فصل: الْفَرَقُ بَيْنَ اللّاجِئِ وَالْمُنْتَهِكِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الْفَرَقُ بَيْنَ اللّاجِئِ وَالْمُنْتَهِكِ:

وَالْفَرَقُ بَيْنَ اللّاجِئِ وَالْمُنْتَهِكِ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنّ الْجَانِيَ فِيهِ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ جَنَى خَارِجَهُ ثُمّ لَجَأَ إلَيْهِ فَإِنّهُ مُعَظّمٌ لِحُرْمَتِهِ مُسْتَشْعِرٌ بِهَا بِالْتِجَائِهِ إلَيْهِ فَقِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بَاطِلٌ.
الثّانِي: أَنّ الْجَانِيَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْسِدِ الْجَانِي عَلَى بِسَاطِ الْمَلِكِ فِي دَارِهِ وَحَرَمِهِ وَمَنْ جَنَى خَارِجَهُ ثُمّ لَجَأَ إلَيْهِ فَإِنّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَنَى خَارِجَ بِسَاطِ السّلْطَانِ وَحَرَمِهِ ثُمّ دَخَلَ إلَى حَرَمِهِ مُسْتَجِيرًا.
الثّالِثُ أَنّ الْجَانِيَ فِي الْحَرَمِ قَدْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَحُرْمَةَ بَيْتِهِ وَحَرَمِهِ فَهُوَ هَاتِكٌ لِحُرْمَتَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
الرّابِعُ أَنّهُ لَوْ لَمْ يُقَمْ الْحَدّ عَلَى الْجُنَاةِ فِي الْحَرَمِ، لَعَمّ الْفَسَادُ وَعَظُمَ الشّرّ فِي حَرَمِ اللّهِ فَإِنّ أَهْلَ الْحَرَمِ كَغَيْرِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ نَفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدّ فِي حَقّ مَنْ ارْتَكَبَ الْجَرَائِمَ فِي الْحَرَمِ، لَتَعَطّلَتْ حُدُودُ اللّهِ وَعَمّ الضّرَرُ لِلْحَرَمِ وَأَهْلِهِ. الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ التّائِبِ الْمُتَنَصّلِ اللّاجِئِ إلَى بَيْتِ الرّبّ تَعَالَى، الْمُتَعَلّقِ بِأَسْتَارِهِ فَلَا يُنَاسِبُ حَالُهُ وَلَا حَالُ بَيْتِهِ وَحَرَمِهِ أَنْ يُهَاجَ بِخِلَافِ الْمُقْدِمِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ فَظَهَرَ سِرّ الْفَرْقِ وَتَبَيّنَ أَنّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهُ حَيَوَانٌ مُفْسِدٌ فَأُبِيحَ قَتْلُهُ فِي الْحِلّ وَالْحَرَمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فَلَا يَصِحّ الْقِيَاسُ فَإِنّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ طَبْعُهُ الْأَذَى، فَلَمْ يُحَرّمْهُ الْحَرَمُ لِيَدْفَعَ أَذَاهُ عَنْ أَهْلِهِ وَأَمّا الْآدَمِيّ فَالْأَصْلُ فِيهِ الْحُرْمَةُ وَحُرْمَتُهُ عَظِيمَةٌ وَإِنّمَا أُبِيحَ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الصّائِلَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُبَاحَةِ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ فَإِنّ الْحَرَمَ يَعْصِمُهَا. وَأَيْضًا فَإِنّ حَاجَةَ أَهْلِ الْحَرَمِ إلَى قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْحَيّةِ وَالْحِدَأَةِ كَحَاجَةِ أَهْلِ الْحِلّ سَوَاءً فَلَوْ أَعَاذَهَا الْحَرَمُ لَعَظُمَ عَلَيْهِمْ الضّرَرُ بِهَا.

.فصل هَلْ يَجُوزُ قَلْعُ شَجَرِ مَكّةَ الّذِي أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّ؟

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يُعْضَدُ بِهَا شَجَرٌ وَفِي اللّفْظِ الْآخَرِ وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَفِي لَفْظٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَلَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنّ الشّجَرَ الْبَرّيّ الّذِي لَمْ يُنْبِتْهُ الْآدَمِيّ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ مُرَادٌ مِنْ هَذَا اللّفْظِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّ مِنْ الشّجَرِ فِي الْحَرَمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهَا: أَنّ لَهُ قَلْعَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطّابِ وَغَيْرِهِمَا.
وَالثّانِي: أَنّهُ لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ وَإِنْ فَعَلَ فَفِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنّاءِ فِي خِصَالِهِ.
الثّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا أَنْبَتَهُ فِي الْحِلّ ثُمّ غَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ، وَبَيْنَ مَا أَنْبَتَهُ فِي الْحَرَمِ أَوّلًا، فَالْأَوّلُ لَا جَزَاءَ فِيهِ وَالثّانِي: لَا يُقْلَعُ وَفِيهِ الْجَزَاءُ بِكُلّ حَالٍ وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي. وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُنْبِتُ الْآدَمِيّ جِنْسَهُ كَاللّوْزِ وَالْجَوْزِ وَالنّخْلِ وَنَحْوِهِ وَمَا لَا يُنْبِتُ الْآدَمِيّ جِنْسَهُ كَالدّوْحِ وَالسّلَمِ وَنَحْوِهِ فَالْأَوّلُ يَجُوزُ قَلْعُهُ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَالثّانِي: لَا يَجُوزُ وَفِيهِ الْجَزَاءُ. قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي تَحْرِيمِ الشّجَرِ كُلّهِ إلّا مَا أَنْبَتَ الْآدَمِيّ مِنْ جِنْسِ شَجَرِهِمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا أَنْبَتُوهُ مِنْ الزّرْعِ وَالْأَهْلِيّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنّنَا إنّمَا أَخْرَجَنَا مِنْ الصّيْدِ مَا كَانَ أَصْلُهُ إنْسِيّا دُونَ مَا تَأَنّسَ مِنْ الْوَحْشِيّ كَذَا هَاهُنَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِاخْتِيَارِ هَذَا الْقَوْلِ الرّابِعِ فَصَارَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ جِدّا فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الشّوْكِ وَالْعَوْسَجِ وَقَالَ الشّافِعِيّ: لَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ لِأَنّهُ يُؤْذِي النّاسَ بِطَبْعِهِ فَأَشْبَهَ السّبَاعَ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهَدٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَفِي اللّفْظِ الْآخَرِ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ وَلَا يَصِحّ قِيَاسُهُ عَلَى السّبَاعِ الْعَادِيَةِ فَإِنّ تِلْكَ تَقْصِدُ بِطَبْعِهَا الْأَذَى، وَهَذَا لَا يُؤْذِي مَنْ لَمْ يَدْنُ مِنْهُ. وَالْحَدِيثُ لَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ وَلَكِنْ قَدْ جَوّزُوا قَطْعَ الْيَابِسِ قَالُوا: لِأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيّتِ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَعَلَى هَذَا فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ إنّمَا أَرَادَ الْأَخْضَرَ فَإِنّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَنْفِيرِ الصّيْدِ وَلَيْسَ فِي أَخْذِ الْيَابِسِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الشّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ الّتِي تُسَبّحُ بِحَمْدِ رَبّهَا، وَلِهَذَا غَرَسَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى وَقَالَ لَعَلّهُ يُخَفّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.

.هَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمَا انْقَلَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَلْعِ قَالِعٍ؟

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ إذَا انْقَلَعَتْ الشّجَرَةُ بِنَفْسِهَا، أَوْ انْكَسَرَ الْغُصْنُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنّهُ لَمْ يَعْضُدْهُ هُوَ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا إذَا قَلَعَهَا قَالِعٌ ثُمّ تَرَكَهَا، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا؟ قِيلَ قَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَنْ شَبّهَهُ بِالصّيْدِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِحَطَبِهَا، وَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ إذَا قَطَعَهُ يَنْتَفِعُ بِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاطِعِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنّهُ قُطِعَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَأُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا لَوْ قَلَعَتْهُ الرّيحُ وَهَذَا بِخِلَافِ الصّيْدِ إذَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنّ قَتْلَ الْمُحْرِمِ لَهُ جَعَلَهُ مَيْتَةً. وَقَوْلُهُ فِي اللّفْظِ الْآخَرِ وَلَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا صَرِيحٌ أَوْ كَالصّرِيحِ فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الْوَرَقِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ- رَحِمَهُ اللّهُ- وَقَالَ الشّافِعِيّ: لَهُ أَخْذُهُ وَيُرْوَى عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوّلُ أَصَحّ لِظَاهِرِ النّصّ وَالْقِيَاسِ فَإِنّ مَنْزِلَتَهُ مِنْ الشّجَرَةِ مَنْزِلَةُ رِيشِ الطّائِرِ مِنْهُ وَأَيْضًا فَإِنّ أَخْذَ الْوَرَقِ ذَرِيعَةٌ إلَى يُبْسِ الْأَغْصَانِ فَإِنّهُ لِبَاسُهَا وَوِقَايَتُهَا.

.لَا يُقْلَعُ حَشِيشُ مَكّةَ مَا دَامَ رَطْبًا:

وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا لَا خِلَافَ أَنّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ دُونَ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّونَ وَلَا يَدْخُلُ الْيَابِسُ فِي الْحَدِيثِ بَلْ هُوَ لِلرّطْبِ خَاصّةً فَإِنّ الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ الرّطْبُ مَا دَامَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ حَشِيشٌ وَأَخْلَتْ الْأَرْضُ كَثُرَ خَلَاهَا، وَاخْتِلَاءُ الْخَلَى: قَطْعُهُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْتَلِي لِفَرَسِهِ أَيْ يَقْطَعُ لَهَا الْخَلَى، وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْمِخْلَاةُ وَهِيَ وِعَاءُ الْخَلَى، وَالْإِذْخِرُ مُسْتَثْنًى بِالنّصّ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ الرّعْيَ أَمْ لَا؟ قِيلَ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يَتَنَاوَلُهُ فَيَجُوزُ الرّعْيُ وَهَذَا قَوْلُ الشّافِعِيّ.
وَالثّانِي: يَتَنَاوَلُهُ بِمَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِلَفْظِهِ فَلَا يَجُوزُ الرّعْيُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقَوْلَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُحَرّمُونَ وَأَيّ فَرْقٍ بَيْنَ اخْتِلَائِهِ وَتَقْدِيمِهِ لِلدّابّةِ وَبَيْنَ إرْسَالِ الدّابّةِ عَلَيْهِ تَرْعَاهُ؟ قَالَ الْمُبِيحُونَ لَمّا كَانَتْ عَادَةُ الْهَدَايَا أَنْ تَدْخُلَ الْحَرَمَ، وَتَكْثُرَ فِيهِ وَلَمْ يُنْقَلْ قَطّ أَنّهَا كَانَتْ تُسَدّ أَفْوَاهُهَا، دَلّ عَلَى جَوَازِ الرّعْيِ. قَالَ الْمُحَرّمُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُرْسِلَهَا تَرْعَى، وَيُسَلّطَهَا عَلَى ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ تَرْعَى بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلّطَهَا صَاحِبُهَا، وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسُدّ أَفْوَاهَهَا، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسُدّ أَنْفَهُ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ شَمّ الطّيبِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَعَمّدَ شَمّهُ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ السّيْرِ خَشْيَةَ أَنْ يُوطِئَ صَيْدًا فِي طَرِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ. فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ أَخْذُ الْكَمْأَةِ وَالْفَقْعِ وَمَا كَانَ مُغَيّبًا فِي الْأَرْضِ؟ قِيلَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ لِأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ الثّمَرَةِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: يُؤْكَلُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ الضّغَابِيسُ وَالْعِشْرِقُ.

.فصل لَا يُنَفّرُ صَيْدُهَا:

وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يُنَفّرُ صَيْدُهَا صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ التّسَبّبِ إلَى قَتْلِ الصّيْدِ وَاصْطِيَادِهِ بِكُلّ سَبَبٍ حَتّى إنّهُ لَا يُنَفّرُهُ عَنْ مَكَانِهِ لِأَنّهُ حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَدْ سَبَقَ إلَى مَكَانٍ فَهُوَ أَحَقّ بِهِ فَفِي هَذَا أَنّ الْحَيَوَانَ الْمُحْتَرَمَ إذَا سَبَقَ إلَى مَكَانٍ لَمْ يُزْعَجْ عَنْهُ.

.فصل لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ:

وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إلّا مَنْ عَرّفَهَا وَفِي لَفْظٍ وَلَا تَحِلّ سَاقِطَتُهَا إلّا لِمُنْشِدٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ لُقَطَةَ الْحَرَمِ لَا تُمْلَكُ بِحَالٍ وَأَنّهَا لَا تُلْتَقَط إلّا لِلتّعْرِيفِ لَا لِلتّمْلِيكِ وَإِلّا لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ مَكّةَ بِذَلِكَ فَائِدَةٌ أَصْلًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لُقَطَةُ الْحِلّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ وَهَذَا إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشّافِعِيّ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبّاسٍ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَالشّافِعِيّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتّمْلِيكِ وَإِنّمَا يَجُوزُ لِحِفْظِهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنْ الْتَقَطَهَا، عَرّفَهَا أَبَدًا حَتّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا، وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيهِ وَالْمُنْشِدُ الْمُعَرّفُ وَالنّاشِدُ الطّالِبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ إصَاخَةُ النّاشِدِ لِلْمُنْشِدِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجّ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي يَتْرُكُهَا حَتّى يَجِدَهَا صَاحِبُهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ مَكّةَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْآفَاقِ فِي ذَلِكَ أَنّ النّاسَ يَتَفَرّقُونَ عَنْهَا إلَى الْأَقْطَارِ الْمُخْتَلِفَةِ فَلَا يَتَمَكّنُ صَاحِبُ الضّالّةِ مِنْ طَلَبِهَا وَالسّؤَالِ عَنْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ.

.فصل لَا يَتَعَيّنُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ:

صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النّظَرَيْنِ، إمّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمّا أَنْ يَأْخُذَ الدّيَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَا يَتَعَيّنُ فِي الْقِصَاصِ بَلْ هُوَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمّا الْقِصَاصُ وَإِمّا الدّيَةُ. وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ رِوَايَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ:
أَحَدُهَا: أَنّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمّا الْقِصَاصُ وَإِمّا الدّيَةُ وَالْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى الْوَلِيّ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْعَفْوِ مَجّانًا، وَالْعَفْوِ إلَى الدّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَلَا خِلَافَ فِي تَخْيِيرِهِ بَيْنَ هَذِهِ الثّلَاثَةِ.
وَالرّابِعُ الْمُصَالَحَةُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدّيَةِ فِيهِ وَجْهَانِ. أَشْهَرُهُمَا مَذْهَبًا: جَوَازُهُ.
وَالثّانِي: لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ إلّا الدّيَةَ أَوْ دُونَهَا، وَهَذَا أَرْجَحُ دَلِيلًا، فَإِنْ اخْتَارَ الدّيَةَ سَقَطَ الْقَوَدُ وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ بَعْدُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشّافِعِيّ، وَإِحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ. وَالْقَوْلُ الثّانِي: أَنّ مُوجَبَهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَأَنّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ إلَى الدّيَةِ إلّا بِرِضَى الْجَانِي، فَإِنْ عَدَلَ إلَى الدّيَةِ وَلَمْ يَرْضَ الْجَانِي، فَقَوَدُهُ بِحَالِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَالْقَوْلُ الثّالِثُ أَنّ مُوجَبَهُ الْقَوَدُ عَيْنًا مَعَ التّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي، فَإِذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ إلَى الدّيَةِ فَرَضِيَ الْجَانِي، فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقِصَاصِ عَيْنًا، فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ الشّيْئَيْنِ فَلَهُ الدّيَةُ وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، سَقَطَ حَقّهُ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ؟ قُلْنَا: فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ الدّيَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمْ الْقِصَاصُ عَيْنًا، وَقَدْ زَالَ مَحَلّ اسْتِيفَائِهِ بِفِعْلِ اللّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي، فَإِنّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى ذِمّةِ السّيّدِ وَهَذَا بِخِلَافِ تَلَفِ الرّهْنِ وَمَوْتِ الضّامِنِ حَيْثُ ذِمّةِ الرّاهِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِ الْوَثِيقَةِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ تَتَعَيّنُ الدّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ لِأَنّهُ تَعَذّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْ غَيْرِ إسْقَاطٍ فَوَجَبَ الدّيَةُ لِئَلّا يَذْهَبَ الْوَرَثَةُ مِنْ الدّمِ وَالدّيَةِ مَجّانًا. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ ثُمّ اخْتَارَ بَعْدَهُ الْعَفْوَ إلَى الدّيَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: هَذَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنّ الْقِصَاصَ أَعْلَى، فَكَانَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْأَدْنَى.
وَالثّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنّهُ لَمّا اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَقَدْ أَسْقَطَ الدّيَةَ بِاخْتِيَارِهِ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا بَعْدَ إسْقَاطِهَا. فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ تَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ قِيلَ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَإِنّ هَذَا يَدُلّ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ بِخَيْرِ النّظَرَيْنِ يَدُلّ عَلَى تَخْيِيرِهِ بَيْنَ اسْتِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ لَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ بَدَلِهِ وَهُوَ الدّيَةُ فَأَيّ تَعَارُضٍ؟ وَهَذَا الْحَدِيثُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [الْبَقَرَةَ 178]، وَهَذَا لَا يَنْفِي تَخْيِيرَ الْمُسْتَحِقّ لَهُ بَيْنَ مَا كُتِبَ لَهُ وَبَيْنَ بَدَلِهِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل إبَاحَةُ قَطْعِ الْإِذْخِرِ:

وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُطْبَةِ إلّا الْإِذْخِرَ، بَعْدَ قَوْلِ الْعَبّاسِ لَهُ إلّا الْإِذْخِرَ يَدُلّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: إبَاحَةُ قَطْعِ الْإِذْخِرِ.

.لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ نِيّتُهُ مِنْ أَوّلِ الْكَلَامِ وَلَا قَبْلَ فَرَاغِهِ:

وَالثّانِيَةُ أَنّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ أَوّلِ الْكَلَامِ وَلَا قَبْلَ فَرَاغِهِ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ كَانَ نَاوِيًا لِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ مِنْ أَوّلِ كَلَامِهِ أَوْ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يَتَوَقّفْ اسْتِثْنَاؤُهُ لَهُ عَلَى سُؤَالِ الْعَبّاسِ لَهُ ذَلِكَ وَإِعْلَامِهِ أَنّهُمْ لَابُدّ لَهُمْ مِنْهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَنَظِيرُ هَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكّرَهُ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَا يَنْفَلِتَنّ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إلّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، فَإِنّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ إلّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ فِي الصّورَتَيْنِ مِنْ أَوّلِ كَلَامِهِ. وَنَظِيرُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْمَلَكِ لِسُلَيْمَانَ لَمّا قَالَ لَأَطُوفَنّ اللّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ قُلْ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَقُلْ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى، لَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَجْمَعُونَ وَفِي لَفْظٍ لَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ فَأَخْبَرَ أَنّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَنَفَعَهُ وَمَنْ يَشْتَرِطُ النّيّةَ يَقُولُ لَا يَنْفَعُهُ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَأَغْزُوَنّ قُرَيْشًا، وَاَللّهِ لَأَغْزُوَنّ قُرَيْشًا ثَلَاثًا، ثُمّ سَكَتَ ثُمّ قَالَ إنْ شَاءَ اللّهُ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ بَعْدَ سُكُوتٍ وَهُوَ يَتَضَمّنُ إنْشَاءَ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلَامِ وَالسّكُوتِ عَلَيْهِ وَقَدْ نَصّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ الصّوَابُ بِلَا رَيْبٍ وَالْمُصِيرُ إلَى مُوجَبِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ أَوْلَى. وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.