فصل: شَرْحٌ لِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَضَوَابِطِهِ وَالرّدّ عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنّ الْآيَةَ مِنْ هَذَا النّوْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.شَرْحٌ لِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَضَوَابِطِهِ وَالرّدّ عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنّ الْآيَةَ مِنْ هَذَا النّوْعِ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَرُدّ هَذَا لَفْظًا وَمَعْنًى أَمّا اللّفْظُ فَإِنّ الِانْقِطَاعَ إنّمَا يَقَعُ حَيْثُ يَقَعُ التّفْرِيغُ وَبَابُهُ غَيْرَ الْإِيجَابِ مِنْ النّفْيِ وَالنّهْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ فَلَيْسَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ انْقِطَاعٍ وَأَمّا الْمَعْنَى: فَإِنّ الْمُنْقَطِعَ لَابُدّ فِيهِ مَنْ رَابِطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يَخْرُجُ مَا تُوُهّمَ دُخُولُهُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا فَإِنّك إذَا قُلْت: مَا بِالدّارِ مِنْ أَحَدٍ دَلّ عَلَى انْتِفَاءِ مَنْ بِهَا بِدَوَابّهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ فَإِذَا قُلْت: إلّا حِمَارًا أَوْ إلّا الْأَثَافِيّ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَزَلْت تَوَهّمَ دُخُولِ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلّا سَلَامًا} [مَرْيَمُ: 62] فَاسْتِثْنَاءُ السّلَامِ أَزَالَ تَوَهّمَ نَفْيِ السّمَاعِ الْعَامّ فَإِنّ عَدَمَ سَمَاعِ اللّغْوِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ سَمَاعِ كَلَامٍ مَا وَأَنْ يَكُونَ مَعَ سَمَاعِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُزَوّجَةِ مَا يُوهِمُ تَحْرِيمَ وَطْءِ الْإِمَاءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتّى يُخْرِجَهُ.

.مَنْ قَالَ بِأَنّ مِلْكَ الرّجُلِ الْأَمَةَ الْمُزَوّجَةَ طَلَاقٌ لَهَا:

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَلْ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى بَابِهِ وَمَتَى مَلَكَ الرّجُلُ الْأَمَةَ الْمُزَوّجَةَ كَانَ مِلْكُهُ طَلَاقًا لَهَا وَحَلّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْأَمَةِ هَلْ يَكُونُ طَلَاقًا لَهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ لِلصّحَابَةِ فَابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَرَاهُ طَلَاقًا وَيَحْتَجّ لَهُ بِالْآيَةِ وَغَيْرُهُ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَقُولُ كَمَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ السّابِقَ لِلنّكَاحِ اللّاحِقَ اتّفَاقًا وَلَا يَتَنَافَيَانِ كَذَلِكَ الْمِلْكُ اللّاحِقُ لَا يُنَافِي النّكَاحَ السّابِقَ قَالُوا: وَقَدْ خَيّرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَرِيرَةَ لَمّا بِيعَتْ وَلَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا لَمْ يُخَيّرْهَا. قَالُوا: وَهَذَا حُجّةٌ عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَإِنّهُ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الصّحَابِيّ لَا بِرَأْيِهِ.

.مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي امْرَأَةً لَمْ يَنْفَسِخْ النّكَاحُ:

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ إنّ كَانَ الْمُشْتَرِي امْرَأَةً لَمْ يَنْفَسِخْ النّكَاحُ لِأَنّهَا لَمْ تَمْلِكْ الِاسْتِمْتَاعَ بِبُضْعِ الزّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا انْفَسَخَ لِأَنّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النّكَاحِ وَهَذَا الْمِلْكُ يُبْطِلُ النّكَاحَ دُونَ الْعَكْسِ قَالُوا: وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي حَدِيثِ بِرَيْرَةَ. وَأَجَابَ الْأَوّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ الِاسْتِمْتَاعَ بِبُضْعِ أَمَتِهَا فَهِيَ تَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهِ وَتَزْوِيجَهَا وَأَخْذَ مَهْرِهَا وَذَلِكَ كَمِلْكِ الرّجُلِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَمْتِعْ بِالْبُضْعِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: الْآيَةُ خَاصّةٌ بِالْمَسْبِيّاتِ فَإِنّ الْمَسْبِيّةَ إذَا سُبِيَتْ حَلّ وَطْؤُهَا لِسَابِيهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مُزَوّجَةً وَهَذَا قَوْلُ الشّافِعِيّ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ الصّحِيحُ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ جَيْشًا إلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا سَبَايَا وَكَأَنّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَرّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِلّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النّسَاءُ 24] أَيْ فَهُنّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدّتُهُنّ. كَانَ لَهَا زَوْجٌ مِنْ الْكُفّارِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ وَزَوَالِ عِصْمَةِ بُضْعِ امْرَأَتِهِ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ لِأَنّهُ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَى مَحَلّ حَقّهِ وَعَلَى رَقَبَةِ زَوْجَتِهِ وَصَارَ سَابِيهَا أَحَقّ بِهَا مِنْهُ فَكَيْفَ يَحْرُمُ بُضْعُهَا عَلَيْهِ فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَارِضُهُ نَصّ وَلَا قِيَاسٌ.

.الرّدّ عَلَى مَنْ قَالَ بِأَنّ وَطْأَهَا إنّمَا يُبَاحُ إذَا سُبِيَتْ وَحْدَهَا:

وَاَلّذِينَ قَالُوا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ إنّ وَطْأَهَا إنّمَا يُبَاحُ إذَا سُبِيَتْ وَحْدَهَا. قَالُوا: لِأَنّ الزّوْجَ يَكُونُ بَقَاؤُهُ مَجْهُولًا وَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ فَيَجُوزُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا كَانَ الزّوْجُ مَعَهَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا مَعَ بَقَائِهِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ مَا لَوْ سُبِيَتْ وَحْدَهَا وَتَيَقّنّا بَقَاءَ زَوْجِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنّهُمْ يُجَوّزُونَ وَطْأَهَا فَأَجَابُوا بِمَا لَا يُجْدِي شَيْئًا وَقَالُوا: الْأَصْلُ إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمّ الْأَغْلَبِ فَيُقَالُ لَهُمْ الْأَعَمّ الْأَغْلَبُ بَقَاءُ أَزْوَاجِ الْمَسْبِيّاتِ إذَا سُبِينَ مُنْفَرِدَاتٍ وَمَوْتُهُمْ كُلّهُمْ نَادِرٌ جِدّا ثُمّ يُقَالُ. إذَا صَارَتْ رَقَبَةُ زَوْجِهَا وَأَمْلَاكُهُ مِلْكًا لِلسّابِي وَزَالَتْ الْعِصْمَةُ عَنْ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَعَنْ رَقَبَتِهِ فَمَا الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ فِي فَرْجِ امْرَأَتِهِ خَاصّةً وَقَدْ صَارَتْ هِيَ وَهُوَ وَأَمْلَاكُهُمَا لِلسّابِي؟.

.جَوَازُ وَطْءِ الْوَثَنِيّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ:

وَدَلّ هَذَا الْقَضَاءُ النّبَوِيّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْإِمَاءِ الْوَثَنِيّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يَكُنّ كِتَابِيّاتٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَطْئِهِنّ إسْلَامَهُنّ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَانِعَ مِنْهُ إلّا الِاسْتِبْرَاءَ فَقَطْ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ مَعَ أَنّهُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ حَتّى خَفِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَحُصُولُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ السّبَايَا وَكَانُوا عِدّةَ آلَافٍ بِحَيْثُ لَمْ يَتَخَلّفْ مِنْهُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِمّا يُعْلَمُ أَنّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنّهُنّ لَمْ الْبَصِيرَةِ وَالرّغْبَةِ وَالْمَحَبّةِ فِي الْإِسْلَامِ مَا يَقْتَضِي مُبَادَرَتُهُنّ إلَيْهِ جَمِيعًا فَمُقْتَضَى السّنّةِ وَعَمَلِ الصّحَابَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ جَوَازُ وَطْءِ الْمَمْلُوكَاتِ عَلَى أَيّ دِينٍ كُنّ وَهَذَا مَذْهَبُ طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ وَقَوّاهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِيهِ وَرَجّحَ أَدِلّتَهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ. وَمِمّا يَدُلّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِنّ مَا رَوَى التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّمَ وَطْءَ السّبَايَا حَتّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنّ فَجُعِلَ لِلتّحْرِيمِ غَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَلَوْ كَانَ مُتَوَقّفًا عَلَى الْإِسْلَامِ لَكَانَ بَيَانُهُ أَهَمّ مِنْ بَيَانِ الِاسْتِبْرَاءِ. وَفِي السّنَنِ والْمُسْنَدِ عَنْهُ لَا يَحِلّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السّبْيِ حَتّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَمْ يَقُلْ حَتّى تُسْلِمَ وَلِأَحْمَدَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحَنّ شَيْئًا مِنْ السّبَايَا حَتّى تَحِيضَ وَلَمْ يَقُلْ وَتُسْلِمَ. وَفِي السّنَنِ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَقُلْ وَتُسْلِمَ فَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ اشْتِرَاطُ إسْلَامِ الْمَسْبِيّةِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ الْبَتّةَ.

.فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الزّوْجَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ:

قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: رَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِالنّكَاحِ الْأَوّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا رواه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتّرْمِذِيّ. وَفِي لَفْظٍ بَعْدَ سِتّ سِنِينَ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا قَالَ التّرْمِذِيّ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ وَفِي لَفْظٍ وَكَانَ إسْلَامُهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ بِسِتّ سِنِينَ وَلَمْ يُحْدِثْ شَهَادَةً وَلَا صَدَاقًا وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَزَوّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْتُ أَسْلَمْت وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ وَرَدّهَا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوّلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ أَيْضًا: إنّ رَجُلًا جَاءَ مُسْلِمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً بَعْدَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهَا أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدّهَا عَلَيْهِ قَالَ التّرْمِذِيّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ مَالِكٌ إنّ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَتّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمّ حَكِيمٍ حَتّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ فَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَثَبَ إلَيْهِ فَرَحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتّى بَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ قَالَ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إلّا فَرّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إلّا أَنْ يَقْدَمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الْمُوَطّأِ فَتَضَمّنَ هَذَا الْحُكْمُ أَنّ الزّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ كَيْفِيّةِ وُقُوعِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ هَلْ وَقَعَ صَحِيحًا أَمْ لَا؟ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُبْطِلُ قَائِمًا كَمَا إذَا أَسْلَمَا وَقَدْ نَكَحَهَا وَهِيَ فِي عِدّةٍ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَحْرِيمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُؤَبّدًا كَمَا إذَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ كَانَتْ مِمّا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَالْخَمْسِ وَمَا فَوْقَهُنّ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ أَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ. فَإِذَا أَسْلَمَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَحْرَمِيّةٌ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صَهْرٍ أَوْ كَانَتْ أُخْتَ الزّوْجَةِ أَوْ عَمّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا فُرّقَ بَيْنَهُمَا بِإِجْمَاعِ الْأُمّةِ لَكِنْ إنْ كَانَ التّحْرِيمُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ خُيّرَ بَيْنَ إمْسَاكِ أَيّتهِمَا شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَه مِنْ زِنًى فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَ النّسَبِ بِالزّنَى فُرّقَ بَيْنَهُمَا اتّفَاقًا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي عِدّةٍ مِنْ مُسْلِمٍ مُتَقَدّمَةٍ عَلَى عَقْدِهِ فُرّقَ بَيْنَهُمَا اتّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ الْعِدّةُ مِنْ كَافِرٍ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا دَوَامَ الْمُفْسِدِ أَوْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ لَمْ يُفَرّقْ بَيْنَهُمَا لِأَنّ عِدّةَ الْكَافِرِ لَا تَدُومُ وَلَا تَمْنَعُ النّكَاحَ عِنْدَ مَنْ يُبْطِلُ أَنْكِحَةَ الْكُفّارِ وَيَجْعَلُ حُكْمَهَا حُكْمَ الزّنَى. وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ زِنًى قَبْلَ الْعَقْدِ فَقَوْلَانِ مَبْنِيّانِ عَلَى اعْتِبَارِ قِيَامِ الْمُفْسِدِ أَوْ كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَإِنْ أَسْلَمَا وَقَدْ عَقَدَاهُ بِلَا وَلِيّ أَوْ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدّةٍ وَقَدْ انْقَضَتْ أَوْ عَلَى أُخْتٍ وَقَدْ مَاتَتْ أَوْ عَلَى خَامِسَةٍ كَذَلِكَ أَقَرّا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ قَهَرَ حَرْبِيّ حَرْبِيّةً وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا ثُمّ أَسْلَمَا أَقَرّا عَلَيْهِ.

.إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزّوْجَيْنِ قَبْلَ الْآخَرِ لَمْ يَنْفَسِخْ النّكَاحُ بِإِسْلَامِهِ:

وَتَضَمّنَ أَنّ أَحَدَ الزّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ لَمْ يَنْفَسِخْ النّكَاحُ بِإِسْلَامِهِ فَرّقَتْ الْهِجْرَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ تُفَرّقْ فَإِنّهُ لَا يُعْرَفُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَدّدَ نِكَاحَ زَوْجَيْنِ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِإِسْلَامِهِ قَطّ وَلَمْ يَزَلْ الصّحَابَةُ يُسْلِمُ الرّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَامْرَأَتُهُ قَبْلَهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الْبَتّةَ أَنّهُ تَلَفّظَ بِإِسْلَامِهِ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَتَسَاوَقَا فِيهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ هَذَا مِمّا يُعْلَمُ أَنّهُ لَمْ يَقَعْ الْبَتّةَ وَقَدْ رَدّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ وَهُوَ إنّمَا أَسْلَمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ أَسْلَمَتْ مِنْ أَوّلِ الْبَعْثَةِ فَبَيْنَ إسْلَامِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَمّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ كَانَ بَيْنَ إسْلَامِهَا وَإِسْلَامِهِ سِتّ سِنِينَ فَوَهْمٌ إنّمَا أَرَادَ بَيْنَ هِجْرَتِهَا وَإِسْلَامِهِ. قِيلَ وَعَلَى ذَلِكَ فَالْعِدّةُ تَنْقَضِي فِي هَذِهِ الْمُدّةِ فَكَيْفَ لَمْ يُجَدّدْ نِكَاحَهَا؟ قِيلَ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إنّمَا نَزَلَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْفَسِخْ النّكَاحُ فِي تِلْكَ الْمُدّةِ لِعَدَمِ شَرْعِيّةِ هَذَا الْحُكْمِ فِيهَا وَلَمّا نَزَلَ تَحْرِيمُهُنّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ أَبُو العاصي فَرُدّتْ عَلَيْهِ.

.لَا دَلِيلَ لِمَنْ قَالَ بِمُرَاعَاةِ زَمَنِ الْعِدّةِ:

وَأَمّا مُرَاعَاةُ زَمَنِ الْعِدّةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ نَصّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَقَدْ ذَكَرَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الزّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ هِجْرَتِهَا. ذَكَرَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَة عَنْ مُطَرّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ هُوَ أَحَقّ بِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ إنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إلّا أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ. وَلَا يُعْرَفُ اعْتِبَار الْعِدّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلْ انْقَضَتْ عِدّتُهَا أَمْ لَا وَلَا رَيْبَ أَنّ الْإِسْلَامَ لَوْ كَانَ بِمُجَرّدِهِ فُرْقَةً لَمْ تَكُنْ فُرْقَةً رَجْعِيّةً بَلْ بَائِنَةً فَلَا أَثَرَ لِلْعِدّةِ فِي بَقَاءِ النّكَاحِ وَإِنّمَا أَثَرُهَا فِي مَنْعِ نِكَاحِهَا لِلْغَيْرِ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ نَجّزَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ أَحَقّ بِهَا فِي الْعِدّةِ وَلَكِنْ الّذِي دَلّ عَلَيْهِ حُكْمُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ النّكَاحَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدّتِهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدّتُهَا فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ وَإِنْ أَحَبّتْ انْتَظَرَتْهُ فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدِ النّكَاحِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَدّدَ لِلْإِسْلَامِ نِكَاحَهُ الْبَتّةَ بَلْ كَانَ الْوَاقِعُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمّا افْتِرَاقُهُمَا وَنِكَاحُهَا غَيْرَهُ وَإِمّا بَقَاؤُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَأَخّرَ إسْلَامُهَا أَوْ إسْلَامُهُ وَإِمّا مُرَاعَاةُ الْعِدّةِ فَلَا نَعْلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِهِ مِنْ الرّجَالِ وَأَزْوَاجِهِنّ وَقُرْبِ إسْلَامِ أَحَدِ الزّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ وَلَوْلَا إقْرَارُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الزّوْجَيْنِ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ تَأَخّرَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَزَمَنِ الْفَتْحِ لَقُلْنَا بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ عِدّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ} وَقَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الْمُمْتَحَنَةُ 10] وَأَنّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ الْفُرْقَةِ وَكُلّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ تَعْقُبُهُ الْفُرْقَةُ كَالرّضَاعِ وَالْخُلْعِ وَالطّلَاقِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَلّالِ وَأَبِي بَكْرٍ صَاحِبِهِ وَابْنِ الْمُنْذِر وَابْنِ حَزْمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه وَابْنِ عَبّاسٍ وَبِهِ قَالَ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُدَيّ بْنُ عُدَيّ الْكِنْدِيّ وَالشّعْبِيّ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ أَحَدُ الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَكِنْ الّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَقَوْلُهُلَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ لَمْ يَحْكُمْ بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ فَرَوَى مَالِكٌ فِي مَوْطِئِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ وَبَيْنَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبَقِيَ صَفْوَانُ حَتّى شَهِدَ حُنَيْنًا وَالطّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمّ أَسْلَمَ وَلَمْ يُفَرّقْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَقَرّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النّكَاحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ وَشُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ.
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز وَعُدَيّ بْنُ عُدَيّ الْكِنْدِيّ وَالشّعْبِيّ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ أَحَدُ الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَلَكِنْ الّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَقَوْلُهُ: {لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ} لَمْ يَحْكُمْ بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ فَرَوَى مَالِكٌ فِي مَوْطِئِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ وَبَيْنَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبَقِيَ صَفْوَانُ حَتّى شَهِدَ حُنَيْنًا وَالطّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمّ أَسْلَمَ وَلَمْ يُفَرّقْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَقَرّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النّكَاحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: وَشُهْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَسْلَمَتْ أُمّ حَكِيمٍ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ حَتّى أَتَى الْيَمَنَ فَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ فَبَايَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ خَرَجَ فَأَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ دُخُولِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ وَلَمْ تُسْلِمْ هِنْدٌ امْرَأَتُهُ حَتّى فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ فَبَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَأَسْلَمَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ قِبَلَ امْرَأَتِهِ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَلَقِيَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَبْوَاءِ فَأَسْلَمَا قَبْلَ مَنْكُوحَتَيْهِمَا فَبَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمّنْ أَسْلَمَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ.

.بُطْلَانُ مَنْ أَجَابَ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ:

وَجَوَابُ مَنْ أَجَابَ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَمِنْ الْقَوْلِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَا عِلْمٍ وَاتّفَاقُ الزّوْجَيْنِ فِي التّلَفّظِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مَعًا فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ.