فصل: باب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنْ الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حك البزاق باليد من المسجد‏)‏ أي سواء كان بآلة أم لا‏.‏

ونازع الإسماعيلي في ذلك فقال‏:‏ قوله ‏"‏ فحكه بيده ‏"‏ أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة، ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه ‏"‏ حكها بعرجون ‏"‏ ا هـ‏.‏

والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ، مع أنه لا مانع في القصة من التعدد، وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد عن أنس‏)‏ كذا في جميع ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة، ولكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فأمن تدليسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نخامة‏)‏ قيل هي ما يخرج من الصدر، وقيل النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في القبلة‏)‏ أي الحائط الذي من جهة القبلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى رؤي‏)‏ أي شوهد في وجهه أثر المشقة، وللنسائي ‏"‏ فغضب حتى أحمر وجهه ‏"‏ وللمصنف في الأدب من حديث ابن عمر ‏"‏ فتغيظ على أهل المسجد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قام في صلاته‏)‏ أي بعد شروعه فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو أن ربه‏)‏ كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب‏.‏

وللمستملي والحموي ‏"‏ وأن ربه ‏"‏ بواو العطف، والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازا، والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان، وأما قوله‏:‏ ‏(‏أو إن ربه بينه وبين القبلة‏)‏ وكذا في الحديث الذي بعده ‏"‏ فإن الله قبل وجهه ‏"‏ فقال الخطابي‏:‏ معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير‏:‏ فإن مقصوده بينه وبين قبلته‏.‏

وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة‏.‏

وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان، وهو جهل واضح، لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه، وفيه نقض ما أصلوه، وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته ومهما تؤول به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله أعلم‏.‏

وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلى فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم‏.‏

وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا ‏"‏ من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ‏"‏ وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ‏"‏ ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد ‏"‏ أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يصلي لكم ‏"‏ الحديث، وفيه أنه قال له ‏"‏ إنك آذيت الله ورسوله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبل قبلته‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة قبلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو تحت قدمه‏)‏ أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده، وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ فيدفنها ‏"‏ كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخذ طرف ردائه الخ‏)‏ فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع، وظاهر قوله‏:‏ ‏(‏أو يفعل هكذا‏)‏ نه مخير بين ما ذكر، لكن سيأتي بعد أربعة أبواب أن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البزاق، فأو - على هذا - في الحديث للتنويع‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى

الشرح‏:‏

قوله في حديث ابن عمر ‏(‏رأى بصاقا في جدار القبلة‏)‏ وفي رواية المستملي ‏"‏ في جدار المسجد ‏"‏ وللمصنف في أواخر الصلاة من طريق أيوب عن نافع ‏"‏ في قبلة المسجد ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ ثم نزل فحكها بيده ‏"‏ وهو مطابق للترجمة وفيه إشعار بأنه كان في حال الخطبة‏.‏

وصرح الإسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ البخاري فيه وزاد فيه أيضا ‏"‏ قال وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به ‏"‏ زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب ‏"‏ فلذلك صنع الزعفران في المساجد‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ

الشرح‏:‏

قوله في حديث عائشة ‏(‏رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه‏)‏ كذا هو في الموطأ بالشك، وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك ‏"‏ أو نخاعا ‏"‏ بدل مخاطا وهو أشبه، وقد تقدم الفرق بين النخاعة والنخامة‏.‏

*3*باب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فَاغْسِلْهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حك المخاط بالحصى من المسجد‏)‏ وجه المغايرة بين هذه الترجمة والتي قبلها من طريق الغالب، وذلك أن المخاط غالبا يكون له جرم لزج فيحتاج في نزعه إلى معالجة، والبصاق لا يكون له ذلك فيمكن نزعه بغير آلة إلا إن خالطه بلغم فيلتحق بالمخاط، هذا الذي يظهر من مراده‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح وقال في آخره ‏"‏ وإن كان ناسيا لم يضره ‏"‏ ومطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة العظمى في النهي احترام القبلة، لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه، فإنه وإن كان علة فيه أيضا لكن احترام القبلة فيه آكد، فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس، بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار فلا يضر وطئ اليابس منه‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتناول حصاة‏)‏ هذا موضع الترجمة، ولا فرق في المعنى بين النخامة والمخاط، فلذلك استدل بأحدهما على الآخر‏.‏

قول ‏(‏فحكها‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ فحتها ‏"‏ بمثناة من فوق، وهما بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا عن يمينه‏)‏ يأتي الكلام عليه قريبا‏.‏

*3*باب لَا يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة‏)‏ أورد فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى عن ابن شهاب، ثم حديث أنس من طريق قتادة عنه مختصرا من روايته عن حفص بن عمر، وليس فيهما تقييد ذلك بحالة الصلاة‏.‏

نعم هو مقيد بذلك في رواية آدم الآتية في الباب الذي يليه، وكذا في حديث أبي هريرة التقييد بذلك في رواية همام الآتية بعد، فجرى المصنف في ذلك على عادته في التمسك بما ورد في بعض طرق الحديث الذي يستدل به وإن لم يكن ذلك في سياق حديث الباب، وكأنه جنح إلى أن المطلق في الروايتين محمول على المقيد فيهما، وهو ساكت عن حكم ذلك خارج الصلاة‏.‏

وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره، وقد نقل عن مالك أنه قال‏:‏ لا بأس به، يعني خارج الصلاة‏.‏

ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة‏.‏

وعن معاذ بن جبل قال‏:‏ ما بصقت عن يميني منذ أسلمت‏.‏

وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا‏.‏

وكأن الذي خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهي المذكورة في رواية همام عن أبي هريرة حيث قال ‏"‏ فإن عن يمينه ملكا ‏"‏ هذا إذا قلنا إن المراد بالملك غير الكاتب والحافظ، فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة‏.‏

وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال القاضي عياض‏:‏ النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره، فإن تعذر فله ذلك، قلت‏:‏ لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه، وقد أرشده الشارع إلى التفل فيه كما تقدم‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين، لكن تحت قدمة أو ثوبه‏.‏

قلت‏:‏ وفي حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك، فإنه قال فيه‏:‏ أو تلقاء شمالك إن كان فارغا‏.‏

وإلا فهكذا، وبزق تحت رجله ودلك‏.‏

ولعبد الرزاق من طريق عطاء عن أبي هريرة نحوه، ولو كان تحت رجله مثلا شيء مبسوط أو نحوه تعين الثوب، ولو فقد الثوب مثلا فلعل بلعه أولى من ارتكاب المنهى عنه‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخذ المصنف كون حكم النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال ‏"‏ لا يبزقن ‏"‏ فدل على تساويهما‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*بَاب لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى

الحديث

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ

الشرح‏:‏

غير موجود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ زاد الأصيلي ‏"‏ ابن عبد الله ‏"‏ وهو ابن المديني، والمتن هو الذي مضى من وجهين آخرين عن ابن شهاب وهو الزهري، ولم يذكر سفيان - وهو ابن عيينة - فيه أبا هريرة، كذا في الروايات كلها، لكن وقع في رواية ابن عساكر ‏"‏ عن أبي هريرة ‏"‏ بدل أبي سعيد، وهو وهم، وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في آخره ‏"‏ وعن الزهري سمع حميدا عن أبي سعيد ‏"‏ فظن أنه عنده عن أبي هريرة وأبي سعيد معا، لكنه فرقهما‏.‏

وليس كذلك، وإنما أراد المصنف أن يبين أن سفيان رواه مرة بالعنعنة ومرة صرح بسماع الزهري من حميد، ووهم بعض الشراح في زعمه أن قوله ‏"‏ وعن الزهري ‏"‏ معلق بل هو موصول وقد تقدمت له نظائر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن عن يساره أو تحت قدمه‏)‏ كذا للأكثر، وهو المطابق للترجمة‏.‏

وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ وتحت قدمه ‏"‏ بالواو‏.‏

ووقع عند مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ‏"‏ ولكن عن يساره تحت قدمه ‏"‏ بحذف ‏"‏ أو‏"‏، وكذا للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة، والرواية التي فيها ‏"‏ أو ‏"‏ أعم لكونها تشمل ما تحت القدم وغير ذلك‏.‏

*3*باب كَفَّارَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كفارة البزاق في المسجد‏)‏ أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء، ولمسلم ‏"‏ التفل ‏"‏ بدل البزاق، والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق، والنفث بمثلثة آخره أخف منه، قال القاضي عياض‏:‏ إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فلا‏.‏

ورده النووي فقال‏:‏ هو خلاف صريح الحديث‏.‏

قلت‏:‏ وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا، وهما قوله ‏"‏ البزاق في المسجد خطيئة ‏"‏ وقوله ‏"‏ وليبصق عن يساره أو تحت قدمه ‏"‏ فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في ‏"‏ التنقيب ‏"‏ والقرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ وغيرهما‏.‏

ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال ‏"‏ من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه‏"‏‏.‏

وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال ‏"‏ من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة ‏"‏ فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن‏.‏

ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال ‏"‏ ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة‏.‏

انتهى‏.‏

وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح ‏"‏ أنه تنخم في المسجد ليلة فنسى أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال‏:‏ الحمد لله الذي لم يكتب على خطيئة الليلة ‏"‏ فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها‏.‏

وعلة النهي ترشد إليه، وهي تأذي المؤمن بها‏.‏

ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير ‏"‏ أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله ‏"‏ إسناده صحيح، وأصله في مسلم‏.‏

والظاهر أن ذلك كان في المسجد، فيؤيد ما تقدم‏.‏

وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كان لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر، وهو تفصيل حسن‏.‏

والله أعلم‏.‏

وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى، وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا، فيجرى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله، لأنه إذا كان المكفر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء‏؟‏ وقال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ كفارتها دفنها ‏"‏ قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه‏.‏

وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا‏.‏

قلت‏:‏ الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا، وقد عرف ما فيه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ في المسجد ‏"‏ ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه، حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دفن النخامة في المسجد‏)‏ أي جواز ذلك، وأورد فيه حديث أبي هريرة من طريق همام عنه بلفظ ‏"‏ إذا قام أحدكم إلى الصلاة ‏"‏ ثم قال في آخره ‏"‏ فيدفنها ‏"‏ فأشعر قوله في الترجمة في المسجد بأنه فهم من قوله ‏"‏ إلى الصلاة ‏"‏ أن ذلك يختص بالمسجد، لكن اللفظ أعم من ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ إنما ترجم الذي قبله بالكفارة وهذا بالدفن إشعارا بالتفرقة بين المتعمد بلا حاجة - وهو الذي أثبت عليه الخطيئة - وبين من غلبته النخامة وهو الذي أذن له في الدفن أو ما يقوم مقامه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما يناجي‏)‏ للكشميهني ‏"‏ فإنه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما دام في مصلاه‏)‏ يقتضى تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة، لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة، فيجمع بأن يقال‏:‏ كونه في الصلاة أشد إثما مطلقا، وكونه في جدار القبلة أشد إثما من كونه في غيرها من جدر المسجد، فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن عن يمينه ملكا‏)‏ تقدم أن ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة، فإن قلنا‏:‏ المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع أن عن يساره ملكا آخر، وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفا له وتكريما، هكذا قاله جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه‏.‏

وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا في هذا الحديث قال ‏"‏ ولا عن يمينه، فإن عن يمينه كاتب الحسنات‏"‏‏.‏

وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث ‏"‏ فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره ‏"‏ ا هـ‏.‏

فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيدفنها‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ لم يقل يغطيها لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه، بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض‏.‏

وقال النووي في الرياض‏:‏ المراد بدفنها ما إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا، فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشيء مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير‏.‏

قلت‏:‏ لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع، وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله ابن الشخير المتقدم ‏"‏ ثم دلكه بنعله ‏"‏ وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود ‏"‏ وبزق تحت رجله ودلك‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال القفال في فتاويه‏:‏ هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس، أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد ا هـ‏.‏

وهذا على اختياره، لكن يظهر التفصيل فيما إذا كان طرفا من قيء، وكذا إذا خالط البزاق دم‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا بدره البزاق‏)‏ أنكر السروجي قوله ‏"‏ بدره ‏"‏ وقال‏:‏ المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته، وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال‏:‏ بادرت كذا فبدرني أي سبقني، واستشكل آخرون التقييد في الترجمة بالمبادرة، مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه، وكأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ ‏"‏ وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض ‏"‏ ولابن أبي شيبة وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبي داود ‏"‏ بأن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض ‏"‏ والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري، فأشار إليهما بأن حمل الأحاديث التي لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما‏.‏

والله أعلم‏.‏

وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب، وقوله هنا ‏"‏ ورؤي منه ‏"‏ بضم الراء بعدها واو مهموزة، أي من النبي صلى الله عليه وسلم و ‏"‏ كراهيته ‏"‏ بالرفع أي ذلك الفعل، وقوله ‏"‏أو رؤي ‏"‏ شك من الراوي وقوله ‏"‏ وشدته ‏"‏ بالرفع عطفا على كراهيته ويجوز الجر عطفا على قوله ‏"‏ لذلك‏"‏‏.‏

وفي الأحاديث المذكورة من الفوائد - غير ما تقدم - الندب إلى إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد، وتفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها، وأن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته، وأن النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح، ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم يبن منه مسمى كلام وأقله حرفان أو حرف ممدود، واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة، والجمهور على ذلك، لكن بالشرط المذكور قبل‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة، واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند النسائي وبأثر عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة‏.‏

وفيها أن البصاق طاهر، وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول‏:‏ كل ما تستقذره النفس حرام، ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع، فإن جهة اليمين مفضلة على اليسار، وأن اليد مفضلة على القدم‏.‏

وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه، وهو دال على عظم تواضعه، زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم‏.‏

*3*باب عِظَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عظة الإمام الناس‏)‏ بالنصب على المفعولية، وقوله ‏"‏في إتمام الصلاة ‏"‏ أي بسبب ترك إتمام الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذكر القبلة‏)‏ بالجر عطفا على عظة، وأورده للإشعار بمناسبة هذا الباب لما قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل ترون قبلتي‏)‏ هو استفهام إنكار لما يلزم منه، أي أنتم تظنون أني لا أرى فعلكم لكون قبلتي في هذه الجهة لأن من استقبل شيئا استدبر ما وراءه، لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة‏.‏

وقد اختلف في معنى ذلك فقيل‏:‏ المراد بها العلم إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم وإما أن يلهم، وفيه نظر، لأن العلم لو كان مرادا لم يقيده بقوله من وراء ظهري‏.‏

وقيل المراد أنه يرى من عن يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر، ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره، وهذا ظاهر التكلف، وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب‏.‏

والصواب المختار أنه محمول على ظاهره، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، وعلى هذا عمل المصنف فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره‏.‏

ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضا فكان يرى بها من غير مقابلة، لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا، ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة‏.‏

وقيل كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه دائما، وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره، وقيل‏:‏ بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة فيرى أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا خشوعكم‏)‏ أي في جميع الأركان، ويحتمل أن يريد به السجود لأن فيه غاية الخشوع، وقد صرح بالسجود في رواية لمسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأراكم‏)‏ بفتح الهمزة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أنس ‏(‏صلى لنا‏)‏ أي لأجلنا‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏ بالتنكير للإبهام‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏ثم رقي‏)‏ بكسر القاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال في الصلاة‏)‏ أي في شأن الصلاة، أو هو متعلق بقوله بعد ‏(‏إني لأراكم‏)‏ عند من يجيز تقدم الظرف‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏وفي الركوع‏)‏ فرده بالذكر وإن كان داخلا في الصلاة اهتماما به إما لكون التقصير فيه كان أكثر، أو لأنه أعظم الأركان بدليل أن المسبوق يدرك الركعة بتمامها بإدراك الركوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما أراكم‏)‏ يعني من أمامي‏.‏

وصرح به في رواية أخرى كما سيأتي‏.‏

ولمسلم ‏"‏ إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي ‏"‏ وفيه دليل على المختار أن المراد بالرؤية الإبصار، وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله، وقد نقل ذلك عن مجاهد‏.‏

وحكى بقي بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء‏.‏

وفي الحديث الحث على الخشوع في الصلاة والمحافظة على إتمام أركانها وأبعاضها، وأنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة، ولا سيما إن رأى منهم ما يخالف الأولى‏.‏

وسأذكر حكم الخشوع في أبواب صفة الصلاة حيث ترجم به المصنف مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏