فصل: باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي

وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا بَالَيْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استقبال الرجل الرجل وهو يصلي‏)‏ في نسخة الصغاني ‏"‏ استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته ‏"‏ أي هل يكره أو لا، أو يفرق بين ما إذا ألهاه أو لا‏؟‏ وإلى هذا التفصيل جنح المصنف وجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأثرين اللذين ذكرهما عن عثمان وزيد بن ثابت، ولم أره عن عثمان إلى الآن، وإنما رأيته في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما من طريق هلال بن يساف عن عمر أنه زجر عن ذلك، وفيهما أيضا عن عثمان ما يدل على عدم كراهية ذلك، فليتأمل لاحتمال أن يكون فيما وقع في الأصل تصحيف من عمر إلى عثمان‏.‏

وقول زيد بن ثابت ‏"‏ ما باليت ‏"‏ يريد أنه لا حرج في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَقَالُوا يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ قَالَتْ لَقَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا وَعَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتكون لي الحاجة وأكره أن استقبله‏)‏ ، كذا للأكثر بالواو، وهي حالية‏.‏

وللكشميهني فأكره بالفاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن الأعمش عن إبراهيم‏)‏ هو معطوف على الإسناد الذي قبله، يعني أن علي بن مسهر روى هذا الحديث عن الأعمش بإسنادين إلى عائشة عن مسلم - وهو أبو الضحى - عن مسروق عنها باللفظ المذكور، وعن إبراهيم عن الأسود عنها بالمعنى، وقد تقدم لفظه في ‏"‏ باب الصلاة على السرير ‏"‏ وأما ظن الكرماني أن مسلما هذا هو البطين فلم يصب في ظنه ذلك، قال ابن المنير‏:‏ الترجمة لا تطابق حديث عائشة، لكنه يدل على المقصود بالأولى، لكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مستقبلته، فلعلها كانت منحرفة أو مستدبرة‏.‏

وقال ابن رشيد قصد البخاري أن شغل المصلي بالمرأة إذا كانت في قبلته على أي حالة كانت أشد من شغله بالرجل، ومع ذلك فلم تضر صلاته صلى الله عليه وسلم لأنه غير مشتغل بها، فكذلك لا تضر صلاة من لم يشتغل بها، والرجل من باب الأولى‏.‏

واقتنع الكرماني بأن حكم الرجل والمرأة واحد في الأحكام الشرعية، ولا يخفى ما فيه‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّائِمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة خلف النائم‏)‏ أورد فيه حديث عائشة أيضا من وجه آخر بلفظ آخر للإشارة إلى أنه قد يفرق مفرق بين كونها نائمة أو يقظى، وكأنه أشار أيضا إلى تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم، فقد أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ طرقه كلها واهية، يعني حديث ابن عباس‏.‏

انتهى‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وهما واهيان أيضا‏.‏

وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته‏.‏

وظاهر تصرف المصنف أن عدم الكراهية حيث يحصل الأمن من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ورد أيضا من وجه آخر بلفظ آخر للإشارة إلى أنه قد يفرق مفرق بين كونها نائمة أو يقظى، وكأنه أشار أيضا إلى تضعيف الحديث الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم، فقد أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ طرقه كلها واهية، يعني حديث ابن عباس‏.‏

انتهى‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في الأوسط وهما واهيان أيضا‏.‏

وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلاة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته‏.‏

وظاهر تصرف المصنف أن عدم الكراهية حيث يحصل الأمن من ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يحيى المذكور في الإسناد هو القطان، وهشام هو ابن عروة‏.‏

*3*باب التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمَرْأَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التطوع خلف المرأة‏)‏ أورد فيه حديث عائشة أيضا بلفظ آخر، وقد تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على الفراش ‏"‏ من هذا الوجه‏.‏

ودلالة الحديث على التطوع من جهة أن صلاته هذه في بيته بالليل، وكانت صلاته الفرائض بالجماعة في المسجد‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لفظ الترجمة يقتضي أن يكون ظهر المرأة إليه، ولفظ الحديث لا تخصيص فيه بالظهر‏.‏

ثم أجاب بأن السنة للنائم أن يتوجه إلى القبلة والغالب من حال عائشة ذلك‏.‏

انتهى‏.‏

ولا يخفى تكلفه‏.‏

وسنة ذلك للنائم في ابتداء النوم لا في دوامه، لأنه ينقلب وهو لا يشعر‏.‏

والذي يظهر أن معنى ‏"‏ خلف المرأة ‏"‏ وراءها، فتكون هي نفسها أمام المصلي لا خصوص ظهرها، ولو أراده لقال‏:‏ خلف ظهر المرأة، والأصل عدم التقدير‏.‏

وفي قولها ‏"‏ والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ‏"‏ إشارة إلى عدم الاشتغال بها‏.‏

ولا يعكر على ذلك كونه يغمزها عند السجود ليسجد مكان رجليها كما وقع صريحا في رواية لأبي داود، لأن الشغل بها مأمون في حقه صلى الله عليه وسلم، فمن أمن ذلك لم يكره في حقه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الظاهر أن هذه الحالة غير الحالة التي تقدمت في صلاته صلى الله عليه وسلم إلى جهة السرير الذي كانت عليه، لأنه في تلك الحالة غير محتاج لأن يسجد مكان رجليها، ويمكن أن يوجه بين الحالتين بأن يقال‏:‏ كانت صلاته فوق السرير لا أسفل منه كما جنح إليه الإسماعيلي فيما سبق، لكن حمله على حالتين أولى، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ورد أيضا بلفظ آخر، وقد تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على الفراش ‏"‏ من هذا الوجه‏.‏

ودلالة الحديث على التطوع من جهة أن صلاته هذه في بيته بالليل، وكانت صلاته الفرائض بالجماعة في المسجد‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لفظ الترجمة يقتضي أن يكون ظهر المرأة إليه، ولفظ الحديث لا تخصيص فيه بالظهر‏.‏

ثم أجاب بأن السنة للنائم أن يتوجه إلى القبلة والغالب من حال عائشة ذلك‏.‏

انتهى‏.‏

ولا يخفى تكلفه‏.‏

وسنة ذلك للنائم في ابتداء النوم لا في دوامه، لأنه ينقلب وهو لا يشعر‏.‏

والذي يظهر أن معنى ‏"‏ خلف المرأة ‏"‏ وراءها، فتكون هي نفسها أمام المصلي لا خصوص ظهرها، ولو أراده لقال‏:‏ خلف ظهر المرأة، والأصل عدم التقدير‏.‏

وفي قولها ‏"‏ والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ‏"‏ إشارة إلى عدم الاشتغال بها‏.‏

ولا يعكر على ذلك كونه يغمزها عند السجود ليسجد مكان رجليها كما وقع صريحا في رواية لأبي داود، لأن الشغل بها مأمون في حقه صلى الله عليه وسلم، فمن أمن ذلك لم يكره في حقه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الظاهر أن هذه الحالة غير الحالة التي تقدمت في صلاته صلى الله عليه وسلم إلى جهة السرير الذي كانت عليه، لأنه في تلك الحالة غير محتاج لأن يسجد مكان رجليها، ويمكن أن يوجه بين الحالتين بأن يقال‏:‏ كانت صلاته فوق السرير لا أسفل منه كما جنح إليه الإسماعيلي فيما سبق، لكن حمله على حالتين أولى، والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال لا يقطع الصلاة شيء‏)‏ أي من فعل غير المصلي‏.‏

والجملة المترجم بها أوردها في الباب صريحا من قول الزهري، ورواها مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه من قوله، وأخرجها الدارقطني مرفوعة من وجه آخر عن سالم لكن إسنادها ضعيف، ووردت أيضا مرفوعة من حديث أبي سعيد عند أبي داود، ومن حديث أنس وأبي أمامة عند الدارقطني، ومن حديث جابر عند الطبراني في الأوسط وفي إسناد كل منهما ضعف، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ح قَالَ الْأَعْمَشُ وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الأعمش‏)‏ هو مقول حفص بن غياث وليس بتعليق، وهو نحو ما تقدم من رواية علي بن مسهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة ذكر عندها‏)‏ أي أنه ذكر عندها‏.‏

وقوله الكلب الخ فيه حذف، وبيانه في رواية علي بن مسهر ‏"‏ ذكر عندها ما يقطع الصلاة فقالوا يقطعها ‏"‏ ورواه مسلم من طريق أبي بكر بن حفص عن عروة قال ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ ما يقطع الصلاة‏؟‏ فقلت‏:‏ المرأة والحمار ‏"‏ ولسعيد بن منصور من وجه آخر ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ يا أهل العراق قد عدلتمونا ‏"‏ الحديث‏.‏

وكأنها أشارت بذلك إلى ما رواه أهل العراق عن أبي ذر وغيره في ذلك مرفوعا، وهو عند مسلم وغيره من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، وقيد الكلب في روايته بالأسود وعند ابن ماجه من طريق الحسن البصري عن عبد الله بن مغفل، وعند الطبراني من طريق الحسن أيضا، عن الحكم بن عمر ونحوه من غير تقييد، وعند مسلم من حديث أبي هريرة كذلك، وعند أبي داود من حديث ابن عباس مثله، لكن قيد المرأة بالحائض، وأخرجه ابن ماجه كذلك وفيه تقييد الكلب أيضا بالأسود‏.‏

وقد اختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث، فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذر وما وافقه منسوخ بحديث عائشة وغيرها، وتعقب بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع، والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر‏.‏

ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بأن المراد به نقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أن الصحابي راوي الحديث سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود فأجيب بأنه شيطان‏.‏

وقد علم أن الشيطان لو مر بين يدي المصلي لم تفسد صلاته كما سيأتي في الصحيح ‏"‏ إذا ثوب بالصلاة أدبر الشيطان، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ‏"‏ الحديث، وسيأتي في ‏"‏ باب العمل في الصلاة ‏"‏ حديث ‏"‏ إن الشيطان عرض لي فشد علي ‏"‏ الحديث‏.‏

وللنسائي من حديث عائشة ‏"‏ فأخذته فصرعته فخنقته ‏"‏ ولا يقال قد ذكر في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته، لأنا نقول‏:‏ قد بين في رواية مسلم سبب القطع، وهو أنه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأما مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ حديث أبي ذر مقدم، لأن حديث عائشة على أصل الإباحة‏.‏

انتهى‏.‏

وهو مبني على أنهما متعارضان، ومع إمكان الجمع المذكور لا تعارض‏.‏

وقال أحمد‏:‏ يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي النفس من الحمار والمرأة شيء‏.‏

ووجهه ابن دقيق العيد وغيره بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس، يعني الذي تقدم في مروره وهو راكب بمنى، ووجد في المرأة حديث عائشة يعني حديث الباب، وسيأتي الكلام في دلالته على ذلك بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شبهتمونا‏)‏ هذا اللفظ رواية مسروق، ورواية الأسود عنها ‏"‏ أعدلتمونا ‏"‏ والمعنى واحد‏.‏

وتقدم من طريق علي بن مسهر بلفظ ‏"‏ جعلتمونا كلابا ‏"‏ وهذا على سبيل المبالغة‏.‏

قال ابن مالك‏:‏ في هذا الحديث جواز تعدي المشبه به بالباء، وأنكره بعض النحويين حتى بالغ فخطأ سيبويه في قوله‏:‏ شبه كذا بكذا، وزعم أنه لا يوجد في كلام من يوثق بعربيته، وقد وجد في كلام من هو فوق ذلك وهي عائشة رضي الله عنها قال‏:‏ والحق أنه جائز وإن كان سقوطها أشهر في كلام المتقدمين وثبوتها لازم في عرف العلماء المتأخرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأكره أن أجلس فئوذي النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ استدل به على أن التشويش بالمرأة وهي قاعدة يحصل منه ما لا يحصل بها وهي راقدة، والظاهر أن ذلك من جهة الحركة والسكون، وعلى هذا فمرورها أشد‏.‏

وفي النسائي من طريق شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عنها في هذا الحديث ‏"‏ فأكره أن أقوم فأمر بين يديه، فأنسل انسلالا ‏"‏ فالظاهر أن عائشة إنما أنكرت إطلاق كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات، لا المرور بخصوصه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنسل‏)‏ برفع اللام عطفا على ‏"‏ فأكره‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ عَنْ الصَّلَاةِ يَقْطَعُهَا شَيْءٌ فَقَالَ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو الحنظلي المعروف بابن راهويه، وبذلك جزم ابن السكن‏.‏

وفي رواية غير أبي ذر ‏"‏ حدثنا إسحاق ‏"‏ غير منسوب، وزعم أبو نعيم أنه ابن منصور الكوسج، والأول أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سأل عمه الخ‏)‏ ووجه الدلالة من حديث عائشة الذي احتج به ابن شهاب أن حديث ‏"‏ يقطع الصلاة المرأة الخ ‏"‏ يشمل ما إذا كانت مارة أو قائمة أو قاعدة أو مضطجعة، فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى وهي مضطجعة أمامه دل ذلك على نسخ الحكم في المضطجع، وفي الباقي بالقياس عليه‏.‏

وهذا يتوقف على إثبات المساواة بين الأمور المذكورة، وقد تقدم ما فيه، فلو ثبت أن حديثها متأخر عن حديث أبي ذر لم يدل إلا على نسخ الاضطجاع فقط‏.‏

وقد نازع بعضهم في الاستدلال به مع ذلك من أوجه أخرى‏:‏ أحدها‏:‏ أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت إن البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول بانتفاء علته‏.‏

ثانيها‏:‏ أن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته، فقد يحمل المطلق على المقيد، ويقال يتقيد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها بخلاف الزوجة فإنها حاصلة‏.‏

ثالثها‏:‏ أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع العام، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقدر من ملك أربه على ما لا يقدر عليه غيره‏.‏

وقال بعض الحنابلة يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة، فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصريح بالمحتمل، يعني حديث عائشة وما وافقه‏.‏

والفرق بين المار وبين النائم في القبلة أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائما كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبسها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على فراش أهله‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وهو متعلق بقوله فيصلي‏.‏

ووقع للمستملي ‏"‏ عن فراش أهله ‏"‏ وهو متعلق بقوله ‏"‏ يقوم ‏"‏ والأول يقتضي أن تكون صلاته كانت واقعة على الفراش، بخلاف الثاني ففيه احتمال‏.‏

وقد تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على الفراش ‏"‏ من رواية عقيل عن ابن شهاب مثل الأول‏.‏

*3*باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلَاةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أراد البخاري أن حمل المصلي الجارية إذا كان لا يضر الصلاة فمرورها بين يديه لا يضر لأن حملها أشد من مرورها‏.‏

وأشار إلى نحو هذا الاستنباط الشافعي، لكن تقييد المصنف بكونها صغيرة قد يشعر بأن الكبيرة ليست كذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي قتادة‏)‏ في رواية عبد الرزاق عن مالك ‏"‏ سمعت أبا قتادة ‏"‏ وكذا في رواية أحمد من طريق ابن جريج عن عامر عن عمرو بن سليم أنه ‏"‏ سمع أبا قتادة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو حامل أمامة‏)‏ المشهور في الروايات بالتنوين ونصب أمامة، وروى بالإضافة كما قرئ في قوله تعالى ‏(‏إن الله بالغ أمره‏)‏ بالوجهين، وتخصيص الحمل في الترجمة بكونه على العنق - مع أن السياق يشمل ما هو أعم من ذلك - مأخوذ من طريق أخرى مصرحة بذلك وهي لمسلم من طريق بكير بن الأشج عن عمرو بن سليم، ورواه عبد الرزاق عن مالك بإسناد حديث الباب فزاد فيه ‏"‏ على عاتقه ‏"‏ وكذا لمسلم وغيره من طرق أخرى، ولأحمد من طريق ابن جريج ‏"‏ على رقبته‏"‏‏.‏

وأمامة بضم الهمزة تخفيف الميمين كانت صغيرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها علي بعد وفاة فاطمة بوصية منها ولم تعقب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولأبي العاص‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الإضافة في قوله ‏"‏ بنت زينب ‏"‏ بمعنى اللام، فأظهر في المعطوف وهو قوله ‏"‏ ولأبي العاص ‏"‏ ما هو مقدر في المعطوف عليه‏.‏

انتهى‏.‏

وأشار ابن العطار إلى أن الحكمة في ذلك كون والد أمامة كان إذ ذاك مشركا فنسبت إلى أمها تنبيها على أن الولد ينسب إلى أشرف أبويه دينا ونسبا‏.‏

ثم بين أنها من أبي العاص تبيينا لحقيقة نسبها‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا السياق لمالك وحده، وقد رواه غيره عن عامر بن عبد الله فنسبوها إلى أبيها، ثم بينوا أنها بنت زينب كما هو عند مسلم وغيره، ولأحمد من طريق المقبري عن عمرو بن سليم ‏"‏ يحمل أمامة بنت أبي العاص - وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - على عاتقه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن ربيعة بن عبد شمس‏)‏ كذا رواه الجمهور عن مالك، ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو مصعب وغيرهم عن مالك فقالوا ‏"‏ ابن الربيع ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

وغفل الكرماني فقال خالف القوم البخاري فقال‏:‏ ربيعة، وعندهم الربيع، والواقع أن من أخرجه من القوم من طريق مالك كالبخاري فالمخالفة فيه إنما هي من مالك، وادعى الأصيلي أنه ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك مرة إلى جده، ورده عياض والقرطبي وغيرهما لإطباق النسابين على خلافه‏.‏

نعم قد نسبه مالك إلى جده في قوله ‏"‏ ابن عبد الشمس ‏"‏ وإنما هو ابن عبد العزى بن عبد شمس، أطبق على ذلك النسابون أيضا، واسم أبي العاص لقيط وقيل مقسم وقيل القاسم وقيل مهشم وقيل هشيم وقيل ياسر وهو مشهور بكنيته‏.‏

أسلم قبل الفتح وهاجر، ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته، وكانت وفاته في خلافة أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا سجد وضعها‏)‏ كذا لمالك أيضا، ورواه مسلم أيضا من طريق عثمان بن أبي سليمان ومحمد ابن عجلان، والنسائي من طريق الزبيدي، وأحمد من طريق ابن جريج، وابن حبان من طريق أبي العميس كلهم عن عامر بن عبد الله شيخ مالك فقالوا ‏"‏ إذا ركع وضعها ‏"‏ ولأبي داود من طريق المقبري عن عمرو ابن سليم ‏"‏ حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده قام وأخذها فردها في مكانها‏"‏، وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، بخلاف ما أوله الخطابي حيث قال‏:‏ يشبه أن تكون الصبية كانت قد ألفته، فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض من سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها‏.‏

قال‏:‏ هذا وجهه عندي‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ من المعلوم أن لفظ حمل لا يساوي لفظ وضع في اقتضاء فعل الفاعل لأنا نقول‏:‏ فلان حمل كذا ولو كان غيره حمله، بخلاف وضع، فعلى هذا فالفعل الصادر منه هو الوضع لا الرفع فيقل العمل‏.‏

قال‏:‏ وقد كنت أحسب هذا حسنا إلى أن رأيت في بعض طرقه الصحيحة ‏"‏ فإذا قام أعادها‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهي رواية لمسلم‏.‏

ورواية أبي داود التي قدمناها أصرح في ذلك وهي ‏"‏ ثم أخذها فردها في مكانها ‏"‏ ولأحمد من طريق ابن جريج ‏"‏ وإذا قام حملها فوضعها على رقبته‏"‏‏.‏

قال القرطبي‏:‏ اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، وهو تأويل بعيد، فإن ظاهر الأحاديث أنه كان في فريضة‏.‏

وسبقه إلى استبعاد ذلك المازري وعياض، لما ثبت في مسلم ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه‏"‏‏.‏

قال المازري‏:‏ إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة‏.‏

ولأبي داود ‏"‏ بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر - أو العصر - وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهي في مكانها‏"‏، وعند الزبير بن بكار وتبعه السهيلي الصبح، ووهم من عزاه للصحيحين‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وروى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها‏.‏

انتهى‏.‏

وقال بعض أصحابه‏:‏ لأنه لو تركها لبكت وشغلت سره في صلاته أكثر من شغله بحملها‏.‏

وفرق بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة‏.‏

وقال الباجي‏:‏ إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة، وإن لم يجد جاز فيهما‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وروى عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أن الحديث منسوخ‏.‏

قلت‏:‏ روى ذلك الإسماعيلي عقب روايته للحديث من طريقه، لكنه غير صريح، ولفظه‏:‏ قال التنيسي قال مالك‏:‏ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ ومنسوخ، وليس العمل على هذا‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة‏.‏

وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن هذه القصة كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن في الصلاة لشغلا ‏"‏ لأن ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعا بمدة مديدة‏.‏

وذكر عياض عن بعضهم أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم لكونه كان معصوما من أن تبول وهو حاملها، ورد بأن الأصل عدم الاختصاص وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك‏.‏

وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجد الطمأنينة في أركان صلاته‏.‏

وقال النووي‏:‏ ادعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز‏.‏

وقال الفاكهاني‏:‏ وكأن السر في حمله أمامة في الصلاة دفعا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول‏.‏

واستدل به على ترجيح العمل بالأصل على الغالب كما أشار إليه الشافعي‏.‏

ولابن دقيق العيد هنا بحث من جهة أن حكايات الأحوال لا عموم لها، وعلى جواز إدخال الصبيان في المساجد، وعلى أن لمس الصغار الصبايا غير مؤثر في الطهارة، ويحتمل أن يفرق بين ذوات المحارم وغيرهن، وعلى صحة صلاة من حمل آدميا، وكذا من حمل حيوانا طاهرا، وللشافعية تفصيل بين المستجمر وغيره، وقد يجاب عن هذه القصة بأنها واقعة حال فيحتمل أن تكون أمامة كانت حينئذ قد غسلت، كما يحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم يمسها بحائل‏.‏

وفيه تواضعه صلى الله عليه وسلم، وشفقته على الأطفال، وإكرامه لهم جبرا لهم ولوالديهم‏.‏