فصل: باب أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب خَرْصِ الثَّمَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب خرص التمر‏)‏ أي مشروعيته، والخرص بفتح المعجمة وحكي كسرها وبسكون الراء بعدها مهملة هو حزر ما على النخل من الرطب تمرا، حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصا ينظر فيقول‏:‏ يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا وكذا وكذا تمرا فيحصيه وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر انتهى‏.‏

وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ أنكر أصحاب الرأي الخرص‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا إلا ليلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار‏.‏

وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم، والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي، قال‏:‏ وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير‏.‏

وحكى أبو عبيد عن قوم منهم أن الخرص كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يوفق من الصواب ما لا يوفق له غيره، وتعقبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يسدد لما كان يسدد له سواء أن تثبت بذلك الخصوصية ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدد فيه كتسديد الأنبياء لسقط الاتباع، وترد هذه الحجة أيضا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم الخراص في زمانه والله أعلم، واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بدلا مما لم يسلم له، وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص، قال ابن المنذر‏:‏ أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اخْرُصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّءٍ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ فَلَمَّا قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ هَذِهِ طَابَةُ فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ قَالُوا بَلَى قَالَ دُورُ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ يَعْنِي خَيْرًا وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهُوَ حَدِيقَةٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يُقَلْ حَدِيقَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن يحيى‏)‏ هو المازني، ولمسلم من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عباس الساعدي‏)‏ هو ابن سهل بن سعد، ووقع في رواية أبي داود عن سهل بن بكار شيخ البخاري فيه عن العباس الساعدي يعني ابن سهل بن مسعد‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن وهيب حدثنا عمرو بن يحيى حدثنا عباس بن سهل الساعدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غزوة تبوك‏)‏ سيأتي شرحها في المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما جاء وادي القرى‏)‏ هي مدينة قديمة بين المدينة والشام سيأتي ذكرها في البيوع، وأغرب ابن قرقول فقال‏:‏ إنها من أعمال المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا امرأة في حديقة لها‏)‏ استدل به على جواز الابتداء بالنكرة لكن بشرط الإفادة، قال ابن مالك‏:‏ لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق، بل إذا لم تحصل فائدة، فلو اقترن بالنكرة المحضة قرينة يتحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها نحو انطلقت فإذا سبع في الطريق إلخ‏.‏

ووقع في رواية سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى عند مسلم ‏"‏ فآتينا على حديقة امرأة ‏"‏ ولم أقف على اسمها في شيء من الطرق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اخرصوا‏)‏ بضم الراء، زاد سليمان ‏"‏ فخرصنا ‏"‏ ولم أقف على أسماء من خرص منهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخرص‏)‏ في رواية سليمان ‏"‏ وخرصها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحصي‏)‏ أي احفظي عدد كيلها‏.‏

وفي رواية سليمان ‏"‏ أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى ‏"‏ وأصل الإحصاء العدد بالحصى لأنهم كانوا لا يحسنون الكتابة فكانوا يضبطون العدد بالحصى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستهب الليلة‏)‏ زاد سليمان ‏"‏ عليكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يقومن أحد‏)‏ في رواية سليمان ‏"‏ فلا يقم فيها أحد منكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليعقله‏)‏ أي يشده بالعقال وهو الحبل‏.‏

وفي رواية سليمان ‏"‏ فليشد عقاله ‏"‏ وفي رواية ابن إسحاق في المغازي عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عباس بن سهل ‏"‏ ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رجل فألقته بجبل طيء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بجبلي طي ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي من طريق عفان عن وهيب ‏"‏ ولم يقم فيها أحد غير رجلين ألقتهما بجبل طي ‏"‏ وفيه نظر بينته رواية ابن إسحاق ولفظه ‏"‏ ففعل الناس ما أمرهم إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج آخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبل طي، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له‏.‏

ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك ‏"‏ والمراد بجبلي طي المكان الذي كانت القبيلة المذكورة تنزله، واسم الجبلين المذكورين ‏"‏ أجأ ‏"‏ بهمزة وجيم مفتوحتين بعدهما همزة بوزن قمر وقد لا تهمز فيكون بوزن عصا و ‏"‏ سلمى ‏"‏ وهما مشهوران، ويقال إنهما سميا باسم رجل وامرأة من العماليق‏.‏

ولم أقف على اسم الرجلين المذكورين وأظن ترك ذكرهما وقع عمدا، فقد وقع في آخر حديث ابن إسحاق أن عبد الله بن أبي بكر حدثه أن العباس بن سهل سمى الرجلين ولكنه استكتمني إياهما قال‏:‏ وأبى عبد الله أن يسميهما لنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأهدى ملك أيلة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر تقدم ذكرها في ‏"‏ باب الجمعة في القرى والمدن‏"‏، ووقع في رواية سليمان عند مسلم ‏"‏ وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب وأهدى له بغلة بيضاء ‏"‏ وفي مغازي ابن إسحاق ‏"‏ ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يوحنا بن روبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية ‏"‏ وكذا رواه إبراهيم الحربي في الهدايا من حديث علي، فاستفيد من ذلك اسمه واسم أبيه، فلعل العلماء اسم أمه، ويوحنا بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون، وروبة بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة، واسم البغلة المذكورة دلدل هكذا جزم به النووي، ونقل عن العلماء أنه لا يعرف له بغلة سواها، وتعقب بأن الحاكم أخرج في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ عن ابن عباس ‏"‏ أن كسرى أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ‏"‏ الحديث، وهذه غير دلدل‏.‏

ويقال إن النجاشي أهدى له بغلة، وأن صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة، وأن دلدل إنما أهداها له المقوقس‏.‏

وذكر السهيلي أن التي كانت تحته يوم حنين تسمى فضة وكانت شهباء، ووقع عند مسلم في هذه البغلة أن فروة أهداها له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكتب له ببحرهم‏)‏ أي ببلدهم، أو المراد بأهل بحرهم لأنهم كانوا سكانا بساحل البحر أي أنه أقره عليهم بما التزموه من الجزية، وفي بعض الروايات ‏"‏ ببحرتهم ‏"‏ أي بلدتهم، وقيل البحرة الأرض‏.‏

وذكر ابن إسحاق الكتاب، وهو بعد البسملة‏:‏ ‏"‏ هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله ومحمد النبي ‏"‏ وساق بقية الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كم جاء حديقتك‏)‏ أي تمر حديقتك‏.‏

وفي رواية مسلم ‏"‏ فسأل المرأة عن حديقتها كما بلغ ثمرها ‏"‏ وقوله ‏"‏ عشرة ‏"‏ بالنصب على نزع الخافض أو على الحال، وقوله ‏"‏خرص ‏"‏ بالنصب أيضا إما بدلا وإما بيانا، ويجوز الرفع فيهما وتقديره الحاصل عشرة أوسق وهو خرص رسول الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما قال ابن بكار كلمة معناها أشرف على المدينة‏)‏ ابن بكار هو سهل شيخ البخاري، فكأن البخاري شك في هذه اللفظة فقال هذا، وقد رواه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عن فاروق عن أبي مسلم وغيره عن سهل فذكرها بهذا اللفظ سواء، وسيأتي الكلام على بقية الحديث وما يتعلق بالمدينة في فضل المدينة، وما يتعلق بالأنصار في مناقب الأنصار، فإنه ساق ذلك هناك أتم مما هنا‏.‏

وقوله ‏"‏طابة ‏"‏ هو من أسماء المدينة كطيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان بن بلال حدثني عمرو‏)‏ يعني ابن يحيى بالإسناد المذكور، وهذه الطريق موصولة في فضائل الأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان‏)‏ هو ابن بلال المذكور، وسعد بن سعيد هو الأنصاري أخو يحيى بن سعيد، وعباس هو ابن سهل بن سعد، وهي موصولة في ‏"‏ فوائد علي بن خزيمة ‏"‏ قال ‏"‏ حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان أي ابن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال ‏"‏ فذكره وأوله ‏"‏ أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا من المدينة أخذ طريق غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى ‏"‏ فساق الحديث ولم يذكر أوله، واستفيد منه بيان قوله ‏"‏ إني متعجل إلى المدينة، فمن أحب فليتعجل معي ‏"‏ أي إني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش‏.‏

وظهر أن عمارة بن غزية خالف عمرو بن يحيى في إسناد الحديث فقال عمرو ‏"‏ عن عباس عن أبي حميد ‏"‏ وقال عمارة ‏"‏ عن عباس عن أبيه‏"‏‏.‏

فيحتمل أن يسلك طريق الجمع بأن يكون عباس أخذ القدر المذكور وهو ‏"‏ أحد جبل يحبنا ونحبه ‏"‏ عن أبيه وعن أبي حميد معا، أو حمل الحديث عنهما معا، أو كله عن أبي حميد ومعظمه عن أبيه وكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، ولذلك كان لا يجمعهما‏.‏

وقد وقع في رواية ابن إسحاق المذكورة ‏"‏ عباس بن سهل بن سعد أو عباس عن سهل ‏"‏ فتردد فيه هل هو مرسل أو رواه عن أبيه فيوافق قول عمارة، لكن سياق عمرو بن يحيى أتم من سياق غيره، والله أعلم‏.‏

وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه أول الباب، واختلف القائلون به هل هو وأجب أو مستحب، فحكى الصيمري من الشافعية وجها بوجوبه‏.‏

وقال الجمهور هو مستحب إلا إن تعلق به حق لمحجور مثلا أو كان شركاؤه غير مؤتمنين فيجب لحفظ مال الغير، واختلف أيضا هل يختص بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطبا وجافا‏؟‏ وبالأول قال شريح القاضي وبعض أهل الظاهر، والثاني قول الجمهور، وإلى الثالث نحا البخاري‏.‏

وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف‏؟‏ الأول قول مالك وطائفة، والثاني قول الشافعي ومن تبعه‏.‏

وهل يكفي خارص واحد عارف ثقة أو لا بد من اثنين‏؟‏ وهما قولان للشافعي، والجمهور على الأول‏.‏

واختلف أيضا هل هو اعتبار أو تضمين‏؟‏ وهما قولان للشافعي أظهرهما الثاني، وفائدته جواز التصرف في جميع الثمرة ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص‏.‏

وفيه أشياء من أعلام النبوة كالإخبار عن الريح وما ذكر في تلك القصة، وفيه تدريب الاتباع وتعليمهم، وأخذ الحذر مما يتوقع الخوف منه‏.‏

وفضل المدينة والأنصار، ومشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال والتعيين، ومشروعية الهدية والمكافأة عليها‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ في السنن وصحيح ابن حبان من حديث سهل ابن أبي حثمة مرفوعا ‏"‏ إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع‏"‏‏.‏

وقال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم، وفهم منه أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه فقال‏:‏ يترك قدر احتياجهم‏.‏

وقال مالك وسفيان‏:‏ لا يترك لهم شيء، وهو المشهور عن الشافعي، قال ابن العربي‏:‏ والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤونة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبيد‏)‏ هو القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب ‏"‏ الغريب ‏"‏ وكلامه هذا في غريب الحديث له‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ هو من الرياض كل أرض استدارت، وقيل كل أرض ذات شجر مثمر ونخل، وقيل كل حفرة تكون في الوادي يحتبس فيها الماء، فإذا لم يكن فيه ماء فهو حديقة، ويقال الحديقة أعمق من الغدير والحديقة القطعة من الزرع يعني أنه من المشترك‏.‏

*3*باب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي

وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء الجاري‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عدل من لفظ العيون الواقع في الخبر إلى الماء الجاري ليجريه مجرى التفسير للمقصود من ماء العيون وأنه الماء الذي يجري بنفسه من غير نضح وليبين أن الذي يجري بنفسه من نهر أو غدير حكمه حكم ما يجري من العيون انتهى، وكأنه أشار إلى ما في بعض طرقه، فعند أبي داود ‏"‏ فيما سقت السماء والأنهار والعيون ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا‏)‏ أي زكاة، وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال‏:‏ جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى أن لا تأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بإسناد صحيح إلى نافع مولى ابن عمر قال ‏"‏ بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن فأردت أن آخذ من العسل العشر، فقال مغيرة بن حكيم الصنعاني‏:‏ ليس فيه شيء، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ صدق، هو عدل رضا، ليس فيه شيء ‏"‏ وجاء عن عمر بن عبد العزيز ما يخالفه أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن كتاب إبراهيم بن ميسرة قال‏:‏ ‏"‏ ذكر لي بعض من لا أتهم من أهلي أنه تذاكر هو وعروة بن محمد السعدي فزعم عروة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل، فزعم عروة أنه كتب إليه‏:‏ إنا قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف فخذ منه العشر انتهى ‏"‏ وهذا إسناد ضعيف لجهالة الواسطة، والأول أثبت، وكأن البخاري أشار إلى تضعيف ما روي ‏"‏ أن في العسل العشر ‏"‏ وهو ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال ‏"‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر ‏"‏ وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو بمهملات وزن محمد قال البخاري في تاريخه‏:‏ عبد الله متروك، ولا يصح في زكاه العسل شيء‏.‏

قال الترمذي‏:‏ لا يصح في هذا الباب شيء‏.‏

قال الشافعي في القديم‏:‏ حديث أن في العسل العشر ضعيف، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز انتهى‏.‏

وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق طاوس ‏"‏ أن معاذا لما أتى اليمن قال‏:‏ لم أؤمر فيهما بشيء ‏"‏ يعني العسل وأوقاص البقر، وهذا منقطع، وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‏"‏ جاء هلال أحد بني متعان - أي بضم الميم وسكون المثناة بعدها مهملة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له، فلما ولي عمر كتب إلى عامله‏:‏ إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه وإلا فلا ‏"‏ وإسناده صحيح إلى عمرو وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض، وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا، فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار ‏"‏ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعسل فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ صدقة فأمر برفعها ولم يذكر عشورا ‏"‏ لكن الإسناد الأول أقوى، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة وأحمد وإسحاق يحب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج‏.‏

وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي بعد أن أخرج حديث ابن عمر فيه، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ ليس في العسل شيء، وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى، قال ابن المنير‏:‏ مناسبة أثر عمر في العسل للترجمة من جهة أن الحديث يدل على أن لا عشر فيه لأنه خص العشر أو نصفه بما يسقى، فأفهم أن ما لا يسقى لا يعشر، زاد ابن رشيد فإن قيل المفهوم إنما ينفي العشر أو نصفه لا مطلق الزكاة، فالجواب أن الناس قائلان‏:‏ مثبت للعشر وناف للزكاة أصلا فتم المراد، قال‏:‏ ووجه إدخاله العسل أيضا للتنبيه على الخلاف فيه وأنه لا يرى فيه زكاة وإن كانت النحل تتغذى مما يسقى من السماء لكن المتولد بالمباشرة كالزرع ليس كالمتولد بواسطة حيوان كاللبن فإنه متولد عن الرعي ولا زكاة فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَفِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ بِلَالٌ قَدْ صَلَّى فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عثريا‏)‏ بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية، وحكي عن ابن الأعرابي تشديد المثلثة ورده ثعلب وحكى ابن عديس في المثلث فيه ضم أوله وإسكان ثانيه قال الخطابي‏:‏ هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي، زاد ابن قدامة عن القاضي أبي يعلى‏:‏ وهو المستنقع في بركة ونحوها يصب إليه من ماء المطر في سواق تشق له قال‏:‏ واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لأن الماشي يعثر فيها‏.‏

قال ومنه الذي يشرب من الأنهار بغير مؤونة، أو يشرب بعروقه كأن يغرس في أرض يكون الماء قريبا من وجهها فيصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي، وهذا التفسير أولى من إطلاق أبي عبيد أن العثري ما سقته السماء، لأن سياق الحديث يدل على المغايرة، وكذا قول من فسر العثري بأنه الذي لا حمل له لأنه لا زكاة فيه، قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم في هذه التفرقة التي ذكرناها خلافا قوله‏:‏ ‏(‏بالنضح‏)‏ بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة أي بالسانية، وهي رواية مسلم والمراد بها الإبل التي يستقى عليها، وذكر الإبل كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ هذا تفسير الأول إلخ‏)‏ هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العثري، ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده، وهو الذي وقع عند الإسماعيلي أيضا، وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب انتهى ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات فجزم بأنه وقع هنا في جميعها قال وحقه أن يذكر في الباب الذي يليه، قلت‏:‏ ولذكره عقب كل من الحديثين وجه، لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر الذي قبله وهو حديث ابن عمر، فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤونة وبغير مؤونة، ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور عملا بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح، فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك وهو قول أهل العلم، قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، والثاني يؤخذ بالقسط، ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه، وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل قاله ابن التين عن حكاية أبي محمد بن أبي زيد عنه والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال النسائي عقب تخريج هذا الحديث‏:‏ رواه نافع عن ابن عمر عن عمر، قال وسالم أجل من نافع وقول نافع أولى بالصواب‏.‏

وقوله بعده ‏(‏هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول‏)‏ أي لم يذكر حدا للنصاب، و قوله‏:‏ ‏(‏وبين في هذا‏)‏ يعني في حديث أبي سعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والزيادة مقبولة‏)‏ أي من الحافظ، والثبت بتحريك الموحدة الثبات والحجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمفسر يقضي على المبهم‏)‏ ‏:‏ أي الخاص يقضي على العام لأن ‏"‏ فيما سقت ‏"‏ عام يشمل النصاب ودونه، و ‏"‏ ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ‏"‏ خاص بقدر النصاب وأجاب بعض الحنفية بأن محل ذلك ما إذا كان البيان وفق المبين لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، أما إذا انتفى شيء من أفراد العام مثلا فيمكن التمسك به كحديث أبي سعيد هذا فإنه دل على النصاب فيما يقبل التوسيق، وسكت عما لا يقبل التوسيق فيمكن التمسك بعموم قوله فيما سقت السماء العشر أي مما لا يمكن التوسيق فيه عملا بالدليلين، وأجاب الجمهور بما روي مرفوعا ‏"‏ لا زكاة في الخضراوات ‏"‏ رواه الدارقطني من طريق علي وطلحة ومعاذ مرفوعا وقال الترمذي لا يصح فيه شيء إلا مرسل موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو دال على أن الزكاة إنما هي فيما يكال مما يدخر للاقتيات في حال الاختيار‏.‏

وهذا قول مالك والشافعي‏.‏

وعن أحمد يخرج من جميع ذلك ولو كان لا يقتات وهو قول محمد وأبي يوسف وحكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض، إلا أن أبا حنيفة قال تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر انتهى‏.‏

وحكى عياض عن داود أن كل ما يدخل فيه الكيل يراعى فيه النصاب، وما لا يدخل فيه الكيل ففي قليله وكثيره الزكاة، وهو نوع من الجمع بين الحديثين المذكورين والله أعلم‏.‏

وقال ابن العربي أقوى المذاهب وأحوطها للمساكين قول أبي حنيفة، وهو التمسك بالعموم قال‏:‏ وقد زعم الجويني أن الحديث إنما جاء لتفصيل ما تقل مما تكثر مؤونته، قال ابن العربي‏:‏ لا مانع أن يكون الحديث يقتضي الوجهين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما روى إلخ‏)‏ أي كما أن المثبت مقدم على النافي في حديثي الفضل وبلال، وحديث الفضل أخرجه أحمد وغيره، وحديث بلال سيأتي موصولا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ اختلف في هذا النصاب هل هو تحديد أو تقريب‏؟‏ وبالأول جزم أحمد، وهو أصح الوجهين للشافعية، إلا إن كان نقصا يسيرا جدا مما لا ينضبط فلا يضر قاله ابن دقيق العيد، وصحح النووي في شرح مسلم أنه تقريب، واتفقوا على وجوب الزكاة فيما زاد على الخمسة أوسق بحسابه ولا وقص فيها‏.‏

*3*باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‏)‏ أورد فيه حديث أبي سعيد وقد تقدم ذكره في ‏"‏ باب زكاة الورق ‏"‏ وذكر فيه قدر الوسق وقوله هنا ‏"‏ ليس فيما أقل ‏"‏ ما زائدة وأقل في موضع جر بقي وقد ذكره بعده بلفظ وليس في أقل‏.‏

*3*باب أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبي فيمن تمر الصدقة‏)‏ الصرام بكسر المهملة الجداد والقطاف وزنا ومعنى وقد اشتمل هذا الباب على ترجمتين أما الأولى فلها تعلق بقوله تعالى ‏(‏وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ واختلفوا في المراد بالحق فيها فقال ابن عباس‏:‏ هي الواجبة، وأخرجه ابن جرير عن أنس‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ هو شيء سوى الزكاة أخرجه ابن مردويه وبه قال عطاء وغيره، وحديث الباب يشعر بأنه غير الزكاة، وكأنه المراد بما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عمرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين ‏"‏ وقد تقدم ذكره في ‏"‏ باب القسمة وتعليق القنو في المسجد ‏"‏ من كتاب الصلاة‏.‏

وأما الترجمة الثانية فربطها بالترك إشارة منه إلى أن الصبا وإن كان مانعا من توجيه الخطاب إلى الصبي فليس مانعا من توجيه الخطاب إلى الولي بتأديبه وتعليمه‏.‏

وأوردها بلفظ الاستفهام لاحتمال أن يكون النهي خاصا بمن لا يحل له تناول الصدقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كوم‏)‏ بفتح الكاف وسكون الواو معروف، وأصله القطعة العظيمة من الشيء، والمراد به هنا ما اجتمع من التمر كالعرمة، ويروى ‏"‏ كوما ‏"‏ بالنصب أي حتى يصير التمر عنده كوما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذ أحدهما‏)‏ سيأتي بعد بابين من رواية شعبة عن محمد بن زياد بلفظ ‏"‏ فأخذ الحسن بن علي ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فجعله‏)‏ أي المأخوذ‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فجعلها ‏"‏ أي التمرة وسيأتي بقية الكلام عليه قريبا، قال الإسماعيلي قوله ‏"‏ عند صرام النخل ‏"‏ أي بعد أن يصير تمرا لأن النخل قد يصرم وهو رطب فيتمر في المربد ولكن ذلك لا يتطاول فحسن أن ينسب إلى الصرام كما في قوله تعالى ‏(‏وآتوا حقه يوم حصاده‏)‏ فإن المراد بعد أن يداس وينقى‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ

أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَلَمْ يَحْظُرْ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلَاحِ عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من باع ثماره أو أرضه أو نخله أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة إلخ‏)‏ ظاهر سياق هذه الترجمة أن المصنف يرى جوازه بيع الثمرة بعد بدو الصلاح ولو وجبت فيها الزكاة بالخرص مثلا لعموم قوله ‏"‏ حتى يبدو صلاحها ‏"‏ وهو أحد قولي العلماء، والثاني لا يجوز بيعها بعد الخرص لتعلق حق المساكين بها، وهو أحد قولي الشافعي، وقائل هذا حمل الحديث على الجواز بعد الصلاح وقبل الخرص جمعا بين الحديثين‏.‏

وأما قوله ‏"‏ العشر أو الصدقة ‏"‏ فمن العام بعد الخاص، وفيه إشارة إلى الرد على من جعل في الثمار العشر مطلقا من غير اعتبار نصاب، ولم يرد أن الصدقة تسقط بالبيع‏.‏

وأما قوله ‏"‏ فأدى الزكاة من غيره ‏"‏ فلأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمرا جائزا كما تقدم فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره أو يخرج قيمتها على رأي من يجيزه وهو اختيار البخاري كما سبق‏.‏

وأما قوله ‏"‏ ولم يخص من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب ‏"‏ فيتوقف على مقدمة أخرى وهي أن الحق يتعلق بالصلاح، وظاهر القرآن يقتضي أن وجوب الإيتاء إنما هو يوم الحصاد على رأي من جعلها في الزكاة، إلا أن يقال إنما تعرضت الآية لبيان زمن الإيتاء لا لبيان زمان الوجوب، والظاهر أن المصنف اعتمد في تصحيح هذه المقدمة استعمال الخرص عند الصلاح لتعلق حق المساكين، فطواها بتقديمه حكم الخرص فيما سبق أشار إلى ذلك ابن رشيد‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أراد البخاري الرد على أحد قولي الشافعي بفساد البيع كما تقدم‏.‏

وقال أبو حنيفة المشتري بالخيار ويؤخذ العشر منه ويرجع هو على البائع، وعن مالك العشر على البائع إلا أن يشترطه على المشتري وهو قول الليث، وعن أحمد الصدقة على البائع مطلقا وهو قول الثوري والأوزاعي والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الثمرة‏)‏ أسنده في الباب بمعناه، وأما هذا اللفظ فمذكور عنده في موضعين من كتاب البيع من حديث ابن عمر، وسيأتي الكلام هناك على حديثه وعلى حديث أنس أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏"‏وكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى تذهب عاهته ‏"‏ أي الثمر وفي رواية الكشميهني عاهتها وهو مقول ابن عمر بينه مسلم في روايته من طريق محمد بن جعفر عن شعبة ولفظه ‏"‏ فقيل لابن عمر ما صلاحه‏؟‏ قال تذهب عاهته‏"‏‏.‏

*3*باب هَلْ يَشْتَرِي الرَّجُلُ صَدَقَتَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ غَيْرُهُ

لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَى الْمُتَصَدِّقَ خَاصَّةً عَنْ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يشتري الرجل صدقته‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أورد الترجمة بالاستفهام لأن تنزيل حديث الباب على سببه يضعف معه تعميم المنع لاحتمال تخصيصه بالشراء بدون القيمة لقوله ‏"‏ وظننت أنه يبيعه برخص ‏"‏ وكذا إطلاق الشارع العود عليه بمعنى أنه في معنى رجوع بعضها إليه بغير عوض، قال‏:‏ وقصد بهذه الترجمة التنبيه على أن الذي تضمنته الترجمة التي قبلها من جواز بيع الثمرة قبل إخراج الزكاة ليس من جنس شراء الرجل صدقته، والفرق بينهما دقيق وقال ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق ثم يشتريها للنهي الثابت، ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع على جوازه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا بأس أن يشتري صدقة غيره‏)‏ قد استدل له بما ذكر، ومراده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ‏"‏ لا تعد ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ العائد في صدقته ‏"‏ ولو كان المراد تعميم المنع لقال لا تشتروا الصدقة مثلا، وسيأتي لذلك مزيد بيان في ‏"‏ باب إذا حولت الصدقة‏"‏‏.‏

ثم أورد المصنف حديث عمر في تصدقه بالفرس واستئذانه في شرائه بعد ذلك من طريقين فسياق الأولى يقتضي أنه من حديث ابن عمر والثانية أنه من مسند عمر، ورجح الدارقطني الأولى، لكن حيث جاء من طريق سالم وغيره من الرواة عن ابن عمر فهو من مسنده، وأما رواية أسلم مولى عمر فهي عن عمر نفسه والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَبِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا يَتْرُكُ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ إِلَّا جَعَلَهُ صَدَقَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تصدق بفرس‏)‏ أي حمل عليه رجلا في سبيل الله كما في الطريق الثانية والمعنى أنه ملكه له، ولذلك ساغ له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه، وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى حالة عدم الانتفاع به، وأجاز ذلك ابن القاسم، ويدل على أنه حمل تمليك قوله ‏"‏ ولا تعد في صدقتك ‏"‏ ولو كان حبسا لعلله به‏.‏

قوله في الطريق الأولى ‏"‏ ولهذا كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئا تصدق به إلا جعله صدقة ‏"‏ كذا في رواية أبي ذر، وعلى حرف لا تضبيب ولا أدري ما وجهه‏.‏

وبإثبات النفي يتم المعنى أي كان إذا اتفق له أن يشتري شيئا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به، وكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة‏.‏

وفي الحديث كراهة الرجوع في الصدقة وفضل الحمل في سبيل الله والإعانة على الغزو بكل شيء، وأن الحمل في سبيل الله تمليك وأن للمحمول بيعه والانتفاع بثمنه‏.‏

وسيأتي تكميل الكلام على هذا الحديث في أبواب الهبة إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَشْتَرِي وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ

الشرح‏:‏

قوله فيها ‏"‏ فأضاعه الـذي كان عنده ‏"‏ أي بترك القيام عليه بالخدمة والعلف ونحوهما‏.‏

وقال في الأولى ‏"‏ فوجده يباع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن أعطاكه بدرهم‏)‏ هو مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعد‏)‏ في رواية أحمد من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ‏"‏ ولا تعودن ‏"‏ وسمي شراءه برخص عودا في الصدقة من حيث أن الغرض منها ثواب الآخرة، فإذا اشتراها برخص فكأنه اختار عرض الدنيا على الآخرة، مع أن العادة تقتضي بيع مثل ذلك برخص لغير المتصدق فكيف بالمتصدق فيصير راجعا في ذلك المقدار الذي سومح فيه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ أفاد ابن سعد في الطبقات أن اسم هذا الفرس الورد وأنه كان لتميم الداري فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لعمر، ولم أقف على اسم الرجل الذي حمله عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كالعائد في قيئه‏)‏ استدل به على تحريم ذلك لأن القيء حرام قال القرطبي‏:‏ وهذا هو الظاهر من سياق الحديث، ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة لكون القيء مما يستقذر وهو قول الأكثر، ويلتحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات‏.‏

وأما إذا ورثه فلا كراهة‏.‏

وأبعد من قال يتصدق به‏.‏

*3*باب مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يذكر من الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله‏)‏ لم يعين الحكم لشهرة الاختلاف فيه‏.‏

والنظر فيه في ثلاثة مواضع‏:‏ أولها المراد بالآل هنا بنو هاشم وبنو المطلب على الأرجح من أقوال العلماء وسيأتي دليله في أبواب الخمس في آخر الجهاد قال الشافعي أشركهم النبي صلى الله عليه وسلم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من قبائل قريش غيرهم، وتلك العطية عوض عوضوه بدلا عما حرموه من الصدقة‏.‏

وعن أبي حنيفة ومالك بنو هاشم فقط، وعن أحمد في بني المطلب روايتان، وعن المالكية فيما بين هاشم وغالب بن فهر قولان، فعن أصبغ منهم هم بنو قصي وعن غيره بنو غالب بن فهر‏.‏

ثانيها كان يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفرض والتطوع كما نقل فيه غير واحد منهم الخطابي الإجماع لكن حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولا وكذا في رواية عن أحمد ولفظه في رواية الميموني ‏"‏ لا يحل للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته صدقة الفطر وزكاة الأموال والصدقة يصرفها الرجل على محتاج يريد بها وجه الله فأما غير ذلك فلا أليس يقال كل معروف صدقة، قال ابن قدامة ليس ما نقل عنه من ذلك بواضح الدلالة وإنما أراد أن ما ليس من صدقة الأموال كالقرض والهدية وفعل المعروف كان غير محرم‏.‏

قال الماوردي يحرم عليه كل ما كان من الأموال متقوما‏.‏

وقال غيره لا تحرم عليه الصدقة العامة كمياه الآبار وكالمساجد، وسيأتي دليل تحريم الصدقة مطلقا في اللقطة، واختلف هل كان تحريم الصدقة من خصائصه دون الأنبياء أو كلهم سواء في ذلك‏.‏

ثالثها هل يلتحق به آله في ذلك أم لا‏؟‏ قال ابن قدامة لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة كذا قال، وقد نقل الطبري الجواز أيضا عن أبي حنيفة وقيل عنه يجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاوي ونقله بعض المالكية عن الأبهري منهم، وهو وجه لبعض الشافعية، وعن أبي يوسف يحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم، وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة‏:‏ الجواز المنع جواز التطوع دون الفرض عكسه، وأدلة المنع ظاهرة من حديث الباب ومن غيره ولقوله تعالى ‏(‏قل ما أسألكم عليه من أجر‏)‏ ولو أحلها لآله لأوشك أن يطعنوا فيه، ولقوله‏:‏ ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏)‏ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الصدقة أوساخ الناس ‏"‏ كما رواه مسلم، ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض وهو قول أكثر الحنفية والمصحح عند الشافعية والحنابلة، وأما عكسه فقالوا أن الواجب حق لازم لا يلحق بأخذه ذلة بخلاف التطوع، ووجه التفرقة بين بني هاشم وغيرهم أن موجب المنع رفع يد الأدنى على الأعلى، فأما الأعلى على مثله فلا، ولم أر لمن أجاز مطلقا دليلا إلا ما تقدم عن أبي حنيفة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِخْ كِخْ لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا هريرة قال أخذ الحسن‏)‏ في رواية معمر عن محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة قال ‏"‏ كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم تمرا من تمر الصدقة والحسن في حجره ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجعلها في فيه‏)‏ زاد أبو مسلم الكجي من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد ‏"‏ فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام ولعابه يسيل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم شدقه ‏"‏ وفي رواية معمر ‏"‏ فلما فرغ حمله على عاتقه فسال لعابه فرفع رأسه فإذا تمرة في فيه ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏كخ‏)‏ بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مثقلا ومخففا وبكسر الخاء منونة وغير منونة فيخرج من ذلك ست لغات، والثانية توكيد للأولى، وهي كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر، قيل عربية وقيل أعجمية، وزعم الداودي أنها معربة، وقد أوردها البخاري في ‏"‏ باب من تكلم بالفارسية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليطرحها‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ ارم بها ‏"‏ وفي رواية حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عند أحمد‏:‏ ‏"‏ فنظر إليه فإذا هو يلوك تمرة فحرك خده وقال ألقها يا بني ألقها يا بني ‏"‏ ويجمع بين هذا وبين قوله ‏"‏ كخ كخ ‏"‏ بأنه كلمه أولا بهذا فلما تمادى قال له كخ كخ إشارة إلى استقذار ذلك له، ويحتمل العكس بأن يكون كلمه أولا بذلك فلما تمادى نزعها من فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا لا نأكل الصدقة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ إنا لا تحل لنا الصدقة ‏"‏ وفي رواية معمر ‏"‏ إن الصدقة لا تحل لآل محمد ‏"‏ وكذا عند أحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي نفسه قال ‏"‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر علي جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها في في فأخذها بلعابها فقال‏:‏ إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ‏"‏ وإسناده قوي‏.‏

وللطبراني والطحاوي من حديث أبي ليلى الأنصاري نحوه وفي الحديث دفع الصدقات إلى الإمام، والانتفاع بالمسجد في الأمور العامة، وجواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك‏.‏

واستنبط بعضهم منه منع ولي الصغيرة إذا اعتدت من الزينة، وفيه الإعلام بسبب النهي ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز لأن الحسن إذ ذاك كان طفلا، وأما قوله ‏"‏ أما شعرت ‏"‏ وفي رواية البخاري في الجهاد ‏"‏ أما تعرف ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ أما علمت ‏"‏ فهو شيء يقال عند الأمر الواضح وإن لم يكن المخاطب بذلك عالما أي كيف خفي عليك هذا مع ظهوره، وهو أبلغ في الزجر من قوله لا تفعل، وقد تقدم ذكر بعض فوائده قبل بابين‏.‏

*3*باب الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم يترجم لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا لموالي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يثبت عنده فيه شيء، وقد نقل ابن بطال أنهن - أي الأزواج - لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء، وفيه نظر فقد ذكر ابن قدامة أن الخلال أخرج من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ‏"‏ إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ‏"‏ قال وهذا يدل على تحريمها‏.‏

قلت‏:‏ وإسناده إلى عائشة حسن، أخرجه ابن أبي شيبة أيضا، وهذا لا يقدح فيما نقله ابن بطال، وروى أصحاب السنن وصحة الترمذي وابن حبان وغيره عن أبي رافع مرفوعا ‏"‏ إنا لا تحل لنا الصدقة، وأن موالي القوم من أنفسهم ‏"‏ وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض المالكية كابن الماجشون، وهو الصحيح عند الشافعية‏.‏

وقال الجمهور يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة، ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس، ومنشأ الخلاف قوله ‏"‏ منهم ‏"‏ أو ‏"‏ من أنفسهم ‏"‏ هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا، وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة، لكنه ورد على سبب الصدقة، وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب، وإن اختلفوا‏:‏ هل يخص به أو لا‏؟‏ ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج، وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل فمواليهم أحرى بذلك، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ إنما أورد البخاري هذه الترجمة ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهن في الخلاف ولا يحرم عليهن الصدقة قولا واحدا لئلا يظن الظان أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن، فبين أنه لا يطرد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي‏:‏ هذه الترجمة مستغنى عنها، فإن تسمية المولى لغير فائدة، وإنما هو لسوق الحديث على وجهه فقط‏.‏

كذا قال وقد علمت ما فيها من الفائدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في الانتفاع بجلد الشاة لقوله فيه ‏"‏ أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة ‏"‏ سيأتي الكلام عليه مستوفى في الذبائح إن شاء الله تعالى، ولم أقف على اسم هذه المولاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ وَأَرَادَ مَوَالِيهَا أَنْ يَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَتْ وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَقُلْتُ هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة بريرة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به عليها ‏"‏ هو لها صدقة ولنا هدية ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى في العتق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِذَا تَحَوَّلَتْ الصَّدَقَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا تحولت الصدقة‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ إذا حولت ‏"‏ بضم أوله، أي فقد جاز للهاشمي تناولها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقَالَتْ لَا إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلَيْنَا نُسَيْبَةُ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثَتْ بِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الحذاء والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل عندكم شيء‏)‏ أي من الطعام، وقوله ‏"‏نسيبة ‏"‏ بالنون والمهملة والموحدة مصغر اسم أم عطية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الشاة التي بعثت‏)‏ بفتح المثناة أي بعثت بها أنت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلغت محلها‏)‏ أي أنها لما تصرفت فيها بالهدية لصحة ملكها لها انتقلت من حكم الصدقة فحلت محل الهدية وكانت تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الصدقة كما سيأتي في الهبة، وهذا تقرير ابن بطال بعد أن ضبط محلها بفتح الحاء، وضبطه بعضهم بكسرها من الحلول أي بلغت مستقرها، والأول أولى، وعليه عول البخاري في الترجمة‏.‏

وهذا نظير قصة بريرة كما سيأتي بسطه في كتاب الهبة‏.‏

ثم أورد المصنف حديث أنس في قصة بريرة مختصرا وقال بعده ‏"‏ وقال أبو داود أنبأنا شعبة ‏"‏ فذكر الإسناد دون المتن لتصريح قتادة فيه بالسماع‏.‏

وأبو داود هو الطيالسي، وقد أخرجه في مسنده كذلك ورأيته في النسخة التي وقفت عليها منه معنعنا، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة فصرح بسماع قتادة من أنس أيضا، واستنبط البخاري من قصة بريرة وأم عطية أن للهاشمي أن يأخذ من سهم العاملين إذا عمل على الزكاة، وذلك أنه إنما يأخذ على عمله، قال‏:‏ فلما حل للهاشمي أن يأخذ ما يملكه بالهدية مما كان صدقة لا بالصدقة كذلك يحل له أخذ ما يملكه بعمله لا بالصدقة‏.‏

واستدل به أيضا على جواز صدقة التطوع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم فرقوا أنفسهم وبينه صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ذلك، بل أخبرهم أن تلك الهدية بعينها خرجت من كونها صدقة بتصرف المتصدق عليه فيها كما تقدم تقريره‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة بريرة أورده المصنف مختصرا وقال بعده ‏"‏ وقال أبو داود أنبأنا شعبة ‏"‏ فذكر الإسناد دون المتن لتصريح قتادة فيه بالسماع‏.‏

وأبو داود هو الطيالسي، وقد أخرجه في مسنده كذلك ورأيته في النسخة التي وقفت عليها منه معنعنا، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة فصرح بسماع قتادة من أنس أيضا، واستنبط البخاري من قصة بريرة وأم عطية أن للهاشمي أن يأخذ من سهم العاملين إذا عمل على الزكاة، وذلك أنه إنما يأخذ على عمله، قال‏:‏ فلما حل للهاشمي أن يأخذ ما يملكه بالهدية مما كان صدقة لا بالصدقة كذلك يحل له أخذ ما يملكه بعمله لا بالصدقة‏.‏

واستدل به أيضا على جواز صدقة التطوع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم فرقوا أنفسهم وبينه صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ذلك، بل أخبرهم أن تلك الهدية بعينها خرجت من كونها صدقة بتصرف المتصدق عليه فيها كما تقدم تقريره‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله ‏"‏ فترد في فقرائهم ‏"‏ لأن الضمير يعود على المسلمين، فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث انتهى‏.‏

والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل، وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم، لكن رجح ابن دقيق العيد الأول وقال‏:‏ إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر، فلا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى‏.‏

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما، ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها، ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه من هو متصف بصفة الاستحقاق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وزكريا بن إسحاق مكي وكذا من فوقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ في رواية وكيع عن زكريا ‏"‏ حدثني يحيى ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي معبد‏)‏ في رواية إسماعيل بن أمية ‏"‏ عن يحيى أنه سمع أبا معبد يقول سمعت ابن عباس يقول ‏"‏ أخرجه المصنف في التوحيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن‏)‏ كذا في جميع الطرق، إلا ما أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع فقال فيه ‏"‏ عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فعلى هذا فهو من مسند معاذ، وظاهر سياق مسلم أن اللفظ مدرج، لكن لم أر ذلك في غير رواية أبي بكر بن أبي شيبة، وسائر الروايات أنه من مسند ابن عباس فقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن وكيع فقال فيه ‏"‏ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا ‏"‏ وكذا هو في مسند إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه قال ‏"‏ حدثنا وكيع به ‏"‏ وكذا رواه عن وكيع أحمد في مسنده أخرجه أبو داود عن أحمد، وسيأتي في المظالم عن يحيى بن موسى عن وكيع كذلك، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عبد الله المخرمي وجعفر بن محمد الثعلبي، وللإسماعيلي من طريق أبي خيثمة وموسى بن السدي والدارقطني من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقي وإسحاق بن إبراهيم البغوي كلهم عن وكيع كذلك، فإن ثبتت رواية أبي بكر فهو من مرسل ابن عباس، لكن ليس حضور ابن عباس لذلك ببعيد لأنه كان في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة، وكان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره المصنف في أواخر المغازي، وقيل كان ذلك في أواخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك، وأخرجه ابن سعد في الطبقات عنه، ثم حكى ابن سعد أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر، وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان، واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها، واختلف هل كان معاذ واليا أو قاضيا‏؟‏ فجزم ابن عبد البر بالثاني والغساني بالأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستأتي قوما أهل كتاب‏)‏ هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، وليس فيه أن جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم، وإنما خصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا جئتهم‏)‏ قيل عبر بلفظ إذا تفاؤلا بحصول الوصول إليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏)‏ كذا للأكثر، وقد تقدم في أول الزكاة بلفظ ‏"‏ وأني رسول الله ‏"‏ كذا في رواية زكريا بن إسحاق لم يختلف عليه فيها، وأما إسماعيل بن أمية ففي رواية روح بن القاسم عنه ‏"‏ فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله ‏"‏ وفي رواية الفضل بن العلاء عنه ‏"‏ إلى أن يوحدوا الله، فإذا عرفوا ذلك ‏"‏ ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم‏.‏

واستدل به من قال من العلماء إنه لا يشترط التبري من كل دين يخالف دين الإسلام خلافا لمن قال إن من كان كافرا بشيء وهو مؤمن بغيره لم يدخل في الإسلام إلا بترك اعتقاد ما كفر به، والجواب أن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد التشبيه ودعوى بنوة عزير وغيره فيكتفى بذلك، واستدل به على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله حتى يضيف إليها الشهادة لمحمد بالرسالة وهو قول الجمهور‏.‏

وقال بعضهم يصير بالأولى مسلما ويطالب بالثانية‏.‏

وفائدة الخلاف تظهر بالحكم بالردة‏.‏

‏(‏تنبيهان‏)‏ أحدهما كان أصل دخول اليهودية في اليمن في زمن أسعد أبي كرب وهو تبع الأصغر كما حكاه ابن إسحاق في أوائل السيرة النبوية‏.‏

ثانيهما قال ابن العربي في شرح الترمذي‏:‏ تبرأت اليهود في هذه الأزمان من القول بأن العزير ابن الله وهذا لا يمنع كونه كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك نزل في زمنه واليهود معه بالمدينة وغيرها فلم ينقل عن أحد منهم أنه رد ذلك ولا تعقبه، والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم لا جميعهم بدليل أن القائل من النصارى إن المسيح ابن الله طائفة منهم لا جميعهم فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذه الأزمان كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن التشبيه إلى التعطيل وتحول معتقد النصارى في الابن والأب إلى أنه من الأمور المعنوية لا الحسية، فسبحان مقلب القلوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن هم أطاعوا لك بذلك‏)‏ أي شهدوا وانقادوا‏.‏

وفي رواية ابن خزيمة ‏"‏ فإن هم أجابوا لذلك ‏"‏ وفي رواية الفضل بن العلاء كما تقدم ‏"‏ فإذا عرفوا ذلك ‏"‏ وعدي أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد، واستدل به على أن أهل الكتاب ليسوا بعارفين وإن كانوا يعبدون الله ويظهرون معرفته لكن قال حذاق المتكلمين‏:‏ ما عرف الله من شبهه بخلقه أو أضاف إليه اليد أو أضاف إليه الولد فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله وإن سموه به‏.‏

واستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط، ثم دعوا إلى العمل، ورتب ذلك عليها بالفاء‏.‏

وأيضا فإن قوله ‏"‏ فإن هم أطاعوا فاخبرهم ‏"‏ يفهم منه أنهم لو لم يطيعوا لا يجب عليهم شيء، وفيه نظر لأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به، وأجاب بعضهم عن الأول بأنه استدلال ضعيف، لأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب، كما أن الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب، وقد قدمت إحداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتبت الأخرى عليها بالفاء، ولا يلزم من عدم الإتيان بالصلاة إسقاط الزكاة‏.‏

وقيل الحكمة في ترتيب الزكاة على الصلاة أن الذي يقر بالتوحيد ويجحد الصلاة يكفر بذلك فيصير ماله فيئا فلا تنفعه الزكاة، وأما قول الخطابي إن ذكر الصدقة أخر عن ذكر الصلاة لأنها إنما تجب على قوم دون قوم وأنها لا تكرر تكرار الصلاة فهو حسن، وتمامه أن يقال بدأ بالأهم فالأهم، وذلك من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خمس صلوات‏)‏ استدل به على أن الوتر ليس بفرض وقد تقدم البحث فيه في موضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن هم أطاعوا لك بذلك‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم والتزامهم لها، والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل، وقد يرجح الأول بأن المذكور هو الإخبار بالفريضة فتعود الإشارة بذلك إليها، ويترجح الثاني بأنهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الامتثال بالفعل لكفى ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين، فالشرط عدم الإنكار والإذعان للوجوب انتهى‏.‏

والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه أو بهما فأولى، وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة ‏"‏ فإذا صلوا ‏"‏ وبعد ذكر الزكاة ‏"‏ فإذا أقروا بذلك فخذ منهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صدقة‏)‏ زاد في رواية أبي عاصم عن زكريا ‏"‏ في أموالهم ‏"‏ كما تقدم في أول الزكاة‏.‏

وفي رواية الفضل بن العلاء افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تؤخذ من أغنيائهم‏)‏ استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على فقرائهم‏)‏ استدل به لقول مالك وغيره إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، وفيه بحث كما قال ابن دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة ما في يده إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا كان إخراج ماله مستحقا لغرمائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإياك وكرائم أموالهم‏)‏ كرائم منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره قال ابن قتيبة‏:‏ ولا يجوز حذف الواو، والكرائم جمع كريمة أي نفيسة، ففيه ترك أخذ خيار المال، والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك كما تقدم البحث فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واتق دعوة المظلوم‏)‏ أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم‏.‏

وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ عطف واتق على عامل إياك المحذوف وجوبا، فالتقدير اتق نفسك أن تتعرض للكرائم‏.‏

وأشار بالعطف إلى أن أخذ الكرائم ظلم، ولكنه عمم إشارة إلى التحرز عن الظلم مطلقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حجاب‏)‏ أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا ‏"‏ دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه ‏"‏ وإسناده حسن، وليس المراد أن لله تعالى حجابا يحجبه عن الناس‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ اتق دعوة المظلوم ‏"‏ تذييل لاشتماله على الظلم الخاص من أخذ الكرائم وعلى غيره، وقوله ‏"‏فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ‏"‏ تعليل للاتقاء وتمثيل للدعاء، كمن يقصد دار السلطان متظلما فلا يحجب، وسيأتي لهذا مزيد في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ إلا أنه وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب‏:‏ إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله‏.‏

وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى ‏(‏أم من يجيب المضطر إذا دعاه‏)‏ بقوله تعالى ‏(‏فيكشف ما تدعون إليه إن شاء‏)‏ وفي الحديث أيضا الدعاء إلى التوحيد قبل القتال، وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها، وفيه بعث السعاة لأخذ الزكاة، وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وإيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله ‏"‏ من أغنيائهم ‏"‏ قاله عياض وفيه بحث، وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم، وأن الفقير لا زكاة عليه، وأن من ملك نصابا لا يعطى من الزكاة من حيث أنه جعل المأخوذ منه غنيا وقابله بالفقير، ومن ملك النصاب فالزكاة مأخوذة منه فهو غني والغني مانع من إعطاء الزكاة إلا من استثني، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وليس هذا البحث بالشديد القوة، وقد تقدم أنه قول الحنفية‏.‏

وقال البغوي فيه أن المال إذا تلف قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة لإضافة الصدقة إلى المال وفيه نظر أيضا‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ لم يقع في هذا الحديث ذكر الصوم والحج مع أن بعث معاذ كما تقدم كان في آخر الأمر، وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة، وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان‏.‏

وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كررا في القرآن فمن ثم لم يذكر الصوم والحح في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، والسر في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلا بخلاف الصوم فإنه قد يسقط بالفدية، والحج فإن الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب، ويحتمل أنه حينئذ لم يكن شرع انتهى‏.‏

وقال شيخنا شيخ الإسلام‏:‏ إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث ابن عمر ‏"‏ بني الإسلام على خمس ‏"‏ فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفي بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى ‏(‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة‏)‏ في موضعين من براءة مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعا، وحديث ابن عمر أيضا ‏"‏ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ‏"‏ وغير ذلك من الأحاديث، قال‏:‏ والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة‏:‏ اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة‏.‏

اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي، وأيضا فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقة على الكفار والصلوات شاقة لتكررها والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب صَلَاةِ الْإِمَامِ وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ

وَقَوْلِهِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، وقوله تعالى‏:‏ خذ من أموالهم صدقة - إلى قوله سكن لهم‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عطف الدعاء على الصلاة في الترجمة ليبين أن لفظ الصلاة ليس محتما بل غيره من الدعاء بنزل منزلته انتهى‏.‏

ويؤيد عدم الانحصار في لفظ الصلاة ما أخرجه النسائي من حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة ‏"‏ اللهم بارك فيه وفي إبله‏"‏‏.‏

وأما استدلاله بالآية لذلك فكأنه فهم من سياق الحديث مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فحمله على امتثال الأمر في قوله تعالى ‏(‏وصل عليهم‏)‏ ‏.‏

وروى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد صحيح عن السدي في قوله تعالى ‏(‏وصل عليهم‏)‏ قال‏:‏ ادع لهم‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ عبر المصنف في الترجمة بالإمام ليبطل شبهة أهل الردة في قولهم للصديق‏:‏ إنما قال الله لرسوله ‏(‏وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم‏)‏ وهذا خاص بالرسول فأراد أن يبين أن كل إمام داخل في الخطاب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن مرة بن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي تابعي صغير لم يسمع من الصحابة إلا من ابن أبي أوفى، قال شعبة‏:‏ كان لا يدلس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ سيأتي في المغازي بلفظ ‏"‏ سمعت ابن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ اللهم صل على فلان‏)‏ في رواية غير أبي ذر‏:‏ على آل فلان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على آل أبي أوفى‏)‏ يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كقوله في قصة أبي موسى ‏"‏ لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود ‏"‏ وقيل‏:‏ لا يقال ذلك إلا في حق الرجل الجليل القدر، واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة وعمر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة وذلك سنة سبع وثمانين، واستدل به على جواز الصلاة على غير الأنبياء وكرهه مالك والجمهور، قال ابن التين‏:‏ وهذا الحديث يعكر عليه، وقد قال جماعة من العلماء‏:‏ يدعو آخذ الصدقة للتصدق بهذا الدعاء لهذا الحديث، وأجاب الخطابي عنه قديما بأن أصل الصلاة الدعاء إلا أنه يختلف بحسب المدعو له، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته دعاء لهم بالمغفرة، وصلاة أمته عليه دعاء له بزيادة القربى والزلفى ولذلك كان لا يليق بغيره انتهى‏.‏

واستدل به على استحباب دعاء آخذ الزكاة لمعطيها، وأوجبه بعض أهل الظاهر وحكاه الحناطي وجها لبعض الشافعية، وتعقب بأنه لو كان واجبا لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم السعاة، ولأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرهما لا يجب عليه فيها الدعاء فكذلك الزكاة، وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصا به لكون صلاته سكنا لهم بخلاف غيره‏.‏

*3*باب مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ فَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ لَيْسَ فِي الَّذِي يُصَابُ فِي الْمَاءِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يستخرج من البحر‏)‏ أي هل تجب فيه الزكاة أو لا‏؟‏ وإطلاق الاستخراج أعم من أن يكون بسهولة كما يوجد في الساحل، أو بصعوبة كما يوجد بعد الغوص ونحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ليس العنبر بركاز، إنما هو شيء دسره البحر‏)‏ اختلف في العنبر فقال الشافعي في كتاب السلم من الأم‏:‏ أخبرني عدد ممن أثق بخبره أنه نبات يخلقه الله في جنبات البحر، قال‏:‏ وقيل إنه يأكله حوت فيموت فيلقيه البحر فيؤخذ فيشق بطنه فيخرج منه‏.‏

وحكى ابن رستم عن محمد بن الحسن أنه ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر، وقيل هو شجر ينبت في البحر فيتكسر فيلقيه الموج إلى الساحل، وقيل يخرج من عين قاله ابن سينا، قال‏:‏ وما يحكى من أنه روث دابة أو قيؤها أو من زبد البحر بعيد‏.‏

وقال ابن البيطار في جامعه‏:‏ هو روث دابة بحرية، وقيل هو شيء ينبت في قعر البحر، ثم حكي نحو ما تقدم عن الشافعي‏.‏

وأما الركاز فبكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي سيأتي تحقيقه في الباب الذي بعده، ودسره أي دفعه ورمى به إلى الساحل، وهذا التعليق وصله الشافعي قال ‏"‏ أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة عن ابن عباس ‏"‏ فذكر مثله‏.‏

وأخرجه البيهقي من طريقه ومن طريق يعقوب بن سفيان ‏"‏ حدثنا الحميدي وغيره عن ابن عيينة ‏"‏ وصرح فيه بسماع أذينة له من ابن عباس، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار مثله، وأذينة بمعجمة ونون مصغر تابعي ثقة‏.‏

وقد جاء عن ابن عباس التوقف فيه فأخرج ابن أبي شيبة من طريق طاوس قال ‏"‏ سئل ابن عباس عن العنبر فقال‏:‏ إن كان فيه شيء ففيه الخمس ‏"‏ ويجمع بين القولين بأنه كان يشك فيه، ثم تبين له أن لا زكاة فيه فجزم بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ في العنبر واللؤلؤ الخمس‏)‏ وصله أبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ من طريقه بلفظ ‏"‏ أنه كان يقول في العنبر الخمس، وكذلك اللؤلؤ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم إلخ‏)‏ سيأتي موصولا في الذي بعده، وأراد بذلك الرد على ما قال الحسن، لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى في لغة العرب ركازا على ما سيأتي شرحه، قال ابن القصار‏:‏ ومفهوم الحديث أن غير الركاز لا خمس فيه ولا سيما اللؤلؤ والعنبر لأنهما يتولدان من حيوان البحر فأشبها السمك‏.‏

انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث إلخ‏)‏ هكذا أورده مختصرا، وقد أورده ثم وصله في البيوع، وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

ووقع هنا في روايتنا من طريق أبي ذر معلقا، ووصله أبو ذر فقال ‏"‏ حدثنا علي بن وصيف حدثنا محمد بن غسان حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث به ‏"‏ وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي هذا الحديث رواه عاصم بن علي عن الليث، فلعل البخاري إنما لم يسنده عنه لكونه ما سمعه منه، أو لأنه تفرد به فلم يوافقه عليه أحد انتهى‏.‏

والأول بعيد، سلمنا، لكن لم ينفرد به عاصم فقد اعترف أبو علي بذلك فقال في آخر كلامه ‏"‏ رواه محمد بن رمح عن الليث‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وكأنه لم يقف على الموضع الذي وصله فيه البخاري عن عبد الله بن صالح وبالله التوفيق‏.‏

قال الإسماعيلي‏:‏ ليس في هذا الحديث شيء يناسب الترجمة، رجل اقترض قرضا فارتجع قرضه، وكذا قال الداودي‏:‏ حديث الخشبة ليس من هذا الباب في شيء، وأجاب أبو عبد الملك بأنه أشار به إلى أن كل ما ألقاه البحر جاز أخذه ولا خمس فيه‏.‏

وقال ابن المنير موضع الاستشهاد منه أخذ الرجل الخشبة على أنها حطب، فإذا قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا فيستفاد منه إباحة ما يلفظه البحر من مثل ذلك مما نشأ في البحر أو عطب فانقطع ملك صاحبه، وكذلك ما لم يتقدم عليه ملك لأحد من باب الأولى، وكذلك ما يحتاج إلى معاناة وتعب في استخراجه أيضا، وقد فرق الأوزاعي بين ما يوجد في الساحل فيخمس أو في البحر بالغوص أو نحوه فلا شيء فيه، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب فيه شيء إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز كما أخرجه ابن أبي شيبة وكذا الزهري والحسن كما تقدم وهو قول أبي يوسف ورواية عن أحمد‏.‏