندهم جمع يمين، وعند سيبويه ومن وافقه أنه اسم مفرد، واحتجوا بجواز كسر همزته وفتح ميمه‏.‏

قال ابن مالك‏:‏ فلو كان جمعا لم تحذف همزته، واحتج بقول عروة بن الزبير لما أصيب بولده ورجله ‏"‏ ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت ‏"‏ قال‏:‏ فلو كان جمعا لم يتصرف فيه بحذف بعضه، قال‏:‏ وفيه اثنتا عشرة لغة جمعتها في بيتين وهما‏:‏ همز ايم وايمن فافتح واكسر أو أم قل أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا وايمن اختم به والله كلا أضف إليه في قسم تستوف ما نقلا قال ابن أبي الفتح تلميذ ابن مالك‏:‏ فإنه أم بفتح الهمزة وهيم بالهاء بدل الهمزة وقد حكاها القاسم بن أحمد المعلم الأندلسي في ‏"‏ شرح المفصل ‏"‏ وقد قدمت في أوائل هذا الشرح في آخر التيمم لغات في هذا فبلغت عشرين، وإذا حصر ما ذكر هنا زادت على ذلك‏.‏

وقال غيره‏:‏ أصله يمين الله ويجمع أيمنا فيقال وأيمن الله حكاه أبو عبيدة وأنشد لزهير بن أبي سلمى‏:‏ فتجمع أيمن منا ومنكم بمقسمة تمور بها الدماء وقالوا عند القسم‏:‏ وأيمن الله، ثم كثر فحذفوا النون كما حذفوها من لم يكن فقالوا لم يك، ثم حذفوا الياء فقالوا أم الله ثم حذفوا الألف فاقتصروا على الميم مفتوحة ومضمومة ومكسورة‏.‏

وقالوا أيضا من الله بكسر الميم وضمها، وأجازوا في أيمن فتح الميم وضمها وكذا في أيم، ومنهم من وصل الألف وجعل الهمزة زائدة أو مسهلة وعلى هذا تبلغ لغاتها عشرين‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ قالوا‏:‏ أيم الله وربما حذفوا الياء فقالوا أم الله وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة فقالوا م الله وربما كسروها لأنها صارت حرفا واحدا فشبهوها بالباء قالوا وألفها ألف وصل عند أكثر النحويين ولم يجيء ألف وصل مفتوحة غيرها، وقد تدخل اللام للتأكيد فيقال ليمن الله قال الشاعر‏:‏ فقال فريق القوم لما نشدتهم نعم وفريق الله ما ندري وذهب ابن كيسان وابن درستويه إلى أن ألفها ألف قطع وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة الاستعمال، وحكى ابن التين عن الداودي قال‏:‏ ايم الله معناه اسم الله أبدل السين ياء، وهو غلط فاحش لأن السين لا تبدل ياء، وذهب المبرد إلى أنها عوض من واو القسم وأن معنى قوله وايم الله والله لأفعلن‏.‏

ونقل عن ابن عباس أن يمين الله من أسماء الله ومنه قول امرئ القيس‏:‏ فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ومن ثم قال المالكية والحنفية إنه يمين، وعند الشافعية إن نوى اليمين انعقدت وإن نوى غير اليمين لم ينعقد يمينا وإن أطلق فوجهان أصحهما لا ينعقد إلا إن نوى، وعن أحمد روايتان أصحهما الانعقاد، وحكى الغزالي في معناه وجهين أحدهما أنه كقوله تالله والثاني كقوله أحلف بالله وهو الراجح، ومنهم من سوى بينه وبين لعمر الله، وفرق الماوردي بأن لعمر الله شاع في استعمالهم عرفا بخلاف ايم الله، واحتج بعض من قال منهم بالانعقاد مطلقا بأن معناه يمين الله ويمين الله من صفاته وصفاته قديمة، وجزم النووي في التهذيب أن قول وايم الله كقوله وحق الله وقال إنه تنعقد به اليمين عند الإطلاق وقد استغربوه‏.‏

ووقع في الباب الذي بعده ما يقويه، وهو قوله في حديث أبي هريرة في قصة سليمان بن داود عليهما السلام ‏"‏ وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا ‏"‏ والله أعلم‏.‏

واستدل من قال بالانعقاد مطلقا بهذا الحديث ولا حجة فيه إلا على التقدير المتقدم وأن معناه وحق الله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في بعث أسامة وقد تقدم شرحه مستوفي في آخر المغازي وفي المناقب، وضبط قوله فيه وايم الله بالهمز وتركه، والله أعلم‏.‏

*3*باب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَقَالَ سَعْدٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاهَا اللَّهِ إِذًا يُقَالُ وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كيف كانت يمين النبي‏)‏ صلى الله عليه وسلم أي التي كان يواظب على القسم بها أو يكثر، وجملة ما ذكر في الباب أربعة ألفاظ‏:‏ أحدها والذي نفسي بيده وكذا نفس محمد بيده، فبعضها مصدر بلفظ لا وبعضها بلفظ أما وبعضها بلفظ أيم، ثانيها لا ومقلب القلوب‏.‏

ثالثها والله رابعها ورب الكعبة، وأما قوله ‏"‏ لاها الله إذا ‏"‏ فيؤخر منه مشروعيته من تقريره لا من لفظه والأول أكثرها ورودا، وفي سياق الثاني إشعار بكثرته أيضا، وقد وقع في حديث رفاعة بن عرابة عند ابن ماجه والطبراني ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال‏:‏ والذي نفسي بيده ‏"‏ ولابن أبي شيبة من طريق عاصم بن شميخ عن أبي سعيد ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال‏:‏ لا والذي نفس أبي القاسم بيده ‏"‏ ولابن ماجه من وجه آخر في هذا الحديث ‏"‏ كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها أشهد عند الله، والذي نفسي بيده ‏"‏ ودل ما سوى الثالث من الأربعة على أن النهي عن الحلف بغير الله لا يراد به اختصاص لفظ الجلالة بذلك بل يتناول كل اسم وصفة تختص به سبحانه وتعالى، وقد جزم ابن حزم وهو ظاهر كلام المالكية والحنفية بأن جميع الأسماء الواردة في القرآن والسنة الصحيحة وكذا الصفات صريح في اليمين تنعقد به وتجب لمخالفته الكفارة، وهو وجه غريب عند الشافعية، وعندهم وجه أغرب منه أنه ليس في شيء من ذلك صريح إلا لفظ الجلالة وأحاديث الباب ترده‏.‏

والمشهور عندهم وعند الحنابلة أنها ثلاثة أقسام‏.‏

أحدها ما يختص به كالرحمن ورب العالمين وخالق الخلق فهو صريح تنعقد به اليمين سواء قصد الله أو أطلق‏.‏

ثانيها ما يطلق عليه وقد يقال لغيره لكن بقيد كالرب والحق فتنعقد به اليمين إلا إن قصد به غير الله‏.‏

ثالثها ما يطلق على السواء كالحي والموجود والمؤمن فإن نوى غير الله أو أطلق فليس بيمين وإن نوى به الله انعقد على الصحيح‏.‏

وإذا تقرر هذا فمثل ‏"‏ والذي نفسي بيده ‏"‏ ينصرف عند الإطلاق لله جزما فإن نوى به غيره كملك الموت مثلا لم يخرج عن الصراحة على الصحيح، وفيه وجه عن بعض الشافعية وغيرهم، ويلتحق به ‏"‏ والذي فلق الحبة، ومقلب القلوب ‏"‏ وأما مثل ‏"‏ والذي أعبده، أو أسجد له، أو أصلي له ‏"‏ فصريح جزما، وجملة الأحاديث المذكورة في هذا الباب عشرون حديثا‏:‏ قوله ‏(‏وقال سعد‏)‏ هو ابن أبي وقاص، وقد مضى الحديث المشار إليه في مناقب عمر في حديث أوله ‏"‏ استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ أيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك ‏"‏ وقد مضى شرحه مستوفي هناك‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو قتادة قال أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاها الله إذا‏)‏ وهو طرف من حديث موصول في غزوة حنين، وقد بسطت الكلام على هذه الكلمة هناك‏.‏

قوله ‏(‏يقال والله وبالله وتالله‏)‏ يعني أن هذه الثلاثة حروف القسم، ففي القرآن القسم بالواو وبالموحدة في عدة أشياء وبالمثناة في قوله ‏(‏تالله لقد آثرك الله علينا، وتالله لأكيدن أصنامكم‏)‏ وغير ذلك وهذا قول الجمهور وهو المشهور عن الشافعي، ونقل قول عن الشافعي أن القسم بالمثناة ليس صريحا لأن أكثر الناس لا يعرفون معناها، والأيمان مختصة بالعرف، وتأول ذلك أصحابه وأجابوا عنه بأجوبة‏.‏

نعم تفترق الثلاثة بأن الأولين يدخلان على اسم الله وغيره من أسمائه ولا تدخل المثناة إلا على الله وحده، وكأن المصنف أشار بإيراد هذا الكلام هنا عقب حديث أبي قتادة إلى أن أصل ‏"‏ لاها الله لا والله ‏"‏ فالهاء عوض عن الواو، وقد صرح بذلك جمع من أهل اللغة‏.‏

وقيل الهاء نفسها أيضا حرف قسم بالأصالة‏.‏

ونقل الماوردي أن أصل أحرف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة‏.‏

ونقل ابن الصباغ عن أهل اللغة أن الموحدة هي الأصل وأن الواو بدل منها وأن المثناة بدل من الواو، وقواه ابن الرفعة واستدل بأن الباء تعمل في الضمير بخلاف الواو‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي وسفيان هو الثوري، وقد أخرج البخاري عن محمد بن يوسف وهو البيكندي عن سفيان وهو ابن عيينة وليس هو المراد هنا‏.‏

وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق محمد بن يوسف الفريابي حدثنا سفيان وهو الثوري، وأخرجه الإسماعيلي وابن ماجه من رواية وكيع والنسائي من رواية محمد بن بشر كلاهما عن سفيان الثوري أيضا‏.‏

قوله ‏(‏كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد الإسماعيلي من رواية وكيع ‏"‏ التي يحلف عليها ‏"‏ وفي أخرى له ‏"‏ يحلف بها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لا ومقلب القلوب‏)‏ تقدم في أواخر كتاب القدر من رواية ابن المبارك عن موسى بن عقبة بلفظ ‏"‏ كثيرا ما كان ‏"‏ ويأتي في التوحيد من طريقه بلفظ ‏"‏ أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف ‏"‏ فذكره‏.‏

وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر عن الزهري بلفظ كان أكثر أيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا ومصرف القلوب ‏"‏ وقوله ‏"‏ لا ‏"‏ نفي للكلام السابق ‏"‏ ومقلب القلوب ‏"‏ هو المقسم به، والمراد بتقليب القلوب تقليب أعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب‏.‏

وفي الحديث دلالة على أن أعمال القلب من الإرادات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله تعالى، وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به‏.‏

وفي هذا الحديث حجة لمن أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله فحنث، ولا نزاع في أصل ذلك وإنما الخلاف في أي صفة تنعقد بها اليمين، والتحقيق أنها مختصة بالتي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب، قال القاضي أبو بكر بن العربي‏:‏ في الحديث جواز الحلف بأفعال الله إذا وصف بها ولم يذكر اسمه، قال وفرق الحنفية بين القدرة والعلم فقالوا‏:‏ إن حلف بقدرة الله انعقدت يمينه وإن حلف بعلم الله لم تنعقد لأن العلم يعبر به عن المعلوم كقوله تعالى ‏(‏قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا‏)‏ ‏.‏

والجواب أنه هنا مجاز إن سلم أن المراد به المعلوم، والكلام إنما هو في الحقيقة‏.‏

قال الراغب‏:‏ تقليب الله القلوب والأبصار صرفها عن رأي إلى رأي، والتقلب التصرف، قال تعالى ‏(‏أو يأخذهم في تقلبهم‏)‏ قال‏:‏ وسمي قلب الإنسان لكثرة تقلبه‏.‏

ويعبر بالقلب عن المعاني التي يختص بها من الروح والعلم والشجاعة، ومن قوله ‏(‏وبلغت القلوب الحناجر‏)‏ أي الأرواح، وقوله ‏(‏لمن كان له قلب‏)‏ أي علم وفهم، وقوله ‏(‏ولتطمئن به قلوبكم‏)‏ أي نثبت به شجاعتكم‏.‏

وقال القاضي أبو بكر بن العربي‏:‏ القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للإنسان محل العلم والكلام وغير ذلك من الصفات الباطنة، وحصل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية، ووكل بها ملكا يأمر بالخير وشيطانا يأمر بالشر، فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب ينقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة واللمة من الملك تارة ومن الشيطان أخرى والمحفوظ من حفظه الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث جابر بن سمرة ‏"‏ إذا هلك كسرى ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أواخر علامات النبوة والغرض منه قوله ‏"‏ والذي نفسي بيده‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إذا هلك كسرى ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أواخر علامات النبوة والغرض منه قوله ‏"‏ والذي نفسي بيده‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا

الشرح‏:‏

حديث عائشة، وهو طرف من حديث طويل تقدم في صلاة الكسوف، واقتصر هنا على آخره لقوله ‏"‏ والله لو تعلمون ‏"‏ ومحمد في أول هذا السند هو ابن سلام، وعبدة هو ابن سليمان‏.‏

وفي قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ‏"‏ دلالة على اختصاصه بمعارف بصرية وقلبية، وقد يطلع الله عليها غيره من المخلصين من أمته لكن بطريق الإجمال، وأما تفاصيلها فاختص بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره، ويشير إلى ذلك قوله في الحديث الماضي في كتاب الأيمان من حديث عائشة ‏"‏ إن أتقاكم وأعلمكم بالله لأنا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآنَ يَا عُمَرُ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن هشام أي ابن زهرة بن عثمان التيمي من رهط الصديق‏.‏

قوله ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب‏)‏ تقدم هذا القدر من هذا الحديث بهذا السند في آخر مناقب عمر، فذكرت هناك نسب عبد الله بن هشام وبعض حاله، ويقدم له ذكر في الشركة والدعوات‏.‏

قوله ‏(‏فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي‏)‏ اللام لتأكيد القسم المقدر كأنه قال‏:‏ والله لأنت إلخ‏.‏

قوله ‏(‏لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك‏)‏ أي لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر‏.‏

وعن بعض الزهاد‏:‏ تقدير الكلام لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه الهلاك‏.‏

وقد قدمت تقرير هذا في أوائل كتاب الأيمان‏.‏

قوله ‏(‏فقال له عمر فإنه الآن يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ الآن يا عمر‏)‏ قال الداودي‏:‏ وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه إنما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف بالله كاذبا، فلما قال له ما قال تقرر في نفسه أنه أحب إليه من نفسه فحلف، كذا قال‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله ‏"‏ الآن يا عمر ‏"‏ أي الآن عرفت فنطقت بما يجب‏.‏

وأما تقرير بعض الشراح الآن صار إيمانك معتدا به، إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول‏.‏

ففيه سوء أدب في العبارة، وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي، فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالإشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأُمِرَ أُنَيْسٌ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف وسيأتي شرحه مستوفى في الحدود، والغرض منه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أما والذي نفسي بيده لأقضين ‏"‏ وسقطت ‏"‏ أما ‏"‏ وهي بتخفيف الميم للافتتاح من بعض الروايات‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ تَمِيمٍ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الله بن محمد‏)‏ هو الجعفي، وفي شيوخ البخاري عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة لكنه لم يسم أباه في شيء من الأحاديث التي أخرجها إما يكنيه ويكنى أباه أو يسميه ويكنى أباه، بخلاف الجعفي فإنه ينسبه تارة وأخرى لا ينسبه كهذا الموضع، ووهب هو ابن جرير بن حازم، ومحمد بن أبي يعقوب نسبه إلى جده وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي، وأبو بكرة هو الثقفي، والإسناد من وهب فصاعدا بصريون‏.‏

قوله ‏(‏أرأيتم إن كان أسلم‏)‏ أي أخبروني، والمراد بأسلم ومن ذكر معها قبائل مشهورة، وقد تقدم شرح الحديث المذكور في أوائل المبعث النبوي والمراد منه قوله فيه ‏"‏ فقال‏:‏ والذي نفسي بيده أنتم خير منهم ‏"‏ والمراد خيرية المجموع على المجموع وإن جاز أن يكون في المفضولين فرد أفضل من فرد من الأفضلين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ أَفَلَا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلَاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلُوهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏استعمل عاملا‏)‏ هو ابن اللتبية بضم اللام وسكون المثناة وكسر الموحدة ثم ياء النسب واسمه عبد الله كما تقدمت الإشارة إليه في كتاب الزكاة وشيء من شرحه في الهبة، ويأتي شرحه مستوفي في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله في آخره ‏(‏قال أبو حميد‏:‏ وقد سمع معي زيد بن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فسلوه‏)‏ قد فتشت مسند زيد ثابت فلم أجد لهذه القصة فيه ذكرا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ لو تعلمون ما أعلم ‏"‏ الحديث مختصرا وقد تقدمت الإشارة إليه في أحاديث الباب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ يَقُولُ هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قُلْتُ مَا شَأْنِي أَيُرَى فِيَّ شَيْءٌ مَا شَأْنِي فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ وَتَغَشَّانِي مَا شَاءَ اللَّهُ فَقُلْتُ مَنْ هُمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا

الشرح‏:‏

حديث أبي ذر أورده مختصرا‏.‏

وقد تقدم شرحه مستوفي في الرقاق، وساق بهذا السند في كتاب الزكاة المتن بتمامه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سُلَيْمَانُ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قال سليمان‏)‏ أي ابن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم منسوبا في أوائل الجهاد، وتقدم شرحه مستوفى في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء، ويأتي ما يتعلق بقوله ‏"‏ إن الله تعالى ‏"‏ في باب الاستثناء في الأيمان من كتاب كفارة الأيمان، وأورده هنا لقوله فيه ‏"‏ وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله ‏"‏ الحديث هكذا وقع في هذه الرواية وفي سائر الطرق كما تقدم في ترجمة سليمان بغير يمين، واستدل بما وقع في هذا الموضع على جواز إضافة ‏"‏ ايم ‏"‏ إلى غير لفظ الجلالة وأجيب بأنه نادر ومنه قول عروة بن الزبير في قصته المتقدمة ‏"‏ ليمنك لئن ابتليت فقد عافيت ‏"‏ فأضافها إلى الضمير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا لَمْ يَقُلْ شُعْبَةُ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ

الشرح‏:‏

حديث البراء بن عازب في ذكر مناديل سعد تقدم شرحه في المناقب وفي اللباس، قوله في آخره ‏"‏ لم يقل شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق والذي نفسي بيده ‏"‏ يعني أنهما روياه عن أبي إسحاق عن البراء كما رواه أبو الأحوص وأن أبا الأحوص انفرد عنهما بهذه الزيادة، وقد تقدم حديث شعبة في المناقب وحديث إسرائيل في اللباس موصولا، قال الإسماعيلي وكذا رواه الحسين بن واقد عن أبي إسحاق، كذا قال أبو عاصم أحمد ابن جواس - بفتح الجيم وتشديد الواو ثم المهملة - عن أبي الأحوص أخرجه الإسماعيلي من طريقه وقال‏:‏ هو من المتخصصين بأبي الأحوص‏.‏

قلت‏:‏ وشيخ البخاري الذي زادها عن أبي الأحوص هو محمد بن سلام، وقد وافقه هناد ابن السري عن أبي الأحوص أخرجه ابن ماجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ شَكَّ يَحْيَى ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَهْلُ أَخْبَاءٍ أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ قَالَ لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏

قوله ‏(‏ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أو خباء‏)‏ كذا فيه بالشك هل هو بصيغة الجمع أو الإفراد، وبين أن الشك من يحيى وهو ابن عبد الله بن بكير شيخ البخاري فيه، وقد تقدم في النفقات من رواية ابن المبارك عن يونس بن يزيد بلفظ ‏"‏ أهل خباء ‏"‏ بالإفراد ولم يشك، وكذا للإسماعيلي من طريق عنبسة عن يونس، وتقدم شرح الحديث في أواخر المناقب‏.‏

وقوله إن أبا سفيان هو ابن حرب والد معاوية، وقوله رجل مسيك بكسر الميم، وتشديد السين وبفتح الميم وتخفيف السين وتقدم ذلك واضحا في كتاب النفقات، وقوله ‏"‏لا بالمعروف ‏"‏ الباء متعلقة بالإنفاق لا بالنفي، وقد مضى في المناقب بلفظ ‏"‏ فقال لا إلا بالمعروف ‏"‏ وهي أوضح والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضِيفٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانٍ إِذْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا بَلَى قَالَ أَفَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا أحمد بن عثمان‏)‏ هو الأودي وشريح بالشين المعجمة والحاء المهملة، وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي فأبو إسحاق جد يوسف والسند كله كوفيون، ومضى شرح الحديث مستوفي في كتاب الرقاق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد في قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن تقدم مشروحا في فضائل القرآن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه وحبان بفتح أوله ثم الموحدة وتقدم شرح الحديث المذكور في صفة الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا أَوْلَادٌ لَهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه أيضا‏.‏

قوله ‏(‏أن امرأة من الأنصار‏)‏ لم أقف على اسمها ولا على أسماء أولادها‏.‏

قوله ‏(‏معها أولادها‏)‏ في رواية الكشميهني أولاد لها‏.‏

قوله ‏(‏إنكم لأحب الناس إلي‏)‏ تقدم الكلام عليه في مناقب الأنصار، وفي هذه الأحاديث جواز الحلف بالله تعالى‏.‏

وقال قوم‏:‏ يكره لقوله تعالى ‏(‏ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم‏)‏ ولأنه ربما عجز عن الوفاء بها، ويحمل ما ورد من ذلك على ما إذا كان في طاعة أو دعت إليها حاجة كتأكيد أمر أو تعظيم من يستحق التعظيم أو كان في دعوى عند الحاكم وكان صادقا‏.‏

*3*باب لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏لا تحلفوا بآبائكم‏)‏ هذه الترجمة لفظ رواية ابن دينار عن ابن عمر في الباب لكنها مختصرة على ما سأبينه، وقد أخرج النسائي وأبو داود في رواية ابن داسة عنه من حديث أبي هريرة مثله بزيادة ولفظه ‏"‏ لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير‏)‏ هذا السياق يقتضي أن الخبر من مسند ابن عمر وكذا وقع في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر، ولم أر عن نافع في ذلك اختلافا إلا ما حكى يعقوب بن شيبة أن عبد الله بن عمر العمري الضعيف المكبر رواه عن نافع فقال ‏"‏ عن ابن عمر عن عمر ‏"‏ قال ورواه عبيد الله بن عمر العمرى المصغر الثقة عن نافع فلم يقل فيه ‏"‏ عن عمر ‏"‏ وهكذا رواه الثقات عن نافع، لكن وقع في رواية أيوب عن نافع أن عمر لم يقل فيه عن ابن عمر‏.‏

قلت‏:‏ قد أخرجه مسلم من طريق أيوب فذكره، وأخرجه أيضا عن جماعة من أصحاب نافع بموافقة مالك، ووقع للمزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أنه وقع في رواية عبد الكريم ‏"‏ عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ في مسند عمر، وهو معترض فإن مسلما ساق أسانيده فيه إلى سبعة أنفس من أصحاب نافع منهم عبد الكريم ثم قال سبعتهم ‏"‏ عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ بمثل هذه القصة، وقد أورد المزي طرق الستة الآخرين في مسند ابن عمر على الصواب ووقع الاختلاف في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه كما أشار المصنف إليه كما سأذكره‏.‏

قوله ‏(‏في ركب‏)‏ في مسند يعقوب بن شيبة من طريق ابن عباس عن عمر ‏"‏ بينا أنا راكب أسير في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏يحلف بأبيه‏)‏ في رواية سفيان بن عيينة عن ابن شهاب ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه وهو يقول وأبي وأبي ‏"‏ وفي رواية إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر من الزيادة ‏"‏ وكانت قريش تحلف بآبائها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم‏)‏ في رواية الليث عن نافع ‏"‏ فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ووقع في مصنف ابن أبي شيبه من طريق عكرمة قال ‏"‏ قال عمر‏:‏ حدثت قوما حديثا فقلت‏:‏ لا وأبي، فقال رجل من خلفي‏.‏

لا تحلفوا بآبائكم، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم ‏"‏ وهذا مرسل يتقوى بشواهده‏.‏

وقد أخرج الترمذي من وجه آخر ‏"‏ عن ابن عمر أنه سمع رجلا يقول لا والكعبة، فقال‏:‏ لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك ‏"‏ قال الترمذي حسن وصححه الحاكم، والتعبير بقوله فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك‏.‏

قوله ‏(‏من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ قال العلماء‏:‏ السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة، لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية، واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات كما سبق، وكأن المراد بقوله ‏"‏ بالله ‏"‏ الذات لا خصوص لفظ الله، وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها، وهل المنع للتحريم‏؟‏ قولان عند المالكية، كذا قال ابن دقيق العيد، والمشهور عندهم الكراهة، والخلاف أيضا عند الحنابلة لكن المشهور عندهم التحريم، وبه جزم الظاهرية‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع، ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه، فإنه قال في موضع آخر‏:‏ أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها، والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي‏:‏ أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية، فأشعر بالتردد، وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه‏.‏

وقال إمام الحرمين‏:‏ المذهب القطع بالكراهة، وجزم غيره بالتفصيل، فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك الاعتقاد كافرا، وعليه يتنزل الحديث المذكور، وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه‏.‏

قال الماوردي‏:‏ لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر، وإذا حلف الحاكم أحدا بشيء من ذلك وجب عزله لجهله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا قَالَ مُجَاهِدٌ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ يَأْثُرُ عِلْمًا تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد الأيلي، في رواية مسلم عن حرملة عن ابن وهب ‏"‏ أخبرني يونس‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله ينهاكم‏)‏ في رواية معمر عن ابن شهاب بهذا السند ‏"‏ عن عمر سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحلف بأبي فقال‏:‏ إن الله ‏"‏ فذكر الحديث أخرجه أحمد عنه هكذا‏.‏

قوله ‏(‏فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ ينهى عنها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ذاكرا‏)‏ أي عامدا‏.‏

قوله ‏(‏ولا آثرا‏)‏ بالمد وكسر المثلثة أي حاكيا عن الغير، أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري، ويدل عليه ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، ولا تكلمت بها ‏"‏ وقد استشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفا، وأجيب باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفا أي ولا ذكرتها آثرا عن غيري، أو يكون ضمن حلفت معني تكلمت ويقويه رواية عقيل‏.‏

وجوز شيخنا في شرح الترمذي لقوله آثرا معنى آخر أي مختارا، يقال آثر الشيء إذا اختاره، فكأنه قال ولا حلفت بها مؤثرا لها على غيرها، قال شيخنا‏:‏ ويحتمل أن يرجع قوله آثرا إلى معنى التفاخر بالآباء في الإكرام لهم، ومنه قولهم مأثرة ومآثر وهو ما يروى من المفاخر فكأنه قال‏:‏ ما حلفت بآبائي ذاكرا لمآثرهم‏.‏

وجوز في قوله ‏"‏ ذاكرا ‏"‏ أن يكون من الذكر بضم المعجمة كأنه احترز عن أن يكون ينطق بها ناسيا، وهو يناسب تفسير آثرا بالاختيار كأنه قال لا عامدا ولا مختارا‏.‏

وجزم ابن التين في شرحه بأنه من الذكر بالكسر لا بالضم، قال‏:‏ وإنما هو لم أقله من قبل نفسي ولا حدثت به عن غيري أنه حلف به، قال وقال الداودي‏:‏ يريد ما حلفت بها ولا ذكرت حلف غيري بها كقوله إن فلانا قال وحق أبي مثلا‏.‏

واستشكل أيضا أن كلام عمر المذكور يقتضي أنه تورع عن النطق بذلك مطلقا فكيف نطق به في هذه القصة‏؟‏ وأجيب بأنه اغتفر ذلك لضرورة التبليغ‏.‏

قوله ‏(‏قال مجاهد أو أثارة من علم يأثر علما‏)‏ كذا في جميع النسخ يأثر بضم المثلثة، وهذا الأثر وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم‏)‏ قال‏:‏ أحد يأثر علما، فكأنه سقط أحد من أصل البخاري، وقد تقدم في تفسير الأحقاف النقل عن أبي عبيدة وغيره في بيان هذه اللفظة والاختلاف في قراءتها ومعناها، وذكر الصغاني وغيره أنه قرئ أيضا إثارة بكسر أوله وأثرة بفتحتين وسكون ثانيه مع فتح أوله ومع كسره، وحديث ابن عباس المذكور هناك أخرجه أحمد وشك في رفعه، وأخرجه الحاكم موقوفا وهو الراجح‏.‏

وفي رواية جودة الخط‏.‏

وقال الراغب في قوله سبحانه وتعالى ‏(‏أو أثارة من علم‏)‏ ‏:‏ وقرئ ‏"‏ أو أثرة ‏"‏ يعني بفتحتين وهو ما يروى أي يكتب فيبقى له أثر، تقول أثرت العلم رويته آثره أثرا وأثارة وأثرة، والأصل في أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده، ومحصل ما ذكروه ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها البقية وأصله أثرت الشيء أثيره إثارة كأنها بقية تستخرج فتثار، الثاني من الأثر وهو الرواية، الثالث من الأثر وهو العلامة‏.‏

قوله ‏(‏تابعه عقيل والزبيدي وإسحاق في الكلبي عن الزهري‏)‏ أما متابعة عقيل فوصلها مسلم من طريق الليث بن سعد عنه وقد بينت ما فيها، ولليث فيه سند آخر رواه عن نافع عن ابن عمر فجعله من مسنده وقد مضى في الأدب‏.‏

وأما متابعة الزبيدي فوصلها النسائي مختصرة من طريق محمد بن حرب عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه أخبره ‏"‏ عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر‏:‏ فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا‏"‏‏.‏

وأما متابعة إسحاق الكلبي وهو ابن يحيى الحمصي فوقعت لنا موصولة في نسخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان عن عبد القدوس بن موسى الحمصي عن سليم بن عبد الحميد عن يحيى بن صالح الوحاظي عن إسحاق ولفظه ‏"‏ عن الزهري أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه أخبرني أن عمر بن الخطاب قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ فذكر مثل رواية يونس عند مسلم، لكن قال بعد قوله ‏"‏ ينهى عنها ‏"‏‏:‏ ولا تكلمت بها ذاكرا ولا آثرا، فجمع بين لفظ يونس ولفظ عقيل‏.‏

وقد صرح مسلم بأن عقيلا لم يقل في روايته ذاكرا ولا آثرا‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر‏:‏ سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر‏)‏ أما رواية ابن عيينة فوصلها الحميدي في مسنده عنه بهذا السياق، وكذا قال أبو بكر بن أبي شيبة وجمهور أصحاب ابن عيينة عنه منهم الإمام أحمد‏.‏

وقال محمد بن يحيي بن أبي عمر العدني ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وسعيد من عبد الرحمن المخزومي بهذا السند عن ابن عمر عن عمر ‏"‏ سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد بين ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ اختلف فيه على سفيان بن عيينة وعلى معمر، ثم ساقه من طريق ابن أبي عمر عن سفيان فقال في روايته ‏"‏ عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يحلف بأبيه ‏"‏ قال وقال عمرو الناقد وغير واحد عن سفيان بسنده إلى ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر‏"‏‏.‏

وأما رواية معمر فوصلها الإمام أحمد عن عبد الرزاق عنه‏.‏

وأخرجها أبو داود عن أحمد‏.‏

قلت‏:‏ وصنيع مسلم يقتضي أن رواية معمر كذلك، فإنه صدر برواية يونس ثم ساقه إلى عقيل ثم قال بعدها ‏"‏ وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر ‏"‏ ثم قال كلاهما‏:‏ عن الزهري بهذا الإسناد أي الإسناد الذي ساقه ليونس مثله، أي مثل المتن الذي ساقه له‏.‏

قال‏:‏ غير أن في حديث عقيل ‏"‏ ولا تكلمت بها ‏"‏ لكن حكى الإسماعيلي أن إسحاق ابن إبراهيم رواه عن عبد الرزاق كرواية أحمد عنه، وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن عبد الرزاق فقال في روايته عن عمر ‏"‏ سمعني النبي صلى الله عليه وسلم أحلف ‏"‏ وهكذا قال محمد بن أبي السري عن عبد الرزاق، وذكر الإسماعيلي أن عبد الأعلى رواه عن معمر فلم يقل في السند ‏"‏ عن عمر ‏"‏ كرواية أحمد‏.‏

قلت‏:‏ وكذا أخرجه أحمد في مسنده من رواية عبد الأعلى قال يعقوب بن شيبة رواه إسحاق بن يحيى عن سالم عن أبيه ولم يقل عن عمر، قلت‏:‏ فكان الاختلاف فيه على الزهري رواه إسحاق بن يحيى، وهو متقن صاحب حديث، ويشبه أن يكون ابن عمر سمع المتن من النبي صلى الله عليه وسلم والقصة التي وقعت لعمر منه فحدث به على الوجهين‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في حديث عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور، أو خص لكونه كان غالبا عليه لقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ وكانت قريش تحلف بآبائها ‏"‏ ويدل على التعميم قوله ‏"‏ من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله ‏"‏ وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان‏:‏ أحدهما أن فيه حذفا والتقدير ورب الشمس ونحوه، والثاني أن ذلك يختص بالله فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به وليس لغيره ذلك‏.‏

وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي ‏"‏ أفلح وأبيه إن صدق ‏"‏ فقد تقدم في أوائل هذا الشرح في ‏"‏ باب الزكاة من الإسلام ‏"‏ في كتاب الأيمان الجواب عن ذلك وأن فيهم من طعن في صحة هذه اللفظة، قال ابن عبد البر‏:‏ هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها وهو إسماعيل بن جعفر بلفظ ‏"‏ أفلح والله إن صدق ‏"‏ قال‏:‏ وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ أفلح وأبيه لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح‏.‏

ولم تقع في رواية مالك أصلا‏.‏

وزعم بعضهم أن بعض الرواة عنه صحف قوله ‏"‏ وأبيه ‏"‏ من قوله ‏"‏ والله ‏"‏ وهو محتمل ولكن مثل ذلك لا يثبت بالاحتمال، وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه ‏"‏ وأبيك ما ليلك بليل سارق ‏"‏ أخرجه في الموطأ وغيره قال السهيلي‏:‏ وقد ورد نحو في حديث آخر مرفوع قال للذي سأل أي الصدقة أفضل فقال ‏"‏ وأبيك لتنبأن ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

فإذا ثبت ذلك فيجاب بأجوبة‏:‏ الأول أن هذا اللفظ كان يجرى على ألسنتهم من غير أن يقصدوا به القسم، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، وإلى هذا جنح البيهقي‏.‏

وقال النووي‏:‏ إنه الجواب المرضي‏.‏

الثاني أنه كان يقع في كلامهم على وجهين‏:‏ أحدهما للتعظيم والآخر للتأكيد، والنهي إنما وقع عن الأول فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر ‏"‏ لعمر أبي الواشين إني أحبها ‏"‏ وقول الآخر‏.‏

فإن تك ليلى استودعتني أمانة فلا وأبي أعدائها لا أذيعها فلا يظن أن قائل ذلك قصد تعظيم والد أعدائها كما لم يقصد الآخر تعظيم والد من وشى به، فدل على أن القصد بذلك تأكيد الكلام لا التعظيم‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ هذا اللفظ من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد ولا يراد به القسم، كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص دون القصد إلى النداء، وقد تعقب الجواب بأن ظاهر سياق حديث عمر يدل على أنه كان يحلفه لأن في بعض طرقه أنه كان يقول لا وأبي لا وأبي فقيل له لا تحلفوا، فلولا أنه أتى بصيغة الحلف ما صادف النهي محلا، ومن ثم قال بعضهم وهو الجواب الثالث‏:‏ إن هذا كان جائزا ثم نسخ قاله الماوردي وحكاه البيهقي‏.‏

وقال السبكي‏:‏ أكثر الشراح عليه، حتى قال ابن العربي‏:‏ وروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يحلف بأبيه حتى نهى عن ذلك‏.‏

قال‏:‏ وترجمة أبي داود تدل على ذلك، يعني قوله ‏"‏ باب الحلف بالآباء ‏"‏ ثم أورد الحديث المرفوع الذي فيه ‏"‏ أفلح وأبيه إن صدق ‏"‏ قال السهيلي ولا يصح لأنه لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلف بغير الله ولا يقسم بكافر، تالله إن ذلك لبعيد من شيمته‏.‏

وقال المنذري‏:‏ دعوى النسخ ضعيفة لإمكان الجمع ولعدم تحقق التاريخ‏.‏

والجواب الرابع أن في الجواب حذفا تقديره أفلح ورب أبيه قاله البيهقي، وقد تقدم‏.‏

الخامس أنه للتعجب قاله السهيلي، قال‏:‏ ويدل عليه أنه لم يرد بلفظ ‏"‏ أبي ‏"‏ وإنما ورد بلفظ ‏"‏ وأبيه ‏"‏ أو ‏"‏ وأبيك ‏"‏ بالإضافة إلى ضمير المخاطب حاضرا أو غائبا‏.‏

السادس أن ذلك خاص بالشارع دون غيره من أمته، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال‏.‏

وفيه أن من حلف بغير الله مطلقا لم تنعقد يمينه سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والآباء والكعبة، أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد، أو يستحق التحقير والإذلال كالشياطين والأصنام وسائر من عبد من دون الله، واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ تنعقد به اليمين وتجب الكفارة بالحنث، فاعتل بكونه أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به‏.‏

وأطلق ابن العربي نسبته لمذهب أحمد وتعقبه بأن الأيمان عند أحمد لا تتم إلا بفعل الصلاة فيلزمه أن من حلف بالصلاة أن تنعقد يمينه ويلزمه الكفارة إذا حنث‏.‏

ويمكن الجواب عن إيراده والانفصال عما ألزمهم به، وفيه الرد على من قال إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر أنه ينعقد يمينا ومتى فعل تجب عليه الكفارة، وقد نقل ذلك عن الحنفية والحنابلة، ووجه الدلالة من الخبر أنه لم يحلف بالله ولا بما يقوم مقام ذلك، وسيأتي مزيد لذلك بعد، وفيه أن من قال أقسمت لأفعلن كذا لا يكون يمينا؛ وعند الحنفية يكون يمينا، وكذا قال مالك وأحمد لكن بشرط أن ينوي بذلك الحلف بالله وهو متجه، وقد قال بعض الشافعية‏:‏ إن قال على أمانة الله لأفعلن كذا وأراد اليمين أنه يمين وإلا فلا‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ اختلف أهل العلم في معنى النهي عن الحلف بغير الله، فقالت طائفة هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون به تعظيما لغير الله تعالى كاللات والعزى والآباء فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها، وأما ما كان يؤول إلى تعظيم الله كقوله وحق النبي والإسلام والحج والعمرة والهدى والصدقة والعتق ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه فليس داخلا في النهي، وممن قال بذلك أبو عبيد وطائفة ممن لقيناه، واحتجوا بما جاء عن الصحابة من إيجابهم على الحالف بالعتق والهدى والصدقة ما أوجبوه مع كونهم رأوا النهي المذكور، فدل على أن ذلك عندهم ليس على عمومه، إذ لو كان عاما لنهوا عن ذلك ولم يوجبوا فيه شيئا انتهى‏.‏

وتعقبه ابن عبد البر بأن ذكر هذه الأشياء وإن كانت بصورة الحلف فليست يمينا في الحقيقة وإنما خرج عن الاتساع، ولا يمين في الحقيقة إلا بالله‏.‏

وقال المهلب‏:‏ كانت العرب تحلف بآبائها وآلهتها فأراد الله نسخ ذلك من قلوبهم لينسيهم ذكر كل شيء سواه ويبقى ذكره، لأنه الحق المعبود فلا يكون اليمين إلا به، والحلف بالمخلوقات في حكم الحلف بالآباء‏.‏

وقال الطبري‏:‏ في حديث عمر - يعني حديث الباب - أن اليمين لا تنعقد إلا بالله وأن من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه الاستغفار لإقدامه على ما نهى عنه ولا كفارة في ذلك، وأما ما وقع في القرآن من القسم بشيء من المخلوقات فقال الشعبي‏:‏ فالخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا يقسم إلا بالخالق، قال‏:‏ ولأن أقسم بالله فأحنث أحب إلي من أن أقسم بغيره فأبر‏.‏

وجاء مثله عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر‏.‏

ثم أسند عن مطرف عن عبد الله أنه قال‏:‏ إنما أقسم الله بهذه الأشياء ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها، وقد أجمع العلماء على من وجبت له يمين على آخر في حق عليه أنه لا يحلف له إلا بالله، فلو حلف له بغيره وقال نويت رب المحلوف به لم يكن ذلك يمينا‏.‏

وقال ابن هبيرة في كتاب الإجماع‏:‏ أجمعوا على أن اليمين منعقدة بالله وبجميع أسمائه الحسنى وبجميع صفات ذاته كعزته وجلاله وعلمه وقوته وقدرته، واستثنى أبو حنيفة علم الله فلم يره يمينا وكذا حق الله، واتفقوا على أنه لا يحلف بمعظم غير الله كالنبي، وانفرد أحمد في رواية فقال تنعقد‏.‏

وقال عياض‏:‏ لا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الحلف بأسماء الله وصفاته لازم إلا ما جاء عن الشافعي من اشترط نية اليمين في الحلف بالصفات وإلا فلا كفارة، وتعقب إطلاقه ذلك عن الشافعي، وإنما يحتاج إلى النية عنده ما يصح إطلاقه عليه سبحانه وتعالى وعلى غيره‏.‏

وأما ما لا يطلق في معرض التعظيم شرعا إلا عليه تنعقد اليمين به وتجب الكفارة إذا حنث كمقلب القلوب وخالق الخلق ورازق كل حي ورب العالمين وفالق الحب وبارئ النسمة، وهذا في حكم الصريح كقوله والله، وفي وجه لبعض الشافعية أن الصريح الله فقط، ويظهر أثر الخلاف فيما لو قال قصدت غير الله هل ينفعه في عدم الحنث، وسيأتي زيادة تفصيل فيما يتعلق بالصفات في باب الحلف بعزة الله وصفاته، والمشهور عن المالكية التعميم، وعن أشهب التفصيل في مثل وعزة الله إن أراد التي جعلها بين عبادة فليست بيمين، وقياسه أن يطرد في كل ما يصح إطلاقه عليه وعلى غيره‏.‏

وقال به ابن سحنون منهم في عزة الله‏.‏

وفي العتبية أن من حلف بالمصحف لا تنعقد، واستنكره بعضهم ثم أولها على أن المراد إذا أراد جسم المصحف، والتعميم عند الحنابلة حتى لو أراد بالعلم والقدرة المعلوم والمقدور انعقدت والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر في آخر هذا الحديث زيادة أخرجها ابن ماجه من طريقه بلفظ ‏"‏ سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه فقال‏:‏ لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله ‏"‏ وسنده حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ الْأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لَا آكُلَهُ فَقَالَ قُمْ فَلَأُحَدِّثَنَّكَ عَنْ ذَاكَ إِنِّي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ أَيْنَ النَّفَرُ الْأَشْعَرِيُّونَ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا ثُمَّ حَمَلَنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ وَاللَّهِ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا أَتَيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنَا فَقَالَ إِنِّي لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في قصة الذي حلف أن لا يأكل الدجاج وفيه قصة أبي موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم لما استحمل النبي صلى الله عليه وسلم للأشعريين وفيه ‏"‏ لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرح ما يتعلق بالدجاج، وبما وقع في صدر الحديث من قصة الرجل الجرمي وتسميته في كتاب الذبائح، ويأتي شرح قصته في كفارات الأيمان؛ وقوله في السند ‏"‏ عبد الوهاب ‏"‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي، وأيوب هو السختياني والقاسم التيمي هو ابن عاصم بصرى تابعي وهو من صغار شيوخ أيوب، قال ابن المنير‏:‏ أحاديث الباب مطابقة للترجمة إلا حديث أبي موسى، لكن يمكن أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أيمانه أنها تقتضي الكفارة، والذي يشرح تكفيره ما كان الحلف فيه بالله تعالى فدل على أنه لم يكن يحلف إلا بالله تعالى‏.‏