فصل: باب التَّلْبِيدِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تقليم الأظفار‏)‏ تقدم بيان ذلك في الذي قبله، وقد ذكر فيه ثلاثة أحاديث، الثالث منها لا تعلق له بالظفر وإنما هو مختص بالشارب واللحية فيمكن أن يكون مراده في هذه الترجمة والتي قبلها تقليم الأظفار وما ذكر معها وقص الشارب وما ذكر معه، ويحتمل أن يكون أشار إلى أن حديث ابن عمر في الأول وحديثه في الثالث واحد، منهم من طوله ومنهم من اختصره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن أبي رجاء‏)‏ هو أحمد بن عبد الله بن أيوب الهروي، وإسحاق بن سليمان هو الرازي، وحنظلة هو ابن سفيان الجمحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏)‏ كذا للجميع، وزعم أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أن البخاري ذكره من هذا الوجه موقوفا ثم تعقبه بأن أبا سعيد الأشج رواه عن إسحاق بن سليمان مرفوعا، وتعقب الحميدي كلام أبي مسعود فأجاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الفطرة‏)‏ كذا للجميع، وقد تقدم نقل النووي أنه وقع فيه بلفظ ‏"‏ من السنة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقص الشارب‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ وأخذ الشارب ‏"‏ وفي أخرى له ‏"‏ وقص الشوارب ‏"‏ قال ‏"‏ وقال مرة الشارب ‏"‏ قال الجياني‏:‏ وقع في كلامهم أنه لعظم الشوارب وهو من الواحد الذي فرق وسمى كل جزء منه باسمه فقالوا لكل جانب منه شاربا ثم جمع شوارب وحكى ابن سيده عن بعضهم‏:‏ من قال الشاربان أخطأ؛ وإنما الشاربان ما طال من ناحية السبلة، قال‏:‏ وبعضهم يسمي السبلة كلها شاربا، ويؤيده أثر عمر الذي أخرجه مالك أنه ‏"‏ كان إذا غضب فتل شاربه ‏"‏ والذي يمكن فتله من شعر الشارب السبال وقد سماه شاربا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة قد تقدم شرحه مستوفى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمر بن محمد بن زيد‏)‏ أي ابن عبد الله بن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خالفوا المشركين‏)‏ في حديث أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ خالفوا المجوس ‏"‏ وهو المراد في حديث ابن عمر فإنهم كانوا يقصون لحاهم ومنهم من كان يحلقها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحفوا الشوارب‏)‏ بهمزة قطع من الإحفاء للأكثر، وحكى ابن دريد حفى شاربه حفوا إذا استأصل أخذ شعره، فعلى هذا فهي همزة وصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووفروا اللحى‏)‏ أما قوله ‏"‏ وفروا ‏"‏ فهو بتشديد الفاء من التوفير وهو الإبقاء أي اتركوها وافرة وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في الباب الذي يليه ‏"‏ أعفوا ‏"‏ وسيأتي تحريره، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أرجئوا وضبطت بالجيم والهمزة أي أخروها، وبالخاء المعجمة بلا همز أي أطيلوها، وله في رواية أخرى ‏"‏ أوفوا ‏"‏ أي اتركوها وافية، قال النووي وكل هذه الروايات بمعنى واحد، واللحى بكسر اللام وحكي ضمها وبالقصر والمد جمع لحية بالكسر فقط وهي اسم لما نبت على الخدين والذقن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه‏)‏ هو موصول بالسند المذكور إلى نافع، وقد أخرجه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع بلفظ ‏"‏ كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه ‏"‏ وفي حديث الباب مقدار المأخوذ، وقوله ‏"‏فضل ‏"‏ بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم والأشهر الفتح قاله ابن التين‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى ‏(‏محلقين رءوسكم ومقصرين‏)‏ وخص ذلك من عموم قوله ‏"‏ وفروا اللحى ‏"‏ فحمله على حالة غير حالة النسك‏.‏

قلت‏.‏

الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري‏:‏ ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها‏.‏

وقال قوم إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة أنه فعله‏.‏

وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال‏.‏

‏"‏ كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة ‏"‏ وقوله ‏"‏ نعفي ‏"‏ بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرا وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك‏.‏

ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا‏؟‏ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه قال‏:‏ وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال‏:‏ وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة وأسنده عن جماعة، واختار قول عطاء‏.‏

وقال‏:‏ إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها ‏"‏ وهذا أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون‏.‏

لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا ا ه وقد ضعف عمر بن هارون مطلقا جماعة‏.‏

وقال عياض‏:‏ يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها، كذا قال، وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها؛ قال‏:‏ والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره، وكأن مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه، وذكر النووي عن الغزالي - وهو في ذلك تابع لأبي طالب المكي في ‏"‏ القوت ‏"‏ - قال‏:‏ يكره في اللحية عشر خصال‏:‏ خضبها بالسواد لغير الجهاد، وبغير السواد إيهاما للصلاح لا لقصد الاتباع، وتبييضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران، ونتفها إبقاء للمرودة وكذا تحذيفها ونتف الشيب‏.‏

ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه كما سيأتي قريبا، وتصفيفها طاقة طاقة تصنعا ومخيلة، وكذا ترجيلها والتعرض لها طولا وعرضا على ما فيه من اختلاف، وتركها شعثة إيهاما للزهد، والنظر إليها إعجابا، وزاد النووي‏:‏ وعقدها، لحديث رويفع رفعه ‏"‏ من عقد لحيته فإن محمدا منه بريء ‏"‏ الحديث أخرجه أبي داود، قال الخطابي‏:‏ قيل المراد عقدها في الحرب وهو من زي الأعاجم، وقيل المراد معالجة الشعر لينعقد، وذلك من فعل أهل التأنيث‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال‏:‏ ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته، بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها، فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته‏.‏

قال أبو شامة‏:‏ وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها‏.‏

وقال النووي‏:‏ يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة، وسيأتي البحث فيه في ‏"‏ باب المتنمصات‏"‏‏.‏

*3*باب إِعْفَاءِ اللِّحَى عَفَوْا كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إعفاء اللحى‏)‏ كذا استعمله من الرباعي، وهو بمعنى الترك‏.‏

ثم قال‏:‏ عفوا كثروا وكثرت أموالهم وأراد تفسير قوله في الأعراف ‏(‏حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء‏)‏ فقد تقدم هناك بيان من فسر قوله عفوا يكثروا، فإما أن يكون أشار بذلك إلى أصل المادة، أو إلى أن لفظ الحديث وهو ‏"‏ أعفوا اللحى ‏"‏ جاء بالمعنيين، فعلى الأول يكون بهمزة قطع وعلى الثاني بهمزة وصل، وقد حكى ذلك جماعة من الشراح منهم ابن التين قال‏:‏ وبهمزة قطع أكثر‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ تفسير الإعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب، لأن حقيقة الإعفاء الترك، وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها‏.‏

وأغرب ابن السيد فقال‏:‏ حمل بعضهم قوله ‏"‏ أعفوا اللحى ‏"‏ على الأخذ منها بإصلاح ما شذ منها طولا وعرضا، واستشهد بقول زهير ‏"‏ على آثار من ذهب العفاء‏"‏‏.‏

وذهب الأكثر إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا، وهو الصواب‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ لا أعلم أحدا فهم من الأمر في قوله ‏"‏ أعفوا اللحى ‏"‏ تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس، قال‏:‏ وكأن الصارف عن ذلك قرينة السياق في قوله في بقية الخبر ‏"‏ وأحفوا الشوارب ‏"‏ انتهى‏.‏

ويمكن أن يؤخذ من بقية طرق ألفاظ الحديث الدالة على مجرد الترك، والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ في قوله أعفوا وأحفوا ثلاثة أنواع من البديع‏:‏ الجناس والمطابقة والموازنة‏.‏

*3*باب مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يذكر في الشيب‏)‏ أي هل يخضب أو يترك‏؟‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَساً أَخَضَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ يَبْلُغْ الشَّيْبَ إِلَّا قَلِيلاً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن سيرين‏)‏ هو محمد بينه مسلم في روايته عن حجاج بن الشاعر عن معلى شيخ البخاري فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت أنسا‏:‏ أخضب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏؟‏ يعرف منه أنه المبهم في الرواية التي بعدها حيث قال ثابت ‏"‏ سئل أنس ‏"‏ وكذا قوله في هذه الرواية ‏"‏ لم يبلغ من الشيب إلا قليلا ‏"‏ يفسره قوله في الثانية ‏"‏ لم يبلغ ما يخضب ‏"‏ وذلك أن العادة أن القليل من الشعر الأبيض إذا بدأ في اللحية لم يبادر إلى خضبه حتى يكثر، ومرجع القلة والكثرة في ذلك إلى العرف، وزاد أحمد من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين في هذا الحديث ‏"‏ ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم، قال‏:‏ وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فأسلم، ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا ‏"‏ وستأتي الإشارة إليه في ‏"‏ باب الخضاب ‏"‏ ولمسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس نحو حديث ابن سيرين وزاد ‏"‏ ولم يخضب ولكن خضب أبو بكر وعمر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ

الشرح‏:‏

‏(‏لو شئت أن أعد شمطاته في لحيته‏)‏ المراد بالشمطات الشعرات اللاتي ظهر فيهن البياض، فكأن الشعرة البيضاء مع ما يجاورها من شعرة سوداء ثوب أشمط، والأشمط الذي يخالطه بياض وسواد، وجواب ‏"‏ لو ‏"‏ في قوله ‏"‏ لو شئت ‏"‏ محذوف، والتقدير لعددتها، وذلك مما يدل على قلتها، وقد تقدم في ‏"‏ باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من المناقب بيان الجمع بين مختلف الأحاديث في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ فَاطَّلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْراً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مالك بن إسماعيل‏)‏ هو ابن غسان النهدي، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وعثمان بن عبد الله بن موهب هو التيمي مولى آل طلحة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سبق في الحج وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرسلني أهلي إلى أم سلمة‏)‏ يعني زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أقف على تسمية أهله، ولكنهم من آل طلحة لأنهم مواليه، ويحتمل أن يريد بأهله امرأته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قصة فيها‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ اختلف في ضبط ‏"‏ قصة ‏"‏ هو بقاف مضمومة ثم صاد مهملة أو بفاء مكسورة ثم ضاد معجمة‏؟‏ فأما قوله ‏"‏ وقبض إسرائيل ثلاث أصابع ‏"‏ فإن فيه إشارة إلى صغر القدح، وزعم الكرماني أنه عبارة عن عدد إرسال عثمان إلى أم سلمة وهو بعيد، وأما قوله ‏"‏ فيها ‏"‏ فضمير لمعنى القدح لأن القدح إذا كان فيه مائع يسمى كأسا والكأس مؤنثة، أو الضمير للقصة كما سيأتي توجيهه‏.‏

وأما رواية الكشميهني بالتذكير فواضحة وقوله ‏"‏ من فضة ‏"‏ إن كان بالفاء والمعجمة فهو بيان لجنس القدح‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ويحمل على أنه كان مموها بفضة لا أنه كان كله فضة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا ينبني على أن أم سلمة كانت لا تجيز استعمال آنية الفضة في غير الأكل والشرب، ومن أين له ذلك وقد أجاز جماعة من العلماء استعمال الإناء الصغير من الفضة في غير الأكل والشرب‏؟‏ وإن كان بالقاف والمهملة فهو من صفة الشعر على ما في التركيب من قلق العبارة، ولهذا قال الكرماني‏:‏ عليك بتوجيهه‏.‏

ويظهر أن ‏"‏ من ‏"‏ سببية أي أرسلوني بقدح من ماء بسبب قصة فيها شعر، وهذا كله بناء على أن هذه اللفظة محفوظة بالقاف والصاد المهملة، وقد ذكره الحميدي في ‏"‏ الجمع بين الصحيحين ‏"‏ بلفظ دال على أنه بالفاء والمعجمة ولفظه ‏"‏ أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر الخ ‏"‏ ولم يذكر قول إسرائيل، فكأنه سقط على رواة البخاري قوله ‏"‏ فجاءت بجلجل ‏"‏ وبه ينتظم الكلام، ويعرف منه أن قوله ‏"‏ من فضة ‏"‏ بالفاء والمعجمة أنه صفة الجلجل لا صفة القدح الذي أحضره عثمان بن موهب، قال ابن دحية‏:‏ وقع لأكثر الرواة بالقاف والمهملة، والصحيح عند المحققين بالفاء والمعجمة، وقد بينه وكيع في مصنفه بعدما رواه عن إسرائيل فقال ‏"‏ كان جلجلا من فضة صيغ صوانا لشعرات كانت عند أم سلمة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان‏)‏ الناس ‏(‏إذا أصاب الإنسان‏)‏ أي منهم ‏(‏عين‏)‏ أي أصيب بعين ‏(‏أو شيء‏)‏ أي من أي مرض كان، وهو موصول من قول عثمان المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث إليها مخضبه‏)‏ بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الضاد المعجمة بعدها موحدة هو من حملة الآنية، وقد تقدم بيانه في كتاب الطهارة، والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاطلعت في الجلجل‏)‏ كذا للأكثر بجيمين مضمومتين بينهما لام وآخره أخرى، هو شبه الجرس، وقد تنزع منه الحصاة التي تتحرك فيوضع فيه ما يحتاج إلى صيانته، والقائل ‏"‏ فاطلعت ‏"‏ هو عثمان، وقيل إن في بعض الروايات ‏"‏ الجحل ‏"‏ بفتح الجيم وسكون المهملة وفسر بالسقاء الضخم، وما أظنه إلا تصحيفا لأنه إذا كان صوانا للشعرات كما جزم به وكيع أحد رواة الخبر كان المناسب لهن الظرف الصغير لا الإناء الضخم، ولم يفسر صاحب ‏"‏ المشارق ‏"‏ ولا ‏"‏ النهاية ‏"‏ الجلجل كأنهما تركاه لشهرته، لكن حكى عياض أن في رواية ابن السكن ‏"‏ المخضب ‏"‏ بدل الجلجل فالله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرأيت شعرات حمرا‏)‏ في الرواية التي تليها ‏"‏ مخضوبا ‏"‏ ويأتي البحث فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سَلَّامٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَراً مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْضُوباً وَ قَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْمَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سلام‏)‏ هو بالتشديد اتفاقا، وجزم أبو نصر الكلاباذي بأنه ابن مسكين، وخالفه الجمهور فقالوا‏:‏ هو ابن أبي مطيع؛ وبذلك جزم أبو علي بن السكن وأبو علي الجياني، ووقع التصريح به في هذا الحديث عند ابن ماجه من رواية يونس بن محمد ‏"‏ عن سلام بن أبي مطيع ‏"‏ وقد أخرجه ابن أبي خيثمة عن موسى شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ حدثتا سلام بن أبي مطيع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مخضوبا‏)‏ زاد يونس بالحناء والكتم، وكذا لابن أبي خيثمة، وكذا لأحمد عن عفان وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سلام، وله من طريق أبي معاوية وهو شيبان بن عبد الرحمن ‏"‏ شعرا أحمر مخضوبا بالحناء والكتم ‏"‏ وللإسماعيلي من طريق أبي إسحاق عن عثمان المذكور ‏"‏ كان مع أم سملة من شعر لحية النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر الحناء والكتم ‏"‏ والحناء معروف والكتم بفتح الكاف والمثناة سيأتي تفسيره بعد هذا، قال الإسماعيلي‏:‏ ليس فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خضب، بل يحتمل أن يكون أحمر بعده لما خالطه من طيب فيه صفرة فغلبت به الصفرة، قال فإن كان كذلك وإلا فحديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب ‏"‏ أصح، كذا قال، والذي أبداه احتمالا قد تقدم معناه موصولا إلى أنس في ‏"‏ باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأنه جزم بأنه إنما أحمر من الطيب‏.‏

قلت‏:‏ وكثر من الشعور التي تفصل عن الجسد إذا طال العهد يؤول سوادها إلى الحمرة، وما جنح إليه من الترجيح خلاف ما جمع به الطبري، وحاصله أن من جزم أنه خضب - كما في ظاهر حديث أم سلمة، وكما في حديث ابن عمر الماضي قريبا أنه صلى الله عليه وسلم خضب بالصفرة - حكى ما شاهده، وكان ذلك في بعض الأحيان‏.‏

ومن نفي ذلك كأنس فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله، وقد أخرج مسلم وأحمد والترمذي والنسائي من حديث جابر بن سمرة قال ‏"‏ ما كان في رأس النبي صلى الله عليه وسلم ولحيته من الشيب إلا شعرات كان إذا دهن وأراهن الدهن، فيحتمل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض، ثم لما واراه الدهن ظنوا أنه خصبه‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو نعيم‏)‏ كذا لأبي ذر، وصرح غيره بوصله فقال ‏"‏ قال لنا أبو نعيم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نصير‏)‏ بنون مصغر ابن أبي الأشعث ‏"‏ ويقال الأشعث ‏"‏ اسمه، وليس لنصير في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

*3*باب الْخِضَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخضاب‏)‏ أي تغيير لون شيب الرأس واللحية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة وسليمان بن يسار‏)‏ كذا جمع بينهما، وتابعه الأوزاعي عن الزهري أخرجه النسائي، ورواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده، وقد مضت رواية صالح في أحاديث الأنبياء، ورواية الآخرين عند النسائي عن أبي هريرة في رواية إسحاق بن راهويه عن سفيان بسنده أنهما سمعا أبا هريرة أخرجه النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم‏)‏ هكذا أطلق، ولأحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال‏:‏ يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب ‏"‏ وأخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ نحوه من حديث أنس، وفي ‏"‏ الكبير ‏"‏ من حديث عتبة بن عبد ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتغيير الشعر مخالفة للأعاجم ‏"‏ وقد تمسك به من أجاز الخضاب بالسواد وقد تقدمت في باب ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء مسألة استثناء الخضب بالسواد لحديثي جابر وابن عباس، وأن من العلماء من رخص فيه في الجهاد ومنهم من رخص فيه مطلقا وأن الأولى كراهته، وجنح النووي إلى أنه كراهة تحريم، وقد رخص فيه طائفة من السلف منهم سعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغير واحد واختاره ابن أبي عاصم في ‏"‏ كتاب الخضاب ‏"‏ له وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة ‏"‏ بأنه لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم، وعن حديث جابر ‏"‏ جنبوه السواد ‏"‏ بأنه في حق من صار شيب رأسه مستشبعا ولا يطرد ذلك في حق كل أحد انتهى‏.‏

وما قاله خلاف ما يتبادر من سياق الحديثين‏.‏

نعم يشهد له ما أخرجه هو عن ابن شهاب قال ‏"‏ كنا نخضب بالسواد إذ كان الوجه جديدا، فلا نغص الوجه والأسنان تركناه ‏"‏ وقد أخرج الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه ‏"‏ من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة ‏"‏ وسنده لين، ومنهم من فرق في ذلك بين الرجل والمرأة فأجازه لها دون الرجل، واختاره الحليمي، وأما خضب اليدين والرجلين فلا يجوز للرجال إلا في التداوي‏.‏

وقوله ‏"‏فخالفوهم ‏"‏ في رواية مسلم ‏"‏ فخالفوا عليهم واصبغوا ‏"‏ وللنسائي من حديث ابن عمر رفعه ‏"‏ غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ‏"‏ ورجاله ثقات، لكن اختلف على هشام بن عروة فيه كما بينه النسائي وقال إنه غير محفوظ، وأخرجه الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث عائشة وزاد ‏"‏ والنصارى ‏"‏ ولأصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث أبي ذر رفعه ‏"‏ إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع، وقد أخرج مسلم من حديث أنس قال ‏"‏ اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا ‏"‏ وقوله بحتا بموحدة مفتوحة ومهملة ساكنة بعدها مثناة أي صرفا، وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما‏.‏

والكتم نبات باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة، وصبغ الحناء أحمر فالصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة‏.‏

واستنبط ابن أبي عاصم من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏جنبوه السواد ‏"‏ أن الخضاب بالسواد كان من عادتهم، وذكر ابن الكلبي أن أول من اختضب بالسواد من العرب عبد المطلب، وأما مطلقا ففرعون، وقد اختلف في الخضب وتركه فخضب أبو بكر وعمر وغيرهما كما تقدم، وترك الخضاب علي وأبي بن كعب وسلمة بن الأكوع وأنس وجماعة، وجمع الطبري بأن من صبغ منهم كان اللائق به كمن يستشنع شيبه، ومن ترك كان اللائق به كمن لا يستشنع شيبه، وعلى ذلك حمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي أخرجه مسلم في قصة أبي قحافة حيث قال صلى الله عليه وسلم لما رأى رأسه كأنها الثغامة بياضا ‏"‏ غيروا هذا وجنبوه السواد ‏"‏ ومثله حديث أنس الذي تقدمت الإشارة إليه أول ‏"‏ باب ما يذكر في الشيب ‏"‏ زاد الطبري وابن أبي عاصم من وجه آخر عن جابر ‏"‏ فذهبوا به فحمروه ‏"‏ والثغامة بضم المثلثة وتخفيف المعجمة نبات شديد البياض زهره وثمره، قال‏:‏ فمن كان في مثل حال أبي قحافة استحب له الخضاب لأنه لا يحصل به الغرور لأحد، ومن كان بخلافه فلا يستحب في حقه، ولكن الخضاب مطلقا أولى لأنه فيه امتثال الأمر في مخالفة أهل الكتاب، وفيه صيانة الشعر عن تعلق الغبار وغيره به، إلا إن كان من عادة أهل البلد ترك الصبغ وأن الذي ينفرد بدونهم بذلك يصير في مقام الشهرة فالترك في حقه أولى‏.‏

ونقل الطبري بعد أن أورد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه بلفظ ‏"‏ من شاب شيبة فهي له نور إلى أن ينتفها أو يخضبها ‏"‏ وحديث ابن مسعود ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره خصالا ‏"‏ فذكر منها تغيير الشيب، إذ بعضهم ذهب إلى أن هذه الكراهة تستحب بحديث الباب‏.‏

ثم ذكر الجمع وقال‏.‏

دعوى النسخ لا دليل عليها‏.‏

قلت‏.‏

وجنح إلى النسخ الطحاوي وتمسك بالحديث الآتي قريبا أنه ‏"‏ كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم صار يخالفهم ويحث على مخالفتهم ‏"‏ كما سيأتي تقريره في ‏"‏ باب الفرق ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

وحديث عمرو بن شعيب المشار إليه أخرجه الترمذي وحسنه ولم أر في شيء من طرقه الاستثناء المذكور فالله أعلم‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ وإنما نهى عن النتف دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها، بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه والله أعلم‏.‏

وقد نقل عن أحمد أنه يجب، وعنه يجب ولو مرة، وعنه لا أحب لأحد ترك الخضب ويتشبه بأهل الكتاب، وفي السواد عنه كالشافعية روايتان المشهورة يكره وقيل محرم، ويتأكد المنع لمن دلس به‏.‏

*3*باب الْجَعْدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الجعد‏)‏ هو صفة الشعر، يقال شعر جعد بفتح الجيم وسكون المهملة وبكسرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالْآدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ

الشرح‏:‏

حديث أنس في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم شرحه في المناقب، والمقصود منه هنا قوله ‏"‏ وليس بالجعد القطط ولا بالسبط ‏"‏ أي أن شعره كان بين الجعودة والسبوطة، وقد تقدم بيان ذلك في المناقب، وأن الشعر الجعد هو الذي يتجعد كشعور السودان، وأن البسط هو الذي يسترسل فلا يتكسر منه شيء كشعور الهنود، والقطط - بفتح الطاء - البالغ في الجعودة بحيث يتفلفل، وقوله‏:‏ ‏"‏ وليس في لحيته عشرون شعرة بيضاء ‏"‏ تقدم في المناقب بيان الاختلاف في تعيين العدد المذكور ومما لم يتقدم هناك أن في حديث الهيثم بن دهر عند الطبراني ثلاثون شعرة عددا وسنده ضعيف، والمعتمد ما تقدم أنهن دون العشرين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ مَالِكٍ إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيباً مِنْ مَنْكِبَيْهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ قَالَ شُعْبَةُ شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مالك بن إسماعيل‏)‏ هو أبو غسان النهدي‏.‏

قوله ‏(‏قال بعض أصحابي عن مالك‏)‏ هو ابن إسماعيل المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن جمته‏)‏ بضم الجيم وتشديد الميم أي شعر رأسه إذا نزل إلى قرب المنكبين قال الجوهري في حرف الواو‏:‏ والوفرة العشر إلى شحمة الأذن، ثم الجمة ثم اللمة إذا ألمت بالمنكبين‏.‏

وقد خالف هذا في حرف الجيم فقال‏:‏ إذا بلغت المنكبين فهي جمة، واللمة إذا جاوزت شحم الأذن‏.‏

وتقدم نظيره في ترجمة عيسى من أحاديث الأنبياء في شرح حديث ابن عمر‏.‏

قال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏‏:‏ كلام الجوهري الثاني هو الموافق لكلام أهل اللغة‏.‏

وجمع ابن بطال بين اللفظين المختلفين في الحديث بأن ذلك إخبار عن وقتين، فكان إذا غفل عن تقصيره بلغ قريب المنكبين وإذا قصه لم يجاوز الأذنين وجمع غيره بأن الثاني كان إذا اعتمر يقصر والأول في غير تلك الحالة وفيه بعد‏.‏

ثم هذا الجمع إنما يصلح لو اختلفت الأحاديث، وأما هنا فاللفظان وردا في حديث واحد متحدا المخرج، وهما من رواية أبي إسحاق عن البراء، فالأولى في الجمع بينهما الحمل على المقاربة؛ وقد وقع في حديث أنس الآتي قريبا كما وقع في حديث البراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لتضرب قريبا من منكبيه‏)‏ في رواية شعبة المعلقة عقب هذا ‏"‏ شعره يبلغ شحمة أذنيه ‏"‏ وقد تقدم في المناقب أن في رواية يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ما يجمع بين الروايتين ولفظه ‏"‏ له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه ‏"‏ وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذن، والمراد ببعض أصحابه الذي أبهمه يعقوب بن سفيان، فإنه كذلك أخرجه عن مالك بن إسماعيل بهذا السند وفيه الزيادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة‏:‏ شعره يبلغ شحمة أذنيه‏)‏ كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما، تابعه شعبة ‏"‏ شعره الخ ‏"‏ وقد وصله المؤلف رحمه الله في ‏"‏ باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن البراء، وشرحه الكرماني على رواية الأكثر وأشار إلى أن البخاري لم يذكر شيخ شعبة قال‏:‏ فيحتمل أنه أبو إسحاق لأنه شيخه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئاً عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في صفة عيسى ابن مريم وفيه ‏"‏ له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم ‏"‏ وفي صفة الدجال ‏"‏ وأنه جعد قطط ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء، وغلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة، إذ لا يلزم من كون النبي صلى الله عليه وسلم رآه في المنام بمكة أنه دخلها حقيقة، ولو سلم أنه رآه‏.‏

في زمانه صلى الله عليه وسلم بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان، وقد استدل على ابن صياد أنه ما هو الدجال بكونه سكن المدينة، ومع ذلك فكان عمر وجابر يحلفان على أنه هو الدجال كما سيأتي في آخر الفتن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حِبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس أورده من عدة طرق عن قتادة عنه ووقع في الرواية الأولى ‏"‏ يضرب شعره منكبيه ‏"‏ وفي الثانية ‏"‏ كان شعره بين أذنيه وعاتقه ‏"‏ والجواب عنه كالجواب في حديث البراء سواء‏.‏

وقد أخرج مسلم وأبو داود من رواية إسماعيل بن علية عن حميد عن أنس ‏"‏ كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ‏"‏ ووقع عند داود وابن ماجه وصححه الترمذي من طريق أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏"‏ كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة ‏"‏ لفظه أبي داود، ولفظ ابن ماجه بنحوه، ولفظ الترمذي عكسه ‏"‏ فوق الجمة ودون الوفرة ‏"‏ وجمع بينهما شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ بأن المراد بقوله فوق ودون بالنسبة إلى المحل، وتارة بالنسبة إلى الكثرة والقلة، فقوله ‏"‏ فوق الجمة ‏"‏ أي أرفع في المحل، وقوله ‏"‏دون الجمة ‏"‏ أي في القدر وكذا بالعكس، وهو جمع جيد لولا أن مخرج الحديث متحد، وإسحاق في السند الأول هو ابن راهويه وحبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو ابن هلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس أورده من عدة طرق عن قتادة عنه ووقع في الرواية الأولى ‏"‏ يضرب شعره منكبيه ‏"‏ وفي الثانية ‏"‏ كان شعره بين أذنيه وعاتقه ‏"‏ والجواب عنه كالجواب في حديث البراء سواء‏.‏

وقد أخرج مسلم وأبو داود من رواية إسماعيل بن علية عن حميد عن أنس ‏"‏ كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ‏"‏ ووقع عند داود وابن ماجه وصححه الترمذي من طريق أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏"‏ كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة ‏"‏ لفظه أبي داود، ولفظ ابن ماجه بنحوه، ولفظ الترمذي عكسه ‏"‏ فوق الجمة ودون الوفرة ‏"‏ وجمع بينهما شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ بأن المراد بقوله فوق ودون بالنسبة إلى المحل، وتارة بالنسبة إلى الكثرة والقلة، فقوله ‏"‏ فوق الجمة ‏"‏ أي أرفع في المحل، وقوله ‏"‏دون الجمة ‏"‏ أي في القدر وكذا بالعكس، وهو جمع جيد لولا أن مخرج الحديث متحد، وإسحاق في السند الأول هو ابن راهويه وحبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو ابن هلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلاً لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلَا الْجَعْدِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ

الشرح‏:‏

حديث أنس أورده من عدة طرق عن قتادة عنه ووقع في الرواية الأولى ‏"‏ يضرب شعره منكبيه ‏"‏ وفي الثانية ‏"‏ كان شعره بين أذنيه وعاتقه ‏"‏ والجواب عنه كالجواب في حديث البراء سواء‏.‏

وقد أخرج مسلم وأبو داود من رواية إسماعيل بن علية عن حميد عن أنس ‏"‏ كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ‏"‏ ووقع عند داود وابن ماجه وصححه الترمذي من طريق أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏"‏ كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة ‏"‏ لفظه أبي داود، ولفظ ابن ماجه بنحوه، ولفظ الترمذي عكسه ‏"‏ فوق الجمة ودون الوفرة ‏"‏ وجمع بينهما شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ بأن المراد بقوله فوق ودون بالنسبة إلى المحل، وتارة بالنسبة إلى الكثرة والقلة، فقوله ‏"‏ فوق الجمة ‏"‏ أي أرفع في المحل، وقوله ‏"‏دون الجمة ‏"‏ أي في القدر وكذا بالعكس، وهو جمع جيد لولا أن مخرج الحديث متحد، وإسحاق في السند الأول هو ابن راهويه وحبان بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو ابن هلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلاً لَا جَعْدَ وَلَا سَبِطَ

الشرح‏:‏

‏(‏كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا‏)‏ بفتح الراء وكسر الجيم، وقد تضم وتفتح، أي فيه تكسير يسير، يقال رجل شعره إذا مشطه فكان بين السبوطة والجعودة، وقد فسره الراوي كذلك في بقبة الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ حَسَنَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ

الشرح‏:‏

ثم أورد من طريق أخرى عن جرير وهو ابن حازم أيضا زاد فيها ‏"‏ كان ضخم اليدين ‏"‏ وفي ثالثة ‏"‏ كان ضخم الرأس والقدمين ‏"‏ ولم يذكر ما في الروايتين الأوليين من صفة الشعر، وزاد ‏"‏ لم أر قبله ولا بعده مثله ‏"‏ قال ‏"‏ وكان سبط الكفين ‏"‏ ثم أورده من طريق معاذ بن هانئ عن همام بسند نحوه لكن قال ‏"‏ عن قتادة عن أنس، أو عن رجل عن أبي هريرة ‏"‏ وهذه الزيادة لا تأثير لها في صحة الحديث، لأن الذين جزموا بكون الحديث عن قتادة عن أنس أضبط وأتقن من معاذ بن هانئ، وهم حبان بن هلال وموسى بن إسماعيل كما هنا، وكذا جرير بن حازم كما مضى ومعمر كما سيأتي حيث جزما به عن قتادة عن أنس، ويحتمل أن يكون عند قتادة من الوجهين؛ والرجل المبهم يحتمل أن يكون هو سعيد بن المسيب فقد أخرج ابن سعد من روايته عن أبي هريرة نحوه، وقتادة معروف بالرواية عن سعيد بن المسيب، وجوز الكرماني أن يكون الحديث من مسند أبي هريرة، وإنما وقع التردد في الراوي هل هو أنس أو رجل مبهم ثم رجح كون التردد في كونه من مسند أنس أو من مسند أبي هريرة بأن أنسا خادم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعرف بوصفه من غيره فبعد أن يروي عن رجل عن صحابي آخر هو أقل ملازمة له منه ا ه، وكلامه الأخير لا يحتمله السياق أصلا، وإنما الاحتمال البعيد ما ذكره أولا، والحق أن التردد فيه من معاذ بن هانئ هل حدثه به همام عن قتادة عن أنس أو عن قتادة عن رجل عن أبي هريرة، وبهذا جزم أبو مسعود والحميدي والمزي وغيرهم من الحفاظ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ حَسَنَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبَهاً لَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال هشام‏)‏ هو ابن يوسف ‏(‏عن معمر عن قتادة عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والقدمين‏)‏ هذا التعليق وصله الإسماعيلي من طريق علي بن بحر عن هشام بن يوسف به سواء، وكذا أخرجه يعقوب بن سفيان عن مهدي بن أبي مهدي عن هشام بن يوسف، وقوله ‏"‏شثن ‏"‏ بفتح المعجمة وسكون المثلثة وبكسرها بعدها نون أي غليظ الأصابع والراحة، قال ابن بطال‏:‏ كانت كفه صلى الله عليه وسلم ممتلئة لحما، غير أنها مع ضخامتها كانت لينة كما تقدم في حديث أنس يعني الذي مضى في المناقب ‏"‏ ما مسست حريرا ألين من كفه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال‏:‏ وأما قول الأصمعي الشثن غلظ الكف مع خشونتها فلم يوافق على تفسيره بالخشونة، والذي فسره به الخليل وأبو عبيدة أولى، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ ضخم الكفين والقدمين ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وعلى تقدير تسليم ما فسر الأصمعي به الشثن يحتمل أن يكون أنس وصف حالتي كف النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا عمل بكفه في الجهاد أو في مهنة أهله صار كفه خشنا للعارض المذكور، وإذا ترك ذلك رجع كفه إلى أصل جبلته من النعومة والله أعلم‏.‏

وقال عياض‏:‏ فسر أبو عبيد الشثن بالغلظ مع القصر، وتعقب بأنه ثبت في وصفه صلى الله عليه وسلم أنه كان سابل الأطراف‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده قوله في رواية أبي النعمان في الباب ‏"‏ كان بسط الكفين ‏"‏ ووقع هنا في رواية الكشميهني ‏"‏ سبط الكفين ‏"‏ بتقديم المهملة على الموحدة، وهو موافق لوصفها باللين‏.‏

قال العياض‏:‏ وفي رواية المروزي ‏"‏ سبط أو بسط ‏"‏ بالشك والتحقيق في الشثن أنه الغلظ من غير قيد قصر ولا خشونة، وقد نقل ابن خالويه أن الأصمعي لما فسر الشثن بما مضى قيل له إنه ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فآلى على نفسه أنه لا يفسر شيئا في الحديث ا ه - ومجيء شثن الكفين بدل سبط الكفين أو بسط الكفين قال دال على أن المراد وصف الخلقة وأما من فسره ببسط العطاء فإنه وإن كان الواقع كذلك لكن ليس مرادا هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هلال أنبأنا قتادة عن أنس أو جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم الكفين والقدمين لم أر بعده شبيها له‏)‏ هذا التعليق وصله البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ ووقع لنا بعلو في ‏"‏ فوائد العيسوي ‏"‏ كلاهما من طريق أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي حدثنا أبو هلال به، وأبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي بكسر المهملة والموحدة بصري صدوق وقد ضعفه من قبل حفظه فلا تأثير لشكه أيضا، وقد بينت إحدى روايات جرير بن حازم صحة الحديث بتصريح قتادة بسماعه له من أنس، وكأن المصنف أراد بسياق هذه الطرق بيان الاختلاف فيه على قتادة وأنه لا تأثير له ولا يقدح في صحة الحديث، وخفي مراده على بعض الناس فقال‏:‏ هذه الروايات الواردة في صفة الكفين والقدمين لا تعلق لها بالترجمة، وجوابه أنها كلها حديث واحد اختلفت رواته بالزيادة فيه والنقص، والمراد منه بالأصالة صفة الشعر وما عدا ذلك فهو تبع والله أعلم‏.‏

وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت‏:‏ ‏"‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ أربع ضفائر ‏"‏ وفي رواية ابن ماجه ‏"‏ أربع غدائر يعني ضفائر ‏"‏ والغدائر بالغين المعجمة جمع غديرة بوزن عظيمة، والضفائر بوزنه‏.‏

فالغدائر هي الذوائب والضفائر هي العقائص، فحاصل الخبر أن شعره طال حتى صار ذوائب فضفره أربع عقائص، وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه والله أعلم‏.‏

وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال ذناب ذباب، فرجعت فجززته، ثم أتيت من الغد فقال‏:‏ ‏"‏ إني لم أعنك ‏"‏ وهذا أحسن‏.‏

حديث أبو هريرة وجابر ذكرا تبعا لحديث أنس كما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء‏.‏

والغرض منه قوله ‏"‏ وأما موسى فرجل آدم - بالمد - جعد ‏"‏ الحديث، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صاحبكم ‏"‏ نفسه صلى الله عليه وسلم‏.‏

*3*باب التَّلْبِيدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التلبيد‏)‏ هو جمع الشعر في الرأس بما يلزق بعضه ببعض كالخطمي والصمغ لئلا يتشعث ويقمل في الإحرام، وقد تقدم بسطه في الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَبِّداً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت عمر يقول من ضفر‏)‏ بفتح المعجمة والفاء مخففا ومثقلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليحلق ولا تشبهوا بالتلبيد‏)‏ يعني في الحج ‏(‏وكان ابن عمر يقول‏:‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ملبدا‏)‏ كذا في هذه الرواية، وتقدم في أوائل الحج بلفظ ‏"‏ سمعت رسول الله يهل ملبدا ‏"‏ كما في الرواية التي تلي هذه في الباب، وأما قول عمر فحمله ابن بطال على أن المراد إن أراد الإحرام فضفر شعره ليمنعه من الشعث لم يجز له أن يقصر، لأنه فعل ما يشبه التلبيد الذي أوجب الشارع فيه الحلق، وكان عمر يرى أن من لبد رأسه في الإحرام تعين عليه الحلق والنسك ولا يجزئه التقصير، فشبه من ضفر رأسه بمن لبده‏.‏

فلذلك أمر من ضفران يحلق‏.‏

ويحتمل أن يكون عمر أراد الأمر بالحلق عند الإحرام حتى لا يحتاج إلى التلبيد ولا إلى الضفر، أي من أراد أن يضفر أو يلبد فليحلق فهو أولى من أن يضفر أو يلبد، ثم إذا أراد بعد ذلك التقصير لم يصل إلى الأخذ من سائر النواحي كما هي السنة، وأما قوله ‏"‏ تشبهوا ‏"‏ فحكى ابن بطال أنه بفتح أوله والأصل لا تتشبهوا فحذفت إحدى التاءين، قال‏:‏ ويجوز ضم أوله وكسر الموحدة، والأول أظهر‏.‏

وأما قول ابن عمر فظاهره أنه فهم عن أبيه أنه كان يرى أن ترك التلبيد أولى، فأخبر هو أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وتقدم شرح التلبيد وحكمه في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّداً يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ

الشرح‏:‏

تقدم شرح التلبيد وحكمه في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ

الشرح‏:‏

حديث حفصة ‏"‏ إني لبدت رأسي وقلدت هديي ‏"‏ الحديث تقدم شرحه في كتاب الحج‏.‏