فصل: باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا يُذْكَرُ فِي السِّكِّينِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يذكر في السكين‏)‏ ذكر فيه حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة ‏"‏ الحديث، وفي الطريق الأخرى ‏"‏ فألقى السكين ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في قتال الروم‏)‏ أي من الفضل واختلفت في الروم فالأكثر أنهم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم، واسم جدهم قيل روماني وقيل هو ابن ليطا بن يونان بن يافث بن نوح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحَةِ حِمْصَ وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ قَالَ عُمَيْرٌ فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ قَالَ أَنْتِ فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ فَقُلْتُ أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد بن معدان‏)‏ بفتح الميم وسكون المهملة، والإسناد كله شاميون، وإسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي نسب لجده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمير بن الأسود العنسي‏)‏ بالنون والمهملة، وهو شامي قديم يقال اسمه عمرو، وعمير بالتصغير لقبه، وكان عابدا مخضرما، وكان عمر يثنى عليه، ومات في خلافة معاوية، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عند من يفرق بينه وبين أبي عياض عمرو بن الأسود، والراجح التفرقة وأم حرام بمهملتين تقدم ذكرها في أوائل الجهاد في حديث أنس، وقد حدث عنها أنس هذا الحديث أتم من هذا السياق وأخرج الحسن بن سفيان هذا الحديث في مسنده عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة بسند البخاري وزاد في آخره ‏"‏ قال هشام رأيت قبرها بالساحل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يغزون مدينة قيصر‏)‏ يعني القسطنطينية، قال المهلب‏:‏ في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر وتعقبه ابن التين وابن المنير بما حاصله‏:‏ أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم وأما قول ابن التين يحتمل أن يكون لم يحضر مع الجيش فمردود، إلا أن يريد لم يباشر القتال فيمكن فإنه كان أمير ذلك الجيش بالاتفاق وجوز بعضهم أن المراد بمدينة قيصر المدينة التي كان بها يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقالة وهي حمص وكانت دار مملكته إذ ذاك، وهذا يندفع بأن في الحديث أن الذين يغزون البحر قبل ذلك وأن أم حرام فيهم، وحمص كانت قد فتحت قبل الغزوة التي كانت فيها أم حرام والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وكانت غزوة يزيد المذكورة في سنة اثنتين وخمسين من الهجرة، وفي تلك مات أبو أيوب الأنصاري فأوصى أن يدفن عند باب القسطنطينية وأن يعفى قبره ففعل به ذلك، فيقال إن الروم صاروا بعد ذلك يستسقون به وفي الحديث أيضا الترغيب في سكني الشام، وقوله ‏"‏قد أوجبوا ‏"‏ أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة‏.‏

*3*باب قِتَالِ الْيَهُودِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قتال اليهود‏)‏ ذكر فيه حديثي ابن عمر وأبي هريرة في ذلك، وهو إخبار بما يقع في مستقبل الزمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِيَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الفروي‏)‏ بفتح الفاء والراء منسوب إلى جده أبي فروة، وإسحاق هذا غير إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة الضعيف، وهو - أعني إسحاق بن عبد الله - عم والد هذا وإسحاق هذا ربما روى عنه البخاري بواسطة وهذا الحديث مما حدث به مالك خارج الموطأ، ولم ينفرد به إسحاق المذكور بل تابعه ابن وهب ومعن ابن عيسى وسعيد بن داود والوليد بن مسلم أخرجها الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ وأخرج الإسماعيلي طريق ابن وهب فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقاتلون‏)‏ فيه جواز مخاطبة الشخص والمراد غيره ممن يقول ويعتقد اعتقاده، لأنه من المعلوم أن الوقت الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم لم يأت بعد، وإنما أراد بقوله ‏"‏ تقاتلون ‏"‏ مخاطبة المسلمين ويستفاد منه أن الخطاب الشفاهي يعم المخاطبين ومن بعدهم، وهو متفق عليه من جهة الحكم وإنما وقع الاختلاف فيه في حكم الغائبين‏:‏ هل وقع بتلك المخاطبة نفسها، أو بطريق الإلحاق‏؟‏ وهذا الحديث يؤيد من ذهب إلى الأول وفيه إشارة إلى بقاء دين الإسلام إلى أن ينزل عيسى عليه السلام، فإنه الذي يقاتل الدجال، ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال على ما ورد من طريق أخرى، وسيأتي بيانها مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قِتَالِ التُّرْكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قتال الترك‏)‏ اختلف في أصل الترك، فقال الخطابي‏:‏ هم بنو قنطوراء أمة كانت لإبراهيم عليه السلام وقال كراع‏:‏ هم الديلم وتعقب بأنهم جنس من الترك، وكذلك الغز وقال أبو عمرو‏:‏ هم من أولاد يافث وهم أجناس كثيرة وقال وهب بن منبه، هم بنو عم يأجوج ومأجوج، لما بنى ذو القرنين السد كان بعض يأجوج ومأجوج غائبين فتركوا لم يدخلوا مع قومهم فسموا الترك وقيل أنهم من نسل تبع، وقيل من ولد أفريدون بن سام بن نوح، وقيل ابن يافث لصلبه، وقيل ابن كومي بن يافث ذكر فيه حديثين أحدهما حديث عمرو بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة، والحسن هو البصري، والإسناد كله بصريون‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أشراط الساعة‏)‏ زاد الكشميهني في أوله ‏"‏ أن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينتعلون نعال الشعر‏)‏ ، هذا والحديث الذي بعده ظاهر في أن الذين ينتعلون الشعر غير الترك وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد قال‏:‏ بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر‏.‏

قلت‏:‏ بابك بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف يقال له الخرمي بضم المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات، وقامت لهم شوكة كبيرة في أيام المأمون، وغلبوا على كثير من بلاد العجم كطبرستان والري، إلى أن قتل بابك المذكور في أيام المعتصم، وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين أو قبلها، وقتله في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المجان‏)‏ بالجيم وتشديد النون جمع مجن، وقد تقدم ذكره قبل أبواب والمطرقة التي ألبست الأطرقة من الجلود وهي الأغشية، تقول طارقت بين النعلين أي جعلت إحداهما على الأخرى وقال الهروي‏:‏ هي التي أطرقت بالعصب أي ألبست به ثانيهما حديث أبا هريرة في ذلك‏.‏

*3*باب قِتَالِ الَّذِينَ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قتال الذين ينتعلون الشعر‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور من وجه آخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ قَالَ سُفْيَانُ وَزَادَ فِيهِ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً صِغَارَ الْأَعْيُنِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان وزاد فيه أبو الزناد‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وأخطأ من زعم أنه معلق، وقد وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن عبادة عن سفيان بالإسنادين معا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواية‏)‏ هو عوض عن قوله ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن عباد عن سفيان بلفظ ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ووقع في الباب الذي قبله من وجه آخر عن الأعرج بلفظ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه ‏"‏ حمر الوجوه ‏"‏ ولم يذكر ‏"‏ صغار الأعين ‏"‏ وقوله ‏"‏ ذلف الأنوف ‏"‏ أي صغارها، والعرب تقول أملح النساء الذلف، وقيل الذلف الاستواء في طرف الأنف، وقيل قصر الأنف وانبطاحه، وسيأتي بقية شرح هذا الحديث في علامات النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَاسْتَنْصَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صف أصحابه عند الهزيمة‏)‏ أي صف من ثبت معه بعد هزيمة من انهزم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلَاحٍ فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ

الشرح‏:‏

حديث البراء في قصة حنين، وهو ظاهر فيما ترجم له، ووقع في أخره ‏"‏ ثم صف أصحابه وذلك بعد أن نزل واستنصر والمراد بقوله واستنصر أي استنصر الله بعد أن رمى الكفار بالتراب، وسيأتي شرح ذلك مستوفى في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة‏)‏ ذكر فيه خمسة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

حديث على ‏"‏ لما كان يوم الأحزاب ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو الدستوائي، وزعم الأصيلي أنه ابن حسان، ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين، وتجاسر الكرماني فقال‏:‏ المناسب أنه هشام بن عروة وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى، وفيه الدعاء عليهم بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة، لكن يؤخذ ذلك من لفظ الزلزلة لأن في إحراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت وفيه ‏"‏ اللهم اشدد وطأتك على مضر ‏"‏ ودخوله في الترجمة بطريق العموم لأن شدة الوطأة يدخل تحتها ما ترجم به، فإن المراد اشدد عليهم البأس والعقوبة والأخذ الشديد وابن ذكوان المذكور في الإسناد هو أبو الزناد واسمه عبد الله، وقد تقدم من وجه آخر في كتاب الوتر، ويأتي شرحه مستوفى في التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللَّهُمَّ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ

الشرح‏:‏

حديث ابن أبي أوفى، وهو ظاهر فيما ترجم له، والمراد الدعاء عليهم إذا انهزموا أن لا يستقر لهم قرار وقال الداودي‏:‏ أراد أن تطيش عقولهم، وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتوا وقد ذكر الإسماعيلي من وجه آخر زيادة في هذا الدعاء، وسيأتي التنبيه عليها في ‏"‏ باب لا تتمنوا لقاء العدو ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَنُحِرَتْ جَزُورٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ فَأَرْسَلُوا فَجَاءُوا مِنْ سَلَاهَا وَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَلْقَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَنَسِيتُ السَّابِعَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَقَالَ شُعْبَةُ أُمَيَّةُ أَوْ أُبَيٌّ وَالصَّحِيحُ أُمَيَّةُ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن مسعود في قصة الجزور التي نحرت بمكة وفيه ‏"‏ اللهم عليك بقريش ‏"‏ وفيه ما قررته في الحديث الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو إسحاق‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وكأنه لما حدث سفيان بهذا الحديث كان نسى السابع وقول المصنف ‏"‏ قال يوسف بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق‏:‏ أمية بن خلف‏.‏

وقال شعبة‏:‏ أمية أو أبي، والصحيح أمية ‏"‏ أراد بذلك أن أبا إسحاق حدث به مرة فقال أبي بن خلف وهذه رواية سفيان وهو الثوري هنا، وحدث به أخرى فقال أمية وهي رواية شعبة وحدث به أخرى فشك فيه ويوسف المذكور هو ابن إسحاق بن أبي إسحاق نسبه إلى جده، وقد وصل المصنف حديثه بطوله في الطهارة، وطريق شعبة وصلها المؤلف أيضا في كتاب المبعث، وقد بينت في الطهارة أن إسرائيل روى عن أبي إسحاق هذا الحديث فسمى السابع وذكرت ما فيه من البحث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْيَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ فَلَعَنْتُهُمْ فَقَالَ مَا لَكِ قُلْتُ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ فَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة اليهود وفيه ‏"‏ فلم تسمعي ما قلت وعليكم ‏"‏ وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه في آخره ‏"‏ يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا‏"‏، وقد ذكرها الإسماعيلي هنا من الوجه الذي أخرجه البخاري، ففيه مشروعية الدعاء على المشركين ولو خشى الداعي أنهم يدعون عليه، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب هَلْ يُرْشِدُ الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْكِتَابِ أَوْ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب‏)‏ المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل، وبالكتاب الثاني ما هو أعم منهما ومن القرآن وغير ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ

الشرح‏:‏

طرف من حديث ابن عباس في شأن هرقل، وقد ذكره بعد بابين من وجه آخر عن ابن شهاب بطوله؛ وإسحاق شيخه فيه هو ابن منصور، وهذه الطريق أهملها المزي في الأطراف وإرشادهم منه ظاهر، وأما تعليمهم الكتاب فكأنه استنبطه من كونه كتب إليهم بعض القرآن بالعربية وكأنه سلطهم على تعليمه إذ لا يقرءونه حتى يترجم لهم ولا يترجم لهم حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه، وهذه المسألة مما اختلف فيه السلف فمنع مالك من تعليم الكافر القرآن، ورخص أبو حنيفة، واختلف قول الشافعي والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه، وبين من يتحقق أن ذلك لا ينجح فيه أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين والله أعلم‏.‏

ويفرق أيضا بين القليل منه والكثير كما تقدم في أوائل كتاب الحيض‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة في قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اللهم اهد دوسا ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم له، وقوله ‏"‏ليتألفهم ‏"‏ من تفقه المصنف إشارة منه إلى الفرق بين المقامين، وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم كما تقدم في الأحاديث التي قبل هذا بباب، والحالة الثانية حيث نؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس وسيأتي شرح الحديث المذكور في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب دَعْوَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعَلَى مَا يُقَاتَلُونَ عَلَيْهِ

وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دعوة اليهود والنصارى‏)‏ أي إلى الإسلام، و قوله‏:‏ ‏(‏وعلى ما يقاتلون‏)‏ إشارة إلى أن ما ذكر في الباب الذي بعده عن على حيث قال ‏"‏ تقاتلوهم يكونوا مثلنا ‏"‏ وفيه أمره صلى الله عليه وسلم له بالنزول بساحتهم ثم دعائهم إلى الإسلام ثم القتال، ووجه أخذه من حديثي الباب أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يتوجه إلى مقاتلهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر‏)‏ قد ذكر ذلك في الباب مسندا، وقوله والدعوة قبل القتال كأنه يشير إلى حديث ابن عون في إغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق على غرة، وهو متخرج عنده في كتاب الفتن وهو محمول عند من يقول باشتراط الدعاء قبل القتال على أنه بلغتهم الدعوة، وهي مسألة خلافية‏:‏ فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى، نص عليه الشافعي وقال مالك‏:‏ من قربت داره قوتل بغير دعوة لاشتهار الإسلام، ومن بعدت داره فالدعوة أقطع للشك وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي أحد كبار التابعين قال‏:‏ كنا ندعو وندع‏.‏

قلت‏:‏ وهو منزل على الحالين المتقدمين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في اتخاذ الخاتم، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب اللباس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى حَرَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث كتابه إلى كسرى ‏"‏ وسيأتي شرحه في أواخر المغازي وفيه أن المبعوث به كان عبد الله بن حذافة السهمي، ونذكر هناك ما يتعلق بكسرى وما المراد بعظيم البحرين وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر وأن العادة جرت بين الملوك بترك قتل الرسل ولهذا مزق كسرى الكتاب ولم يتعرض للرسول‏.‏

*3*باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّبُوَّةِ

وَأَنْ لَا يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وقوله تعالى ‏(‏ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب‏)‏ الآية‏)‏ أورد فيه أحاديث‏.‏

وأما قوله تعالى ‏(‏ما كان لبشر‏)‏ فالمراد من الآية الإنكار على من قال ‏(‏كونوا عبادا لي من دون الله‏)‏ ومثلها قوله تعالى ‏(‏يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس‏)‏ الآية، وقوله تعالى ‏(‏اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله‏)‏ الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللَّهُ فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لِأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا قَالَ مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَقُلْتُ هُوَ ابْنُ عَمِّي وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي فَقَالَ قَيْصَرُ أَدْنُوهُ وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنْ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ قُلْتُ لَا فَقَالَ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ لَا قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ الْآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ قُلْتُ كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى قَالَ فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ قَالَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا

فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدِرُونَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا وَيُدَالُ عَلَيْكُمْ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أَنَّهُ مِنْكُمْ وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلَا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ يَخَافُهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِي الْإِسْلَامَ وَأَنَا كَارِهٌ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وفيه حديث عن أبي سفيان بن حرب وقد تقدم بطوله في بدء الوحي والكلام عليه مستوفى، وهو ظاهر فيما ترجم به، ويأتي شيء من الكلام عليه في تفسير سورة آل عمران إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ

الشرح‏:‏

حديث سهل بن سعد في إعطاء على الراية يوم خيبر، وسيأتي شرحه في المغازي، والغرض منه قوله ‏"‏ تم ادعهم إلى الإسلام‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا

الشرح‏:‏

حديث أنس في ترك الإغارة على من سمع منهم الأذان، ذكره من وجهين، وسيأتي وشرحه في غزوة خيبر أيضا، وهو دال على جواز قتال من بلغته الدعوة بغير دعوة، فيجمع بينه وبين حديث سهل الذي قبله بأن الدعوة مستحبة لا شرط، وفيه دلالة على الحكم بالدليل لكونه كف عن القتال بمجرد سماع الأذان، وفيه الأخذ بالأحوط في أمر الدعاء لأنه كف عنهم في تلك الحالة مع احتمال أن لا يكون ذاك على الحقيقة، ووقع هنا ‏"‏ فلما أصبح خرجت يهود خيبر بمساحيهم ‏"‏ ووقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم ‏"‏ فأتيناهم حين بزغت الشمس ‏"‏ ويجمع بأنهم وصلوا أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا، وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، الحديث، وهو ظاهر فيها ترجم له أولا حيث قال ‏"‏ وعلام تقاتلون ‏"‏ وقد مضى شرحه في كتاب الإيمان في الكلام على حديث ابن عمر، لكن في حديث ابن عمر زيادة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقد وردت الأحاديث بذلك زائدا بعضها على بعض، ففي حديث أبي هريرة الاقتصار على قول لا إله إلا الله، وفي حديثه من وجه آخر عند مسلم ‏"‏ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا سول الله ‏"‏ وفي حديث ابن عمر ما ذكرت، وفي حديث أنس الماضي في أبواب القبلة ‏"‏ فإذا صلوا واستقبلوا وأكلوا ذبيحتنا ‏"‏ قال الطبري وغيره‏:‏ أما الأول فقاله في حالة قتاله لأهل الأوثان الذين لا يقرون بالتوحيد، وأما الثاني فقاله في حالة قتال أهل الكتاب الذين يعترفون بالتوحيد ويجحدون نبوته عموما أو خصوصا وأما الثالث ففيه الإشارة إلى أن من دخل في الإسلام وشهد بالتوحيد وبالنبوة ولم يعمل بالطاعات أن حكمهم أن يقاتلوا حتى يذعنوا إلى ذلك، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في أبواب القبلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي مثل حديث أبي هريرة، أما رواية عمر فوصلها المؤلف في الزكاة، وأما رواية ابن عمر فوصلها المؤلف في الإيمان

*3*باب مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا وَمَنْ أَحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أراد غزوة فورى بغيرها ومن أحب الخروج إلى السفر يوم الخميس‏)‏ أما الجملة الأولى فمعنى ‏"‏ روى ‏"‏ ستر وتستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره، وأصله من الوري بفتح ثم سكون وهو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه، وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة قال‏:‏ وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة وكأنهم سهلوها‏.‏

وأما الخروج يوم الخميس فلعل سببه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس ‏"‏ وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغر ابن شريط بفتح المعجمة أوله‏.‏

وكونه صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه، وسيأتي بعد باب أنه خرج في بعض أسفاره يوم السبت‏.‏

ثم أورد المصنف أطرافا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة غزوة تبوك ظاهرة فيما ترجم له، وروى سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عتيبة قال ‏"‏ بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب أن يخرج يوم الخميس‏"‏‏.‏

وقوله في الطريق الثانية ‏"‏ وعن يونس عن الزهري ‏"‏ هو موصول بالإسناد الأول عن عبد الله وهو ابن المبارك عن يونس، ووهم من زعم أن الطريق الثانية معلقة، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن المبارك عن يونس بالحديثين جميعا بالوجهين، نعم توقف الدار قطني في هذه الرواية التي وقع فيها التصريح بسماع عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك من جده وقد أوضحت ذلك في المقدمة‏.‏

والحاصل أن رواية الزهري للجملة الأولى هي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وروايته للجملة الثانية المتعلقة بيوم الخميس هي عن عمه عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وقد سمع الزهري منهما جميعا، وحدث يونس عنه بالحديثين مفصلا، وأراد البخاري بذلك دفع الوهم واللبس عمن يظن فيه اختلافا، وسيأتي مزيد بسبط لذلك في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخروج بعد الظهر‏)‏ ذكر فيه حديث أنس وقد تقدم في الحج، وكأنه أورده إشارة إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏بورك لأمتي في بكورها، لا يمنع جواز التصرف في غير وقت البكور، وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط، وحديث ‏"‏ بورك لأمتي في بكورها ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بالغين المعجمة، وقد اعتنى بعض الحفاظ بجمع طرقه فبلغ عدد من جاء عنه من الصحابة نحو العشرين نفسا‏.‏

*3*باب الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ

وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخروج آخر الشهر‏)‏ أي ردا على من كره ذلك من طريق الطيرة، وقد نقل ابن بطال أن أهل الجاهلية كانوا يتحرون أوائل الشهور للأعمال، ويكرهون التصرف في محاق القمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين‏)‏ هو طرف من حديث وصله المصنف في الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ

الشرح‏:‏

حديث عمرة عن عائشة في ذلك، وقد مضى الكلام عليهما في كتاب الحج، وفيه استعمال الفصيح في التاريخ وهو ما دام في النصف الأول من الشهر يؤرخ بما خلا، وإذا دخل النصف الثاني يؤرخ بما بقي، وقد استشكل قول ابن عباس وعائشة ‏"‏ أنه خرج لخمس بقين ‏"‏ لأن ذا الحجة كان أوله الخميس للاتفاق على أن الوقفة كانت الجمعة فيلزم من ذلك أن يكون خرج يوم الجمعة، ولا يصح ذلك لقول أنس في الحديث الذي قبله ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم خرج ‏"‏ وأجيب بأن الخروج كان يوم السبت، وإنما قال الصحابة ‏"‏ لخمس بقين ‏"‏ بناء على العدد، لأن ذا القعدة كان أوله الأربعاء فاتفق أن جاء ناقصا، فجاء أول ذي الحجة الخميس، فظهر أن الذي كان بقي من الشهر أربع لا خمس، كذا أجاب به جمع من العلماء، ويحتمل أن يكون الذي قال لخمس بقين أراد ضم يوم الخروج إلى ما بقي لأن التأهب وقع في أوله وإن اتفق التأخير إلى أن صليت الظهر، فكأنهم لما تأهبوا باتوا ليلة السبت على سفر اعتدوا به من جملة أيام السفر‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخروج في رمضان‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس في ذلك، وقد مضى شرحه في كتاب الصيام، وأراد به رفع وهم من يتوهم كراهة ذلك‏.‏

*3*باب التَّوْدِيعِ

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ وَقَالَ لَنَا إِنْ لَقِيتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ قَالَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا بِالنَّارِ وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ فَإِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التوديع‏)‏ عند السفر أي أعم من أن يكون من المسافر للمقيم أو عكسه، وحديث الباب ظاهر للأول، ويؤخذ الثاني منه بطريق الأولى، وهو الأكثر في الوقوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن وهب إلخ‏)‏ وصله النسائي والإسماعيلي من طريقه، وسيأتي موصولا للمصنف من وجه آخر ويأتي شرحه هناك بعد اثنين وأربعين بابا، وفيه تسمية من أبهم في هذا‏.‏

*3*باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السمع والطاعة للإمام‏)‏ زاد في رواية الكشميهني ما لم يأمر بمعصية، والإطلاق محمول عليه كما هو في نص الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في ذلك من وجهين، وساقه على لفظ الرواية الثانية، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى، وساقه هنا بلفظ الرواية الأولى، وقيد الترجمة هناك بما وقع هنا في رواية الكشميهني، وقوله ‏"‏فلا سمع ولا طاعة ‏"‏ بالفتح فيهما، والمراد نفي الحقيقة الشرعية لا الوجودية‏.‏

*3*باب يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الْإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يقاتل من وراء الإمام ويتقى به‏)‏ يقاتل بفتح المثناة، ولم يزد البخاري على لفظ الحديث‏.‏

والمراد به المقاتلة للدفع عن الإمام، سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه، ووراء يطلق على المعنيين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون‏)‏ الحديث طرف من حديث سبق بيانه في كتاب الجمعة، وسبق في الطهارة أن عادته في إيراد هذه النسخة - وهي شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - أن يصدر بأول حديث فيها ويعطف الباقي عليه لكونه سمعها هكذا، وأن مسلما في نسخة معمر عن همام عن أبي هريرة سلك طريقا نحو هذه، فإنه يقول في أول كل حديث منها‏:‏ فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت‏.‏

وتكلف ابن المنير فقال‏:‏ وجه مطابقة الترجمة لقوله ‏(‏نحن الآخرون السابقون‏)‏ الإشارة إلى أنه الإمام وأنه يجب على كل أحد أن يقاتل عنه وينصره، لأنه وإن تأخر في الزمان لكنه متقدم في أخذ العهد على كل من تقدمه أنه إن أدرك زمانه أن يؤمن به وينصره، فهم في الصورة أمامه وفي الحقيقة خلفه فناسب ذلك قوله ‏"‏ يقاتل من ورائه لأنه أعم من أن يراد بها الخلف أو الأمام‏.‏

الحديث‏:‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ

الشرح‏:‏

وبالإسناد السابق ‏"‏ من أطاعني فقد أطاع الله ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ وإن قال بغيره فإن عليه منه ‏"‏ كذا هنا، قيل استعمل القول بمعنى الفعل حيث قال ‏"‏ فإن قال بغيره ‏"‏ كذا قال بعض الشراح، وليس بظاهر فإنه قسيم قوله‏:‏ ‏"‏ فإن أمر ‏"‏ فيحمل على أن المراد وأن أمر، والتعبير عن الأمر بالقول لا إشكال فيه‏.‏

وقيل معنى ‏"‏ قال ‏"‏ هنا حكم، ثم قيل إنه مشتق من القيل بفتح القاف وسكون التحتانية وهو الملك الذي ينفذ حكمه بلغة حمير، وقوله ‏"‏فإن عليه منه ‏"‏ أي وزرا وحذف في هذه الرواية على طريق الاكتفاء لدلالة مقابلة عليه، وقد ثبت في غير هذه الرواية كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

ويحتمل أن يكون ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ فإن عليه منه ‏"‏ تبعيضية، أي فإن عليه بعض ما يقول‏.‏

وفي رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ منة ‏"‏ بضم الميم وتشديد النون بعدها هاء تأنيث، وهو تصحيف بلا ريب؛ وبالأول جزم أبو ذر‏.‏

وقوله ‏"‏إنما الإمام جنة ‏"‏ بضم الجيم أي سترة، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويكف أذى بعضهم عن بعض، والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس والله أعلم‏.‏

وسيأتي بقية شرحه في كتاب الأحكام‏.‏

*3*باب الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لَا يَفِرُّوا

وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَوْتِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا وقال بعضهم على الموت‏)‏ كأنه أشار إلى أن لا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين، أو أحدهما يستلزم الآخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقوله تعالى ‏(‏لقد رضي الله عن المؤمنين‏)‏ الآية‏)‏ قال ابن المنبر‏:‏ أشار البخاري بالاستدلال بالآية إلى أنهم بايعوا على الصبر، ووجه أخذه منها قوله تعالى ‏(‏فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم‏)‏ والسكينة الطمأنينة في موقف الحرب، فدل ذلك على أنهم أضمروا في قلوبهم أن لا يفروا فأعانهم على ذلك، وتعقب بأن البخاري إنما ذكر الآية عقب القول الصائر إلى أن المبايعة وقعت على الموت، ووجه انتزاع ذلك منها أن المبايعة فيها مطلقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع - وهو ممن بايع تحت الشجرة - أنه بايع على الموت، فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله ‏"‏ بل بايعهم على الصبر ‏"‏ أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم‏.‏

وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن - والد سعيد - لابن عمر على خفاء الشجرة، وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله ‏"‏ كانت رحمة من الله ‏"‏ أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى‏.‏

ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجَعْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا كَانَتْ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ فَسَأَلْتُ نَافِعًا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ لَا بَلْ بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا - أي النبي صلى الله عليه وسلم - تحتها ‏"‏ أي في عمرة الحديبية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسألنا نافعا‏)‏ قائل ذلك هو جويرية بن أسماء الراوي عنه، وقد تعقبه الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند، وأجيب بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه عن مولاه ابن عمر فيكون مسندا بهذه الطريقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ زَمَنُ الْحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ لَا أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن زيد أي ابن عاصم الأنصاري المازني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما كان زمن الحرة‏)‏ أي الوقعة التي كانت بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن ابن حنظلة‏)‏ أي عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيلي الملائكة، والسبب في تلقيبه بذلك أنه قتل بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين وقد حفظ عنه‏.‏

وأتى الكرماني بأعجوبة فقال‏:‏ ابن حنظلة هو الذي كان يأخذ البيعة ليزيد بن معاوية، والمراد به نفس يزيد لأن جده أبا سفيان كان يكنى أيضا أبا حنظلة فيكون التقدير أن ابن أبي حنظلة، ثم حذف لفظ أي تخفيفا أو يكون نسب إلى عمه حنظلة بن أبي سفيان استخفافا واستهجانا واستبشاعا بهذه الكلمة المرة انتهى‏.‏

ولقد أطال رحمه الله في غير طائل، وأتى بغير الصواب‏.‏

ولو راجع موضعا آخر من البخاري لهذا الحديث بعينه لرأي فيه ما نصه ‏"‏ لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة، فقال عبد الله بن زيد‏:‏ علام يبايع حنظلة الناس‏؟‏ ‏"‏ الحديث‏.‏

وهذا الموضع في أثناء غزوة الحديبية من كتاب المغازي، فهذا يرد احتماله الثاني، وأما احتماله الأول فيرده اتفاق أهل النقل على أن الأمير الذي كان من قبل يزيد بن معارية اسمه مسلم بن عقبة لا عبد الله بن حنظلة، وأن ابن حنظلة كان الأمير على الأنصار، وأن عبد الله بن مطيع كان الأمير على من سواهم وأنهما قتلا جميعا في تلك الوقعة‏.‏

والله المستعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أبايع على هذا أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه إيماء إلى أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وليس بصريح، ولذلك عقبه المصنف بحديث سلمة بن الأكوع لتصريحه فيه بذلك‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ والحكمة في قول الصحابي إنه لا يفعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان مستحقا للنبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم أن يقيه بنفسه، وكان فرضا عليهم أن لا يفروا عنه حتى يموتوا دونه، وذلك بخلاف غيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ أَلَا تُبَايِعُ قَالَ قُلْتُ قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيْضًا فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ

الشرح‏:‏

حديث سلمة فقوله ‏"‏ فقلت له يا أبا مسلم، هي كنية سلمة بن الأكوع، والقائل ‏"‏ فقلت ‏"‏ الراوي عنه وهو يزيد بن أبي عبيد مولاه، وهذا الحديث أحد ثلاثيات البخاري، وقد أخرجه في الأحكام أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ الحكمة في تكراره البيعة لسلمة أنه كان مقداما في الحرب فأكد عليه العقد احتياطا‏.‏

قلت‏:‏ أو لأنه كان يقاتل قتال الفارس والراجل فتعددت البيعة بتعدد الصفة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ فَأَكْرِمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ كانت الأنصار يوم الخندق تقول‏:‏ نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وهو ظاهر فيما ترجم به، وقد تقدم موصولا في أوائل الجهاد، ويأتي الكلام عليه في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَخِي فَقُلْتُ بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا فَقُلْتُ عَلَامَ تُبَايِعُنَا قَالَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ

الشرح‏:‏

حديث مجاشع وهو ابن مسعود، وأخوه اسمه مجالد بجيم، وسيأتي الكلام عليه في المغازي في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب عَزْمِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون‏)‏ المراد بالعزم الأمر الجازم الذي لا تردد فيه، والذي يتعلق به الجار والمجرور محذوف تقديره مثلا محله، والمعنى وجوب طاعة الإمام محله فيما لهم به طاقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لَا نُحْصِيهَا فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ إِلَّا أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَسَى أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلَّا مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ وَأَوْشَكَ أَنْ لَا تَجِدُوهُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود، وهذا الإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتاني اليوم رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مؤديا‏)‏ بهمزة ساكنة وتحتانية خفيفة أي كامل الأداء أي أداة الحرب، ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ معناه قويا، وكأنه فسره باللازم‏.‏

وقوله ‏"‏نشيطا ‏"‏ بنون وبمعجمة من النشاط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نخرج مع أمرائنا‏)‏ كذا في الرواية بالنون من قوله نخرج، وعلى هذا فالمراد بقوله رجلا أحدنا، أو هو محذوف الصفة أي رجلا منا، وعلى هذا عول الكرماني لأن السياق يقتضي أن يقول مع امرأته، وفيه حينئذ التفات‏.‏

ويحتمل أن يكون بالتحتانية بدل النون وفيه أيضا التفات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نحصيها‏)‏ أي لا نطيقها لقوله تعالى ‏(‏علم أن لن تحصوه‏)‏ وقيل لا ندري أهي طاعة أم معصية، والأول مطابق لما فهم البخاري فترجم به، والثاني موافق لقول ابن مسعود ‏"‏ وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه‏"‏، أي من تقوى الله أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه‏.‏

وقوله ‏"‏شك نفسه في شيء ‏"‏ من المقلوب، إذ التقدير‏:‏ وإذا شك نفسه في شيء، أو ضمن شك معنى لصق، والمراد بالشيء ما يتردد في جوازه وعدمه‏.‏

وقوله ‏"‏حتى يفعله ‏"‏ غاية لقوله ‏"‏ لا يعزم ‏"‏ أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة‏.‏

والحاصل أن الرجل سأل ابن مسعود عن حكم طاعة الأمير فأجابه ابن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما غبر‏)‏ بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى، وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي، وهو هنا محتمل للأمرين‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ هو بالماضي هنا أشبه كقوله ‏"‏ ما أذكر‏"‏‏.‏

والثغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها‏.‏

قال الفزاز‏:‏ وهو أكثر، وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق، وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا، وقيل هو نفرم في صخرة يبقى فيها الماء كذلك؛ فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه، وما بقي منها بما تأخر من كدره‏.‏

وإذا كان هذا في زمان ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا‏؟‏ وفي الحديث أنهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الإمام، وأما توقف ابن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللإشكال الذي وقع له من ذلك، وقد أشار إليه في بقية حديثه، ويستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق، فمن أجابه بوجوب طاعة الإمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد، وأن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة، فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله‏.‏

والله الهادي إلى الصواب‏.‏