فصل: باب الْعَزْلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْعَزْلِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العزل‏)‏ أي النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج، والمراد هنا بيان حكمه وذكر فيه حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن جريج عن عطاء عن جابر‏:‏ كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية أحمد عن بن يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن عطاء أنه ‏"‏ سمع جابرا سئل عن العزل فقال‏:‏ كنا نصنعه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏قال قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار ‏(‏أخبرني عطاء أنه سمع جابرا يقول‏)‏ هذا مما نزل فيه عمرو بن دينار، فإنه سمع الكثير من جابر نفسه؛ ثم أدخل في هذا بينهما واسطة، وقد تواردت الروايات من أصحاب سفيان على ذلك إلا ما وقع في ‏"‏ مسند أحمد ‏"‏ في النسخ المتأخرة فإنه ليس في الإسناد عطاء، لكنه أخرجه أبو نعيم من طريق المسند بإثباته وهو المعتمد‏.‏

قوله ‏(‏كنا نعزل والقرآن ينزل، وعن عمرو عن عطاء عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل‏)‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ كان يعزل ‏"‏ بضم أوله وفتح الزاي على البناء للمجهول، وكأن ابن عيينة حدث به مرتين‏:‏ فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة ذكره بالعنعنة فذكرها، وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن سفيان صرح فيها بالتحديث قال ‏"‏ حدثنا عمرو بن دينار ‏"‏ وزاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان ‏"‏ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وزاد إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث ‏"‏ أي لو كان حراما لنزل فيه ‏"‏ وقد أخرج مسلم هذه الزيادة عن إسحاق بن راهويه عن سفيان فساقه بلفظ ‏"‏ كنا نعزل والقرآن ينزل ‏"‏ قال سفيان‏:‏ لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن، فهذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطا، وأوهم كلام صاحب ‏"‏ العمدة ‏"‏ ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فأدرجها، وليس الأمر كذلك فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة، وشرحه ابن دقيق العيد على ما وقع في ‏"‏ العمدة ‏"‏ فقال‏:‏ استدلال جابر بالتقرير من الله غريب، ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول لكنه مشروط بعلمه بذلك انتهى‏.‏

ويكفي في علمه به قول الصحابي إنه فعله في عهده، والمسألة مشهورة في الأصول وفي علم الحديث وهي أن الصحابي إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند الأكثر، لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام، وإذا لم يضفه فله حكم الرفع عند قوم، وهذا من الأول فإن جابرا صرح بوقوعه في عهده صلى الله عليه وسلم وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك، والذي يظهر لي أن الذي استنبط ذلك سواء كان هو جابرا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما يقرأ، أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول‏:‏ فعلناه في زمن التشريع ولو كان حراما لم نقر عليه، وإلى ذلك يشير قول ابن عمر ‏"‏ كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شيء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا ‏"‏ أخرجه البخاري‏.‏

وقد أخرجه مسلم أيضا من طريق أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا ‏"‏ ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال‏:‏ اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها‏.‏

فلبث الرجل ثم أتاه فقال‏:‏ إن الجارية قد حبلت، قال‏:‏ قد أخبرتك ‏"‏ ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد له آخر إلى جابر وفي آخره ‏"‏ فقال أنا عبد الله ورسوله ‏"‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه، ففي هذه الطرق ما أغنى عن الاستنباط، فإن في إحداها التصريح باطلاعه صلى الله عليه وسلم وفي الأخرى إذنه في ذلك وإن كان السياق يشعر بأنه خلاف الأولى كما سأذكر البحث فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَصَبْنَا سَبْيًا فَكُنَّا نَعْزِلُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏جويرية‏)‏ هو ابن أسماء الضبعي يشارك مالكا في الرواية عن نافع وتفرد عنه بهذا الحديث وبغيره، وهو من الثقات الأثبات، قال الدار قطني بعد أن أخرجه من طريقه‏:‏ صحيح غريب تفرد به جويرية عن مالك‏.‏

قلت‏:‏ ولم أره إلا من رواية ابن أخيه عبد الله بن محمد بن أسماء عنه‏.‏

قوله ‏(‏عن الزهري‏)‏ لمالك فيه إسناد آخر أخرجه المصنف في العتق، وأبو داود وابن حبان من طريق عنه عن ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز، وكذا هو في ‏"‏ الموطأ‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن محيريز‏)‏ بحاء مهملة ثم راء ثم زاي مصغرا، اسمه عبد الله، ووقع كذلك في رواية يونس كما سيأتي في القدر عن الزهري ‏"‏ أخبرني عبد الله بن محيريز الجمحي ‏"‏ وهو مدني سكن الشام، ومحيريز أبوه هو ابن جنادة بن وهب وهو من رهط أبي محذورة المؤذن وكان يتيما في حجره، ووافق مالكا على هذا السند شعيب كما مضى في البيوع، ويونس كما سيأتي في القدر، وعقيل والزبيدي كلاهما عند النسائي، وخالفهم معمر فقال ‏"‏ عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد ‏"‏ أخرجه النسائي، وخالف الجميع إبراهيم بن سعد فقال ‏"‏ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد ‏"‏ أخرجه النسائي أيضا، قال النسائي‏:‏ رواية مالك ومن وافقه أولى بالصواب‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ في رواية يونس ‏"‏ أن أبا سعيد الخدري أخبره ‏"‏ وفي رواية ربيعة في المغازي ‏"‏ عن محمد ابن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال‏:‏ دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل ‏"‏ كذا عند البخاري، ووقع عند مسلم من هذا الوجه ‏"‏ دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد فسأله أبو صرمة فقال‏:‏ يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل ‏"‏‏؟‏ وأبو صرمة بكسر المهملة وسكون الراء اسمه مالك وقيل قيس صحابي مشهور من الأنصار، وقد وقع في رواية للنسائي من طريق الضحاك ابن عثمان ‏"‏ عن محمد بن يحيى عن ابن محيريز عن أبي سعيد وأبي صرمة قالا‏:‏ أصبنا سبايا ‏"‏ والمحفوظ الأول‏.‏

قوله ‏(‏أصبنا سبيا‏)‏ في رواية شعيب في البيوع ويونس المذكورة أنه ‏"‏ بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زاد يونس ‏"‏ جاء رجل من الأنصار ‏"‏ وفي رواية ربيعة المذكورة ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب، وطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله، فسألناه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فكنا نعزل‏)‏ في رواية يونس وشعيب فقال ‏"‏ إنا نصيب سبيا ونحب المال فكيف ترى في العزل ‏"‏ ووقع عند مسلم من طريق عبد الرحمن بن بشر ‏"‏ عن أبي سعيد قال‏:‏ ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وما ذلكم‏؟‏ قالوا‏:‏ الرجل تكون له المرأة ترضع له فيصيب منها ويكره أن تحمل منه، والرجل تكون له الأمة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه، ففي هذه الرواية إشارة إلى أن سبب العزل شيئان أحدهما كراهة مجيء الولد من الأمة وهو إما أنفة من ذلك وإما لئلا يتعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد وإما لغير ذلك كما سأذكره بعده، والثاني كراهة أن تحمل الموطوءة وهي ترضع فيضر ذلك بالولد المرضع‏.‏

قوله ‏(‏أوإنكم لتفعلون‏)‏ ‏؟‏ هذا الاستفهام يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان اطلع على فعلهم ذلك، ففيه تعقب على من قال إن قول الصحابي كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوع معتلا بأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، ففي هذا الخبر أنهم فعلوا العزل ولم يعلم به حتى سألوه عنه، نعم للقائل أن يقول كانت دواعيهم متوفرة على سؤاله عن أمور الدين، فإذا فعلوا الشيء وعلموا أنه لم يطلع عليه بادرا إلى سؤاله عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية‏.‏

ووقع في رواية ربيعة ‏"‏ لا عليكم أن لا تفعلوا‏"‏، ووقع في رواية مسلم من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد ‏"‏ لا عليكم أن لا تفعلوا ذلك ‏"‏ قال ابن سيرين‏:‏ قوله ‏"‏ لا عليكم ‏"‏ أقرب إلى النهي، وله من طريق ابن عون عن محمد بن سيرين نحوه دون قول محمد، قال ابن عون فحدثت به الحسن فقال‏:‏ والله لكأن هذا زجر، قال القرطبي‏:‏ كأن هؤلاء فهموا من ‏"‏ لا ‏"‏ النهي عما سألوه عنه فكأن عندهم بعد ‏"‏ لا ‏"‏ حذفا تقديره لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا، ويكون قوله ‏"‏ وعليكم إلخ ‏"‏ تأكيدا للنهي‏.‏

وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير، وإنما معناه‏:‏ ليس عليكم أن تتركوا، وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا‏.‏

وقال غيره‏:‏ قوله ‏"‏ لا عليكم أن لا تفعلوا ‏"‏ أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا، ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل، ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال‏:‏ لا عليكم أن تفعلوا إلا إن ادعى أن ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة فيقال الأصل عدم ذلك؛ ووقع في رواية مجاهد الآتية في التوحيد تعليقا ووصلها مسلم وغيره ‏"‏ ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ولم يفعل ذلك أحدكم ‏"‏‏؟‏ ولم يقل لا يفعل ذلك، فأشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهي، وإنما أشار أن الأولى ترك ذلك، لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك، لأن الله إن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يعشر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله، والفرار من حصول الولد يكون لأسباب‏:‏ منها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا، أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه، أو فرارا من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب عن قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب، وكل ذلك لا يغني شيئا‏.‏

وقد أخرج أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس ‏"‏ أن رجلا سأل عن العزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا ‏"‏ وبه شاهدان في ‏"‏ الكبير للطبراني ‏"‏ عن ابن عباس وفي ‏"‏ الأوسط ‏"‏ له عن ابن مسعود، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى، وليس في جميع الصور التي يقع العزل بسببها ما يكون العزل فيه راجحا سوى الصورة المتقدمة من عند مسلم في طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد وهي خشية أن يضر الحمل بالولد المرضع لأنه مما جرب فضر غالبا، لكن وقع في بقية الحديث عند مسلم أن العزل بسبب ذلك لا يفيد لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار، ووقع عند مسلم في حديث أسامة بن زيد ‏"‏ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني أعزل عن امرأتي شفقة على ولدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن كان كذلك فلا، ما ضر ذلك فارس ولا الروم‏"‏‏.‏

وفي العزل أيضا إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها‏.‏

وقد اختلف السلف في حكم العزل قال ابن عبد البر‏:‏ لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل‏.‏

ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة، وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا، ثم في خصوص هذه المسألة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير إذنها، قال الغزالي وغيره‏:‏ يجوز، وهو المصحح عند المتأخرين، واحتج الجمهور لذلك بحديث عن عمر أخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ ‏"‏ نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها ‏"‏ وفي إسناده ابن لهيعة، والوجه الآخر للشافعية الجزم بالمنع إذا امتنعت، وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز، وهذا كله في الحرة وأما الأمة فإن كانت زوجة فهي مرتبة على الحرة إن جاز فيها ففي الأمة أولى، وإن امتنع فوجهان أصحهما الجواز تحرزا من إرقاق الولد، وإن كانت سرية جاز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم، وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيه مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش، وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة‏.‏

هذا واتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها، واختلفوا في المزوجة فعند المالكية يحتاج إلى إذن سيدها، وهو قول أبي حنيفة، والراجح عن محمد‏.‏

وقال أبو يوسف وأحمد‏:‏ الإذن لها، وهي رواية عن أحمد، وعنه بإذنها، وعنه يباح العزل مطلقا، وعنه المنع مطلقا‏.‏

والذي احتج به من جنح إلى التفصيل لا يصح إلا عند عبد الرزاق عنه بسند صحيح عن ابن عباس قال‏:‏ تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة السرية فإن كانت أمة تحت حر فعليه أن يستأمرها وهذا نص في المسألة، فلو كان مرفوعا لم يجز العدول عنه‏.‏

وقد استنكر ابن العربي القول بمنع العزل عمن يقول بأن المرأة لا حق لها في الوطء، ونقل عن مالك أن لها حق المطالبة به إذا قصد بتركه إضرارها‏.‏

وعن الشافعي وأبي حنيفة لا حق لها فيه إلا في وطئة واحدة يستقر بها المهر، قال فإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون لها حق في العزل، فإن خصوه بالوطئة الأولى فيمكن وإلا فلا يسوغ فيما بعد ذلك إلا على مذهب مالك بالشرط المذكور ا هـ‏.‏

وما نقله عن الشافعي غريب، والمعروف عند أصحابه أنه لا حق لها أصلا، نعم جزم ابن حزم بوجوب الوطء وبتحريم العزل، واستند إلى حديث جذامة بنت وهب ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال‏:‏ ذلك الوأد الخفي ‏"‏ أخرجه مسلم، وهذا معارض بحديثين أحدهما أخرجه الترمذي والنسائي وصححه من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال ‏"‏ كانت لنا جواري وكنا نعزل، فقالت اليهود إن تلك الموءودة الصغرى، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم تستطع رده ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق هشام وعلي بن المبارك وغيرهما عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مطيع بن رفاعة عن أبي سعيد نحوه، ومن طريق أبي عامر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه، ومن طريق سليمان الأحول أنه سمع عمرو بن دينار يسأل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن العزل فقال‏:‏ زعم أبو سعيد، فذكر نحوه، قال فسألت أبا سلمة أسمعته من أبي سعيد‏؟‏ قال لا، ولكن أخبرني رجل عنه‏.‏

والحديث الثاني في النسائي من وجه آخر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذه طرق يقوى بعضها ببعض، وجمع بينها وبين حديث جذامة بحمل حديث جذامة على التنزيه وهذه طريقة البيهقي، ومنهم من ضعف حديث جذامة بأنه معارض بما هو أكثر طرقا منه، وكيف يصرح بتكذيب اليهود في ذلك ثم يثبته‏؟‏ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن، ومنهم من ادعى أنه منسوخ، ورد بعدم معرفة التاريخ‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب، وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه‏.‏

وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي بأنه لا يجزم بشيء تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه، ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح، وضعف مقابله بأنه حديث واحد اختلف في إسناده فاضطرب، ورد بأن الاختلاف إنما يقدح حيث لا يقوى بعض الوجوه فمتى قوى بعضها عمل به، وهو هنا كذلك والجمع ممكن‏.‏

ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها توافق أصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال‏:‏ فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان‏.‏

وتعقب بأن حديثها ليس صريحا في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما، وخصه بعضهم بالعزل عن الحامل لزوال المعنى الذي كان يحذره الذي يعزل من حصول الحمل، لكن فيه تضييع الحمل لأن المني يغذوه فقد يؤدي العزل إلى موته أو إلى ضعفه المفضي إلى موته فيكون وأدا خفيا، وجمعوا أيضا بين تكذيب اليهود في قولهم الموءودة الصغرى وبين إثبات كونه وأدا خفيا في حديث جذامة بأن قولهم الموءودة الصغرى يقتضي أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيا، فلا يعارض قوله إن العزل وأد خفي فإنه يدل على أنه ليس في حكم الظاهر أصلا فلا يترتب عليه حكم، وإنما جعله وأدا من جهة اشتراكهما في قطع الولادة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ قوله الوأد الخفي ورد على طريق التشبيه لأنه قطع طريق الولادة قبل مجيئه فأشبه قتل الولد بعد مجيئه، قال ابن القيم‏:‏ الذي كذبت فيه اليهود زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة، وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صرفا فلذلك وصفه بكونه خفيا، فهذه عدة أجوبة يقف معها الاستدلال بحديث جذامة على المنع‏.‏

وقد جنح إلى المنع من الشافعية ابن حبان فقال في صحيحه ‏"‏ ذكر الخبر الدال على أن هذا الفعل مزجور عنه لا يباح استعماله ‏"‏ ثم ساق حديث أبي ذر رفعه ‏"‏ ضعه في حلاله وجنبه حرامه وأقرره، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر ‏"‏ ا هـ‏.‏

ولا دلالة فيما ساقه على ما ادعاه من التحريم بل هو أمر إرشاد لما دلت عليه بقية الأخبار والله أعلم‏.‏

ومن عند عبد الرزاق وجه آخر عن ابن عباس أنه أنكر أن يكون العزل وأدا وقال‏:‏ المني يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم يكسى لحما، قال‏:‏ والعزل قبل ذلك كله‏.‏

وأخرج الطحاوي من طريق عبد الله بن عدي بن الخيار عن علي نحوه في قصة حرب عند عمر وسنده جيد‏.‏

واختلفوا في علة النهي عن العزل‏:‏ فقيل لتفويت حق المرأة، وقيل لمعاندة القدر، وهذا الثاني هو الذي يقتضيه معظم الأخبار الواردة في ذلك، والأول مبني على صحة الخبر المفرق بين الحرة والأمة‏.‏

وقال إمام الحرمين‏:‏ موضع المنع أنه ينزع بقصد الإنزال خارج الفرج خشية العلوق ومتى فقد ذلك لم يمنع، وكأنه راعى سبب المنع فإذا فقد بقي أصل الإباحة فله أن ينزع متى شاء حتى لو نزع فأنزل خارج الفرج اتفاقا لم يتعلق به النهي والله أعلم‏.‏

وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح، فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولى، ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق به هذا، ويمكن أن يفرق بأنه أشد لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب، ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله، وقد أفتى بعض متأخري الشافعية بالمنع، وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقا‏.‏

والله أعلم‏.‏

واستدل بقوله في حديث أبي سعيد ‏"‏ وأصبنا كرائم العرب وطالت علينا العزبة وأردنا أن نستمتع وأحببنا الفداء ‏"‏ لمن أجاز استرقاق العرب وقد تقدم بيانه في ‏"‏ باب من ملك من العرب رقيقا ‏"‏ في كتاب العتق، ولمن أجاز وطء المشركات بملك اليمين وإن لم يكن من أهل الكتاب لأن بني المصطلق كانوا أهل أوثان، وقد انفصل عنه من منع باحتمال أن يكونوا ممن دان بدين أهل الكتاب وهو باطل، وباحتمال أن يكون ذلك في أول الأمر ثم نسخ، وفيه نظر إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال، وباحتمال أن تكون المسبيات أسلمن قبل الوطء وهذا لا يتم مع قوله في الحديث وأحببنا الفداء فإن المسلمة لا تعاد للمشرك، نعم يمكن حمل الفداء على معنى أخص وهو أنهن يفدين أنفسهن فيعتقن من الرق، ولا يلزم منه إعادتهن للمشركين، وحمله بعضهم على إرادة الثمن لأن الفداء المتخوف من فوته هو الثمن، ويؤيد هذا الحمل قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ فقال يا رسول الله إنا أصبنا سبيا ونحب الأثمان فكيف ترى في العزل ‏"‏‏؟‏ وهذا أقوى من جميع ما تقدم، والله أعلم‏.‏

*3*باب الْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا‏)‏ تقدم في حديث الإفك في التفسير مثل ذلك من حديث عائشة أيضا، وساق المصنف في الباب قصة أخرى ولعلها كانت أيضا في تلك السفرة، ولكن بينت في شرح حديث الإفك في التفسير أنه لم يكن معه في غزوة المريسيع إلا عائشة، وقد تقدم في الهبة والشهادات مثل ذلك في أول حديث آخر عن عائشة أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتْ الْقُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ فَقَالَتْ حَفْصَةُ أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ تَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ فَقَالَتْ بَلَى فَرَكِبَتْ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ابن أبي مليكة عن القاسم‏)‏ هو ابن أبي بكر، وابن أبي مليكة يروي عن عائشة تارة بالواسطة وتارة بغيرها‏.‏

قوله ‏(‏إذا أراد سفرا‏)‏ مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر، وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها، وتجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة، إلا أن يرضين بشيء فيجوز بلا قرعة‏.‏

قوله ‏(‏أقرع بين نسائه‏)‏ زاد ابن سعد من وجه آخر عن القاسم عن عائشة ‏"‏ فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية ‏"‏ واستدل به على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات، والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة، قال عياض‏:‏ هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنه من باب الخطر والقمار، وحكي عن الحنفية إجازتها ا هـ، وقد قالوا به في مسألة الباب‏.‏

واحتج من منع من المالكية بأن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا نفع بها في السفر لأضر بحال الرجل، وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الأخرى‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء، وتختص مشروعية القرعة بما إذا اتفقت أحوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحا بغير مرجح ا هـ‏.‏

وفيه مراعاة للمذهب مع الأمن من رد الحديث أصلا لحمله على التخصيص، فكأنه خصص العموم بالمعنى‏.‏

قوله ‏(‏فطارت القرعة لعائشة وحفصة‏)‏ أي في سفرة من السفرات، والمراد بقولها طارت أي حصلت، وطير كل إنسان نصيبه، وقد تقدم في الجنائز قول أم العلاء لما اقتسم الأنصار المهاجرين قالت ‏"‏ وطار لنا عثمان ابن مظعون ‏"‏ أي حصل في نصيبنا من المهاجرين‏.‏

قوله ‏(‏وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث‏)‏ استدل به المهلب على أن القسم لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دلالة فيه لأن عماد القسم الليل في الحضر، وأما في السفر فعماد القسم فيه النزول، وأما حالة السير فليست منه لا ليلا ولا نهارا، وقد أخرج أبو داود والبيهقي واللفظ له من طريق ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏"‏ قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هو يومها بات عندها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقالت حفصة‏)‏ أي لعائشة‏.‏

قوله ‏(‏ألا تركبين الليلة بعيري إلخ‏)‏ كأن عائشة أجابت إلى ذلك لما شوقتها إليه من النظر إلى ما لم تكن هي تنظر، وهذا مشعر بأنهما لم يكونا حال السير متقاربتين بل كانت كل واحدة منهما من جهة كما جرت العادة من السير قطارين، وإلا فلو كانتا معا لم تختص إحداهما بنظر ما لم تنظره الأخرى، ويحتمل أن تريد بالنظر وطأة البعير وجودة سيره‏.‏

قوله ‏(‏فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه‏)‏ في رواية حكاها الكرماني ‏"‏ وعليها ‏"‏ وكأنه على إرادة الناقة‏.‏

قوله ‏(‏فسلم عليها‏)‏ لم يذكر في الخبر أنه تحدث معها فيحتمل أن يكون ألهم ما وقع، ويحتمل أن يكون وقع ذلك اتفاقا، ويحتمل أن يكون تحدث ولم ينقل‏.‏

قوله ‏(‏وافتقدته عائشة‏)‏ أي حالة المسايرة، لأن قطع المألوف صعب‏.‏

قوله ‏(‏فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر‏)‏ كأنها لما عرفت أنها الجانية فيما أجابت إليه حفصة عاتبت نفسها على تلك الجناية‏.‏

والإذخر نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية‏.‏

قوله ‏(‏وتقول رب سلط‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ يا رب سلط ‏"‏ بإثبات حرف النداء وهي رواية مسلم‏.‏

قوله ‏(‏تلذغني‏)‏ بالغين المعجمة‏.‏

قوله ‏(‏ولا أستطيع أن أقول له شيئا‏)‏ قال الكرماني الظاهر أنه كلام حفصة، ويحتمل أن يكون كلام عائشة، ولم يظهر لي هذا الظاهر بل هو كلام عائشة، وقد وقع في رواية مسلم في جميع ما وقفت عليه من طرقه إلا ما سأذكره بعد قوله تلدغني ‏"‏ رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئا ‏"‏ ورسولك بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو رسولك، ويجوز النصب على تقدير فعل، وإنما لم تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم، ووقع عند الإسماعيلي من وجهين عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بعد قوله تلدغني ‏"‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ولا أستطيع أن أقول له شيئا ‏"‏ وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد بالقول في قولها أن أقول أي أحكي له الواقعة لأنه ما كان يعذرني في ذلك، وظاهر رواية غيره تفهم أن مرادها بالقول أنها لا تستطيع أن تقول في حقه شيئا كما تقدم، قال الداودي‏:‏ يحتمل أن تكون المسايرة في ليلة عائشة ولذلك غلبت عليها الغيرة فدعت على نفسها بالموت، ويعقب بأنه يلزم منه أنه يوجب القسم في المسايرة، وليس كذلك إذ لو كان لما كان يخص عائشة بالمسايرة دون حفصة حتى تحتاج حفصة تتحيل على عائشة، ولا يتجه القسم في حالة السير إلا إذا كانت الخلوة لا تحصل إلا فيه بأن يركب معها في الهودج وعند النزول يجتمع الكل في الخيمة فيكون حينئذ عماد القسم السير، أما المسايرة فلا، وهذا كله مبني على أن القسم كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدل عليه معظم الأخبار، ويؤيد القول بالقرعة أنهم اتفقوا على أن مدة السفر لا يحاسب بها المقيمة بل يبتدئ إذا رجع بالقسم فيما يستقبل، فلو سافر بمن شاء بغير قرعة فقدم بعضهن في القسم للزم منه إذا رجع أن يوفي من تخلف حقها، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن ذلك لا يجب، فظهر أن للقرعة فائدة وهي أن لا يؤثر بعضهن بالتشهي لما يترتب على ذلك من ترك العدل بينهن، وقد قال الشافعي في القديم‏:‏ لو كان المسافر يقسم لمن خلف لما كان للقرعة معنى بل معناها أن تصير هذه الأيام لمن خرج سهمها خالصة انتهى‏.‏

ولا يخفى أن محل الإطلاق في ترك القضاء في السفر ما دام اسم السفر موجودا، فلو سافر إلى بلدة فأقام بها زمانا طويلا ثم سافر راجعا فعليه قضاء مدة الإقامة وفي مدة الرجوع خلاف عند الشافعية والمعنى في سقوط القضاء أن التي سافرت وفازت بالصحبة لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك والمقيمة عكسها في الأمرين معا

*3*باب الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِضَرَّتِهَا وَكَيْفَ يَقْسِمُ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها‏)‏ ‏"‏ من ‏"‏ يتعلق بيومها لا بيهب، أي يومها الذي يختص بها‏.‏

قوله ‏(‏وكيف يقسم ذلك‏)‏ قال العلماء‏:‏ إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها، فإن كان تاليا ليومها فذاك وإلا لم يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقي‏.‏

وقالوا إذا وهبت المرأة يومها لضرتها فإن قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تمتنع وإن لم يقبل لم يكره على ذلك، وإذا وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من اثنتين، أو يوزعه بين من بقي‏؟‏ وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى، وأطلق ابن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الذي وهبته لعائشة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا مالك بن إسماعيل‏)‏ هو أبو غسان النهدي، وزهير هو ابن معاوية‏.‏

قوله ‏(‏أن سودة بنت زمعة‏)‏ هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه، ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ وكانت أول امرأة تزوجها بعدي ‏"‏ ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة، وأما دخوله عليها فكان قبل دخوله على عائشة بالاتفاق، وقد نبه على ذلك ابن الجوزي‏.‏

قوله ‏(‏وهبت يومها لعائشة‏)‏ تقدم في الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ ‏"‏ يومها وليلتها ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام ‏"‏ لما أن كبرت سودة وهبت ‏"‏ وله نحوه من رواية جرير عن هشام‏.‏

وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه بيان سببه أوضح من رواية مسلم، فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة بالسند المذكور ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك منها، ففيها وأشباهها نزلت ‏(‏وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا‏)‏ الآية ‏"‏ وتابعه ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد في وصله، ورواه سعيد بن منصور عن ابن أبي الزناد مرسلا لم يذكر فيه عن عائشة، وعند الترمذي من حديث ابن عباس موصولا نحوه، وكذا قال عبد الرزاق عن معمر بمعنى ذلك، فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت‏.‏

وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم ابن أبي بزة مرسلا ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت‏:‏ والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة، فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قالت‏:‏ فأنشدك لما راجعتني، فراجعها‏.‏

قالت‏:‏ فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة‏)‏ في رواية جرير عن هشام عند مسلم ‏"‏ فكان يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة ‏"‏ وقد بينت كلامهم في كيفية هذا القسم أول الباب

*3*باب الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ

وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ وَاسِعًا حَكِيمًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب العدل بين النساء، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء‏)‏ أشار بذكر الآية إلى أن المنتهى فيها العدل بينهن من كل جهة، وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن، فإذا وفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة، وقد روى الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول‏:‏ اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ‏"‏ قال الترمذي يعني به الحب والمودة، كذلك فسره أهل العلم، قال الترمذي‏:‏ رواه غير واحد عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا وهو أصح من رواية حماد بن سلمة، وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‏(‏ولن تستطيعوا‏)‏ الآية، قال‏:‏ في الحب والجماع، وعن عبدة ابن عمرو السلماني مثله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَالَ السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بشر‏)‏ هو ابن المفضل، وخالد هو ابن مهران الحذاء‏.‏

قوله ‏(‏ولو شئت أن أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قال السنة‏)‏ في رواية مسلم وأبي داود من طريق هشيم عن خالد في آخر الحديث ‏"‏ قال خالد‏:‏ لو شئت أن أقول رفعه لصدقت، ولكنه قال السنة ‏"‏ فبين أنه قول خالد، وهو ابن مهران الحذاء راوية عن أبي قلابة‏.‏

وقد اختلف على سفيان الثوري في تعيين قائل ذلك هل هو خالد أو شيخه أبو قلابة، ويأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه مع شرح الحديث‏.‏

*3*باب إِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا تزوج الثيب على البكر‏)‏ أي أو عكس كيف يصنع‏؟‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَخَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٍ قَالَ خَالِدٌ وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا يوسف بن راشد‏)‏ هو يوسف بن موسى بن راشد نسب لجده‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا أبو أسامة عن سفيان‏)‏ في رواية نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة ‏"‏ حدثنا سفيان‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا أيوب‏)‏ هو السختياني وخالد هو الحذاء‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي قلابة‏)‏ أي أنهما جميعا روياه عن أبي قلابة‏.‏

لكن الذي يظهر أنه ساقه على لفظ خالد‏.‏

قوله ‏(‏قال من السنة‏)‏ أي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الذي يتبادر للفهم من قول الصحابي، وقد مضى في الحج قول سلام بن عبد الله بن عمر لما سأله الزهري عن قول ابن عمر للحجاج ‏"‏ إن كنت تريد السنة هل تريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقال له سالم‏:‏ وهل يعنون بذلك إلا سنته‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إذا تزوج الرجل البكر على الثيب‏)‏ أي يكون عنده امرأة فيتزوج معها بكرا كما سيأتي البحث عنه‏.‏

قوله ‏(‏أقام عندها سبعا وقسم، ثم قال‏:‏ أقام عندها ثلاثا ثم قسم‏)‏ كذا في البخاري بالواو في الأولى وبلفظ ‏"‏ ثم ‏"‏ في الثانية، ووقع عند الإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حمزة بن عون عن أبي أسامة بلفظ ‏"‏ ثم ‏"‏ في الموضعين‏.‏

قوله ‏(‏قال أبو قلابة‏:‏ ولو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كأنه يشير إلى أنه لو صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان صادقا ويكون روى بالمعنى وهو جائز عنده، لكنه رأى أن المحافظة على اللفظ أولى‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ قول أبي قلابة يحتمل وجهين أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا، والثاني أن يكون رأى أن قول أنس ‏"‏ من السنة ‏"‏ في حكم المرفوع، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع، قال‏:‏ والأول أقرب، لأن قوله ‏"‏ من السنة ‏"‏ يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل، وقوله ‏"‏أنه رفعه ‏"‏ نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل انتهى، وهو بحث متجه، ولم يصب من رده بأن الأكثر على أن قول الصحابي ‏"‏ من السنة كذا ‏"‏ في حكم المرفوع لاتجاه الفرق بين ما هو مرفوع وما هو في حكم المرفوع، لكن باب الرواية بالمعنى متسع، وقد وافق هذه الرواية ابن علية عن خالد في نسبة هذا القول إلى أبي قلابة أخرجه الإسماعيلي ونسبه بشر بن المفضل وهشيم إلى خالد، ولا منافاة بينهما كما تقدم لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك‏.‏

قوله ‏(‏وقال عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أيوب وخالد‏)‏ يعني بهذا الإسناد والمتن‏.‏

قوله ‏(‏قال خالد ولو شئت لقلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كأن البخاري أراد أن يبين أن الرواية عن سفيان الثوري اختلفت في نسبة هذا القول هل هو قول أبي قلابة أو قول خالد، ويظهر لي أن هذه الزيادة في رواية خالد عن أبي قلابة دون رواية أيوب، ويؤيده أنه أخرجه في الباب الذي قبله من وجه آخر عن خالد وذكر الزيادة في صدر الحديث، وقد وصل طريق عبد الرزاق المذكورة مسلم فقال ‏"‏ حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق ولفظه‏:‏ من السنة أن يقيم عند البكر سبعا، قال خالد إلخ ‏"‏ وقد رواه أبو داود الحفري والقاسم ابن يزيد الجرمي عن الثوري عنهما أخرجه الإسماعيلي، ورواه عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان كذلك أخرجه البيهقي، وشذ أبو قلابة الرقاشي فرواه عن أبي عاصم عن سفيان عن خالد وأيوب جميعا وقال فيه ‏"‏ قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه وقال ‏"‏ حدثناه الصغاني عن أبي قلابة وقال‏:‏ هو غريب لا أعلم من قاله غير أبي قلابة ‏"‏ انتهى‏.‏

وقد أخرج الإسماعيلي من طريق أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبي قلابة عن أنس قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فصرح برفعه، وهو يؤيد ما ذكرته أن السياق في رواية سفيان لخالد، ورواية أيوب هذه إن كانت محفوظة احتمل أن يكون أبو قلابة لما حدث به أيوب جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه ابن حبان أيضا عنه عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بن عيينة عن أيوب وصرح برفعه، وأخرجه الدارمي والدار قطني من طريق محمد بن إسحاق عن أيوب مثله، فبينت أن رواية خالد هي التي قال فيها ‏"‏ من السنة ‏"‏ وأن رواية أيوب قال فيها ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ واستدل به على أن هذا العدل يختص بمن له زوجة قبل الجديدة‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عنده زوجة أم لا، وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب‏.‏

وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب، واختار النووي أن لا فرق، وإطلاق الشافعي يعضده، ولكن يشهد للأول قوله في حديث الباب ‏"‏ إذا تزوج البكر على الثيب ‏"‏ ويمكن أن يتمسك للآخر بسياق بشر عن خالد الذي في الباب قبله فإنه قال ‏"‏ إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا ‏"‏ الحديث ولم يقيده بما إذا تزوجها على غيرها، لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد، بل ثبت في رواية خالد التقييد، فعند مسلم من طريق هشيم عن خالد ‏"‏ إذا تزوج البكر على الثيب ‏"‏ الحديث‏.‏

ويؤيده أيضا قوله في حديث الباب ‏"‏ ثم قسم ‏"‏ لأن القسم إنما يكون لمن عنده زوجة أخرى، وفيه حجة على الكوفيين في قولهم‏:‏ أن البكر والثيب سواء في الثلاث، وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان، وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدار قطني بسند ضعيف جدا وخص من عموم حديث الباب ما لو أرادت الثيب أن يكمل لها السبع فإنه إذا أجابها سقط حقها من الثلاث وقضى السبع لغيرها، لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال‏:‏ إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ إن شئت ثلثت ثم درت، قالت ثلث ‏"‏ وحكى الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ المهذب ‏"‏ وجهين في أنه يقضي السبع أو الأربع المزيدة، والذي قطع به الأكثر إن اختار السبع قضاها كلها وإن أقامها بغير اختيارها قضى الأربع المزيدة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن صلاة الجماعة وسائر أعمال البر التي كان يفعلها؛ نص عليه الشافعي‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ هذا في النهار، وأما في الليل فلا، لأن المندوب لا يترك له الواجب، وقد قال الأصحاب‏:‏ يسوي بين الزوجات في الخروج إلى الجماعة وفي سائر أعمال البر، فيخرج في ليالي الكل أو لا يخرج أصلا، فإن خصص حرم عليه، وعدوا هذا من الأعذار في ترك الجماعة‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة، وبالغ في التشنيع‏.‏

وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية، ورواه ابن القاسم عن مالك، وعنه يستحب وهو وجه للشافعية، فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان، فقدم حق الآدمي، هذا توجيهه، فليس بشنيع وإن كان مرجوحا، وتجب الموالاة في السبع وفي الثلاث، فلو فرق لم يحسب على الراجح لأن الحشمة لا تزول به، ثم لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة، وقيل هي على النصف من الحرة ويجبر الكسر‏.‏

*3*باب مَنْ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من طاف على نسائه في غسل واحد‏)‏ ذكر فيه حديث أنس في ذلك، وقد تقدم سندا ومتنا في كتاب الغسل مع شرحه وفوائده والاختلاف على قتادة في كونهن تسعا أو إحدى عشرة وبيان الجمع بين الحديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ

الشرح‏:‏

حديث أنس في ذلك قد تقدم سندا ومتنا في كتاب الغسل مع شرحه وفوائده والاختلاف على قتادة في كونهن تسعا أو إحدى عشرة وبيان الجمع بين الحديثين‏.‏

وتعلق به من قال إن القسم لم يكن واجبا عليه، وتقدم أن ابن العربي نقل أنه كانت له ساعة من النهار لا يجب عليه فيها القسم وهي بعد العصر وقلت‏:‏ إن لم أجد لذلك دليلا، ثم وجدت حديث عائشة الذي في الباب بعد هذا بلفظ ‏"‏ كان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن ‏"‏ الحديث، وليس فيه بقية ما ذكر من أن تلك الساعة هي التي لم يكن القسم واجبا عليه فيها وأنه ترك إتيان نسائه كلهن في ساعة واحدة على تلك الساعة ويرد عليه قوله في حديث أنس ‏"‏ كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ‏"‏ وقد تقدمت له توجيهات غير هذه هناك، وذكر عياض في ‏"‏ الشفا ‏"‏ أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن، وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج، إذ الإحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة، والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك وإن لم يكن واجبا، كما تقدم شيء من ذلك في ‏"‏ باب كثرة النساء‏"‏‏.‏

وفي التعليل الذي ذكره نظر لأنهن حرم عليهن التزويج بعده وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك‏.‏

*3*باب دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ فِي الْيَوْمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب دخول الرجل على نسائه في اليوم‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث عائشة ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ‏"‏ الحديث، وسيأتي بأتم من هذا في ‏"‏ باب لم تحرم ما أحل الله لك ‏"‏ من كتاب الطلاق

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ

الشرح‏:‏

ذكر طرفا من حديث عائشة ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ‏"‏ الحديث، وسيأتي بأتم من هذا في ‏"‏ باب لم تحرم ما أحل الله لك ‏"‏ من كتاب الطلاق، وقوله ‏"‏فيدنو من إحداهن ‏"‏ زاد فيه ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ‏"‏ بغير وقاع ‏"‏ وقد بينته في ‏"‏ باب القرعة بين النساء ‏"‏ وهو مما يؤكد الرد على ابن العربي فيما ادعاه‏.‏

*3*باب إِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ بَعْضِهِنَّ فَأَذِنَّ لَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة في ذلك وقد تقدم شرحه في الوفاة النبوية في آخر المغازي

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي

الشرح‏:‏

حديث عائشة في ذلك قد تقدم شرحه في الوفاة النبوية في آخر المغازي، والغرض منه هنا أن القسم لهن يسقط بإذنهن في ذلك، فكأنهن وهبن أيامهن تلك للتي هو في بيتها، وقد تقدم في بعض طرقه التصريح بذلك‏.‏

*3*باب حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب حب الرجل بعض نسائه أفصل من بعض‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث ابن عباس عن عمر الذي تقدم في ‏"‏ باب موعظة الرجل ابنته ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم شرحه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ يَا بُنَيَّةِ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا يُرِيدُ عَائِشَةَ فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس عن عمر تقدم في ‏"‏ باب موعظة الرجل ابنته ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم شرحه هناك‏.‏

*3*باب الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَلْ وَمَا يُنْهَى مِنْ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المتشبع بما لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرة‏)‏ أشار بهذا إلى ما ذكره أبو عبيد في تفسير الخبر قال‏:‏ قوله ‏"‏ المتشبع ‏"‏ أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل؛ كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعى من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وكذلك هذا في الرجال، قال‏:‏ وأما قوله ‏"‏ كلابس ثوبي زور ‏"‏ فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم، ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه، قال‏:‏ وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب الأنفس كقولهم فلان نقي الثوب إذا كان بريئا من الدنس، وفلان دنس الثوب إذا كان مغموصا عليه في دينه‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ الثوب مثل، ومعناه أنه صاحب زور وكذب، كما يقال لمن وصف بالبراءة من الإدناس طاهر الثوب والمراد به نفس الرجل‏.‏

وقال أبو سعيد الضرير‏:‏ المراد به أن شاهد الزور قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة ا هـ‏.‏

وهذا نقله الخطابي عن نعيم بن حماد قال‏:‏ كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة، فإذا احتيج إلى شهادة زور لبس ثوبيه وأقبل فشهد فقبل لنبل هيئته وحسن ثوبيه، فيقال أمضاها بثوبيه يعني الشهادة، فأضيف الزور إليهما فقيل كلابس ثوبي زور‏.‏

وأما حكم التثنية في قوله ‏"‏ ثوبي زور ‏"‏ فللإشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى، لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط، وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود عليه‏.‏

وقال الداودي‏:‏ في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك، وقيل إن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان قاله ابن المنير‏.‏

قلت‏:‏ ونحو ذلك ما في زماننا هذا فيما يعمل في الأطواق والمعنى الأول أليق؛ وقال ابن التين‏:‏ هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه‏.‏

وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها ويورث بينهما البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه‏.‏

وقال الزمخشري في ‏"‏ الفائق ‏"‏‏:‏ المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به، واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها، وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور، وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء، وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر كما قيل ‏"‏ إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا ‏"‏ فالإشارة بالإزار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه، ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان‏:‏ فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل‏.‏

وقال المطرزي‏:‏ هو الذي يرى أنه شبعان وليس كذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة بن الزبير، ويحيى في الرواية الثانية هو ابن سعيد القطان، وأفاد تصريح هشام بتحديث فاطمة وهي بنت المنذر بن الزبير وهي بنت عمه وزوجته، وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق جدتهما معا‏.‏

وقد اتفق الأكثر من أصحاب هشام على هذا الإسناد، وانفرد معمر والمبارك بن فضالة بروايته عن هشام بن عروة فقالا عن أبيه عن عائشة، وأخرجه النسائي من طريق معمر وقال‏:‏ إنه أخطأ والصواب حديث أسماء‏.‏

وذكر الدار قطني في ‏"‏ التتبع ‏"‏ أن مسلما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان ووكيع كلاهما عن هشام بن عروة مثل رواية معمر، قال‏:‏ وهذا لا يصح، وأحتاج أن أنظر في كتاب مسلم فإني وجدته في رقعة، والصواب عن عبدة ووكيع عن فاطمة عن أسماء لا عن عروة عن عائشة، وكذا قال سائر أصحاب هشام‏.‏

قلت‏:‏ هو ثابت في النسخ الصحيحة من مسلم في كتاب اللباس، أورده عن ابن نمير عن عبدة ووكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة، ثم أورده عن ابن نمير عن عبدة وحده عن هشام عن فاطمة عن أسماء، فاقتضى أنه عند عبدة على الوجهين، وعند وكيع بطريق عائشة فقط، ثم أورده مسلم من طريق أبي معاوية ومن طريق أبي أسامة كلاهما عن هشام عن فاطمة، وكذا أورده النسائي عن محمد بن آدم وأبو عوانة في صحيحه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن عبدة عن هشام، وكذا هو في مسند ابن أبي شيبة، وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق أبي ضمرة ومن طريق علي بن مسهر، وأخرجه ابن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وأبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق مرجى بن رجاء كلهم عن هشام عن فاطمة، فالظاهر أن المحفوظ عن عبدة عن هشام عن فاطمة، وأما وكيع فقد أخرج روايته الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم الطوسي عنه مثل ما وقع عند مسلم، فليضم إلى معمر ومبارك بن فضالة ويستدرك على الدار قطني‏.‏

قوله ‏(‏إن امرأة قالت‏)‏ لم أقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها‏.‏

قوله ‏(‏إن لي ضرة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ إن لي جارة ‏"‏ وهي الضرة كما تقدم‏.‏

قوله ‏(‏إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني‏)‏ في رواية مسلم من حديث عائشة ‏"‏ أن امرأة قالت‏:‏ يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني ‏"‏‏؟‏ قوله ‏(‏المتشبع بما لم يعطه‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ بما لم يعطه‏"‏‏.‏