فصل: باب الذَّرِيرَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْفَرْقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الفرق‏)‏ بفتح الفاء وسكون الراء بعدها قاف، أي فرق شعر الرأس، وهو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس، يقال فرق شعره فرقا بالسكون، وأصله من الفرق بين الشيئين، والمفرق مكان انقسام الشعر من الجبين إلى دارة وسط الرأس، وهو بفتح الميم وبكسرها، وكذلك الراء تكسر وتفتح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَسَدَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ كذا وصله إبراهيم بن سعد ويونس، وقد تقدم في الهجرة وغيرها، واختلف على معمر في وصله وإرساله، قال عبد الرزاق في مصنفه ‏"‏ أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‏"‏ فذكره مرسلا، وكذا أرسله مالك حيث أخرجه في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن زياد بن سعد عن الزهري ولم يذكر من فوقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ وكان إذا شك في أمر لم يؤمر فيه بشيء صنع ما يصنع أهل الكتاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم‏)‏ بسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يرسلونها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان المشركون يفرقون‏)‏ هو بسكون الفاء وضم الراء وقد شددها بعضهم حكاه عياض قال‏:‏ والتخفيف أشهر، وكذا في قوله ‏"‏ ثم فرق ‏"‏ الأشهر فيه التخفيف، وكأن السر في ذلك أن أهل الأوثان أبعد عن الإيمان من أهل الكتاب، ولأن أهل الكتاب يتمسكون بشريعة في الجملة فكان يحب موافقتهم ليتألفهم ولو أدت موافقتهم إلى مخالفة أهل الأوثان، فلما أسلم أهل الأوثان الذين معه والذين حوله واستمر أهل الكتاب على كفرهم تمحضت المخالفة لأهل الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم فرق بعد‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ ثم أمر بالفرق ففرق ‏"‏ وكان الفرق آخر الأمرين، ومما يشبه الفرق والسدل صبغ الشعر وتركه كما تقدم، ومنها صوم عاشوراء، ثم أمر بنوع مخالفة لهم فيه بصوم يوم قبله أو بعده، ومنها استقبال القبلة، ومخالفتهم في مخالطة الحائض حتى قال ‏"‏ اصنعوا كل شيء إلا الجماع ‏"‏ فقالوا‏.‏

ما يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، وقد تقدم بيانه في كتاب الحيض، وهذا الذي استقر عليه الأمر‏.‏

ومنها ما يظهر إلى النهي عن صوم يوم السبت، وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره، وصرح أبو داود بأنه منسوخ وناسخه حديث أم سلمة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد يتحرى ذلك ويقول إنهما يوما عبد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد ‏"‏ أخرجه أحمد والنسائي، وأشار بقوله ‏"‏ يوما عيد ‏"‏ إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود والأحد عيد عند النصارى وأيام العيد لا تصام فخالفهم بصيامها، ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيدا بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه، وأما السبت والأحد فالأول أن يصاما معا وفرادى امتثالا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب، قال عياض‏:‏ سدل الشعر إرساله، يقال سدل شعره وأسدله إذا أرسله ولم يضم جوانبه، وكذا الثوب، والفرق تفريق الشعر بعضه من بعض وكشفه عن الجبين، قال والفرق سنة لأنه الذي استقر عليه الحال‏.‏

والذي يظهر أن ذلك وقع بوحي، لقول الراوي في أول الحديث إنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، فالظاهر أنه فرق بأمر من الله حتى ادعى بعضهم فيه النسخ ومنع السدل واتخاذ الناصية‏.‏

وحكي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وتعقبه القرطبي بأن الظاهر أن الذي كان صلى الله عليه وسلم يفعله إنما هو لأجل استئلافهم، فلما لم ينجع فيهم أحب مخالفتهم فكانت مستحبة لا واجبة عليه‏.‏

وقول الراوي ‏"‏ فيما لم يؤمر فيه بشيء ‏"‏ أي لم يطلب منه والطلب يشمل الوجوب والندب وأما توهم النسخ في هذا فليس بشيء لإمكان الجمع، بل يحتمل أن لا يكون الموافقة والمخالفة حكما شرعيا إلا من جهة المصلحة، قال‏:‏ ولو كان السدل منسوخا لصار إليه الصحابة أو ‏"‏ أكثرهم، والمنقول عنهم أن منهم من كان يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض، وقد صح أنه كانت له صلى الله عليه وسلم لمة، فإن انفرقت فرقها وإلا تركها، فالصحيح أن الفرق مستحب لا واجب، وهو قول مالك والجمهور‏.‏

قلت‏:‏ وقد جزم الحازمي بأن السدل نسخ بالفرق، واستدل برواية معمر التي أشرت إليها قبل وهو ظاهر‏.‏

وقال النووي‏:‏ الصحيح جواز السدل والفرق‏.‏

قال‏:‏ واختلفوا في معنى قوله ‏"‏ يحب موافقة أهل الكتاب ‏"‏ فقيل للاستئناف كما تقدم، وقيل المراد أنه كان مأمورا باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشيء وما علم أنهم لم يبدلوه‏.‏

واستدل به بعضهم على أن شرع من قبلنا شرع لنا حتى يرد في شرعنا ما يخالفه، وعكس بعضهم فاستدل به على أنه ليس بشرع لنا لأنه لو كان كذلك لم يقل ‏"‏ يحب ‏"‏ بل كان يتحتم الاتباع‏.‏

والحق أن لا دليل في هذا على المسألة، لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم لا ما يؤخذ عنهم هم إذ لا وثوق بنقلهم، والذي جزم به القرطبي أنه كان يوافقهم لمصلحة التأليف محتمل، ويحتمل أيضا - وهو أقرب - أن الحالة التي تدور بين الأمرين لا ثالث لهما إذا لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيء كان يعمل فيه بموافقة أهل الكتاب لأنهم أصحاب شرع بخلاف عبدة الأوثان فإنهم ليسرا على شريعة، فلما أسلم المشركون انحصرت المخالفة في أهل الكتاب فأمر بمخالفتهم، وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت على الثلاثين حكما، وقد أودعتها كتابي الذي سميته ‏"‏ القول الثبت في الصوم يوم السبت ‏"‏ ويؤخذ من قول ابن عباس في الحديث ‏"‏ كان يحب موافقة أهل الكتاب ‏"‏ وقوله ‏"‏ ثم فرق ‏"‏ بعد نسخ حكم تلك الموافقة كما قررته ولله الحمد، ويؤخذ منه أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ

الشرح‏:‏

حديث عائشة قالت ‏"‏ كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الحج، وقوله ‏"‏عبد الله ‏"‏ هو ابن رجاء الذي أخرج الحديث عنه مقرونا بأبي الوليد وهو الطيالسي، وأراد أن أبا الوليد رواه بلفظ الجمع فقال ‏"‏ مفارق ‏"‏ وعبد الله بن رجاء رواه بلفظ الإفراد فقال ‏"‏ مفرق ‏"‏ وقد وافق عبد الله بن رجاء آدم عند المصنف في الطهارة ومحمد بن كثير عند الإسماعيلي وكذا عند مسلم من رواية الحسن بن عبيد الله وعند أحمد من رواية منصور وحماد وعطاء بن السائب كلهم عن إبراهيم عنه، ووافق أبا الوليد محمد بن جعفر غندر عند مسلم والأعمش عند أحمد والنسائي وعبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عند مسلم، وكأن الجمع وقع باعتبار تعدد انقسام الشعر، والله أعلم‏.‏

*3*باب الذَّوَائِبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الذوائب‏)‏ جمع ذؤابة، والأصل ذآئب فأبدلت الهمزة واوا، والذؤابة ما يتدلى من شعر الرأس‏.‏

ذكر فيه حديث ابن عباس في صلاته خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وقد مضى شرحه في الصلاة، والغرض منه هنا قوله ‏"‏ فأخذ بذؤابتي ‏"‏ فإن فيه تقريره صلى الله عليه وسلم على اتخاذ الذؤابة، وفيه دفع لرواية من فسر القزع بالذؤابة كما سأذكره في الباب الذي يليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ ح و حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ خَالَتِي وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ بِهَذَا وَقَالَ بِذُؤَابَتِي أَوْ بِرَأْسِي

الشرح‏:‏

أورد المصنف الحديث من رواية الفضل بن عنبسة عن هشيم، ثم أردفها بروايته عاليا عن قتيبة عن هشيم، وإنما أورده نازلا من أجل تصريح هشيم فيها بالإخبار، ثم أردفه بروايته عاليا أيضا عن عمرو بن محمد الناقد عن هشيم مصرحا أيضا، وكأنه استظهر بذلك لأن في الفضل بن عنبسة مقالا لكنه غير قادح، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع‏.‏

*3*باب الْقَزَعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القزع‏)‏ بفتح القاف والزاي ثم المهملة جمع قزعة وهي القطعة من السحاب، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه قزعا تشبيها بالسحاب المتفرق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنِي مَخْلَدٌ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ الْقَزَعِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ قُلْتُ وَمَا الْقَزَعُ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ وَتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً وَهَا هُنَا وَهَا هُنَا فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ قِيلَ لعبيد الله فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ قَالَ لَا أَدْرِي هَكَذَا قَالَ الصَّبِيُّ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن سلام، ومخلد بسكون المعجمة هو ابن يزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عبيد الله بن حفص‏)‏ هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو العمري المشهور، نسبه ابن جريج في هذه الرواية إلى جده وقد أخرجه أبو قرة في ‏"‏ السنن ‏"‏ عن ابن جريج وأبو عوانة من طريقه فقال ‏"‏ عن عبيد الله بن عمر حفص ‏"‏ وعبيد الله بن عمر وشيخه هنا عمر بن نافع والراوي عنه هو ابن جريج أقران متقاربون في السن واللقاء والوفاة واشترك الثلاثة في الرواية عن نافع، فقد نزل ابن جريج في هذا الإسناد درجتين، وفيه دلالة على قلة تدليسه، وقد وافق مخلد بن يزيد على هذه الرواية أبو قرة موسى بن طارق في ‏"‏ السنن ‏"‏ عن ابن جريج وأخرجه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما من طريقه وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق هشام بن سليمان عن ابن جريج، وكذلك قال حجاج بن محمد عن ابن جريج، وأخرجه النسائي والإسماعيلي وأبو عوانة وأبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريقه، لكن سقط ذكر عمر بن نافع من رواية النسائي ومن رواية لأبي عوانة أيضا، وقد صرح الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ بأن حجاج بن محمد وافق مخلد بن يزيد على ذكر عمر بن نافع وأخرجه النسائي من رواية سفيان الثوري على الاختلاف عليه في إسقاط عمر بن نافع وإثباته وقال إثباته أولى بالصواب وأخرجه الترمذي من رواية حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع لم يذكر عمر بن نافع وهو مقلوب‏.‏

وإنما هو عند حماد بن زيد عن عبد الرحمن السراج عن نافع أخرجه مسلم، وقد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم من طرق متعددة عن عبيد الله بن عمر بإثبات عمر بن نافع، ورواه سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه، وكأنهم سلكوا الجادة لأن عبيد الله بن عمر معروف بالرواية عن نافع مكثر عنه، والعمدة على من زاد عمر بن نافع بينهما لأنهم حفاظ ولا سيما فيهم من سمع عن نافع نفسه كابن جريج والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبيد الله قلت وما القزع‏)‏ ‏؟‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وظاهره أن المسئول هو عمر بن نافع لكن بين مسلم أن عبيد الله إنما سأل نافعا، وذلك أنه أخرجه من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر ‏"‏ أخبرني عمر بن نافع عن أبيه ‏"‏ فذكر الحديث قال ‏"‏ قلت لنافع وما القزع‏؟‏ ‏"‏ فذكر الجواب ‏"‏ وأشار لنا عبيد الله قال‏:‏ إذا حلق الصبي وترك هاهنا شعرة وهاهنا وها هنا فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه ‏"‏ المجيب بقوله‏:‏ ‏"‏ قال إذا حلق ‏"‏ هو نافع وهو ظاهر سياق مسلم من طريق يحيى القطان المذكورة لفظه ‏"‏ قال يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قيل لعبيد الله‏)‏ لم أقف على تسمية القائل، ويحتمل أن يكون هو ابن جريج أبهم نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فالجارية والغلام‏)‏ كأن السائل فهم التخصيص بالصبي الصغير فسأل عن الجارية الأنثى وعن الغلام والمراد به غالبا المراهق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبيد الله وعاودته‏)‏ هو موصول بالسند المذكور، كأن عبيد الله لما أجاب السائل بقوله لا أدري أعاد سؤال شيخه عنه، وهذا يشعر بأنه حدث عنه به في حال حياته، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر قال وجعل التفسير من قول عبيد الله بن عمر ثم أخرجه من طريق عثمان الغطفاني وروح بن القاسم كلاهما عن عمر بن نافع قال ‏"‏ وألحقا التفسير في الحديث ‏"‏ يعني أدرجاه ولم يسق مسلم لفظه، وقد أخرجه أحمد عن عثمان الغطفاني ولفظه ‏"‏ نهي عن القزع، والقزع أن يحلق ‏"‏ فذكر التفسير مدرجا، وأخرجه أبو داود عن أحمد‏.‏

وأما رواية روح بن القاسم فأخرجها مسلم وأبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن السراج عن نافع ولم يسق لفظ، وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من هذا الوجه فحذف التفسير، وأخرجه مسلم أيضا من طريق معمر عن أيوب عن نافع ولم يسق لفظه، وهو عند عبد الرزاق في مصنفه عن معمر، وأخرجه أبو داود والنسائي وفي سياقه ما يدل على مستند من رفع القزع ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك فقال‏:‏ احلقوا كله أو ذروا كله ‏"‏ قال النووي‏:‏ الأصح أن القزع ما فسره به نافع وهو حلق بعض رأس الصبي مطلقا، ومنهم من قال‏:‏ هو حلق مواضع متفرقة منه، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به‏.‏

قلت‏:‏ إلا أن تخصيصه بالصبي ليس قيدا، قال النووي‏:‏ أجمعوا على كراهيته إذا كان في مواضع متفرقة إلا للمداواة أو نحوها وهي كراهة تنزيه ولا فرق بين الرجل والمرأة، وكرهه مالك في الجارية والغلام وقيل في رواية لهم لا بأس به في القصة والقفا للغلام والجارية، قال‏:‏ ومذهبنا كراهته مطلقا‏.‏

قلت‏:‏ حجته ظاهرة لأنه تفسير الراوي، واختلف في علة النهي فقيل‏:‏ لكونه يشوه الخلقة، وقيل لأنه زي الشيطان، وقيل لأنه زي اليهود، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما‏)‏ القصة بضم القاف ثم المهملة والمراد بها هنا شعر الصدغين والمراد بالقفا شعر القفا، والحاصل منه أن القزع مخصوص بشعر الرأس وليس شعر الصدغين والقفا من الرأس‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال‏:‏ ‏"‏ لا بأس بالقصة ‏"‏ وسنده صحيح، وقد تطلق القصة على الشعر المجتمع الذي يوضع على الأذن من غير أن يوصل شعر الرأس، وليس هو المراد هنا، وسيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب الموصولة‏"‏، وأما ما أخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع، وهو أن يحلق رأس الصبي ويتخذ له ذؤابة ‏"‏ فما أعرف الذي فسر القزع بذلك، ففد أخرج أبو داود عقب هذا من حديث أنس ‏"‏ كانت لي ذؤابة فقالت أمي‏:‏ لا أجزها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدها ويأخذ بها ‏"‏ وأخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه أنه ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ذؤابته وسمت عليه ودعا له ‏"‏ ومن حديث ابن مسعود وأصله في الصحيحين قال‏:‏ ‏"‏ قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وأن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان ‏"‏ ويمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها بالضفر وغيره والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة، وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب تَطْيِيبِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تطيب المرأة زوجها بيديها‏)‏ كأن فقه هذه الترجمة من جهة الإشارة إلى الحديث الوارد في الفرق بين طيب الرجل والمرأة، وأن طيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه والمرأة بالعكس، فلو كان ذلك ثابتا لامتنعت المرأة من تطيب زوجها لما يعلق بيديها وبدنها منه حالة تطييبها له، وكان يكفيه أن يطيب نفسه، فاستدل المصنف بحديث عائشة المطابق للترجمة، وقد تقدم مشروحا في الحج، وهو ظاهر فيما ترجم له، والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي وصححه الحاكم من حديث عمران بن حصين وله شاهد عن أبي موسى الأشعري عند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ ووجه التفرقة أن المرأة مأمورة بالاستتار حالة بروزها من منزلها، والطيب الذي له رائحة لو شرع لها كانت فيه زيادة في الفتنة بها، وإذا كان الخبر ثابتا فالجمع بينه وبين حديث الباب أن لها مندوحة أن تغسل أثره إذا أرادت الخروج، لأن منعها خاص بحالة الخروج والله أعلم‏.‏

وألحق بعض العلماء بذلك لبسها النعل الصرارة وغير ذلك مما يلفت النظر إليها‏.‏

وأحمد بن محمد شيخ البخاري فيه هو المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك ويحيى هو ابن سعد الأنصاري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَيَّبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي لِحُرْمِهِ وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏طيبته بيدي لحرمه، وطيبته بيدي بمنى قبل أن يفيض‏)‏ سيأتي بعد أبواب من وجه آخر عنها أنها طيبته بذريرة‏.‏

*3*باب الطِّيبِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب في الرأس واللحية‏)‏ إن كان باب بالتنوين فيكون ظاهر الترجمة الحصر في ذلك، وإن كان بالإضافة فالتقدير باب حكم الطيب أو مشروعية الطيب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق بن نصر‏)‏ هو ابن إبراهيم بن نصر نسبه إلى جده، وإسرائيل هو ابن يونس، وأبو إسحاق هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأطيب ما أجد‏)‏ يؤيد ما ذكرته في الباب الذي قبله، ولعله أشار بالترجمة إلى الحديث المذكور في التفرقة بين طيب الرجال والنساء‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ يؤخذ منه أن طيب الرجال لا يجعل في الوجه بخلاف طيب النساء، لأنهن يطيبن وجوههن ويتزين بذلك بخلاف الرجال، فإن تطييب الرجل في وجهه لا يشرع لمنعه من التشبه بالنساء‏.‏

*3*باب الِامْتِشَاطِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الامتشاط‏)‏ هو افتعال من المشط بفتح الميم وهو تسريح الشعر بالمشط، وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن حميد بن عبد الرحمن لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين قال‏:‏ ‏"‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشط أحدنا كل يوم ‏"‏ ولأصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهي عن الترجل إلا غبا ‏"‏ وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ثائر الرأس واللحية فأشار إليه بإصلاح رأسه ولحيته ‏"‏ وهو مرسل صحيح السند، وله شاهد من حديث جابر أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن، وسأذكر طرق الجمع بين مختلف هذه الأخبار في ‏"‏ باب الترجل‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الْأَبْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سهل بن سعد‏)‏ في رواية الليث عن ابن شهاب أن سهل بن سعد أخبره، وسيأتي في الديات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ قيل هو الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان، وقيل سعد غير منسوب، وسأوضح ذلك في كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ اطلع ‏"‏ بتشديد الطاء، والجحر بضم الجيم وسكون المهملة، والمدرى بكسر الميم وسكون المهملة عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض وهو يشبه المسلة يقال مدرت المرأة سرحت شعرها، وقيل مشط له أسنان يسيرة‏.‏

وقال الأصمعي وأبو عبيد‏:‏ هو المشط‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ أصل المدرى القرن وكذلك المدراة، وقيل هو عود أو حديدة كالخلال لها رأس محدد، وقيل خشبه على شكل شيء من أسنان المشط ولها ساعد جرت عادة الكبير أن يحك بها ما لا تصل إليه يده من جسده، ويسرح بها الشعر الملبد من لا يحضره المشط، وقد ورد في حديث لعائشة ما يدل على أن المدرى غير المشط أخرجه الخطيب في الكفاية عنها قالت‏:‏ ‏"‏ خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر‏:‏ المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والسواك ‏"‏ وفي إسناده أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف‏.‏

وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف أيضا‏.‏

وأخرجه الطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين ‏"‏ من وجه آخر عن عائشة أقوى من هذا لكن فيه قارورة دهن بدل المدرى‏.‏

وأخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من وجه آخر عن عائشة ‏"‏ كان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه ومشطه، وكان ينظر في المرآة إذا سرح لحيته ‏"‏ وفيه سليمان بن أرقم وهو ضعيف وله شاهد من مرسل خالد بن معدان أخرجه ابن سعد، وقرأت بخط الحافظ اليعمري عن علماء الحجاز‏:‏ المدرى تطلق على نوعين أحدهما صغير يتخذ من آبنوس أو عاج أو حديد يكون طول المسلة يتخذ لفرق الشعر فقط وهو مستدير الرأس على هيئة نصل السيف بقبضة وهذه صفته‏:‏ ثانيهما كبير وهو عود مخروط من أبنوس أو غيره وفي رأسه قطعة منحوتة في قدر الكف ولها مثل الأصابع أولاهن معوجة مثل حلقة الإبهام المستعمل للتسريح ويحك الرأس والجسد وهذه صفته‏:‏ ا ه ملخصا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تنتظر‏)‏ كذا لهم وللكشميهني تنظر وهي أولى، والأخرى بمعناها، وللإسماعيلي ‏"‏ لو علمت أنك تطلع على ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ من قبل ‏"‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة، والأبصار بفتح أوله جمع بصر وبكسره مصدر أبصر‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ من أجل البصر ‏"‏ بفتحتين أي الرؤية‏.‏

*3*باب تَرْجِيلِ الْحَائِضِ زَوْجَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ترجيل الحائض زوجها‏)‏ أي تسريحها شعره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ

الشرح‏:‏

حديث مالك عن ابن شهاب وهشام بن عروة فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة، وقد تقدم في الطهارة عن عبد الله بن يوسف الذي أخرجه عنه هنا عن مالك عن الزهري فقط، والحديث في الموطأ هكذا مفرقا عند أكثر الرواة، ورواه خالد بن مخلد وابن وهب ومعن بن عيسى وعبد الله بن نافع وأبو حذافة عن مالك عن ابن شهاب وهشام بن عروة جميعا عن عروة أخرجها الدار قطني في ‏"‏ الموطآت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض‏)‏ كذا عند جميع الرواة عن مالك، ورواه أبو حذافة عنه عن هشام بلفظ ‏"‏ أنها كانت تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجاور في المسجد وهي حائض يخرجه إليها ‏"‏ أخرجه الدار قطني أيضا‏.‏

*3*باب التَّرْجِيلِ وَالتَّيَمُّنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الترجيل والتيمن فيه‏)‏ والتيمن في الترجل أن يبدأ بالجانب الأيمن وأن يفعله باليمنى، قال ابن بطال‏:‏ الترجيل تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه، وهو من النظافة وقد ندب الشرع إليها‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏خذوا زينتكم عند كل مسجد‏)‏ وأما حديث النهي عن الترجل إلا غبا يعني الحديث الذي أشرت إليه قريبا فالمراد به ترك المبالغة في الترفه وقد روى أبو أمامة بن ثعلبة رفعه ‏"‏ البذاذة من الإيمان ‏"‏ ا ه‏.‏

وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود، والبذاذة بموحدة ومعجمتين رثاثة الهيئة، والمراد بها هنا ترك الترفه والتنطع في اللباس والتواضع فيه مع القدرة لا بسبب جحد نعمة الله تعالى‏.‏

وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن بريدة ‏"‏ أن رجلا من الصحابة يقال له عبيد قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن كثير من الإرفاه ‏"‏ قال ابن بريدة الإرفاه الترجل‏.‏

قلت‏:‏ الإرفاه بكسر الهمزة وبفاء وآخره هاء التنعم والراحة، ومنه الرفه بفتحتين وقيده في الحديث بالكثير إشارة إلى أن الوسط المعتدل منه لا يذم، وبذلك يجمع بين الأخبار‏.‏

وقد أخرج أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ من كان له شعر فليكرمه ‏"‏ وله شاهد من حديث عائشة في ‏"‏ الغيلانيات ‏"‏ وسنده حسن أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الطهارة‏.‏

*3*باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمِسْكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يذكر في المسك‏)‏ قد تقدم التعريف به في كتاب الذبائح حيث ترجم له ‏"‏ باب المسك‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ‏"‏ الحديث من أجل قوله‏:‏ ‏"‏ أطيب عند الله من ريح المسك ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام، وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ فإنه لي وأنا أجزي به ‏"‏ ظاهر سياقه أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك وإنما هو من كلام الله عز وجل‏.‏

وهو من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، كذلك أخرجه المصنف في التوحيد من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرويه عن ربكم عز وجل، قال‏:‏ لكل عمل كفارة فالصوم لي وأنا أجزي به ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرجه الشيخان من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله غز وجل‏:‏ إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ‏"‏ ولمسلم من طريق ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعد قالا‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول‏:‏ ‏"‏ إن الصوم لي وأنا أجزي به ‏"‏ وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الصيام مع الإشارة إلى ما بينت هنا، وذكرت أقوال العلماء في معنى إضافته سبحانه وتعالى الصيام إليه بقوله‏:‏ ‏"‏ فإنه في ‏"‏ ونقلت عن أبي الخير الطالقاني أنه أجاب عنه بأجوبة كثيرة نحو الخمسين، وأنني لم أقف عليه، وقد يسر الله تعالى الوقوف على كلامه، وتتبعت ما ذكره متأملا فلم أجد فيه زيادة على الأجوبة العشرة التي حررتها هناك إلا إشارات صوفية وأشياء تكررت معنى وإن تغايرت لفظا وغالبها يمكن ردها إلى ما ذكرته، فمن ذلك قوله لأنه عبادة خالية عن السعي، وإنما هي ترك محض‏.‏

وقوله‏:‏ يقول هو لي فلا يشغلك ما هو لك عما هو في‏.‏

وقوله‏:‏ من شغله ما لي عني أعرضت عنه وإلا كنت له عوضا عن الكل‏.‏

وقوله لا يقطعك ما لي عني‏.‏

وقوله‏:‏ لا يشغلك الملك عن المالك‏.‏

وقوله‏:‏ فلا تطلب غيري‏.‏

وقوله‏:‏ فلا يفسد ما لي عليك بك‏.‏

وقوله‏:‏ فاشكرني على أن جعلتك محلا للقيام بما هو لي‏.‏

وقوله‏:‏ فلا تجعل لنفسك فيه حكما‏.‏

وقوله فمن ضيع حرمة ما لي ضيعت حرمة ما له لأن فيه جبر الفرائض والحدود‏.‏

وقوله فمن أداه بما لي وهو نفسه صح البيع‏.‏

وقوله فكن حيث تصلح أن تؤدي ما لي‏.‏

وقوله أضافه إلى نفسه لأن به يتذكر العبد نعمة الله عليه في الشبع‏.‏

وقوله لأن فيه تقديم رضا الله على هوى النفس‏.‏

وقوله لأن فيه التمييز بين الصائم المطيع وبين الآكل العاصي‏.‏

وقوله‏:‏ لأنه كان محل نزول القرآن‏.‏

وقوله لأن ابتداءه على المشاهدة وانتهاءه على المشاهدة لحديث ‏"‏ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ‏"‏ وقوله‏.‏

لأن فيه رياضة النفس بترك المألوفات‏.‏

وقوله لأن فيه حفظ الجوارح عن المخالفات‏.‏

وقوله‏:‏ لأن فيه قطع الشهوات‏.‏

وقوله لأن فيه مخالفة النفس بترك محبوبها وفي مخالفة النفس موافقة الحق‏.‏

وقوله‏:‏ لأن فيه فرحة اللقاء‏.‏

وقوله لأن فيه مشاهدة الآمر به‏.‏

وقوله لأن فيه مجمع العبادات لأن مدارها على الصبر والشكر وهما حاصلان فيه‏.‏

وقوله معناه الصائم لي لأن الصوم صفة الصائم وقوله معنى الإضافة الإشارة إلى الحماية لئلا يطمع الشيطان في إفساده‏.‏

وقوله لأنه عبادة استوى فيها الحر والعبد والذكر والأنثى، وهذا عنوان ما ذكره مع إسهاب في العبارة، ولم أستوعب ذلك لأنه ليس على شرطي في هذا الكتاب، وإنما كنت أجد النفس متشوقة إلى الوقوف على تلك الأجوبة، وغالب من نقل عنه من شيوخنا لا يسوقها وإنما يقتصر على أن الطالقاني أجاب عنه بنحو من خمسين أو ستين جوابا ولا يذكر منه شيئا، فلا أدري أتركوه إعراضا أو مللا، أو اكتفى الذي وقف عليه أولا بالإشارة ولم يقف عليه من جاء من بعده، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الطِّيبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يستحب من الطيب‏)‏ كأنه يشير إلى أنه يندب استعمال أطيب ما يوجد من الطيب، ولا يعدل إلى الأدنى مع وجود الأعلى، ويحتمل أن يشير إلى التفرقة بين الرجال والنساء في التطيب كما تقدمت الإشارة إليه قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل ووهيب هو ابن خالد وهشام هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عثمان بن عروة‏)‏ هكذا أدخل هشام بينه وبين أبيه عروة في هذا الحديث أخاه عثمان، وذكر الحميدي عن سفيان بن عيينة أن عثمان قال له‏:‏ ما يروي هشام هذا الحديث إلا عني ا ه‏.‏

وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه أن الليث وداود العطار وأبا أسامة وافقوا وهيب بن خالد عن هشام في ذكر عثمان، وأن أيوب وابن المبارك وابن نمير وغيرهم رووه عن هشام عن أبيه بدون ذكر عثمان‏.‏

قلت‏:‏ ورواية الليث عند النسائي والدارمي، ورواية داود العطار عند أبي عوانة‏.‏

ورواية أبي أسامة وصلها مسلم‏.‏

ورواية أيوب عند النسائي‏.‏

وذكر الدار قطني أن إبراهيم بن طهمان وابن إسحاق وحماد بن سلمة في آخرين رووه أيضا عن هشام بدون ذكر عثمان، قال‏:‏ ورواه ابن عيينة عن هشام عن عثمان قال‏:‏ ثم لقيت عثمان فحدثني به وقال لي‏:‏ لم يروه هشام إلا عني‏.‏

قال الدار قطني‏:‏ لم يسمعه هشام عن أبيه وإنما سمعه من أخيه عن أبيه‏.‏

وأخرج الإسماعيلي عن سفيان قال‏:‏ لا أعلم عند عثمان إلا هذا الحديث ا ه‏.‏

وقد أورد له أحمد في مسنده حديثا آخر في فضل الصف الأول وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عند إحرامه بأطيب ما أجد‏)‏ في رواية أبي أسامة بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم‏.‏

وفي رواية أحمد عن ابن عيينة ‏"‏ حدثنا عثمان أنه سمع أباه يقول‏:‏ سألت عائشة بأي شيء طيبت النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ بأطيب الطيب ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم، وله من طريق عمرة عن عائشة ‏"‏ لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض بأطيب ما وجدت ‏"‏ ومن طريق الأسود عن عائشة ‏"‏ كان إذا أراد أن يحرم بتطيب بأطيب ما يجد ‏"‏ وله من وجه آخر عن الأسود عنها ‏"‏ كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ‏"‏ ومن طريق القاسم عن عائشة ‏"‏ كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بطيب فيه مسك ‏"‏ وقد تقدم بسط هذا الموضع والبحث في أحكامه في كتاب الحج، والغرض منه هنا أن المراد بأطيب الطيب المسك، وقد ورد ذلك صريحا أخرجه مالك من حديث أبي سعيد رفعه قال‏:‏ ‏"‏ المسك أطيب الطيب ‏"‏ وهو عند مسلم أيضا‏.‏

*3*باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يرد الطيب‏)‏ كأنه أشار إلى النهي عن رده ليس على التحريم وقد ورد ذلك في بعض طرق الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عزرة‏)‏ بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء ابن ثابت أي ابن أبي زيد عمرو بن أخطب، لجده صحبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزعم‏)‏ هو من إطلاق الزعم على القول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لا يرد الطيب‏)‏ أخرجه البزار من وجه آخر عن أنس بلفظ ‏"‏ ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم طيب قط فرده ‏"‏ وسنده حسن‏.‏

وللإسماعيلي من طريق وكيع عن عزرة بسند حديث الباب نحوه وزاد ‏"‏ وقال‏:‏ إذا عرض على أحدكم الطيب فلا يرده ‏"‏ وهذه الزيادة لم يصرح برفعها، وقد أخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من رواية الأعرج عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح خفيف المحمل ‏"‏ وأخرج مسلم من هذا الوجه لكن وقع عنده ‏"‏ ريحان ‏"‏ بدل طيب، والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة، قال المنذري‏:‏ ويحتمل أن يراد بالريحان جميع أنواع الطيب يعني مشتقا من الرائحة‏.‏

قلت‏:‏ مخرج الحديث واحد، والذين رووه بلفظ الطيب أكثر عددا وأحفظ فروايتهم أولى، وكأن من رواه بلفظ ريحان أراد التعميم حتى لا يخص بالطيب المصنوع، لكن اللفظ غير واف بالمقصود، وللحديث شاهد عن ابن عباس أخرجه الطبراني بلفظ ‏"‏ من عرض عليه الطيب فليصب منه ‏"‏ نعم أخرج الترمذي من مرسل أبي عثمان النهدي ‏"‏ إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة ‏"‏ قال ابن العربي إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه ولحاجته إليه أكثر من غيره لأنه يناجي من لا نناجي، وأما نهيه عن رد الطيب فهو محمول على ما يحوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه، لأنه مردود بأصل الشرع‏.‏

*3*باب الذَّرِيرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الذريرة‏)‏ بمعجمة وراءين بوزن عظيمة، وهي نوع من الطيب مركب، قال الداودي تجمع مفرداته ثم تسحق وتنخل ثم تذر في الشعر والطوق فلذلك سميت ذريرة، كذا قال، وعلى هذا فكل طيب مركب ذريرة، لكن الذريرة نوع من الطيب مخصوص يعرفه أهل الحجاز وغيرهم، وجزم غير واحد منهم النووي بأنه فتاب قصب طيب يجاء به من الهند‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عثمان بن الهيثم أو محمد عنه‏)‏ أما محمد فهو ابن يحيى الذهلي، وأما عثمان فهو من شيوخ البخاري، وقد أخرج عنه عدة أحاديث بلا واسطة منها في أواخر الحج، وفي النكاح‏.‏

وأخرج عنه في الأيمان والنذور كما سيأتي حديثا آخر بمثل هذا التردد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة‏)‏ أي ابن الزبير وهو مدني ثقة قليل الحديث ما له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وقد ذكر ابن حبان في أتباع التابعين من الثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع عروة‏)‏ هو جده والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بذريرة‏)‏ كأن الذريرة كان فيها مسك بدليل الرواية الماضية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للحل والإحرام‏)‏ كذا وقع مختصرا هنا وكذا لمسلم، وأخرجه الإسماعيلي من رواية روح بن عبادة عن ابن جريج بلفظ ‏"‏ حين أحرم وحين رمى الجمرة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت‏"‏‏.‏