فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها‏)‏ أي بغير سبب لم يجز لها ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن بشار‏)‏ هو بندار، وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في بعض النسخ عن أبي زيد المروزي ‏"‏ ابن سنان ‏"‏ بمهملة ثم نونين وهو غلط‏.‏

قوله ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وأبو حازم هو سلمان الأشجعي‏.‏

وقوله في الرواية الثانية ‏"‏ عن زرارة ‏"‏ هو ابن أبي أوفى قاضي البصرة يكنى أبا حاجب، له عن أبي هريرة في الصحيحين حديثان فقط هذا وآخر مضى في العتق، وله في البخاري عن عمران بن حصين حديث آخر يأتي في الديات، وتقدم له في تفسير عبس حديث من روايته عن سعد بن هشام عن عائشة، وهذا جميع ما له في الصحيح، وكلها من رواية قتادة عنه‏.‏

قوله ‏(‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله ‏"‏ الولد للفراش ‏"‏ أي لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحي منها كثيرة في القرآن والسنة، قال‏:‏ وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله ‏"‏ حتى تصبح ‏"‏ وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك ا هـ‏.‏

وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ ‏"‏ والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ‏"‏ ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه ‏"‏ ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة‏:‏ العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى ‏"‏ فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار‏.‏

قوله ‏(‏فأبت أن تجيء‏)‏ زاد أبو عوانة عن الأعمش كما تقدم في بدء الخلق ‏"‏ فبات غضبان عليها ‏"‏ وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن، لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك‏.‏

وأما قوله في رواية زرارة ‏"‏ إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ‏"‏ فليس هو على ظاهره في لفظ المفاعلة، بل المراد أنها هي التي هجرت، وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه عليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تستنصل من ذنبها وهجرته، أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا، ووقع في رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة ‏"‏ إذا باتت المرأة هاجرة ‏"‏ بلفظ اسم الفاعل‏.‏

قوله ‏(‏لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏ في رواية زرارة ‏"‏ حتى ترجع ‏"‏ وهي أكثر فائدة، والأولى محمولة على الغالب كما تقدم‏.‏

وللطبراني من حديث ابن عمر رفعه ‏"‏ اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما‏:‏ عبد آبق، وامرأة غضب زوجها حتى ترجع ‏"‏ وصححه الحاكم‏.‏

قال المهلب‏:‏ هذا الحديث يوجب أن منع الحقوق - في الأبدان كانت أو في الأموال - مما يوجب سخط الله، إلا أن يتغمدها بعفوه، وفيه جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل، فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية‏.‏

قلت‏:‏ ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى، وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر، والحق أن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة، وهذا لا يليق أن يدعى به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية، والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب، ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر، وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الإطلاق‏.‏

وفيه أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها وذلك يدل على أنهم يدعون لأهل الطاعة ما داموا فيها كذا قال المهلب وفيه نظر أيضا، قال ابن أبي جمرة‏:‏ وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم‏؟‏ يحتمل الأمرين‏.‏

قلت‏:‏ يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك، ويرشد إلى التعميم قوله في رواية مسلم ‏"‏ الذي في السماء ‏"‏ إن كان المراد به سكانها قال‏:‏ وفيه دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر لكونه صلى الله عليه وسلم خوف بذلك‏.‏

وفيه الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته‏.‏

وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة‏.‏

قال‏:‏ وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك ا هـ‏.‏

أو السبب فيه الحض على التناسل‏.‏

ويرشد إليه الأحاديث الواردة في الترغيب في ذلك كما تقدم في أوائل النكاح، قال‏:‏ وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عيادته جزاء على مراعاته لعبده حيث لم يترك شيئا من حقوقه إلا جعل له من يقوم به حتى جعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته، فعلى العبد أن يوفي حقوق ربه التي طلبها منه؛ وإلا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان‏.‏

ا هـ ملخصا من كلام ابن أبي جمرة رحمه الله‏.‏

*3*باب لَا تَأْذَنِ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا لِأَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه‏)‏ المراد ببيت زوجها سكنه سواء كان ملكه أو لا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا عَنْ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن الأعرج‏)‏ كذا يقول شعيب عن أبي الزناد‏.‏

وقال ابن عيينة عن أبي الزناد ‏"‏ عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ وقد بينه المصنف بعد‏.‏

قوله ‏(‏لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها‏)‏ يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطؤها، ووقع في رواية همام ‏"‏ وبعلها ‏"‏ وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد، فإن ثبت وإلا ألحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى‏.‏

قوله ‏(‏شاهد‏)‏ أي حاضر‏.‏

قوله ‏(‏إلا بإذنه‏)‏ يعني في غير صيام أيام رمضان، وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت، وقد خصه المصنف في الترجمة الماضية قبل باب بالتطوع، وكأنه تلقاه من رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق فإن فيها ‏"‏ لا تصوم المرأة غير رمضان ‏"‏ وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في أثناء حديث ‏"‏ ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه، فإن فعلت لم يقبل منها ‏"‏ وقد قدمت اختلاف الروايات في لفظ ‏"‏ ولا تصوم‏"‏، ودلت رواية الباب على تحريم الصوم المذكور عليها وهو قول الجمهور، قال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ وقال بعض أصحابنا يكره، والصحيح الأول، قال‏:‏ فلو صامت بغير إذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر قبوله إلى الله، قاله العمراني‏.‏

قال النووي‏:‏ ومقتضى المذهب عدم الثواب، ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي، ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك، بل هو أبلغ، لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم‏.‏

قال النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏‏:‏ وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور فلا يفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي، وإنما لم يجز لها الصوم بغير إذنه وإذا أراد الاستمتاع بها جاز ويفسد صومها لأن العادة أن المسلم يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهته، نعم لو كان مسافرا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع، وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال‏:‏ هو من حسن المعاشرة، ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير إذنه ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته، وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه ا هـ، وهو خلاف الظاهر‏.‏

وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع‏.‏

قوله ‏(‏ولا تأذن في بيته‏)‏ زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ وهو شاهد إلا بإذنه ‏"‏ وهذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته، بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات أي من غاب عنها زوجها، ويحتمل أن يكون له مفهوم، وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره‏.‏

ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها، أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن سكنها فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول‏.‏

وقال النووي‏:‏ في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أم غائبا فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك، وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلا أو إجمالا‏.‏

قوله ‏(‏إلا بإذنه‏)‏ أي الصريح، وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا‏؟‏ فيه نظر‏.‏

قوله ‏(‏وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره‏)‏ أي نصفه، والمراد نصف الأجر كما جاء واضحا في رواية همام عن أبي هريرة في البيوع، ويأتي في النفقات بلفظ ‏"‏ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره ‏"‏ في رواية أبي داود ‏"‏ فلها نصف أجره ‏"‏ وأغرب الخطابي فحمل قوله ‏"‏ يؤدي إليه شطره ‏"‏ على المال المنفق، وأنه يلزم المرأة إذا أنفقت بغير أمر زوجها زيادة على الواجب لها أن تغرم القدر الزائد، وأن هذا هو المراد بالشطر في الخبر لأن الشطر يطلق على النصف وعلى الجزء، قال‏:‏ ونفقتها معاوضة فتقدر بما يوازيها من الفرض وترد الفضل عن مقدار الواجب، وإنما جاز لها في قدر الواجب لقصة هند ‏"‏ خذي من ماله بالمعروف ‏"‏ ا هـ‏.‏

وما ذكرناه من الرواية الأخرى يرد عليه‏.‏

وقد استشعر الإيراد فحمل الحديث الآخر على معنى آخر وجعلهما حديثين مختلفي الدلالة، والحق أنهما حديث واحد رويا بألفاظ مختلفة‏.‏

وأما تقييده بقوله ‏"‏ عن غير أمره ‏"‏ فقال النووي‏:‏ عن غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ولا ينفي ذلك وجود إذا سابق عام يتناول هذا القدر وغيره إما بالصريح وإما بالعرف‏.‏

قال‏:‏ ويتعين هذا التأويل لجعل الأجر بينهما نصفين، ومعلوم أنها إذا أنفقت من ماله بغير إذنه لا الصريح ولا المأخوذ من العرف لا يكون لها أجر بل عليها وزر، فيتعين تأويله‏.‏

قال‏:‏ وأعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به عرفا، فإن زاد على ذلك لم يجز‏.‏

ويؤيده قوله - يعني كما مر في حديث عائشة في كتاب الزكاة والبيوع - ‏"‏ إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ‏"‏ فأشار إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة، قال‏:‏ ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه مما يسمح به عادة، بخلاف النقدين في حق كثير من الناس وكثير من الأحوال‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدمت في شرح حديث عائشة في الزكاة مباحث لطيفة وأجوبة في هذا، ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف في حديث الباب الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة، فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما‏:‏ للرجل لكونه الأصل في اكتسابه ولكونه يؤجر على ما ينفقه على أهله كما ثبت من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره، وللمرأة لكونه من النفقة التي تختص بها‏.‏

ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال في المرأة تصدق من بيت زوجها‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا من قوتها والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه‏.‏

قال أبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد عقبه‏:‏ هذا يضعف حديث همام ا هـ، ومراده أنه يضعف حمله على التعميم، أما الجمع بينهما بما دل عليه هدا الثاني فلا، وأما ما أخرجه أبو داود وابن خزيمة من حديث سعد قال ‏"‏ قالت امرأة يا نبي الله إنا كل على آبائنا وأزواجنا وأبنائنا، فما يحل لنا من أموالهم‏؟‏ قال‏:‏ الرطب تأكلنه وتهدينه‏"‏‏.‏

وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة رفعه ‏"‏ لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه، قيل‏:‏ ولا الطعام‏؟‏ قال‏:‏ ذاك أفضل أموالنا ‏"‏ وظاهرهما التعارض، ويمكن الجمع بأن المراد بالرطب ما يتسارع إليه الفساد فأذن فيه، بخلاف غيره ولو كان طعاما والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏ورواه أبو الزناد أيضا عن موسى عن أبيه عن أبي هريرة في الصوم‏)‏ يشير إلى أن رواية شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج اشتملت على ثلاثة أحكام، وأن لأبي الزناد في أحد الثلاثة وهو صيام المرأة إسنادا آخر، وموسى المذكور هو ابن أبي عثمان، وأبوه أبو عثمان يقال له التبان بمثناة ثم موحدة ثقيلة واسمه سعد ويقال عمران، وهو مولى المغيرة بن شعبة، ليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وقد وصل حديثه المذكور أحمد والنسائي والدارمي والحاكم من طريق الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان بقصة الصوم فقط، والدارمي أيضا وابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج به، قال أبو عوانة في رواية على ابن المديني‏:‏ حدثنا به سفيان بعد ذلك عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان، فراجعته فيه فثبت على موسى ورجع عن الأعرج‏.‏

ورويناه عاليا في ‏"‏ جزء إسماعيل بن نجيد ‏"‏ من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد‏.‏

وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه بيت المرأة بغير إذن زوجها، وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم، وإن بين الحديثين عموما وخصوصا وجهيا فيحتاج إلى مرجح، ويمكن أن يقال‏:‏ صلة الرحم إنما تندب بما بملكه الواصل، والتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة إلا بإذن الزوج، فكما لأهلها أن لا تصلهم بماله إلا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب‏)‏ كذا لهم بغير ترجمة، وأورد فيه حديث أسامة لقوله فيه ‏"‏ وقفت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ‏"‏ وسقط للنسفي لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ فصار الحديث الذي فيه من جملة الباب الذي قبله، ومناسبته له من جهة الإشارة إلى أن النساء غالبا يرتكبن النهي المذكور، ومن ثم كن أكثر من دخل النار، والله أعلم‏.‏

*3*باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ الْخَلِيطُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ

فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كفران العشير وهو الزوج والعشير هو الخليط من المعاشرة‏)‏ أي أن لفظ العشير يطلق بإزاء شيئين، فالمراد به هنا الزوج، والمراد به في الآية وهي قوله تعالى ‏(‏ولبئس العشير‏)‏ المخالط، وهذا تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى ‏(‏لبئس المولى ولبئس العشير‏)‏ ‏:‏ المولى هنا ابن العم والعشير المخالط المعاشر، وقد تقدم شيء من هذا في كتاب الإيمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ

الشرح‏:‏

ذكر حديث ابن عباس في خسوف الشمس بطوله وقد تقدم شرحه مستوفى في آخر أبواب الكسوف، وقوله فيه ‏"‏ لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ‏"‏ فيه إشارة إلى وجود سبب التعذيب لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة، والإصرار على المعصية من أسباب العذاب، أشار إلى ذلك المهلب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ

الشرح‏:‏

حديث عمران بن حصين بمعنى حديث أسامة الماضي في الباب قبله‏.‏

وقوله ‏"‏تابعه أيوب وسلم بن زرير ‏"‏ يعني أنهما تابعا عوفا عن أبي رجاء وهو العطاردي في رواية هذا الحديث عن عمران بن حصين، وسيأتي في ‏"‏ باب فضل الفقر ‏"‏ من الرقاق أن حماد بن نجيح وصخر بن جويرية خالفا في ذلك عن أبي رجاء فقالا ‏"‏ عنه عن ابن عباس‏"‏‏.‏

ومتابعة أيوب وصلها النسائي واختلف فيه على أيوب فقال عبد الوارث عنه هكذا‏.‏

وقال الثقفي وابن علية وغيرهما ‏"‏ عن أيوب عن أبي رجاء عن ابن عباس‏"‏‏.‏

وأما متابعة سلم بن زرير فوصلها المصنف في صفة الجنة من بدء الخلق وفي ‏"‏ باب فضل الفقر ‏"‏ من الرقاق، ويأتي شرح الحديث مع حديث أسامة في ‏"‏ باب صفة الجنة والنار ‏"‏ من كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ

قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لزوجك عليك حق، قاله أبو جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وهو طرف من حديثه في قصة سلمان وأبي الدرداء، وقد مضى موصولا مشروحا في كتاب الصيام، ثم ذكر بعده حديث عبد الله بن عمرو في ذلك وقد تقدم شرحه أيضا قال ابن بطال‏:‏ لما ذكر في الباب قبله حق الزوج على الزوجة ذكر في هذا عكسه وأنه لا ينبغي له أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب‏.‏

واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك‏:‏ إن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما، ونحوه عن أحمد، والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه، وقيل يجب مرة، وعن بعض السلف في كل أربع ليلة، وعن بعضهم في كل طهر مرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا

الشرح‏:‏

هو طرف من حديثه في قصة سلمان وأبي الدرداء، وقد مضى موصولا مشروحا في كتاب الصيام، ثم ذكر بعده حديث عبد الله بن عمرو في ذلك وقد تقدم شرحه أيضا قال ابن بطال‏:‏ لما ذكر في الباب قبله حق الزوج على الزوجة ذكر في هذا عكسه وأنه لا ينبغي له أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب‏.‏

واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك‏:‏ إن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما، ونحوه عن أحمد، والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه، وقيل يجب مرة، وعن بعض السلف في كل أربع ليلة، وعن بعضهم في كل طهر مرة‏.‏

*3*باب الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المرأة راعية في بيت زوجها‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْأَمِيرُ رَاعٍ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر، سيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ الرجال قوامون على النساء‏)‏ إلى هنا عند أبي ذر، زاد غيره ‏(‏بما فضل الله بعضهم على بعض - إلى قوله - عليا كبيرا‏)‏ وبسياق الآية تظهر مطابقة الترجمة، لأن المراد منها قوله تعالى ‏(‏فعظوهن واهجروهن في المضاجع‏)‏ فهو الذي يطابق قوله ‏"‏ آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا ‏"‏ لأن مقتضاه أنه هجرهن‏.‏

وخفي ذلك على الإسماعيلي فقال‏:‏ لم يتضح لي دخول هذا الحديث في هذا الباب ولا تفسير الآية التي ذكرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ عَلَى شَهْرٍ قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ

الشرح‏:‏

قد تقدم شرح حديث أنس المذكور قريبا في آخر حديث عمر الطويل وقوله فيه ‏"‏ إنك آليت شهرا ‏"‏ في رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ آليت على شهر ‏"‏ وقوله ‏"‏ فقيل يا رسول الله ‏"‏ قائل ذلك عائشة كما تقدم واضحا في آخر حديث عمر المذكور، وتقدم فيه أن عمر وغيره أيضا سألوه عن ذلك‏.‏

*3*باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ

وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ غَيْرَ أَنْ لَا تُهْجَرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن‏)‏ كأنه يشير إلى أن قوله ‏(‏واهجروهن في المضاجع‏)‏ لا مفهوم له، وأنه تجوز الهجرة فيما زاد على ذلك كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هجره لأزواجه في المشربة‏.‏

وللعلماء في ذلك اختلاف أذكره بعد‏.‏

قوله ‏(‏ويذكر عن معاوية بن حيدة‏)‏ بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية صحابي مشهور، وهو جد بهز ابن حكيم بن معاوية‏.‏

قوله ‏(‏رفعه، ولا تهجر إلا في البيت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ غير أن لا تهجر إلا في البيت ‏"‏ وهذا طرف من حديث طويل أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي في ‏"‏ مكارم الأخلاق ‏"‏ و ‏"‏ ابن منده في غرائب شعبة ‏"‏ كلهم من رواية أبي قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه وفيه ‏"‏ ما حق المرأة على الزوج‏؟‏ قال‏:‏ يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏والأول أصح‏)‏ يعني حديث أنس أصح من حديث معاوية بن حيدة، وهو كذلك ولكن يمكن الجمع بينهما كما سأذكره، واقتضى صنيعه أن هذه الطريق تصلح للاحتجاج بها وإن كانت دون غيرها في الصحة، وإنما صدرها بصيغة التمريض إشارة إلى انحطاط رتبتها‏.‏

ووقع في شرح الكرماني قوله ‏"‏ ويذكر عن معاوية ابن حيدة رفعه ولا تهجر إلا في البيت ‏"‏ أي ويذكر عن معاوية ولا تهجر إلا في البيت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أي الهجرة في غير البيوت أصح إسنادا، وفي بعضها أي بعض النسخ من البخاري ‏"‏ غير أن لا تهجر إلا في البيت ‏"‏ قال‏:‏ فحينئذ ففاعل يذكر هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن، أي ويذكر عن معاوية رفعه غير أن لا تهجر، أي رويت قصة الهجرة عنه مرفوعة إلا أنه قال لا تهجر إلا في البيت، وهذا الذي تلمحه غلط محض، فإن معاوية بن حيدة ما روى قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، ولا يوجد هذا في شيء من المسانيد ولا الأجزاء، وليس مراد البخاري ما ذكره وإنما مراده حكاية ما ورد في سياق حديث معاوية بن حيدة، فإن في بعض طرقه ‏"‏ ولا يقبح ولا يضرب الوجه، غير أن لا يهجر إلا في البيت ‏"‏ فظن الكرماني أن الاستثناء من تصرف البخاري، وليس كذلك بل هو حكاية منه عما ورد من لفظ الحديث، والله أعلم‏.‏

قال المهلب‏:‏ هذا الذي أشار إليه البخاري كأنه أراد أن يستن الناس بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الهجر في غير البيوت رفقا بالنساء، لأن هجرانهن مع الإقامة معهن في البيوت آلم لأنفسهن وأوجع لقلوبهن بما يقع من الإعراض في تلك الحال، ولما في الغيبة عن الأعين من التسلية عن الرجال، قال‏:‏ وليس ذلك بواجب لأن الله قد أمر بهجرانهن في المضاجع فضلا عن البيوت‏.‏

وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يرد ما فهمه، وإنما أراد أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وفي غير البيوت، وأن الحصر المذكور في حديث معاوية بن حيدة غير معمول به بل يجوز الهجر في غير البيوت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ‏.‏

والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها، وبالعكس بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم للنفوس وخصوصا النساء لضعف نفوسهن، واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران، فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن على ظاهر الآية، وهو من الهجران وهو البعد، وظاهره أنه لا يضاجعها‏.‏

وقيل المعنى يضاجعها ويوليها ظهره، وقيل يمتنع من جماعها، وقيل يجامعها ولا يكلمها، وقيل ‏"‏ اهجروهن ‏"‏ مشتق من الهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح أي أغلظوا لهن في القول، وقيل مشتق من الهجار وهو الحبل الذي يشد به البعير يقال هجر البعير أي ربطه، فالمعنى أوثقوهن في البيوت واضربوهن قاله الطبري وقواه، واستدل له ووهاه ابن العربي فأجاد‏.‏

ثم ذكر في الباب حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِنَّ أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث‏)‏ أي ابن هشام بن المغيرة، وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه في الصيام عن أبي عاصم وحده به، وقوله في هذه الطريق ‏"‏ لا يدخل على بعض نسائه ‏"‏ كذا في هذه الرواية‏.‏

وهو يشعر بأن اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة، لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث أنس المتقدم في أوائل الصيام، فاستمر مقيما في المشربة ذلك الشهر كله، وهو يؤيد أن سبب القسم ما تقدم في مارية فإنها تقتضي اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل فإنهن اشتركن فيها إلا صاحبة العسل وإن كانت إحداهن بدأت بذلك، وكذلك قصة طلب النفقة والغيرة فإنهن اجتمعن فيها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ قَالَ تَذَاكَرْنَا عِنْدَ أَبِي الضُّحَى فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِينَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أَهْلُهَا فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ مَلْآنُ مِنْ النَّاسِ فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَنَادَاهُ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أبو يعفور‏)‏ بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء وسكون الواو وآخره راء هو الأصغر‏.‏

واسمه عبد الرحمن بن عبيد، كوفي ثقة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر تقدم في آخر ليلة القدر حدث به أيضا عن أبي الضحى‏.‏

قوله ‏(‏تذاكرنا عند أبي الضحى فقال‏:‏ حدثنا ابن عباس‏)‏ لم يذكر ما تذاكروا به، وقد أخرجه النسائي عن أحمد بن عبد الحكم عن مروان بن معاوية بالإسناد الذي أخرجه البخاري فأوضحه، ولفظه ‏"‏ تذاكرنا الشهر، فقال بعضنا ثلاثين‏.‏

وقال بعضنا تسعا وعشرين، فقال أبو الضحى‏:‏ ابن عباس ‏"‏ وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن مروان بن معاوية وقال فيه ‏"‏ تذاكرنا الشهر عند أبي الضحى‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فدخلت المسجد، فإذا هو ملآن من الناس‏)‏ هذا ظاهر في حضور ابن عباس هذه القصة، وحديثه الطويل، بل الذي مضى قريبا يشعر بأنه ما عرف القصة إلا من عمر، لكن يحتمل أن يكون عرفها مجملة ففصلها عمر له لما سأله عن المتظاهرتين‏.‏

قوله ‏(‏في غرفة‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ في علية ‏"‏ بمهملة مضمومة وقد تكسر، وبلام ثم تحتانية ثقيلتين، هي المكان العالي وهي الغرفة، وتقدم أنها كانت مشربة وفسرت فيما مضى، وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن أبي يعفور ‏"‏ في غرفة ليس عنده فيها إلا بلال‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فناداه فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا في جميع الأصول التي وقفت عليها من البخاري بحذف فاعل ‏"‏ فناداه ‏"‏ فإن الضمير لعمر وهو الذي دخل، وقد وقع ذلك مبينا في رواية أبي نعيم ولفظه بعد قوله فسلم ‏"‏ فلم يجبه أحد، فانصرف، فناداه بلال فدخل ‏"‏ ومثله للنسائي لكن قال ‏"‏ فنادى بلال ‏"‏ بحذف المفعول وهو الضمير في رواية غيره، وعند الإسماعيلي ‏"‏ فسلم فلم يجبه أحد، فانحط، فدعاه بلال فسلم ثم دخل ‏"‏ وقد تقدم في الحديث الطويل أن في رواية سماك بن الوليد عن ابن عباس عن عمر عند مسلم أن اسم الغلام الذي أذن له رباح، فلولا قوله في هذه الرواية ‏"‏ ليس عنده فيها إلا بلال ‏"‏ لجوزت أن يكونا جميعا كانا عنده، لكن يجوز أن يكون الحصر للعندية الداخلة ويكون رباح كان على أسكفة الباب كما تقدم، وعند الإذن ناداه بلال فأسمعه رباح فيجتمع الخبران‏.‏

قوله ‏(‏فقال لا، ولكن آليت منهن شهرا‏)‏ أي حلفت أن لا أدخل عليهن شهرا كما تقدم بيانه واضحا في شرح حديث عمر المطول‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ

وَقَوْلِ اللَّهِ وَاضْرِبُوهُنَّ أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من ضرب النساء‏)‏ فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقا، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم على ما سنفصله‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى ‏(‏واضربوهن‏)‏ أي ضربا غير مبرح‏)‏ هذا التفسير منتزع من المفهوم من حديث الباب من قوله ‏"‏ ضرب العبد ‏"‏ كما سأوضحه، وقد جاء ذلك صريحا في حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه ‏"‏ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح ‏"‏ الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي واللفظ له، وفي حديث جابر الطويل عند مسلم ‏"‏ فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وسبق التنصيص في حديث معاوية بن حيدة على النهي عن ضرب الوجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري، وهشام هو ابن عروة، وعبد الله بن زمعة تقدم بيان نسبه في تفسير سورة والشمس‏.‏

قوله ‏(‏لا يجلد أحدكم‏)‏ كذا في نسخ البخاري بصيغة النهي، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية أحمد بن سفيان النسائي عن الفريابي - وهو محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه - بصيغة الخبر وليس في أوله صيغة النهي، وكذا أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن الفريابي، وكذا توارد عليه أصحاب هشام بن عروة، وتقدم في التفسير من رواية وهيب، ويأتي في الأدب من رواية ابن عيينة، وكذا أخرجه أحمد عن ابن عيينة وعن وكيع وعن أبي معاوية وعن ابن نمير، وأخرجه مسلم وابن ماجه من رواية ابن نمير، والترمذي والنسائي من رواية عبدة بن سليمان، ففي رواية أبي معاوية وعبدة ‏"‏ إلام يجلد ‏"‏ وفي رواية وكيع وابن نمير ‏"‏ علام يجلد ‏"‏ وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ وعظهم في النساء فقال‏:‏ يضرب أحدكم امرأته ‏"‏ وهو موافق لرواية أحمد بن سفيان، وليس عند واحد منهم صيغة النهي‏.‏

قوله ‏(‏جلد العبد‏)‏ أي مثل جلد العبد، وفي إحدى روايتي ابن نمير عند مسلم ‏"‏ ضرب الأمة ‏"‏ وللنسائي من طريق ابن عيينة ‏"‏ كما يضرب العبد والأمة ‏"‏ وفي رواية أحمد بن سفيان ‏"‏ جلد البعير أو العبد ‏"‏ وسيأتي في الأدب من رواية ابن عيينة ‏"‏ ضرب الفحل أو العبد ‏"‏ والمراد بالفحل البعير، وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود ‏"‏ ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ثم يجامعها‏)‏ في رواية أبي معاوية ‏"‏ ولعله أن يضاجعها ‏"‏ وهي رواية الأكثر‏.‏

وفي رواية لابن عيينة في الأدب ‏"‏ ثم لعله يعانقها‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏في آخر اليوم ‏"‏ في رواية ابن عيينة عند أحمد ‏"‏ من آخر الليل ‏"‏ وله عند النسائي ‏"‏ آخر النهار ‏"‏ وفي رواية ابن نمير والأكثر ‏"‏ في آخر يومه ‏"‏ وفي رواية وكيع ‏"‏ آخر الليل أو من آخر الليل ‏"‏ وكلها متقاربة‏.‏

وفي الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد، والإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك وإليه أشار المصنف بقوله ‏"‏ غير مبرح‏"‏، وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل‏:‏ أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب، قال المهلب‏:‏ بين صلى الله عليه وسلم بقوله ‏"‏ جلد العبد ‏"‏ أن ضرب الرقيق فوق ضرب الحر لتباين حالتيهما، ولأن ضرب المرأة إنما أبيح من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها ا هـ‏.‏

وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقا، فعند أحمد وأبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة ‏"‏ لا تضربوا إماء الله ‏"‏ فجاء عمر فقال‏:‏ قد ذئر النساء على أزواجهن، فأذن لهم فضربوهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير فقال‏:‏ لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم ‏"‏ وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان، وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي، وقوله ‏"‏ذئر ‏"‏ بفتح المعجمة وكسر الهمزة بعدها راء أي نشز بنون ومعجمة وزاي، وقيل معناه غضب واستب، قال الشافعي‏:‏ يحتمل أن يكون النهي على الاختيار والإذن فيه على الإباحة، ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن بعد نزولها فيه‏.‏

وفي قوله ‏"‏ لن يضرب خياركم ‏"‏ دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله‏.‏

وقد أخرج النسائي في الباب حديث عائشة ‏"‏ ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له ولا خادما قط، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله ‏"‏ وسيأتي مزيد في ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب لَا تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية الله‏)‏ لما كان الذي قبله يشعر بندب المرأة إلى طاعة زوجها في كل ما يرومه خصص ذلك بما لا يكون فيه معصية الله، فلو دعاها الزوج إلى معصية فعليها أن تمتنع، فإن أدبها على ذلك كان الإثم عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَتْ إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا فَقَالَ لَا إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلَاتُ

الشرح‏:‏

ذكر طرفا من حديث التي طلبت أن تصل شعر ابنتها، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏إنه قد لعن الموصلات‏)‏ كذا بالبناء للمجهول، والموصلات بتشديد الصاد المكسورة ويجوز فتحها‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ الموصلات ‏"‏ وهو يؤيد رواية الفتح

*3*باب وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا‏)‏ ليس في رواية أبي ذر ‏"‏ أو إعراضا ‏"‏ وقد تقدم الباب وحديثه في تفسير سورة النساء، وسياقه هنا أتم، وذكرت هناك سبب نزولها وفيمن نزلت‏.‏

واختلف السلف فيما إذا تراضيا على أن لا قسمة لها هل لها أن ترجع في ذلك‏؟‏ فقال الثوري والشافعي وأحمد وأخرجه البيهقي عن علي وحكاه ابن المنذر عن عبيدة بن عمرو وإبراهيم ومجاهد وغيرهم‏:‏ إن رجعت فعليه أن يقسم لها وإن شاء فارقها، وعن الحسن‏:‏ ليس لها أن تنقض، وهو قياس قول مالك في الأنظار والعارية، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا قَالَتْ هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا تَقُولُ لَهُ أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقِسْمَةِ لِي فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا‏)‏ ليس في رواية أبي ذر ‏"‏ أو إعراضا ‏"‏ وقد تقدم الباب وحديثه في تفسير سورة النساء، وسياقه هنا أتم، وذكرت هناك سبب نزولها وفيمن نزلت‏.‏

واختلف السلف فيما إذا تراضيا على أن لا قسمة لها هل لها أن ترجع في ذلك‏؟‏ فقال الثوري والشافعي وأحمد وأخرجه البيهقي عن علي وحكاه ابن المنذر عن عبيدة بن عمرو وإبراهيم ومجاهد وغيرهم‏:‏ إن رجعت فعليه أن يقسم لها وإن شاء فارقها، وعن الحسن‏:‏ ليس لها أن تنقض، وهو قياس قول مالك في الأنظار والعارية، والله أعلم‏.‏