فصل: عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ:

وَعَلَى هَذَا فَكُلّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً لَا يُعْلَمُ حَالُهَا قَبْلَ الْمِلْكِ هَلْ اشْتَمَلَ رَحِمُهَا عَلَى حَمْلٍ أَمْ لَا؟ لَمْ يَطَأْهَا حَتّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةِ هَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ وَلَيْسَ بِتَعَبّدِ مَحْضٍ لَا مَعْنَى لَهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِبْرَاءِ الْعَذْرَاءِ وَالصّغِيرَةِ الّتِي لَا يَحْمِلُ مِثْلَهَا وَاَلّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ لَا تَخْرُجُ أَصْلًا وَنَحْوُهَا مِمّنْ يُعْلَمُ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا فَكَذَلِكَ إذَا زَنَتْ الْمُرَاةُ وَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوّجَ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةِ ثُمّ تَزَوّجَتْ وَكَذَلِكَ إذَا زَنَتْ وَهِيَ مُزَوّجَةٌ أَمْسَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حَتّى تَحِيضَ حَيْضَةً. وَكَذَلِكَ أُمّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيّدُهَا اعْتَدّتْ بِحَيْضَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ سَأَلْت أَبِي كَمْ عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا مَوْلَاهَا أَوْ أَعْتَقَهَا؟ قَالَ عِدّتُهَا حَيْضَةٌ وَإِنّمَا هِيَ أَمَةٌ فِي كُلّ أَحْوَالِهَا إنْ جَنَتْ فَعَلَى سَيّدِهَا قِيمَتُهَا وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهَا فَعَلَى الْجَانِي مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَإِنْ مَاتَتْ فَمَا تَرَكَتْ مِنْ شَيْءٍ فَلِسَيّدِهَا وَإِنْ أَصَابَتْ حَدّا فَحَدّ أَمَةٍ وَإِنْ زَوّجَهَا سَيّدُهَا فَمَا وَلَدَتْ فَهُمْ بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا وَيُرَقّونَ بِرِقّهَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي عِدّتِهَا فَقَالَ بَعْضُ النّاسِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَهَذِهِ عِدّةُ الْحُرّةِ وَهَذِهِ عِدّةُ أَمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الرّقّ إلَى الْحُرّيّةِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَنْ يُوَرّثَهَا وَأَنْ يُجْعَلَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْحُرّةِ لِأَنّهُ قَدْ أَقَامَهَا فِي الْعِدّةِ مَقَامَ الْحُرّةِ. وَقَالَ بَعْضُ النّاسِ عِدّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهَذَا قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إنّمَا تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ الْمُطَلّقَةُ وَلَيْسَتْ هِيَ بِمُطْلَقَةٍ وَلَا حُرّةٍ وَإِنّمَا ذَكَرَ اللّهُ الْعِدّةَ فَقَالَ: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [الْبَقَرَةُ 234] وَلَيْسَتْ أُمّ الْوَلَدِ بِحُرّةٍ وَلَا زَوْجَةٍ فَتَعْتَدّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. قَالَ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ تَعْتَدّ أُمّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا مَوْلَاهَا أَوْ أَعْتَقَهَا حَيْضَةً وَإِنّمَا هِيَ أَمَةٌ فِي كُلّ أَحْوَالِهَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمّدِ بْنِ الْعَبّاسِ عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا سَيّدُهَا. وَقَالَ الشّيْخُ فِي الْمُغْنِي: وَحَكَى أَبُو الْخَطّابِ رِوَايَةً ثَالِثَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنّهَا تَعْتَدّ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيّامٍ. قَالَ وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الْجَامِعِ وَلَا أَظُنّهَا صَحِيحَةً عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ لِأَنّهَا حِينَ الْمَوْتِ أَمَةٌ فَكَانَتْ عِدّتُهَا عِدّةَ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ فَعَتَقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ رِوَايَةَ إسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: بَابُ الْقَوْلِ فِي عِدّةِ أُمّ الْوَلَدِ مِنْ الطّلَاقِ وَالْوَفَاةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا مَاتَ السّيّدُ وَهِيَ عِنْدَ زَوْجٍ فَلَا عِدّةَ عَلَيْهَا كَيْفَ تَعْتَدّ وَهِيَ مَعَ زَوْجِهَا؟ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنّا إذَا أَعْتَقَ أُمّ الْوَلَدِ فَلَا يَتَزَوّجُ أُخْتَهَا حَتّى تَخْرُجَ مِنْ عِدّتِهَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ وَعِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ عِدّةُ الْأُمّةِ في الْوَفَاة وَالطّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَحُجّةُ مَنْ قَالَ عِدّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّهُ قَالَ لَا تُفْسِدُوا عَلَيْنَا سُنّةَ نَبِيّنَا مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا سَيّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهَذَا قَوْلُ السّعِيدَيْنِ وَمُحَمّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو وَالزّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاقُ. قَالُوا: لِأَنّهَا حُرّةٌ تَعْتَدّ لِلْوَفَاةِ فَكَانَتْ عِدّتُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَالزّوْجَةِ الْحُرّةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنّخَعِيّ وَالثّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَعْتَدّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالُوا: لِأَنّهَا لَابُدّ لَهَا مِنْ عِدّةٍ وَلَيْسَتْ زَوْجَةً فَتَدْخُلُ فِي آيَةِ الْأَزْوَاجِ الْمُتَوَفّى عَنْهُنّ وَلَا أَمَةً فَتَدْخُلُ فِي نُصُوصِ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ بِحَيْضَةِ فَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمُطَلّقَةِ فَتَعْتَدّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ. وَالصّوَابُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَالشّعْبِيّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَمَكْحُولٍ وَمَالِكٍ وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ الرّوَايَاتِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ فَإِنّ هَذَا إنّمَا هُوَ لِمُجَرّدِ الِاسْتِبْرَاءِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الرّقَبَةِ فَكَانَ حَيْضَةً وَاحِدَةً فِي حَقّ مَنْ تَحِيضُ كَسَائِرِ اسْتِبْرَاءَاتِ الْمُعْتَقَاتِ وَالْمَمْلُوكَاتِ وَالْمَسْبِيّاتِ. وَأَمّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ضَعّفَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مُوسَى: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللّهِ عَنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَا يَصِحّ. وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللّهِ يَعْجَبُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هَذَا ثُمّ قَالَ أَيْنَ سُنّةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هَذَا؟ وَقَالَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إنّمَا هِيَ عِدّةُ الْحُرّةِ مِنْ النّكَاحِ وَإِنّمَا هَذِهِ أَمَةٌ خَرَجَتْ مِنْ الرّقّ إلَى الْحُرّيّةِ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا أَنْ يُوَرّثَهَا وَلَيْسَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَجْهٌ إنّمَا تَعْتَدّ بِذَلِكَ الْمُطَلّقَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ عَمْرٍو مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو رَجَاءٍ الْوَرّاقُ وَقَدْ ضَعّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو الْحَجّاجِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ التّهْذِيبِ قَالَ أَبُو طَالِبٍ سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرّاقِ. فَقَالَ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يُضْعِفُ حَدِيثَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ مَطَرٍ الْوَرّاقِ قَالَ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يُشَبّهُ حَدِيثَ مَطَرٍ الْوَرّاقِ بِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي سُوءِ الْحِفْظِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَسَأَلْت أَبِي عَنْهُ؟ فَقَالَ مَا أَقْرَبَهُ مِنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي عَطَاءٍ خَاصّةً. وَقَالَ مَطَرٌ فِي عَطَاءٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ قُلْت لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ مَطَرٌ الْوَرّاقُ؟ فَقَالَ ضَعِيفٌ فِي حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَ النّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَبَعْدُ فَهُوَ ثِقَةٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرّازِيّ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبّانَ فِي كِتَابِ الثّقَاتِ وَاحْتَجّ بِهِ مُسْلِمٌ فَلَا وَجْهَ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ بِهِ. وَإِنّمَا عِلّةُ الْحَدِيثِ أَنّهُ مِنْ رِوَايَةِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَالَهُ الدّارَقُطْنِيّ وَلَهُ عِلّةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنّهُ مَوْقُوفٌ لَمْ يَقُلْ لَا تُلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنّةَ نَبِيّنَا. قَالَ الدّارَقُطْنِيّ وَالصّوَابُ لَا تُلْبِسُوا عَلَيْنَا دِينَنَا. مَوْقُوفٌ. وَلَهُ عِلّةٌ أُخْرَى وَهِيَ اضْطِرَابُ الْحَدِيثِ وَاخْتِلَافُهُ عَنْ عَمْرٍو عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: هَذَا.
وَالثّانِي: عِدّةُ أُمّ الْوَلَدِ عِدّةُ الْحُرّةِ.
وَالثّالِثُ عِدّتُهَا إذَا تُوُفّيَ عَنْهَا سَيّدُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا أُعْتِقَتْ فَعِدّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَالْأَقَاوِيلُ الثّلَاثَةُ عَنْهُ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيّ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى خِلَاسٌ عَنْ عَلِيّ مِثْلَ رِوَايَةِ قَبِيصَةً عَنْ عَمْرٍو أَنّ عِدّةَ أُمّ الْوَلَدِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَكِنّ خِلَاسَ بْنَ عَمْرٍو قَدْ تُكُلّمَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ أَيّوبُ لَا يُرْوَى عَنْهُ فَإِنّهُ صَحَفِيّ وَكَانَ مُغِيرَةُ لَا يُعْبَأُ بِحَدِيثِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ رِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيّ يُقَالُ إنّهُ كِتَابٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رِوَايَاتُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيّ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ هِيَ مِنْ صَحِيفَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي أُمّ الْوَلَدِ يُتَوَفّى عَنْهَا سَيّدُهَا قَالَ تَعْتَدّ بِحَيْضَةٍ. فَإِنْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيّ وَعَمْرٍو مَا رُوِيَ عَنْهُمَا فَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ بَيْنَ الصّحَابَةِ وَالدّلِيلُ هُوَ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ جَعَلَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إلّا التّعَلّقُ بِعُمُومِ الْمَعْنَى إذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ لَفْظٌ عَامّ وَلَكِنْ شَرْطُ عُمُومِ الْمَعْنَى تُسَاوِي الْأَفْرَادَ فِي الْمَعْنَى الّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهِ فَمَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَا يَتَحَقّقُ الْإِلْحَاقُ وَاَلّذِينَ أَلْحَقُوا أُمّ الْوَلَدِ بِالزّوْجَةِ رَأَوْا أَنّ الشّبَهَ الّذِي بَيْنَ أُمّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الزّوْجَةِ أَقْوَى مِنْ الشّبَهِ الّذِي بَيّنَهَا وَبَيْنَ الْأَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ حُرّةً فَلَزِمَتْهَا الْعِدّةُ مَعَ حُرّيّتِهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَلِأَنّ الْمَعْنَى الّذِي جُعِلَتْ لَهُ عِدّةَ الزّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مَوْجُودٌ فِي أُمّ الْوَلَدِ وَهُوَ أَدْنَى الْأَوْقَاتِ الّذِي يُتَيَقّنُ فِيهَا خَلْقُ الْوَلَدِ وَهَذَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ الزّوْجَةِ وَأُمّ الْوَلَدِ وَالشّرِيعَةُ لَا تُفَرّقُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَمُنَازِعُوهُمْ يَقُولُونَ أُمّ الْوَلَدِ أَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الْإِمَاءِ لَا أَحْكَامُ الزّوْجَاتِ وَلِهَذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النّسَاءُ 12] وَغَيْرُهَا فَكَيْفَ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [الْبَقَرَةُ 234]؟ قَالُوا: وَالْعِدّةُ لَمْ تُجْعَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِأَجْلِ مُجَرّدِ بَرَاءَةِ الرّحِمِ فَإِنّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يُتَيَقّنُ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا وَتَجِبُ قَبْلَ الدّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَهِيَ مِنْ حَرِيمِ عَقْدِ النّكَاحِ وَتَمَامِهِ. وَأَمّا اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَهَذَا يَكْفِي فِيهِ حَيْضَةٌ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ اسْتِبْرَاؤُهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَمَا جُعِلَتْ عِدّةُ الْحُرّةِ كَذَلِكَ تَطْوِيلًا لِزَمَانِ الرّجْعَةِ وَنَظَرًا لِلزّوْجِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ فَلَا نَصّ يَقْتَضِي إلْحَاقَهَا بِالزّوْجَاتِ وَلَا مَعْنَى فَأَوْلَى الْأُمُورِ بِهَا أَنْ يُشْرَعَ لَهَا مَا شَرَعَهُ صَاحِبُ الشّرْعِ فِي الْمَسْبِيّاتِ وَالْمَمْلُوكَاتِ وَلَا تَتَعَدّاهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فصل لَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاءُ الْمَسْبِيّةِ بِطُهْرِ بَلْ لَابُدّ مِنْ حَيْضَةٍ:

الْحُكْمُ الثّانِي: أَنّهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِطُهْرِ الْبَتّةَ بَلْ لَابُدّ مِنْ حَيْضَةٍ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الصّوَابُ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشّافِعِيّ فِي قَوْلٍ لَهُ تَمّ اسْتِبْرَاؤُهَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا: إنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ وَلَكِنْ يَرُدّ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةِ وَقَالَ رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنِ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَطَأْ جَارِيَةً مِنْ السّبْيِ حَتّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعِنْدَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ هَذَا أَحَدُهَا.
الثّانِي: نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ لَا تُوطَأُ الْأَمَةُ حَتّى تَحِيضَ وَعَنْ الْحَبَالَى حَتّى تَضَعْنَ.
الثّالِثُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحْنَ ثَيّبًا مِنْ السّبَايَا حَتّى تَحِيضَ فَعَلّقَ الْحِلّ فِي ذَلِكَ كُلّهِ بِالْحَيْضِ وَحْدَهُ لَا بِالطّهْرِ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ مَا اعْتَبَرَهُ وَاعْتِبَارُ مَا أَلْغَاهُ وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى مَا خَالَفَ نَصّهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَحْضِ فَإِنّ الْوَاجِبَ هُوَ الِاسْتِبْرَاءُ وَاَلّذِي يَدُلّ عَلَى الْبَرَاءَةِ هُوَ الْحَيْضُ فَأَمّا الطّهْرُ فَلَا دِلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوّلَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى مَا لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ عَلَيْهِ دُونَ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ وَبِنَاؤُهُمْ هَذَا عَلَى أَنّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ لِلْخِلَافِ وَلَيْسَ بِحُجّةِ وَلَا شُبْهَةٍ ثُمّ لَمْ يُمْكِنْهُمْ بِنَاءُ هَذَا عَلَى ذَاكَ حَتّى خَالَفُوهُ فَجَعَلُوا الطّهْرَ الّذِي طَلّقَهَا فِيهِ قُرْءًا وَلَمْ يَجْعَلُوا طُهْرَ الْمُسْتَبْرَأَةِ الّتِي تَجَدّدَ عَلَيْهَا الْمِلْكُ فِيهِ أَوْ مَاتَ سَيّدُهَا فِيهِ قُرْءًا وَحَتّى خَالَفُوا الْحَدِيثَ أَيْضًا كَمَا تَبَيّنَ وَحَتّى خَالَفُوا الْمَعْنَى كَمَا بَيّنّاهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ هَذَا الْبِنَاءُ إلّا بَعْدَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثّلَاثَةِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَغَايَةُ مَا قَالُوا: إنّ بَعْضَ الْحَيْضَةِ الْمُقْتَرِنِ بِالطّهْرِ يَدُلّ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ فَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ عَلَى بَعْضِ الْحَيْضَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ قُرْءًا عِنْدَ أَحَدٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ اعْتِمَادٌ عَلَى بَعْضِ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ. قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي مُسَمّى الْقُرُوءِ وَلَا يُعْرَفُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَتُهُ مُرَكّبَةً مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ. قَالُوا: بَلْ هُوَ اسْمٌ لِلطّهْرِ بِشَرْطِ الْحَيْضِ. فَإِذَا انْتَفَى الشّرْطُ انْتَفَى الْمَشْرُوطُ قُلْنَا: هَذَا إنّمَا يُمْكِنُ لَوْ عَلّقَ الشّارِعُ الِاسْتِبْرَاءَ بِقُرْءِ فَأَمّا مَعَ تَصْرِيحِهِ عَلَى التّعْلِيقِ بِحَيْضَةِ فَلَا.

.فصل لَا يَحْصُلُ بِبَعْضِ حَيْضَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اكْتِفَاءً بِهَا:

الْحُكْمُ الثّالِثُ أَنّهُ لَا يَحْصُلُ بِبَعْضِ حَيْضَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اكْتِفَاءً بِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ: فَإِنْ بِيعَتْ الْأَمَةُ فِي آخِرِ أَيّامِ حَيْضِهَا لَمْ يَكُنْ مَا بَقِيَ مِنْ أَيّامِ حَيْضِهَا اسْتِبْرَاءً لَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَإِنْ بِيعَتْ وَهِيَ فِي أَوّلِ حَيْضَتِهَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنّ ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً لَهَا. وَقَدْ احْتَجّ مَنْ نَازَعَ مَالِكًا بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّهُ عَلّقَ الْحَلّ بِحَيْضَةِ فَلَا بُدّ مِنْ تَمَامِهَا وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِ فَإِنّهُ لَابُدّ مِنْ الْحَيْضَةِ بِالِاتّفَاقِ وَلَكِنّ النّزَاعَ فِي أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعَ الْحَيْضَةِ وَهِيَ فِي مُلْكِهِ أَوْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُهَا فِي مِلْكِهِ فَهَذَا لَا يَنْفِيهِ الْحَدِيثُ وَلَا يُثْبِتُهُ وَلَكِنْ لِمُنَازِعِيهِ أَنْ يَقُولُوا: لِمَا اتّفَقْنَا عَلَى أَنّهُ لَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَعْضُهَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ أَكْثَرُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ عَلِمَ أَنّ الْحَيْضَةَ الْمُعْتَبَرَةَ أَنْ تَكُونَ وَهِيَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا لَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ. وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ يُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنّهَا إذَا حَاضَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهِيَ مُودَعَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمّ بَاعَهَا عَقِيبَ الْحَيْضَةِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ اُكْتُفِيَ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِبْرَاءٌ ثَانٍ وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدّمَ فَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْرَاءُ وَاقِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا هَذِهِ. وَمِنْهَا إذَا وَضَعَتْ لِلِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ ثَالِثٍ فَاسْتَبْرَأَهَا ثُمّ بِيعَتْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلّا فِي حَالَاتٍ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ بِالْوَدِيعَةِ فَتَحِيضُ عِنْدَهُ ثُمّ يَشْتَرِيهَا حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ أَيّامٍ وَهِيَ لَا تَخْرُجُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا سَيّدُهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمّنْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ فِي عِيَالِهِ. وَقَدْ حَاضَتْ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ إنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي دَارٍ وَهُوَ الذّابّ عَنْهَا وَالنّاظِرُ فِي أَمْرِهَا فَهُوَ اسْتِبْرَاءٌ سَوَاءٌ كَانَتْ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ. وَمِنْهَا: إذَا كَانَ سَيّدُهَا غَائِبًا فَحِينَ قَدّمَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ أَوْ خَرَجَتْ وَهِيَ حَائِضٌ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ. وَمِنْهَا: الشّرِيكُ يَشْتَرِي نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الْجَارِيَةِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا وَقَدْ حَاضَتْ فِي يَدِهِ. وَقَدْ تَقَدّمَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فَهَذِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَضَمّنَتْ الِاسْتِبْرَاءَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَاكْتَفَى بِهِ مَالِكٌ عَنْ اسْتِبْرَاءٍ ثَانٍ. فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ قَوْلُهُ هَذَا وَقَوْلُهُ إنّ الْحَيْضَةَ إذَا وَجَدَ مُعْظَمَهَا عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ اسْتِبْرَاءً؟ قِيلَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ لَهَا مَوْضِعٌ وَهَذِهِ لَهَا مَوْضِعٌ فَكُلّ مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ فِيهِ الْمُشْتَرِي إلَى اسْتِبْرَاءٍ مُسْتَقِلّ لَا يُجْزِئُ إلّا حَيْضَةٌ لَمْ يُوجَدْ مُعْظَمُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ وَكُلّ مَوْضِعٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِبْرَاءٍ مُسْتَقِلّ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى حَيْضَةٍ وَلَا بَعْضُهَا وَلَا اعْتِبَارَ بِالِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ الْبَيْعِ كَهَذِهِ الصّوَرِ وَنَحْوِهَا.

.فصل اسْتِبْرَاءُ الْمَسْبِيّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ:

الْحُكْمُ الرّابِعُ أَنّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَهَذَا كَمَا أَنّهُ حُكْمُ النّصّ فَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمّةِ.

.فصل لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَسْبِيّةِ الْحَامِلِ قَبْلَ وَضْعِ حَمْلِهَا:

الْحُكْمُ الْخَامِسُ أَنّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا قَبْلَ وَضْعِ حَمْلِهَا أَيّ حَمْلٍ كَانَ سَوَاءٌ كَانَ يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ كَحَمْلِ الزّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ أَوْ لَا يَلْحَقُ بِهِ كَحَمْلِ الزّانِيَةِ فَلَا يَحِلّ وَطْءُ حَامِلٍ مِنْ غَيْرِ الْوَاطِئِ الْبَتّةَ كَمَا صَرّحَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَهَذَا يَعُمّ الزّرْعَ الطّيّبَ وَالْخَبِيثَ وَلِأَنّ صِيَانَةَ مَاءِ الْوَاطِئِ عَنْ الْمَاءِ الْخَبِيثِ حَتّى لَا يَخْتَلِطَ بِهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَتِهِ عَنْ الْمَاءِ الطّيّبِ وَلِأَنّ حَمْلَ الزّانِي وَإِنْ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا لِمَائِهِ فَحَمْلُ هَذَا الْوَاطِئِ وَمَاؤُهُ مُحْتَرَمٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ خَلْطُهُ بِغَيْرِهِ وَلِأَنّ هَذَا مُخَالِفٌ لِسُنّةِ اللّهِ فِي تَمْيِيزِ الْخَبِيثِ مِنْ الطّيّبِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْهُ وَإِلْحَاقِ كُلّ قِسْمٍ بِمُجَانِسِهِ وَمَشَاكِلِهِ. وَاَلّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ تَجْوِيزُ مِنْ جَوّزَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْعَقْدَ عَلَى الزّانِيَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا وَوَطْئِهَا عَقِيبَ الْعُقَدِ فَتَكُونُ اللّيْلَةَ عِنْدَ الزّانِي وَقَدْ عَلّقَتْ مِنْهُ وَاللّيْلَةُ الّتِي تَلِيهَا فِرَاشًا لِلزّوْجِ. وَمَنْ تَأَمّلَ كَمَالَ هَذِهِ الشّرِيعَةِ عَلِمَ أَنّهَا تَأْبَى ذَلِكَ كُلّ الْإِبَاءِ وَتَمْنَعُ مِنْهُ كُلّ الْمَنْعِ.