فصل: باب الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ

وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب‏)‏ أي ما حكمها‏؟‏ وذكر العذاب بعد الخسف من العام بعد الخاص لأن الخسف من جملة العذاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر أن عليا‏)‏ هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي المحل وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام قال ‏"‏ كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل، فلم يصل حتى أجازه ‏"‏ أي تعداه‏.‏

ومن طريق أخرى عن علي قال ‏"‏ ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث مرار ‏"‏ والظاهر أن قوله ‏"‏ ثلاث مرار ‏"‏ ليس متعلقا بالخسف لأنه ليس فيها إلا خسف واحد، وإنما أراد أن عليا قال ذلك ثلاثا، ورواه أبو داود مرفوعا من وجه آخر عن علي ولفظه ‏"‏ نهاني حبيبي صلى الله عليه وسلم أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة ‏"‏ في إسناده ضعف، واللائق بتعليق المصنف ما تقدم، والمراد بالخسف هنا ما ذكر الله تعالى في قوله‏:‏ ‏(‏فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم‏)‏ الآية، ذكر أهل التفسير والأخبار أن المراد بذلك أن النمرود بن كنعان بنى ببابل بنيانا عظيما يقال إن ارتفاعه كان خمسة آلاف ذراع، فخسف الله بهم، قال الخطابي‏:‏ لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، فإن كان حديث علي ثابتا فلعله نهاه أن يتخذها وطنا لأنه إذا أقام بها كانت صلاته فيها، يعني أطلق الملزوم وأراد اللازم‏.‏

قال‏:‏ فيحتمل أن النهي خاص بعلي إنذارا له بما لقي من الفتنة بالعراق‏.‏

قلت‏:‏ وسياق قصة علي الأولى يبعد هذا التأويل‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا‏)‏ كان هذا النهي لما مروا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك، وقد صرح المصنف في أحاديث الأنبياء من وجه آخر عن ابن عمر ببعض ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هؤلاء المعذبين‏)‏ بفتح الذال المعجمة‏.‏

وله في أحاديث الأنبياء ‏"‏ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن تكونوا باكين‏)‏ ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول، بل دائما عند كل جزء من الدخول، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية، وسيأتي أنه صلى الله عليه وسلم لم ينزل فيه البتة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ هذا يدل على إباحة الصلاة هناك، لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع، كأنه يشير إلى عدم مطابقة الحديث لأثر علي‏.‏

قلت‏:‏ والحديث مطابق له من جهة أن كلا منهما فيه ترك النزول كما وقع عند المصنف في المغازي في آخر الحديث ‏"‏ ثم قنع صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي ‏"‏ فدل على أنه لم ينزل ولم يصل هناك كما صنع علي في خسف بابل‏.‏

وروى الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ عن أبي سعيد الخدري قال ‏"‏ رأيت رجلا جاء بخاتم وجده بالحجر في بيوت المعذبين فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بيده أن ينظر إليه وقال‏:‏ ألقه‏.‏

فألقاه ‏"‏ لكن إسناده ضعيف، وسيأتي نهيه صلى الله عليه وسلم أن يستقى من مياههم في كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يصيبكم‏)‏ بالرفع على أن ‏"‏ لا ‏"‏ نافية والمعنى لئلا يصيبكم‏.‏

ويجوز الجزم على أنها ناهية وهو أوجه، وهو نهي بمعنى الخبر‏.‏

وللمصنف في أحاديث الأنبياء ‏"‏ أن يصيبكم ‏"‏ أي خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك‏.‏

والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم، وبهذا يندفع اعتراض من قال‏:‏ كيف يصيب عذاب الظالمين من ليس بظالم‏؟‏ لأنه بهذا التقرير لا يأمن أن يصير ظالما فيعذب بظلمه‏.‏

وفي الحديث الحث على المراقبة، والزجر عن السكنى في ديار المعذبين، والإسراع عند المرور بها، وقد أشير إلى ذلك في قوله تعالى ‏(‏وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم‏)‏ ‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ

وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في البيعة‏)‏ بكسر الموحدة بعدها مثناة تحتانية‏:‏ معبد للنصارى‏.‏

قال صاحب المحكم، البيعة صومعة الراهب‏.‏

وقيل كنيسة النصارى والثاني هو المعتمد‏.‏

ويدخل في حكم البيعة الكنيسة وبيت المدراس والصومعة وبيت الصنم وبيت النار ونحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر‏:‏ إنا لا ندخل كنائسكم‏)‏ وفي رواية الأصيلي ‏"‏ كنائسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أجل التماثيل‏)‏ هو جمع تمثال بمثناة ثم مثلثة بينهما ميم، وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التي فيها‏)‏ الضمير يعود على الكنيسة، والصور بالجر على أنها بدل من التماثيل أو بيان لها، أو بالنصب على الاختصاص، أو بالرفع أي أن التماثيل مصورة والضمير على هذا للتماثيل‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ والصور ‏"‏ بزيادة الواو العاطفة‏.‏

وهذا الأثر وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال‏:‏ لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعاما وكان من عظمائهم وقال‏:‏ أحب أن تجيئني وتكرمني‏.‏

فقال له عمر‏:‏ إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها، يعني التماثيل‏.‏

وتبين بهذا أن روايتي النصب والجر أوجه من غيرهما، والرجل المذكور من عظمائهم اسمه قسطنطين سماه مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مسجعة بن ربعي عن عمر في قصة طويلة أخرجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عباس‏)‏ وصله البغوي في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب من صلى وقدامه تنور ‏"‏ أن لا معارضة بين هذين البابين، وأن الكراهة في حال الاختيار‏.‏

*3*بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن سلام كما صرح به ابن السكن في روايته‏.‏

وعبده هو ابن سليمان، وقد تقدم الكلام على المتن قبل خمسة أبواب، ومطابقته للترجمة من قوله ‏"‏ بنوا على قبره مسجدا ‏"‏ فإن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدا‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَا لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏لما نزل‏)‏ كذا لأبي ذر بفتحتين والفاعل محذوف أي الموت، ولغيره بضم النون وكسر الزاي، وطفق أي جعل‏.‏

والخميصة كساء له أعلام كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال وهو كذلك‏)‏ أي في تلك الحال، ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي ذكرت فيه أم سلمة وأم حبيبة أمر الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة، وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم، و قوله‏:‏ ‏(‏اتخذوا‏)‏ جملة مستأنفة على سبيل البيان لموجب اللعن، كأنه قيل ما سبب لعنهم‏؟‏ فأجيب بقوله ‏"‏ اتخذوا‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏يحذر ما صنعوا‏)‏ جملة أخرى مستأنفة من كلام الراوي، كأنه سئل عن حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت فأجيب بذلك‏.‏

وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر، والجواب أنه كان فيهم أنبياء أيضا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول، أو الجمع في قوله ‏"‏ أنبيائهم ‏"‏ بإزاء المجموع من اليهود والنصارى، والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفي بذكر الأنبياء، ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب ‏"‏ كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ‏"‏ ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال ‏"‏ إذا مات فيهم الرجل الصالح ‏"‏ ولما أفرد اليهود في الحديث الذي بعده قال ‏"‏ قبور أنبيائهم‏"‏، أو المراد بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعا أو اتباعا، فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ هُوَ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ

الشرح‏:‏

تقدم الكلام على حديث جابر في أوائل كتاب التيمم، وأخرجه هناك عن محمد بن سنان أيضا وسعيد بن النضر لكنه ساقه هناك على لفظ سعيد وهنا على لفظ ابن سنان وليس بينهما تفاوت من حيث المعنى لا في السند ولا في المتن، وإيراده له هنا يحتمل أن يكون أراد أن الكراهة في الأبواب المتقدمة ليست للتحريم لعموم قوله ‏"‏ جعلت لي الأرض مسجدا ‏"‏ أي كل جزء منها يصلح أن يكون مكانا للسجود، أو يصلح أن يبنى فيه مكان للصلاة، ويحتمل أن يكون أراد أن الكراهة فيها للتحريم، وعموم حديث جابر مخصوص بها، والأول أولى لأن الحديث سيق في مقام الامتنان فلا ينبغي تخصيصه، ولا يرد عليه أن الصلاة في الأرض المتنجسة لا تصح، لأن التنجس وصف طارئ، والاعتبار بما قبل ذلك‏.‏

*3*باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نوم المرأة في المسجد‏)‏ أي وإقامتها فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهُوَ مُلْقًى فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ قَالَتْ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ قَالَتْ فَاتَّهَمُونِي بِهِ قَالَتْ فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا قَالَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتْ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ قَالَتْ فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قَالَتْ فَقُلْتُ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي قَالَتْ فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا قَالَتْ فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن وليدة‏)‏ أي أمة، وهي في الأصل المولودة ساعة تولد قاله ابن سيده، ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت فخرجت‏)‏ القائلة ذلك هي الوليدة المذكورة، وقد روت عنها عائشة هذه القصة، والبيت الذي أنشدته، ولم يذكرها أحد ممن صنف في رواة البخاري ولا وقفت على اسمها ولا على اسم القبيلة التي كانت لهم ولا على اسم الصبية صاحبة الوشاح‏.‏

والوشاح بكسر الواو ويجوز ضمها ويجوز إبدالها ألفا‏:‏ خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة، وقيل ينسج من أديم عريضا ويرصع باللؤلؤ وتشده المرأة بين عاتقها وكشحها‏.‏

وعن الفارسي‏:‏ لا يسمى وشاحا حتى يكون منظوما بلؤلؤ وودع‏.‏

انتهى‏.‏

وقولها في الحديث ‏"‏ من سيور ‏"‏ يدل على أنه كان من جلد، وقولها بعد ‏"‏ فحسبته لحما ‏"‏ لا ينفي كونه مرصعا لأن بياض اللؤلؤ على حمرة الجلد يصير كاللحم السمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوضعته أو وقع منها‏)‏ شك من الراوي، وقد رواه ثابت في الدلائل من طريق أبي معاوية عن هشام فزاد فيه أن الصبية كانت عروسا فدخلت إلى مغتسلها فوضعت الوشاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدياة‏)‏ بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء التحتانية تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة، ويجوز فتح أوله‏.‏

وهي الطائر المعروف المأذون في قتله في الحل والحرم، والأصل في تصغيرها حديأة بسكون الياء وفتح الهمزة لكن سهلت الهمزة وأدغمت ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفا، وتسمى أيضا الحدى بضم أوله وتشديد الدال مقصور، ويقال لها أيضا الحدو بكسر أوله وفتح الدال الخفيفة وسكون الواو وجمعها حدأ كالمفرد بلا هاء، وربما قالوه بالمد‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى فتشوا قبلها‏)‏ كأنه من كلام عائشة، وإلا فمقتضى السياق أن تقول ‏"‏ قبلي ‏"‏ وكذا هو في رواية المصنف في أيام الجاهلية من رواية علي بن مسهر عن هشام، فالظاهر أنه من كلام الوليدة أوردته بلفظ الغيبة التفاتا أو تجريدا، وزاد فيه ثابت أيضا ‏"‏ قالت‏:‏ فدعوت الله أن يبرئني فجاءت الحديا وهم ينظرون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو ذا هو‏)‏ تحتمل أن يكون ‏"‏ هو ‏"‏ الثاني خبرا بعد خبر أو مبتدأ وخبره محذوف أو يكون خبرا عن ذا والمجموع خبرا عن الأول ويحتمل غير ذلك‏.‏

ووقع في رواية أبي نعيم ‏"‏ وها هو ذا ‏"‏ وفي رواية ابن خزيمة ‏"‏ وهو ذا كما ترون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏)‏ أي عائشة ‏(‏فجاءت‏)‏ أي المراة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكانت‏)‏ أي المرأة، وللكشميهني ‏"‏ فكان‏"‏‏.‏

والخباء بكسر المعجمة بعدها موحدة وبالمد‏:‏ الخيمة من وبر أو غيره، وعن أبي عبيد لا يكون من شعر‏.‏

والحفش بكسر المهملة وسكون الفاء بعدها شين معجمة‏:‏ البيت الصغير القريب السمك، مأخوذ من الانحفاش وهو الانضمام، وأصله الوعاء الذي تضع المرأة فيه غزلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتحدث‏)‏ بلفظ المضارع بحذف إحدى التاءين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعاجيب‏)‏ أي أعاجيب واحدها أعجوبة، ونقل ابن السيد أن تعاجيب لا واحد له من لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا إنه‏)‏ بتخفيف اللام وكسر الهمزة، وهذا البيت الذي أنشدته هذه المرأة عروضه من الضرب الأول من الطويل وأجزاؤه ثمانية ووزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات، لكن دخل البيت المذكور القبض وهو حذف الخامس الساكن في ثاني جزء منه، فإن أشبعت حركة الحاء من الوشاح صار سالما‏.‏

أو قلت ويوم وشاح بالتنوين بعد حذف التعريف صار القبض في أول جزء من البيت وهو أخف من الأول، واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا السادس في أشعار العرب كثير جدا نادر في أشعار المولدين، وهو عند الخليل بن أحمد أصلح من الكف، ولا يجوز الجمع عندهم بين الكف - وهو حذف السابع الساكن - وبين القبض بل يشترط أن يتعاقبا‏.‏

وإنما أوردت هذا القدر هنا لأن الطبع السليم ينفر من القبض المذكور‏.‏

وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها، وفيه الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة، ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه المرأة‏.‏

وفيه فضل الهجرة من دار الكفر، وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ

وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نوم الرجال في المسجد‏)‏ أي جواز ذلك، وهو قول الجمهور، وروي عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة، وعن ابن مسعود مطلقا، وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو قلابة عن أنس‏)‏ هذا طرف من قصة العرنيين، وقد تقدم حديثهم في الطهارة‏.‏

وهذا اللفظ أورده في المحاربين موصولا من طريق وهيب عن أيوب عن أبي قلابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرحمن بن أبي بكر‏)‏ هو أيضا طرف من حديث طويل يأتي في علامات النبوة‏.‏

والصفة موضع مظلل في المسجد النبوي كانت تأوي إليه المساكين، وقد سبق البخاري إلى الاستدلال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار رواه ابن أبي شيبة عنهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ و القطان ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو العمري، وحديث عبد الله بن عمر هذا مختصر أيضا من حديث له طويل يأتي في باب فضل قيام الليل، وأورده ابن ماجه مختصرا أيضا بلفظ ‏"‏ كنا ننام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعزب‏)‏ المهملة والزاي أي غير متزوج‏.‏

والمشهور فيه عزب بفتح العين وكسر الزاي، والأول لغة قليلة مع أن القزاز أنكرها‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏لا أهل له‏)‏ هو تفسير لقوله أعزب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص فيدخل فيه الأقارب ونحوهم‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏في مسجد‏)‏ متعلق بقوله ينام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ قَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ هو سلمة بن دينار والد عبد العزيز المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أين ابن عمك‏)‏ فيه إطلاق ابن العم على أقارب الأب لأنه ابن عم أبيها لا ابن عمها، وفيه إرشادها إلى أن تخاطبه بذلك لما فيه من الاستعطاف بذكر القرابة، وكأنه صلى الله عليه وسلم فهم ما وقع بينهما فأراد استعطافها عليه بذكر القرابة القريبة التي بينهما‏.‏

قوله ‏(‏فلم يقل عندي‏)‏ بفتح الياء التحتانية وكسر القاف، من القيلولة وهو نوم نصف النهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لإنسان‏)‏ يظهر لي أنه سهل راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره‏.‏

وللمصنف في الأدب ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أين ابن عمك‏؟‏ قالت في المسجد ‏"‏ وليس بينه وبين الذي هنا مخالفة لاحتمال أن يكون المراد من قوله‏:‏ ‏(‏انظر أين هو‏)‏ المكان المخصوص من المسجد‏.‏

وعند الطبراني ‏"‏ فأمر إنسانا معه فوجده مضطجعا في فيء الجدار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو راقد في المسجد‏)‏ فيه مراد الترجمة، لأن حديث ابن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له، وكذا بقية أحاديث الباب، إلا قصة علي فإنها تقتضي التعميم، لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار‏.‏

وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضا جواز القائلة في المسجد، وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه، وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية، والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب، وسيأتي في الأدب أنه كان يفرح إذا دعي بذلك‏.‏

وفيه مدارة الصهر وتسكينه من غضبه، ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه، وأنه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة‏.‏

وسيأتي بقية ما يتعلق به في فضائل علي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن فضيل‏)‏ هو محمد بن فضيل بن غزوان، وأبو حازم هو سلمان الأشجعي، وهو أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء، وإن كانا جميعا مدنيين تابعيين ثقتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة‏)‏ يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة، وقد اعتنى بجمع أصحاب الصفة ابن الأعرابي والسلمي والحاكم وأبو نعيم، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر، وفي بعض ما ذكروه اعتراض ومناقشة، لكن لا يسع هذا المختصر تفصيل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رداء‏)‏ هو ما يستر أعالي البدن فقط‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏إما إزار‏)‏ أي فقط ‏(‏وإما كساء‏)‏ أي على الهيئة المشروحة في المتن‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏قد ربطوا‏)‏ أي الأكسية فحذف المفعول للعلم به‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏فمنها‏)‏ أي من الأكسية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيجمعه بيده‏)‏ أي الواحد منهم، زاد الإسماعيلي أن ذلك في حال كونهم في الصلاة‏.‏

ومحصل ذلك أنه لم يكن لأحد منهم ثوبان‏.‏

وقد تقدم نحو هذه الصفة في ‏"‏ باب إذا كان الثوب ضيقا‏"‏‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة إذا قدم من سفر‏)‏ أي في المسجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال كعب‏)‏ هو طرف من حديثه الطويل في قصة تخلفه وتوبته، وسيأتي في أواخر المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم له، وذكر بعده حديث جابر ليجمع بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يظن أن ذلك من خصائصه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ قَالَ ضُحًى فَقَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قال مسعر أراه‏)‏ بالضم أي أظنه، والضمير لمحارب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان لي عليه دين‏)‏ كذا للأكثر، وللحموي وكان ‏"‏ له ‏"‏ أي لجابر ‏"‏ عليه ‏"‏ أي على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي قوله بعد ذلك ‏(‏فقضاني‏)‏ التفات‏.‏

وهذا الدين هو ثمن جمل جابر‏.‏

وسيأتي مطولا في كتاب الشروط، ونذكر هناك فوائده إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد أخرجه المصنف أيضا في نحو من عشرين موضعا مطولا ومختصرا وموصولا ومعلقا‏.‏

ومطابقته للترجمة من جهة أن تقاضيه لثمن الجمل كان عند قدومه من السفر كما سيأتي واضحا‏.‏

وغفل مغلطاي حيث قال‏:‏ ليس فيه ما بوب عليه‏.‏

لأن لقائل أن يقول إن جابرا لم يقدم من سفر لأنه ليس فيه ما يشعر بذلك، قال النووي‏:‏ هذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر ينوي بها صلاة القدوم، لا أنها تحية المسجد التي أمر الداخل بها قبل أن يجلس، لكن تحصل التحية بها‏.‏

وتمسك بعض من منع الصلاة في الأوقات المنهية ولو كانت ذات سبب بقوله ‏"‏ ضحى ‏"‏ ولا حجة فيه لأنها واقعة عين‏.‏